عنوان الموضوع : صفحــات من تاريخ تبســة "1830م / 1954م" للجزائر
مقدم من طرف منتديات العندليب

صفحــات مطوية
من
تاريخ تبســة البهية

1830م / 1954م



مقدمـــة


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
إن دراسة التاريخ من العلوم التي ينبغي لطالب العلم الإعتناء بها ودراستها دراسة معمقة نعطي من خلالها حق الشواهد والحوادث التاريخية مبرزا جوانبها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية .متحريا الصدق في المعلومة والأمانة في توصيلها للمتلقي متوخيا كل ما من شأنه أن يشوبها من إلتباس أو شك أو ريب في صوابها وصحة مصدرها
ومما يؤيد هذا المسلك ما قاله الإمام السخاوي – رحمه الله – في كتابه الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التواريخ ويهو يبين ويعدد منافع وفوائد دراسة التاريخ " ...علم يستمتع به العالم والجاهل ويستغرب موقعه الأحمق والعاقل فكل غريبة منه تسطرف ومكارم الأخلاق ومعانيها منه تقتبس وآداب وسياسة الملوك منه تلتمس ..." وفي نفس السياق يقول المؤرخ إبن خلدون في مقدمته الشهيرة " ...إعلم أن فن التاريخ فن غزير المذهب جم الفوائد شريف الغاية إذ هو يوقفنا على أحوال الماضي من الأمم في أخلاقهم ....."
ومن أفضل ما قيل شعرا في فضل هذا العلم

ومن لم يع التاريخ في صدره *** لم يدر حلو العيش من مره
ومن وعى أخبار من قد مضى *** أضاف أعمارا إلى عمره


عملا بنا تقدم و إثراءا للساحة العلمية والبحثية وفي خضم حملتنا التعريفية بمدينتنا الأثرية البهية الأصيلة مدينة الشيخ العربي التبسي - إمام المجاهدين وداعية الموحدين – نحاول بجهدنا المقل ومعلومتنا البسيطة معتمدين على بعض المصادر التي توفرت لدينا تسليط الضوء على فترة تاريخية من حياة أهل تبسة ألا وهي الحقبة الإستدمارية من بدايتها إلى غاية إنطلاق الثورة التحريرية الكبرى
هذا وإننا لا ندعي العصمة في كل ما نكتبه فإن كل بحث أو مؤلف أو ملف إلا ويحي شيء من الزلل لذا فننبه إخواننا الأعزاء ممن فضل مطالعة هذا المبحث اننا حاولنا جاهدين على أن نضع المعلومة الصحيحة وأن نعتمد على أصح المصادر المدونة والتوفرة والموثقة والتى كتبها وإعتنى بها من هو أهل للبحث معرضين عن الروايات الأسطورية والحكايات الشعبية التي هي كثيرة الإنتشار


حال المجتمع التبسي قبل الإحتلال

كان المجتمع التبسي خلال تلك الفترة قبيل دخول المستدمر ينقسم إلى ثلاث طبقات إجتماعية هي :
طبقة الكراغلة الحاكمة والتي كانت تابعة للخلافة التركية ممثلة السلطة السياسية .كانت الضرائب والجبايات التي تفرضها على الأهالي من أهم مصادر حصولها على الأموال الطائلة
طبقة السكان والأهالي من تجار وأصحاب الحرف ومعلمي القرآن تسكن معضمها داخل السور البيزنطي وهي متوسطة المعيشة تسترزق مما تعمله بأيديها من محلات البيع المتعددة وكذا الصناعات النسيجية والغذائية والتعليمية .
طبقة أهل البادية - المزارعين والفلاحين - من القبائل المنتشرة حول السور البيزنطي وعلى سفوح الجبال المتاخمة للمدينة تكسب قوتها من خلال ما تجنيه من محاصيل الحقول – القمح والشعير والخضر وأشجار الفواكه – وكذا ما تجنيه من تربية الماشية – صوفها وحليبها ولحومها ...-
أما الجانب الديني فقد سادة الطريقة الصوفية متمثلة في الزاوية الرحمانية إلى غاية ظهو بوادر الصحوة الإصلاحية السلفية على يد الشيخ العربي التبسي لتمحوا الرواسب والجهالات والخرافات التي كان يبثها اصحاب الطرق في عقول الناس مفسدين عقائدهم وسيأتي الحديث عن هذا في فضل دور العلماء في جهاد أهل تبسة

بداية احتلال تبسة

دخلت أولى طلائع الجيش الفرنسي مدسنة تبسة بقيادة الجنرال دو نيقريي سنة
1842وقد إختلفت في التاريخ بالتدقيق بين 31 ماي – حسب ما ذكره الدكتور أحمد عيساوي باحث جزائري- و2 جوان – حسب ما ذكره بيار كاستل مؤرخ فرنسي - وهذا بعد قضاء القوات الفرنسية على مقاومة أحمد باي بقسنطينة وإحكام سيطرتها على تلكم المنطقة والتي إتخذها المستدمر الفرنسي نقطة إنطلاق للإستيلاء على باقي الأراضي الجزائرية ومركز دائم للقيادة العامة في الشرق
وقد وجد الجنرال دو نيقريي وجيشه سهولة وسلاسة في دخولهم لتبسة
وذلك راجع لعدة أسباب وعوامل من بينها :
* إنسحاب الحامية التركية وإتجاهها نحو تونس – بعدتها وعتادها – بعد سقوط بايلك قسنطينة
*دخول المنطقة بعد خروج الحامية التركية في دوامة من الفوضى والتناحر بين بعض القبائل و سكان المدينة وقد قامت قبيلة النمامشة بهجمات متتالية ضد سكان المدينة ومحاصرتهم داخل أسوار المدينة ونهب جل القوافل التجارية التي تزود المدينة بالغذاء واللباس وكذا منع قاطني المدينة من إستغلال بساتينهم المحيطة بالسور من الخارج وقتل كل من تسول له نفسه العمل بها
* قيام بعض أعيان تبسة – مع الكثيرين لهم وخاصة القائمين بالشؤون الإسلامية - بعد هذه الحالة من الفوضى والهستيريا بالذهاب إلى القائد العام الفرنسي بقسنطينة يطلبون منه المساعدة

المقامة المباشرة – المسلحة –

بداية المقامة المسلحة لأهل تبسة ضد المستدمر الفرنسي كانت في نفس سنة دخوله للمنطقة وبسرعة كبيرة إذ بعد قيام البعض من الأهالي بطلب الحماية من القوات الفرنسية وموافقة القائد العام على ذلك والقدوم للمنطقة منتهزا الفرصة لإحتلال المنطقة دون أن يخسر أي شيء والتي تحققت فعلا بتسلمه مقاليد الحكم ومفاتيح المدينة ومن سوء حظه أنه لم ينعم بلأمر إلا قليلا فبعد إنتهاء مهام توليه الحكم قفل راجعا رفقت مجموعة من جيشة – والذي ترك نصفه على أسوار المدينة – حدث ما لم يكن يتوقعه حيث قامت مجموعة من فرسان قبيلة النمامشة / حوالي 200 فارس -300 من المشاة / بقطع الطريق أمامه وخوض أولى المعارك المسلحة والتي تلتها عدة معاوك وإنتفاضات. هذه المعركة يصفها القائد دو نيقريي نفسه في احد مراسلاته للقائد العام فيقول " ...غادرت تبسة البارحة الساعة الخامسة صباحا ...في جبل الدير وفي جروف محاذية لبرج بشعود برز فجأة جيش من الفرسان تعداده 200 فارس من الاهالي انظم إليهم حوالي 200 من 400 آخرين ...رغم الضمانات التي قدمتها لهم وانمهمتي سلمية .أطلقوا علينا أولى ضرباتهم وهي الإشارة التي أخرجت حوالي 300 من المشاة من مكامنهم من الجبل انضموا إلى الفرسان وبدأ البارود يمينا وشمالا ...."
أوقدت هذه المعركة نارا المقاومة والتي دامت حوالي 50 عاما حولت حياة المستدمر إلى جحيم فقد بلغت المواجهات المباشرة حوالي 10 جولات بالإضافة إلى إنتفاضتين كبيرتين وكلها دلالات تشهد على بسالة وشجاعة أهالي منطقة تبسة وبسالتهم من أهم المعارك التي شهدتها المنطقة : معركة وادي شبروا – معركة الدير الكبرى

معركة عين زرارة - معركة معركة الماء الأبيض
معركة أوكس - معركة بكارية

المقاومة الغير مباشرة – السلمية –

لم يقتصر التبسيون في مقامة الإستعمار على الوسائل الحربية المباشرة بل إعتمدوا على عدة وسائل أخرى زعزعة إستقرار المستدمر و أفشلت خططه ومخططاته وأبرز هته الأساليب :
- تصفية أعوان المستدمر من المناوئين والموالين له
- التعاون بين الفرق الثائرة في السر ومساعدة بعضها البعض
- هجرة جزء كبير من السكان وخاصة من اليد العاملة إلى تونس

أبرز المحطات الجهادية في تاريخ تبسة


الإنتفاضة الكبرى بقيادة الأمير محي الدين إبن الأمير عبد القادر الجزائري


تعد الإنتفاضة الكبرى بقيادة الأمير محي الدين نجل الأمير عبد القادر 1871/1872م والذي قدم من سوريا – منفى أبيه – وأبى إلا مواصلة الجهاد وبالضبط في منطقة تبسة والتي وجد في اهلها خاصة قبيلة أولاد خليفة السند والدعم الكبيرين والذين سارعوا إلى مبايعته وبادروا إلى تقديم كل ما يسهل مهمته الجهادية وبقوا يساندونه حتى في أصعب الظروف وخاصة بعد إلقاء القبض على القائد الروحي وزعيم قبيلة أولاد خليفة – مسعود بن عبيد – وظلوا صامدين متكاثفين حوله رغم محاولات محاولات المستدمر الفرنسي زرع بذرة الالتفرقة ودعوى الجاهلية بين صفوف القبائل والتي نجح فيها بشكل كبير ولكن ورغم كل هذا إلا أن الأهالي من المجاهدي لازموا الأمير محي الدين وأبوا الإستسلام حينا من الزمن إلى أن توقفت وذلك لإستشهاذ الكثير من الأهالي ونفاد الأسلحة والذخيرة وهذا راجع لقوة المستدمر الذي سخر الكم الهائل والعتاد العظيم ..ولكن سرعانما أعاد أفراد القبيلة بعث المقاومة المسلحة وتجديد المواجهات ضد المستدمر وهذا بقيادة ناصر بن شهرة ..
هده المقاومة شبهها الكثير من المؤرخين بمقاومة الشيخ المقراني .



معركة الماء الأبيض

وقعت هذه المعركة في خريف سنة 1846، في الجهة الشرقية لسهل بحيرة لرنب، بمنطقة الماء الأبيض، في شرق تبسة، على رأس قوة عسكرية ضخمة، و:" زحف للسيطرة على اللمامشا، في استعراض للقوة، بفرقة الوحدة 31، واللفيف الأجنبي، والفرقة الخامسة خيالة، وجند الصبايحية، كوسيلة أكيدة تقوي الأصدقاء، وترهب الأعداء"
غير أنه رأى بأن تلك القوات لن تكفي في تحقيق مهمته، والاضطلاع بها على أحسن ما يرام. فطلب: "من الجنرال بيدو ( Bedeau)، الذي أعيد تعينه على رأس القيادة العليا لمقاطعة قسنطينة، تعزيزات، فمده بالوحدة الثانية، وبفضائل القناصة والصبايحية مع المدفعية "
وعندما تأكد من التفوق العسكري، قاد هجوما على سكان الماء الأبيض، واشتبك مع ثوراها.وتذكر الرواية العسكرية الفرنسية، أن الفرق التبسية التي شاركت في تلك المعركة، كانت اللمامشا. حيث: "شارك فيها على الأخص العلاونة، والبرارشة، المقيمين بالقرب من الماء الأبيض وفي شرقي بحيرة لرنب"
ونظيف أيضا أن تلك الفرق كانت تحارب إمرة شريف من تونس يدعى مولاي أحمد، كان قد حل بينهم في شهر أبريل 1846، فنظّم صفوفهم، وقادهم إلى مقارعة عدوهم الفرنسي، ونرجح أن يكون هذا الشريف جزائري من أبناء بني الفرق المهاجرة في تونس، على اعتبار أن اللمامشا كانوا إذا ما أشتد عليهم الضغط الاستعماري، يلجؤون إلى البلاد التونسية.
ومما جاء في مذكرات المارشال "راندون" عن سير تلك المعركة، قوله: "وعلى الرغم من أن الثوار فروا من أمامه إلا أنه التقى بهم. فكان منظر تلاحم الجيشين رائعا، فبالكاد حاول جنودنا إطلاق النار خوفا من قتل فرساننا المتلاحمين بخصوصهم. لقد كان مشهدا غريبا لجنود الوحدة الثانية؛ التي انشغلت بعد الضربات. فقد قتل "جيرار" قاتل الأسود، ومسؤول المساكن آنذاك، بالتعاون مع صبايحية عنابة، عدة فرسان تونسيين ... واستمرت المعركة في شكل مطاردة شرسة على امتداد حوالي 28 كلم، وانتهت بعد أن حل الظلام، وتعب المقاتلون. ولم يتوقف الفرسان إلا بعد أن أدركوا أنهم يتواجدون منذ مدّة في الأرض التونسية"
وما يمكننا استنتاجه مما سبق:
أولا، اتبع مجاهدو المنطقة، في صد قوات العدو، التي كانت تفوقهم في العدة والعتاد، أسلوب الكر والفر، وذلك لاختلاف طبيعة الجيشين، فالجيش الفرنسي كان أكثر تنظيم وتمرس على الحروب، بينما الجيش الجزائري يتألف من فلاحين لا يحسنون إلا ركوب الخيل، ولا يملكون سوى الشجاعة، زد على ذلك أنهم كانوا مثقلين بعوائلهم ومواشيهم التي كانت تصطحبهم، وهذا الأمر سرى على أغلب ثورتنا الشعبية في القرن التاسع عشر.
ثانيا، فشل جيش العدو في النيل من المجاهدين اللمامشا، وفي تحقيق هدفه القاضي بإجبارهم على الخضوع، رغم الضربات الموجعة التي ألحقها بهم .
ثالثا، تبين هذه المعركة، أن الأهالي كانوا يدركون حق الإدراك العمق الاستراتيجي لتونس أثناء تعرضهم لمثل تلك المحن، وأنّ الشعبين المسلمين الجزائري، والتونسي، كثيرا ما تعاهدا على مقارعة العدو المشترك، فالدين الإسلامي الحنيف الذي يجمع بينهم ينص على نصرة المسلم لأخيه المسلم.
رابعا، نرجح أن يكون الدافع من وراء حدوث هذه المعركة هو تخوف القيادة العسكرية الفرنسية من استفحال أمر الجهاد في منطقة الحدود الشرقية، التي كانت تشهد اضطرابات بفعل تمرد بعض فرق قبائل تبسة، وسوق أهراس، وتونس، فتبنت تلك القيادة سياسة عرض قوتها، والتنكيل بأهل الماء الأبيض حتى تخاف منها بقية الفرق، وتتراجع عن الاستمرار المقاومة، تلك السياسة التي برع فيها "جنرالات الجيش الإفريقي" وصارت ديدنهم أثناء حملاتهم على الجزائريين.
خامسا، اعتاد التأريخ العسكري الفرنسي للمقاومة.تلك الشعبية الجزائرية، على التقليل من شأن مقاومة الجزائريين، وازدراء قادتهم، والمبالغة في ذكر شجاعة جند الاحتلال وعبقرية قادته"!؛ وإلا بأي شيء تفسر توجيه حملة عسكرية بقيادة جنرالين ضد من كانوا يعدون في نظر جيش الاحتلال من المغامرين "؟

من وسائل المحتل للقضاء على المقاومة


لقد إستعملت القوات الفرنسية بالإضافة إلى قوة السلاح والإبادة وسائل أخرى لكسر شوكة المقاومة وضمان أمنها وإستقرار ها وفرض هيمنتها على المنطقة لا تقل خطورة عن الوسائل العسكرية المباشرة من أهمها :
- الضغط المعنوي باستغلال الزوايا وشيوخها الطرقيين في حشد السكان لصالح المستدمر
- الضغط الإقتصادي مثل منع القوافل ومصادرتها وكذا غلق جل الأسواق الأسبوعية
- فرض الرقابة المشددة على القبائل الثائرة ورموزها
- إستعمال سياسة فرق تسد بين القبائل وذلك بزرع الفرقة والخلاف بينهم بشتى الطرق
- الترهيب من معادات فرنسا وإيهام السكان بأفكار مغلوطة من مثل مقولة
/ وجود فرنسا بالجزائر ليس لأجل إستغلالها ولكن لتحسين معيشتهم ومستواهم وكذا حمايتهم /

المجاعة الكبرى على التبسيين و أثرها على جهادهم


عاشت منطقة تبسة كغيرها من مناطق الوطن الجزائرية سنين عجاف وذلك بين 1865 / 1868 م فيما عرف فيما بعد بـ أعوام الشر ..فيها هزلت الدواب ولم ينمو الزرع بسبب الجفاف وضلت المراعي حاطمة ولم يبقى من الطعام ما يكفي للجميع مما أدى إلى هلاك عدد كبير من قطعان الماشية ونفذت كميات المؤونة المخزنة الأمر الذي نجم عليه ظهور المجاعة والفقر المتقع و إنتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة التي أدت إلى هلاك عدد من السكان ... وكل هذه الأمور أدت بطبيعة الحال إلى ضعف المقاومة إن لم نقل إنعدمت
من أهم الاسباب التي أدت لحدوث تلك المجاعة بالإضافة إلى الجفاف :
* غزو قطعان كبيرة من الجراد الأصفر أتت على الأخضر واليابس
* الإحتلال الفرنسي ومصادرته ثروات الأهالي من خلال فرض الضرائب والغرامات
* الثورة التونسية والتي دعمها التبسيون بالعدة والعتاد مما أدى إلى نفاد جزء كبير من مخزونهم
حاولت فرنسا إحتواء الوضع تخوفا من قيام السكان بثورات و إحتجاجات كبيرة إتجاهها وذلك بإستعمال عدة وسائل تتماشا مع مصالحها أهمها
. تزييف الحقائق وإصدار نشريات مغلوطة وإحصائيات كاذبة عن الوضع
. توفير عدد قليل من مناصب الشغل بأمان قليلة
. منع سكان البادية من دخول المدينة حتى لا يحدثوا لهم المشاكل

دور العلماء في جهاد أهل تبسة


كان العلماء وأهل العلم الدور الكبير في إحياء روح الجهاد وبث حب المقاومة والحرية في نفوس الأهالي وذلك بإلقاء الدروس وإصدار الفتاوى والبيانات التحريضية اتجاه الوجود الفرنسي بالجزائر .
ويعد الشيخ العربي التبسي في مقدمة المشائخ والدعاة الذين ساهموا مساهمة جبارة في تلك المرحلة
فبعد عودت الشيخ من رحلته العلمية *الزيتونة الأزهر والحجاز * بدأ يعد الرجال ويهيء النفوس للجهاد الحق . فقد عمل رحمه الله بجد واجتهاد لبيان العقيدة الصحيحة وفق الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح وقد تجلى ذلك في دعوته للتوحيد والسنة ونبذه الشرك والبدع وخاصة الطرق الصوفية التي حاربها الشيخ أشد المحاربة مبطلا شبهاتهم وإعتقاداتهم في الأولياء بان عندهم يشفى المريض أو يرزق الفقير أو يلتجؤ إليهم عند المصائب والنكبات .فكان يحث رحمه الله على عدم الصلات في الأماكن التي بها قبول وعدم الاكل من الطعام المعد في الوعدات والزردات
وفي هذا المقام وجب ان ننبه على مغالطة تاريخية يجترها الكثيرين وحتى من المثقفين في ان الشيخ التبسي رحمه الله كا يصلي في مسجد بن سعيد وسط المدينة والذي به قبر يقال أنه لأحد الأولياء وهذا من الكذب والإفتراء وربما من تلبيس أصحاب الطرق فقد اخبرني الثقة على جابري وهو أحد تلاميذ الشيخ العربي التبسي بل من أوائلهم أن الشيخ من شدة نهيه عن الصلاة أو التوجه لذلك القبر وتنفير الناس منه أنه كان يشكك في إسلام صاحبه الذي دفن فيه وانه نصراني ..وإن كل عاقل لبيب متابع لسيرة الشيخ وكتاباته يظهر له جليا رأي الشيخ في مثل هذه الأمور .
وقد إستغل رحمه الله كل الوسائل المشروعة في هذا المسعى النبيل من مجلات وجرائد ومساجد وجمعيات وملتقيات وغيرها من الفرص التي أتيحة له
لقد أسس رحمه الله مدرسة التهذيب للبنين والبنات وكذا مسجد المدرسة وكان عضوا فعالا في جمعية العلماء الجزائريين عند تأسيسها وكاتبا وناقدا وموجها في الكثير من المجلات والجرائد الوطنية والعربية بل كانت له حوارات مع مجلات غربية بالإضافة إلى حضور الملتقيات والدورات والندوات العلمية
في آخر حياته برزت جليا دعوته الصريحة للجهاد و معادات المستدمر فمن أروع المواقف البطولية أنه عندما حاولت العديد من الأطراف إقناعه بالخروج من أرض الوطن بعد أن أصبح هدفا للمستدمر الفرنسي رفض وقال قولته المشهورة انقلوا عني وبلغوا كل من لقيتم ممن تعرفون أن كل هجرة من الوطن تعتبر مروقا من الدين وخيانة للوطن ما لم يكن في مهمة كلفت بها جبهة التحرير وكل من خالف يعتبر من مشمولات الأية الكريمة " ...ومن يولهم دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير .."

الخـــاتمة

إن دراسة تاريخ تبسة متعة وتشويق لما فيها من محطات بطولية كبيرة وملاحم ثورية عظيمة تشم منها رائحة الإباء والعزة وتستشعر منه معاني التضحية وتستقي معاني الكرامة وحب الحرية ومكانة الوطن الحقيقية في النفوس الطاهرة المسلمة الزكية ...
لقد طوينا معكم في هذه العجالة بعض من الصفحات المشرقة والأزمنة الجميلة والأوقات العصيبة و إطلعنا سويا على مجموعة من الأحداث المثيرة والمحطات المشرفة من تاريخ تبسة من خلال إبراز دور سكانها في محاربة فرنسا بكل الوسائل والإمكانيات على قلتها ...
نعم إنها تبسة مدينة العلماء والشهداء والرجال الأفذاذ لها ماض مجيد وحاضر مشرق درة في بنائها وروعة في تخطيطها وشامخةفي تاريخها . بمعالمها الشاهدة على تعاقب الأمم والحضارات ..برموزها وأبطالها الذين كتبوا بدمائهم أكبر البطولات وضربوا أروع الأمثلة في البسالة والتضحية ..مدينة صغيرة الحجم قليلة عدد السكان جميلة بآثارها التاريخية بسورها بأبراجها بأزقتها وشوارعها وطيبة سكانها وكرمهم وشهامتهم ...
وهنا وقفة لابد منها .
..هل تبسة اليوم هي التي كان يرتجيها أسلافنا هل فعلا هذا ما كان يحلم بها أسلافنا ممن فضل الموت والشهادة في سبيل الله على أن تكون تبسة في مصاف أبهى المدن وأجملها نظاما ونظافتا في أزقتها وتأدب أبنائها وسماحتهم متمسكين بدينهم ومقتدين بسيرة سلفهم االصالح محكمين كتاب الله فيما بينهم ...
..من المؤسف أن نرى هذه الأوساخ المنتشرة هنا وهناك.. وتلك الطرق المهترئة والبنايات الفوضوية ... زد على ذلك تلك التصرفات المنحرفة من بعض المتطفلين والمنسوبين للمدينة زورا بكلامهم المنحط وعباراتهم وتصرفاتهم التي وإن دلت فإنما تدل على واقع أخلاقي وتربوي لا يعجب القريب ولا البعيد والذي أغلبهم أصلا ليسوا من أهل المدينة الأقحاح وإنما قدموا من المناطق المجاورة ....وتلك الأمراض التي إنتشرت في جسدها من رشوة و إنتهازية ومحسوبية.... وقبلية وما ادراك ما القبلية – العروشية –
والتي لطالما عانينا منها فكم تسببت لنا من مآسي وآثار سيئة لا يتسع المكان لذكرها ...وإلى الله المشتكى ..
.ومع كل هذا الإحباط والتردي والمظاهر السيئة إلا أن تبسة تبقى مدينة جميلة بأطلال آثارها وما تبقى لنا من تاريخها التليد ومجد رجالها الافذاذ وسيرهم العطرة التي حفرت وكتب في التاريخ بحروف من ذهب
ونختم بما قاله الشيخ العربي التبسي رحمه الله :
" ...عقيدة محبة الوطن نشأة في صلب طبائع البشر ونمت بنمو الإنسان ...والوطن وإن إتسع لفظه وإنتشر مفهومه . وتنازعته الطبائع فليس شيء منه يرغب عنه أو يزهد فيه .مادام الحسن حسنا والقبيح قبيحا .." []الشهاب العدد 34 ص 17[]
نسأل الله أن يستعملنا في ما يرضيه وأن يجعلنا ممن يتسمع القول فيتبع أحسنه إنه بالإجابة قدير فهو المولى ونعم النصير

يتبع بإذن الله

الحلقة الثانية صفحات من تاريخ تبسة ( 1954م/ 1962م)
...........................

المصادر


- كتاب تبسة وأعلامها للدكتور أحمد عيساوي
- كتاب حوز تبسة لمؤلفه بيار كاستل ترجمة الدكتور العربي عقون
- كتاب نظرات فاحصة في تاريخ تبسة خلال القرن 19 للأستاذ عبد الوهاب شلالي
- الشيخ العربي التبسي ودعوته الإصلاحية للشيخ محمد حاج عيسى الجزائري
- منارات من شهاب البصائر مقالات الشيخ العربي جمع وترتيب أحمد عيساوي


سمير التبسي الجزائري
تم الفراغ منه بتاريخ
14 نوفمبر2016م
تبسة

المصــــــــدر


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

بارك الله فيك على هذه الافادة الرائعة
وشكرا لك

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :

الف شكر على المعلومات القيمة
ويعطيك الصحة على الجهد المبذول

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :

جزاك الله خير وبارك الله فيك

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :

بارك الله فيك على هذه الافادة

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :