عنوان الموضوع : في المقصود بلفظة العرب للمؤرخ العراقي العظيم الدكتور جواد علي رحمه الله قبيلة
مقدم من طرف منتديات العندليب





صفحات منقولة من كتاب المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام
للمؤرخ العربي العراقي العظيم : الدكتور جواد علي



الفصل الأول: تحديد لفظة العرب


نطلق لفظة "العرب" اليوم على سكّان بلاد واسعة، يكتبون ويؤلفون وينشرون ويخاطبون بالإذاعة والتلفزيون" بلغة واحدة، نقول لها: لغة العرب أو لغة الضاد أو لغة القرآن الكريم. وإن تكلموا وتفاهموا وتعاملوا فيما بينهم وفي حياتهم اليومية أدّوا ذلك بلهجات محلية متباينة؛ ذلك لأن تلك اللهجات إذا أًرجعت رجعت إلى أصل واحد هو اللسان العربي المذكور، وإلى ألسنة قبائل عربية قديمة، وإلى ألفاظ أعجمية دخلت تلك اللهجات بعوامل عديدة لا يدخل البحث في بيان أسبابها في نطاق هذا البحث.
ونحن إذْ نطلق لفظة "عرب" و"العرب" على سكان البلاد العربية؛ فإنما نطلقها إطلاقًًا عامًا على البدو وعلى الحضر، لا نفرق بين طائفة من الطائفتين، ولا بين بلد وبلد. نطلقها بمعنى جنسية وقومية وعلم على رسٍّ له خصائص وسمات وعلامات وتفكير يربط الحاضرين بالماضين كما يربط الماضي بالحاضر.
واللفظة بهذا المعنى وبهذا الشكل، مصطلح يرجع إلى ما قبل الإسلام؛ ولكنه لا يرتقي تأريخيًّا إلى ما قبل الميلاد، بل لا يرتقي عن الإسلام إلى عهد جدّ بعيد؛ فأنت إذا رجعت إلى القرآن الكريم، وإلى حديث رسول الله، وجدت للفظة مدلولًا يختلف عن مدلولها في النصوص الجاهلية التي عُثر عليها حتى الآن أو في التوراة والإنجيل والتلمود وبقية كتب اليهود والنصارى وما بقي من مؤلفات

يونانية ولاتينية تعود إلى ما قبل الإسلام. فهي في هذه أعراب أهل وبر، أي طائفة خاصة من العرب. أما في القرآن الكريم وفي الحديث النبوي، وفي الشعر المعاصر للرسول؛ فإنها علم على الطائفتين واسم للسان الذي نزل به القرآن الكريم، لسان أهل الحضر ولسان أهل الوبر على حد سواء. {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} 1، {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} 2.
وإذا ما سألتني عن معنى لفظة "عرب" عند علماء العربية؛ فإني أقول لك: إن لعلماء العربية آراء في المعنى، تجدها مسطورة في كتب اللغة وفي المعجمات؛ ولكنها كلها من نوع البحوث المألوفة المبنية على أقوال وآراء لا تعتمد على نصوص جاهلية ولا على دراسات عميقة مقارنة، وُضعت على الحدس والتخمين، وبعد حيرة شديدة في إيجاد تعليل مقبول فقالوا ما قالوه مما هو مذكور في الموارد اللغوية المعروفة، وفي طليعتها المعجمات وكتب الأدب، وكل آرائهم تفسير اللفظة وفي محاولة إيجاد أصلها ومعانيها، هو إسلامي، دوّن في الإسلام.
وترى علماء العربية حَيَارى في تعيين أول من نطق بالعربية؛ فبينما يذهبون إلى أن "يعرب" كان أول من أعرب في لسانه وتكلم بهذا اللسان العربي، ثم يقولون: ولذلك عرف هذا اللسان باللسان العربي، وتراهم يجعلون العربية لسان أهل الجنة ولسان آدم، أي: أنهم يرجعون عهده إلى مبدأ الخليقة، وقد كانت الخليقة قبل خَلْق "يعرب" بالطبع بزمان طويل، ثم تراهم يقولون: أول من تكلم بالعربية ونسي لسان أبيه إسماعيلُ، أُلْهِم إسماعيل هذا اللسان العربي إلهامًا، وكان أول من فُتِق لسانه بالعربية المبينة، وهو ابن أربع عشرة سنة3. وإسماعيل هو جدّ العرب المستعربة على حد قولهم.
والقائلون إن "يعرب" هو أول من أعرب في لسانه، وإنه أول من نطق
ـــــــ
1 سورة النحل. رقم 16 الآية 103.
2 سورة فصلت. رقم 41 الآية 44.
3 تاج العروس "2/ 352"، طبعة الكويت" "عرب"، اللسان "2/ 75" المزهر "1/ 30"، فما بعدها"، ابن خلدون "2/ 86".

(1/14)


بالعربية، وإن العربية إنما سميت به؛ فأخذت من اسمه، إنما هم القحطانيون، وهم يأتون بمختلف الروايات والأقوال لإثبات أن القحطانيين هم أصل العرب، وأن لسانهم هو لسان العرب الأول، ومنهم تعلّم العدنانيون العربية، ويأتون بشاهد من شعر "حسان بن ثابت" على إثبات ذلك، يقولون: إنه قاله، وإن قوله هذا هو برهان على أن منشأ اللغة العربية هو من اليمن. يقولون إنه قال:
تعلمتم من منطق الشيخ يعرب ... أبينا؛ فصرتم معربين ذوي نفر
وكنتم قديمًا ما بكم غير عجمة ... كلام، وكنتم كالبهائم في القفر1
ولم يكن يخطر ببال هؤلاء أن سكان اليمن قبل الإسلام كانوا ينطقون بلهجات تختلف عن لهجة القرآن الكريم، وأن من سيأتي سيكتشف سرّ "المسنَد"، ويتمكن بذلك من قراءة نصوصه والتعرف على لغته، وأن عربيته هي عربية تختلف عن هذه العربية التي ندوّن بها، حتى ذهب الأمر بعلماء العربية في الإسلام بالطبع إلى إخراج الحميرية واللهجات العربية الجنوبية الأخرى من العربية، وقصر العربية على العربية التي نزل بها القرآن الكريم، وعلى ما تفرع منها من لهجات كما سأتحدث عن ذلك فيما بعد. وهو رأي يمثل رأي العدنانيين خصوم القحطانيين.
والقائلون إن يعرب هو جدّ العربية وموجدها، عاجزون عن التوفيق بين رأيهم هذا ورأيهم في أن العربية قديمة قدم العالم، وأنها لغة آدم في الجنة، ثم هم عاجزون أيضًا عن بيان كيف كان لسان أجداد "يعرب" وكيف اهتدى "يعرب" إلى استنباطه لهذه اللغة العربية، وكيف تمكن من إيجاده وحده لها من غير مؤازرة ولا معين؟ إلى غير ذلك من أسئلة لم يكن يفطن لها أهل الأخبار في ذلك الزمن، وللإخباريين بعد كلام في هذا الموضوع طويل، الأشهر منه القولان المذكوران ووفق البعض بينهما بأن قالوا: إن "يعرب" أول من نطق
ـــــــ
1 كتاب الإكليل: "1/ 116" تحقيق "محمد بن علي الأكوع الحوالي"، القاهرة سنة 1963 "مطبعة السنة المحمدية"، المكتبة اليمنية "2"، الأصمعي.


بمنطق العربية، وإسماعيل هو أول من نطق بالعربية الخالصة الحجازية التي أنزل عليها القرآن1.
أما المستشرقون وعلماء التوراة المحدثون؛ فقد تتبعوا تأريخ الكلمة، وتتبعوا معناها في اللغات السامية، وبحثوا عنها في الكتابات الجاهلية وفي كتابات الآشوريين فيه لفظة "عرب" هو نصّ آشوري من أيام الملك "شلمنصر الثالث" "الثاني؟" ملك آشور2. وقد تبين لهم أن لفظة "عرب" لم تكن تعني عند الآشوريين ما تعنيه عندنا من معنى، بل كانوا يقصدون بها بداوة وإمارة "مشيخة" كانت تحكم في البادية المتاخمة للحدود الآشورية، كان حكمها يتوسع ويتقلص في البادية تبعًا للظروف السياسية ولقوة شخصية الأمير، وكان يحكمها أمير يلقب نفسه بلقب "ملك" يقال له "جنديبو" أي "جندب" وكانت صلاته سئية بالآشوريين. ولما كانت الكتابة الآشورية لا تحرك المقاطع، صعُب على العلماء ضبط الكلمة؛ فاختلفوا في كيفية المنطق بها، فقرئت: "aribi" و "arubu" و "aribu" و "arub" و "arabi" و "urbi" و "arbi" إلى غير ذلك من قراءات3. والظاهر أن صيغة "urbi" كانت من الصيغ القليلة الاستعمال، ويغلب على الظن أنها استعملت في زمن متأخر4، وأنها كانت بمعنى "أعراب" على نحو ما يقصد من كلمي "عُربي" و"أعرابي" في لهجة أهل العراق لهذا العهد. وهي تقابل كلمة "عرب" التي هي من الكلمات المتأخرة كذلك على رأي بعض المستشرقين. وعلى كل حال فإن الآشوريين كانوا يقصدون بكلمة "عربي" على اختلاف أشكالها بداوة ومشيخة كانت تحكم في أيامهم البادية تمييزًا لها عن قبائل أخرى كانت مستقرة في تخوم البادية5".
ـــــــ
1 تاج العروس "2/ 352"، "طبعة الكويت".
2 Margoltouth, The Relations between Arabs and Israelites Prior to the rise of Islam, P. 3, The Jewish Encyclopedia, New York, 1902, P. 41, Reallexikon der
Aaayriologie, erster Band, Zwelte Lieferung-, S., 125, James A. Montgomery,
Arabia and the Bible, PP. 27.
3 Erich Ebling und Bruno Meissner, Reallexikon der Assyriologte, Erster Band,
Berlin and leipzig 1922, P. 125.
4 Ency, Bibli. Vol., I, P. 273, E. Schrader Keilinschriften und Geschichtforschung, t PP. 100, Fr.
Delityech,
wo lag das Paradise?, P. 295, 304, P, Caussin de Perceval, Hlstoire des Arabes I, P., 4ff.
5 ENCYCLOPEDIA BIBLICA, by cheyne, vol., I, p. 273.



ووردت في الكتابات البابلية جملة "ماتواربي" "matu a-ra-bi"، "Matu arabaai"، ومعنى "ماتو" "متو" أرض، فيكون المعنى "أرض عربي"، أي "أرض العرب"، أو "بلاد العرب"، أو "العربية"، أو "بلاد الأعراب" بتعبير أصدق وأصح؛ إذ قصد بها البادية، وكانت تحفل بالأعراب1. وجاءت في كتابة "بهستون" بيستون"2 "behistun" لدار الكبير "داريوس"3 لفظة "أرباية" "عرباية"4 "arabaya"، وذلك في النص الفارسي المكتوب باللغة "الأخمينية"، ولفظة "arpaya"" "m ar payah" في النص المكتوب بلهجة أهل السوس "susian" "susiana" وهي اللهجة
ـــــــ
1 W. Muss Arnolt, j assyriach — english — Deutscbes handwort-erbuch, Berlin, 1903, s., 616, Winclder, A-O.P-, Band, 2, S., 465, Margoliouth, The relations between Arabs and Israelites prior to the rise of Islam, London, 1924, p., 3.
2 "بهستون" و"بسيستون". "بهستون" "بالفتح ثم الكسر": قرية بين همدان وحلوان، اسمها ساسباتان، بينها وبين همدان أربع مراحل، وبينها وبين قرميسين ثمانية فراسخ، وجبل بهستون، عالٍ مرتفع ممتنع، لا يُرتقى إلى ذروته، وطريق الحاج تحته سواء، ووجهه من أعلاه إلى أسفله أملس كأنه منحوت، ومقدار قامات كثيرة من الأرض قد نحت وجهه وملس، فزعم بعض الناس أن الأكاسرة أراد أن يتخذ حول هذا الجبل موضع سوق ليدل به على عزته وسلطانه، وعلى ظهر الجبل بقرب الطريق مكان يشبه الغار وفيه عين ماء جارية، وهناك صورة دابة كأحسن ما يكون من الصور، زعموا أنها صورة دابة كسرى المسماة شبديز، وعليها كسرى، وقد ذكرته مبسوطا في باب الشين"، البلدان "2/ 315"، "طبعة وستفلد" "1/ 769" "شيداز: بكسر أوله وسكون ثانيه ثم دال مهملة وآخره زاي. ويقال: شيديز بالياء المثناة من تحت... منزل بين حلوان وقرميسين في لحف جبل بيستو، سمي باسم فرس كان لكسرى، وقد وصف ياقوت الحموي الموضع، وذكر آراء الناس فيه والقصص التي كانت تروى عن الصور، البلدان "5/ 228".
3 يعرف في الكتب العربية ب"دارا"، كتاب تأريخ سني ملوك الأرض والأنبياء ص" 20"، مروج الذهب "1/ 196، 245"، "دارا الكبير" "دارا الأكبر" تأريخ الطبري "1/ 687، 706، 719" طبعة أوروبة.
4 The Sculptures and inscription of Darius the great on the Rock of Behlstun in persia, London, 1907, p.,



العيلامية لغة عيلام1.
ومراد البابليين أو الآشوريين أو الفرس من "العربية" أو "بلاد العرب". البادية التي في غرب نهر الفرات الممتدة إلى تخوم بلاد الشام.
وقد ذكرت "العربية" بعد آشور وبابل وقبل مصر في نصّ "دارا" المذكور2. فحمل ذلك بعض العلماء على إدخال طور سيناء في جملة هذه الأرضين3. وقد عاشت قبائل عربية عديدة في منطقة سيناء قبل الميلاد.
وبهذا المعنى أي معنى البداوة والأعرابية والجفاف والقفر، وردت اللفظة في العبرانية وفي لغات سامية أخرى، ويدل ذلك على أن لفظة "عرب" في تلك اللغات المتقاربة هو البداوة وحياة البادية، أي بمعنى "أعراب". وإذا راجعنا المواضع التي وردت فيها كلمة "عربي" و "عرب" في التوراة، تجدها بهذا المعنى تمامًا؛ ففي كل المواضع التي وردت فيها في سفر "أشعياء" "Isaiah" مثلًا نرى أنها استعملت بمعنى بداوة وأعرابية، كالذي جاء فيه: "ولا يخيم هناك أعرابي4". فقصد بلفظة "عرب" في هذه الآية الأخيرة البادية موطن العزلة والوحشة والخطر، ولم يقصد بها قومية وعلمية لمجلس معين بالمعنى المعروف المفهوم.
ولم يقصد بجملة "بلاد العرب" في الآية المذكورة والتي هي ترجمة "مسا
ـــــــ
1 "السوس بضم أوله وسكون ثانيه وسين مهملة أخرى. بلفظ السوس الذي يقع في الصواف: بلدة بخوزستان، فيها قبر دانيال عليه السلام. قال حمزة: السوس تعريب الشوش بنقط الشين، ومعناه الحسن والنزه والطيب... قال ابن المقفع: أول سور وضع في الأرض بعد الطوفان سور السوس وتستر ولا يدري من بنى السوس وتستر والأبلة. وقال ابن الكلبي: السوس بن سام بن نوح"، البلدان "5/ 171 وما بعدها".
2 Sculp. P., 4, 95, 161.
3 Ency., Bibli., P., 273, Hastings, P. 46.' Encyclopaedia Biblica, by Cneyne, I, PP., 267, J. Hastings, A Dictionary of the Bible, I, P., 131, J. Hastings, A Dictionary of the Bible dealing with its ******** Literature and *******s, p., 84.
4 الإصحاح الثالث عشر، آية 20 "ولا يضرب أعرابي فيها خباء"، الترجمة الكاثوليكية، المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1960.
5 الإصحاح الحادي والعشرين، الأية 13،
J. Simons, The Georgraphical and Topographical Texts of the Old Testament, Leiden, 1959, P., 4.



هـ- عراب" "MASSA HA-arab، المعنى المفهوم من "بلاد العرب" في الزمن الحاضر أو في صدر الإسلام؛ وإنما المراد بها البادية، التي بين بلاد الشام والعراق وهي موطن الأعراب1.
وبهذا المعنى أيضًا وردت في "أرميا"، ففي الآية "وكل ملوك العرب" الواردة في الإصحاح الخامس والعشرين2، تعني لفظة "العرب" الأعرابي"، أي "عرب البادية" والمراد من "وكل ملوك العرب" و "كل رؤساء العرب" و" مشايخهم"، رؤساء قبائل ومشايخ. لا ملوك مدن وحكومات. وأما الآية: "في الطرقات جلست لهم كأعرابي في البرية"3، فإنها واضحة، وهي من الآيات الواردة في "أرميا". والمراد بها أعرابي من البادية، لا حضري من أهل الحاضرة. فالمفهوم إذن من لفظة "عرب" في إصحاحات "أرميا" إنما هو البداوة والبادية والأعرابية ليس غير.
ومما يؤيد هذا الرأي ورود "ها عرابة ha 'arabah" في العبرانية، ويراد بها ما يقال له: "وادي العربة"، أي الوادي الممتد من البحر الميت أو من بحر الجليل إلى خليج العقبة4. وتعني لفظة "عرابة" في العبرانية الجفاف وحافة الصحراء وأرض محروفة، أي معاني ذات صلة بالبداوة والبادية، وقد أقامت في هذا الوادي قبائل بدوية شملتها لفظة "عرب". وفي تقارب لفظة "عرب" و "عرابة"، وتقارب معناها، دلالة على الأصل المشترك للفظتين. ويعدّ وادي "العربة" وكذلك "طور سيناء" في بلاد العرب. وقصد بـ "العربية" برية سورية في "رسالة القديس بوليس إلى أهل غلاطية"5.
ـــــــ
1 قاموس الكتاب المقدس "2/ 88 فما بعدها".
A Religios Encylopaedla or Dictionary of Biblical, Historical Doctorinal, and Practical Theology, by,
Philip Schaff, 1894, Vol., I, P., 122.
2 الآية24 The Bible DicUonary, I, P., 98
3 الإصحاح الثالث، الآية الثانية.
4 Ency. Bibli., I, P., 271.
5 "مكتوب أنه كان لإبراهيم ابنان: أحدهما من الأَمَة، والآخر من الحرة؛ غير أن الذي من الأمة ولد بقوة الجسد، أما الذي من الحرة فبقوة الموعد، وذلك إنما هو رمز؛ لأن هاتين هما الوصيتان إحداهما من طور سيناء تلد للعبودية؛ فهي هاجر؛ فإن سيناء هو جبل في ديار العرب، ويناسب أورشليم الحالية؛ لأن هذه حاصلة في العبودية مع بنيها"، رسالة القديس بولس إلى أهل غلاطية"، الرسالة الرابعة، 22 فما بعدها، قاموس الكتاب المقدس "2/ 89".



وقد عرف علماء العربية هذه الصلة بين كلمة "عرب" و"عرابة" أو "عربة"؛ فقالوا: "إنهم سمّوا عربًا باسم بلدهم العربات، وقال إسحاق بن الفرج: عربة باحة العرب، وباحة دار أبي الفصاحة إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام"1. وقالوا: "وأقامت قريش بعربة فتنخت بها، وانتشر سائر العرب في جزيرتها؛ فنسبوا كلهم إلى عربة؛ لأن أباهم إسماعيل، صلى الله عليه وسلم، نشأ وربّى أولاده فيها فكثروا. فلما لم تحتملهم البلاد، انتشروا، وأقامت قريش بها2، وقد هب بعضهم إلى أن عربة من تهامة3، وهذا لا ينفي على كل حال وجود الصلة بين الكلمتين.
ورواية هؤلاء العلماء، مأخوذة من التوراة، أخذوها من أهل الكتاب، ولا سيما من اليهود وذلك باتصال المسلمين بهم، واستفسارهم منهم عن أمور عديدة وردت في التوراة، ولا سيما في الأمور التي وردت مجملًا في القرآن الكريم والأمور التي تخص تأريخ العرب وصلاتهم بأهل الكتاب.
ويرى بعض علماء التوراة أن كلمة "عرب" إنما شاعت وانتشرت عند العبرانيين بعد ضعف "الإشماعيليين" "الإسماعيليين" وتدهورهم وتغلب الأعراب عليهم حتى صارت اللفظة مرادفة عندهم لكلمة "إشماعيليين". ثم تغلبت عليهم؛ فصارت تشملهم، مع أن "الإشماعيليين" كانوا أعرابًا كذلك، أي قبائل بدوية تتنقل من مكان إلى مكان، طلبًا للمرعى وللماء. وكانت تسكن أيضًا في المناطق التي سكنها الأعراب، أي أهل البادية. ويرى أولئك العلماء أن كلمة "عرب" لفظة متأخرة، اقتبسها العبرانيون من الآشوريين والبابليين، بدليل ورودها في النصوص الآشورية والبابلية، وهي نصوص يعود عهدها إلى ما قبل التوراة. ولشيوعها بعد لفظة "إشماعيليين"، ولأدائها المعنى ذاته المراد من اللفظة، ربط بينهما وبين لفظة "إشماعيليين"، ولأدائها المعنى ذاته المراد من اللفظة، ربط بينها وبين لفظة "إشماعيليين"، وصارت نسبًا، فصُير جد هؤلاء العرب "إشماعيل"، وعدوًّا من أبناء إسماعيل4.
ـــــــ
1 "اللسان "2/ 72"، القاموس المحيط "1/ 102".
2 اللسان "2/ 72"، تاج العروس "3/ 344"، "طبعة الكويت".
3 اللسان "2/ 76"، تاج العروس "3/ 344"، "الكويت".
4 راجع الألفاظ: "عرب" "ويشماعيل" في معجمات التوراة.

(1/20)



هذا ما يخص التوراة، أما "التمود"؛ فقد قصدت بلفظة "عرب" و "عريم" "arbim" "عربئيم" "arbi'im" الأعراب كذلك، أي المعنى نفسه الذي ورد في الأسفار القديمة، وجعلت لفظة "عربي" مرادفة لكلمة "إسماعيل" في بعض المواضع1.
وقبل أن أنتقل من البحث في مدلول لفظه "عرب" عند العبرانيين إلى البحث في مدلولها عند اليونان، أود أن أشير إلى أن العبرانيين كانوا إذا تحدثوا عن أهل المدر، أي الحضر ذكروهم بأسمائهم. وفي سلاسل النسب الواردة في التوراة، أمثلة كثيرة لهذا النوع، سوف أتحدث عنها.
وأول من ذكر العرب من اليونان هو "أسكيلوس، أسخيلوس" "أشيلس" "أخيلوس" "Aeschylus"، "525- 456 قبل الميلاد" من أهل الأخبار منهم، ذكرهم في كلامه على جيش "أحشويرش" "xerxes"، وقال: إنه كان في جيشه ضابط عربي من الرؤساء مشهور2. ثم تلاه "هيرودوتس" شيخ المؤرخين "نحو 484- 425 قبل الميلاد،؛ فتحدث في مواضيع من تأريخه عن العرب حديثًا يظهر منه أنه كان على شيء من العلم بهم. وقد أطلق لفظة "arabae" على بلاد العرب، البادية وجزيرة العرب والأرضين الواقعة إلى الشرق من نهر النيل3؛ فأدخل "طور سيناء" وما بعدها إلى ضفاف النيل في بلاد العرب.
فلفظة "العربية" "arabae" عند اليونان والرومان، هي في معنى "بلاد العرب". وقد شملت جزيرة العرب وبادية الشام. وسكانها هم عرب على اختلاف لغاتهم ولهجاتهم، على سبيل التغليب؛ لاعتقادهم أن البداوة كانت هي الغالبة على هذه الأرضين؛ فأطلقوها من ثم على الأرضين المذكورة.
وتدل المعلومات الواردة في كتب اليونان واللاتين المؤلفة بعد "هيرودوتس" على تحسن وتقدم في معارفهم عن بلاد العرب، وعلى أن حدودها قد توسعت في مداركهم فشملت البادية وجزيرة العرب وطور سيناء في أغلب الأحيان؛ فصارت لفظة "arabae" عندهم علمًا على الأرضين المأهولة بالعرب والتي تتغلب عليها
ـــــــ
1 موعيد قطان 124
2 Ency. Bibli., I, P., 273
3 Ency. Bibli., I, P., 271


الطبيعة الصحراوية، وصارت كلمة "عربي" عندهم علمًا للشخص المقيم في تلك الأرضين، من بدو ومن حضر؛ إلا أن فكرتهم عن حضر بلاد العرب لم تكن ترتفع عن فكرتهم عن البدوي، بمعنى أنهم كانوا يتصوّرون أن العرب هم أعراب.
ووردت في جغرافية "سترابون" كلمة "أرمي" "erembi"، ومعناها اللغوي الدخول في الأرض أو السكنى في حفر الأرض وكهوفها، وقد أشار إلى غموض هذه الكلمة وما يقصد بها، أيقصد بها أهل "طرغلوديته" "troglodytea" أي "سكان الكهوف" أم العرب؟ ولكنه ذكر أن هناك من كان يريد بها العرب، وأنها كانت تعني هذا المعنى عند بعضهم في الأيام المتقدمة، ومن الجائز أن تكون تحريفًا لكلمة "arabi" فأصبحت بهذا الشكل1.
أما الإرميون؛ فلم يختلفوا عن الآشوريين والبابليين في مفهوم "بلاد العرب". أي ما يسمى بـ"بادية الشام" وبادية السماوة. وهي البادية الواسعة الممتدة من نهر الفرات إلى تخوم الشام. وقد أطلقوا على القسم الشرقي من هذه البادية، وهو القسم الخاضع لنفوذ الفرس، اسم "بيت عرباية" "beth' arb'aya" و "باعرباية" "ba'arabaya"، ومعناها "أرض العرب". وقد استعملت هذه التسمية في المؤلفات اليونانية المتأخرة2. وفي هذا الاستعمال أيضًا معنى الأعرابية والسكنى في البادية.
ووردت لفظة "عرب" في عدد من كتابات "الحضر". وردت مثلًا في النص الذي وسم ب"79" حيث جاء في السطرين التاسع والعاشر "وبجندا دعرب"، أي: "وبجنود العرب". وفي السطر الرابع عشر: "وبحطر وعرب"، أي "وبالحضر وبالعرب"3. ووردت في النص: "193": "ملكادي عرب"، أي "ملك العرب" وفي النص "194" وفي نصوص أخرى4. وقد وردت اللفظة في كل هذه النصوص بمعنى "أعراب"، ولم ترد علمًا على قوم وجنس، أي بالمعنى المفهوم من اللفظة في الوقت الحاضر5.
ـــــــ
1 Strabo, Vol., 3, P., 215.
2 Ency. Bibli., Vol., I, P., 273, Hastings, P., 46, Schroder, Keillnschr. und Gesch. S., 100, Delitzsch, Wo 2Jag das Parodies? S., 295.
وسيكون رمزه Delitmych
3 مجلة سومر، السنة 1961، Die Araber, IV, S., 243. ff
4 سومر، 1961،Die Araber, IV, S., 261 5 انجليزي
5 Die Araber, IV, S., 269.



هذا، وليست لدينا كتابات جاهلية من النوع الذي يقول له المستشرقون "كتابات عربية شمالية"، فيها اسم "العرب"، غير نصّ واحد، هو النص الذي يعود إلى "امرئ القيس بن عمرو". وقد ورد فيه: "مر القيس بر عمرو، ملك العرب كله، ذو إسرالتج وملك الأسدين ونزروا وملوكهم وهرب مذحجو..."1. ولورد لفظة "العرب" في هذا النص الذي يعود عهده إلى سنة "328م" شأن كبير؛ "غير أننا لا نستطيع أن نقول: إن لفظة "العرب" هنا، يراد بها العرب بدوًا وحضرًا، أي: يراد بها العلم على قومية، بل يظهر من النص بوضوح وجلاء أنه قصد "الأعراب"، أي القبائل التي كانت تقطن البادية في تلك الأيام.
أما النصوص العربية الجنوبية؛ فقد وردت فيها لفظة "أعرب" بمعنى "أعراب"، ولم يقصد بها قومية، أي علم لهذا الجنس المعروف، الذي يشمل كل سكان بلاد العرب من بدو ومن حضر، فورد: "وأعرب ملك حضرموت"، أي "وأعراب ملك حضرموت"2، وورد: "وأعرب ملك سبأ"، أي "وأعراب ملك سبأ"3. وكالذي ورد في نصّ "أبرهة"، نائب ملك الحبشة على اليمن4؛ ففي كل هذه المواضع ومواضع أخرى، وردت بمعنى أعراب"5.
أما أهل المدن والمتحضرون، فكانوا يعرفون بمدنهم أو بقبائلهم، وكانت مستقر في الغالب. ولهذا قيل "سبأ"و "هَمْدَان" و"حِمْيَر" وقبائل أخرى، بمعنى أنها قبائل مستقرة متحضرة، تمتاز عن القبائل المتنقلة المسماة "أعرب" في النصوص العربية الجنوبية؛ مما يدل على أن لفظة "عرب" و "العرب" لم
ـــــــ
1 Ephemeris, 2-34, nabia, p. 4, Plate, 2, dussaud, in rev Archeologique, II, "1902", 409, ff, Arabes en syrie avant l'islam, P. 34, montgoery, Arabia and the bible, p. 28.
وسيكون رمزه Montgomery.
2 لما كان المسند لا يعرف الحركات، صعب علينا قراءة الكلمات قراءة صحيحة فتجوز قراءة كلمة "أعرب" مثلًا: "أعرب" وتجوز قراءتها "أعراب".
3 نشر نقوش سامية قديمة من جنوب بلاد العرب وشرحها، بقلم الدكتور خليل يحيى نامي "ص92"، النقش 71 سطر 2، وسأشير إليه ب: نشر، "ص93 نصّ رقم 72، و73.
4 Glser, zwei inschriften uber den dammbruch bon maribg, s, 33, Ency, Bibli, I, p. 275, cis 541 Glasser, 618.
5 Glaser, zwei inschriften uber den dammbruch von marib, s. 33. Ency, Bibli I, p. 275, cis, 541 Glasser, 618.
Albert Jamme, Sabaean Inscriptions from Magram Biqis Baltimore, 1962, p. 445



تكن تؤدي معنى الجنس والتقومية ذلك في الكتابات العربية الجنوبية المدونة والواصلة إلينا إلى قُبيل الإسلام بقليل "449م" "542م"1. والرأي عندي أن العرب الجنوبيين لم يفهموا هذا المعنى من اللفظة إلا بعد دخولهم في الإسلام، ووقوفهم على القرآن الكريم، وتكلمهم باللغة التي نزل بها، وذلك بفضل الإسلام بالطبع. وقد وردت لفظة "عرب" في النصوص علمًا لأشخاص2.
وقد عرف البدو، أي سكان البادية، بالأعراب في عربية القرآن الكريم. وقد ذكروا في مواضع من كتاب الله، وقد نعتوا فيه بنعوت سيئة3، تدل على أثر خلق البادية فيهم. وقد ذكر بعض العلماء أن الأعراب بادية العرب، وأنهم سكان البادية4.
والنص الوحيد الوحيد الذي وردت فيه لفظة "العرب" علمًا على العرب جميعًا من حضر وأعراب، ونعت فيه لسانهم باللسان العربي، هو القرآن الكريم. وقد ذهب "د. هـ. ملر" إلى أن القرآن الكريم هو الذي خصص الكلمة وجعلها علمًا لقومية تشمل كل العرب. وهو يشك في صحة ورود كلمة "عرب" علمًا لقومية في الشعر الجاهلي، كالذي ورد في شعر لامرئ القيس، وفي الأخبار المدونة في كتب الأدب على ألسنة بعض الجاهليين5. ورأي "ملر" هذا رأي ضعيف لا يستند إلى دليل؛ إذ كيف تعقل مخاطبة القرآن قومًا بهذا المعنى لو لم يكن لهم علم سابق به؟ وفي الآيات دلالة واضحة على أن القوم كان لهم إدراك لهذا المعنى قبل الإسلام، وأنهم كانوا ينعتون لسانهم باللسان العربي، وأنهم كانوا يقولون للألسنة الأخرى ألسنة أعجمية: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} 6. {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا
ـــــــ
1 Margoliouth, the Relations, p. 2. Glaser, 554, 2. MVAG, VI, 7, CIH, 79. 9. CIH, 373, 397, 7. CIH IV, Pars Himyaritica, Nos, 79, 343, 397 Montgomery. P. 27.
2 نشر "ص89" نص69،
Ansaldi, cesare il yemen, nella storia e nella legenda,m roma 1933, Nr, 17 69, Ryckmans, in le museon, VoI, I, part, 3, "1937". Nr. 180.
3 التوبة، الآية 97، 101، الفتح، الآية 11، الحجرات، الآية 14.
4 بلوغ الأرب "1/ 13"، تاج العروس "3/ 333 فما بعدها".
5 D.H Muller, in Neue Frele Presse, "1894" 20th April, Ency. Bibli, I. P. 274.
6 سورة فصلت رقم 41، الآية 44.



عَرَبِيّاً} 1. {وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} 2. {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} 3؛ ففي هذه الآيات وآيات أخرى غيرها دلالة على أن الجاهلين كانوا يطلقون على لسانهم لسانًا عربيًا، وفي ذلك دليل على وجود الحس بالقومية قبيل الإسلام4.
ونحن لا نزال نميز الأعراب عن الحضر، ونعتدّهم طبقة خاصة تختلف عن الحضر، فنطلق عليهم لفظة: "عرب" في معنى بدو وأعراب، أي بالمعنى الأصلي القديم، ونرى أن عشيرة "الرولة" وعشائر أخرى تقسم سكان الجزيرة إلى قسمين: حضر و"عرب". وتقصد بالعرب أصحاب الخيام أي المتنقّلين، وتقسم العرب، أي البدو إلى "عرب القبيلة"، وهو "عرب الديرة"، وهم العرب المقيمون على حافات البوادي والأرياف، أي في معنى "عرب الضاحية" و "عرب الضواحي" في اصطلاح القدامى.
ثم تقسم الحضر وتسميهم أيضًا بـ"أهل الطين" إلى "قارين"، والواحد "قروني"، وهم المستقرون الذين لهم أماكن ثابتة ينزلونها أبدًا، وإلى "راعية" والمفرد راع، وهم أصحاب أغنام وشبه حضر، ويقال لهم" شوّاية" و و"شيّان" و "شاوية" و "رحم الديرة" بحسب لغات القبائل5.
وأشبه مصطلح من المصطلحات القديمة بمصطلح "شوّاية" و "شاوية"، هو "الأرحاء"، وهي القبائل التي لا تنتجع ولا تبرح مكانها؛ إلا أن ينتجع بعضها في البرحاء وعام الجدب6.
وخلاصة ما تقدم أن لفظة "ع ر ب"، "عرب" هي بمعنى التبدي والأعرابية في كل اللغات السامية، ولم تكن تفهم إلا بهذا المعنى في أقدم
ـــــــ
1 سورة الرعد رقم 13، الآية 37
2 سورة الأحقاف، رقم 46 الآية 12
3 النحل، السورة رقم 16، الآية 103
4 سورة يوسف الآية 2، سورة طه الآية 113، سورة الزمر الآية 28، سورة الشورى الآية 7، سورة الزخرف الآية 3.
5 B-R. 527 (Restricted), Geographical Handbook Series for Official use only, Western Arabia and the Red Sea, June 1946, Naval Intelligence Division, PP., 398. "شاوية"
6 العقد الفريد" 3/ 335"



النصوص التاريخية التي وصلت إلينا، وهي النصوص الآشورية، وقد عنت بها البدو عامة، مهما كان سيدهم أو رئيسهم. وبهذا المعنى استعملت عند غيرهم. ولما توسعت مدارك الأعاجم وزاد اتصالهم واحتكاكهم بالعرب وبجزيرة العرب، توسعوا في استعمال اللفظة؛ حتى صارت تشمل أكثر العرب على اعتبار أنهم أهل بادية وأن حياتهم حياة أعراب. ومن هنا غلبت عليهم وعلى بلادهم، فصارت علَمية عند أولئك الأعاجم على بلاد العرب وعلى سكانها، وأطلق لذلك كتبة اللاتين واليونان على بلاد العرب لفظة "arabae" "Arabia" أي "العربية" بمعنى بلاد العرب.
لقد أوقعنا هذا الاستعمال في جهل بأحوال كثير من الشعوب والقبائل، ذكرت بأسمائها دون أن يشار إلى جنسها. فحرنا في أمرها، ولم نتمكن من إدخالها في جملة العرب؛ لأن الموارد التي تملكها اليوم لم تنص على أصلها؛ فلم تكن من عادتها، ولم يكن في مصطلح ذلك اليوم كما قلت إطلاق لفظة "عرب" إلا على الأعراب عامة، وذلك عند جهل اسم القبيلة، وكانت تلك القبيلة بادية غير مستقرة، وقد رأينا أن العرب أنفسهم لم يكونوا يسمون أنفسهم قبل الميلاد، إلا بأسمائهم، ولولا وجودهم في جزيرة العرب ولولا عثورنا على كتابات أو موارد أشارت إليهم، لكان حالهم حال من ذكرنا، أي لما تمكّنّا من إدخالهم في العرب، ونحن لا نستطيع أن نفعل شيئًا تجاه القبائل المذكورة، وليس لنا إلا الانتظار؛ فلعل الزمن يبعث نصًّا يكشف عن حقيقة بعض تلك القبائل.
هذا ويُلاجظ أن عددًا من القبائل العربية الضاربة في الشمال والساكنة في العراق وفي بلاد الشام، تأثرت بلغة بين إرم، فكتبت بها، كما فعل غيرهم من الناس الساكنين في هذه الأرضين، مع أنهم لم يكونوا من بني إرم. ولهذا حسبوا على بني إرم، مع أن أصلهم من جنس آخر. وفي ضمن هؤلاء قبائل عربية عديدة، ضاع أصلها؛ لأنها تثقفت بثقافة بني إرم، فظن لذلك أنها منهم.
الآن وقد انتهت من تحديد معنى "عرب" وتطورها إلى قبيل الإسلام، أرى لزامًا عليّ أن أتحدث عن ألفاظ أخرى استعملت بمعنى "عرب" في عهد من العهود، وعند بعض الشعوب؛ فقد استعمل اليونان كلمة "saraceni"

و "saracenes"، واستعملها اللاتين على هذه الصورة "saracenus"، وذلك في معنى "العرب"1 وأطلقوها على قبائل عربية كانت تقيم في بادية الشأم2 وفي طور سيناء3، وفي الصحراء بأدوم4، وقد توسع مدلولها بعد الميلاد، ولا سيما في القرن الرابع والخامس والسادس؛ فأطلقت على العرب عامة، حتى إن كتبة الكنيسة ومؤرخي هذا العصر قلما استعملوا كلمة "عرب" في كتبهم، مستعيضين عنها بكلمة5 "saraceni"، وأقدم من ذكرها هو "ديوسقوريدسdioscurides of anazarbos" الذي عاش في القرن الأول للميلاد6، وشاع استعمالها في القرون الوسطى حيث أطلقها النصارى على جميع العرب، وأحيانًا على جميع المسلمين7. ونجد الناس يستعملونها في الإنكليزية في موضع "عرب" ومسلمين حتى اليوم.
وقد أطلق بعض المؤرخين من أمثال "يوسبيوس" "أويسبيوس" "eusebius" و"هيرونيموس""Hieronymus هذه اللفظة على "الإشماعيليين" الذين كانوا يعيشون في البراري في "قادش" في برية "فاران"، أو مدين حيث جيل "حوريب"8. وقد عرفت أيضًا ب"الهاجريين" "hagerene ثم دعيت بـ9saracenes.
لم يتحدث أحد من الكتبة اليونان والرومان والسريان عن أصل لفظة "saraceni" "sarakenoi". ولم يلتفت العلماء إلى البحث في أصل التسمية إلا بعد النهضة العلمية الأخيرة؛ ولذلك اختلفت آراؤهم في التعليل، فزعم بعضهم أنه مركب من "سارة" زوج إبراهيم، ولفظ آخر ربما هو "قين"،
ـــــــ
1 Forster, Vol., 2, P., 9, Webester's New International Dictionary of English
********, Vol., 2, P., 2216, Ency. Brita., Vol., 19, P. 987
2 Ency. Brita., Vol., 19, P., 987
3 Forster, Band, 2, S., 9, Ptolemy, 5, 16, Ency. of Islam, Vol., 4. P. 155.
4 Forster, Vol., P. 20. i.
5 Ency. of Islam, Vol., 4, P., 156.
Ency وسيكون الرمز:
6 Ency., Vol., 4, P., 155, Bretzl, Botanische Forachungen des Alx Alexanderzuges,
S., 282.
7 Eney. Vol. 4 P., 155.
8 قاموس الكتاب المقدس "1/ 395.
9 Ency., Vol., 4, P., 156, Eusebius, (ed. Schoene), II, 13, Chron. Pasch., 94. 18.



فيكون المعنى "عبيد سارة"1، وقال آخرون: إنه مشتق من "سرق"، فيكون المراد من كلمة "saraceni" "سراكين" "السراقين" أو "السارقين" إشراة إلى غزوهم وكثرة سطوهم2. أو من "saraka بمعنى "sherk" أي "شرق"3، ويراد بذلك الأرض التي تقع إلى شرق النبط. وقال "ونكلر" إنه من لفظة "شرقوا"، وتعني "سكان الصحراء" أو "أولاد الصحراء". استنتج رأيه هذا من ورود اللفظة في نصّ من أيام "سرجون"4. ويرى آخرون أنه تصحيف "شرقيين"، أو "شارق"5 على نحو ما يفهم من كلمة "قدموني" "qadmoni" في التوراة6، بمعنى شرق، أو أبناء الشرق7 "bene kedem" "bene qedhem"، وكانت تطلق خاصة على القبائل التي رجع النسابون العبرانيون نسبها إلى "قطورة"8.
وقد مال إلى هذا الرأي الأخير أكثر من بحث في هذه التسمية من المستشرقين؛ فعندهم أن "سرسين" أو "سركين" أو "sarakenoi" من "شرق"، وإن "bene kedem و "qadmoni" العبرانيتين هما ترجمتان للفظة9 "saraceni". ولهذا يرجحون هذا الرأي ويأخذون به.
ـــــــ
1 الهلال السنة السادسة، الجزء "15 ديسمبر" 1897، ص296، المشرق: السنة السابعة، الجزء 7، ص340، حيث رأى "الأب انستاس ماري الكرملي" أن sarrasins" من "سرحة"، وهو مخلاف باليمن، وعلى هذا فهم "السرحيون". "وسمعتهم يقولون: سراكنوا، سراكنو، ومعناه المسلمون"، رحلة ابن بطوطة "2/ 441" "طبعة أوربة"، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، تهذيب رحلة ابن بطوطة، بقلم أحمد العوامري بك ومحمد أحمد جاد المولى بك، "بولاق 1934"، "1/ 288"، "قل لهذا السركنو يعني المسلم" "ص293"، "وكانت الروم تسمي العرب سارقيوس، يعني ذوي سارة، بسبب هاجر أم إسماعيل"، ابن الأثير: الكامل "1/ 117".
2 الهلال: السنة 6: "ج8" "1897" ص296.
3 Musil, Arabia Deserta, p. 311, Stephen of Byzantium, Ethnica, p. 556, "meineke.
4 Ency. VoI, 4, p. 156, Winckler, Altorient. Forschungen, II, ser, I, 771.
5 الهلال: الجزء المذكور، ص 296، مجلة لغة العرب، الجزء 4 السنة 7 "1929، ص293، Ency. VOI, 4, p. 156
6 التكوين: الإصحاح الخامس عشر، الآية 19.
7 قاموس الكتاب المقدس "2/ 206". Hastings, p, 512,
8 التكوين 25، الآية 1- 6 Hastings, p. 512,
9 Musil, Deserta, P. 494


والقاتلون إن "سارقين" من أصل لفظتين "سارة"، زوج إبراهيم، ومن "قين" بمعنى "عبد" وأن المعنى هو "عبيد سارة"، متأثرون برواية التوراة عن سارة وبالشروح الواردة عنها1، وليست لأصحاب هذا الرأي أية أدلة أخرى غير هذا التشابه اللفظي الذي نلاحظه بين "سرسين" وبين "سارقين"، وهو من قبيل المصادفة والتلاعب بالألفاظ ولا شك، وغير هذه القصة الواردة في التوراة: قصة "سارة" التي لا علاقة لها بالسرسين.
هذا وما زال أهل العراق يطلقون لفظة "شروك" و "شروكية" على جماعة من العرب هم من سكان "لواء العمارة" والأهوار في الغالب، وينظرون إليهم نظرة خاصة، ولا شك عندي أن لهذه التسمية علاقة بتلك التسمية القديمة.
ويستعمل أهل العراق في الوقت الحاضر لفظة أخرى، وهي "الشرجية"، أي "الشرقية"، ويقصدون بها جهة المشرق. وتقابل لفظة "بني قديم" في العبرانية، وهي من بقايا المصطلحات العراقية القديمة التي تعبر عن مصطلح "شركوني" و "بني قديم".
هذا وقد عرف العرب أن الروم يسمونهم "ساراقينوس"؛ فقد ذكر "المسعودي" أن الروم إلى هذا الوقت "أي إلى وقته" تسمي العرب "ساراقينوس". وذكر خبرًا طريفًا عن ملك الروم "نقفور" المعاصر ل"هارون الرشيد". فقد زعم أنه "أنكر على الروم تسميتهم العرب ساراقينوس. تفسير ذلك عبيد سارة، طعنًا منهم على هاجر وابنها إسماعيل، وأنها كانت أمةً لسارة، وقال: تسميتهم عبيد سارة، كذب2.
وقد كانت منازل "القدمونيين"، "هقدمني"، "هاقدموني" "kadmonites"، في المناطق الشرقية لفلسطين، أي في بادية الشام، ولما كان "قيدما" "kedemeh" هو أحد أبناء إسماعيل في اصطلاح "التوراة"، فيكون أبناء "قيدما" من العرب الإسماعيليين3. وقد ذكر في موضع من التوراة أنهم كانوا يقطنون المناطق الشرقية لفلسطين قرب "البحر الميت" المعروف في
ـــــــ
1 لغة العرب ج4، من السنة 7، ص 294.
2 التنبيه "ص143" "طبعة عبد الله إسماعيل الصاوي".
3 Hastings, P. 512, Hastngs, A Dictionary of the bible, I, p. 63



العبرانية ب"هايم هقدموني"، أي: "البحر القدموني" "البحر الشرقي"1.
وقد كان "القدمونيون" أي "بنو قديم" أعرابًا يقطنون في بادية الشام. وأشباه أعراب، أي رعاة وأشباه حضريين، واللفظة لا تعني قبيلة واحدة معينة، أي علمية، ولا تعني قبائل معينة؛ وإنما هي لفظة عامة أطلقت على الساكنين في الأماكن الشرقية بالنسبة إلى العبرانيين2.
ونجد في الكتب اليونانية لفظة لها علاقة بطائفة من العرب. هي "skenitae" "scenitae"، وقد أطلقت خاصة على أعراب بادية الشام. وقصد بها الأعراب سكان الخيام، أي "أهل الوبر" في اصطلاح العرب. وقد ذهب بعض العلماء إلى أنها من "الخيمة" التي هي منزل الأعرابي؛ لأن الخيمة هي "skene" "skynai" في اليونانية؛ فالمعنى إذن "سكان الخيام"3.
وقد ذكر "سترابون" أن ال "senitae" كانوا نازلين على حدود "سورية" الشرقية، كما ذكر أن منهم من كان ينزل شمال "العربية السعيدة" وهم سكان خيام4. وقد فرق "سترابون" بينهم وبين البدو تفريقًا ظاهرًا، وميزهم عن غيرهم من الأعراب بسكناهم في الخيام. وقال عنهم في موضع آخر: أنهم يمثلون بصورة عامة "بدو" العراق5. وأنهم يعتنون بتربية الإبل. وقد ذكرهم أيضا في أثناء كلامه على ساحل "maranitae" فقال: إنه مأهول بالفلاحين وبال "scenitae" وأراد بهم الأعراب الذين لا يسكنون إلا الخيام ويعيشون على تربية الإبل، وقد ذكر أنهم كانوا قبائل ومشيخات6.
وقد ذكرهم "بلينيوس" كذلك، فدعاهم ب7"scenitae". وقد كانوا يقيمون في البادية. وقد حاربهم "سبتيموس سفيروس"، وسأتحدث
ـــــــ
1 Hastings, A Dictionary, I, P., 8311, حزقيال، الإصحاح 44، الآية 18
2 X Simons, The Geographical and Topographical Texts of the Old Testament, P., 13
3 Webester's New International Dictionary of the Englisch ********, Vol, 2, P. 2233,
Strabo, XVI, 2 : 2, Vol., I, P., 63, 196, 441, Vol., 2. P. 219. 252. Vol. 3. P. 160.
166, ,185, 190, 204, (Hamilton).
4 Strabo, Vol., I, P., 196, 441.
5 Musll, Palmyrena, p., 209, Strabo, Vol., 3, P., 166, 190. 204.
6 راجع المواضع المشار إليها من جغرافية "سترابون"،
7 o., P., 254, A Qyclopaedia of Biblical Literature, by, John Kitto, I, P., 184



عن ذلك فيما بعد، كما أشار غيره إليهم. والظاهر أن لفظة "nomas" "nomadas" التي تعني "البدو" لا تؤدي معنى "scenitae" أي سكان الخيام؛ إذ فرَّق الكتبة اليونان في مؤلفاتهم بين اللفظتين. وأغلب ظني أن المراد بسكان الخيام الأعراب المستقرون بعض الاستقرار، أي الذين عاشوا في مضارب عيشة شِبْه مستقرة، لهم خيامهم وإبلهم وحيواناتهم على مَقْربة من الريف والحضارة. أما الـ"نومادس" "nomades" "nomadas"؛ فقد كانوا قبائل رحلًا يعيشون في البوادي لا يستقرون في مكان واحد، متى وجدوا فرصة اغتنموها فأغاروا على من يجدونهم أمامهم، للعيش على ما يقع في أيديهم. ولذلك كانت ظروف ضعف الحكومات أم انشغالها بالحروب من أحسن الفرص المناسبة لهم. ومن هنا فرّق الكتبة اليونان وغيرهم بين الجماعتين1.
إننا لا نستطيع أن نحدد الزمان الذي ظهر فيه مصطلح "سكينيته" بين اليونان واللاتين. وقد يكون ترجمة للفظة أخذوها من الفرس أو الآشوريين أو غيرهم من الشعوب. ومصطلح "أهل الوبر" هو مصطلح يقابل جملة "سكان الخيام" في نظري. أما مصطلح "أهل بادية" أو "أعراب بادية" أو "سكان البوادي"؛ فإنه تعبير يقابل "nomadas" عند اليونان.
وعرف العرب عند الفرس وعند بني إرم بتسمية أخرى، هي: "tayayo" و"taiy". أما علماء عهد التلمود من العبرانيين، فأطلقوا عليهم لفظة "ط ي ي ع ا" "طيعا" و"طيايا" "طياية"2 وأصل الكلمتين واحد على ما يظهر، أخذ من لفظة "طيء" اسم القبيلة العربية الشهيرة على رأي أكثر العلماء3. وكان تنزل في البادية في الأرضين المتاخمة لحدود إمبراطورية الفرس، وكانت من أقوى القبائل العربية في تلك الأيام، ولهذا صار اسمها مرادفًًا للفظة "العرب" "عرب". وقد ذكر "برديصان" اسم "tayaye" "tayoye" مع4 "sarakoye"
ـــــــ
1 Der Araber, I, S., 178.
2 The Unl. Jew. Ency., Vol., 2, P., 43, Margoliouth, P., 57, Ency, Vol. 4. p. 598.
3 Ency., Vol., 4, P., 598, -
4 Ency., Vol., 4, P., 598, Cureton, SpicU. Syr., P., 16, Noldeke, in ZDMG. IXIX.
713, Margollouth, The Relations, P., 57, Kraus, in ZDMG, IXX, 321, foil.


وقد شاعت هذه التسمية قرب الميلاد، وانتشرت في القرون الأولى للميلاد، كما يتبين ذلك من الموارد السريانية والموارد اليهودية1.
واستعملت النصوص "الفهلوية" "pahlawi" لفظة "تاجك" "tahdgik" "tachik" "tashik" في مقابل "عرب". كما استعملت الفارسية لفظة "تازي" بهذا المعنى أيضًا، واستعمل الأرمن كلمة "تجك" "tachik" في معنى عرب ومسلمين، واستعمل الصينيون لفظة "تشي" tashi" لهذه التسمية. وقد عُرف سكان آسية الوسطى الذين دخلوا في الإسلام بهذه التسمية، كما أطلق الأتراك على الإيرانيين لفظة "تجك" من تلك التسمية، حتى صارت لفظة "تجك" تعني "الإيراني" في لغة التركية2.
ويرى بعض العلماء أن "تاجك" و "تجك" , و "تازك"، هي من الأصل المتقدم. من أصل لفظة "طيء"3. ولكلمة "تازي" في الفارسية معنى "صحراوي"، من "تاز" "taz"، بمعنى الأرض المقفرة الخالية، ولذلك نسب بعض الباحثين كلمة "تازي" إلى هذا المعنى، فقالوا: إنها أطلقت على العرب لما اشتهر عنهم أنهم صحراويون4.
وقد زعم "حمزة الأصفهاني" أن الفرس أطلقوا على العرب لفظة "تاجيان"، نسبة إلى "تاج بن فروان بن سيامك بن مشى بن كيومرث"، وهو جد العرب5.
وبعض هذه التسميات المذكورة، لا يزال حيًا مستعملًا، ولكنه لم يبلغ مبلغ لفظة "عرب" و"العرب" في الشهرة والانتشار فقد صارت لفظة "عرب"، علمًا على قومية وجنس معلوم، له موطن معلوم، وله لسان
؛
ـــــــ
1 O'leary, Arabia, p. 18, J. Obermeyer, die Landschaft Babylonien, s. 233 f.
2 Ency. Vol. 4. p. 598.
3 Ency. Vol. 4. p. 598.
4 الرسالة: الجزء 654، السنة 1946، تعليق بقلم "ح. م. ع" من النجف على كلمة "تاجك"، وكنت قد كتبت فيها في مجلة الرسالة المصرية قبل هذا الجزء.
5 حمزة "24".



خاص به يميزه عن سائر الألسنة، من بعد الميلاد حتى اليوم. وقد وسع الإسلام رقعة بلاد العرب، كما وسع مجال اللغة العربية، حتى صارت بفضله لغة عالمية خالدة ذات رسالة كبيرة. غمرت بفضل الإسلام بعض اللغات مثل الفارسية والتركية والأردية ولغات أخرى، فزودتها بمادة غزيرة من الألفاظ، دخلت فيها حتى صارت جزءًا من تلك اللغات، يظن الجاهل أنها منها لاستعماله لها، ولكنها في الواقع من أصل عربي.
وربّ سائل يقول: لقد كان للعرب قبل الإسلام لغات، مثل المعينية والسبئية والحميرية والصفوية والثمودية واللحيانية وأمثالها، اختلفت عن عربية القرآن الكريم اختلافًًا كبيرًا؛ حتى إن أحدنا إذا قرأ نصًّا مدوّنًا بلغة من تلك اللغات عجز عن فهمه، وظن إذا لم يكن له علم بلغات العرب الجاهليين أنه لغة من لغات البرابرة أو الأعاجم، فماذا سيكون موقفنا من أصحاب هذه اللغات، وهل نعدّهم عربًا؟
والجواب أن هؤلاء، وإن اختلفت لغتهم عن لغتنا وباينت ألسنتهم ألسنتنا؛ فإنهم عرب لحمًا ودمًا، ولدوا ونشأوا في بلاد العرب، لم يردّوا إليها من الخارج، ولم يكونوا طارئين عليها من أمة غريبة. فهم إذن عرب مثل غيرهم، وكل لغات العرب هي لغات عربية، وإن اختلفت وتباينت، وما اللغة التي نزل بها القرآن الكريم إلّا لغة واحدة من تلك اللغات، ميّزت من غيرها، واكتسبت شرف التقدم والتصدر بفضل الإسلام، وبفضل نزول الكتاب بها، فصارت "اللغة العربية الفصحى" ولغة العرب أجمعين.
وحكمنا هذا ينطبق على النبط أيضًا وعلى من كان على شاكلتهم، وإن عدهم علماء النسب والتاريخ واللغة والأخبار من غير العرب، وأبعدوهم عن العرب والعربية؛ فقد كان أولئك وهؤلاء عربًا أيضًا، مثل عرب اليمن المذكورين ومثل ثمود والصفويين واللحيانيين، لهم لهجاتهم الخاصة؛ وإن تأثروا بالإرمية وكتبوا بها، فقد تكلم اليهود بالإرمية ونسي كثير منهم العبرانية، ولكن نسيان أولئك اليهود العبرانية، لم يخرجهم مع ذلك عن العبرانيين.
وسترد في بحثنا عن تاريخ الجاهلية أسماء قبائل عربية كثيرة عديدة لا عهد للإسلاميين بها، ولا علم لهم عنها، ذُُكروا في التوراة وفي كتب اليهود الأخرى


وفي الموارد اللاتينية، واليونانية والكتابات الجاهلية. وإذا جاز لأحد الشك في أصل بعض القبائل المذكورة في كتب اليهود أو في مؤلفات الكتبة "الكلاسيكيين" على اعتبار أنها أخطأت في إدخالها في جماعة العرب، فإن هذا الجواز يسقط حتما بالنسبة إلى القبائل المذكورة في الكتابات الجاهلية، وبالنسبة إلى القبائل التي دوّنت تلك الكتابات. فهي كتابات عربية، وإن اختلفت عن عربيتنا وباينت لغتها لغتنا؛ لأنها لهجة قوم عاشوا في بلاد العرب ونبتوا فيها، وقد كان لسانهم هذا اللسان العربي المكتوب.
فسبيلنا في هذا الكتاب إذن، هو البحث في كل العرب: العرب الذين تعارف العلماء الإسلاميون على اعتبارهم عربًا. فمنحوهم شهادة العروبة، بحسب طريقتهم في تقسيمهم إلى طبقات، وفي وضعهم في أشجار نسب ومخططات، والعرب المجهولين الذين لم يمنحوا هذه الشهادة بل حرموا منها، ونصّ على إخراجهم من العرب كالنبط على ما ذكرت، والعرب المجهولين كل الجهل الذين لم يكن للمسلمين علم ما بهم، ولم يكن لهم علم حتى بأسمائهم. سنتحدث عن هؤلاء جميعًا، على اعتبار أنهم عرب، جهلهم العرب، لأنهم بادوا قبل الإسلام، أو لأنهم عاشوا في بقاع معزولة نائية، فلم يصل خبرهم إلى الإسلاميين؛ فلما شرع المسلمون في التدوين، لم يعرفوا عنهم شيئًا، فأُهملوا، ونسوا مع كثير غيرهم من المنسيين.
سئل أحد علماء العربية عن لسان حمير، فقال: ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا"1؛ ولكن علماء العربية لم يتنصلوا من عروبة حمير، ولا من عروبة غيرهم ممن كان يتكلم بلسان آخر مخالف للساننا، بل عدّوهم من صميم العرب ومن لبّها، ونحن هنا لا نستطيع أن ننكر على الأقوام العربية المنسية عروبتها، لمجرد اختلاف لسانها عن لساننا، ووصول كتابات منها مكتوبة بلغة لا نفهمها، فلغتها هي لغة عربية، ما في ذلك شك ولا شبهة، وإن اختلفت عن لسان يعرب أو أي جدّ آخر يزعم أهل الأخبار أنه كان أول من أعرب في لسانه؛ فتكلم بهذه العربية التي أخذت تسميتها من
ـــــــ
1 الجمحي: طبقات الشعراء "ص4 وما بعدها".


ذلك الإعراب.
وبعد أن عرفنا معنى لفظة العرب والألفاظ المرادفة لها، أقول إن بلاد العرب أو "العربية"، هي البوادي والفلوات التي أطلق الأشوريون ومن جاء بعدهم على أهلها لفظة "الأعراب"، وعلى باديتهم "arabeae" و "arabae" وما شاكل ذلك. وهي جزيرة العرب وامتدادها الذي يكون بادية الشام حتى نهايتها عند اقتراب الفرات من أرض بلاد الشام؛ فالفرات هو حدها الشرقي. أما حدها الغربي: فأرض الحضر في بلاد الشام. وتدخل في العربية بادية فلسطين و"طور سيناء" إلى شواطئ النيل. وقد أطلق بعض الكتاب اليونان على الأرضين الواقعة شرق ال "araxe"، أي الخابور اسم1 "Arabia"، كما أدخل "هيرودوتس" أرض طور سيناء إلى شواطئ نهر النيل في "العربية" "Arabia" أي بلاد العرب2.
أما الآن وقد عرفنا لفظة عرب، وكيف تحددت، وتطورت، أرى لزامًا علينا الدخول في صلب موضوعنا وهو تاريخ العرب، مبتدئين بمقدمة عن الجاهلية وعن الموارد التي استقينا منها أخبارها، ثم بمقدمات عن جزيرة العرب وعن طبيعتها وعن الساميين وعقليتهم وعن العقلية العربية، تليها بحوث في أنساب العرب، ثم ندخل بعد ذلك في التاريخ السياسي للعرب، ثم بقية أقسام تاريخ العرب من حضارة ومدنية ودينية واجتماعية ولغوية.
ولما كان الإسلام أعظم حادث نجم على الإطلاق في تاريخ العرب، أخرجهم من بلادهم إلى بلاد أخرى واسعة فسيحة، وميّزهم أمة تؤثر تأثيرًا خطيرًا في حياة الناس.. صار ظهوره نهاية لدور ومبدأ لتاريخ دور، ونهاية أيام عرفت ب"الجاهلية" وبداية عهد عرف ب"الإسلام" ما زال قائمًا مستمرًا، وسيستمر إلى ما شاء الله، به أُرخ تاريخ العرب، فما وقع قبل الإسلام، عرف بتاريخ العرب قبل الإسلام، وما وقع بعده قيل له: تاريخ العرب بعد الإسلام.
وسيكون بحثنا هنا، أعني في هذه الأجزاء المتتالية في القسم الأول من تاريخ العرب، وهو قسم تاريخ العرب قبل الإسلام، أما القسم الثاني، وهو تاريخ العرب في الإسلام، فستأتي أجزاؤه بالتتالي أيضًا بعد الانتهاء من هذا القسم.
وبعد هذه المقدمة؛ فلننظر صفحات هذا الفصل، ولننتقل إلى فصل جديد، هو الفصل الثاني من هذه الفصول، فصل: الجاهلية ومصادر التاريخ الجاهلي.

ـــــــ
1 Xenophon, An. I, 5, I, Der Araber, In der Alten Weit, I, s. 165
2 Heredot, 2, 15, Der Araber, I, s. 166





>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :

شكرا استاذنا الكريم الطيباوى على المقالات القيمه

اعانكم الله

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة allamallamallam
شكرا استاذنا الكريم الطيباوى على المقالات القيمه

اعانكم الله

بارك الله فيك

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :