يبقى حي القصبة العتيق بأعالي العاصمة الجزائرية من أكبر الأحياء القديمة في الجزائر التي تحافظ مبانيها من دور وقصور وحمامات ودكاكينها القديمة والتي تعود الى الفترة العثمانية.
وأول ما يلفت انتباه الداخل الى العاصمة الجزائرية من الواجهة البحرية هو التجمع العمراني الكبير لمباني يرجع تاريخ بناءها الى العهد التركي .
ويبقى حي القصبة شاهدا على كل حكايات التاريخ و رغم قدم احيائه فانه مازال محافظا على تراث الجزائر و خصوصيته التي تميزه عن كل الدول العربية.
ويحتوي الحي العتيق على قصور تركية من بينها قصر سيدي عبد الرحمن وقصر دار الصوف وقصر مصطفى باشا و قصر دار القادس و دار عزيزة بنت السلطان وقصر دار الحمرة الذي تحول الى دار للثقافة الى جانب قصر أحمد باي الذي تم تحويله الى مقر للمسرح الوطني .
كما حولت بعض هذه القصور الى مكتبات ودور ثقافة او مراكز للتأهيل المهني و بالنظر الى أهمية القصبة العتيقة صنفت من المواقع التي ينبغي أن تحافظ عليها اللجنة الوطنية لحماية أملاك الدولة الجزائرية. ولحماية الحي العتيق وضعت وزارة الثقافة الجزائرية مخططا دائما لحماية القصبة المتعلق بحماية التراث الثقافي بجميع مكوناته وبالنظر الى مكانته التاريخية يزور الحي العديد من المؤرخين و علماء الآثار الأجانب لدراسة معالمها التاريخية.
كما انطلقت اولى شرارات الثورة بالعاصمة الجزائرية من القصبة بعدما انطلقت بمنطقة الاوراس في الشرق الجزائري منطقة القبائل الكبرى وسط الجزائر و منطقة التيطري بالغرب الجزائري في عهد الاستعمار الفرنسي الذي استمر في الجزائر 132 سنة. وتعد القصبة معلما تاريخيا يحتفظ بأهم مراحل الثورة التحريرية الجزائرية منذ اندلاع الثورة في 1 نوفمبر 1954 ومعقل الثوار في دار "السبيطار " التي كانت مخبأ للمجاهدين أمثال " أحمد زبانة " و" علي لابوانت" و"جميلة بلباشا " و"حسيبة بن بوعلي " و " زيغود يوسف " و "محمد بومنجل و "جميلة بوحيرد " وعدد من المجاهدين الذين ضحوا في سبيل تحرير الجزائر.
- كما استخدم المجاهدون الحي كمخبأ باعتباره يحتوي على أزقة ضيقة مكنت الثوار من القيام بعمليات عسكرية بعيدا عن أعين قوات المحتل لذا شنت قوات الجيش الفرنسي عمليات دهم للقبض على المجاهدين في هذا الحي الذي عرف وقتذاك .
والجميل في هذا الحي أنه يدب يوميا بالحركة بالنظر الى انتشار المحلات التجارية فيه منها ما هو قديم تمارس فيه بعض المهن التي نفتقدها في أحياء العاصمة الجزائرية الجديدة مثل الخياطة و الطرز على الحرير و الألبسة التقليدية وصناعة النحاس و الحلي الفضية و النجارة و الحلويات الشرقية و صناعة السروج الخاصة بالأحصنة و غيرها من المهن اليدوية التي اندثرت أو هي آيلة الى الاندثار في الجزائر.
وقال أحد سكان القصبة القدامى (وهو خياط ورث مهنته أبا عن جد) السيد علي بن لشهب لوكالة الأنباء الكويتية ( كونا) أن حي القصبة هو حي البسطاء بالنظر الى شعبيته وكذا حفاظه ببعض العادات التي تميز سكان العاصمة الجزائرية خصوصا في شهر رمضان الكريم .
واضاف انه خلال أيام شهر رمضان تتميز "القصبة " بالحركة غير العادية كما اعتادت النسوة على أن يسهرن في منزل واحد من منازل الحي و يتناوبون في السهران ففي كل مرة يسهرن في منزل من منازل الجيران يتسامرون و يجاذبون أطراف الحديث حول صينية الشاي و القهوة و الحلويات بمختلف أنواعها.
وذكر أن من يريد أن يزور الجزائر يجب أن يزور هذا الحي العتيق الذي يحتفظ بذاكرة اسمها الثورة التحريرية .
ويجلب حي القصبة العتيق حاليا كل سنة أكثر من مليون سائح من مختلف الدول العربية و الغربية و حتى بالنسبة للجزائريين المغتربين في الخارج.
ويستقبل الحي العتيق يوميا ما يقارب 200 ألف زائر بالنظر الى أهمية الحي التاريخية و كذلك انتشار المحلات و الأسواق الشعبية التي تجلب الزبائن من كل حدب و صوب حيث يزورها يوما المواطنون من مختلف الولايات القريبة من العاصمة كولايات تيزي وزو وبومرداس وتيبازة والبليدة . من جهة أخرى ألهم هذا الحي العديد من الكتاب و الأدباء من بينهم الكاتب ياسف سعدي الذي كتب " معركة الجزائر" والتي استلهم وقائعه من أحداث وقعت في" القصبة العتيقة " ابان الثورة الجزائرية وتم تحويله الى فيلم كبير عرض حتى في قاعات السينما الأمريكية.
كما أعطت القصبة الالهام للكاتب الجزائري الراحل محمد ديب ليترك وراءه روايات عدة مثل " أهمها "الحريق" و"دار السبيطار" و"الدار الكبيرة" وكلها روايات تقع أحداثها في القصبة و تروي المعاناة الكبرى التي عاشها الجزائريون في سنوات الاحتلال خاصة بالنسبة للتعذيب الذي تعرض له الجزائريون من طرف الجيش الفرنسي.