عنوان الموضوع : وفاة المجاهد عبدالحميد مهري و وصيته لبوتفليقة اخبار
مقدم من طرف منتديات العندليب
وفاة المجاهد و السياسي الكبير الامين السابق لحزب جبهة التحرير الوطني عبدالحميد و وصيته الاخيرة للرئيس بوتفليقة
وصية مهري..للرئيس بوتفليقة لا تنسوا هدية الشهداء في ذكرى الاستقلال جريدة صوت الاحرار
الكاتب نجيب بلحيمر
«أخي الرئيس.. إن الجزائر مدعوة للاحتفال، قريبا، بالذكرى الخمسين لاستقلالها، والوقت الذي يفصلنا عن هذه المناسبة العظيمة، كاف، على ما أعتقد لاتفاق الجزائريين على التغيير السلمي المنشود. وأحسن هدية تقدم لأرواح شهدائنا الأبرار هو الاحتفال بذكرى الاستقلال والشعب الجزائري معتز بماضيه ومطمئن لمستقبله».
بهذه الفقرة ذيل المناضل الراحل عبد الحميد مهري رسالة مطولة بعث بها إلى الرئيس بوتفليقة في السادس عشر من شهر فيفري من العام الماضي، وكعادته لم يكتف مهري بالتنبيه إلى المخاطر التي تحيق بالبلاد في هذه المرحلة الصعبة، بل اجتهد في صياغة اقتراحات يمكن أن تكون معالم على طريق تجسيد الهدف الذي سماه هدية الشهداء الأبرار، وقد قدم مقترحاته في تواضع شديد، وبموضوعية منقطعة النظير، جعلته يبتعد مرة أخرى عن المجاملة وعن التشخيص، وهما آفتان قل من سلم منهما من المشتغلين بالسياسة في هذه البلاد.
كلما اشتدت الأزمات في الجزائر وجدنا مهري في الصف الأول، فهو مكافح عنيد عندما يتعلق الأمر بوحدة البلاد ومستقبلها، وإذا كانت سنوات ما بعد الاستقلال قد أدخلته المجال الرسمي من خلال المسؤوليات التي تقلدها، فإن بداية عهد التعددية أعادته إلى ساحات العمل السياسي الميداني، فقد تولى قيادة جبهة التحرير الوطني في ظرف عصيب، ونزل إلى الميدان من أجل إعادة بناء حزب قابل للحياة في نظام ديمقراطي تعددي حقيقي، ولم تكن تلك المهمة سهلة، وقد أفادته تلك التجربة كثيرا، وبعدها بأكثر من عشر سنوات خرج بخلاصة مفادها أن الذين أقروا التعددية في الجزائر لم يكونوا أبدا مقتنعين ببناء ديمقراطية حقيقية، وأن محاولات التحكم في الأحزاب عن بعد بقيت قاعدة في العمل السياسي في الجزائر.
هذه الخلاصة هي التجلي الذي برز على السطح، غير أن التحليل الذي يقدمه مهري أعمق من هذا بكثير، فقبل عام كان يخاطب الرئيس بوتفليقة في الرسالة آنفة الذكر بالقول »سيدي الرئيس.. إنك اليوم في قمة الهرم لنظام حكم لست مسؤولا وحدك على إقامة صرحه.
فقد شارك في بنائه، برأيه أو عمله أوصمته، كل من تولى قدرا من المسؤوليات العامة بعد الاستقلال«، وبعدها ببضعة أشهر كان يصحح مسار النقاش السياسي بالدعوة إلى الابتعاد عن التشخيص، وبالقول »إنني أتحدث عن أزمة حلها ليس بيدي«، حتى أنه رفض أن تعتبر رسالته تلك مبادرة سياسية لأنها برأيه فكرة ضمن أفكار أخرى يمكن أن تساهم في رسم معالم الطريق الصحيح والآمن الذي يجب أن تسلكه الجزائر، وعندما قدم مقترحاته العملية قال »إن مئات المبادرات التي يمكن أن تتفتق عن هذه الدعوة، وتتعدد بعيدا عن الإملاءات الفوقية، ستكون مثل الشموع، تنير طريق التغيير السلمي الحقيقي وتترجم عن توجهات الشعب ومطامحه«.
لقد تعرض الرجل خلال سنوات الأزمة إلى إساءات بالغة، وتم تخوينه لأنه كان يدافع عن الحل السلمي والسياسي للأزمة، غير أن ذلك لم يدفعه إلى الانحدار إلى مستوى خصومه، فقد ظل عدوه الوحيد هو هذا النظام الذي يكاد يصبح عصيا على الإصلاح، والنظام في التحليل السياسي العميق لمثقف متميز مثل عبد الحميد مهري هو جملة الممارسات التي تراكمت عبر عقود، وأفرزت لأسباب موضوعية توازنات ومصالح أصبحت تعيد إنتاج النظام عندما تبرز ضرورة التغيير، ولأن مهري كان شاهدا على بناء الدولة الجزائرية الحديثة، فإنه كان يملك، فضلا عن الأدوات المعرفية، الخبرة والدراية اللازمة للإحاطة بالواقع الجزائري، وهذه الميزات يصعب أن تجتمع في شخصية سياسية واحدة.
التشخيص الدقيق لوضع البلاد لم يكن يفضي بمهري إلى تبني نظرة متشائمة، ولم يدفعه أبدا إلى طرق أبواب الخارج طلبا للتدخل من أجل إحداث التغيير الذي ينشده، بل على العكس من ذلك تماما لم يتوقف عن تقديم المقترحات، وعن العمل من أجل المساهمة في صياغة الحلول، وكانت آخر مرة عندما التقى لجنة المشاورات حول الإصلاحات السياسية، وقد اعتبرت تلبيته الدعوة وتقديمه مقترحاته مفاجأة خاصة وأن رسالته إلى الرئيس لم تلق أي رد، وقد سئل يومها: »هل تعكس مشاركتك في المشاورات تفاؤلك بالإصلاحات؟« فرد على الفور: » ما دمت أمارس السياسة سأبقى متفائلا، فالذي يفقد الأمل لا يمكنه أن يمارس السياسة«، أما مصدر تفاؤله فكانت ثقته في قدرة أبناء بلده الذين قال عنهم »إن الشعب الجزائري الذي احتضن الثورة عندما ألقيت، عن وعي وإخلاص، بين أحضانه، وتحمل أعباءها ومسؤولياتها بجلد وصبر، مؤهل، بتجربته العميقة، لاحتضان مطلب التغيير الديمقراطي السلمي لنظام الحكم ومرافقته إلى شاطئ الاستقرار والأمان«، وكان حسن الظن بالشعب هو الذي دفع مهري دوما إلى المطالبة برفع الوصاية عن هذا الشعب واحترام إرادته.
لم يدون مهري مذكراته التي طالبه بها المهتمون بالشأن العام، رغم أنه وعد بأن يفعل، فالعمل السياسي على الأرض شغله عن الكتابة رغم أنه بارع فيها، غير أنه في مقابل ذلك قدم رؤية سياسية على قدر كبير من الموضوعية يمكن أن تكون إضافة متميزة لأي مشروع سياسي يهدف إلى بناء دولة الحق والقانون، دولة الحريات والديمقراطية، التي أفنى حياته مناضلا من أجل إقامتها، ولعل رسالته الأخيرة إلى الرئيس بوتفليقة هي أفضل ما يلخص رؤيته السياسية العميقة ويرسم صورة الجزائر التي كافح من أجلها، غير أن الذين يبحثون عن تصفية الحسابات الشخصية، لن يجدوا ضالتهم في ميراث مهري الذي ألبس السياسة ثوبا قشيبا من الثقافة الرفيعة والأخلاق السامية التي سنفتقدها حتما، وفي مقابل هذا حمل المناضل والمجاهد الراحل الجزائريين أمانة ثقيلة هي في أعناق أولي الأمر قبل غيرهم، الشهداء يستحقون هدية في ذكرى الاستقلال فهل ستكونون على قدر الحدث العظيم؟.
آخر تحديث ( الثلاثاء, 31 يناير 2016 11:35 )
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
انتقل المجاهد الكبير والأمين العام الأسبق لجبهة التحرير الوطني، عبد الحميد مهري، إلى جوار ربه، صبيحة اليوم الاثنين 30 جانفي، بمستشفى عين النعجة العسكري بالجزائر العاصمة عن عمر يناهز 86 سنة...
ولد عبد الحميد مهري يوم 3 أفريل 1926 بالخروب بولاية قسنطينة ليتربى في منطقة واد الزناتي بولاية قالمة، أين درس القرآن على يد الشيخ عيسى بن مهيدي وهو أحد أعمام العربي بن مهيدي الذي كان قاضيا بقرية وادي الزناتي آنذاك، ثم انتقل مهري إلى تونس وانتسابه إلى جامعة الزيتونة ثم انخرط في الحركة الوطنية من خلال حزب الشعب الجزائري ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية، وبعد اندلاع الثورة التحريرية اعتقلته الإدارة الاستعمارية في نوفمبر 1954 وبقي في السجن إلى غاية أفريل 1955 وبعد خروجه من السجن عين عضو ضمن وفد جبهة التحرير الوطني بالقاهرة بعد اتصالاته بالمسؤولين الكبار للثورة مثل كريم بلقاسم وعبان رمضان ومحمد خيدر، ومن القاهرة انتقل لتمثيل جبهة التحرير في عدة عواصم عربية وهي سوريا، لبنان، الأردن والعراق.
في سنة 1958 عيّن الراحل، كوزير في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، من قبل فرحات عباس وزيرا للشؤون المغاربية ثم وزيرا للشؤون الاجتماعية والثقافية، وكتب التاريخ أن المشروع الذي قدمته جبهة التحرير ردا على مشروع ديغول، حمل اسم "مشروع مهري".
بعد الاستقلال في العام 1962 عُين عبد الحميد مهري أمينا عاما لوزارة التعليم الثانوي 1965- 1976، ثم وزيرا للإعلام والثقافة في مارس 1979 ثم سفير للجزائر في العاصمة باريس في الفترة 1984-1988 ثم سفير للجزائر بالمملكة المغربية إلى غاية استدعائه إلى الجزائر وتوليه منصب الأمانة الدائمة للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، بعدها تولى منصب الأمين العام للحزب بعد إقالة محمد الشريف مساعدية بعد أحداث أكتوبر 1988 وإقرار تعديلات دستورية تفتح المجال أمام التعديدية مع دستور 1989.
ويعتبر مهري أول مسؤول لحزب جبهة التحرير الوطني عمل منذ الاستقلال على تحويل جبهة التحرير الوطني من جهاز لخدمة النظام القائم إلى حزب بأتم معنى الكلمة على الرغم من المقاومة الشديدة الذي واجهه بها النظام، وهو ما دفعه سنة 1989 إلى تسجيل تحفظات قوية على وثيقة الدستور التي قدمها الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، واقترح عليه صراحة أن لا يقوم بالإصلاحات منفردا، مطالبا منه بفتح نقاش وطني واسع والمرور عبر مجلس منتخب وهو الموقف الذي لم يكن يعرفه الكثير من المتابعين حتى رجال السياسة منهم، وهذا بحسب تصريحات للراحل مهري، وهو موقف متقدم جدا بمقاييس المرحلة تلك على الرغم من أن دستور فيفري 1989 كان يشكل انفتاحا حقيقيا، وهو نفس الموقف الذي قدمه للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة في رسالة وجهها له في شهر جويلية 2011، حيث خاطب الرئيس بوتفليقة مباشرة قائلا: "لا تقم وحدك بإصلاح يمس بنية الدولة ! قم بذلك مع الآخرين"، مضيفا "إن الإصلاح الحقيقي الجدير بهذا الاسم، من أجل تغيير النظام، يتطلب ندوة وطنية من دون إقصاء سياسي وأرضية توافقية تحدد الأهداف المنشودة والمراحل ووسائل التنفيذ. وعند ذلك يمكن أن نبدأ العمل متضامنين لتطبيق هذا الإصلاح".
وشارك عبد الحميد مهري في ندوة "سانت ايجيدو" بروما لبحث مخرج للأزمة الجزائرية سنة 1994 بمشاركة كل من الزعيم التاريخي حسين أيت احمد وزعيمة حزب العمال لويزة حنون وممثلين عن حزب جبهة الإنقاد المحل وعبد الله جاب الله ومحفوظ نحناح الذي أعلن انسحابه في اللقاء الثاني.
وقال مهري مخاطبا الرئيس بوتفليقة "كانت هناك محاولة لفرض الأمر الواقع فهذا ليس إصلاحا، بل هو استمرارية" وهي المواقف التي عبر عنها برسائل عديدة للرئيس بوتفليقة آخرها في نوفمبر الماضي، مطالبا فيها الرئيس بإصلاحات حقيقية منتقدا النظرة الضيقة للنظام الحالي، واصفا إياه بأنه نظام عاجز على وضع البلاد على السكة لأنه نظام غير ناضج، يقول مهري.
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
وصية و رسالة عبد الحميد مهري الاخيرة إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة
رسالة من عبد الحميد مهري إلى عبد العزيز بوتفليقة
عبد الحميد مهري
الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني
الجزائر 16 فبراير 2011
سيادة الأخ عبد العزيز بوتفليقة المحترم
رئيس الجمهورية
أتوجه إليك بهذه الرسالة، في ظرف بالغ الدقة والخطورة، وأنا مدرك أنه لا يخولني هذا الشرف إلا الروابط الأخوية والمبادئ التي جمعتنا في مرحلة الكفاح من اجل حرية بلادنا واستقلالها، واعتقادي بأن هذه الروابط ما زالت، تمثل الجامع الذي يمكن أن تلتقي عنده الإرادات الخيرة لخدمة بلادنا وسعادة شعبنا.
وقد فضلت هذه الطريقة المفتوحة لمخاطبتك، لأنك تحتل موقع الصدارة والأولوية، ولكنك لست الوحيد المقصود بمحتوى الرسالة، ولا الجهة الوحيدة المدعوة لمعالجة القضايا التي تطرحها. وقد توخيت في هذه الرسالة قدرا من الصراحة التي كانت سائدة في مداولات الهيئات القيادية للثورة الجزائرية، والتي كانت – رغم تجاوزها حدود المقبول أحيانا – أفضل بكثير من الصمت المتواطئ، أو المسايرة دون اقتناع.
سيدي الرئيس ،
إنك اليوم في قمة الهرم لنظام حكم لست مسؤولا وحدك على إقامة صرحه. فقد شارك في بنائه، برأيه أو عمله أوصمته، كل من تولى قدرا من المسؤوليات العامة بعد الاستقلال. لكنك اليوم، بحكم موقعك، تتحمل، ومعك جميع الذين يشاركونك صنع القرار، مسؤولية كبيرة في تمديد فترة هذا الحكم الذي طغت، منذ سنين، سلبياته على إيجابياته، ولم يعد، فوق هذا كله، قادرا على حل المشاكل الكبرى التي تواجه بلادنا، وهي عديدة ومعقدة، ولا قادرا على إعدادها الإعداد الناجع لمواجهة تحديات المستقبل، وهي أكثر تعقيدا وخطورة.
إن نظام الحكم الذي أقيم بعد الاستقلال انطلق، في رأيي، من تحليل خاطئ لما تقتضيه مرحلة بناء الدولة الوطنية. فقد اختار بعض قادة الثورة، في غمرة الأزمة التي عرفتها البلاد سنة 1962، إستراتيجية سياسية انتقائية لمواجهة مرحلة البناء بدل الإستراتيجية الجامعة التي اعتمدها بيان أول نوفمبر 1954، والتي سادت، رغم الخلافات والصعوبات، في تسيير شؤون الثورة لغاية الاستقلال. فأصبح الإقصاء، نتيجة لهذا الاختيار، هو العامل السائد في التعامل السياسي، ومعالجة الاختلاف في الرأي. و أصبحت الفئات أو الدوائر السياسية التي تحظى بالاختيار في أول الشهر، عرضة للإقصاء والتهميش في آخره.
فنتج عن هذه الممارسة، التي سرت عدواها لبعض أحزاب المعارضة، عزوف آلاف المناضلين عن العمل السياسي، وانكماش القاعدة الاجتماعية لنظام الحكم، وتضييق دائرة القرار في قمته.
وقد ورث نظام الحكم ، بالإضافة إلى طابعه الإقصائي، أنماطا وممارسات أفرزتها ظروف الكفاح الصعبة، وتبناها في تسيير الشؤون العامة بعد الاستقلال. كما تغذى باجتهادات واقتباسات لم ينضجها النقاش الحر، ولم يصقلها، عبر مراحل تطورها، التقييم الموضوعي، الذي كان هو الغائب الأكبر في تجربة الحكم عندنا.
لقد كانت تنظم، في كل مرحلة من مراحل هذا النظام، بدل التقييم النقدي الموضوعي لنظام الحكم، حملات التمجيد أو التنديد المفصلة على مقاس الأشخاص، وتلوين العشريات بما يكفي للتستر على طبيعة نظام الحكم وممارساته، ولونه الدائم الذي لا يتغير بتغيير الأشخاص.
إن الأصوات المطالبة بتغيير هذا النظام، والحريصة على أن يتم هذا التغيير في كنف السلم والنقاش الحر، كثيرة، والنذر التي تنبه لضرورة هذا التغيير ظاهرة للعيان منذ سنوات عديدة، ولكنها تجمعت، في الأشهر الأخيرة، بقدر لا يمكن معه التجاهل أو التأجيل. إن الأحداث التي تقع عندنا باستمرار، والتي تقع حولنا منذ أشهر، تذكر بمثيلات لها عرفتها بلادنا في شهر أكتوبر سنة 1988، وعرفت ما انجر عنها من أحداث جسام وأزمات، ومآس ما زال الشعب يتجرع، بعض كؤوسها المرة.
ويزيد من خطورة أحداث هذا المشهد عندنا، أن الخطاب الرسمي، في مستويات مسؤولة، يخطئ، أو يتعمد الخطأ، في قراءتها، ويهون من تأثيرها، وينكر دلالتها السياسية الكبرى بدعوى أن المطالب المرفوعة من طرف المتظاهرين لا تتضمن أي مطلب سياسي. وغرابة هذه القراءة والتحليل تتجلى عندما نتصور طبيبا ينتظر من مرضاه أن يكتبوا له وصفة العلاج !.
إن مثل هذه القراءة الخاطئة من عدة أطراف، وسوء القصد من أطراف أخرى، هي التي حالت، مع الآسف الشديد، دون استخلاص الدروس الصحيحة من حوادث أكتوبر 1988، ومكنت أعداء التغيير، إذ ذاك، من العمل المخطط لسد السبل المؤدية للحل الصحيح، وهو الانتقال لنظام حكم ديمقراطي حقيقي. وهو ما أضاع على البلاد، في رأيي، فرصة ثمينة لتجديد مسيرتها نحو التطور و التنمية السليمة.
وتشمل هذه القراءة الخاطئة الأحداث التي تجري في أقطار قريبة منا، كتونس ومصر، بالتركيز على أوجه الاختلاف بينها وبين بلادنا، لاستبعاد الدروس التي تمليها أحداثها وتجاربها. مع أن المشترك بيننا وبين هذه الأقطار لا ينحصر فقط في عدوى اللجوء المأسوي للانتحار بالنار، ولكن فيما هو أعمق وأخطر، وهو طبيعة نظام الحكم نفسه. فنظام الحكم في مصر وتونس والجزائر جميعها يتدثر بواجهة ديمقراطية براقة ويقصي، عمليا، وبمختلف الوسائل، فئات واسعة من المواطنين من الاشتراك الفعلي في تسيير الشؤون العامة، وهو ما يرشحهم، بصفة دائمة، نتيجة التهميش والإقصاء، للنقمة والغضب واعتبار كل ما يمت لنظام الحكم أو يصدر عنه غريبا عنهم أو معاديا لهم. وعندما تضاف لهذه الأرضية الغاضبة وطأة الصعوبات الاقتصادية، سواء كانت ظرفية أو دائمة، تكتمل شروط الانفجار.
ويضاف إلى هذه العوامل المشتركة، أن غالبية الجزائريين يعتقدون أن نظام الحكم القائم عندنا غير وفي لمبادئ الثورة الجزائرية وتوجهاتها، وأنه لا يسد ظمأهم للنزاهة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي ضحى الشعب الجزائري بمئات الآلاف من أبنائه في سبيلها.
ويستنتج مما تقدم أن القضية المركزية التي تتطلب جهدا وطنيا شاملا ومنظما، هي إقامة نظام حكم ديمقراطي حقيقي قادر على حل مشاكل البلاد وإعدادها لمواجهة تحديات المستقبل. نظام حكم ديمقراطي يخرج الفئات الاجتماعية العريضة من دائرة الإقصاء والتهميش إلى مصاف المواطنة المسؤولة الفاعلة.
كما يستنتج أيضا إن التغيير الحقيقي لا يأتي نتيجة قرار فوقي معزول عن حركة المجتمع وتفاعلاته. بل إنه من الضروري إنضاج عملية التغيير وتغذيتها من المبادرات المتعددة التي تنبع، بكل حرية، من مختلف فئات المجتمع.
إن الشعب الجزائري الذي احتضن الثورة عندما ألقيت، عن وعي وإخلاص، بين أحضانه، وتحمل أعباءها ومسؤولياتها بجلد وصبر، مؤهل، بتجربته العميقة، لاحتضان مطلب التغيير الديمقراطي السلمي لنظام الحكم ومرافقته إلى شاطئ الاستقرار والأمان.
ويتطلب هذا التغيير المنشود، في رأيي، البدء بالخطوات المتزامنة التالية:
أولا- الإسراع بإزالة كل العوائق والقيود، الظاهرة والمستترة، التي تحول دون حرية التعبير أو تحد منها. وتوفير الظروف الملائمة لتمكين التنظيمات والمبادرات الاجتماعية لشباب الأمة وطلبتها وإطاراتها ونخبها، في مختلف القطاعات والاختصاصات والمستويات، من ممارسة حقهم الطبيعي والدستوري في التعبير، بجميع الوسائل والطرق القانونية، عن مآخذهم ومطامحهم وآرائهم واقتراحاتهم.
ثانيا- الدعوة لازدهار المبادرات الشعبية النابعة من صميم المجتمع والمساندة لمطلب التغيير السلمي، حول المحاور والصيغ التالية:
1 – ملتقيات للحوار تجمع في مختلف المستويات، ومن مختلف التيارات الفكرية والسياسية، المواطنين الملتزمين الذين ينبذون العنف والإقصاء السياسي، ويسعون لتبين القواسم والاهتمامات المشتركة التي يمكن أن تلتقي عندها الإرادات والجهود لإنجاح التغيير السلمي المنشود.
2 – أفواج للتقييم تضم في مختلف المستويات، ومن مختلف التيارات الفكرية والسياسية عددا من المختصين أو المهتمين بقطاع معين من النشاط الوطني للاضطلاع بتقييم موضوعي لما أنجز فيه منذ الاستقلال وتحديد نقاط القوة والضعف فيه ورسم آفاق تطويره.
3 – وداديات التضامن ضد الفساد والرشوة ومهمتها هي إقامة سد في وجه انتشار الفساد والرشوة بتوعية فئات المواطنين المعرضين لابتزاز المرتشين في مختلف المستويات وتكتيلهم للالتزام بموقف قاطع ورفع شعار: “لا ندفع خارج القانون”. ويأتي هذا الحراك الاجتماعي داعما ومكملا للإجراءات الإدارية والقانونية التي تستهدف القضاء على الفساد.
إن مئات المبادرات التي يمكن أن تتفتق عن هذه الدعوة، وتتعدد بعيدا عن الإملاءات الفوقية، ستكون مثل الشموع، تنير طريق التغيير السلمي الحقيقي وتترجم عن توجهات الشعب ومطامحه.
ثالثا- مد جسور التشاور والحوار، على أوسع نطاق، مع القوى السياسية قصد التحضير لانعقاد مؤتمر وطني جامع يتولى المهام التالية:
1 – تقييم نقدي شامل لنظام الحكم وممارساته في مراحله المختلفة منذ الاستقلال، و تحديد المهام والوسائل والمراحل الكفيلة بإرساء دعائم الحكم الديمقراطي ودولة القانون.
2 – اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإخراج البلاد، نهائيا، من دوامة العنف التي تعصف بها منذ عشرين سنة. إن الأزمة التي ما زالت إفرازاتها تطغى على الساحة السياسية هي محصلة الأخطاء التي ارتكبتها بعض الحركات الإسلامية وأخطاء سلطات الدولة في معالجتها. ولا يمكن علاج الأزمة بمعالجة نصفها و تناسي النصف الثاني.
3- الاتفاق على أرضية وطنية تبلور التو جهات الكبرى لآفاق التنمية الوطنية الشاملة، وإعداد البلاد لمواجهة التحديات التي تمليها المتغيرات العالمية.
4- الاتفاق على أرضية وطنية توضح ثوابت السياسة الخارجية وخطوطها العريضة. وفي مقدمتها تحديد الخطوات الكفيلة بتحقيق الوحدة بين أقطار المغرب العربي.
أخي الرئيس
إن الجزائر مدعوة للاحتفال، قريبا، بالذكرى الخمسين لاستقلالها، والوقت الذي يفصلنا عن هذه المناسبة العظيمة، كاف، على ما أعتقد لاتفاق الجزائريين على التغيير السلمي المنشود. وأحسن هدية تقدم لأرواح شهدائنا الأبرار هو الاحتفال بذكرى الاستقلال والشعب الجزائري معتز بماضيه ومطمئن لمستقبله.
مع احترامي وتحياتي الأخوية.
عبد الحميد مهري
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
عبد الحميد مهري
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
هذه نسخة متحقق منها من هذه الصفحةعرض/إخفاء التفاصيل
هذه هي النسخة المستقرة، المفحوصة في 8 ديسمبر 2010. 10 تغييرات معلقة تنتظر المراجعة.
الدقة منظورة
اذهب إلى: تصفح, البحث
عبد الحميد مهري (3 أبريل 1926 - بالخروب التابعة لمدينة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري) هو سياسي جزائري يعرف بميوله القومية العربية.
نشأ في وادي الزناتي أين حفظ القرآن الكريم وتلقى أولى دروسه، انخرط في صفوف حزب الشعب الجزائري ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية، اعتقل في نوفمبر 1954 وبقي في السجن حتى نيسان/أفريل 1955. بعد أشهر عيّن ضمن وفد جبهة التحرير الوطني بالخارج، وشغل منصب عضو في المجلس الوطني للثورة الجزائرية، ثم في لجنة التنسيق والتنفيذ، عند تشكيل الحكومة المؤقتة شغل منصب وزير شؤون شمال إفريقيا في الأولى، ومنصب وزير الشؤون الاجتماعية والثقافية في التشكيلة الثانية. عرف بمشروع يسمّى باسمه ؛ هو مشروع مهري للرد على مشروع ديغول. بعد الاستقلال عُين أمينا عاما لوزارة التعليم الثانوي 1965-1976، ثم وزير الإعلام والثقافة في مارس 1979 ثم سفير الجزائر في فرنسا 1984-1988 ثم في المغرب حتى استدعائه إلى الجزائر وتوليه منصب الأمانة الدائمة للجنة المركزية ثم منصب الأمين العام للحزب.[1]
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
رسالة عظيمة تقطر اخلاصا وشفقة وحبا تستحق الاثراء والاهتمام والدراسة والتحليل واولا واخيرا الاستفادة منها عاجلا غير آجل
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :