تاريخ أشير وتأسيسها
على حوالي 50كلم جنوبي الجزائر وفي ولاية تيطري و بتدقيق أكثر على 10 كيلو مترات شرقي قرية عين بوسيف, نستطيع أن نرى آثار مدينة لعبت دورا هاما في تاريخ المغرب الأوسط وحضارته, أن هذه المدينة و التي اندثرت هي : أشير أول عاصمة للزيرين, ولقد اجمع المؤرخون و الجغرافيون على أن مؤسس أشير هو:"زيري بن مناد" وفال ابن عذراء:"...أما مدينة أشير فبناها زيري بن مناد الصنهاجي" وقال صاحب كتاب الاستبصار في ذكره لمدينة أشير"...تعرف باشير الزيري" أما تاريخ بنائها فقد أسسها هذا الأخير في سنة 324/938 م, فتمت على مراحل من البناء وقد ذكر في عهد ابن الايثر أن أشير بنيت في عهد زيري و توسيعها كان في عهد خليفته "ابن بلكين" في سنة 361/975 م , ونجد أيضا مرحلتين لبناء اشيرفي كتاب البكري فذكر هذا الجغرافي العربي أن أشير أسست في عهد زيري بن مناد, وان سورها بني من طرف بلكين في سنت 367 هـ/981 م أما ابن خلدون فيذكر ثلاث مراحل في تشيد أشير: التأسيس وبناء السور ونشيد القصور و المنازل و الحمامات ويبين لنا النويري وابن الأثير من جهتهما الظروف التي أسست فيها أشير, فقال النويري:"... بعد ما رأى إتباع زيري أن أرضهم ضاقت بهم طلبوا منه أن يبحث عن مكان آخر حيث يكونون في راحة فبناءا على ذلك انتقل زيري إلى مكان الذي بنى فيه فيما بعد مدينة أشير,حيث كان هذا المكان غير عامر.ولكنه توجد به عدة عيون فامرباحضار عدد كبيرمن النجارين و البنائين, وطلب من الخليفة الفاطمي القائم أن يبعث له مهندسا كانت مهارته تفوق مهارة سائر مهندسي افريقية,ونال من نفس الخليفة القائم كمية كبيرة من الحديد و المواد البنائية الأخرى فقام إذ ذلك بالعمل و أتم بناء مدينته,أما ابن الأثير فيقول:" أن عدد إتباع زيري كثر بعد انتصاره على زناته,فضاقت بهم أرضهم فقالوا له: لو اتخذت لنا بلدا غير هذا فسار بهم إلى موضع مدينة أشير, فرأى ما فيه من العيون فاستحسنه وبني فيه مدينة أشير على قمة الجبل الأخضر, يبلغ ارتفاعها حوالي 1400 متر عن مستوى البحر, وهذا الموضع هو أنها مدينة منعزلة إذ كانت تصلح قاعدة لقبيلة صنهاجة,فهي لا يمكن أن تكون عاصمة و قاعدة للدفاع منها في المغرب الأوسط, وتقع أشير على طريق التي تصعد ملتوية بين سفوح الحبال على مسافة 92 كلم في الجنوب الشرقي لمدينة الجزائر وتحت خط طولها مباشرة, وتشغل مساحة 53 هكتارمن الأرض التي تجري فيها عينان بماء عذب, ومدينة أشير عبارة عن ثلاث مدن منفصلة ففي الجهة الغربية نجد منزه بنت السلطان, والمدينتان الشرقيتان و البنية.
أما عن الأبحاث الأثرية باشير فيعود اكتشافها لأول مرة في الزيارة الأولى للباحث"بيربروجر" في يوليو 1850م و الزيارة الثانية في اغسطس 1852م, فوجد بيها آثار قصبة في مكان يعرف بمنزه بنت السلطان, وهو في رأيه يناسب أشير الأولى و شمالي هذا الحصن مكان آخر يكون على قوله أشير الجديدة, و يشير هذا الباحث إلى أن مدينة أشير تسمى "بياشير باللهجة البربرية" و أن هذه الكلمة أي" أشير" تعني "مخلب" وتطبق على المراكز العسكرية التي مثل المخلب, وبعد الباحث" بير بروجر" وفي سنة 1869 زارها الباحث"شاباسيار" فترك لنا تصميم قصبة بنت السلطان, وفي سنة 1908 زار النقيب"رودي" بدوره العاصمة الزيرية الأولى"أشير" و اكتشف بها ثلاثة مواقع مختلفة: منزه بنت السلطان و ياشير أو أشير والبنية, حيث يصف لنا منزه بنت السلطان انه حصن مشيد بالكاف الأخضر على حوالي 10كيلو مترات شمالي شرقي مدينة عين بوسيف على قمة صخرة جدرانها قائمة و وعرة, ويبلغ ارتفاعها حوالي 1300 متر و هي ذات اتجاه جنوبي شمالي يميل قليلا اى الشرق ويساوي طولها 276 متر و عرضها المتوسط 25 متر, ويحتوي على سور, نستطيع أن نرى داخلها برجا نصف دائري الشكل ومسكنا وصهريجا. فاسور يبلغ سمكه مترين و له شكل قمة الصخرة و هو مثبت بها بقراض على شكل سلم أو على شكل حرف "t " التي تمنع كل انزلاق نحو الخارج وندخل السور من باب مفتوح في الجدار الغربي و نصل إليه بواسطة سلم وهذا الباب يحميه برج. ويوجد البرج النصف الدائري بالطرف الشمالي للحصن, ويشتمل على غرفة واحدة كانت تستعمل بدون شك كمقام للحراس أو كمرصد, وفي رأي "رودي" كانت تستطيع ضم حوالي 10 أشخاص و كان المسكن يعتمد على الصخرة , حيث يبلغ طولها 30متر و عرضه 15 متر و يحتوي على بنائين يفصلهما بناء داخلي يساوي طول كل بناء 15 مترو عرضه 6 متر ويشتمل على غرفتين متساويين من حيث المساحة يبلغ طولهما 7 متر و عرضها 6 متر أما الفناء فكان يستعمل كمركز احتشاد, أما بالنسبة للصهريج فضلعه يساوي و عمقه يساوي 1.5 متر إذن كانت سعته 150000 لترا من الماء و كانت البئر المتصلة به اسطوانية الشكل يبلغ قطرها 2056 متر و عمقها 1.50 متر فكانت سعتها 363 لتر. و لاحظ النقيب "رودي" على حوالي 200 متر من منزه بنت السلطان عينا معروفة بدالية "بن عزوز" تنبع في قعر خور متوازي لقمم صخرة منزه بنت السلطان, فقال النقيب أن هذه العين المخفية حاليا ليست بكثيرة المياه و لكن ماء بارد و عذب.أما الموقع الثاني الذي أكتشفه" رودي" كان ياشير أو الأشير فيقع على حوالي 12 كلم شمالي شرقي مدينة عين بوسيف, فتقع على هضبة تنحدر قليلا نحو الجنوب و يحيط بها سور سمكه حوالي مترين (2م), مبني باججار صغيرة تحميه من جهتي الغرب و الشرق بخوران يتراوح عمقها بين 25 ,40 متر و من جهة الجنوب منحدر يتراوح ارتفاعه بين خمسة(5) و عشرة(10) أمتار و ما رأى فيه النقيب "رودي" سوى القرميد و الآجر وكسر الفخار. أما الموقع الثالث هو البنية, وتفصله مسافة 2500 م عن الموقع الثاني"ياشير" و مساحتها 35 هكتار, محاطة بسور يساوي سمكه حوالي مترين (02), ويضيف انه ملاحظ فيها إلا أثار بناء مستطيل واحد يبلغ طوله 21 مترا وعرضه 19 متر و به بئر يساوي سمكه 1.5 متر حيث كان هذا البناء حماما. وبعد النقيب "رودي" جاء "جورج مارسي" الذي زار أشير في سنة 1912 م و أكد المعلومات التي جاء بها سابقة"رودي" ماعدا فيما يخص البناء المستطيل الموجود بالبنية و الذي كان في رأيه مسجدا و ليس حماما, وأثناء رحلته الدراسية اكتشف باشير تاج عمود وقطعة من الرخام و كسرة من الخزف.وقرر أن يقوم الباحث "قولفان" بحفريات بهذا المكان وذلك في سنة 1954 وتواصلت الي 1956 فسمحت له أن يدرس وبدقة مدينة البينة التي ألقي عليها أسم بلكين. حيث يقول"قولفان" أن أشير بلكين أو البنية لها شكل مستطيل و يبلغ طولها 800 متر تقريبا و عرضها يتراوح ما بين 400 و450 متر,و كانوا يدخلون فيها من باب ذي مضلة’ مفتوح في الجدار الغربي, والى هذا البناء المستطيل يضاف محرز شكله شكل ركن الصخرة الذي بني عليه هذا المحرز محاط هو الآخر بسور,وفي قسمه العلوي لاحظ قولفان و جود برج مستدير يمكن أن يكون برج للإشارات و كان برج آخر من هذا النوع موجودا بالزاوية الشمالية الشرقية للسور.