عنوان الموضوع : الدولة الزيانية بالجزائر تاريخ الجزائر
مقدم من طرف منتديات العندليب


الدولة الزيانية بالجزائر




عاقب على حكم المغرب العربي منذ الفتح الإسلامي مجموعة من الدول
الإسلامية ، فتارة كانت تحت راية موحدة ، وأحيانا أخرى كان لكل دولة
رايتها الخاصة بها .فمن الدولة الرستمية التي تعد أول دولة إسلامية
بالمغرب العربي إلى الدولة الإدريسية و الفاطمية ثم الحمادية والمرابطون
وصولا إلى الدولة الموحدية ،التي تعتبر أكبر دولة إسلامية وحدت المغرب
العربي تحت سلطة واحدة مستقلة كل الإستقلال عن المشرق العربي ،لكنها ما
لبثت أن انهارت لتحل محلها مجموعة من الدول على حكم المغرب العربي هي :
الحفصيـون فـي تـونس ، الـمارينيون في المغـرب و الزيـانيون في الجـزائر

الـدولة الـزيانيـة وظـروف نشـأتـها .
الزيانيون أو بنو زيان ، بنو عبد الواد : هم سلالة بربرية حكمت في
غرب الجزائر في الفترة الممتدة ما بين ( 1230-1554 ) و يرجع أصلهم – بنو
عبد الواد أو بنو زيان – إلى قبيلة زناتة البربرية التي استقرت شمال
الصحراء الكبرى ثم هاجرت في حدود القرن الحادي عشر إلى شمال أفريقيا أين
أصبحوا من أنصار الموحدين . فنقلت إليهم الدولة الموحدية إدارة مدينة
تلمسان ، وبعد سقوط الدولة الموحدية استقل أبو يحيى يغمراسن بن زيان
بالحكم لمدة 47 سنة تمكـن خـلالها مـن وضـع قواعـد و أسـس لدولـة
قويـة.سـواء في عهـده أو مـن بعـده
.

العـوامل المساعـدة علـى قيـام الدولـة الـزيانيـة .
كان الموحدون في السنوات الأولى لتأسيس دولتهم ، محتاجين إلى تكثل
القبائل معهم ضد المرابطين في المغرب و الطنجانيين شرق الجزائر و تونس ، و
كانت قبيلة بني زيان و خاصة منهم بنو عبد الواد ( آل زيان ) قد قدموا
خدمات جليلة للسلطـة النـاشئـة ، فساعدوا الموحدين على الوصول إلى الحكم
فاعترف الموحدون بخدماتهم و قدموا لهم أرض واسعة في الغرب الجزائري و
جعلوهم من ولاتهم المخلصين ، فدانت لهم القبيلة بالولاء إلى أن أخذ نفوذ
الموحدين يتضاءل فانتهز تلك الفرصة " جابر ابن يوسف " و أسس دولة بني عبد
الواد التي أعلنت استقـلالها في تلمسـان عن سلطـة الموحـدين سنـة : 1235
علـى يـد " يغمـراسن " .


كان وضع دولة بني زيان عند ظهورها خطرا للغاية ، لأنها ظهرت وسط
قوتين هما : المارينيون في الغرب و الحفصيون في الشرق ، كما كانت تزاحمها
في نفس الوقت عدة قبائل محلية ، لذلك كان لزاما عليها أن تحافظ على
التوازن بين مختلف القوى . فحالفت أحيانا الحفصيين ضد المارنيين و أحيانا
أخرى المارنيين ضد الحفصيين ، غير أن بني زيان كان نجاحهم في سياستهم
الداخلية أكثر ، إذ قربوا إليهم بعض رؤساء القبائل و اتخذوهم حلفاء ضد
القبائل الثائرة على سلطتهم . و بهذه السياسة نجوا في توطيد دعائم دولتهم
،فما إن أعلن الحفصيون استقلالهم في تونس حتى أعلن بنو زيان استقـلالهم
فـي تلمسـان .


كان للمدينة التي نشأت فيها الدولة الزيانية موقع حصين ،كثيرا ما
وقاها شر الغزاة و حال بينهم و بين احتلالها ، إضافة إلى ذلك قربها من
مدينة مراكش المغربية ، الذي ساعدها كثيرا على نقل ميدان المعركة إلى
التراب المراكشي بدلا من الجزائري كما حدث في عهد يغمراسن . إذ نقل ميدان
المعركة إلى جنوب وجـدة ، وحقـق انتصـارا عظيمـا عـلى جيـش المـوحـدين .

تأسيس الدولة الزيانية:
بعد موقعة حصن العقاب سنة : 1212 دب الضعف في الدولة الموحدية ،
فظهرت ثلاث قوى تتنافس على السلطة ، و كل منها تعمل على تدعيم استقلالها ،
فوضع المغرب العربي تحت سلطتها باعتبارها وريثة الموحدين ، و انقسمت إلى :
بني مرين في المغرب و بني زيان في الوسط و بني حفص في الشرق . و دارت بين
هذه المماليك عدة حروب كانت الجزائر ساحة لها في أغلب الأحيان . نظرا
لموقعها بين الدولتين ، و في تلك الفترة سعى " جابر ابن يوسف " لدى
الحكومة الموحدية حتى تتنازل له عن إمارة- تلمسان- ، وتحقق له ذلك سنة :
1230 ، و ما إن جاءت سنة : 1235 حتى أعلن يغمراسن استقلاله التام عن
الموحدين . و أخذ يدعم و يعزز استقلاله بالمحافظـة علـى الوحـدة الداخليـة
و كـذلك فعـل أتباعـه مـن بعـده
.

كما سبق و أن ذكرنا فإن "بنو زيان "ينتمون إلى قبيلة " عبد الواد "
أحد فروع قبيلة " زناتة "،و كانوا يعيشون على الرعي في موطنهم الممتد من
جبال " سعيدة " إلى " وادي " ملوية " ، و في عهد الموحدين استقروا بـ "
تلمسان " حيث أصبح " جابر ابن يوسف " أميرا عليها سنة : 1230 ، ثم آلت
الزعامة إلى البطل يغمراسن بن زيان بن ثابت الذي أعلن استقلاله بإمارته
على " تلمسان " سنة : 1235 و بالتالي أصبحت الجزائر تحت حكم " بنـو عبـد
الـواد " و كـانت عـاصمتهـا " تـلمسـان
" .

أهـم مرحلـة فـي تاريـخ الدولـة الـزيانية ( 1359 ــ 1389 ) :
لما شرع يغمراسن في تأسيس دولة " بن زيان " ، و تنقل " بن عبد الواد
" من " زناتة " إلى التلال و الأرياف، استولت قبيلة " المعقل " على موطن "
زناتة" القديم بالصحراء . و كثر فسادهم : فاستدعى يغمراسن " بن عامر" من
موطنهم بالصحراء إلى جواره بصحراء "تلمسان" ، للوقوف معه ضد عرب " المعقل"
، و لقد تبعتهم فبائل "حميان " من " بني يزيد" و أصبحوا أتباع " بن عامر"
، و هكذا أصبح لابني عامر و حميان دورا أساسيا على الصعيدين السياسي و
العسكري في الحفاظ على الدولة الزيانية . خاصة في عهد السلطان " ابن حمو
موسى الثاني " 1359 – 1389 الذي يجمع المؤرخون أن أهم مرحلة في تاريخ
الدولة الزيانية هي المرحلة التي تولى فيها هو الحكم ، إثر مبايعته من قبل
ابن عامر و حميان ، اللذان ساعداه للقضاء على المارنيين عند احتلالهم
لتلمسان على يد السلطان المريني " أبو عنان" 1352-1359م عام : 760 هـ أين
أعاد " أبو حمو موسى الثاني" إعادة تأسيس دولة بن عبد الواد التي سماها
الدولة الزيانية . و لقد كان له دور كبير في النهضة التي عرفتها الدولة
الزيانية على جميع الأصعدة ، بالرغم من تعرض الدولة خلال فتـرة حكـمه إلى
العـديد من المشـاكل سـواء الخارجيـة المتمثلـة في تهـديد المرينيين و
الحفصيين أو داخليا و المتمثل في الصراع عى العرش من قبل أراء بن زيان

السياسة الداخلية والخارجية للدولة الزيانية:
لقد اتبع الزيانيون سياسة داخلية عرفت بالحكمة ، إذ عمدوا إلى جمع
كلمة الرعية و القضاء على المتمردين بشتى الطرق السلمية و العسكرية . كما
قاموا بعدها بإصلاحات تكفل لهم النجاح المطلوب ، كالمشاريع العمرانية و
العلمية و طرق المواصلات و مشاريع الري و الزراعة و ما إلى ذلك كبناء
مدينة "أقبو" و قصـر "أبـو حمـو موسـى الثانـي" جنـوب شـرق عـين كرمـان
اللـذين شيـدهمـا "أبـو حمـو موسـى الثـاني" نفسـه .
كان اهتمامهم بالسياسة الخارجية أكثر أهمية مما جعلهم دولة عسكرية ،
بسبب الظـروف الـتي كـانت تحيـط بهـم غـربا و شـرقا و شمـالا .
فمن الغرب كانت الدولة المارينية ، من الشرق الحفصية و من الشمال
الأوروبيين الذين كانوا يستغلون الانقسامات و التوترات الحاصلة بين الدول
الثلاث ليقوموا بالقرصنة في الحوض الغربي للبحر المتوسط ، فتعرضوا للسفن
التجارية الإسلامية . كمـا تعرضـوا كـذلك للمـوانئ و حـاولوا احتـلالها
أكـثر مـن مـرة
.

عـلاقات الدولـة الزيانيـة بجـيرانهـا .
علاقـة الدولـة الزيانيـة بالحفصيـين شـرقا
اول الزيانيون توطيد العلاقات الدبلوماسية مع الدولة الحفصية ، بعقد
مصاهرة بين العائلتين الحاكمتين ،توثيقا لروابط الصلة بينهما و مع ذلك فإن
الحفصيين ، كثيرا ما قاموا بتحرشات على الحدود و سيطروا على بعض المدن ، و
خاصة عندما يكون الجيش الزياني مشغولا بمحاربة بني مرين ، أو تكون الحكومة
مشغولة بالقضاء على الاضطرابات الداخلية . لذلك قرر الزيانيون القضاء على
سلطة الحفصيين و التخلص نهائيا من خطرها . فجهزت الدولة الزيانية جيشا
قويا ، و أخذت تتوسع شرقا على حساب الحفصيين و بسطوا سيطرتهم على تونس سنة
: 1328 . الأمر الذي أدى إلى تحالف الحفصيين و المارنيين ضد الزيانيين ،
فزحف الجيشان من الشرق و من الغرب إلى دولة بنو زيان إلى أن سقطت تلمسان
العاصمة بيد المارنيين سنة: 1337. بينما استعاد الحفصيون سلطتهم من جديد
على تونس ، لكن الزيانيين سرعان ما استرجعوا مملكتهم و حسنوا العلاقات مع
بني مرين و انصرفوا إلى إعادة بناء و ترميم مادمرته الحرب . و بينما هم
منهمكون في هذه الأعمال ، قام الحفصيون بهجومات مفاجئة و احتلوا تلمسان ،
و جاءتهم مبايعة من بني مرين في مراكش و بذلك تمت لهم السيطرة على المغرب
العربي . لكن سرعان ما استعاد المرينيون سلطتهم على مراكش و الزيانيون
سلطتهم على الجزائر ، و أكثر من هذا فإن الزيانيون قاموا بحملة ضد
الحفصيين ، فألحقوا بهم أضرارا جسيمة . لم يحولوا بعـدها التحـرش علـى
الحـدود الجـزائريـة
.

عـلاقة الدولـة الزيانيـة بالمارنيـين غـربا
كان النزاع سيد الموقف في العلاقات بين الطرفين ، فكلما سنحت الفرصة
لأحدها استغلها بهدف القضاء على خصمه ، و سبب ذلك النزاع والعداء هو أن كل
منهما يعتبر نفسه الوريث الشرعي للموحدين . فالمرينيون سبب أنهم هم من
استولى على عاصمتهم مراكش والأندلس ، و بنو زيان فلكونهم كانوا من أخلص
مساعديهم و أنصارهم . لكن نظرا لانشغال الزيانيين بمشاريعهم الـداخليـة
وبالحفصيـين شـرقا فقـد تمكـن المرينييـون مـن التوسـع شرقـا إلـى أن سقطـت
تلمسـان بيدهـم سنـة : 1352 و لم يـرض الزيانـيون سياسـة الأمـر الواقـع ، بـل واصلـوا
نشاطهم إلى أن استعادوا عاصمتهم و طردوا المرينيين إلى ما وراء الحدود و
كان ذلك سنة: 1359 على يد أبو حمو موسى الثاني و حلفاءه قبائل بنو عامر و
حميان . و لما لاحظ الزيانيون تكالب المرينيين و الحفصيين على الجزائر ،
عمدوا إلى تدريب الجيش و تقويته حتى غدا أقوى جيش بالمغرب العربي . و
بطبيعة الحال هذا لم يرضي الحفصيون ولا المرينيون ، فتحالفوا ضد الدولة
الزيانية . فعمدوا إلى إثارة الفتن والاضطرابات في الجزائر استعدادا
للهجوم و القضاء على مملكة بني زيان . لكن الزيانيين كانوا لهم بالمرصاد ،
فوحدوا كلمة القبائل الجزائرية أولا و من تم توجه شرقا و غربا إلى
الحفصيين و المرينيين و أنزل بهم خسائر كبيرة . ففي الشرق تقلص النفوذ
الحفصي، وفي الغرب سقطت بيدهم "فاس" ( عاصمة المرينيين ) ومن حينها لم
تحاول مراكش المرينية و لا تونس الحفصية التحرش أو الاعتداء على التراب
الـجزائـري الـزيانـي .

و مما سبق نستنتج أن السياسة العامة لدول المغرب العربي الثلاث هي
سياسة المحافظة على التوازن و عدم السماح لأي منها بالانفراد بالسيادةو
السيطرة، و كل محاولة للخروج عن هذه السياسة سرعان ما تجابه و تصد بتحالف
بين الدولتين ضدها ، على أن موقع الدولة الزيانية في الوسط . كلفهاالكثير
من المتاعب و ألحق بها عدة خسائر و حال بينها و بين الاهتمام بمشاريعها
الداخلية و مواجهة القرصنة الأوروبية و اعتداءاتها المتكررة على شواطئ
البلاد . كما حال دون قيامها بتقديم مساعدات عسكرية لمسلمي الأندلس الذين
كانوا يعـانون فـي تلك الفتـرة من الظلـم و الاضطهـاد الاسبـانـي .

كانت علاقة الزيانيين بالأندلس طيبة ، و كثيرا جاءت وفود من الأندلس
لطلب المساعدات المالية و التأييد المعنوي و العسكري من مماليك المغرب
العربي الثلاث .وكانت الدولة الزيانية قد قدمت لهم مساعدات كثيرة مثل:
النقود الذهبية ، خيول أصيلة ، ثياب،سلاح وحبوب و ما إلى ذلك و كانت هذه
المساعدات السنوية تعد بمثابة مساهمة منها في تحرير الأندلس . إضافة إلى
استقبال الزيانيين إلى عدد كبير من المهاجرين فروا من الاضطهاد الاسباني ،
و نظرا لموقف الزيانيين من الأندلس فقد ساءت العلاقات بينها و بين اسبانيا
، فانتقم الاسبان بأن قاموا بعـدة تحرشـات علـى سـواحلهـا .
لقد قام القراصنة الأوروبيين و لاسيما الاسبانيين و الإيطاليين بعدة
اعتداءات على شواطئ المغرب، وفنهبوا و استولوا على السفن التي وقعت في
قبضتهم كما قاموا بمحاولات لاحتلال بعض الموانئ في الجزائر و المغرب و
تونس . و بتكرار اعتداءاتهم على الموانئ الجزائرية مثل: المرسى الكبير و
دلس و غيرها، قام الجيش الزياني بحملة كبيرة على سواحل اسبانيا و صقلية
انتقاما لما حل بالمسلمين في تلك البقاع ، و مع ذلك استمر القراصنة في
مضايقتهم لسواحل المغرب العربي . لذلك غير الزيانيون أسلوبهم في الدفاع
فنظموا الجيش الأمر الذي حال دون احتلال الإسبان للجزائر . مع العلم بأن
الإسبان هدموا عدة مساجد و قصور و نهبوا عدة نفائس ، فمن ذلك مثلا أنهم
نقلوا من بجاية وحدها ما حمولته 30 سفينة إلى اسبانيا و حطموا قصورها و
مساجدها و خربوا حدائقها و حماماتها . و لما تكالبت الأساطيل الأوروبيـة
وخاصـة منهـا الاسبانيـة علـى الموانـئ الجزائريـة، حيث قاموا باحتلال
المرسى الكبير سنة 1505 ثم وهران سنة 1509 ثم توسع الإسبان في موانئ
الجزائر ، فاستولوا على مدينة بجاية بداية سنة 1510 و خضعت لهم عقب ذلك
المدن الساحلية الجزائرية مثل : دلس، شرشال ، مستغانم ... و أجبرت الدولة
الزيانية على دفـع الجزيـة للدولـة الاسبـانية . وعنـدها شـرع الزيانيـون
في توسيـع أسطولهـم البحري و تعـزيزه بـأمـهر المـلاحـين المسلـمين ، و
أخـذ الأسطـول الجزائـري يقضـي علـى حركـة القرصنة في البحر . و امتدت هذه
الهجمات بظهور البرابسة " القائد عروج و شقشقه خير الدين بربروس " أي ( ذو
اللحية الحمراء لأنه كان يخضبها بالحناء ) . اللذان تمكنا من القدوم إلى
بجاية و طرد الإسبان منها ، ثم طرد الإيطاليين من جيجل . و لم يهتم
البرابسة فقط بالقضاء على الدولة الزيانية و صد هجمات الأساطيل الإسبانية
و غيرها على شواطئ البلاد ، بل اهتموا كذلك بالتوسع في الداخل و تم على
يدهم القضاء على الدولة الزيانية و توحيد الجزائر تحت سلطتهم بعد أن سقطت
تـلمسـان بيدهـم سنـة 1554م .

الحـالة الاقتصاديـة ، الثقافيـة و الاجتماعيـة للدولـة الزيانيـة
لقد ازدهرت الدولة الزيانية ازدهارا عجيبا في جميع الميادين بالرغم
من الأخطار التي داهمتها من الشرق و الغرب و الشمال . فنشطت الزراعة ،
التجارة و الصناعة و انتشرت الثقافة و نبغ كثير من الفقهاء و الأدباء و
المؤرخين ، فكانت همزة وصل بين أوروبا و أقطار ما وراء الصحراء و ملتقى
طلاب العلم من مختلف الأقطار و يمكـن إبـراز ذلـك فيمـا يلـي
:

لقد اهتمت الدولة الزيانية بالنشاط الزراعي و الصناعي و التجاري .
ففي مجال الزراعة كانت الجزائر أرضا زراعية بطبيعتها ، لذلك اعتنى الأهالي
بترقية الزراعة و إتباع طرق علمية معروفة في عهدهم مثل: استخراج المياه
الجوفية ، إقامة السدود ، حفر القنوات و الجداول للري .كما اعتنوا بتنويع
المنتوجات الزراعية والإكثار من البساتين و الحدائق حول المدن و وسطها،
حتى أصبحت المنتوجات الزراعية والتجارية و الصناعية تفوق حاجة المواطنين ،
و صدروا منها كميات كبيرة إلى أروبا و دول الجنوب حتى ساحل غانا . و إلى
جانب الزراعة اعتنوا بتغذية الحيوانات و النحل حتى غدت من أهم موارد
الدولة ، و من أهم صادراتها للخارج. فقد كان السمن و العسل الجزائري و
خاصة في منطقة الأوراس ، يضرب به المثل و مـرغـوب فيـه بكثـرة فـي الـدول
الأخـرى الـتي تتعـامل مـع الجـزائـر . كمـا اهتـم الزيانيون كذلك بالصيد
لاسيما صيد المرجان من مرسى الحزر الذي قدر دخله السنـوي : 10 آلاف ديـنار
، أمـا فـي المجـال الصـناعي فـاعتـنى الـزيانيـون باستـخـراج المعادن ،
كالحديد قرب عنابة و الفضة و الرصاص في بجاية و غيرها من المعادن الأخرى
التي ساعدت على تطوير الصناعة الجزائرية خاصة و قد توفرت لها اليد العاملة
الماهرة التي هاجرت الأندلس و بعض عواصم المشرق العربي ، و أهم الصناعات
المنتشرة هي : صناعة النسيج على اختلافه ، السجاد، الزرابي التي اشتهرت
بهما تلمسان و الأوراس . صناعة مواد البناء ، الرخام ، دباغة الجلود ،
صناعة الأحدية ، الأثاث الرفيع، صناعة التطريز والأسلحة وأشهرها على
الإطلاق : صناعة السفن التجارية و الحربية التي كانت الحكومة توليها عناية
خاصة ، و تنفق عليها من مالها الخاص ، صناعة الساعات ، التي اخترعها ابن
الفحام الجزائري : 1359 و هراسيق من ساعة ستراسبورغ بحوالي قرنين من الزمن
.إذ يقال أن ابن حمو الثاني كان يملك ساعة ناطقة عجيبة الصنع . كذلك نجد
صناعة الأدوية التي تدل على مدى تقدم الكيمياء و الطب و غيرها من الصناعات
الأخرى ، و كان لكل مدينة شهرتها بحرفة معينة ، بل و في المدينة الواحدة
قد تتخصص كل سوق بصناعة معينة كسوق الحدادين ، النحاسين ، النجارين و
الصناعيين ... إلخ . أما في المجال التجاري فقد عقد الزيانيون عدة
اتفاقيات تجارية مع الدول الأجنبية في أروبا و جنوب الصحراء الكبرى و
تأسست مجموعات تجارية حرة تتاجر على حياتها و نظمت تجارتها تحت حماية
الدولة الزيانية ، و اختصت بعضها بالتجارة الداخلية و أخرى بالتجارة
الخارجية مع الجنوب و أخرى مع أروبا و هكذا
.

- أما التجارة الداخلية فكانت تستعمل القوافل التجارية و اختصت قوافل
الجمال بالتجارة الجنوبية و السفن بالتجارة مع أروبا . ونظرا لازدهار
الاقتصاد ارتفع مستوى الحياة المعيشية ، إذ عاش المجتمع في رغد مما شجعه
على تنشيط الحركة العلمية و تعزيز القوة العسكرية لأن الثقافة تغذي وتنمي
الاقتصاد ، من زراعة ، صناعة و قوة عسكرية تحفـظ الأمن و تصـد كل خطـر
يهدد الـبلاد من الداخـل أو الخـارج .
مثلما تنافس ملوك المغرب العربي على السيطرة و بث النفوذ و توحيد
المغرب العربي تحت راية واحدة ، تنافسوا كذلك على تنشيط الثقافة و تشجيع
الاختراعات و البحث و تشجيع العلماء . فعمت بذلك العلوم المدن و القرى
الزراعية خاصة و أن الثقافة لم تتأثر كثيرا بالتقلبات السياسية ، فشيدت
عدة مدارس في كل مدينة ، و مدرسة أو أكثـر في كـل قريـة زراعيـة ، عـلاوة
على الكـتاتيب والمـساجد الـتي كانت كلها تسـاعد على نشر الثقافة . و
اعتنى العلماء و الملوك باقتناء الكتب العلمية و تأسيس المكتبات الخاصة
والعامة . و لقد كان معظم ملوك بني زيان علماء و أدباء و شعراء و من أشهر
مؤرخي هذا العهد العلامة "ابن خلدون" التونسي ، الذي كتب مقدمته الشهيرة
لتاريخه في الجزائر . كما كان في تلك الفترة الأثرياء ينفقون أموالهم على
المدارس و الزوايا تشجيعا منهم للحركة العلمية و مساعدة منهم للطلاب على
مواصلة دراستهم بالمجان ، مع توفير حاجياتهم الضرورية حتى لا ينصرفوا إلى
غير العلم أثناء دراستهم . و إلى جانب الدروس المنتظمة كانت تعقد الحلقات
و المحاضرات في المساجد التي تختتم بالمناقشة الحرة ، و لا يخفى ما لهذا
النشاط الثقافي من أثر على تطوير العلوم و توسيع الأفق عند الطلبة و
العلماء معا. و قد استحسن " ابن خلدون" نظام التعليم في الجزائر فقال : ((
بأنه يغذي الملكة ، و يقرب المفهوم . لأن الأبحاث في مختلف العلوم ، جارية
على القوانين النظرية و الاستدلالات العقلية ...)) .وقدم إلى مختلف المدن
الجزائرية طلاب من مختلف الأقطار لمواصلة دراستهم في الطب و الفلسفة و
الطبيعيات و الرياضيات والموسيقى .على أننا لا ننكر أن العلوم الدينية
والأدبية كانت لها المكانة الأولى ،نظرا لروح العصر الذي كان يتغلب عليه
الطابع الديني، وكان لكل مادة رئيسها .فقد كانت رئاسة الطب مثلا لمحمدبن
علي التلمساني ومن أشهر المؤلفين في الطب ( محمد بن يوسف السنوسي ، و
الطيب أبو عبد الله ) الطبيب الخاص بالقصر الملكي . كما اهتمت الدولة
الزيانية ببناء القصور ، المساجد و المدارس فكانت حقا تحفا رائعة . واعتنت
بالفنون الجميلة كالموسيقى و النحت و الطرز ، و تعدد النوابغ في كل فروع
المعرفة و اشتهر متخصصون في الحديث والفقه و اللغة و الطب ، الفلسفة و
الفلك ، و لم يقتصر هذا النشاط على المدينتين العلميتين تلمسان و بجاية بل
شمال كل المدن و حتى البوادي. ويمكـن إبـراز الازدهـار الثقـافي و العلمـي
في الدولـة الزيانيـة مـن خـلال مـا يلـي :
أ - أحباء دور التعليم و بناء المدارس : لا يمكن للعلم أن يزدهر إلا حيث
تنتشر مراكز التعليم ، وكان من حظ تلمسان في هذا القرن أنها ورثت مجموعة
لا بأس بها من المدارس ذات المستوى العلمي الكبير ، شيد الزيانيون أغلبها
خلال فترات متعاقبة ، و قد أشار " ابن خلدون " إلى هذه المدارس بقوله: ((
و المعاهد الكريمة )) ووصفها " الحسن الوزان" بأنها(( حسنة جيدة البناء ،
مزدانة بالفسيفساء و غيرها من الأعمـال الفنية )). شيد بعضـها ملوك
تلمسـان و بعضها ملـوك فاس
و لهذه المدرسة مكانة هامة ، إذ يختار لهذه المدرسة كبار العلماء . و
يمكن القول بأنها كانت بمثابة جامعات كبيرة و من تم فلم يكن يلتحق بها إلا
الطلبة الذين فرغوا من مراحـل الدراسـة الأوليـة : الكتـاتيب ، الزوايـا ،
المسـاجد و كـان التعليـم فيها مجانا وسـي
ر

على خطوات مرحلية وفق نظم و تراتيب خاصة و ذلك حسب مستويات الطلبة و
اتجاهاتهم العلمية . و كان الطلبة الفقراء يسكنون في غرف تابعة لهذه
المدارس ، إلا أن حياتهم كانت صعبة كما وصفها الحسن الوزان . و لكنهم
عندما يرتقون إلى درجة فقهاء يعـين كـل واحـد منهـم أسـتاذا أو إمـاما .

ب - انتشار المساجد و الزوايا : لم يكن التعليم في تلمسان حكرا على

المدارس والمعاهد فقط ، بل كان نطاقه أوسع من ذلك . فقد كانت المساجد و
الزوايا مراكز علميـة مساعـدة و مكملـة للـمدارس الكـبرى ، ففيـها يتلـقى
الطلـبة المبادئ الأوليـة للعـلوم

و ينال العامة نصيبهم من العلم و الثقافة . و تذكر لنا المصادر التاريخية

أن عدد مسـاجد تلمـسان بلـغ حـوالي 60 مسجـدا و انتشـرت منـها المسـاجد
التاليـة :

- مسجد سيدي بومدين : بني في عهد " أبي الحسن المريني " و أخذ اسم الولي الصـالح الـذي دفـن بجانبـه

- مسجد سيدي الحلوي : بناه السلطان "أبو عنان المريني " عام : 750 هـ
أيام الاستيـلاء المريني على المغـرب الأوسـط كله ، وهـو بـذلك من أهـم
آثـار الدولـة الزيانيـة .
مسجد سيدي ابراهيم المصمودي: أسسه السلطان " أبو حمو موسى الثاني " إلـى جـانب المدرسـة اليعقوبيـة سنـة: 765 هـ.
مسجـد سيـدي أبي الحسـن : أسسـه السلطـان " أبـو سعيـد عثمـان سنـة 696 و كـان المسجـد تحفـة فنيـة معماريـة
- الجـامع الكـبير : بناه المرابطون سنة : 530 و هو أشهر المساجد أكبرها .
مسجـد أولاد الإمـام : كان تابعا للمدرسة التي بناها " أبو حمو موسى الأول " حوالي : 710 هـ .

ما من شك في أن مثل هذه الحركة العلمية لا يمكن أن تنمو بمعزل عن

مصادرالمعرفة ، و ما من شك أيضا أن علماء تلمسان وطلبتها كانوا منشغلين
بجمع الكتب و دراستـها ، يـدل علـى ذلـك كثـرة المصنـفات المعتمـدة في
الحـياة الدراسيـة عندهـم .

أضف إلى ذلك أن ملوك بني زيان كانوا مهتمين بتعمير المكتبات خدمة للطلبة ،

و من الأمثلة الحيـة على ذلك أن " أبو حمو موسى الثاني " قد أسـس خزانـة
كتب امتـدت آثـارها حتى القرن 19 .

- نتائج النهضة العلمية : كان لمؤشرات النهضة العلمية في الدولة الزيانية

إفرازات و نتائج ملموسة في الواقع ، و قد تمثل ذلك في ظهور الكثير من
العلماء الذين ساهمـوا في تطـوير الحيـاة العلميـة و الفكريـة في هـذا
القـرن رغـم تدهـور الأحـوال الإجتماعي

و السياسية . و قد كانت إسهاماتهم متنوعة إذ اشتغلوا بالتدريس فكونوا

خلفاءهم من العلماء و الأئمة و شاركوا في التأليف . فتركوا للأجيال تراثا
علميا زاخرا و شاركوا في حركة الإصلاح ضد بعض التيارات المنحرفة على مسرح
الأحداث ، فعملوا على تجنيب المجتمع من الوقوع فيها و من أشهر هؤلاء
العلماء ( عائلة المزارقة ، عائلة العقبانيين ، ابناء إمام ، ابن زاغو ،
السنوسي ، ابن زكري المعتيلي ، المـازوني و الونشـريسي ... إلخ ) .
إن تلك المؤسسات العلمية و التربوية كانت تحتضن مجالس مختلف العلوم و
كانت تدرس فيها مختلف أمهات الكتب و الدواوين بدءا من القرآن و الحديث و
علومهما إلى العقائد و أصول الدين و الفقه و أصوله و اللغة وعلومها و
التصوف و المنطـق ، الفلسفـة ، الطـب ، الهندسـة ، الفـلك و علـوم
الزراعـة و غـيرها .

المدارس
مدرسة ولدي الإمام : بنيت في عهد السلطان " ابن حمو موسى الأول" و سبب
بنائها أن الأخوين " ابني الإمام " دخلا تلمسان في عهد هذا السلطان ،
فأكرمهما و ابتنى لهما هـذه المدرسـة التي سميـت باسمهـما ، و كـان حـوالي
سـنة : 710 هـ .
- المدرسة التاشفينية : بناها " عبد الرحمان أبو تاشفين " (718-737)
بجانب الجامع الأعظم ، و عين بها مدرسين من كبار العلماء من أمثال " أبي
موسى المشدالي " وكانت هذه المدرسة تحفة فنية رائعة ، و قد وصفها" المعري"
بأنها من بدائع الدنيا ، و للأسف أن يد الاستعمار الفرنسي قد أتت عليها
فتم تهديمها دون مراعاة لما فيها من جوانب فنية و حضارية و ذلك لبني
مكانها دار البلدية ، ثم نقلت بعض تحفها وزخارفهـا إلى متحـف تلمـسان و
إلـى متحـف كـلوني فـي بـاريس .
مدرسة أبي الحسن المريني بالعباد : أسسها " أبو عنان أبي الحسن المريني
" في منطقة تسمى العباد سنة : 754 هـ بجانب مسجد الولي الصالح " أبي عبد
الله الشودي الأشبيـلي" الملقـب (( بالحـلوي)) .
المدرسة اليعقوبية : أسسها السلطان "أبو حمو موسى الثاني" (760-791)
على ضريح والده " يعقوب" و عميه "أبي سعيدعثمان و أبي ثابت ) و تم تدشينها
في شهر صفر سنة : 765 هـ . و قد احتفل بها هذا السلطان و اعتنى بها، و
أكثر عليها الأوقاف . و كان الإمام " أبو عبد الله الشريف التلمساني" واحد
من أكابر مدرسيـها ، و من سـوء الحـظ أن هـذه المدرسـة قد اندثـرت كـغيرها
مـن المـدارس


.
الخاتمة
يمكننا القول أن الحالة السياسية و الاجتماعية للدولة
الزيانية في أغلب فتراتها تميزت بالاضطراب . إذ كانت محاصرة بهجمات الدولة
الحفصية من الشرق تارة ، و هجمات المرينيين من الغرب تارة أخرى ، و ربما
كـان الزيانيـون هـم المغـيرون علـى هـؤلاء و أولئـك تـارة ثالثـة .

إضافة إلى ذلك الفتن الداخلية التي لا تكاد تنطفئ حتى تشتعل مرة أخرى

لأسبـاب كثيرة منها التنافس على العرش الذي كان قائما على أشده بين أفراد
الأسـرة الحـاكمـة .
و لكن بالرغم من ذلك كانت الحالة العلمية و الفكرية قد أخذت منحا آخر
، إذ كانت نشطة جدا ، و قد ظهر في عهد الدولة الزيانية نخبة من العلماء
الذين تركوا تراثا علميا توارثته الأجيال ، و بقي تأثيره على الحركة
العلمية في الجـزائر و خارجهـا طيلـة قـرون .
و باختصار فالدولة الزيانية حافظت على كيانها ما يقارب ثلاث قرون فكـانت بـذلك ثـالث دولـة إسلاميـة عظمـى فـي الجـزائر .














>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

شكراااااااااااااااااااااااااااااا

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :

مشكورة على هاته المعلومات

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :

شكرا بارك الله فيك


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :



__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :

شكراااااااااااااااااااااااااااااااااا على المجهود