عنوان الموضوع : كتاب زوجات لا عشيقات تم الاجابة
مقدم من طرف منتديات العندليب

زوجات لا عشيقات
التعدد الشرعي ضرورة العصر

يدعو إليه
حمدي شفيق






إهــــــــداء







إلى أبى الحبيب الذي أعطانا و علّمنا الكثير .. رحمه الله و جزاه عنا كل الخير

المؤلف





مقدمة

الحمد لله رب العالمين كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه .والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين واّلهم وأصحابهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد.
فمن الملاحظ أن تعدد الزوجات هو أكثر النظم التي تتعرض لهجمات المستشرقين الشرسة في إطار حملات مسعورة لم تتوقف أبدا للطعن في الإسلام العظيم و رسوله الأمين ( ) وعلى مر العصور ظل أعداء هذا الدين في الداخل و الخارج يحاولون الانتقاص من مبدأ التعدد ، واتخاذه ذريعة للتشكيك في المشرّع الحكيم و القرآن الكريم والرسول العظيم.
والحملة على التعدد بدأها اليهود مبّكرا في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم .عن عمر مولى غفرة : " قالت اليهود لما رأت الرسول(  ) يتزوّج النساء : انظروا إلى هذا الذي لا يشبع من الطعام ، ولا والله ماله همة إلا النساء" ، وحسدوه لكثرة نسائه وعابوه بذلك . وقالوا – لعنهم الله – : لو كان نبيا ما رغب في النساء .. وكان أشدهم في ذلك حيى بن أخطب ، فكذبّهم الله تعالى وأخبر بفضله وسعته على نبيه ، ونزل قوله سبحانه أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ ما آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً( (1) يعنى بالناس رسول الله ( ) و أخبر تعالى في ذات الآية عما آتى داود وسليمان عليهما السلام ، فقد تزوّج كلاهما أكثر مما تزوّج نبينا محمد ( ) ، وكان لكل منهما من الجواري ما لم يمتلك مثله رسولنا عليه السلام .(2) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله))فقد آتينا آل إبراهيم‏(( سليمان وداود ‏))الكتاب والحكمة‏(( يعني النبوة ‏))وآتيناهم ملكا عظيما‏(( في النساء، فما باله - حسب زعم اليهود- أحلّ لأولئك الأنبياء فينكح داود تسعا وتسعين امرأة وينكح سليمان أكثر و لا يحلّ لمحمد أن ينكح كما نكحوا؟!! انتهى (3)‏.‏

وفى عصرنا بلغ الضلال بحكام اثنتين من الدول الإسلامية حدّا جعلهم يصدرون قانونا بحظر تعدد الزوجات واعتباره جريمة يعاقب عليها بالحبس على غرار الدول الغربية !! وحاولت بعض العلمانيات في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات استصدار قانون مشابه يمنع التعدد ، وتصدى لهن رجال الأزهر الشريف والتيار الإسلامي المبارك ونجحوا في إحباط المحاولة ،لكن النسوة المفتونات بالغرب نجحن في تمرير قانون يجعل اقتران الرجل بأخرى إضرارا بالزوجة الأولى يعطيها الحق في طلب الطلاق !! وبعد انتهاء حكم السادات - غفر الله له - تم إلغاء هذه المادة المخالفة للشريعة الغراء .
و لم تتوقف وسائل الأعلام المختلفة عن مهاجمة التعدد الشرعي والسخرية منه ، والتندر على معدّدي الزوجات في الأفلام والمسلسلات الهابطة التي تقوم في ذات الوقت بتزيين الفواحش ، وتعرض اتخاذ العشيقات على أنه أمر "كوميدي" للتسلية والفكاهة!!!
و رأينا رجالا سفهاء ونساء علمانيات على شاشات محطات تلفاز عالمية يهاجمون نظام تعدد الزوجات في الإسلام ..!!
ووصل البعض إلى غاية الجهل والضلال عندما نشر في صحيفة أسبوعية قاهرية سلسلة مقالات عنوانها (( تعدد الزوجات حرام )) !! هكذا يحاول أحمق مغمور إلغاء نصوص القرآن والسنّة بجرّة قلم قاصر مخبول !!!
وبلغ العوام في البلاد الإسلامية من الجهل بالشريعة الغراء درجة جعلت النساء في ريف مصر يتداولن قولا شائعا عن الرجل : (( جنازته ولا جوازته )) ، أي أن موته أفضل من زواجه بأخرى !!

وفى مراكش بالمغرب شاع مثل أخر يقول: "دوزى على قبره ولا تدوزى على داره " ومعناه : إذا مرّت المرأة على قبر يرقد فيه زوجها فهذا أفضل لها من أن تمر على دار له تزوّج فيها أخرى غيرها !!!

لكل هذه الأسباب وغيرها جاء هذا الكتاب .. وهو محاولة متواضعة لتصحيح المفاهيم ورد الأمور إلى نصابها ، والله المستعان على ما يصفون.




المؤلف


الفصل الأول
تعدد الزوجات قبل الإسلام

لم يبتكر الإسلام نظام التعدد .. فالثابت تاريخيا أن تعدد الزوجات ظاهرة عرفتها البشرية منذ أقدم العصور .. كانت الظاهرة منتشرة بين الفراعنة .. وأشهر الفراعنة على الإطلاق ، وهو رمسيس الثاني ، كان له ثماني زوجات وعشرات المحظيات و الجواري ، وأنجب أكثر من مائة وخمسين ولدا وبنتا .. وأسماء زوجاته ومحظياته وأولاده منقوشة على جدران المعابد حتى اليوم ..
وأشهر زوجات رمسيس الثاني هي الملكة نفرتارى . وتليها في المكانة و الترتيب الملكة ( أيسه نفر ) أو ( إيزيس نفر ) وهى والدة ابنه الملك ( مرنبتاح ) الذي تولى الحكم بعد وفاة أبيه وإخوته الأكبر سنا .ويروى أن فرعون موسى كانت له عدة زوجات منهن السيدة ( آسيا ) عليها السلام ، وكانت ابنة عمه ، ولم تنجب أولادا منه ، ولهذا احتضنت سيدنا موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – وقالت لفرعون عن الرضيع موسى الذي التقطته الخادمات من صندوق عائم في مياه نهر النيل : ) وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ . ( (4)
وكان تعدد الزوجات معروفا في عهد أبى الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم – صلى الله على نبينا وعليه وسلم – وأنجبت له السيدة هاجر الذبيح ( إسماعيل ) جد العرب عليه السلام ، بينما رزقه الله من ( سارة ) بسيدنا ( إسحاق ) عليه السلام . ثم تزوّج عليه السلام اثنتين أخريين هما قطور ابنة يقطان الكنعانية وحجون بنت أهيب وهى عربية أيضًا.وجمع نبي الله يعقوب بين أختين – ابنتي خاله لابان – هما ( ليا ) و ( راحيل ) وجاريتين لهما ، فكانت له أربع حلائل في وقت واحد (5).وأنجب عليه السلام منهن الأسباط ( أحد عشر ولدا ) بالإضافة إلى سيدنا يوسف – عليه السلام ، وأمه هي ( راحيل ) التي كانت أحب حليلات النبي يعقوب إلى قلبه ، وأنجبت له ( بنيامين ) بعد يوسف – عليه السلام .


وكان لسيدنا داود – عليه السلام – مائة زوجة وكثير من الجواري كما يقول العهد القديم – التوراة- وكذلك كان لابنه سليمان- كما ورد بالتوراة - ثلاثمائة زوجة وسبعمائة جارية .و ذكروا أيضًا أن رحبعام بن سليمان تزوج 18 وكانت له ستون جارية أي كانت له 78 حليلة!
وهذه الأرقام يجب أن تؤخذ بحذر شديد لما هو معلوم من أن نصوص التوراة والأناجيل قد تعرّضت للتحريف والتبديل عبر العصور .
ولكاتب هذه السطور رأى في سبب كثرة نساء النبي داود وابنه سليمان عليهما السلام ، إن كانت الأرقام التي ذكرتها التوراة صحيحة. لقد كان اليهود مصدرا للفتن والحروب في كل مكان و زمان ، بطبيعتهم الإجرامية التي دفعتهم إلى عصيان وقتل الأنبياء، وتدفعهم دائما إلى العدوان على الآخرين ،وتسبب هذا في اندلاع صراعات دامية
مستمرة بينهم وبين الشعوب الأخرى .و من الثابت – تاريخيا - أن عصر داود ثم ولده سليمان عليهما السلام قد وقعت فيه حروب كثيرة طاحنة وردت أخبار بعضها في التوراة . و حكى القراّن الكريم في سورة البقرة –من الآية 246 إلى الآية 251- قصة المعركة بين طالوت وجالوت ،التي تمكن خلالها داود عليه السلام من قتل الطاغية جالوت. ومن البديهي أن يهلك خلال هذه الحروب -المتواصلة عبر الأجيال -مئات الألوف من الجنود على الجانبين، و أن يحدث خلل اجتماعي خطير بسبب الأعداد الهائلة من الرجال القتلى ، إذ يخلف هؤلاء عادة مئات الألوف من الأرامل والأيتام ، وهذا هو المشاهد دائما في كل الحروب عبر التاريخ. وشريعة كل الأنبياء تحظر زواج المؤمنات من الكفّار كما هو معلوم.وعدم إيجاد حل معقول ومقبول لهذه المشكلة معناه- لا محالة- أن تنتشر العلاقات غير السويّة والانحلال الجنسي ،وهذا أمر لن يسمح به نبي من الأنبياء عليهم السلام ، خاصة إذا كان هو الملك المسئول عن أمن البلاد و مصالح الرعية والأخلاق و الآداب العامة ، وكان داود –ثم ابنه سليمان من بعده – ملكا ونبيا في ذات الوقت .و لأن النبي كالأب للأمة، فمن المنطقي أن يضرب المثل والقدوة - بنفسه الشريفة - للقلة النادرة التي بقيت من الرجال المؤمنين في كفالة هؤلاء الأيتام و الأرامل ، ولا يوجد حل نظيف طاهر يسمح به الدين ، وتدعو إليه المروءة ومكارم الأخلاق سوى اتخاذ هؤلاء الأرامل زوجات شريفات مع كفالة كل الحقوق لهن على قدم المساواة مع الأخريات.لهذا اضطر كل من داود وسليمان عليهما السلام إلى الاقتران بهذه الأعداد الكبيرة من الزوجات والجواري،كأعباء إضافية مفروضة على كل منهما - باعتباره نبيا وملكا - ليقتدي به أتباعه من الرجال القلائل الذين أفلتوا من الموت في الحروب. وهذا هو الرأي المنطقي الذي تؤيده حقائق التاريخ ، وهو أيضا التفسير الوحيد المقبول الذي يتناسب مع نبل و طهارة و أخلاق الأنبياء الرفيعة ومقامهم السامي.
ومن الضروري أن ننتبه هنا إلى ما بثّه اليهود – قاتلهم الله – من شائعات قبيحة وأكاذيب مفضوحة عن النبي الكريم داود وابنه سليمان – عليهما السلام – فقد زعم أعداء الله أن داود عليه السلام افتتن بزوجة أحد قواده فأرسله إلى جبهة القتال ليموت هناك فيتزوج داود من أرملته التي أعجبه جمالها!! .ويجب التذكير بأن النصارى يشاركون اليهود في هذه الجرائم النكراء ، لأنهم يؤمنون بهذه التوراة ذات النصوص المحرّفة باعتبارها العهد القديم عندهم، بينما عهدهم الجديد هو مئات الأناجيل التي يكذّب بعضها البعض !!
و ما ذكروه عن سيدنا داود فرية دنيئة أكد المفسّرون الكبار – ومنهم الإمام ابن كثير رضي الله عنه – أنها باطلة، ومن الإسرائيليات التي يجب طرحها وعدم الأخذ بها . ( 6) والإيمان بعصمة الأنبياء عليهم السلام من ثوابت العقيدة ، والطعن عمدا في طهارة المرسلين ونبل أخلاقهم هو كفر صريح يخرج صاحبه من الملّة والعياذ بالله .
لقد كان لداود زوجات كثيرات وعشرات من الجواري ، ومن ثم لا يتصوّر أن تبقى له حاجة إلى غيرهن . وليس نبي الله الذي كان يصوم يوما ويفطر يوما هو الذي يتحايل ليتخلص من قائده حتى يتزوج بعد ذلك من أرملته !!.
.ثم افتروا على ابنه سليمان بدوره ، زاعمين أنه :"وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه1Kgs:11:4: 4" .
وحاشا لله أن يميل قلب نبي ورسول عظيم مثل سليمان عليه السلام عن عبادة ربه كما زعم أعداء الله.
ويكفى للرد على تلك الفرية أن نشير إلى قوة سليمان وعزمه وتفانيه في دعوة الآخرين إلى الإسلام . والمثال الواضح هو القصة التي ذكرها القراّن الكريم في سورة النمل – الآيات من 15 إلى 44- وهى تحكى قصة سليمان الذي ورث أباه داود في النبوة والعلم والملك أيضا. وتفصّل كيف صبر عليه السلام على دعوة ملكة سبأ وقومها إلى الإسلام – المرة تلو الأخرى - واستمر يظهر لهم الأدلة والمعجزات حتى هداهم الله أجمعين إلى نبذ عبادة الشمس والدخول في عقيدة التوحيد مع سليمان عليه السلام .
ولا عجب في افتراء أحفاد القردة والخنازير على النبيين الكريمين ، فلم يسلم منهم نبي من قبل ولا من بعد .
ألم يقتلوا يحيى و أباه زكريا و غيرهما عليهم جميعا الصلاة و السلام ؟!
ألم يحاولوا قتل هارون وعيسى ومحمد عليهم صلوات الله وسلامه ؟!! ألم يعبدوا العجل ثم تطاولوا على الذات العلية ؟!!
نسأل الله تعالى أن يريح منهم البلاد والعباد إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير
وكان تعدد الزوجات منتشرا في جزيرة العرب قبل الإسلام أيضا . ولو لم يكن الحال كذلك لانتهز المشركون في مكة الفرصة للنيل من النبي عليه السلام باستغلال هذا الأمر، لكنهم لم يجدوا فيه شيئا معيبا لشيوع التعدد بينهم. روى الإمام البخاري – رضي الله عنه – أن غيلان الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة ، فقال له النبي ( ) : ( اختر منهن أربعا ).وروى أبو داود – رضي الله عنه – بإسناده أن عميرة الأسدى قال : أسلمت وعندي ثماني نسوة ، فذكرت ذلك للنبي (فقال : ( اختر منهن أربعا ) .
وقال الإمام الشافعي – رضي الله عنه – في مسنده : أخبرني من سمع ابن أبى الزياد يقول أخبرني عبد المجيد عن ابن سهل عن عبد الرحمن عن عوف بن الحارث عن نوفل ابن معاوية الديلمى قال : أسلمت وعندي خمس نسوة ، فقال لي رسول الله ( ) : " اختر أربعا أيتهن شئت ، وفارق الأخرى " .
وروى البخاري في كتاب النكاح أن النبي ( ) آخى بين عبد الرحمن بن عوف وبين سعد بن عوف الأنصاري ، وعند الأنصاري امرأتان ، فعرض عليه أن يناصفه زوجتيه وماله ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : (( بارك الله لك في أهلك ومالك .. دلني على السوق .. )) .
وكان تعدد الزوجات شائعا في الشعوب ذات الأصل ( السلافى ) وهى التي تسمى الآن بالروس والصرب والتشيك والسلوفاك .. وتضم أيضا معظم سكان ليتوانيا وأستونيا ومقدونيا ورومانيا وبلغاريا ..وكان شائعا أيضا بين الشعوب الجرمانية والسكسونية التي ينتمي إليها معظم سكان ألمانيا والنمسا وسويسرا وبلجيكا وهولندا والدانمارك والسويد والنرويج وانجلترا . و عرف الإغريق التعدد على أوسع نطاق كما ذكر ول ديورانت فى " قصة الحضارة".ويرى ديورانت أن هذا سببه انتشار العزوبة عندهم و كثرة النساء ، ثم رغبة النساء فى الزواج ودفعهن أموالا طائلة للرجال للزواج منهن !! ويضيف :".. صارت المرأة في عهد پركلي هي التي تشتري زوجها!! ومن هذا الوضع تشكو "ميديا" في إحدى مسرحيات "يورپديز", فلم يكن اليوناني إذًا يتزوج لأنه يحبُّ، ولا لأنه يرغب في الزواج، فهو كثير التحدُّث عن متاعبه، بل ليحافظ على نفسه وعلى الدولة عن طريق زوجة- أو زوجات – تأتيه بثروة مناسبة. ولقد كان الرجل - رغم المغريات كلها - يتجنب الزواج ما دام يستطيع تجنبه, وكانت حرفية القانون تُحرَّم عليه أن يبقى أعزبَ, ولكن القانون لم يكن يُنفَّذ دائمًا في أيام پركليز, ولما انقضى عهده زاد عدد العُزَّاب حتى صار مشكلة من المشاكل الأساسية في أثينا, حقًّا ما أكثر الأمور التي تدهش الإنسان في بلاد اليونان!وكان الذين يرضون بالزواج من الرجال يتزوَّجون متأخرين - في سن الثلاثين عادة - ثم يصرون على الزواج من فتيات لا تزيد سنهن على خمسة عشر عامًا!! وفي ذلك تقول إحدى الشخصيات في مسرحية ليورپديز: "إن زواج الشابِّ من زوجة شابَّة- أي مثله في العمر- شرٌّ مستطير وسبب ذلك أن قوَّة الرجل تبقى طويلاً، أما نضرة الجمال فسرعان ما تفارق صورة المرأة!!".انتهى.


ويلاحظ أن التعدد كان ومازال منتشرا بين شعوب وقبائل أخرى لا تدين بالإسلام .. ومنها الشعوب الوثنية في أفريقيا والهند والصين واليابان ومناطق أخرى في آسيا
.ومازالت طائفة المورمون المسيحية في أمريكا تمارس تعدد الزوجات بلا حصر ولا ضوابط من أي نوع !! وقد ألقت السلطات الأمريكية مؤخرا القبض على رجل منهم تزوج تسعين امرأة !! ولم يكن اعتقاله بسبب ذلك ، بل لأنه اغتصب ابنته !! ولو أنه لم يرتكب جريمة الاغتصاب ما تعرّض له أحد !!
ويقول الدكتور محمد فؤاد الهاشمي : أن الكنيسة ظلت حتى القرن السابع عشر تعترف بتعدد الزوجات انتهى(7)
. وقد سمحت الكنيسة للملوك بالجمع بين العديد من الزوجات ، والمثال الواضح لذلك " شارلمان "الذي أنجب أولادا من عدة زوجات بمباركة الكنيسة. فأين الحظر المزعوم ؟!!و الحق أنه لا يوجد نص صريح في أي من الأناجيل الأربعة يحظر تعدد الزوجات . وكل ما حدث أن تقاليد بعض الشعوب الأوروبية الوثنية كانت تمنع التعدد (ونقول بعض الشعوب لأن أغلبها كما ذكرنا كان يعرف تعدد الزوجات على أوسع نطاق ) فلما اعتنقت هذه الأقلية التي تمنع التعدد الديانة النصرانية فرضت تقاليدها السابقة على المسيحيين . وبمرور الزمن ظن الناس أن تحريم التعدد هو من صلب المسيحية ، بينما هو تقليد قديم فرضه البعض على الآخرين بدون نص من الإنجيل .
ونحن نتحدى معارضي التعدد أن يأتونا بنص على تحريم التعدد في أي إنجيل من الأربعة التي تمثل العهد الجديد.أما العهد القديم أو التوراة ففيها نصوص صريحة على إباحة التعدد في دين الخليل إبراهيم وإسحاق ويعقوب وشريعة داود وسليمان ، وغيرهم من أنبياء بنى إسرائيل – على نبينا وعليهم الصلاة و السلام.
بل إن علماء الاجتماع والمؤرخين ، ومنهم وستر مارك و هوبهوس و هيلير و جنربرج وغيرهم ، يلاحظون أن التعدد لم ينتشر إلا بين الشعوب التي بلغت قدرا معينا من الحضارة . وهى الشعوب التي استقرت في وديان الأنهار ومناطق الأمطار الغزيرة ، وتحولت إلى الزراعة المنظمة والرعي بدلا من الصيد وجمع ثمار الغابات و الزراعة البدائية .
ويرى هؤلاء المؤرخون وعلماء الاجتماع أن نظام التعدد سوف يتسع نطاقه كلما تقدمت المدنية ، واتسع نطاق الحضارة في العالم .
وشهادة هؤلاء العلماء – وهم جميعا من غير المسلمين – هي من أقوى الردود على المغالطين من معارضي التعدد الذين يزعمون أنه قد انقضى زمانه وانتهى عصره !!
لقد كان تعدد الزوجات – إذن – معروفا ومنتشرا في سائر أنحاء العالم قبل أن يبعث النبي محمد ( ) رحمة للعالمين ..وكان مطلقا بلا أية حدود أو ضوابط أو قيود .. لم يكن هناك كما يتضح من الأمثلة السابقة حد أقصى لعدد الزوجات أو المحظيات .ولم يكن هناك اشتراط على الزوج أن يعدل بين زوجاته ، أو يقسم بينهن بالسوية – كما أمر بذلك الإسلام ..فإذا أمر الإسلام العظيم بالرحمة والعدل والمساواة بين الزوجات وتحديد الحد الأقصى بأربع زوجات وحظر التعدد إذا خشي الزوج ألا يعدل ، هل يحق لنفر من الجهلة والمتنطعين أن يعترضوا ؟!! هل من المعقول أن تأتينا الرحمة من السماء فنردها على الرحمن الرحيم ؟!


لقد كانت المجتمعات الجاهلية – قبل الإسلام – تموج بألوان شتى من الظلم والجرائم والفواحش ما ظهر منها وما بطن ..
وكانت المرأة بالذات هي الضحية والمجني عليها على الدوام . وفى كل المجتمعات كان الزوج يقضى معظم أوقاته في أحضان صاحبات الرايات الحمراء ، ولا يعود إلى بيته إلا مكدودا منهك القوى خالي الوفاض من المال والعافية !!
وما كانت المرأة تجرؤ على الإنكار أو الاعتراض !! وكان آخر يمضى الشهر تلو الشهر عند الزوجة الجميلة ، ويؤثر أولاده منها بالهدايا والأموال الطائلة ، ولا تجرؤ الأخرى أو الأخريات ولا أولادهن على النطق بكلمة واحدة إزاء هذا الظلم الفادح ..
فهل من الحق أو الحكمة أن نرفض ما اشترطه الإسلام من تحقيق العدالة و البر والإكرام لكل الزوجات والأولاد على قدم المساواة ؟!!

حقا لا تعمى الأبصار ..و إنما تعمى العقول و القلوب التي في الصدور السوداء


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

الفصل الثاني
عشيقات الزعماء
تهامس مشيعو جنازة الرئيس الراحل فرانسوا ميتران في دهشة وفضول عندما شاهدوا سيدة ترتدي قبعة سوداء ونظارة سميكة من ذات اللون ، وبصحبتها فتاة شقراء تبدو على وجهها علامات حزن حقيقي دفين ..كانت السيدة وابنتها تسيران إلى جانب أرملة الرئيس الراحل . وانقلبت الجنازة رأسا على عقب عندما علموا أن السيدة هي عشيقة
الرئيس الراحل ومعها ابنتها غير الشرعية منه ، ثمرة الخيانة الزوجية للرجل الأول في فرنسا !!
إنها حقا باريس .. أم الشذوذ والغرائب ، الزوجة جنبا إلى جنب مع العشيقة ، ويبدو أنهما قد تفاهمتا واستقر رأى كل منهما على أنه لا فائدة الآن - بعد رحيل فرانسوا - من الصراع والمنافسة بينهما !!
وبعد ذلك فوجئت فرنسا والعالم بأسره بصحفية سويدية تدعى ( كريستينا فورسن ) تصدر كتابا عنوانه : ( قال لي فرانسوا ) وفرانسوا المقصود هنا هو الرئيس الراحل ميتران نفسه!! وتبين من صفحات الكتاب والصور المثيرة المنشورة بداخله أن وراءه قصة آثمة لخيانة زوجية أخرى من الرئيس الفرنسي !!
وعلى الفور أجرت كبريات الصحف الفرنسية والعالمية حوارات مطوّلة مع كريستينا فورسن عن علاقتها بميتران التي استمرت سبعة عشر عاما كاملة .. وقالت صحيفة ( فرانس سوار ) إن ( رافن ) الطفل الوسيم ذي الثمانية أعوام الذي يعيش مع أمه كريستينا هو ابن غير شرعي لميتران زير النساء الباريسي الراحل !! ورفضت كريستينا الإفصاح لزملاء المهنة عن هوية والد طفلها مارفن .. وحاولت التهرب من الإجابة صارخة في وجوه زملائها : إنه ابني أنا وحدي ! ولن أسمح لأحد بمعرفة اسم والده !! إنني لن أسمح لأي إنسان باغتصاب هذا الجزء الخاص جدا من حياتي !!
وحكت كريستينا قصتها مع ميتران منذ المقابلة الأولى بينهما في عام 1979،عندما قدمها له رئيس وزراء السويد الراحل( أولوف بالم ) على أنها صحفية شابة متحمّسة تريد إجراء حوار صحفي معه ..
كان عمره ضعف عمرها ، لكن فارق السن الكبير لم يحل بين الاثنين ..
وتعلق هي على ذلك قائلة : ( في هذه الأحوال تنسى الأسماء والأعمار والمناصب ، ولا نذكر إلا الإحساس بالنشوة والانتعاش والسعادة في اللحظات الضائعة ) !!
ولم تشعر العشيقة – كريستينا – بأي خجل عندما ألمحت لها الصحافة الفرنسية بأنها كانت شوكة في قلب عائلة الرئيس ميتران ..وردت قائلة : لا عائلته ولا المحيط السياسي كله ..لا شيء من حوله يستطيع الهجوم على ، أو الانتقاص من وجودي ، فقد كانوا لا يملكون ما أملكه .. فانسحبوا من أمامي بهدوء .. أدركوا أنني بالنسبة له الحرية والنسمة التي يتنفسها بعيدا عن سجنه الذهبي وحياته العادية التقليدية المملة ! لقد كنت أنا التي كسرت الملل الذي أصابه طوال حياته قبل أن يلقاني ،وقد وجد داخلي أسلوبا مستقلا في التفكير تجاه كل أمور حياته لم يتعوّده من قبل !!
وحكت كريستينا الكثير مما لم يكن يعلمه الناس عن ميتران .. كان لهما منزل خاص في الأدغال يتقابلان فيه بعيدا عن أعين الزوجة والصحافة ، وكانا يهربان في الغابات بعيدا عن حرسه الخاص !!
باختصار .. لم يكن ينقصهما سوى ورقة رسمية صغيرة تجعل العلاقة شرعية نظيفة ، وتجعل ابنهما ((رافن )) ابنا شرعيا محترما في مجتمعه ، لكنهما لم يفعلا !!
***
نشرت صحيفة" الأهرام" ما يلي : " لم يكن غريبا أن يصدر في فرنسا كتاب عن نمر السياسة الفرنسية ( جورج كلمنصو 1841 – 1929 م ) هذا الرجل الذي خاض معارك سياسية مخيفة ، واستطاع أن يتغلب على الجميع ، وكان قادرا على أن يتحدث إلى عشرين شخصا في عشرين موضوعا في وقت واحد ! ولم يكن أحد يتصور أن له ثمانمائة عشيقة ، وكان له أربعون من الأبناء غير الشرعيين !! .لكن عندما علم أن زوجته الأمريكية خانته نهض عند منتصف الليل وفتح لها الباب لتهبط إلى الشارع بقميص النوم .. فكلمنصو– مثل كل الذئاب البشرية – من أكثر الناس احتكارا للمرأة ، ولم يقل أحد في المرأة أسوأ ولا أبشع مما قاله هو ، سواء على فراش اللهو أو على فراش المرض" . انتهى !!
وليس بعيدا عنا ما نشرته وسائل الإعلام عن غراميات الرئيس "ساركوزى" الذي اضطر إلى تطليق زوجته للزواج من عشيقته عارضة الأزياء حرصا على مقعد الرئاسة !!
***
وفى النمسا كشفت الصحف عن فضيحة جنسية للرئيس (( توماس كليستل )) فقد ظهر أن للرئيس عشيقة تعمل موظفة بوزارة الخارجية ..وتمتد العلاقة بينهما إلى سنوات عمله وزيرا للخارجية قبل توليه الرئاسة .. و بسبب الفضيحة غادرت زوجته السيدة
( أديت كليستل ) المنزل وطلبت الطلاق !!
***
و أصدر الطبيب الصيني (( لي زى سوى )) كتابا مثيرا في الولايات المتحدة الأمريكية تحت عنوان : ( الحياة البربرية للزعيم ماو ) . كان (( لي )) هو الطبيب الخاص للزعيم الصيني (( ماو تسى تونج )) الحاكم المطلق لواحدة من أقوى دول العالم ،و الطاغية الشيوعي الذي لا راد لأوامره ولا رغباته ولا نزواته .. وكان ذئبا شرسا لا يشبع من الجنس ، يبدّل الفتيات كما يستبدل جواربه وأحذيته !! يقيم الحفلات الصاخبة التي يرتبها مساعدوه خصيصا لمئات من الفتيات الصغيرات كي ينتقى منهن ما يهوى .. ويقول الطبيب المؤلف : إن الزعيم ماو كان يعتقد أن الجنس هو السبيل الوحيد لإطالة الحياة !! وكان يعانى من العديد من الأمراض الجنسية المعدية، وكانت هوايته هي نقل العدوى لأكبر عدد ممكن من الفتيات الصينيات اللائي كن يتفاخرن بظهور أعراض المرض الجنسي لديهن بعد الخروج من غرفة نوم الزعيم.. فهذه كانت هي العلامة الوحيدة على أن الفتاة قد التقت فعلا بالزعيم الصيني !!
***
هناك أيضا العلاقات الجنسية التي لا تحصى للرئيس الأرجنتيني الأسبق (( كارلوس منعم )) .. وفضائحه كانت تنشر يوميا في الصحف العالمية، ولم يردعه ذلك بالطبع. كما عجزت زوجته عن كبح جماحه فاضطرت إلى الانفصال عنه بعد خلافات طاحنة .
***
وعن الزعماء الأمريكان حدث ولا حرج !! ففي الولايات المتحدة الأمريكية لا توجد أسرار على الإطلاق !! والشعب الأمريكي يعشق الفضائح، وخاصة تلك التي تتعلق بالمشاهير في أي مجال !! ومسموح عندهم بنشر كل شئ وأي شئ وعن أي شخص مهما كان منصبه أو نفوذه أو ثروته .. والكتب التي تتناول أسرار وفضائح الكبار
يتلقّفها الأمريكان بنهم، وتحقق أرقاما قياسية في المبيعات !!
ومن هذه الكتب المثيرة كتاب ( داخل البيت الأبيض ) من تأليف الصحفي الأمريكي الشهير (( رونالد كيسلر )) . وقد تتبّع كيسلر في هذا الكتاب المثير نزوات وغراميات معظم رؤساء أقوى دولة في العالم وتفاصيل الخيانات الزوجية لكل منهم !! فقد كان للرئيس الأمريكي القبيح ليندون جونسون ثماني سكرتيرات عاشر منهن خمسا معاشرة الأزواج في قلب البيت الأبيض !! وكان يفتّش عن الجميلات وسط زحام الحفلات ، فإذا أعجبته واحدة يرسل أحد معاونيه ليأتيه بها ، فرغبة الرئيس أمر لا يرد !!
وذات يوم فتحت ( ليدى بيرد ) باب المكتب الرئاسي – في البيت الأبيض – لتجد زوجها الرئيس جونسون في وضع فاضح مع إحدى سكرتيراته داخل ذات المكان الذي يستقبل فيه زعماء العالم !!
وبعد معركة زوجية حامية الوطيس استدعى جونسون أفراد حراسته الخاصة وصاح بهم : كان يجب أن تفعلوا شيئا !! فرد عليه أحدهم بشجاعة: إننا لم نخطئ .. تلك هي مشكلتك وحدك !!
وعلى الرغم من ذلك لم يتوقف الرئيس الأمريكي عن تصرفاته الطائشة ، وكل ما حدث هو أنه أمر حراسه بتركيب جهاز ( للإنذار المبكر ) عند المصعد ، حتى لا تضبطه زوجته مرة أخرى متلبسا بالخيانة الزوجية !! فإذا شاهد الحرس الزوجة متجهة إلى المصعد المؤدى إلى غرفة المكتب يقوم أحدهم بدق الجرس فينتبه الرئيس إلى أن زوجته في الطريق ويسارع بتهريب العشيقة !!
وهناك قصص أخرى عن غراميات الرئيس جونسون مع صحفيات وفتيات أخريات كان معاونوه يحضرونهن له !! وذات مرة أحضر جونسون ثلاث فتيات دفعة واحدة من مزرعة بتكساس، وأصر على توظيفهن في البيت الأبيض ليبقين رهن إشارته !! أما الرئيس (( فرانكلين روزفلت )) الذي حكم الولايات المتحدة منذ عام 1933 ، وأعيد انتخابه للمرة الثالثة في عام 1940 ، فقد كان ذا علاقات نسائية متعدّدة ، على الرغم من أنه كان مقعدا يتحرك بكرسي طبي !! وكانت أشهر عشيقاته امرأة تدعى (( لوسى رزر فورد )) وكان يقابلها بصفة منتظمة عندما تكون زوجته (( إليانور )) غائبة عن البيت الأبيض !!
***
كانت شقيقة الرئيس الأمريكي (( كارتر )) واسمها (( روث )) تعمل في مجال التنصير – أو التبشير كما يسمونه في الغرب – وكانت تتحدث عن تعاليم السماء وتدعو غير المسيحيين إلى اعتناق المسيحية .. وفجأة ظهرت حقيقة "الأخت روث" ، وتبين أنها على علاقة جنسية بالمستشار الألماني السابق ( فيلى برانت ) !!! وكتبت الصحف الأمريكية والألمانية باستفاضة تفاصيل علاقة ( المبشّرة المتزوّجة ) بالمستشار الألماني وخيانتها لزوجها الذي كان هو آخر من يعلم كالعادة!!
و حدث ذات الأمر لواحد من أشهر رجال التنصير في أمريكا والعالم بأسره ، وهو القس ( جيمي سواجارت ) الذي كان طرفا في المناظرة الشهيرة مع الداعية الإسلامي الكبير الشيخ أحمد ديدات رحمه الله .فقد ظهر المنصّر الكبير على شاشات كبريات المحطات التليفزيونية الدولية ليعترف تفصيليا بعلاقته الجنسية مع إحدى البغايا الداعرات !! وهكذا كان ( سواجارت ) يتحدث عن الفضيلة ، ويهاجم تعدد الزوجات وغيره من أحكام الإسلام العظيم ، وهو غارق حتى أذنيه في أوحال الدنس والخطيئة التي ينهى أتباعه عن الاقتراب منها !! واعترف سواجارت - علانية - بحقيقة ما يدور في أوساط التنصير والمنصّرين من ممارسات لأبشع ألوان الدعارة والشذوذ!!. ( وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ( (8) صدق الله العظيم.
***
الرئيس الأمريكي الراحل جون كيندي كان من أشهر رؤساء العالم في ميدان الخيانة والعلاقات النسائية المتعددة .. وأشهر عشيقاته كانت هي ممثلة الإغراء الراحلة ( مارلين مونرو ) والتي لقيت مصرعها في حادث غامض قيل أنه من تدبير المخابرات المركزية الأمريكية !وكان شقيقه ( روبرت ) على علاقة هو أيضا بمارلين مونرو في ذات الوقت !! وكان يقابلها في مكتبه أثناء عمله مدعيا عاما للولايات المتحدة !!
وقد أقام الرئيس جون كيندي علاقات جنسية أخرى مع عشرات من النساء أثناء ارتباطه بزوجته ( جاكلين ) .. ومن عشيقاته سكرتيرتان هما الشقراء ( فيدل ) والسمراء ( فادل ) والثالثة كانت فتاة تعمل في عصابات المافيا وتدعى ( جوديث كامبل )!! ولم يفلت الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش- الأب- من السقوط في خضم الاتهامات بالتورط في الخيانة الزوجية .. فقد ذكرت الكاتبة ( سوزان ترينفو ) في كتاب لها أن أحد كبار مندوبى الولايات المتحدة في محادثات جنيف حول نزع الأسلحة ، قام بترتيب لقاء غرامي بين بوش ( نائب الرئيس ريجان أنذاك) ، و( جينفر ) التي كانت أحد مساعديه. وكان اللقاء في بيت الضيافة في مدينة جنيف السويسرية عام 1984م ، وبالطبع ثارت فضيحة كبرى في الصحف وعلى شاشات شبكات التلفاز العالمية !!
***
ولعل أشهر ذئب بشرى بين الرؤساء الأمريكان بعد جون كيندي هو الرئيس بيل كلينتون الذي أعيد انتخابه لفترة رئاسة ثانية رغم كل فضائحه وخياناته الزوجية التي صدرت عنها وحولها مئات الكتب والأبحاث والتحقيقات الصحفية والتليفزيونية !! وقد اعترف كلينتون نفسه بصحة ما تردد عن بعض علاقاته الجنسية .. ولكنه رفض الخوض في أية تفاصيل ، مؤكدا أن الأمر تسبب في مشاكل عائلية حادة كادت تنهى حياته الزوجية !!
وتحتوى قائمة عشيقات كلينتون على أكثر من ثلاثين امرأة أشهرهن" مونيكا" صاحبة أكبر فضيحة في التاريخ الأمريكي كله ، التي كانت متدرّبة سابقة في البيت الأبيض و ارتكب معها كلينتون الخيانة الزوجية داخل مكتبه الرئاسي !! وتضم قائمة العشيقات : مغنية ، وسكرتيرة ، وزوجة قاض شهير ، وصحفية ، وبائعة في ( سوبر ماركت ) .. الخ. ومن هؤلاء العشيقات ( جينفر فلاورز ) التي أصدرت كتابا فاضحا عن تفاصل علاقتها الجنسية مع الرئيس ، وحقق الكتاب أرقاما فلكية ، فقد بيعت منه مئات الآلاف من النسخ في مختلف أنحاء العالم !!
كانت جينفر مذيعة نشرة في إحدى قنوات التليفزيون الأمريكي ، ثم عملت بعد ذلك مغنية في ماهى ليلى ( بأركنساس ) حيث كان بيل كلينتون حاكما على هذه الولاية قبل ترشيحه لرئاسة أمريكا .
وتقول جينفر أن علاقتها مع الرئيس دامت اثنتا عشرة سنة كاملة. وكان يهرب من زوجته ( هيلارى ) إلى بيت جينفر حيث كان الجيران يشاهدون سيارته و سائقه الذي كان ينتظره لساعات طوال مع حرّاس كلينتون بوصفه حاكم أركنساس في ذلك الوقت ..
ويقول الحرّاس إنهم كانوا يتلقون مئات المكالمات التليفونية من جينفر لكلينتون. وعندما كانت هيلارى تأتى إلى مكتب زوجها ، فإن رجال الأمن كانوا يلفتون انتباه كلينتون ليذهب إلى غرفة الحرس ، ويقومون بتحويل المكالمة إليه هناك حتى لا تضبطه زوجته !!
ويؤكد حرّاس كلينتون أن جينفر كانت واحدة من نصف دستة نساء يقابلهن كلينتون مرة أو مرتين أو ثلاث مرات كل أسبوع !! وحاول كلينتون أن يتهرّب من جينفر بعد أن أصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية ، فثارت و فضحته بالكتاب وعلى صفحات الصحف وكبريات الشبكات التلفزيونية !!
وبدأت الفضائح بحوار صحفي مع جينفر أجرته صحيفة ( ستار ) الأسبوعية مقابل مائة وخمسة وسبعين ألف دولار حصلت عليها عشيقة الرئيس التي زوّدت الصحيفة بالشرائط الصوتية المسجل عليها محادثاتها الهاتفية مع عشيقها كلينتون !!
وبعد محاولات مستميتة للتهرّب من الموقف بالغ الحرج ، اضطر الرئيس كلينتون إلى الاعتراف في مؤتمر صحفي بأنه تورط في خطأ سبب ألما لزوجته !! وقال : لست على استعداد لمناقشة هذا الموضوع !!
ويروى رجال الأمن الذين عملوا ضمن طاقم حراسة الرئيس كلينتون عشرات من الوقائع التي شاهدوه خلالها مع عشرات من الفتيات في فترات مختلفة من حياته قبل وبعد توليه الرئاسة .وكان يطلب من حرسه أن يحضروا الفتيات الجميلات اللاتي يعجبنه في الحفلات .. وعندما تأتى الفتاة التي تعجبه يبدأ الرئيس في مغازلتها ، ثم يعطيها الحرس رقم التليفون السرّي للرئيس لتتصل به فيما بعد !! وأحيانا يقوم الحرس بحجز جناح بأحد الفنادق ذات النجوم الخمسة ليمارس الرئيس فيه نزواته وغزواته الفاضحة بعيدا عن مراقبة زوجته !!
ويحكى حراس الرئيس أن هيلارى زوجته استيقظت مرة فلم تجده في المنزل ، فصرخت وشتمت الحراس بألفاظ بذيئة .. وعلى الفور اتصلوا بالرئيس في أحد الفنادق حيث كان مع إحدى الفتيات ، وعاد بسرعة مضطربا فزعا .. وسمع الجميع على الفور صراخا وصياحا بالداخل وتكسيرا للأطباق و الأكواب وأثاث المنزل !!!
وهناك قصة تلك البائعة في أحد المتاجر التي مارس كلينتون معها أفعالا فاضحة في سيارتها نصف النقل في منطقة نائية ، كما يقول أحد حرّاسه. وقد نظر القضاء الأمريكي القضية التي رفعتها امرأة تدعى ( بولا جونز ) ضد الرئيس كلينتون ، وطالبته فيها بتعويض ضخم عن تحرّشه الجنسي بها يوم 8 مايو سنة 1991 ، في جناحه بفندق ( إكسلسيور ) في مدينة ( ليتل روك ) ..و رفض القضاء التخلي عن نظر الدعوى أو تأجيلها إلى ما بعد انتهاء فترة حكم كلينتون الثانية .. وأكد رئيس المحكمة التي نظرت دعوى التحرّش الجنسي عدم تمتع الرئيس الأمريكي بأية حصانة ضد القضايا التي لا علاقة مباشرة لها بعمله كرئيس للولايات المتحدة . وأضافت المحكمة أن تهمة التحرّش الجنسي الموجهة إلى كلينتون يجب التحقيق فيها مثل أية قضية أخرى مماثلة لعامة الناس ..
وأكّد أحد حرّاس كلينتون أن الرئيس دعا ( بولا جونز ) بالفعل إلى جناحه بعد ظهر اليوم المذكور .. وظن الحرس أنه لقاء غرامي بينهما على عادة كلينتون ، ولكنهم فوجئوا برؤية ( بولا ) تخرج مرعوبة من جناح الرئيس ، وظهر على وجهها الذهول والاضطراب ، مما يؤكّد أنها رفضت التحرّش الجنسي الذي ارتكبه كلينتون !!
وهناك كتاب آخر صدر مؤخرا بعنوان ( في أروقة الكونجرس ) يتناول العشرات من الفضائح الجنسية التي ارتكبها نواب ( موقّرون ) في الكونجرس الأمريكي العتيد !! فضلا عما لا يحصى من الجرائم والحوادث والفضائح اليومية التي تنشرها آلاف الصحف والمجلات وشبكات الإذاعة والتليفزيون ومواقع الانترنت في جميع أنحاء الغرب لنجوم السياسة و الرياضة والفن وباقي المجالات .
كانت هذه مجرد "عيّنة" لبعض الفضائح الجنسية لعدد من أشهر زعماء البلاد التي تحظر التعدد ، وتنص القوانين الجنائية فيها على أن تعدد الزوجات جنحة يعاقب فاعلها بالحبس ، بينما لا عقاب هناك على الزنا إذا تم بالتراضي بين الطرفين !! ‍‍
وقد اضطررنا إلى نشر بعض تلك القاذورات ليعلم معارضو التعدد الشرعي ما هو البديل له ..
وهكذا يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في القضية محل البحث .. فالتعدد واقع لا سبيل إلى نفيه أو إنكاره ، سواء كان مشروعا – كما يقرر الإسلام – أو غير مشروع كما يفعلون في كل المجتمعات غير الإسلامية بلا استثناء ، وعلى أوسع نطاق يمكن تصوّره أو تخيّله ..
والسؤال الآن لدعاة التغريب وخصوم التعدد الشرعي : ما رأيكم الآن بعد استعراض واقع الغرب الذي تعشقونه حتى الثمالة ؟! هل تريدون تعدد الزوجات أم العشيقات ؟هل تسمحون بالعلاقة بين الجنسين داخل مخدع الزوجية وعلى فراشها الطاهر ، أم تتّبعون ما تتلو عليكم شياطين الشرق و الغرب ؟!

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :

الفصل الثالث
شبهات واهية
الذين يعارضون التعدد ينظرون إلى الأمر من زاوية واحدة ، هي زاوية مصلحة الزوجات دون مراعاة لأحوال مئات الملايين من البائسات الوحيدات اللائي يعج بهن العالم كله .. وقد تأكد لي ذلك من خلال مناقشات مع كثير من الرجال والنساء في دول مختلفة زرتها منها العراق وسوريا ولبنان وتونس وأذربيجان و تركيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وسويسرا والبوسنة والهرسك وكرواتيا والولايات المتحدة الأمريكية وقبرص والمملكة العربية السعودية .. وفى مصر بطبيعة الحال .و معظم من تحدثت معهم ممن يرفضون التعدد قالوا : إن الاقتران بأخرى فيه ضرر وظلم يقع على الزوجة الأولى .. فهي تخسر نصف زوجها إذا تزوج بأخرى ، ولا يبقى لها إلا ثلثه إن تزوج بثالثة ، في حين يتضاءل نصيبها إلى ربع رجل إذا تزوج بأربع !!
ويزعمون أيضا أن العدل مستحيل مستشهدين بأول الآية ( وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ( الآية 129 من سورة النساء. فهم يقولون :لقد أكدت هذه الآية استحالة تحقيق العدل ، ويتجاهلون بقية الآية ( فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلّقة ، وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما ). وسوف نتناول فيما بعد ما أورده المفسّرون في شرح هذه الآية الكريمة وأحكامها بما يوضح المقصود بها – على غير ما يذهب إليه معارضو نظام تعدد الزوجات .(9)
ونرد الآن على من يركّزون على ما يلحق بالزوجة الأولى من ضرر .. فليس صحيحا أن مجرد الزواج من أخرى يشكل ظلما للأولى ، إذ هي تعلم يقينا أن الإسلام يعطيه هذا الحق في الاقتران بأخريات في حدود الأربع زوجات ، وما لم تشترط – مسبقا – في عقد الزواج ألا يتزوج عليها فليس من حقها أن تمنعه مما أحلّ الله له.. صحيح سوف ينقص حظها منه ، ولكنها لن تفقده نهائيا كما في حالة اتخاذه عشيقة أو أكثر ..
ثانيا : قيّد الشارع الحكيم التعدد بضرورة العدل .. وهذا يعنى أن الزوجة لن تحرم من زوجها في حالة اقترانه بأخرى ، إذ هو ملتزم بالإنفاق على كل الزوجات والقسم بينهن في كل الأمور ، بما في ذلك المبيت عند كل واحدة كما يبيت عند الأخرى أو الأخريات.
ثالثا : إن ضرورات الحياة تفرض على كل زوج وزوجة التضحية ببعض ما يحب في سبيل المصلحة المشتركة لكليهما أو المصلحة العليا للمجتمع ، أو حتى مصلحة الآخر إذا كان يحبه حقا .. والإسلام يبغض الأنانية ويدعو إلى الإيثار وليست الأثرة القبيحة ..وفى عصرنا هذا نرى ملايين الرجال يسافرون للعمل في الخارج تاركين زوجاتهم وأطفالهم أعواما أو أكثر في سبيل لقمة العيش ..والغريب أن أولئك الذين يتباكون على نقص حظ الزوجة من رجلها حين يقترن بأخرى لا يعترضون على حرمانها الكامل سنوات و سنوات في حالة سفر الزوج للعمل بالخارج ، بل يدعون إليه ويشجّعونه بحجة الرغبة في زيادة موارد الدولة من العملة الصعبة ، ولو على حساب الأطفال والزوجات ‍‍‍!!
وهناك أيضا من يسافرون للتجارة أو للدراسة في جامعات دول أخرى ، وبطبيعة الحال يضطّر المتزوّجون منهم إلى ترك زوجاتهم في مواطنهم إلى حين الانتهاء من الدراسة بعد أعوام .. فما بال المعترضين على التعدد هنا لا يفتحون أفواههم بكلمة هناك ، رغم أن الزوج في حالة التعدد يعود إلى أحضان زوجته بعد يوم أو يومين أو حتى أسبوع ،و لا يبتعد عنها أعواما ، كما يحدث في مثل هذه الحالات التي أشرنا إليها ؟!!!
وهناك فترات الولادة والنفاس التي تمتد إلى أربعين يوما لكل مرّة ، ويحظر الجماع خلالها ، وكذلك قد يمرض الزوج ويبتعد فترة تطول أو تقصر عن فراش زوجته ، وقد تمرض الزوجة نفسها فيبعدها المرض عن أحضان الزوج ، وتلك سنّة الحياة التي لا سبيل إلى تجاهلها أو المكابرة بشأنها ..
ولا ننسى الدورة الشهرية التي قد تطول من أسبوع إلى أسبوعين عند بعض النساء ، ويعتزلهن الرجال خلالها حتى يطهرن تماما ..
و الخلاصة أنه لا يوجد - في الواقع - ذلك الرجل الذي يبقى ملتصقا طوال الوقت بزوجته ، وحتى المقيم صحيح البدن يضطر الآن إلى الالتحاق بعمل آخر بعد الظهر ، ليزيد دخله ويمكنه الإنفاق على أسرته ، ومثل هذا الرجل يعود إلى المنزل متعبا في ساعة متأخرة من الليل .. وهكذا نرى أنه لا مفر من التسليم بعدم تفرّغ الكثير من الرجال لنسائهم في هذا العصر .
ولا داعي إذن إلى المبالغة في التهويل وتضخيم الضرر الذي يلحق بالزوجة الأولى بسبب التعدد .
رابعا : ما الأفضل في حالة تعلق الرجل المتزوّج بأخرى ؟! أن يطلّق الأولى المريضة أو المتقدمة في السن أو العاقر ، أم يستبقيها معزّزة مكرّمة في إطار الزوجية ولها مثل ما للأخرى أو الأخريات من حقوق على قدم المساواة ؟
خامسا : أليس اتخاذ الرجل تلك التي تعلق بها زوجة أكرم وأطهر من اتخاذ عشيقة في الظلام لا حقوق لها ولمن تنجب من أطفال يكون مصيرهم الملاجئ أو الشوارع ؟!! وما ذنب أمثال هؤلاء المساكين من الأطفال غير الشرعيين حتى يفقدوا الفرصة في الحياة الكريمة مثل إخوتهم ثمار النكاح الحلال ؟
سادسا : إذا كانت الإحصاءات الرسمية في معظم أنحاء العالم تثبت بصفة قاطعة التزايد المستمر في أعداد النساء بأضعاف أعداد الرجال ، وتسهم الحروب في زيادة الفارق الهائل بين أعداد كلا الجنسين – فكيف نعالج هذا الخلل الخطير ؟! وما مصير مئات الملايين من المسكينات اللائي فقدن الزوج و العائل ، أو فقدن الفرصة في الاقتران لقلة عدد الرجال ومقتل الملايين منهم في هذه الحروب المجنونة التي لا تتوقف ؟!! هل نحرمهن من حق مشروع في الزواج ، لأن عددا أقل من الزوجات تتغلب عليهن الأنانية النسائية ولا يطقن مشاركة من أخريات في أزواجهن ؟!! أو نتركهن عرضة للشذوذ أو المخادنة أو الكبت والحرمان ؟!!
إن التشريعات التي تطرح للتطبيق في المجتمعات المختلفة تستهدف تحقيق التوازن المطلوب بين مصالح الفئات المتنافسة ، مثلا التوازن بين العمال وأصحاب رءوس الأموال ، والتوازن بين الملّاك و المستأجرين . وبذات المنطق فإن التشريع الإسلامي العظيم يستهدف تحقيق التوازن الاجتماعي بين الكثرة الكثيرة غير المتزوّجة وأولئك اللاتي تزوّجن ..فليس من العدل ( في مصر مثلا ) أن تراعى مصالح ثمانية أو حتى عشرة ملايين من الزوجات على حساب عشرة ملايين امرأة وفتاة ينتظرن حظا من الحياة ، وإنما الأقرب إلى العدل والرحمة والإنسانية أن يشاركن المتزوّجات في التمتع بالحياة وبعطف ورعاية الأزواج ..
وهناك نقطة أخرى يثيرها معارضو التعدد ، وهى أن التعدد لا يحقق الإشباع لدى الرجل ، وهى مغالطة واضحة تنافى الواقع الملموس وطبائع الأشياء .. فالرجل إذا كانت له زوجتان أو ثلاث أو أربع يصل إلى مرحلة من الارتواء العاطفي والجنسي غالبا ، ويكون أقل من غيره استعدادا للوقوع في الخطيئة .
والأهم من ذلك أن التعدد لا يستهدف في المقام الأول أو الوحيد مجرد إشباع الشهوة .. فكما سيأتي – في موضع أخر - يقرر الطب النفسي أن الإشباع العاطفي أهم بكثير من مجرد الإشباع الغريزي والارتواء الجنسي ..
وليس الغرض الوحيد من الزواج هو ممارسة الجنس .. فالسكون العاطفي والمودة والرحمة وإنجاب الذرية الصالحة والترابط الاجتماعي بالمصاهرة ورعاية النساء والأطفال والقيام على شئونهم والإنفاق عليهم – كلها مقاصد أسمى بكثير من مجرد إشباع الشهوة .. والرجال يتفاوتون في القدرات الجنسية ، كما يتفاوتون في مقدار الحاجة إلى الأكل .
ثم إنه ليس مطلوبا من نظام كتعدد الزوجات أن يرتقى بالناس إلى مصاف الملائكة الأطهار الذين لا يخطئون ويفعلون ما يؤمرون . والشريعة الغرّاء لا تطالب الناس بهذا ، فنحن أولا وأخيرا بشر نخطئ ونصيب .. و المستهدف هو تجنيب المجتمع أسباب الرذائل بقدر الإمكان ، وتحصين المسلم بالوسائل التي تساعده على غض البصر وحفظ الفرج ، ومن هذه الوسائل المساعدة إباحة تعدد الزوجات - بشرط العدل - حتى نساعد الزوجات أيضا على الالتزام بالعفة وحفظ الفرج وغض البصر بدورهن . ورغم هذا قد ينحرف البعض . تماما مثلما أن الدولة الحديثة توفر فرص العمل للناس ، إلا أن هذا لم يمنع ولن يمنع انحراف البعض للسرقة أو السطو أو الاتجار بالمخدرات لتحقيق مكاسب غير مشروعة رغم وجود فرص الكسب المشروع .. فقط تحاول الدول المختلفة الحد من الظاهرة وتقليل أعداد المنحرفين ما أمكن .. هذا هو بالضبط ما تستهدفه أحكام الشريعة الإسلامية الغراء ( ومنها حق الرجال في تعدد الزوجات بضوابط وشروط معينة ) فالمطلوب دائما الإقلال من الجريمة والانحرافات وليس القضاء التام عليها ، لأن ذلك مستحيل في عالم البشر الضعفاء الخطّاءين ، وخيرهم بالطبع هم التوّابون الذين يجتهدون لمقاومة نزعات النفس الأمارة بالسوء.
ثم إن الرجال الذين لا تكفيهم أربع زوجات هم حالات شاذة نادرة ، والنادر لا حكم له ، فالأحكام الشرعية تبنى على الغالب من أحوال الناس وليس الشواذ.
وتجدر الإشارة إلى أن من الأرامل والمطلقات – وأعدادهن كما أسلفنا يقدر بعشرات الملايين – من يبحثن فقط عن عائل يقوم بدور الأب الحنون لأطفالهن ، حتى ولو لم يمارس أي دور كزوج ..
والواقع الملموس خير شاهد على ذلك .
***
وأما ما نشاهده على أرض الواقع من أخطاء يرتكبها بعض معدّدي الزوجات فهو ليس من الإسلام ، بل هو مخالفة واضحة لأحكامه. وعلاج هذه الأخطاء لا يكون بإلغاء مبدأ التعدد ذاته ، وإنما يكون بمزيد من التوعية وإرشاد الناس إلى التزام العدل والتقوى في كل شئ في الحياة .. ثم إن هذه الأخطاء لا يجوز أن تحتسب على الإسلام ، لأنها تمثل انحرافا عنه وخروجا عليه .والاستثناء يؤكد القاعدة العامة ولا ينفيها.
والحقيقة أن ما يفعله بعض العوام من ظلم النساء وتفرقة بين الأبناء هو نتاج غياب المفاهيم الإسلامية الصحيحة عن الساحة .. كما أن وسائل الإعلام تزيد الطين بلّة بما تنشره من انحلال وقيم أبعد ما تكون عن الإسلام العظيم .
***
شاب يسأل بانفعال شديد : عن أي تعدد تتحدثون ونحن لا نجد عملا أو شقة متواضعة أو مهرا ندفعه لواحدة فقط ؟! الشاب منا يمكث عشر سنوات في المتوسط حتى يستطيع التقدم لخطبة واحدة بالكاد .. فكيف تطالبونه بالبحث عن أخرى ؟!
والجواب على هذا أبسط مما يظن صاحبنا الذي نلتمس له بعض العذر نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها الشباب في العالم الإسلامي ذي المحن والمتاعب الاقتصادية ، ونسأل الله أن يرفعها عنا بحوله وقوته.
إن حديث التعدد يوجّه بداهة إلى القادرين عليه ، وليس الشباب من الناشئين محدودي الدخل الذين نسأل الله أن يعينهم ويرزقهم من حيث لا يحتسبون .. فشرط القدرة ضروري لأي راغب في الزواج ، سواء بواحدة أو أكثر .
ونطالب أولياء الأمور بعدم المغالاة في المهور ، فإن تيسير الزواج واجب ، سدّا لأبواب الحرام وصيانة لأبناء وبنات المسلمين من الفواحش. والسنّة المؤكّدة هي قبول أي مهر يدفعه الخاطب – على قدر استطاعته- مهما كان قليلا. ويكفى هنا أن نشير- على سبيل المثال وليس الحصر - إلى ما تواتر ذكره في كل كتب السيرة من أن مهر السيدة فاطمة البتول بنت سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم كان مجرد (درع) ذكر علىّ رضي الله عنه أنها لم تكن تساوى أكثر من أربعة دراهم ، وكان أبوها هو الذي أعطاه تلك الدرع من قبل !! وكذلك زوّج النبي عليه السلام رجلا إحدى الصحابيات الجليلات بلا أي مال دفعه ، وإنما كان مهرها هو قيامه بتعليمها بعض سور القراّن الكريم .
و نذكّر الجميع بقوله تعالى وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( سورة النور الآية 32.
و كان سيدنا عمر رضي الله عنه يذكر هذه الآية ويقول : عجبت لمن لا يلتمس الغنى في النكاح !
وهو الواقع الملموس أيضا ، في كل زمان ومكان ، فما من فقير تزوّج - بواحدة أو أكثر - إلا أغناه الله من فضله.
ومن أغرب ما قيل للطعن على نظام تعدد الزوجات أنه ضد مصلحة الأمة ! لأنه يهدّد الأسرة ويزيد من عدد الأطفال ، في حين أن الدولة تعمل الآن على الحد من عدد السكان ، أو تنظيم النسل لتفادى الانفجار !!
والحقيقة أن هؤلاء يقلبون الآية ويعكسون المنطق تماما ..
فالذي يهدد كيان الأسرة والمجتمعات هو حظر التعدد ، على ضوء الأرقام التي تؤكد أن عدد العوانس يبلغ أضعاف عدد الزوجات . فإذا لم نسمح بالتعدد الشرعي ، فسوف يفشو الانحراف والشذوذ والأمراض النفسية والانتحار والدعارة واتخاذ العشيقات على غرار المجتمعات الأوروبية المنحلة ..
وأما زيادة عدد الأطفال بسبب التعدد فالواقع أن كل نسمة كتب الله لها أن تولد لن يمنعها بشر ولا جان من
المجئ إلى الدنيا . كل ما في الأمر أن الطفل الذي نحاول منع إنجابه - من أمه الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة - سوف يولد ( هذا الطفل ) سفاحا ، ويتخذ طريقه إلى الملجأ أو الشارع ، ليصير بعد بضع عشرة سنة مجرما محترفا يهدد الأمن الاجتماعي في الصميم . فهل يرى خصوم التعدد أن هذه النتيجة أفضل من سابقتها ثمرة التعدد ؟!!
وعلى سبيل المثال ذكرت إحصائية رسمية أمريكية : أنه يولد سنويا في مدينة نيويورك طفل غير شرعي من كل ستة أطفال .ولا شك أن العدد على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا يبلغ الآن عشرات الملايين من مواليد السفاح كل عام .وأخيرا : فإن الكثرة البشرية إذا نجحنا في تربيتها وتهذيبها وصقلها ستكون قوة منتجة نافعة على غرار الصين واليابان وباقي النمور الآسيوية .
• ولماذا لا يتعدد الأزواج للمرأة الواحدة كما تتعدد زوجات الرجل الواحد ؟1 سؤال بالغ الطرافة والسذاجة في آن واحد .. وهو ينطوي على تجاهل لطبائع الأشياء وما أودع الله في كيان المرأة وتكوينها الجسدي والنفسي من اختلافات جذرية عن الرجل .
• ونشير هنا إلى ما هو معروف في تكوين كل الكائنات من ذرات .وهذه الذرة – الوحدة الأساسية - تتكون من مركز " موجب " تدور حوله الكترونات عديدة " سالبة" وليس العكس !! فلا يوجد مخلوق واحد تجد فيه نواة "سالبة" للخلية تدور حولها الكترونات "موجبة" ، وتلك حقيقة علمية لا يمكن إنكارها.
وقد رفض علماء النصارى تعدد الأزواج للمرأة الواحدة ، وعلل القديس أوغسطين ذلك بأنه " لا يكون للمرأة سيدان" ".
. وهناك أسباب كثيرة أخرى تحول دون اقتران المرأة بأكثر من رجل . إذ يستحيل تحديد هوية الجنين ونسبه إذا كانت المرأة تضاجع عدة رجال في فترة زمنية واحدة .ولا يقولن أحد أن العلم الحديث يمكنه الآن تحديد الأب عن طريق الجينات الوراثية وغيرها ،لأنه سيظل هناك دائما احتمال للخطأ ولو بنسبة قليلة ، وبالتالي يظل الشك في النسب قائما ، و الأحكام تبنى على اليقين وليس الشك أو الاحتمال. ويمكن تخيل حجم الفوضى الشاملة التي تصيب الأنساب والعلاقات الاجتماعية والقانونية في مثل هذه الحالة الشاذة . وعلى سبيل المثال ممن يرث هذا المولود ؟ وممن يتزوّج وهو لا يعرف له أبا ولا عائلة ؟! ومن يتولى رعايته والإنفاق عليه من بين كل هؤلاء الذين تضاجعهم أمه ؟!! وما الحل لو رفضوا جميعا تبنّيه أو الإنفاق عليه لأن كل منهم ليس متأكدا من أنه ابنه هو ؟!!
وكذلك كشف العلم الحديث أنواعا عديدة وخطيرة من الأمراض الفتّاكة التي تصيب النساء نتيجة تعدد مصادر المنى داخل الرحم الواحد ، ومنها سرطان الرحم وسرطان المهبل والإيدز – والعياذ بالله .
إنه نظام خالد وضعه الله الخالق المدبّر للكون ، ويستحيل الخروج عليه أو مخالفته بغير اضطراب في الحياة وخراب وكوارث لا قبل للبشر بها .ماء واحد فقط للرحم الواحد ، والقول بغير ذلك يعنى الخلل والمرض والهلاك المحقق .
ثم كيف يدخل عدد من الرجال مخدعا واحدا في وقت واحد ؟! والله إن الحيوانات في الغابات لتتعفّف – بفطرتها - عن هذا ، فما بالنا بالإنسان الذي كرّمه الله على سائر خلقه ؟!! وكيف تتصرّف هذه الزوجة إذا أرادها كل أزواجها للجماع في ذات اللحظة ؟!!
* وليس صحيحًا ما زعمه البعض من أن الأصل في الكون هو وحدة الزوجة لأن آدم - عليه السلام - لم يتزوج سوى حواء. ونرد عليهم بأن الأصل - بهذا المنطق غير الدقيق - ليس الزواج بواحدة بل العزوبة .
لأن آدم - عليه السلام - خلقه الله أولاً , وظل فترة من الزمن وحيدًا.. فهل نقول بناء على ذلك أن الأصل هو عدم الزواج؟!!
و يقولون :إن كل رجل يتزوّج بواحدة أولا وقد لا يتزوج غيرها طوال حياته . ونرد عليهم بأن هذا الرجل كان وحيدا سنوات من عمره قبل زواجه من الأولى ، فهل يكون الأصل هو الوحدة وحرمان كلا الجنسين من الأخر ؟!!
وقد أباح الله لآدم أن يزوّج أولاده من بناته, فكان ابن آدم يتزوّج أخته التي ولدت في بطن آخر وليست معه في ذات البطن... فهل نقول أيضًا - استنادًا إلى ذلك - أن الأصل هو إباحة زواج الأخ من أخته الشقيقة ، أم أن هذه كانت حالة ضرورة فقط لعدم وجود بشر غيرهم , ثم حَرَّم الله - تعالى - زواج الأخت بعد أن تكاثر البشر؟!
بل إن الاستدلال هنا يكون لمصلحة أنصار التعدد وليس خصومه . لأن هذا يؤكّد أن تعدد الزوجات جاء في سياق التطور الطبيعي للبشرية ، وكلما تقدّمت الحضارة الإنسانية وازدهرت وتكاثر البشر سوف تزداد الحاجة إلى التعدد ويتسع نطاق تطبيقه بمرور الزمن .
وأخيرًا فإن الأصل عندنا هو ما كانت عليه الأغلبية الساحقة من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام وهو تعدد الزوجات. ومَن لا يعجبه أسلوب حياة سادة البشر فلا فائدة من الكلام أو الحوار معه أصلاً !! أم يظن أولئك أن الرسل - وهم خير خلق الله - قد فعلوا خلاف الأصل أو خلاف الأولى ؟!!!


حديث السيدة فاطمة بنت الرسول
معظم المعارضين لتعدد الزوجات يحاولون استغلال واقعة رفض النبي ( ) السماح لعلىّ بن أبى طالب – كرم الله وجهه – زوج ابنته السيدة فاطمة رضي الله عنها – بالزواج من ابنة أبى جهل عمرو بن هشام .. وهؤلاء يزعمون أن الرسول ( ) عندما رفض أن يتزوج علــىّ ضرّة للسيدة فاطمة فإنه بذلك قد عطّل قاعدة التعدد ، أو على الأقل أقرّ بالضرر والأذى الذي يسببه التعدد للزوجة الأولى .
والرد على هؤلاء يقتضى أن نورد هذا الحديث كاملا ليتبيّن لنا علل وأسباب الرفض .. ففي الحديث الذي رواه الستة (10) عن على بن الحسين عن المسور بن مخرمة – رضي الله عنه - : أن علىّ بن أبى طالب خطب بنت أبى جهل على فاطمة .. فسمعت رسول الله ( ) وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا ، وأنا يومئذ محتلم فقال ( ) : (( إن فاطمة منى وإني أتخوّف أن تفتن في دينها )) . قال: ثم ذكر صهرا له من بنى عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن ، قال عليه السلام عنه : (( حدّثني فصدقني ووعدني فأوفى لي – يقصد أبا العاص بن الربيع – وإني لست أحرّم حلالا ، ولا أحلّ حراما ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله ( ) وبنت عدو الله
مكانا واحدا أبدا )) .
وفى رواية أخرى : (( إن بنى هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علىّ بن أبى طالب ، فلا إذن لهم ، ثم لا إذن لهم ، ثم لا إذن لهم ، إلا أن يحب ابن أبى طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم ، فإنما ابنتي بضعة منى ، يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها )) صدق صلى الله عليه وسلم . والآن نستعرض ما جاء بكتاب ( صحيح مسلم بشرح النووي) تفسيرا لهذا الحديث : ( قال العلماء : في هذا الحديث تحريم إيذاء النبي ( ) بكل حال وعلى أي وجه حتى وإن تولّد هذا الأذى عن أمر كان أصله مباحا وهو حي .. وقد أعلم ( ) بإباحة نكاح بنت أبى جهل لعلىّ بقوله () : (( لست أحرّم حلالا )) ولكنه نهى عن الجمع بينهما لعلتين منصوص عليهما ، إحداهما أن ذلك يؤدى إلى أذى فاطمة ، فيتأذى حينئذ النبي ( ) فيهلك من آذاه ، فنهى عن ذلك لكمال شفقته على علــىّ وفاطمة- بل وعلى المرأة الأخرى أيضا - .. والعلة الثانية خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة .. وقيل : ليس المراد بالحديث النهى عن الجمع بينهما ، بل إن معناه أن الرسول ( ) علم من فضل الله أنهما لن تجتمعا ( أي مجرد إخبار بالمستقبل ) .
وقال آخرون : ويحتمل أن المراد تحريم جمعهما ، فيكون من جملة محرّمات النكاح الجمع بين بنت نبي الله ( ) وبنت عدو الله أبى جهل ، ويكون معنى (( لست أحرّم حلالا )) أي لا أقول شيئا يخالف حكم الله ، فإذا أحلّ شيئا لم أحرّمه ، وإذا حرّمه لم أحلّه ولم أسكت عن تحريمه، لأن السكوت تحليل له ) . انتهى ما قاله العلماء شرحا للحديث الشريف (11) .
وإذا كان لنا أن نضيف شيئا فإننا نرجّح أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يشترط على أزواج بناته عدم الزواج عليهن ، بدليل قوله عن أبى العاص:"وعدني فأوفى لي" .
فإذا اشترطت المرأة أو وليّها في عقد الزواج ألا يتزوّج عليها ، فإن على الزوج احترام الشرط وعدم الاقتران بأخرى إلا برضا الزوجة الأولى وتنازلها عن الشرط .. ففي الحديث الشريف : (( إن أحق الشروط أن توفّوا ما استحللتم به الفروج )) رواه البخاري ومسلم .. ومعنى الحديث الواضح أن الشروط المدرجة في عقد الزواج هي أولى الشروط بالاحترام والالتزام بها .
وعلى ضوء هذا يتبيّن لنا أن مدحه عليه السلام لأبى العاص بن الربيع زوج ابنته زينب سببه هنا أنه التزم بما وعد به النبي من عدم الزواج عليها . ويؤيد هذا ما نلاحظه من أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يتزوّج على رقية بنت النبي حتى ماتت ، وتزوّج بعدها أختها أم كلثوم ولم يتزوّج عليها أيضا حتى ماتت بدورها . وذلك يقطع بأن بنات النبي لهن حكم استثنائي خاص لا ينطبق على غيرهن.
ثم أن الرسول ( ) قد أكد – بوضوح تام - أحد أسباب اعتراضه على زواج على بن أبى طالب من الأخرى ، وهو أنها ابنة عدو الله أبى جهل الطاغية الذي حارب الإسلام والمسلمين بكل شراسة ووحشية حتى الرمق الأخير من حياته الآثمة الشقية .. ومن الطبيعي ألا تتساوى ابنة عدو الله بابنة حبيب الله ورحمته للعالمين .
كما أنه لا يمكن قبول أن تكون ابنة خاتم المرسلين ( وهى قطعة منه ) في موضع تنافس دنيوي على قلب الزوج مع أخرى ، وما يترتب على ذلك من غيرة كل منهما من الأخرى ، والمشاحنات التي لا يكاد يخلو منها بيت .. فرسول الله ( ) وابنته أرفع وأسمى من ذلك الصراع الدنيوي الذي نشهده بين النساء في كل مجتمع وفى كل زمان ومكان للفوز بقلوب الأزواج .وكذلك يخشى أن يقع بين فاطمة وضرتها ما يحدث عادة من بعض المشاحنات النسائية ، فتسبّ فاطمة أبا الضرة فترد الأخرى بسبّ والد فاطمة– النبي عليه السلام - فتهلك، لأن من يسب النبي يكفر بالإجماع ، و من رحمة الله بمثل تلك الضرّة إذن أن يمنع إتمام تلك الزيجة ، والرجال - غير علىّ رضي الله عنه- كثيرون ، وسوف تجد بسهولة صحابيا جليلا آخر يتزوجها .
كما أن ابنة محمد ( ) هي قدوة نساء العالمين ، ولابد من حمايتها من منافسة أخرى لها ، حتى تتفرغ مع أبيها للدعوة النبيلة إلى السلام والإسلام ..


أيضا نقول : هناك أحكام استثنائية خاصة بالأنبياء والمرسلين ، وأولادهم وبناتهم قطع منهم ، ولا بد من مراعاة هذه الأحكام ، لأنها من صلب الإسلام والعقيدة .و مثال تلك الأحكام : اختصاصه عليه السلام بالزواج من أكثر من أربع ، وتحريم الزواج بنسائه بعد وفاته.
ونحن نرى أن السيدة فاطمة تعتبر أختا لكل المسلمين ، لأن أمها السيدة خديجة رضي الله عنها هي" أم المؤمنين"- طبقا لنص القرآن الكريم - و هو عليه الصلاة والسلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فهو بمنزلة الأب لكل مسلم ومسلمة ،وعلى هذا الأساس تعتبر ابنته فاطمة أختا لكل المسلمات، ولا يجوز الجمع بينها وبين أي أخت لها كزوجتين لعلى – كرم الله وجهه – أو غيره .

و لأن حالة السيدة فاطمة استثناء له حكم خاص- مثل حكم أمهات المؤمنين- فإنه لا يجوز القياس عليها ولا امتداد حكمها إلى حالات أخرى غير مذكورة بالنصوص .

وأخيرا فليس من المنطقي أبدا أن يقرّر الله تعالى حكما بنص قرآني – كإباحة التعدد – ثم يخالفه الرسول ( ) أو يهدره بنفسه في التطبيق العملي .. والقول بذلك هدم لصلب الدين وتشكيك إجرامي في أفعال النبي صلى الله عليه وعلى اّله وصحبه وسلم.

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :

الفصل الرابع
حديث الأرقام
يأبى الله جل وعلا إلا أن يظهر آيات قدرته ودلائل رحمته حينا بعد حين ..
وإذا كان على المؤمن أن يخضع لحكم ربه ولو لم يدرك علة الحكم ، فإن غير المسلمين يكتشفون في كل حين من أسرار التشريع الإلهي وحكمته ، ما يجعل المنصفين منهم ينحنون إجلالا للرب العظيم ..
والمثال الواضح هنا إباحة تعدد الزوجات ..
ففي أحدث الإحصاءات الرسمية لتعداد السكان بالولايات المتحدة الأمريكية تبين أن عدد الإناث يزيد على عدد الرجال بأكثر من عشرة ملايين امرأة .. وفى بريطانيا تقترب الزيادة من ستة ملايين امرأة . وفى ألمانيا كانت نسبة النساء إلى الرجال-بعد الحرب العالمية الثانية- هي 3 : 1 . وذات الأوضاع المضطربة في كل دول أوروبا الأخرى بلا استثناء.
وفى روسيا الآن أكثر من عشرين مليون امرأة زيادة على عدد الرجال ، مما دفع رئيس الحزب الشيوعي الروسي إلى المطالبة بتعديل القانون لإباحة تعدد الزوجات حلا لهذا الخلل الاجتماعي الخطير .
لاحظ أن هذا الرجل ملحد لا يؤمن بدين ، لكن عقله لم يجد حلا آخر سوى ما جاء به الإسلام !!
وفى جمهورية أنجوشيا إحدى جمهوريات ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي المنهار أصدر البرلمان هناك قانونا منذ بضع سنين للسماح بتعدد الزوجات بعد أن بلغ عدد النساء ثلاثة أضعاف عدد الرجال ، وفتّش القوم ويحثوا في كل الخيارات المطروحة فلم يجدوا أنسب ولا أحكم ولا أصلح من الحل الإسلامي .
و اضطر رئيس جمهورية الشيشان إلى إصدار قرار جمهوري بقانون- عام 2009 م- يسمح للرجال بالزواج من أكثر من واحدة لعلاج المشاكل الاجتماعية والأمنية والأخلاقية الخطيرة التي سببها المباشر أن عدد النساء الشيشانيات أضعاف عدد الرجال !! و كذلك لاحظنا أن المفكّرين في دول غربية أخرى تعانى من ذات المشكلة المزعجة – تزايد أعداد النساء - اضطروا إلى الإقرار بمبدأ تعدد الزوجات ، لأنه الحل الوحيد أمامهم لتفادى وقوع انفجار اجتماعي لا قبل لهم بمواجهته أو علاج آثاره المدمرة. ونضيف هنا ما حكاه الدكتور محمد يوسف موسى عما حدث في مؤتمر الشباب العالمي الذي عقد بمدينة ميونخ الألمانية .. فقد وجهت الدعوة إلى الدكتور محمد يوسف وزميل مصري له للمشاركة في حلقة نقاشية داخل المؤتمر كانت مخصصة لبحث مشكلة زيادة عدد النساء أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد الحرب العالمية الثانية .. وناقشت الحلقة كل الحلول المطروحة من المشاركين الغربيين ، وانتهت إلى رفضها جميعا ، لأنها قاصرة عن معالجة واحتواء المشكلة العويصة . وهنا تقدم الدكتور محمد موسى وزميله الأخر بالحل المنطقي الوحيد ، وهو ضرورة إباحة تعدد الزوجات ..
في البداية قوبل هذا الرأي بالدهشة و النفور .. ولكن الدراسة العميقة المحايدة انتهت بالباحثين في المؤتمر إلى إقرار الحل الإسلامي للمشكلة ، وكانت النتيجة اعتباره توصية من توصيات المؤتمر الدولي .. حدث هذا في ذات الوقت الذي يرفع فيه بعض المسلمين – بالاسم فقط – راية الحرب على تعدد الزوجات وشرعيته !!
وبعد ذلك بزمن وجيز تناقلت الصحف ووكالات الأنباء مطالبة سكان مدينة (( بون )) العاصمة الألمانية الغربية بإدراج نص في الدستور الألماني يسمح بتعدد الزوجات وهكذا يتبين الحق ولو كره العلمانيون !!

وفى أفغانستان تبلغ نسبة عدد الرجال إلى عدد النساء 1 إلى 3 ، وهى ذات النسبة في الفلبين وسنغافورة وماليزيا.
و فى هونج كونج ذكرت أحدث الإحصاءات-التي صدرت عام 2009م- أن هناك رجلان لكل خمس من النساء!! .
وفى العراق الآن أكثر من ثلاثة ملايين أرملة وخمسة ملايين من الأيتام بسبب الحروب الطاحنة المتواصلة في هذا البلد المنكوب!!ولعلاج هذه الكارثة الاجتماعية اضطرت الحكومة العراقية مؤخرا- عام2010م- إلى الإعلان عن تقديم مساعدات مالية مغرية لمن يتزوج ببعض الأرامل، وتتضاعف المنحة إذا تزوج الشخص من ثلاث أو أربع منهن. وذات الأوضاع المأساوية- الأعداد الهائلة من الأرامل والأيتام – قائمة في فلسطين وكشمير .وفى لبنان تبلغ نسبة عدد الرجال إلى عدد النساء واحد إلى ستة بسبب الحروب وهجرة معظم شباب البلد للعمل ثم الاستقرار بالخارج.
وفى إيران أيضا اختل التوازن العددي بين الرجال والنساء بصورة مفزعة بسبب الحرب الضارية التي استمرت مع العراق 8 سنوات .. فالنسبة تتراوح بين 1 إلى 5 في بعض المناطق ( رجل لكل خمسة نساء ) و 1 إلى 7 في مناطق أخرى .
والأمر شديد الخطورة ، بل هو بلاء مبين في جمهورية البوسنة والهرسك التي فرضت عليها حرب عنصرية قذرة طحنت البلاد أربع سنوات كاملة - من عام 1992 حتى عام 1996 - فالنسبة في معظم أنحاء البوسنة والهرسك هي رجل واحد لكل 27 امرأة !! والسبب أن الصرب- النصارى - كانوا يقتلون جميع الذكور في كل منطقة يحتلونها ويستبقون النساء المسلمات لاغتصابهن!!! ولنا أن نتخيّل حجم المأساة الاجتماعية التي يعيشها حاليا هذا البلد المسلم الذي فرضت عليه الشيوعية عشرات السنين ، ثم تحرّر من الشيوعية المجرمة ليقع بين أنياب صليبية أشد فتكا وإجراما .. فماذا تفعل الفتيات المسلمات اللائي لا يجدن أزواجا من المسلمين ؟! هل نتركهن ليتزوجن من شباب الصرب الأرثوذكس أو الكروات الكاثوليك ، لأن بعض المتنطعين و المتنطعات يرفضون تعدد الزوجات ؟!! أو أن هؤلاء يفضلون- ويفضلن- أن تتخذ الفتيات المسلمات عشاقا ( زناة ) من خلف الستار على النمط الغربي المنحل ؟!!


وقد نُشرت مؤخرًا أبحاث عملية متواترة في الغرب أجمعت على أن كروموسوم " "y الذي ينتج عنه إنجاب الذكور يتناقص بشكل حادٍّ مستمر جيلاً بعد الآخر. وهذا يتسبب - كما هو مُشاهد الآن – في تزايد أعداد المواليد من الإناث، وتناقص أعداد المواليد من البنين . وهو دليل جديد على عظمة تشريع الإسلام في إباحة التعدد للتغلب على المشكلة الخطيرة. وهو يثبت أيضًا صدق ونبوة خاتم المرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أخبرنا منذ 14 قرنًا بهذه الظاهرة في حديث صحيح عن علامات الساعة ,و ذكر منها أن تتناقص أعداد الرجال وتتزايد أعداد النساء ، حتى يكون : " للقيّم- للرجل -الواحد خمسون امرأة " . ونص الحديث موجود لمن أراد في صحيحي البخاري ومسلم ، و رواه أيضا الترمذي والنسائي وابن ماجه. وهو ما تؤكد كل الشواهد والحقائق العلمية والواقعية أننا في الطريق إليه بالفعل!!


وفى إحصائية بمصر (12) أكدت الأرقام أنه من بين كل عشر فتيات مصريات في سن الزواج - الذي تأخر من سن 22 إلى سن 35 سنة وما بعدها - تتزوج واحدة فقط !! والزوج يكون قد تخطى سن الخامسة والثلاثين وأشرف على الأربعين – غالبا - حيث ينتظر الخريج ما بين 10 إلى 12 سنة ليحصل على الوظيفة والشقة ثم يدخر المهر ثم يبدأ في البحث عن نصفه الآخر !!
وقالت الصحيفة : إن العلاقات المحرمة تتزايد ، وكذلك ظاهرة الزواج العرفي في ظل وجود ملايين من النساء بلا زواج .. وأكدت الباحثتان غادة محمد إبراهيم و داليا كمال عزام في دراستهما(13) تراجع حالات الزواج بين الشباب بنسبة 90 % بسبب الغلاء والبطالة وأزمة المساكن .
.
وفى تحقيق ساخن عن ( انفجار العوانس ) ذكرت السيدة تهاني البرتقالي مراسلة الأهرام في الكويت ما حدث منذ سنوات عندما انتشرت ظاهرة إرسال مئات الخطابات من فتيات إلى زوجات كويتيات،وتطالب كل فتاة في رسالتها المرأة المتزوجة بقبول مشاركة امرأة أخرى لها في زوجها لحل مشكلة العنوسة في المجتمع الكويتي والخليجي بصفة عامة .. ويقول التحقيق الذي نشرته مجلة "الأهرام العربي" في عددها الأول : إن عدد عوانس الكويت حوالي 40 ألف فتاة .وحسب مصادر أخرى يرتفع الرقم حاليا إلى أكثر من مائة ألف عانس
وهو عدد ضخم بالمقارنة بتعداد الشعب الكويتي ككل . وهناك مصادر أخرى تؤكد أن نسبة العوانس في الكويت تبلغ أكثر من 35 % من عدد النساء. و في السعودية وغيرها من البلدان العربية الأخرى ترتفع نسبة العوانس إلى أكثر من أربعين بالمائة والبقية تأتى !!
***
و يقول البعض أن أضرار تأخر سن الزواج تصيب الرجال أيضا وليس النساء فقط ، وهذا صحيح جزئيا ، لكنّهم يغفلون عن حقيقة هامة وخطيرة هي أن المرأة تفقد الفرصة في الإنجاب في سن الأربعين أو بعدها بقليل ، بينما يظل الرجل قادرا على الإنجاب طوال حياته ، وبالتالي تتسبب العنوسة في فقدان كثير من الفتيات من حق مشروع تهفو إليه كل أنثى وهو حقهن في الأمومة. وفى المقابل تبقى الفرصة سانحة لإخوتهن الذكور في الإنجاب مدى الحياة. والسماح للفتاة بالاقتران برجل متزوج - إن لم تجد شابا أعزب - يكفل لها إمكانية الإنجاب قبل فوات الأوان.
* ويقرر الطب أن حرمان المرأة من العواطف أشد خطورة من حرمانها الجنسي .. فمتعة الإشباع الجنسي بدون عواطف ليس لها أي تأثير لديها.. بينما الكلمة الرقيقة واللمسة الحانية تثيرها أكثر بكثير ، وتجعلها تنعم بالإشباع . هذا ما يؤكده الدكتور سعيد عبد العظيم – أستاذ الأمراض النفسية و العصبية بطب القاهرة – ويضيف أن الحرمان العاطفي عند المرأة هو الطريق السريع إلى الانحراف أو البرود الجنسي ، بالإضافة إلى العديد من الأمراض الجسدية والنفسية وغيرها (14)
الدكتور محمد هلال الرفاعى أخصائي أمراض النساء والتوليد يؤكد أن انعدام الزواج أو تأخيره يعرّض المرأة لأمراض الثدي و سرطان الرحم والأورام الليفية أكثر من المتزوجة.. وقد سأل كثيرا من المترددات على العيادة : هل تفضّلين عدم الزواج أم الاشتراك مع أخرى في زوج واحد ؟ وكانت إجابة أغلبهن هي قبول الزواج من رجل متزوج بأخرى على الوحدة الكئيبة ، و بعضهن فضّلت أن تكون زوجة ثالثة أو رابعة على البقاء في أسر العنوسة .
* وإذا كان هذا هو رأى العلم ، فإن المرأة الطبيبة تكون أقدر على وصف الحال بأصدق مقال .. تقول طبيبة في رسالة بعثت بها إلى الكاتب الكبير أحمد بهجت: ( قرأت إحصائية تقول أن هناك ما يقرب من عشرة ملايين سيدة وآنسة بمصر يعشن بمفردهن .. وهن إما مطلّقات ، أو فتيات لم يتزوجن مطلقا ، أو أرامل لم ينجبن أو أنجبن ثم كبر الأبناء وتزوّجوا أو هاجروا..وتضيف الطبيبة : هل يستطيع أحد أن يتخيل حجم المأساة التي يواجهها عالم النساء الوحيدات ؟ إن نساء هذا العالم لا يستطعن إقامة علاقات متوازنة مع الآخرين ، بل يعشن في حالة من التوتر والقلق والرغبة في الانزواء بعيدا عن مصادر العيون و الألسنة والاتهامات المسبقة بمحاولات خطف الأزواج من الصديقات أو القريبات أو الجارات .. وهذا كله يقود إلى مرض الاكتئاب ، ورفض الحياة ، وعدم القدرة على التكيّف مع نسيج المجتمع..وتدق الطبيبة ناقوس الخطر محذّرة مما يواجه هؤلاء النسوة من أمراض نفسية وعضوية مثل الصداع النصفي و ارتفاع ضغط الدم والتهابات المفاصل وقرحة المعدة و قرحة الإثنى عشر والقولون العصبي واضطرابات الدورة الشهرية وسقوط الشعر والانحراف الخلقي ،وتضطر الكثيرات منهن للارتباط برجل متزوج" انتهى (15).
* وأكدت كل الإحصائيات في أوروبا وأمريكا أن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارًا في العالم. ويعتنق الملايين من الناس الدين الإسلامي كل عام عن اقتناع تام بعد دراسات عميقة متأنية.
ومما ذكرته وسائل الإعلام الغربية أن أكثر من 80% من الذين يعتنقون الإسلام هم من النساء. ويعنى هذا بوضوح أنه مقابل كل رجل يعتنق الإسلام هناك أربع من النساء المسلمات الجدد.
ومن المعلوم من الإسلام بالضرورة أنه لا يجوز للمسلمة أن تتزوّج بشخص غير مسلم. فإذا كانت المسلمة الجديدة لا تستطيع الهجرة أو الانتقال للحياة في بلد إسلامي , فإنها تكون أمام عدة خيارات أحلاها مرير شديدة المرارة. فإما أن تظل وحيدة وتدفن شبابها وأحاسيسها , وتعانى كل أنواع الأمراض النفسية والعصبية والبدنية الناجمة عن العنوسة والكَبْت والحرمان طوال حياتها , أو أن تقع في الحرام بمعاشرة جنسية خارج إطار الزواج ، وهو ما يحظره الإسلام تمامًا, أو أن تسقط فريسة للشذوذ وهو محظور كذلك.
وهكذا فإنه لا يوجد حل نظيف طاهر أمام ملايين من المسلمات الجدد في الغرب أفضل من قبول تعدد الزوجات مع العدل وكفالة كل الحقوق المتساوية لهن ولأطفالهن. والله وحده أعلم بما يُصْلِح حال خلقه أجمعين. ولقد أنعم الله على الكثيرات من المسلمات في الغرب بفهم وإدراك أهمية التعدد الإسلامي ونُبْل مقاصده وضرورته المتزايدة , وهناك حالات كثيرة قبلت فيها مسلمات جدد الاقتران بمسلم متزوّج بالفعل, بعد أن تأكّدن من أنَ هذا هو أفضل وأكرم الحلول لهن . والطريف أن كثيرا من النساء الأمريكيات اللاتي أسلمن قمن- مؤخرا- بتأسيس جمعية تدعو إلى تطبيق ونشر ثقافة تعدد الزوجات في أمريكا ، وبلغ عدد عضوات الجمعية حتى الآن -2010 م- أكثر من 900 امرأة !!
وكذلك وعت بعض النساء الصالحات العاقلات في وطننا العربي المصالح العظمى التي يحققها نظام التعدد الشرعي للملايين من بنات جنسهن الوحيدات في كل مكان ، فقمن بتبني الدعوة إلى تطبيق تعدد الزوجات على نطاق واسع.
ومثال ذلك جمعية أسستها في مصر الإعلامية المصرية السيدة هيام دربك - وهى متزوّجة - واختارت لها شعارًا طريفًا يقول:"امرأة واحدة لا تكفى!".لاحظ أن الجمعية أسستها امرأة ، وأن معظم أعضائها من النساء!! وأكَّدت السيدة هيام ضرورة تطبيق نظام تعدد الزوجات كما جاء به الإسلام للقضاء على مشكلة العنوسة في المجتمعات العربية التي تهدد عشرات الملايين من الفتيات بفقدان الفرصة في تكوين أسرة والحرمان من الأمومة إلى الأبد.(16)
وتأسست في الأردن جمعية نسائية مماثلة تناشد الرجال تطبيق تعدد الزوجات رحمة بملايين العوانس والأرامل والمُطَلَّقات.
وعلى ضوء ما تقدم نقول لخصوم التعدد: دونكم شاهدات من النساء على عظمة الإسلام في تشريع التعدد رحمة بهن وحلاًّ لمشاكلهن ، ومَن لا يعجبه ما نقول فليتوجّه إليهن وليجادلهن ما شاء ، وأظن أنه لن يكسب المعركة بأي حال !!.

لقد أنقذ الأخذ بنظام تعدد الزوجات المجتمعات الإسلامية من شرور ومصائب لا حصر لها .. وتكفى مقارنة بسيطة بين المجتمع السعودي مثلا – الذي تندر فيه الجرائم الخلقية مثل الاغتصاب والدعارة – وبين المجتمع الأمريكي الذي تزيد نسبة العشيقات فيه على نسبة الزوجات ، وتبلغ معدلات جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي هناك أرقاما فلكية هي - باعتراف المصادر الغربية - أضعاف مثيلاتها في البلاد الإسلامية!!
والحمد لله على نعمة الإسلام ، وكفى بها نعمة .

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :

الفصل الخامس
ضوابط التعدد
قال الله تعالى ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ )). (18)
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية التي نصت على إباحة تعدد الزوجات: أي أنه إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف ألا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير ولم يضيق الله عليه . (19)
وروى البخاري – بإسناده – أن عروة بن الزبير سأل خالته السيدة عائشة – رضي الله عنها – عن هذه الآية فقالت : (( يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليّها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها فيريد وليّها أن يتزوجها بغير أن يقسط ( يعدل ) في صداقها ( مهرها ) فلا يعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهى الأولياء عن نكاح من عندهم من اليتامى إلا أن يقسطوا إليهن ، ويبلغوا بهن أعلى سنّتهن في الصداق ( أي يعطوهن مهر مثيلاتهن ) وأمروا - في حالة خشية عدم العدل - أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء غيرهن..وروى أبو جعفر محمد بن جرير في تفسيره عن ربيعة في معنى الآية : قال تعالى عن اليتامى : اتركوهن فقد أحللت لكم أربعا .. وقال أبو جعفر أيضا نقلا عن آخرين : انكحوا غيرهن من الغرائب اللواتي أحلّهن الله لكم وطيّبهن من واحدة إلى أربع ، فإن خفتم أن تظلموا إذا تزوجتم من الغرائب أكثر من واحدة ، فتزوجوا منهن واحدة فقط ، أو ما ملكت أيمانكم .. وقال آخرون : بل معنى ذلك النهى عن نكاح ما فوق الأربع حرصا على أموال اليتامى أن يتلفها الأولياء ، وذلك أن قريشا – في الجاهلية – كان الواحد منهم يتزوج العشرة من النساء أو أكثر أو أقل ، فإذا أنفق ماله كله على زوجاته العشر و صار معدما تحول إلى مال اليتامى فأنفقه على نسائه أو تزوج به أخريات فنهاهم الله تعالى عن ذلك . (20) .وقال الإمام النسفى في تفسيره :
( قيل : كانوا – في الجاهلية – لا يتحرّجون من الزنا ، ويتحرّجون من ولاية اليتامى ، فقيل لهم إن خفتم ظلم اليتامى فخافوا كذلك من الزنا فتزوّجوا ما حلّ لكم من النساء ، ولا تحوموا حول المحرمات .. أو أنهم كانوا يتحرّجون من الولاية في أموال اليتامى ، ولا يتحرّجون من الاستكثار من النساء مع أن الظلم يقع بينهن إذا كثرن عن أربع ، فكأنما يقال لهم : إذا تحرّجتم من ظلم اليتامى فتحرّجوا أيضا من ظلم النساء الكثيرات ، فإن خفتم من عدم العدل بين الزوجات فالزموا واحدة أو الإماء ( الجواري ) بلا حصر حتى لا تظلموا أحدا (21)
و معنى ( خفتم ) هو : إذا غلب على الظن عدم القسط ( عدم العدل ) في اليتيمة فاعدلوا عنها ( اتركوها إلى غيرها ) .. وليس القيد هنا لازما ، بمعنى أنه حتى في حالة من لم يخف الظلم في اليتامى فله أن يتزوج أكثر من واحدة ( اثنتين أو ثلاثا أو أربعا ) مثل من يخاف الظلم تماما (22) فإباحة التعدد حكم عام لكل المسلمين بضوابطه .
ومعنى قوله تعالى : ( ذلك أدنى ألا تعولوا ) أي أقرب إلى ألا تظلموا ، وليس كما ذهب إليه البعض : ( أدنى ألا تكثر عيالكم ) فقد نقل الطبري عن ابن عباس ومجاهد وابن عمير أن العول هو الجور ( الظلم ) والميل ، و ليس المعنى كما قال آخر: ذلك أدنى ألا تفتقروا ، فانه لا يستقيم بذلك ، وإنما الصحيح هو ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن الهدف هو ألا تظلموا وألا تميلوا عن الحق .
عدم الزيادة على أربع
يستفاد من نص الآية الكريمة وأقوال المفسّرين – رضي الله عنهم – أن الله تعالى أحل للمسلم من زوجة واحدة إلى أربع . ولا تجوز الزيادة على أربع زوجات في وقت واحد ، فإذا خاف الزوج أن يظلم إذا تزوج أكثر من واحدة فإن عليه أن يكتفي بزوجة واحدة فقط . وإذا خاف ألا يعدل إن تزوج ثلاثة فعليه الاكتفاء باثنتين، وكذلك إذا خاف زوج الثلاث الظلم إن تزوّج بالرابعة فعليه الاقتصار على الثلاث فقط .
والشريعة الغراء تحظر حتى الزواج بواحدة فقط إذا خاف الزوج أن يظلمها.. فالإسلام العظيم حريص على العدل في كل الظروف و الأحوال .
وهناك إجماع بين العلماء على عدم جواز الجمع بين أكثر من أربع زوجات (23) وإذا كان الرسول ( ) قد جمع بين 11 أو 13 من الزوجات ، فهذا حكم خاص به عليه السلام ، ولا يجوز القياس عليه أو تعميمه .
وسوف نورد - فيما بعد - أسباب اقترانه عليه السلام بكل زوجة وظروف كل زيجة لإزالة اللبس وسوء الفهم والرد على أكاذيب المستشرقين واليهود بهذا الصدد ..
قال الإمام الشافعي – رضي الله عنه – في مسنده : ( وقد دلت سنّة النبي ( ) المبيّنة عن الله تعالى أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله ( ) أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة ) .. وذهب بعض الشيعة إلى جواز
الجمع بين تسع نسوة لكل مسلم ( مثنى + ثلاث + رباع فيكون المجموع تسعا ) !!
وفى رأى أخر شاذ : يجوز الجمع بين 18 زوجة ( على أساس أن مثنى تفيد 2+2 وثلاث تفيد 3+3 ، ورباع تفيد 4+4 فيكون المجموع 18 زوجة ) !!!
ولكن نصوص السنّة القاطعة وعمل الصحابة والتابعين ، تفيد اقتصار المسلم على أربع فقط ، كما أجمع علماء أهل السنّة من السلف والخلف على أنه لا يجوز لغير النبي ( ) الزيادة على أربع زوجات .ونشير هنا إلى الأحاديث التي سبق أن أوردناها في الفصل الأول من هذا الكتاب ، ومنها حديث الإمام البخاري رضي الله عنه (رواه مالك والنسائي والدارقطنى أيضا ) أن غيلان الثقفي قد أسلم وله عشر زوجات فقال له النبي ( ) : (( اختر منهن أربعا وفارق سائرهن )) .
وكذلك حديث أبى داود أن حارث بن قيس الأسدى قال : أسلمت وعندي ثمان نسوة ، فذكرت ذلك للنبي ( ) فقال : (( اختر منهن أربعا )) .(24)
وقال ابن كثير: انكحوا من شئتم من النساء إن شاء أحدكم اثنتين وإن شاء ثلاثا وإن شاء أربعا ، كما قال تعالى : ) ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( .(25) أي منهم من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة أجنحة ، ومنهم من له أربعة أجنحة .. والمقام هنا كما يقول ابن عباس – رضي الله عنه – وجمهور العلماء هو مقام امتنان وإباحة ، فلو كان يجوز للرجال الجمع بين أكثر من أربع زوجات لذكره الله سبحانه و تعالى . (26)
ورد الإمام القرطبى على من زعم إباحة أكثر من أربع قائلا : ( قال هذا من بعد فهمه للكتاب والسنّة ، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمّة ، وزعم أن " الواو " في الآية جامعة ، والذي صار إلى هذه الجهالة وقال هذه المقالة هم الرافضة وبعض أهل الظاهر . وذهب البعض إلى أقبح منها فقالوا بإباحة الجمع بين ثماني عشر زوجة ، وهذا كله جهل باللسان ( اللغة ) والسنّة ، ومخالفة لإجماع الأمة ، إذ لم يسمع عن أحد من الصحابة أو التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع) .
وبعد أن أورد الأحاديث التي أمر فيها الرسول ( ) الصحابة المشار إليهم بإمساك أربع وتطليق ما زاد عليهن ، أكد القرطبى أن ما أبيح للرسول ( ) من الجمع بين تسع زوجات أو أكثر هو من خصوصياته ( ) ثم قال القرطبى : (الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات ، والعرب لا تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين ثلاثة أربعا ، وكذلك تستقبح من يقول : أعط فلانا أربعة ستة ثمانية ولا يقول ثمانية عشر . وإنما الواو في الآية الكريمة ( مثنى وثلاث ورباع ) ، هي للبدل، أي أنكحوا ثلاثا بدلا من مثنى ، ورباعا بدلا من ثلاث ) .. فإذا تزوج بخامسة يبطل العقد ، ويقام عليه الحد على اختلاف بين العلماء في ذلك . وقيل: ولماذا لم يستخدم الله تعالى لفظ ( أو ) في الآية ؟ ورد عليه القرطبى بأن ( أو لو استخدمت لجاز أن يمنع زوج الاثنين من اتخاذ ثالثة وزوج الثلاث من اتخاذ رابعة ، بينما هذا مباح له ). (27)

القدرة على أعباء التعدد
أشرنا من قبل إلى أن القدرة شرط لاستخدام رخصة تعدد الزوجات . وذلك لأن زواج الثانية أو الثالثة أو الرابعة هو مثل زواج الأولى ، فيشترط فيه الاستطاعة المالية والصحية والنفسية .. فإذا انتفى شرط القدرة أو الاستطاعة فلا يجوز التعدد .وذلك بديهي ، لأن من لا يستطيع الإنفاق على بيتين يجب عليه الاقتصار على واحدة . وزوج الاثنتين عليه الاقتصار علبهما إذا لم يكن في استطاعته أن يعول زوجة ثالثة أو رابعة وهكذا ..
والإنفاق الذي نقصده إنما يمتد أيضا إلى أولاده من الزوجة أو الزوجات . والاستطاعة الصحية – في رأينا – هي القدرة على ممارسة الجماع مع الزوجات ، لأن واجب الزوج أن يلبّى الرغبات الطبيعية للزوجة أو الزوجات حتى يساعدهن على التزام العفّة والطهارة .. فإذا كان الزوج عاجزا جنسيا مثلا فإنه لا يمكن السماح له بإمساك ولو زوجة واحدة ، لأن في ذلك ظلما فادحا لها ..
ونرى كذلك أن الرجل الذي تؤهله قدرته الجنسية للزواج بواحدة فقط يحظر عليه الاقتران بغيرها حتى لا يظلمها ، ويفوّت عليها مصلحتها من الزواج ، والأمر في ذلك يتوقف على ظروف كل حالة على حدة ، ويعتمد أولا على ضمير الزوج وصدقه مع النفس ، وورعه في دينه سوف يمنعه من ظلم زوجته أو زوجاته .
فإذا أصر الرجل على إمساك زوجة أو زوجات لا يقدر على إمتاعهن بالجماع بالقدر المعقول ، فإن لها أو لهن الحق في اللجوء إلى القضاء لطلب التطليق للضرر وخشية الفتنة .. وللقاضي هنا سلطة واسعة في تقدير مدى الضرر حسب كل حالة على حدة ..
أما القدرة النفسية فنعنى بها القدرة على تطبيق معايير العدالة بين الزوجات في كل شئ ممكن ، بغير محاباة لإحداهن أو لأولاده منها ، على حساب زوجته أو زوجاته الأخريات وأولادهن منه ، و ألا تغلبه إحداهن على أمره فيظلم ضرائرها..فإذا تخلف أحد مقومات الاستطاعة أو المقدرة الثلاثة المذكورة لا يجوز للرجل تطبيق تعدد الزوجات..
العدل بين الزوجات
يقول الله تبارك وتعالى : ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ..) (28)
ويقول عزّ من قائل: ) وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ((29) فكيف يمكن التوفيق بين النصّين ؟ وما هي العدالة المطلوبة ؟
يقول الإمام القرطبى : (( أخبر الله تعالى بعدم استطاعة تحقيق العدل بين النساء في ميل الطبع في المحبة والجماع والحظ من القلب ، فوصف الله تعالى حالة البشر وأنهم بحكم الخلقة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض دون بعض .
ولهذا كان ( ) يقسم بين زوجاته ( في النفقات ) ، فيعدل ثم يقول : ( اللهم إن هذه قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) .. ثم نهى الله تعالى عن المبالغة في الميل فقال : ( فلا تميلوا كل الميل ) أي لا تتعمدوا الإساءة ، كما قال مجاهد : الزموا التسوية في القسم والنفقة لأن هذا مما يستطاع )) .(30)
وروى قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبى هريرة قال : قال رسول الله ( ) : ( من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) (31) . والمقصود هنا الذي لا يعدل في النفقة والمبيت وليس في الحب وهوى القلب ، فلا أحد يملك القلوب سوى رب القلوب ). وقال ابن عباس وابن جرير والحسن البصري :
( كالمعلّقة ) أي تتركونها لا هي مطلّقة ( فتبتغى زوجا آخر ) ولا هي ذات زوج ( يرعاها ويقوم على شئونها ويعطيها حقوقها ) ، وقال قتادة ( كالمعلّقة ) أي كالمسجونة .. وكان أبى بن كعب – رضي الله عنه – يقرأ الآية هكذا : ( فتذروها كالمسجونة )
وقرأ ابن مسعود – رضي الله عنه – ( فتذروها كأنها معلّقة ) وهى قراءات لتوضيح المعنى فحسب ، وليست تغييرا في نصوص المصحف الشريف أو ألفاظه – حاشا لله ..
يقول الشيخ السيد سابق : (العدل المطلوب هو العدل الظاهر المقدور عليه ، وليس العدل في المحبة و المودة و الجماع ) .
قال محمد بن سيرين – رضي الله عنه – : سألت عبيدة عن هذه الآية فقال : العدل المنفى في الحب والجماع . وقال أبو بكر بن العربي عن الحب :" ذلك لا يملكه أحد، إذ قلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن يصرّفه كيف يشاء ، وكذلك الجماع فقد ينشط للواحدة ما لا ينشط للأخرى .. فإن لم يكن ذلك بقصد منه فلا حرج عليه فيه ، فإنه لا يستطيعه فلا يتعلق به تكليف" .وقال الإمام الخطابي : ( يجب القسم بين الحرائر الضرائر ، وإنما المكروه في الميل هو ميل العشرة الذي يترتب عليه بخس الحقوق - المادية - دون ميل القلوب ).
ويقول المرحوم سيد قطب :"المطلوب هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة .. أما العدل في مشاعر القلوب وأحاسيس النفوس فلا يطالب به أحد من بنى الإنسان ، لأنه خارج عن إرادة الإنسان ، وهو العدل الذي قال الله عنه: ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء . ) هذه الآية التي يحاول بعض الناس أن يتخذ منها دليلا على تحريم التعدد ، والأمر ليس كذلك .. وشريعة الله ليست هازلة حتى تشرّع الأمر في آية وتحرمه في آية أخرى ..
ولأن الشريعة لا تعطى باليمين وتسلب بالشمال ،فالعدل المطلوب في الآية هو العدل في النفقة والمعاملة و المعاشرة و المباشرة ، ويدونه يتعيّن عدم التعدد ، فهو يشمل سائر الأوضاع الظاهرة بحيث لا يحرم زوجة منهن شيئا منها ، وبحيث لا تؤثر إحدى الزوجات على الأخريات بشئ من نفقة أو معاشرة أو مباشرة ، وذلك على النحو الذي كان الرسول ( ) – وهو أرفع إنسان عرفته البشرية – يفعله ويقوم به ، في الوقت الذي كان الجميع فيه لا يجهلون أنه عليه السلام كان يحب عائشة، لكن هذا لم يجعله يفضّلها على غيرها في القسم أو النفقة "انتهى (33)
. والخلاصة أن الميل القلبي أو الحب لزوجة أكثر من غيرها – فيما
نرى – يجب أن يظل في مكانه داخل الصدر ، ولا يترجم إلى تصرفات أو من أفعال من شأنها أن تجرح أحاسيس باقي الزوجات أو تضر بمصالحهن ومصالح أولادهن لحساب الزوجة المحظية وأولادها ..
ونحن أولا وأخيرا بشر ولسنا ملائكة ، ولهذا يجب أن يقنع الجميع بالعدالة فيما يستطاع ، فالعدل المطلق لا مكان له إلا في الآخرة عند الله تعالى الذي لا يظلم عنده أحد .. ولا سبيل إلى إجبار أحد من البشر على العدل في المشاعر والأحاسيس ..
والله تعالى بعدله ورحمته سوف يجزى تلك التي لا تحظى بقدر كبير من الحب أو الجاذبية أو محبة رجلها ، وسوف يعوّضها - إن صبرت واتقت - كل الخير في الدنيا والآخرة .. ولعل هذا الوضع يكون اختبارا لها وابتلاء من الله تؤجر عليه إن صبرت وامتثلت لأمر الله ، ونذكّر هنا مثل هذه الزوجة بأن بقاءها مع رجلها وتمتعها بقدر منقوص من حبه - مع كل حقوقها الأخرى وحقوق أولادها - خير لها ألف مرة من الطلاق البغيض والحرمان التام من كل ذلك ..
فالدنيا ليست دار بقاء و كل متاعها ناقص و زائل عاجلا أم آجلا ، والنعيم المقيم والسعادة التامة مكانها الجنّة وليست الأرض .
ثم إن الإنسان لا يستطيع تحقيق العدل المطلق بين أولاده فلذات كبده ، فكيف بالزوجات؟!
وأخيرا فإنه لو كانت الآية 129 من سورة النساء تحظر التعدد -لأنها قطعت بأن العدل مستحيل كما زعموا - لكان واجبا أن يطلّق الرسول عليه السلام وأصحابه زوجاتهم فور نزول الآية، وهذا لم يحدث. .فهل يظن هؤلاء الخصوم أنهم يفهمون الآية أكثر ممن أنزلها الله عليه؟!!!
و الخلاصة أن التعدد مسموح به ومباح إلى قيام الساعة .. خاصة وأن من علامات اقتراب قيام الساعة أن (( تبقى النساء ويذهب الرجال حتى يكون لخمسين امرأة قيم - رجل - واحد )) حديث شريف (34
القسم بين الزوجات
القسم – بفتح القاف وسكون السين – لغة هو : توزيع الأنصاب على عدد من الناس .. أما القسم – بكسر القاف – فهو النصيب ذاته والجمع أقسام .
وأما في اصطلاح الفقهاء فمعناه العدل بين الزوجات في المبيت والنفقة وغيرها (35) والعدل أو القسم واجب على الزوج في الطعام والسكن والكسوة والمبيت عند كل واحدة مثل الأخرى ، وسائر الأمور المادية بلا تفرقة بين غنيّة وفقيرة أو عظيمة وحقيرة ، فإذا خاف عدم العدل وعدم الوفاء بحقوقهن جميعا فإنه يحرم عليه الجمع بينهن . (36)
والعبرة في النفقة – طبقا للراجح من مذهب الأحناف – هي بحال الزوج يسرا أو عسرا بغض النظر عن حال الزوجات . وعلى ذلك تجب التسوية بينهن في النفقة وتشمل المأكل والمشرب والملبس والمسكن ..
لأن عدم المساواة من شأنه أن يتسبب في الخلافات و الأحقاد والعداوات بين الزوجات، ثم بين أولادهن ، وهم أولاد رجل واحد .
ولذلك نشدّد على ضرورة العدل التام في النفقات وسائر الأمور المادية . كما يجب – في رأينا – أن يجتهد الزوج في إخفاء مشاعره – محبته- لإحدى زوجاته عن الأخريات ، فالفطنة والكياسة والحكمة مطلوبة من الزوج حماية لكيان الأسرة ومنعا للخلافات ..
و قد وضع الفقهاء شروطا للقسم أولها :العقل ، إذ لا يجب القسم على المجنون ، أما الزوجة المجنونة فيجب القسم لها إذا كانت هادئة قائمة بمنزل زوجها بحيث يمكنه مباشرتها ، وإلا فلا قسم لها .
والشرط الثاني للقسم أن يكون الزوج بالغا ، أما الزوجة فلا يشترط فيها البلوغ ، بل يكفى أن تكون مطيقة للوطء ، فإذا لم يكن الزوج بالغا وظلم بعض زوجاته ، فإن الإثم يقع على وليّه ، لأنه هو الذي زوّجه ، وهو الذي يتحمّل مسئولية ذلك ، فعليه أن يدور به على نسائه ليعدل بينهن .(37)
والشرط الثالث للقسم : ألا تكون المرأة ناشزا .. فإن كانت عاصية خارجة على طاعة زوجها فلا حق لها في القسم ولا النفقة.. ولا يسقط القسم وجود مانع يمنع الوطء ، سواء كان هذا المانع بالزوجة مثل الحيض أو النفاس أو المرض ، أو كان المانع بالزوج مثل المرض أو الضعف الجنسي ، لأن الوطء ليس لازما للقسم . فالمبيت الغرض منه الأنس وليس الجماع بالضرورة .. فإذا كان الزوج مريضا مرضا لا يستطيع معه الانتقال فيجوز له أن يقيم عند من يستريح إلى خدمتها وتمريضها بإذن الأخريات .. وذلك مأخوذ من فعل الرسول ( ) عندما داهمه مرض الموت فأذنت له زوجاته – رضي الله عنهن – بأن يقيم في منزل السيدة عائشة – رضي الله عنها – لما يعلمن من حبه لها وارتياحه لتمريضها له وخدمتها إياه ..
ولا يجوز مطلقا ترك إحدى الزوجات بغير جماع عمدا بحجة عدم الحب لها ، لأن هذا يؤدى إلى تعريضها للفتنة و الفساد .. فإذا لم يجامعها بالقدر الكافي لعفتها وإحصانها فلا مفر من الطلاق ، ولعل الله أن يبدلها زوجا خيرا منه ، ويبدله زوجة خيرا له منها . وهناك الرأي الراجح الذي ذكرناه من قبل وذهب إلى ضرورة أن يجامع الرجل كل زوجة بالقدر المعقول الذي يكفى لعفافها وصرفها عن التعلق بغيره .. ويرى بعض الأحناف أنه يجب الحكم للزوجة قضاء بالوطء من وقت لأخر ، بما يراه القاضي كافيا لعفافها وإحصانها .. و رأى أخر وجيه أيضا يحدد حق كل زوجة في المبيت عندها بليلة كل أربع ليال على اعتبار أنه يحق له الزواج من أربع .. وهو ذات الحق بالنسبة للمتزوج بواحدة الذي تشغله العبادة أو العمل ، فعليه أن يبيت عند زوجته ليلة واحدة كل أربع ليال ، وله أن يتعبد الليال الثلاث الباقيات ..
ويرى المالكية أنه يحرم على الزوج الامتناع عمدا عن جماع إحدى الزوجات في نوبتها ليوفر قوته وحيويته لجماع أخرى أجمل منها يتلذذ بها أكثر .. فإذا كان عند صاحبة النوبة ووجد في نفسه الميل والقدرة على الجماع ثم امتنع عامدا ليوفر قوته للأجمل فانه يأثم بذلك ، لأنه إضرار متعمد منه بصاحبة النوبة ، حتى ولو لم تتضرر بالفعل ولم تبادر بالشكوى ..
وللزوج أن يقسم بين زوجاته حسب حاله .. فإن كان يعمل بالنهار قسم بينهن بالليل ، ولو كان عمله الذي يكسب قوته منه ليلا ( مثل الحارس وغيره ) ، قسم بينهن بالنهار .. أي لكل واحدة ليلة أو يوم مثلا ، أو لكل واحدة يومان أو ليلتان .. ويجوز أن يقسم بينهن : لكل واحدة أسبوع أو أكثر بالتراضي بينهن ، على تفصيل واختلاف في الآراء بين المذاهب .(38)
ويحرم على الزوج أن يجامع غير صاحبة النوبة ، ولا أن يقبّل ضرتها .. ويجوز له الدخول على زوجاته من غير صاحبة اليوم أو الليلة للضرورة أو لقضاء حاجة أو إذا احتاجت منه شيئا من المصروفات أو لرعاية الأولاد وغير ذلك من المصالح الضرورية .
ويرى الحنابلة أن القسم يجب أن يكون ليلة و ليلة ، بحيث لا تزيد المدة عن ذلك إلا بالتراضي .. وله أن يخرج في ليلة كل واحدة منهن لقضاء ما جرت عليه العادة من صلوات وأداء حقوق وواجبات وغيرها .. وليس له أن يتعمد الخروج الكثير في ليلة إحداهن دون الأخرى ، لأن ذلك ظلم وإجحاف بها ( إلا إذا رضيت ) .ويضيف الحنابلة حكما طريفا آخر هو : أنه لا يجوز للزوج الدخول على زوجة أخرى غير صاحبة النوبة ليلا إلا في النوازل الشديدة ، مثل مرض الموت إذا كانت تريد أن توصى إليه وغير ذلك من الأمور الخطيرة فحسب .. أما في النهار فيجوز له الدخول على غير صاحبة النوبة لقضاء حاجة بشرط ألا يطيل البقاء عندها ، فإن أطال البقاء عندها يقضى اليوم لضرتها ، وإذا جامع غير صاحبة النوبة فإنه يلتزم بقضاء الجماع لصاحبة النوبة ( أي يجامعها مرة بدلا وعوضا عن جماعه لغيرها ) خلافا لرأى الشافعية .وبالنسبة للزوجة الجديدة نحن نرجح رأى الأحناف الذي لا يعطى لأية زوجة قديمة أو جديدة استثناء في المبيت ، وكذلك لا فرق بين البكر والثيب ( من سبق لها الزواج ). ولو تزوج بكرا جديدة أو ثيّبا جديدة يبدأ المبيت عندها : سبع ليال للبكر وثلاث ليال إذا كانت الجديدة ثيّبا ، ثم يعوض نساءه الباقيات عن هذه المدة ، فذلك هو ما يقتضيه مبدأ العدل بين الزوجات .. وسنة الرسول ( ) تدل على التسوية في القسم ، ولكن يكون البدء بالدور للجديدة ، فهذا جائز ، ثم يعطى الأخريات من الأيام والليالي مثل ما أمضى عند الجديدة ..ويجوز للزوجة أن تتنازل لضرتها عن نصيبها بمقابل أو بغير مقابل .. وإذا تنازلت لها ثم رجعت يجوز هذا الرجوع . (39) وقد تنازلت أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها – عندما كبرت في السن - عن ليلتها للسيدة عائشة – رضي الله عنها – لما تعلمه من حب النبي ( ) لها .. وهكذا ضربت السيدة سودة أروع الأمثلة في الإيثار ، واكتفت بأن تحشر يوم القيامة ضمن أزواج المصطفى ( ) وكفى بها نعمة .(40)
وفى حالة سفر الزوج هناك تفرقة بين الانتقال من بلد إلى بلد آخر للاستقرار فيه ( مثل من يسافر من الريف للاستقرار بالقاهرة أو الإسكندرية ، أو يهاجر نهائيا من دولة إلى أخرى ) ، وبين السفر العارض المؤقت الذي يرجع بعده إلى بلده الذي به زوجاته .
فإذا كان الزوج مسافرا إلى البلد الآخر ليستقر به نهائيا فيجب عليه اصطحاب كل الزوجات معه إن تيسر ذلك ، أو إجراء قرعة بينهن ليأخذ الفائزة في القرعة معه بعض الوقت ثم يعيدها وتسافر إليه أخرى ، وهكذا
فإن تعذر عليه هذا الحل أيضا لا مفر من تطليق من لا يريدها وإمساك من يريد اصطحابها معه إلى حيث يستقر نهائيا. فهذه الحالة ليست سفرا بالمعنى الدقيق ، وإنما هي هجرة في حقيقة الأمر ، فلا يجوز هنا هجر بعض الزوجات واصطحاب البعض الأخر إلا برضا الجميع ، وهو ما يكاد يكون مستحيلا في هذه الحالة ، لأن الزوجة المرغوب عنها سوف تفقد رجلها نهائيا برحيله إلى البلد الآخر . أما إذا كان السفر مؤقتا لغرض التجارة أو الحج أو الغزو أو العلاج أو السياحة وغيرها ، فالرأي الذي نرجّحه هو أنه يجب على الزوج إجراء قرعة بين الزوجات لتحديد من تسافر معه، فهذا ما كان الرسول عليه السلام يفعله إن أراد السفر .. ومدة السفر المؤقت هنا تسقط من الحساب ، بمعنى أنها تعتبر من نصيب الفائزة في القرعة وحدها ولا تعويض للأخريات عنها عند العودة من السفر .. وإذا سافرت الزوجة وحدها فلا تعويض لها عما فاتها في غيابها .. أما إذا سافرت كل الزوجات مع رجلهن فإن عليه القسم بينهن كما كان يفعل في بلده الأول ..
وأخيرا : هل يجوز للزوج أن يجمع بين زوجاته في مكان واحد ؟
يرى الفقهاء أنه إذا كان المنزل يحتوى على عدة شقق أو أدوار لكل منها باب خاص بها ولها منافع تامة مستقلة عن بقية الشقق ( دورة مياه و مطبخ ومنشر لتجفيف الملابس المغسولة ) فإنه يجوز للزوج أن يجمع بين زوجاته في هذا المنزل ولو بدون رضا كل منهن ، طالما أن كل واحدة سوف تسكن في شقة منفصلة ومستقلة عن الأخريات .
أما إذا كان المسكن له باب واحد ودورة مياه واحدة ومطبخ واحد ، وبه عدة حجرات أو حجرة واحدة فلا يجوز للرجل أن يجمع كل زوجاته في مثل هذا المنزل إلا برضائهن جميعا (41). وكذلك لو كانوا جميعا على سفر وأقاموا في غرفة أو خيمة واحدة ( مثل السفر للحج مثلا ) فيجوز في هذه الحالة برضاهن ،أو بدون رضاهن في حالة الضرورة ( مثل حالة تكدس الخيام في منى وعرفات ) . وأفتى المالكية بأن مجامعة الرجل زوجته أمام الأخرى أو الأخريات حرام وليس فقط مكروها ، والحرمة تشمل كل الحالات سواء كانت الزوجة محل الجماع مكشوفة العورة للأخريات أم لا... ونحن نؤيد هذا الرأي المالكي السديد ، فالحقيقة أنه لا يجوز مثل هذا الجماع من الناحية الإنسانية ، لأن فيه جرحا عميقا لمشاعر الأخريات ، وإثارة سخيفة للغريزة والغيرة والأحقاد فيما بينهن .. كما أن فيه خدشا لحياء من يجامعها زوجها أمام الأخريات .والإنسان الذي كرّمه الله يختلف عن الحيوانات ، ولهذا ترفض الفطرة -الإنسانية السليمة مثل هذا الجماع أمام أخريات .بل إن بعض الحيوانات مثل القطط يستحيل عليها ممارسة الجنس إذا كان هناك من يراها!! وسبحان الله الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى .
ونرى أنه يمكن للزوج زيادة نفقة إحدى الزوجات عن الأخريات في حالات وظروف خاصة ، منها زيادة عدد أولادها عن الأخريات .فإذا أعطى مثلا ستة أرغفة لزوجة عندها خمسة أطفال بينما أعطى من لها ثلاثة أطفال فقط أربعة أرغفة فإنه لا يكون ظالما بداهة .. بل هذا هو صميم العدل ، إذ القسمة هنا على أساس أن لكل فرد رغيفا .. وكذلك إذا كانت واحدة منهن مريضة مرضا شديدا يحتاج إلى علاج . وعلى الزوجات الأخريات أن يحمدن الله على نعمة العافية ، ولا يطلبن مقابلا لما تكلفه علاج أختهن المريضة . (42

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :

الفصل السادس
زوجات الرسول ( )
ذكرنا من قبل أن أعداء الإسلام ( منذ بزوغ فجره وحتى اليوم ) يحاولون باستماتة النيل منه والطعن فيه باستغلال تعدد زوجات النبي ( ) ..
زعموا أن نبي الإسلام كان منصرفا إلى إشباع شهوته بالتقلّب في أحضان تسع نساء !! قالها يهود يثرب من قبل (43) .. فرد عليهم القرآن الكريم ردا بليغا وبيّن أنهم فعلوا ذلك حسدا للرسول ( ) ، على الرغم من أن إخوته إبراهيم وإسحاق ويعقوب و داود وسليمان وغيرهم – عليهم السلام – كان لكل منهم العديد من الزوجات ، وكان لداود وسليمان - تحديدا - أضعاف ما كان لمحمد ( ) من الزوجات والجواري.
ومازال المستشرقون في الخارج والعلمانيون واليساريون في الداخل يتطاولون بوقاحة على المقام الشريف والسنة المطهرة ، كيدا منهم لهذا الدين ، والله يحفظه – رغم أنوفهم – إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
وهناك آخرون لا يعلمون بواعث تعدد زوجات الرسول ( ) ..
ومن يطالع السيرة العطرة سوف يكتشف بسهولة أن بعض هذه الزيجات كان في المقام الأول تلبية لدوافع إنسانية ، والبعض الآخر كان لتأليف القلوب ، وتطييب النفوس ، وتمهيد الأرض للدعوة المباركة بالمصاهرة وجبر الخاطر .
ولا ننسى أيضا حقه الطبيعي ( ) في الزواج ، لأنه بشر مثلنا وليس من الملائكة .
وكل الزيجات كانت لحكم عظيمة و للتشريع وتعليم الأمّة كما سنوضح بالتفصيل فيما بعد.
و زوجة واحدة لم تكن لتقدر على نقل كل سنّته الشريفة ، وسائر أحواله داخل بيته إلى الأمة لتقتدي به ،فكان لزاما أن تتعدّد زوجاته صلى الله عليه وسلم ،ليعلّمن البشرية كلها بعد وفاته كل ما لم يطّلع عليه غيرهن . والدليل الواضح هنا أن أكثر زوجاته علما ورواية -وهى السيدة عائشة رضي الله عنها - لم ترو عنه إلا حوالي ألفى حديث ، ورغم أن هذا رقم كبير ، إلا أنه ليس إلا قطرة من بحر السنّة المطهّرة . فالمتداول في كتب السنن يبلغ عشرات الألوف من الأحاديث الشريفة ، ولم يكن كافيا- إذن- زوجة واحدة ولا صحابي واحد لحفظ و نقل هذه الثروة الهائلة من كنوز الحديث النبوي إلى العالمين . إنه عمل هائل جبار احتاج إلى فريق كبير ضم ألوفا من أكابر علماء الصحابة ثم الألوف من علماء التابعين ثم الألوف من علماء تابعي التابعين ومن بعدهم على مرّ العصور، فهل كانت تطيقه امرأة واحدة ؟!!
ثم نتساءل : ألا يحتاج الرجل الشهواني إلى خلو البال من أية مشاغل أو هموم أو أعباء ليمارس الجماع بإفراط كما يزعمون ؟!! فهل يظن أولئك الحمقى أن أعباء الرسالة العظمى والجهاد المتواصل ليل نهار- لإبلاغ الدعوة المباركة إلى الناس كافة عربا وعجما- تترك لصاحبها مجالا للإكثار من الجماع على النحو الذي تتخيّله عقولهم المريضة ؟!! ألا تتطلب الشهوة توافر الطعام الجيد والفراش الناعم المريح ليقدر الزوج على الجماع الكثير ؟ فهل كان ذلك متاحا لسيد الخلق ؟!
ألم تجمع كل كتب السيرة والتاريخ – بما فيها تلك التي كتبها المنصفون من غير المسلمين- أنه عليه الصلاة والسلام لم يشبع من خبز الشعير حتى لقي ربه ؟!!
أين الاستكثار من الشهوات في حياة زاهد متقشف – بإجماع المؤرخين – كان أهله لا يوقدون نارا لطهي الطعام في بيته الشهر تلو الشهر ، ولم يكن لهم من قوت معظم الوقت إلا الأسودان التمر والماء كما روت سيدتنا عائشة رضي الله عنها ؟!
وكانت حجراته مبنيّة من الطين وسقوفها من - سعف – جريد النخيل وأبوابها من الشعر – وبر الإبل أو شعر الماعز - وكان عليه السلام ينام على حصير متواضع ترك أثرا في خده الشريف حتى بكى عمر رضي الله عنه- إشفاقا عليه - عندما رآه على هذا الحال؟!!فهل هذا شأن من تشغله الشهوات وحطام الحياة الفانية ؟!! ثم من أين له بالوقت اللازم للجماع المتواصل –كما يزعمون - وهو الذي كان مشغولا دائما بأعباء الرسالة نهارا ، مع الصيام أكثر الأيام ، وليلا بالقيام لرب الأنام ، إلى أن تتورم – منه ومن زوجاته - الأقدام ، عليه أزكى الصلاة و أعطر السلام ؟!!
وأقوى دليل على ما نقول أن أمهات المؤمنين غلبهن الطابع البشرى ذات مرة - بعد أن اشتدّ عليهن الحرمان والفقر والتقشف - فطالبنه صلى الله عليه وسلم بالنفقة ،فاعتزلهن عليه السلام شهرا ، ونزل فيهن قوله تعالى يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا)سورة الأحزاب الآية 28، فأخبرهن صلى الله عليه وسلم بما نزل ، وخيّرهن بين الطلاق مع كل التكريم و إعطائهن نفقة المتعة و العدة أو البقاء معه على ما هو فيه من زهد وتقشف وحياة فقيرة قاسية ، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة . (44)

وقد أشرنا من قبل إلى أن الزواج هو شريعة كل أنبياء الله ( حتى من لم يتزوج منهم مثل عيسى ويحيى عليهما السلام ) وأنه لا يوجد نص في الأناجيل الأربعة يحظر تعدد الزوجات (45).

ومن استعراض تراجم أمهات المؤمنين في المصادر المختلفة نلاحظ أن إحدى عشر منهن كن من الأرامل !! وواحدة كانت مطلّقة- زينب بنت جحش - وواحدة كانت جارية قبل اقترانها بسيد البشر – مارية - ولم تكن بينهن " بكرا" سوى أمنا عائشة التي كانت تفخر على الأخريات بذلك كما هو معلوم من كتب السيرة .
فهل يتزوج صاحب الشهوات عشرا من الأرامل ومطلّقة وجارية ، ويترك مئات الألوف من العذارى في جزيرة العرب وما حولها ، وقد كانت جميع القبائل تعرض عليه بناتها - حرصا على شرف مصاهرته - كما ثبت من كل مراجع السيرة ؟!!
ولو أنه كان ذلك الشخص الذي يزعمون لسارع بانتهاز فرصة ما عرضه المشركون عليه في مكة من قبل ، وهو أن يجعلوه ملكا عليهم ، و يجمعوا له من الأموال والنساء ما يشاء حتى يكون أغناهم وأكثرهم نساء بشرط أن يتخلى عن دعوته إلى الله . لكنه عليه السلام رفض تماما لأنه صاحب رسالة وليس طالب دنيا. .
ولنبدأ الآن بأولى زوجات المصطفى ( ) ، وهى سيدتنا خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها وأرضاها – فقد تزوّجت في الجاهلية من هند بن النباش التميمى وكنيته أبو هالة .. وبعد موته تزوّجت عتيق بن عابد المخزومى (46) .. ثم مات عنها عتيق .. وكانت من أرفع بيوت قريش وأوسطها نسبا وحسبا . وكان لها مال ترسل رجالا من قومها يتاجرون لها فيه .. ولما سمعت بأمانة محمد - عليه الصلاة و السلام - أرسلت إليه ليتاجر لها في مالها ، على أن تعطيه ضعف ما كانت تعطى غيره من الأجر .
ورحل ( ) بمالها مع غلامها ميسرة إلى الشام ، فباع واشترى وعاد إلى مكة بأضعاف ما كانت تربح من قبل .. وأعطته السيدة خديجة ضعف الأجر المتفق عليه .. وحكى لها ميسرة ما كان من معجزاته عليه السلام خلال الرحلة : فقد أظلّته غمامة ، وأخبر أحد الرهبان ميسرة بأن رفيقه محمدا سيكون النبي الخاتم الذي بشّرت به كتب السابقين ، فازدادت إعجابا به ، وأرسلت إليه صديقتها نفيسة بنت منية تعرض عليه الزواج من خديجة التي كان عمرها في ذلك الوقت أربعين سنة ..فوافق عليه السلام ، وكان عمره وقت أن تزوجها خمسا وعشرين سنة .
وولدت له السيدة خديجة كل أولاده وبناته باستثناء إبراهيم ولده من مارية القبطية ( الجارية التي أهداها المقوقس إلى النبي ) ولم يتزوج ( ) بأخرى حتى ماتت السيدة خديجة عن خمس وستين سنة ، بينما كان عليه السلام قد تخطى الخمسين سنة ، ولم يتزوج بعدها إلى أن بلغ السنة الثالثة أو الرابعة والخمسين من عمره الشريف .
والآن نتساءل : إذا كان نبي الرحمة ( ) قد عاش بلا زواج حتى سن الخامسة والعشرين .. ولم يكن أهل مكة يعرفون عنه إلا كل نبل وشرف و خير ، وكانوا يلقبونه بالصادق الأمين .. وكانت طهارته وعفته مضرب الأمثال – باعتراف أعتي المشركين وأشدهم عداوة له وحقدا عليه ..وإذا كان تزوج بعد ذلك من السيدة خديجة وهى أرملة أكبر منه بخمس عشرة سنة ، وظل مكتفيا بها زوجة وحيدة حتى ماتت بعد أن تجاوزت الخامسة والستين ، وتجاوز هو الثالثة والخمسين من عمره الشريف.. فأين ما يزعمون من حبه للشهوات واستكثاره من النساء ؟! وهل يصبر الرجل الشهواني على هذا الوضع مع أرملة عجوز ، ويظل بلا زواج من أخرى حتى تفنى سنوات شبابه على هذا النحو ؟!!
لقد كان عليه السلام في تلك الفترة في ريعان شبابه ، ولم يكن قد انشغل بعد بأعباء الدعوة المباركة وتبعاتها الثقيلة ، ولو كان – كما يزعم أعداء الإسلام – من ذوى الشهوة الطاغية لتزوج من شاء من النساء ، وقد كان تعدد الزوجات والجواري شائعا في الجاهلية بلا قيد كما ذكرنا (47) .وما كان ذلك عيبا ولا محظورا عند أحد . فلماذا لم يفعل ( ) ؟!أليس هذا دليلا على أنه ( ) قد عدّد زوجاته فيما بعد لأسباب أخرى أسمى وأنبل من مجرد إشباع الشهوة ، رغم أن هذا الإشباع بالزواج ليس عيبا ولا شائنا عند الجميع ؟!و هناك نقطة أخرى .لقد كان عليه السلام يذكر السيدة خديجة بكل الخير والوفاء بعد موتها .. وحتى بعد أن صار له نسوة غيرها.. كان يغضب إذا أساءت عائشة- أحب زوجاته - إلى ذكراها العطرة . ويذكر عليه السلام في كل مناسبة معروف خديجة وفضلها عليه وعلى الدعوة الغراء ، ولم ينسها رغم أنها كانت عجوزا ، ورزق بعدها بزوجات أصغر سنّا ، وربما أكثر جمالا.. مثل هذا الزوج هل يمكن أن يقال عنه إنه يضع الشهوة الجنسية في المقام الأول ؟!!و هل يصدق مثل هذا الظن المريض بمن قال فيه ربه: ) وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (سورة القلم الآية 4.
وكذلك شاء الله تعالى أن تتعلم البشرية الكثير من هذه الزيجة المباركة . فقد أرست مبدأ إباحة زواج الرجل بمن هي أكبر منه سنّا ، و زواج المرأة بمن هو أصغر منها سنّا ، وكذلك عدم الاعتداد بالتفاوت بين الجانبين في الثراء المادي ، وكانت سعادتهما معا دليلا واضحا على أن العبرة في تحقيق السعادة الزوجية هي بالصلاح والمودة والتراحم والتفاهم والانسجام والتعاون المثمر لخير الجميع.، ولا قيمة للمال أو عمر أحد الطرفين أو أي عامل دنيوي آخر . وكذلك علّمت أمنا خديجة النساء وأوليائهن جميعا أنه لا عيب ولا مكروه في أن تخطب المرأة الرجل الصالح لنفسها ولو لم يفاتحها هو أولا ، وذلك بأن ترسل إليه من تثق بأمانته في نقل الرغبة في الزواج كما فعلت هي. كما تعلّم الجميع –جيلا وراء جيل- أنه لا غضاضة في أن يقيم الرجل مع زوجته في بيتها إن كان ذلك بالتراضي .
وأهم من كل ذلك أنها كانت أول من أسلم لله الواحد الأحد ، و علّمت نساء العالمين كيف تساند المرأة الصالحة زوجها العظيم صاحب الرسالة بنفسها ومالها و أهلها ، وكيف تثبّت فؤاده و تهدّىء من روعه ،وتعينه على التفرّغ لرسالته العظمى ، ولا تشغله بتوافه الأمور المنزلية أو المعيشية عما هو أسمى و أبقى وأنفع للبشرية كلها.وقد اشترت رضي الله عنها عشرات من العبيد الذين كانوا يقاسون الأهوال من سادتهم طواغيت الشرك عقابا لهم على دخولهم في الإسلام، وأعتقتهم لتنقذهم من هذا البلاء، وأنفقت كل ثروتها في سبيل الله ..ولهذا أبلغ سيدنا جبريل النبي- صلى الله عليه وسلم – السلام من الله عليها ، وبشّرها بالجنّة رضي الله عنها وأرضاها.(48).
ونأتي إلى ظروف اقترانه ( ) بثانية زوجاته السيدة سودة بنت زمعة – رضي الله عنها – فقد كانت متزوجة في الجاهلية بالسكران بن عمرو بن عبد شمس ، وهو ابن عمها ، وأسلما بمكة وخرجا مهاجرين إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية .. ثم قدما من الحبشة ، ومات السكران بمكة ، وترملت زوجته السيدة سودة ، فلما انقضت عدتها أرسل لها النبي ( ) فخطبها وتزوّجها بمكة ، وهاجرت معه إلى المدينة .
وكانت – رضي الله عنها – قد كبرت سنها ، وبعد فترة من زواج الرسول ( ) بها تنازلت عن ليلتها للسيدة عائشة ، وقالت كما جاء في إحدى الروايات : يا رسول الله ، والله ما بي حب الرجال – تقصد أنها مسنّة وليست بها حاجة إلى الرجال – ولكني أرجو أن أبعث في أزواجك يوم القيامة . وقبل منها النبي ( ) تنازلها للسيدة عائشة ، وأبقى عليها زوجة في عصمته حتى موته ( ) (49) ..
فهل يكون اقترانه – عليه الصلاة والسلام – بعجوز أخرى دليلا على ما يذهب إليه أعداء الله ورسوله من أن تعدد زوجاته ( ) كان للشهوة أو حب النساء ؟!! أم أنها مواساة منه – عليه السلام – لأرملة مسلمة لم يعد لها عائل بعد موت رجلها المسلم السابق إلى الإسلام ثم المهاجر و المجاهد- وليس لها مال أو شباب أو جمال يدفع غيره ( ) للزواج منها ؟!!أليس من المروءة والنبل أن يكرم صاحب الخلق العظيم تلك المؤمنة السابقة إلى الإسلام والهجرة إلى الحبشة بعد أن تبدّل بها الحال ومضى عنها الزوج والمال و الشباب والجمال؟! والله إن مثل هذه الزيجة التي لا يطمع فيها أحد هى بعض أعبائه عليه السلام ، وواجب ثقيل ألزم به نفسه الشريفة النبيلة ( ) ومن سواه يواسى الأرملة الفقيرة الحزينة ؟ من سواه يجبر المكسور ، ويفك الأسير ، ويعين على شدائد الدهر ، وهو الذي أرسله ربه رحمة للعالمين ؟!!
و في ذات الوقت يعلّم صلى الله عليه وسلم البشرية كلها كيف تكون رعاية الضعفاء في المجتمع بكفالة الأرامل، والزواج بهن هو أكرم وأطهر السبل لرعايتهن وأطفالهن .
وأما السيدة عائشة بنت الصديق أبى بكر – رضي الله عنهما – فهي الزوجة الثالثة لنبي الهدى ( ) .. ومن الطبيعي أن يرتبط الداعية بالرجال الذين يقوم على أكتافهم البناء العظيم ، وتنتشر الدعوة بهم ، ومن خلالهم إلى سائر إرجاء المعمورة .. وخير الروابط بين النبي وكبار أصحابه هو الرباط المقدس ( الزواج ) .. ولهذا تزوّج عليه السلام من السيدة عائشة ،دعما للأخوة الخالدة مع الصدّيق- ثاني اثنين في الغار- وكانت صغيرة السن . وهنا أيضا تتعلّم البشرية درسا أخر هو إباحة زواج الرجل بمن هي أصغر منه سنّا بكثير ، و إباحة زواج المرأة بمن يكبرها سنّا أيضا ، فالعبرة في تحقيق السعادة الزوجية ليست بالسن، كما ذكرنا عند الكلام على زواجه عليه السلام من السيدة خديجة رضي الله عنها. وكذلك جعل الله تعالى في السيدة عائشة خيرا كثيرا للبشرية كلها، إذ كانت أحد أعظم أوعية العلم النبوي الشريف ،وروت أكثر من ألفى حديث ، وكان أكابر الصحابة يتعلمون منها ، وبسببها نزلت آيات كثيرة تتلى إلى يوم القيامة بما فيها من أحكام عظيمة.
كما تزوج أيضا لذات السبب-تقوية الروابط مع أصحابه- من السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما ..وهناك سبب ثان لزواجه ( ) من السيدة حفصة ، فقد كانت متزوّجة قبله من خنيس بن حذافة السهمي الذي أسلم معها وهاجر بها إلى المدينة فمات عنها ( عند قدوم النبي ( ) من غزوة أحد ) متأثرا بإصابته في الغزوة (50) وعندما انقضت عدّتها عرض عمر على أبى بكر الصديق أن يزوّجه ابنته حفصة ، فسكت أبو بكر ، مما أغضب عمر – رضي الله عن الجميع – وكان عمر قد عرضها من قبل على عثمان بن عفان فلم يوافق كذلك ، مما أسخط الفاروق عليه كما سخط على صاحبه ، فجاء عمر يشكوهما إلى النبي ( ) ..
وطيّب ( ) خاطره وتزوّجها تكريما لعمر ، كما كرّم أبا بكر من قبل وتزوج بابنته عائشة .وكان في الزيجة تكريم أيضا للزوج الشهيد خنيس رضي الله عنه برعاية أرملته من بعده.
. وكان الباعث لأبى بكر على عدم قبول الزواج من حفصة أنه سمع النبي ( ) يذكرها لنفسه ، وما كان الصدّيق ليفشى سر رسول الله ، أو يتزوّج بمن عزم ( ) على الزواج منها ..
ومن المعروف أن السيدة حفصة – رضي الله عنها – لم تكن جميلة مثل عائشة أو صفيّة أو جويرية ، لكنها كانت صوّامة قوّامة (51) تحب الله ورسوله (52)
فهل يكون الزواج في حالة السيدة عائشة والسيدة حفصة استكثارا من النساء ، أو جريا وراء الشهوات ؟!! أم هي ضرورات الدعوة ، وجبر الخاطر ، وتوكيد الروابط بين المصطفى ( ) وكبار رجال الدعوة الوليدة
والرأفة بزوجة شهيد – مثل حفصة – لم يكن لها من الجمال أو المال ما يغرى غيره عليه السلام بالزواج منها ؟!!
إنه الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة – عليه الصلاة والسلام ..
هناك أيضا ظروف زواج الرسول الأمين من السيدة زينب بنت خزيمة الملقّبة بأم المساكين – رضي الله عنها – فقد كانت زوجة لابن عمه عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف – رضي الله عنه – الذي استشهد يوم بدر وتركها وحيدة لا عائل لها ..
فهل يكون جزاء الصحابي وابن العم الشهيد أن تترك أرملته وحدها ؟!! ومن يصل الرحم ، ويجازى الشهيد ، ويخلفه في أهله بكل البر والخير والرحمة سوى الصادق الأمين خاتم المرسلين ( ) ؟!!
وهل مثل هذه الزيجة يكمن خلفها أي مطمع حسي أو غيره ؟! أم أنها واجب وعبء إضافي على عاتق المصطفى ( ) ؟!! وقد ماتت – رضي الله عنها – بعد زواجها من الرسول بعدة أشهر .
وكذلك جاء زواجه ( ) من السيدة أم سلمة – رضي الله عنها – واسمها (( هند بنت سهيل بن المغيرة- ولقبه "أبو أمية" - المخزومى .. وقد أصيب زوجها "أبو سلمة" رضي الله عنه يوم أحد ، ثم برئ الجرح بعدها بشهر .. وخرج في (( سرية قطن )) ثم رجع منها بعد شهر آخر ، وانتقض الجرح عليه فتسبب في استشهاده – رضي الله عنه – وخلف وراءه أرملته أم سلمة وكثرة من الأطفال اليتامى..
فلما انقضت عدتها أرسل إليها النبي ( ) يخطبها ، فاعتذرت بأنها كبرت في السن ، وأنها ذات أطفال ، وأنها شديدة الغيرة ، فرد عليها البشير النذير : (( أما ما ذكرت من غيرتك فيذهبها الله .. وأما ما ذكرت من سنّك فأنا أكبر منك سنّا ... وأما ما ذكرت من أيتامك فعلى الله وعلى رسوله )) . (53) أي أن عيالها سوف يرعاهم الله ورسوله ( ) ، وهذا من أهم أهداف هذه الزيجة المباركة - كفالة هؤلاء الأيتام - فضلا عن رعاية الصحابية الجليلة السابقة إلى الله ورسوله بعد أن أصبحت أرملة ..
وأخيرا جاءت هذه الزيجة تكريما للزوج أبى سلمة نفسه بعه استشهاده ، برعاية أرملته وأطفاله ، وصلة لرحمه ، فهو ابن عمة الرسول ( ) .. فأين إتباع الشهوة في مثل هذا الارتباط بأرملة تجاوزت الخمسين وذات أطفال ؟!!ثم شاء الله تعالى أن تلعب السيدة أم سلمة دورا عظيما في حفظ السنن و أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من بعده . فقد عاشت عمرا طويلا مباركا و روت عن زوجها الحبيب الكثير من الأحاديث ، وكانت شديدة الذكاء والحكمة ،غزيرة الثقافة ، تجيد القراءة و الكتابة. و قد جعل الله تعالى حكمتها سببا في إنقاذ الإسلام والمسلمين من موقف عصيب يوم الحديبية ، حيث أشارت بالرأي السديد على النبي صلى الله عليه وسلم ،ونصحته بأن يخرج فيحلق رأسه وينحر ذبيحته للتحلل من الإحرام في مكانه بعد أن منعه المشركون من أداء العمرة ، ورفض أصحابه الشروط الظالمة التي اشترطها الكفّار.. و أخذ عليه السلام بمشورتها الصائبة فحلق شعره ونحر ذبيحته ، وما أن رآه الصحابة يفعل ذلك حتى عادوا إلى الرشد وقاموا فحلقوا وذبحوا مثله، ثم عاد الجميع إلى المدينة بدون قتال . وبذلك كان الرأي الرشيد من أم سلمة رضي الله عنها سببا في حقن الدماء وإنقاذ الإسلام والمسلمين من فتنة خطيرة الله وحده الذي يعلم عواقبها
وأما زواجه ( ) بالسيدة أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان بن حرب – رضي الله عنها – فله قصة توضح الهدف منه ، والمقاصد النبيلة الذي تحققت به .. فقد كانت أم حبيبة زوجة لعبيد الله بن جحش ، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية .. وهناك فتن عبيد الله وارتد عن الإسلام – والعياذ بالله – وثبتت السيدة أم حبيبة – رضي الله عنها – على دينها رغم الغربة والوحشة والوحدة . ولم تكن تستطيع الرجوع إلى مكة حيث كان أبوها "أبو سفيان" أحد زعماء قريش يضطهد الرسول وأصحابه أشد الاضطهاد ، فلو رجعت أم حبيبة لتعرضت للفتنة في دينها بدورها .. وكان لا بد من رعايتها وتكريمها وتعويضها عن الزوج الذي هلك بالحبشة ..
وهكذا أرسل جابر المكسورين ، ومؤنس المستوحشين إلى النجاشي ملك الحبشة – وكان قد أسلم – طالبا منه أن يعقد له على أم حبيبة .. وبالفعل زوّجه النجاشي إياها ، ودفع النجاشي مهرها من ماله الخاص تكريما للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أرسلها إليه بالمدينة بعد هجرته ( ) معزّزة مكرّمة ..ولما بلغ أبا سفيان خبر زواج النبي ( ) من ابنته أم حبيبة شعر بالسعادة ، وقال عن زوج ابنته مبتهجا –رغم أنه كان ما يزال عدوا له ولدينه- : (( هو الفحل لا يقرع أنفه )) (54) .. أي أن مثل النبي ( ) لا يرد صهره ، فهو كفء كريم تتشرّف كل قبيلة بمصاهرته وتزويجه.قال أبو سفيان ذلك مع أنه كان ما يزال مشركا عدوا للإسلام ، لأنه لم يستطع أن يخفى سروره ، ولم يخدع نفسه كأب تزوجت ابنته بأعظم وأشرف الرجال ..ومن المؤكد أن هذه المصاهرة قد أرضت غريزة "حب الفخر" في نفس زعيم المشركين ،ولعبت دورا فعّالا في تخفيف عدائه للإسلام والمسلمين تمهيدا لدخوله هو نفسه في الإسلام بعدها بقليل.وشاء الله جلت قدرته أن تدور الأيام ، ويأتي أبو سفيان إلى المدينة محاولا إثناء النبي ( ) عن غزو مكة بعد أن نقض المشركون عهودهم ، واعتدوا على حلفائه من قبيلة خزاعة ، وقتلوهم في الحرم في الشهر الحرام .ولم يجد أبو سفيان ملجأ بعد أن رفض كبار الصحابة التوسط له عند النبي ( ) سوى بيت ابنته. وفوجئ أبو سفيان بابنته تطوى عنه الفراش في ضيق واشمئزاز .. فسألها : والله يا بنية ما أدرى هل رغبت بالفراش عنى أم رغبت بي عنه ؟!! فردت عليه بحسم : (( بل هو فراش رسول الله ( ) وأنت رجل مشرك )) ..
يا الله .. إنها العقيدة الراسخة كالجبال في قلب زوجة المصطفى ( ) ، تواجه بها أباها الذي خرجت من صلبه .. وذلك هو الإيمان الحق الذي يجعل الله ورسوله أحب إلى المسلم الصادق من أمه وأبيه وابنه وصاحبته وأخيه .
هل كان المطلوب من الرسول أن يترك مثل هذه السيدة العظيمة للضياع بين زوج هالك مرتدّ وأب كافر ألدّ ؟!! ومن سواه ( ) أولى بأن يكرم مثواها ، ويجزيها على ثباتها وصبرها وجهادها في سبيل عقيدتها ورسالتها ؟!! ومن يكون مناسبا لابنة سيد قريش سوى سيد الأولين والآخرين ؟!!
ونأتي إلى قصة زواجه ( ) من السيدة زينب بنت جحش الأسدية – رضي الله عنها – وهى ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف .. أي أنها من أعرق وأشرف بيوت قريش وأرفعها حسبا و نسبا.. وكانت - فيما يقال - فائقة الجمال ..
وعندما أرسل النبي ( ) يخطبها ظن أهلها أنه يريدها لنفسه ، ثم فوجئوا به يطلبها لزيد بن حارثة .. كان زيد – رضي الله عنه – قد تعرّض للخطف ثم الرق في الجاهلية ، وانتهي به المطاف عند الصادق الأمين محمد بن عبد الله ( ) الذي أكرم مثواه . وبلغ من تأثير عطفه وحنانه على زيد أن فضّله زيد على أبيه وعمه ( لما خيّره بين البقاء معه أو اللحاق بأبيه وعمه عندما عثرا عليه ، وجاءا في طلبه) .. وهنا أشهدهم النبي ( ) أن زيدا ابنه يرث كلاهما الأخر فرضي أبوه وعمه بذلك .
وعلى الرغم من أن الرسول ( ) أعتق زيدا وتبنّاه ، ثم أبطل الإسلام التبني فاسترد زيد اسمه الأول ( وحريته من قبل ) ، فإن آل جحش رفضوا أن يزوّجوه ابنتهم وهى من فتيات قريش المعدودات اللاتي يتنافس خيرة شباب العرب للفوز بهن ..ولكن الله تعالى شاء أن يمضى هذا الزواج لحكمة كبرى ، بل لعدة مقاصد : أولها أن يهدم التفاخر بالأنساب ، ويثبّت القاعدة الخالدة الراشدة ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وليس أغناكم أو أعرقكم نسبا أو أفضلكم حسبا .ونزل قوله تعالى ) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينا ً( .(55) وفور نزول هذه الآية الكريمة عرف عبد الله بن جحش وأخته زينب – رضي الله عنهما – أنه لا محيد لهما عن طاعة الله ورسوله ، فقال عبد الله لابن خاله عليه السلام: مرني بما شئت ، فتزوّجها ( ) زيد
وعلى الرغم من إتمام الزواج ظلت زينب تستعصي على زيد ، وتتفاخر عليه بحسبها ونسبها ، حتى ضاق – رضي الله عنه – بها ذرعا ، وذهب إلى النبي ( ) يستأذنه في تطليقها ، لاستحالة العشرة بينهما ، فأمره النبي أن يتق الله ويمسك عليه زوجه فلا يطلقها ..
في ذلك الوقت أطلع الله تعالى رسوله على ما سوف يحدث ، وهو أن (زيد ) سيطلّق (زينب) ، ثم يزوّجها الله رسوله الأمين ، ليهدم بذلك قاعدة التبني التي سادت في الجاهلية ، إذ الأعدل و الأصوب هو أن ينسب كل ابن لأبيه الحقيقي ، وليس لذلك الذي تبنّاه .. وإذا كان الإسلام يحرّم إلى الأبد زواج الأب من امرأة ابنه ، فالأمر ليس كذلك في حالة الابن بالتبني ، إذ هو ليس ابنا حقيقيا ، وما ينبغي أن يكون .
ونزل قول الله تعالى :  وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً الآية 37 من سورة الأحزاب .
وأفضل تفسير لهذه الآية الكريمة وأقربه إلى ما يليق بمقام النبوة الشريف النبيل ، وما هو مقطوع به من عصمة الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم – ما قاله الإمام على بن الحسين بن على بن أبى طالب الملقب يزين العابدين - رضي الله عنه- الذي روى: (( أن النبي ( ) كان قد أوحى إليه أن زيدا سوف يطلق زينب ، وأن الله سيزوّجها رسوله. فلما شكا زيد للنبي ( ) ما يلقى من أذى زوجته ، وأنها لا تطيعه ، وأعلمه أنه يريد طلاقها ، قال له الرسول ( ) على جهة الأدب والوصية : (( اتق الله وأمسك عليك زوجك )) .. وهو ( ) يعلم أنه سيفارقها ، ثم يتزوجها هو من بعده ، وهذا ( العلم ) هو ما أخفاه ( ) في نفسه ، ولم يرد أن يأمره بطلاقها .. فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من خشية الناس في شئ قد أباحه الله له ، وقوله لزيد (( أمسك عليك زوجك )) ، مع علمه بأنه سيطلّقها ، وأعلمه سبحانه أن الله أحق بالخشية في كل حال .قال علماؤنا رحمهم الله : (( وهذا القول أحسن ما قيل في تفسير هذه الآية ، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسّرين و العلماء الراسخين ، مثل الزهري وبكر بن علاء القشيرى وأبو بكر بن العربي وغيرهم (56) ويعلق الإمام القرطبى على تلك الرواية الشاذة التي تفسّر قوله تعالى للرسول : ( وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) . بأنه ( ) أخفى في نفسه هوى لزينب ، قائلا " هذا القول يصدر عن جاهل بعصمة النبي ( ) عن مثل هذا "(56).
. ورفض الإمام ابن كثير – رضي الله عنه – كل رواية أخرى لا تناسب عصمة الرسول و مقام النبوة الرفيع ، إذ هي من الموضوعات ومما لا يصح سنده ولا معناه . (57)
وقال الحكيم الترمذي في كتابه نوادر الأصول : " على بن الحسين جاء بهذا ( التفسير السليم للآية ) من خزانة العلم جوهرة من الجواهر ، ودرا من الدرر ، فإنه إنما عتب الله عليه أنه أعلمه أن هذه ستكون من أزواجه ، فكيف قال بعد ذلك لزيد ( أمسك عليك زوجك ) ، وأخذته خشية الناس أن يقولوا : تزوّج امرأة ابنه ، و ( والله أحق أن تخشاه ) .. وقال النحاس : قال بعض العلماء : ليس هذا خطيئة من النبي ( ) ، لأنه لم يؤمر بالتوبة أو بالاستغفار منه ، وقد يكون الشئ ليس خطيئة ، ولكن غيره أحسن منه ، وقد أخفى الرسول ( ) ذلك في نفسه خشية أن يفتن الناس . (58) .والخلاصة أنه عليه والسلام تزوّج السيدة زينب بنت جحش بعد طلاقها من زيد بن حارثة بأمر من الله الذي تولى سبحانه تزويجها له مباشرة ، ليهدم بذلك قاعدة التبني إلى الأبد ، وحتى لا يكون هناك حرج على الآباء في الزواج من مطلقات الأدعياء ، لأنهم ليسوا أبناءهم .. وقد كانت السيدة زينب ابنة عمة الرسول ( ) ، وربيت تحت رعايته ،وكان يعلم جمالها الذى يزعمون، ولو كان له فيها مأرب لتزوجها منذ البداية ، ولم يزوّجها بنفسه لزيد من قبل ..ومن أقوى ما قيل في تفنيد مزاعم المنافقين حول هذه الآية ما قاله فضيلة الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – قال : (( إنهم يقولون أن الذي أخفاه النبي في نفسه و خشي فيه الناس هو ميله إلى زينب . أي أن الله – بزعمهم – يعتب عليه عدم التصريح بهذا الميل !! ونقول : هل الأصل الأخلاقي أن الرجل إذا أحب امرأة أن يشهّر بها بين الناس ، وخاصة إذا كان ذا عاطفة منحرفة جعلته يحب امرأة رجل آخر ؟!! هل يلوم الله رجلا لأنه أحب امرأة آخر فكتم هذا الحب في نفسه ؟! وهل كان يرفع درجته لو أنه صاغ فيها قصائد غزل ؟!! هذا والله هو السفه، وهذا السفه هو ما يفسّر به بعض المغفلين القرآن !!.
إن الله لا يعاتب أحدا على كتمان حب طائش .. والذي أخفاه النبي ( ) في نفسه هو تضرره من هذا الزواج المفروض ، وتراخيه في تنفيذ أمر الله به ، وخوفه من كلام الناس عندما يجدون نظام التبني – كما ألفوه – قد انهار
. وقد أفهم الله رسوله أن أمره سبحانه لا يجوز أن يعطّله توهم شئ ، وأنه – إزاء التكليف الأعلى – لا مفر له من السمع والطاعة ، شأن من سبقه من المرسلين ، وأعقب الآية السابعة والثلاثين هذه بآية أخرى تؤكد هذا :
) مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً ( (59)
ويضيف الشيخ الغزالي : " إنك حين تثبّت قلب رجل تقول له : لا تخش إلا الله ، لا تقول له ذلك وهو بصدد ارتكاب معصية .. إنما تقول له ذلك وهو يبدأ القيام بعمل فاضل كبير يخالف التقاليد الموروثة ، وظاهر في هذه الآيات كلها أن الله تعالى لا يجرئ نبيه على حب امرأة ، إنما يجرئه على إبطال عادة سيئة يتمسّك الناس بها ، عادة التبني ، ويراد منه كذلك أن ينزل على حكمها ، لذلك يقول الله تعالى بعد ذلك مباشرة وهو يهدم نظام التبني : ) مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ( (60) انتهى (61).
أما السيدة صفية بنت حيى بن أخطب زعيم اليهود ، فقد وقعت في الأسر بعد فتح خيبر ، وكان أبوها وأخوها وزوجها قد قتلوا في المعركة .. ورفقا ورحمة بها خيرها الرسول ( ) بين إطلاق سراحها وإلحاقها بقومها إن أرادت البقاء على اليهودية ، وبين الزواج منه إن أسلمت ، فقالت له : يا رسول الله ، لقد هويت الإسلام وصدّقت بك قبل أن تدعوني .. و خيّرتني بين الكفر والإسلام ، فالله ورسوله أحب إلى من العتق ومن الرجوع إلى قومي .. فتزوّجها الرسول ( ) ، وجعل تحريرها من الأسر هو مهرها . (62)
ومن الواضح أنه كان من الضروري ألا يتزوج ابنة ملك اليهود سوى من يفوق أباها منزلة ومكانة ، وهو سيد ولد آدم ( ) .. وليس معقولا و لا مقبولا أن تترك هذه المسكينة بعد ما كانت فيه من عز ورفاهية ورفعة لمن قد يسئ معاملتها ، أو يضرب وجهها ..ويؤيد هذه الرؤية رواية دحية الكلبي – رضي الله عنه – فقد قال للنبي ( ) : أعطني جارية من سبى يهود . فقال عليه السلام : "اذهب فخذ جارية " ، فذهب دحية فأخذ صفية .. فرآها الصحابة فقالوا : ( يا رسول الله ، إنها سيدة بنى قريظة وبنى النضير ، ما تصلح إلا لك ).. فتزوّجها ( ) لذلك السبب . (63)
وذات الأمر كان دافعا للنبي ( ) للزواج من السيدة جويرية بنت الحارث بن ضرار زعيم بنى المصطلق .. فقد حارب أبوها المسلمين ، ولحقت به هزيمة منكرة كادت تتسبب في فناء قبيلته أو إذلالهم أبد الدهر .. و سقط المئات من بنى المصطلق أسرى ، ومنهم السيدة جويرية بنت الحارث .. وجاءت إليه فقالت : (( يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه . وقد أصابني من الأمر ما قد علمت ( تقصد الأسر والذلّ ) فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبني على تسع أواق ، فأعنّى في فكاكي - تطلب معاونته ( ) في دفع المتفق عليه لتحريرها من الأسر- فقال لها ( ) : أو خير من ذلك ؟ فسألته : ما هو ؟ فقال ( ) أؤدي عنك كتابك وأتزوجك .قالت: نعم يا رسول الله ، قال ( ) : ( قد فعلت ).
وخرج الخبر إلى الصحابة فقالوا : أصهار رسول الله – يقصدون بنى المصطلق – في الأسر!! .. فجعل الناس يطلقون سراح من عندهم من أسرى بنى المصطلق – تكريما لأصهار النبي الجدد - حتى تحرّروا جميعا .
تقول السيدة عائشة – رضي الله عنها –:أعتق بتزويج جويرية من النبي أهل مائة بيت ، فلا أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها . (64) و (65) . وقد أسلم قومها جميعا بعد ذلك وحسن إسلامهم بعد أن طابت نفوسهم بتلك المصاهرة ثم بالمنّ عليهم بإطلاق سراحهم بدون مقابل .وهكذا كانت هذه الزيجة بركة وخيرا للإسلام والمسلمين من كل الوجوه ، فقد جلبت هذه الزيجة نعمة الحرية ثم نعمة الإسلام إلى القوم، فضلا عن الشرف العظيم الذي نالوه بمصاهرة سيد العرب والعجم.
وقد أعتق عليه السلام أيضا السيدة " ريحانة بنت زيد من بنى النضير وكان زوجها من بنى قريظة ،وكانت قد وقعت في الأسر بعد معركة بنى قريظة التي قتل فيها زوجها ، وجعل الرسول عليه السلام عتقها مهرا لها كأختيها صفية وجويرية وتزوّجها طبقا للراجح.
.أخرج ابن سعد في" الطبقات "عن الواقدي بسند له عن عمر بن الحكم قال: كانت ريحانة عند زوج لها يحبها، وكانت ذات جمال، فلما سبيت بنو قريظة، عرض السبي على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فعزلها، ثم أرسلها إلى بيت أم المنذر بنت قيس حتى قتل الأسرى، وفرّق السبي، فدخل إليها، فاختبأت منه حياء. قالت: فدعاني فأجلسني بين يديه، وخيرني فاخترت الله ورسوله، فأعتقني وتزوّج بي. فلم تزل عنده حتى ماتت، وكان يستكثر منها، ويعطيها ما تسأله، وماتت مرجعه من الحج، ودفنها بالبقيع" .
وقال ابن سعد في رواية أخرى ": أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني صالح بن جعفر، عن محمد بن كعب قال: كانت ريحانة مما أفاء الله على رسوله، وكانت جميلة وسيمة، فلما قتل زوجها، وقعت في السبي، فخيرها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فاختارت الإسلام، فأعتقها، وتزوّجها، وضرب عليها الحجاب، فغارت عليه غيرة شديدة، فطلّقها فشقّ عليها، وأكثرت البكاء، فراجعها، فكانت عنده حتى ماتت قبل وفاته"(66)
. ولم يكن مقبولا أن تتعرض صفية أو جويرية أو ريحانة للإذلال بعد أن كن من بنات سادة أقوامهن ،فكان زواج النبي بهن شرفا أعظم لهن رفعهن إلى مكانة أسمى بما لا يقاس، فالإسلام- كما قال الحبر بن عباس رضي الله عنه- يزيد الشريف شرفا ويرفع المملوك إلى عروش الملوك.
وهكذا ضرب صلى الله عليه وسلم المثل والقدوة بنفسه الشريفة في عالم كانت أربعة أخماس الناس فيه عبيدا للقلة الباقية ، وفى بيئة كانت جاهلية ، ولقوم كانوا يأنفون من الزواج من الجواري،وكانوا يفعلون بالأسيرات كل الموبقات ،ولا يحسبونهن بشرا أو أنفس مثلهم لها أية قيمة أو حقوق!!
فصارت تلك سنّة للأمّة كلها أن يعتق الرجل جاريته ،ويجعل عتقها هو مهرها ويتزوّجها،كما قال الإمام بن القيّم رضي الله عنه في زاد المعاد.
وهذا التشريع العظيم تحرّرت به ملايين الجواري على مرّ العصور والأجيال ، وحصلن أيضا على حق الزواج و تأسيس أسرة وإنجاب ذرية من الأحرار ، وهو من مفاخر الإسلام وليس عيبا يؤخذ عليه.
وأخيرا نقول أنه لو كان زواجه عليه السلام حبا للنساء و استكثارا من الحسناوات لما نزل بعد ذلك حكم من الله يحظر عليه الزواج بعد من ذكرنا ، ولظل الرسول ( ) حرّا يتزوّج من يشاء ، ويطلّق من لا يريد .): لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً . (سورة الأحزاب الآية 52
وهكذا اكتفى عليه السلام بمن ذكرنا ، وكان لهن نعم الزوج و العشير . صلى الله عليه وعليهن وسلم تسليما كثيرا.
وصدق فيه قول رب العزة : (( وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )) الآية 107 من سورة الأنبياء.