عنوان الموضوع : تفكير الإمام المصلح عبد الحميد بن باديس التاريخ الجزائري
مقدم من طرف منتديات العندليب
تفكير الإمام المصلح عبد الحميد بن باديس
لا نريد الخوض في حقيقة تفكير ابن باديس : أهو تفكير ذو طابع ديني أم هو تفكير سياسي، أم تفكير فلسفي...؟
أيا كانت الإجابة فالمعروف عن ابن باديس أنه عالم ديني، ومصلح اجتماعي ومفكر سياسي، و أستاذ مرب، وكاتب مجيد، وصحافي قدير.
ومن الكتاب من يعتبره إلى جانب ذلك فيلسوفا، ومنهم من لا يريد أن ينسبه إلى الفلسفة باعتبار الفلسفة بناء فكريا نظريا، نتائجه ظنية احتمالية، ولأن البحث الفلسفي ينطلق من تصورات مجردة، ويقوم على الجدل العقلي الذي ليست له غاية نفعية يستفيد منها عموم الناس، وفلسفة بهذا المفهوم لا تنسجم مع طبيعة ابن باديس، ولا مع تفكيره العملي.
ولهذا لا نستطيع أن نصفه ضمن قائمة الفلاسفة الذين كرسوا حياتهم وأبحاثهم للخوض في المسائل الفلسفية التجريدية، التي لا تنزل إلى واقع الناس، ولا تعالج مشكلاتهم ولا نستطيع كذلك أن نجرده من التفكير الفلسفي الذي يتناسب مع روحه الدينية و اتجاهه الوطني، وبرنامجه الإصلاحي، وانشغلاته السياسية والاجتماعية .
الجانب الفلسفي في تفكير ابن باديس
السمات المميزة لتفكير ابن باديس
ابن باديس الفقهيه المجتهد
التفكير التربوي للإمام عبد الحميد بن باديس
نظرة إبن باديس إلى الإنسان
المعرفة والعلم في نظر ابن باديس
ابن باديس وتعليم المرأة
العمل الجماعي في نظر ابن باديس
الجانب الفلسفي في تفكير ابن باديس
و من هنا يمكننا القول إن الفلسفة التي نستطيع أن ننسبها إلى ابن باديس ليست الفلسفة التي يجنح فيها العقل إلى التصورات المجردة، والتأملات الحاملة، والمسائل النظرية البحتة، التي لا تتصل بواقع مجتمعه ولا تسهم في حل مشكلا ت واقع هدا المجتمع، وإنما الفلفسة التيس نستطيع أن ننسبها إليه، ونجعلها جانبا من تفكيره هي الفلسفة العملية، التي يستطيع أن يترجمها الإنسان إلى واقع الحياة، و يعيش حقائقه؛ الفلفسة التي يتطابق فيها القول مع الفعل،و الاعتقاد مع السلوك ،و يتكامل فيها التصور النظري مع الممارسات العملية، الفلسفة التي تبحث في الحقائق التي يعيشها الإنسان، ويكون منطلقها واقع المجتمع، وأساسها روح الإسلام وأصوله، وغايتها تحرير المجتمع من كل أشكال الظلم والتخلف والتسيب، والتي تستهدف في مناهجها إعادة تشكيل الشخصية الجزائرية، التي أصبها الوهم، نتيجة ظروف الانحطاط، وسياسة الاستعمار .
إن الفلسفة التي تطبع تفكير ابن باديس فلسفة واقعية تنبع من تفكير إنسان واع، مرتبط بوطنه، وملتزم بحقائق دينه، مستوعب أسباب معناة بلاده، متطلع إلى معايشة عصره، فلسفة تلح على تمتين الصلة بين الفكر والعمل، والمزواجة بين النظرية والتطبيق، هده بعض سمات التفكير الباديسي، إن سمات تمتزج فيها الجوانب الدينية والسياسية، والأخلاقية والعلمية والوجدانية والعقلية، ولكن السمة البارزة في هدا التفكير هي السمة الدينية المطعمة بالنزعة العقلية ، باعتبار العقل " ميزة الإنسان و أداة عمله " كما يقول ابن باديس، والعقل من ناحية أخرى هو القوى الروحية التي بها يكون التفكير والنظر
وتجدر الإشارة إىل الطابع المميز لتفكير ابن باديس تجسده آراؤه وأفكاره ومواقفه، التي صار عليها في حياته ،و بنى على أساسها مشاريعه الاصلاحية،و شكل منها منهجا اعتمده في معالجة أوضاع مجتمعه و برنامجه التعليمي، و هي كما نرى فلسفة عملية أكثر منها نظرية، لأنها لا تنظر إلى السماء بقدر ما تنظر إلى الأرض و تعالج الأمور التي استحودت على تفكير الإنسان بمنطق الواقعية ،لأنها فلسفة تستمد روحها من روح الإسلام وأصوله ،و تجعل هدفها تجسيد هذه الأصول و تقريبها من الناس، و الاستفادة منها، وتصحيح المفاهيم، والاعتقادات، وتهديب السلوك الفردي والاجتماعي، ودفع الناس إلى الإسهام في تغيير واقعهم، وتحسين ظروفهم، ليكونوا أهلا للاستخلاف الذي استخلفه الله في أرضه.
السمات المميزة لتفكير ابن باديس
إن المتتبع لأراء ابن باديس في الدين و السياسة و الأخلاق و العلم و التربية، وفي القضايا الوطنية والثقافية التي ترك لنا فيها آثار مكتوبة يجد أنها آراء نابعة من فكر إنسان ملتزم بحقائق دينه و تاريخ أمته، ونهج سلفه، ومتفاعل مع واقع مجتمعه وحقائق عصره، ومتفتح على أفكار غيره ، حريص على بعث يقظة فكرية و سياسية في نفوس الأجيال ، تعيد للأمة عزتها و للعروبة والإسلام مجدهما، وللوطن كرامته وحريته، و تبعث في الشباب روح العزم على التغيير وإرادة البناء لتخليص الوطن من المحن التي أصابته.
إن القراءة المتمعنة في هذه الآراء تقودنا إلى استخلاص السمات المميزة للتفكير الباديسي، تلك السمات التي تبين لنا أن تفكير ابن باديس تفكير عقلاني متفتح من جهة، و سلفي ملتزم من جهة ثانية، والسلفية عنده لا تعني تقليدا أعمى للأوائل ولا تقديسا للماضي من حيث هو ماض، وإنما تعني اتباعا للنهج الذي رسمه الإسلام، وسار عليه رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم النهج الذي اتبعه الأئمة المجتهدون الذين فهموا حقائق الإسلام، واستلهموها في اجتهاداتهم وأحكامهم، وفي معالجة الأمور التي طرأت على مجتمعاتهم.
السلفية عنده لا ترفض معايشة العصر، والتفتح على علومه، والاستفادة من كل ما يمكن المجتمع من مسايرة الركب الحضاري كما لا ترفض الرجوع إلى العقل في معالجة الأمور دون أن يكون في ذلك ما يمس جوهر العقيدة و يتضارب مع حقائق الإسلام، وفي هذا الصدد يذكر ابن باديس أنه كان في فترة الدراسة متبرما بأساليب المفسرين وإدخالهم التأويلات الجدلية في كلام الله... ضيق الصدر من اختلافهم فيما لا اختلاف فيه من القرآن، و كانت على ذهنه بقية غشاوة من التقاليد ...ثم يقول: و ذكرت يوما الشيخ النخلي فيما أجده في نفسي من التبرم والقلق، فقال لي : أجعل ذهنك مصفاة لهذه الأساليب المعقدة، وهذه الأحوال المختلفة، و هذه الآراء المضطربة يسقط الساقط ويبقى الصحيح وتستريح .يقول ابن باديس بعد ذلك : فوالله لقد فتح بخذخ الكلمة القليلة عن ذهني آفاقا واسعة لا عهد له بها، هكذا زالت الحيرة التي كان فيها ابن باديس بعد أن اهتدى إلى طريق اليقين الذي فتح عينيه على الطريق الذي ينبغي أن يتبعه المفكر، وهو أن يعتمد عقله دليله في الاهتداء إلى التمييز بين الآراء الصحيحة والآراء السقيمة.
هذا التزاوج في تفكير ابن باديس بين التفتح العقلي على الحياة المعاصرة والالتزام بالأصول الدينية الصحيحة هو تزاوج مستمد من تفكير إسلامي كما أسلفنا.
لأن التفكير الإسلامي الأصيل يقوم على التوازن والتكامل بين الجوانب العقلية التي وظيفتها التدبر والتأمل والاستدلال, وبين الجوانب الروحية الوجدانية التي وظيفتها الإيمان والامتثال والالتزام, إذ البحث العقلي واجب الإنسان المسلم, وقد شرح ابن رشد هذا التواؤم بين العقل والدين, أو بين الحكمة والشريعة في كتابه "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال" وأوضح أن ما يؤدي إليه البحث العقلي لا يخالف ما قرره الشرع يقول : "غذا كانت الشريعة حقا, وداعية إلى النظر المؤدي إلى معرفة الحق, فإن الحق لا يضاد الحق, بل يوافقه ويشهد له" وكل ما في الأمر أنه يجب على المفكر الذي يتصدى إلى البحث في العقائد وأمور الدين... أن يستوفي شروط البحث من ذكاء الفطرة, والعدالة الشرعية... وأن يكون فيما يتعلق بظاهرة الدين الذي يحتاج إلى تأويل من أهل التأويل وصياغة البرهان.
وفي هذا الصدد يقول ابن تيمية : "المعقول الصريح لا يخالف المنقول الصحيح".
هذا هو النهج الذي استلهمه ابن باديس في بناء اتجاهه الفلسفي, ومن هنا نتبين أن تفكير ابن باديس كما يصفه محمد الميلي كان تفكيرا أصيلا, يجمع إلى العقلانية المتحررة الإيمان بالقيم الإسلامية.
وقد يبدو هذا الاتجاه غريبا بالنظر إلى ثقافته التقليدية وقراءاته الدينية, والبيئة العائلية المحافظة التي نشأ فيها, لولا أن هناك عوامل أسهمت في بروز هذا الاتجاه, وقد أشار الأستاذ محمد الميلي إلى بعضها وهي كما يلي :
1- معايشة ابن باديس الأوساط المحتكة بالتيار الثقافي الغربي, مما جعله يلاحظ عن كثب العوامل التي كانت سببا في تفرق الغرب وتقدمه, ولعل هذا هو الذي جعله لا يتردد في الدعوة إلى الأخذ بأسباب التقدم وطلب المعرفة بأية لغة, ومن أي مصدر.
2- التأثير المزدوج في ثقافته والذي يرجع إلى دراسته في تونس : تأثير التيار العصري التاريخي ممثلا في (الشيخ البشير صفر), أحد مشايخه, وتأثير التيار الإسلامي التقليدي الإصلاحي ممثلا في (الشيخ محمد النخلي), الذي كان له الفضل في توجيه عقله فيما يقرأ, وزوال الغشاوة التي كانت على ذهنه من التقليد.
3- الآثار التي تركتها أفكار الأفغاني وشكيب أرسلان والكواكبي, وغيرهم ممن كان لهم فضل في بعث اليقظة الفكرية في الشرق العربي, التي انتقلت آثارها بشكل غير مباشر إلى المغرب العربي, وأثرت في علمائه, وفي اتجاهات الغصلاح عندنا.
ابن باديس الفقهيه المجتهد
مما عرف به ابن باديس أنه فقيه أصولي مجتهد, جامع لشروط الإمامة والفتوى, عالم بمذاهب أهل السنة والجماعة, عارف بمقتضيات الحياة, متطلع في المذهب المالكي, وفي معرفة أحوال مجتمعه, إذ لم يكن فقيها تقليديا يكتفي بالتعامل مع ظاهر النصوص, إنما كان يعمل فكره ويجتهد في تحليل القضايا التي تعرض لحياة الناس وفق الظروف التي يعيشونها.
وله عدة آراء اجتهادية في الدين تتمثل في :
أولا : رأيه في تجنس المسلم بالجنسية الفرنسية : تنص الفتوى بتكفير كل مسلم جزائري أو تونسي أو مغربي يتنازل عن قانون الأحوال الشخصية الإسلامية باختياره, وبتجنس بالجنسية الفرنسية للتمتع بالحقوق المدنية, قال ابن باديس : " ما أكثر ما سئلنا عن هذه المسألة, وطلب منا الجواب في الصحف, ومن السائلين رئيس المتجنسين الأستاذ التركي (الذي لم يجد من يفته في تونس) وكاتبنا برسالتين, فأدينا الواجب بهذه الفتوى :
بسم الله الرحمن الرحيم, وصلى الله على محمد وآله : التجنس بجنسية غير إسلامية يقتضي رفض أحكام الشريعة الإسلامية ومن رفض حكما واحد من أحكام الإسلام عدَّ مرتدا عن الإسلام بالإجماع, فالمتجنس مرتد بالإجماع, والمتجنس - بحكم القانون الفرنسي - يجري تجنسه على نسله, فيكون قد جنى عليه بإخراجه من حظيرة الإسلام, وتلك الجناية من شر الظلم وأقبحه, وإثمها متجدّد عليه ما بقي له نسل في الدنيا, خارجا عن شريعة الإسلام بسبب جنايته... والعلم عند الله..." خادم العلم وأهله "عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء" - البصائر عدد 95 بتاريخ 14/01/1938, جمادى الثاني 1356 هـ. نص الفتوى
ثانيا : رأيه في تزوج المسلم الجزائري بالفرنسية : بالرغم من أن الإسلام يبيح الزواج بالكتابية فد أفتى ابن باديس بحرمة زواج الجزائري المسلم بالفرنسية, وعلل ذلك بكون النتيجة التي تؤدي إليها هذا الزواج هي الخروج عن حظيرة الإسلام لأن القانون الفرنسي يقضي بأن أبناءه منها يتبعون جنسية أمهم في خروج نسله عن حظيرة الإسلام. فإن كان راضيا بذلك فهو مرتد عن الإسلام, جان على أبنائه, ظالم لهم, وإن كان غير راض لهم بذلك وإنما غلبته شهوته على الزواج فهو آثم بجايته عليهم, وظلمه لهم, لا يخلصه من إثمه هذا إلا إنقاذهم مما أوقعهم فيه.. -البصائر عدد 95 بتاريخ 14/01/1938, جمادى الثاني 1356 هـ.
ثالثا : رأيه في دفن ابناء المتجنسين في مقابر المسلمين : سأل أحد أهالي (ميشلي) من القبائل الكبري عن أبناء المتجنسين بالجنسية الفرنسية هل يجوز دفنهم في مقابر المسلمين ؟ فكان جواب ابن باديس كما يلي : بعد الحمد لله والصلاة والتسليم على النبي وآله : قال : "فابن المطورني, أي (المتجنس) إذا كان مكلفا, ولم يُعْلَم منه إنكار ما صنع أبوه والبراءة منه, فهو مثل أبيه لا يصلى عليه, ولا يدفن في مقابر المسلمين, وإن كان صغيرا فهو مسلم على فطرة الإسلام, يدفن معنا ونصلي عليه" كتبه خادم العلم وأهله : عبد الحميد بن باديس - البصائر عدد 79 بتاريخ 20/08/1937, جمادى الثاني 1356 هـ.
رابعا : رايه في جواز مسح المرأة على شعرها عند الاغتسال : أفتى ابن باديس بالاكتفاء بالمسح على رؤوسهن في الغسل, كما يكتفى بالمسح على الخفين والجبائر في الوضوء, تسهيلا عليهن, ودفعا للكلفة والخسارة, والدين يسر.
خامسا : رأيه في بعض حالات طلاق الثلاث : وله عدة فتاوى حسب الحلات لأنه كان أعلم العلماء لجأ إليه العديد من الناس لحل مشاكلهم في هذا الامر.
نظرة ابن باديس للإنسان
الإنسان الذي جعله ابن باديس محور خطته التربوية وغايتها, ليس الإنسان المطلق الذي اهتمت به الفلسفة القديمة, الإنسان المجرد عن الزمان والمكان, الذي لا نستطيع أن نجد نماذج منه في حياتنا, ولا الإنسان الذي اعتمت به بعض التيارات الفكرية الحديثة التي تقول بحرية المطلقة وبأنه سيد نفسه وتنكر وجود قيم ثابتة تحرك سلوك الإنسان, وليس الإنسان الذي طمست حقيقته المذاهب الفلسفية المادية التي تنكر أهمية الجانب الوجداني في الإنسان, والقيم الروحية التي تحركه, إنما الإنسان الذي اهتم به ابن باديس وجعله أساس نشاطه هو الإنسان الذي يعيش في واقعنا, ويتفاعل مع أحداث عصرنا, الإنسان الذي استخلفه الله في هذه الارض ومكنه من استثمار قدراته, لتحقيق الإزدهار العمراني, والتقدم الحضاري, الذي يعود عليه وعلى أمته بالخير والسعادة.
فنظرة ابن باديس إلى الإنسان نظرة واقعية لا تجزئ حقيقة الإنسان, ولا تختصرها في بعد واحد من الأبعاد المكونة لهذه الحقيقة, بل تشمل جميع ما يكون به الإنسان إنسانا مثل الفكر والروح والدوافع (الغرائز) والاعتقادات التي تحصل عن طريق العلم وأعمال الفكر, وكذلك الأعمال التي هي عنوان معبر عن حقيقة الإنسان, والتي تترجم ما عنده من أفكار وعقائد ومشاعر, والتي بها يتشكل وجوده الإنساني وتتحقق إنسانيته, لأن الإنسان - في نظر ابن باديس - كل متكامل فكر وغريزة وعقيدة وعمل, ويوضح هذا المعنى فيقول : "إن الإنسان إنما هو إنسان بفكره وغرائزه وعقائده وأعماله المودعة كلها في جزئة المحسوس الفاني (وهو الجسد) وفي جزئه المعقول الباقي (وهو الروح) وبهذه الأصول الأربعة ينهض الإنسان أو يسقط".
المعرفة والعلم في نظر ابن باديس
المعرفة التي اهتم بها ابن باديس ودعا إلى تلقينها للناس باعتبارها مادة التربية واداة التثقيف والتهذيب هي المعرفة التي ترسخ الإيمان وتعصم الاعتقادات من الانحراف, والأخلاق من الفساد, والفكر من الضلال, وتفيد الإنسان في حياته الدينية والدنيوية.
وقد يتصور البعض أن المعرفة التي انشغل بها ابن باديس واعتبر تعليمها واجبا دينيا, وضرورة اجتماعية هي المعرفة المتعلقة بالعلوم الشرعية, وما يخدم هذه العلوم وبعين على فهمها, وما عدا ذلك فلا يندرج ضمن اهتماماته, شأنه في ذلك شأن الفقهاء التقليديين الذين يحصرون المعارف الواجب تعليمها في الفقه والعقائد والأصول, والحقيقة غير ذلك, فهو يعتبر إهمال العلوم المتعلقة بالحياة سببا من أسباب تأخرنا وانحطاطنا, لذلك كان يعيب على العلماء الذين أهملوا هذه العلوم التي أوصلت أوربا إلى ما هي عليه.
ابن باديس وتعليم المرأة
الاتجاه الذي كان سائدا في عصر ابن باديس لم يكن يشجع تعليم البنت ولم يكن يتيح لها فرص التثقيف التي تؤهلها لوظيفتها الاجتماعية التي تنتظرها, بل كثيرا ما كانت الفرص التعليمية المتاحة خاصة بالبنين, ومقصورة عليهم في أغلب الحالات.
وهذا الأمر كان يقلق ابن باديس, لذلك أبدى اهتمامه بموضوع تعليم المرأة, لأنها شقيقة الرجل وتشكل نصف المجتمع, وهي الركن الركين الذي يقوم عليه بناء الأسرة, فاهمال تربيتها, وتركها جاهلة هو هدم لهذا الركن, وتفكيك لبنية الاسرة, واضعاف لقدرتها على الاضطلاع بسؤولتها التربوية والاجتماعية.
وكان موقف ابن باديس أن وجه جهوده الاصلاحية والتربوية المتطرفة التي حاولت سلخ المراة المسلمة من مقوماتها وتجريدها من خصوصياتها.
وهاجم بشدة الآراء الجامدة التي حاولت إبقاء المرأة متاعا مهملا, وكذلك الآراء المتطرفة التي حاولت سلخ المرأة المسلمة من مقوماتها وتجريدها من خصوصياتها.
ونبه العلماء وأولياء أمور البنات إلى أهمية تعليم البنت, ضمن الإطار الحضاري الإسلامي, لأن البنت المتعلمة تستطيع أن تبني اسرة منسجمة ومتماسكة, كما تستطيع أن تصور نفسها, وتحفظ كرامتها, وتضطلع بوظيفتها التربوية داخل الأسرة, وفي المجتمع اضطلاعا كاملا.
وقد بين في رده على دعاة تحرير المرأة أن التحرير الحقيقي الذي يجب أن نسعى إليه هو تحريرها من الجهل, فقال : " وإذا أرتم إصلاحها الحقيق فأرفعوا حجاب الجهل عن عقلها قبل أن ترفعوا حجاب الستر عن وجهها, فإن حجاب الجهل هو الذي أخرها, وأما حجاب الستر فإنه ما ضرها في زمان تقدمها, فقد بلغت بنات بغداد وبنات قرطبة وبنات بجاية مكانة عالية ما ضرّها في العلم وهنّ متحجبات" الشهاب, ج : 10, م 5 نوفمبر 1929.
العمل الجماعي في نظر ابن باديس
إن ما وصلت إليه أوضاع الأمة الجزائرية من تدهور وتردي في ظل الاستعمار الفرنسي الغاشم، لم يترك للإمام ابن باديس من خيار سوى الانطلاق في دعوته، ولو بصفة فردية.
فقد اتخذ من الجامع الأخضر معهدًا لنشاطه العلمي والتعليمي والتربوي، معتقدًا بأن العلم هو وحده الإمام المتبع في الحياة، في الأقوال والأفعال والمعتقدات، ورغم الجهود الفردية المتواصلة التي كان يقوم بها ابن باديس في تلك الفترة، إلا أنه كان يؤمن بوجوب العمل الجماعي، وإنشاء حركة منظمة تتولى انتشال هذه الأمة من وهدة الجهل والتنصير والفرنسة.
وقد انسابت أشعة الفجر الجديد من تلك اللقاءات المباركة، التي جمعته بالأستاذ محمد البشير الإبراهيمي في المدينة المنورة، في موسم الحج سنة 1913م، حين وضعا البذور الأولى للنهضة، التي ما لبثت أن أيقظت الأصوات بعد سكوتها.. وحرّكت الهمم بعد سكونها، يصف لنــا الشيــخ الإبراهيمـــي تلك اللقــاءات المباركــة التي جمعتــه بالشيــخ ابن باديس، فيقول: (وكانت تلك الأسمار المتواصلة كلها، تدابير للوسائل التي تنهض بها الجزائر، ووضع البرامج المفصلة لتلك النهضات الشاملة، التي كانت كلها صورًا ذهنية تتراءى في مخيلتنا، وصحبها من حسن النية وتوفيق الله ما حققها في الخارج بعد بضع عشرة سنة.
وأشهد الله على أن تلك الليالي من عام 1913 ميلادية، هي التي وضعت فيها الأسس الأولى لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي لم تبرز للوجود إلا في عام 1931م). فتطابقت أفكار الرجلين على وجوب إنشاء حركة إصلاحية في الجزائر، فرسما لها منهاجًا بحكمة ومهارة. وعلى الرغم من الحصار الذي فرضه المستعمر على معاهد التعليم الإسلامي والكتاتيب القرآنية، إلا أن هذه الروح الجديدة والنفثات الهادئة، جعلتها تستمر في أداء رسالتها ومواصلة عطائها.
يصف لنا الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله، تلك اليقظة فيقول: (لقد بدأت معجزة البعث تتدفق من كلمات ابن باديس، فكانت ساعة اليقظة، وبدأ الشعب الجزائري المخدّر يتحرك، ويالها من يقظة جميلة مباركة).
ولم تنقطع نداءات ابن باديس لجمع الطاقات وتوحيد الصفوف، وتكاتف الجهود، معتمدًا في ذلك على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم اللذين هما الأساس لكل نهضة تتطلع لها الأمة، وفي هذا يقول: (إنما ينهض المسلمون بمقتضيات إيمانهم بالله ورسوله إذا كانت لهم قوّة، وإنما تكون لهم قوة إذا كانت لهم جماعة منظمة، تفكّر وتدبّر، وتتشاور وتتآزر، وتنهض لجلب المصلحة ولدفع المضرّة، متساندة في العمل عن فكرة وعزيمة).
ورغم ما للأعمال الفردية من منافع ومزايا، إلا أنه لا ينهض بالأمم والشعوب من العمل إلا ما كان منه منظمًا، تتضافر فيه الجهود وتتآزر. وبعد عشر سنوات من شروعه في التعليم وظهور نتائج ذلك في النشء العلمي الذي كوّنه، حاول ابن باديس أن يعلن الدعوة العامة إلى الإسلام الخالص والعلم الصحيح.
ففي سنة 1924م، تدارس مع الأستاذ البشير الإبراهيمي فكرة تأسيس جمعية تكون نواة للعمل الجماعي، تحت اسم: (الإخاء العلمي) تجمع شمل العلماء والطلبة، وتوجّه جهودهم، وتقارب بين مناحيهم في التعليم والتفكير، وتكون صلة تعارف بينهم، ومزيلة لأسباب التناكر والجفاء...). ثم حدثت حوادث عطّلت المشروع الذي كان لابد له من زمن أوسع، حتى يتخمّر وتأنس إليه النفوس التي ألفت التفرقة.. بعدها انصرف ابن باديس إلى تأسيس الصحافة الإصلاحية، فكانت (المنتقد) ثم (الشهاب (التي كان لها في سنتها الثانية والثالثة دعوة إلى مثل تلك الجمعية، وكان كُتّاب ) الشهاب( إذ ذاك قد كتبوا في ذلك الموضوع، وكانت تلك الأفكار والأقوال تمهيدًا للعمل.
وتمهيدًا لجمع شمل العلماء في الجزائر تحت لواء التنظيم المنشود، بادر ابن باديس إلى تأسيس: جمعية التربية والتعليم الإسلامية بقسنطينة.
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
لا تنسوا الدعاء لنا بصالح الاعمال
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
بارك الله فيك
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
إن المتتبع لأراء ابن باديس في الدين و السياسة و الأخلاق و العلم و التربية، وفي القضايا الوطنية والثقافية التي ترك لنا فيها آثار مكتوبة يجد أنها آراء نابعة من فكر إنسان ملتزم بحقائق دينه و تاريخ أمته، ونهج سلفه، ومتفاعل مع واقع مجتمعه وحقائق عصره، ومتفتح على أفكار غيره ، حريص على بعث يقظة فكرية و سياسية في نفوس الأجيال ، تعيد للأمة عزتها و للعروبة والإسلام مجدهما، وللوطن كرامته وحريته، و تبعث في الشباب روح العزم على التغيير وإرادة البناء لتخليص الوطن من المحن التي أصابته
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :
جمعية التربية والتعليم الإسلامية بقسنطينة.