عنوان الموضوع : مشروع التربية الاسلامية للاولى ثانوي
مقدم من طرف منتديات العندليب
السلام عليكم اصدقائي من فضلكم رجاءا استاذة العلوم الشرعية اعطاتنا مشاريع وقالتلنا ديروهم في بلاصة الفرض وعنوان البحث نتاعنا حناي صعب وملفيتهش في الانترنت اخوتي لا بغيتو تعاونوني وجزاؤكم عند الله
العنوان هو موقف الاسلام من العنف
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
hada masobtlak
https://musana.ahlamountada.com/t18-topic
https://www.tawhed.ws/r1?i=3683&x=rzbt8h04
https://sayedfekry.blogspot.com/2011/...post_1612.html
nchlh mastafdi manhom
=========
>>>> الرد الثاني :
موقف الإسلام من العنف والشدة
كنا قد بينا في أول هذا البحث موقف الإسلام من الإرهاب.. ومعنى الإرهاب.. وهانحن نبين هنا موقف الإسلام من العنف والشدة لارتباط هذا الموضوع وتعلقه بما تقدم من حديث عن الإرهاب!
هل الإسلام دين يدعو إلى العنف والشدة؟!
هذه مسألة قد جنح فيها كثير من الناس والكتاب - كما هو شأنهم في كثير من المسائل - بين الإفراط والتفريط.. ففريق منهم قال بأن الإسلام دين عنف.. ويدعو إلى العنف والشدة واستدل على ذلك بأدلة، وفريق آخر ينفى ذلك مطلقاً، واستدل بأدلة!
فما هو الحق والصواب في هذه المسألة؟!
أقول: العنف هو ما يُقابل الرفق ويُضاده، وهو في الشرع خُلُق مذموم.. لم يرد فيه نص واحد من الكتاب أو السنة بصيغة المدح.. بخلاف خُلُق " الرفق " فقد جاءت فيه نصوص عديدة تحض على التخلق والتمسك به، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "من يحرم الرفق يُحرم الخير كله".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق ويُعطي عليه مالا يُعطي على العنف".
وقال صلى الله عليه وسلم: "عليك بالرفق؛ إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه". وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يُحب الرفق في الأمر كُلِّه " وهذه صيغة عامة تفيد كل شيء بما في ذلك الجهاد في سبيل الله، حيث لا بد من أن ينضبط ويتقيد بضوابط وقيود الشرع المعروفة..
فهذا هو رفقه!
وعن قُرَّة قال: قال رجل يا رسول الله إني لأذبح الشاة فأرحمها. أو قال: إني لأرحم الشاة أن أذبحها؛ أي أمتنع عن ذبحها رحمة بها! قال صلى الله عليه وسلم: "والشاة إن رحمتها رحمك الله.. والشاة إن رحمتها رحمك الله " مرتين.
هذا فيمن يُرفق ويرحم الشاة أو البهائم فكيف بمن يرحم الناس.. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يرحم اللهُ من لا يرحم الناسَ".
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الغلو والتشدد في الدين؛ وهو كل ما زاد عن المشروع.. فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عليكم هدياً قاصداً؛ فإنه من يُغالب الدين يغلبه". وقال صلى الله عليه وسلم: "إنه من يُشاد هذا الدين يَغلبه".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين".
وقال صلى الله عليه وسلم: "سيُشَدَّد هذا الدين برجالٍ ليس لهم عند الله خلاق".
هذا هو ديننا.. فهو دين رفق ورحمة للعالمين كما قال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} الأنبياء: 107.
وهذا لا يعني مطلقاً أن الإسلام يقبل أن يُعطي الدنيَّة أو الذل لأعداء الملة والدين.. أو يرضى أن يُصيبه ضيم من ملل الكفر والشرك من دون أن ينتصر لنفسه.. كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} الشورى: 39. فهذا من أبرز خصال وصفات المؤمنين المجاهدين وهو أن ينتصروا لأنفسهم وحرماتهم إذا ما أصابهم البغي والعدوان.
وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} الفتح: 29. فكما أن المؤمنين رحماء رفقاء على من يُسالمهم ويدخل في سلمهم وأمنهم أو دينهم.. فهم أشداء غلاظ على من يتجرأ على قتالهم ومنابذتهم ومحاربتهم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} التوبة: 123. أي قوة وشدة!
فهذا موضع يستلزم الشدة والغلظة على كل من ينابذ الإسلام والمسلمين الحرب والقتال أو يتجرأ على الاعتداء.. وذاك موضع يستلزم الرفق والرحمة على كل من يدخل في هذا الدين وسلمه، أو عهده وأمنه، وجواره.. حيث لا يجوز الخلط بين الموضعين، وحمل نصوص كل موضع على الموضع الآخر.. كما يفعل ذلك عديد من الكتاب والباحثين!
ولكن يمكننا القول أن مواطن الجهاد والقتال التي تستلزم الشدة والقوة والغلظة.. هي كذلك مقيدة بقيود وضوابط الشرع التي تمنع المجاهد المقاتل من أن يُعمل هواه في قتل وقتال من شاء، وبالطريقة التي يشاء.
=========
>>>> الرد الثالث :
مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد، أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، هذه محاضرة بعنوان: “العنف عوامله وأسبابه وموقف الإسلام منه”.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﴿يا أيُّها الّذِين آمنُوا اتّقُوا اللّه حقّ تُقاتِهِ ولا تمُوتُنّ إِلاّ وأنتُم مُّسْلِمُون﴾ [سورة آل عمران : الآية 102]، ﴿يا أيُّها النّاسُ اتّقُوا ربّكُمُ الّذِي خلقكُم مِّن نّفْسٍ واحِدةٍ وخلق مِنْها زوْجها وبثّ مِنْهُما رِجالًا كثِيرًا ونِساءً واتّقُوا اللّه الّذِي تساءلُون بِهِ والأرْحام إِنّ اللّه كان عليْكُمْ رقِيبًا﴾ [سورة النساء : الآية 1]، ﴿يا أيُّها الّذِين آمنُوا اتّقُوا اللّه وقُولُوا قوْلًا سدِيدًا يُصْلِحْ لكُمْ أعْمالكُمْ ويغْفِرْ لكُمْ ذُنُوبكُمْ ومن يُطِعِ اللّه ورسُولهُ فقدْ فاز فوْزًا عظِيمًا﴾ [سورة الأحزاب : الآية 70 - 71].
أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
قد أنعم الله عز وجل علينا ببعثة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، وشرفنا الله تبارك وتعالى بالانتساب إلى مِلَّته وإلى هذه الأمة التي هي خير الأمم، وأنعم الله عز وجل علينا بما وهبه لنبيه وخليله محمد صلى الله عليه وسلم من الصفات الجميلة الحسنة، قال الله تبارك وتعالى: ﴿فبِما رحْمةٍ مِّن اللّهِ لِنت لهُمْ ولوْ كُنت فظاًّ غلِيظ القلْبِ لانفضُّوا مِنْ حوْلِك فاعْفُ عنْهُمْ واسْتغْفِرْ لهُمْ وشاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ ﴾ [سورة آل عمران : الآية 159].
وقال ربنا جل وعلا في حقِّ نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مُبيِّنًا نعمته عليكم معاشر المؤمنين بإرساله لكم: ﴿لقدْ جاءكُمْ رسُولٌ مِّنْ أنفُسِكُمْ عزِيزٌ عليْهِ ما عنِتُّمْ حرِيصٌ عليْكُم بِالْمُؤْمِنِين رءُوفٌ رّحِيمٌ ﴾ [سورة التوبة : الآية 128].
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله ودعوته رحيمًا، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنّ اللّه رفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْق ويُعْطِي على الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي على الْعُنْفِ، وما لا يُعْطِي على ما سِواهُ»( 1)
وهذا الموضوع الذي نحن بصدده يناقش قضية العنف وأسبابه ودوافعه وآثاره على هذه الأمة، وسنذكر من خلاله صورًا وأمثلة من التاريخ تَجَلَّت فيها آثار العنف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتبينت فيها نتائجه الوخيمة.
تعريف الرفق والعنف
يقول ابن فارس: العين والنون والفاء أصل صحيح يدل على خلاف الرفق. وقال ابن منظور في العنف: هو الخرق بالأمر، وقلة الرفق به، وهو ضد الرفق، وكل ما في الرفق من الخير، ففي العنف من الشر مثله.
وعرف الكفوي الرفق: بأنه التوسط والتلطف في الأمور. وعليه فيكون تعريف العنف: بأنه عدم التوسط وعدم التلطف في الأمور، أو هو بعبارة أخرى: التطرف والغلو المصحوبان بالفظاظة في معاملة الآخرين. ولا يمكن الحديث عن العنف إلا بالحديث عن الرفق، إذ إن الأشياء تتبين بضدها.
كما قال الشاعر:
وبِضِدِّها تتبيّنُ الأشْياءُ
يقول ابن فارس: الراء والفاء والقاف أصل واحد يدل على موافقة ومقاربة بلا عنف، فالرفق خلاف العنف. وهو في اصطلاحهم: لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل. والرفق ضد العنف.
يقول بعض أهل العلم: العنف نتيجة الغضب والفظاظة، والرفق واللين نتيجة حسن الخلق والسلامة. فينبغي أن يُعْلم أنه لا بد من الرفق واللين، ولا بد أن يكونا في موضعهما، ولا بد أيضًا من الشدة والغلظة في موضعهما، قال الله تبارك وتعالى: ﴿يا أيُّها النّبِيُّ جاهِدِ الكُفّار والْمُنافِقِين واغْلُظْ عليْهِمْ ﴾ [سورة التوبة : الآية 73]. وقال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿يا أيُّها الّذِين آمنُوا قاتِلُوا الّذِين يلُونكُم مِّن الكُفّارِ ولْيجِدُوا فِيكُمْ غِلْظةً ﴾ [سورة التوبة : الآية 123]. فالغلظة محمودة في موضعها، وكذلك اللين محمود في موضعه، فلا يقال: إن اللين مطلوب دائمًا، ولا يقال: إن الشدة مطلوبة دائمًا. وانظر إلى الشاعر الذي يقول:
ووضْعُ النّدى فِي موْضِعِ الْسّيْفِ بِالْعُلا
مُضِرٌّكوضْعِ السّيْفِ فِي موْضِعِ النّدى
فالمحمود من هذا هو التوسط بين العنف واللين كل بِحَسَبِه، ولقد ذمَّ نبينا صلى الله عليه وسلم العنف، وكان عليه الصلاة والسلام يُحذِّر منه.
مظاهر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالط في المدينة اليهود والمنافقين وكان هؤلاء يُظْهِرون له الخير والبشاشة، ويُخْفُون في أنفسهم البغض للإسلام وأهله والكيد لهم، لكن ذلك لم يغير من أخلاقه صلى الله عليه وسلم، ويدلل على ذلك أن اليهود جاءوا يومًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه وغَيَّروا في عبارتهم، وقصدوا بها اللعن والذم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليكم – أي: الموت – ففهمت عائشة رضي الله عنها كَلِمَتَهُم، فقالت: عليكم السام، ولعنكم الله وغضب الله عليكم. فقال نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الرءوف الرحيم: «يا عائِشةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأمْرِ كُلِّهِ»( 2) قُلْتُ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ ما قالُوا؟ قال: «قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ».
وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو اليمن، فقال: «الإِيمانُ يمانٍ ها هُنا، ألا إِنَّ الْقسْوةَ وغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أذْنابِ الإِبِلِ، حيْثُ يطْلُعُ قرْنَا الشّيْطانِ فِى ربِيعة ومُضر»(3 ).
والفدادون جمع فدان وهو من يعلو صوته في إبله وخيله وحرثه ونحو ذلك، أو هم الرعاة والجمالون، وإنما ذم صلى الله عليه وسلم هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم فيه عن أمور دينهم، وذلك يفضي إلى قساوة القلب.
لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحذر من العنف في الفعل والقول في مواضع كثيرة، وقد جاء ذلك في أحاديثه الشريفة، حيث قال صلى الله عليه وسلم مشيرًا إلى ذمه العنف وأهله: «إِنَّ شَرَّ الرِّعاءِ الْحُطمةُ، فإِيَّاك أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». ( 4)الحطمة: أي العنيف في رعيته، لا يرفق بها في سوْقها ومرعاها، بل يحطمها في ذلك وفي سقيها وغيره ، ويزحم بعضها ببعض بحيث يؤذيها ويحطمها.
ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم مُحذِّرًا من العنف في معاملة الرعية: «اللّهُمَّ منْ وَلِيَ مِنْ أمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عليْهِمْ فاشْقُقْ عليْهِ، ومَنْ وَلِيَ مِنْ أمْرِ أُمَّتِي شيْئًا فرَفَقَ بِهِمْ فارْفُقْ بِهِ»( 5) ويقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخيْرَ».( 6)
وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم في وصية لأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها: «يا عائِشةُ ارْفُقِى فإِنَّ اللَّهَ إِذا أراد بِأهْلِ بيْتٍ خيْرًا دَلَّهُمْ على بابِ الرِّفْقِ».( 7) وفي رواية عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إِذا أراد اللَّهُ عزَّ وجلَّ بِأهْلِ بيْتٍ خيْرًا أدْخل عليْهِمُ الرِّفْقَ».( 8)
لقد كان أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يَشْكُون إليه قَسْوةَ قلوبهم ويسألونه صلى الله عليه وسلم عما يُلَيِّن قلوبَهم ويقودهم إلى الرفق بأنفسهم وبعباد الله تبارك وتعالى.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ رجُلا شكا إِلى رسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قسْوة قلْبِهِ فقال لهُ صلى الله عليه وسلم: « إِنْ أردْتَ أنْ يلِينَ قلْبُك فأطْعِمِ الْمِسْكِينَ وامْسَحْ رأْسَ الْيَتِيمِ».( 9)
وكان صلى الله عليه وسلم يعامل الناس ويعامل أصحابه بهذا الرفق، وكان صلى الله عليه وسلم يرفق بالنساء، ويظهر هذا عندما كان في مسيرٍ له، فحدا حادٍ – يقال له: أنجشة – فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَيْحَكَ يَا أنْجَشَةُ، رُويْدَكَ سَوْقًا بِالْقوارِيرِ».( 10). طلب منه صلى الله عليه وسلم الرفق في السير؛ لأن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي واستلذته، فأزعجت الراكب، وأتعبته، فنهاه عن ذلك؛ لأن النساء يضعفن عند شدة الحركة، ويخاف ضررهن وسقوطهن.
وكان عند نبينا صلى الله عليه وسلم أضياف من أصحابه رضي الله عنهم وكان جالسًا في بيت إحدى أمهات المؤمنين – بيت عائشة رضي الله عنها – فأرسلت إحدى ضرّاتها بإناء فيه طعام، فغارت عائشة رضي الله عنها من إرسال الطعام في يومها، فربما يكون أحسن من طعامها، فضربت الإناء فسقط فانكسر، والناس ينظرون إلى ما يجري في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما هو صانع بامرأته؟! لكن ما عنَّفها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شتمها ولا كهرها، إنما قال صلى الله عليه وسلم: «غَارَتْ أُمُّكُمْ».( 11) ثم جمع الطعام في الإناء وقَدَّمه لأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، وأرسل إناءً صحيحًا إلى تلك الضَّرَّة، وقال: «طعامٌ كطعامِها وإِناءٌ كإِنائِها».( 12)
وتظهر رحمته صلى الله عليه وسلم عندما رُمِيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في عِرْضها، وتكلم الناس فيها شهرًا، وكان عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين هو من يُروِّج لذلك، فيبْلُغ الكلامُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، يبلغه ذلك في حق زوجه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، فما يتكلم صلى الله عليه وسلم بشيء في حقِّها، وما رماها صلى الله عليه وسلم بشيء مما يتكلم به الناس، إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتأذى من ذلك، ويُرى ذلك في وجهه صلى الله عليه وسلم، وما قال لها إلا كلمات يسيرة، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائِشةُ، إِنّهُ بلغنِي عنْكِ كذا وكذا، فإِنْ كُنْتِ برِيئةً، فسيُبرِّئُكِ اللَّهُ، وإِنْ كُنْتِ ألْممْتِ بِذنْبٍ فاسْتغْفِرِي اللّه وتُوبِي إِليْهِ، فإِنَّ الْعبْد إِذا اعْترف ثُمَّ تابَ تابَ اللَّهُ عليْهِ»( 13) ولما نزلت براءتها من عند الله عز وجل، قال لها صلى الله عليه وسلم: «أبْشِرِي يا عائِشةُ، أمَّا اللَّهُ فقدْ برَّأَكِ»( 14) وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الآيات من سورة النور في براءة أمنا عائشة رضي الله عنها: ﴿إِنَّ الَّذِين جاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبةٌ مِّنكُمْ لا تحْسبُوهُ شرًا لّكُم بلْ هُو خيْرٌ لّكُمْ ﴾ [سورة النور : الآية 11] إلى آخر الآيات. قالت أم عائشة: يا عائشة، قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحمديه. فقالت عائشة رضي الله عنها: والله لا أحمده، إنما أحمد الله الذي أنزل براءتي.
يقول ابن القيم رضي الله عنه ورحمه وغفر له: وكان هذا من أحب ما يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ إنها وَحَّدت الله ونسبت النعمة إليه تبارك وتعالى، ولم تنسبها إلى أحد من البشر.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من رِفْقِه بأهله يكون في مهنتهم، فعن الأسود قال سألتُ عائشة ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يصنع فى بيته، قالت: كان يكون فى مِهْنةِ أهله – تعني خدمة أهله – فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.(15 )
وكان نبينا صلى الله عليه وسلم ينصح أصحابه إذا علَّموا وأرشدوا الناس بأن يتجنبوا العنف وأن يرفقوا بعباد الله تبارك وتعالى، ويبين ذلك أنه جاء أعرابي فدخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبال في ناحية من المسجد، فقام إليه الناس لينهروه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعُوهُ لا تُزْرِمُوهُ».( 16) أي: لا تقطعوا بوله. فلما فرغ الرجل من بوله، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسجْلٍ من ماء أو بذنوب من ماء، وأمر بالماء فأريق عليه، وانتهى الأمر عند هذا. فلو أنهم عنفوه فلربما هجرهم ولربما ترك الخير الذي كان مقبلًا عليه. قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرِّفْقَ لا يكُونُ فِى شىْءٍ إِلاَّ زانهُ ولا يُنْزَعُ مِنْ شىْءٍ إِلاَّ شانهُ».( 17)
وعن معاوية بن الحكم السلمى قال بينا أنا أصلي مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إذ عطس رجلٌ من القوم، فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلِيَّ؟ فجعلوا يضْرِبون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يُصمِّتُونني لكنى سكتُّ، فلما صلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فبأبي هو وأمي، ما رأيت مُعلِّمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما كهرنِي ولا ضربني ولا شتمني، قال: «إِنَّ هذِهِ الصّلاة لا يصْلُحُ فِيها شيْءٌ مِنْ كلامِ النّاسِ، إِنّما هُو التّسْبِيحُ والتّكْبِيرُ وقِراءةُ الْقُرْآنِ».( 18)
يقول قتادة رحمه الله في قول ربنا جل وعلا: ﴿فبِما رحْمةٍ مِّن اللّهِ لِنت لهُمْ ولوْ كُنت فظاًّ غلِيظ القلْبِ لانفضُّوا مِنْ حوْلِك ﴾ [سورة آل عمران : الآية 159] قال: والله لقد طهره من الفظاظة والغلظة، جعله بالمؤمنين رءوفًا رحيمًا.
كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن العنف والشدة في التعامل مع النفس ويأمر بالرفق بها، فعن عائشة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – دخل عليها وعندها امرأة، قال: «منْ هذِهِ؟» . قالت: فلانة. تذكر من صلاتها. قال: «مهْ، عليْكُمْ بِما تُطِيقُون، فواللَّهِ لا يَمَلُّ اللَّهُ حتَّى تَمَلُّوا» ( 19). وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه.
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه يقول: والله لأقومن الليل ولأصومن النهار ما حييت. فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عبْدَ اللَّهِ، ألَمْ أُخْبَرْ أنّك تصُومُ النَّهار وتقُومُ اللّيْل؟» . فقُلْتُ: بلى يا رسُول اللَّهِ. قال: «فلا تفْعَلْ، صُمْ وأفْطِرْ، وقُمْ وَنَمْ، فإِنَّ لِجسدِك عليْكَ حقًّا، وإِنَّ لِعيْنِكَ عليْكَ حقًّا، وإِنَّ لِزوْجِك عليْك حقًّا، وإِنَّ لِزوْرِك عليْك حقًّا، وإِنَّ بِحسْبِك أنْ تصُوم كُلَّ شهْرٍ ثلاثةَ أيّامٍ، فإِنَّ لك بِكُلِّ حسنةٍ عشْرَ أمْثالِها، فإِنَّ ذلِكَ صِيامُ الدّهْرِ كُلِّهِ»( 20) يقول عبد الله بن عمرو: ياليتني أطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.
عنْ أنسٍ – رضي الله عنه – أنَّ النّبِىَّ صلى الله عليه وسلم رأى شيْخًا يُهادَى بيْن ابْنيْهِ، قال: «ما بالُ هذا؟!». قالُوا: نَذَر أنْ يمْشِيَ. قال: «إِنَّ اللَّهَ عنْ تعْذِيبِ هذا نفْسَهُ لَغَنِىٌّ».( 21) وأمره أن يركب. صلوات الله وسلامه عليه.
كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الشدة في أداء العبادة، ويأمر بالرفق بالعابدين المصلين الرُّكَّع السُّجُود، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه وأرضاه لما طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعله إمام قومه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أُمَّ قوْمَكَ، فمَنْ أمَّ قوْمًا فلْيُخفِّفْ، فإِنَّ فِيهِمُ الْكبِيرَ، وإِنَّ فِيهِمُ الْمرِيضَ، وإِنَّ فِيهِمُ الضّعِيفَ، وإِنَّ فِيهِمْ ذا الْحاجةِ، وإِذا صلَّى أحدُكُمْ وحْدهُ فلْيُصلِّ كيْف شاءَ».( 22)
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواصل في الصيام، أي: يصوم يومين متتابعين بغير إفطار، وكان بعض أصحابه يريد الوصال، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: «إِيّاكُمْ والْوِصال». مرّتيْنِ، قِيل: إِنّك تُواصِلُ. قال: «إِنِّي أبِيتُ يُطْعِمُنِي ربِّي ويسْقِينِ، فاكْلفُوا مِن الْعملِ ما تُطِيقُون» ( 23).
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان في سفر ، فرأى زِحامًا، ورجلاً قد ظُلِّل عليه، فقال: «مَا هَذَا؟». فقالوا: صائم. فقال: «ليْسَ مِن الْبِرِّ الصّوْمُ فِي السّفرِ»( 24)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن العنف في معاملة الحيوان ويأمر بالرفق به، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ كتَبَ الإِحْسانَ على كُلِّ شىْءٍ، فإِذا قَتَلْتُمْ فأَحْسِنُوا الْقِتْلة، وإِذا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْح، ولْيُحِدَّ أحدُكُمْ شَفْرتَهُ، فلْيُرِحْ ذبِيحتهُ».( 25)
يقول سهل بن الحنظلية رضي الله عنه، مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لَحِق ظهرُه ببطنِه، فقال: «اتَّقُوا اللَّهَ فِى هذِهِ الْبهائِمِ الْمُعْجمةِ فارْكبُوها وكُلُوها صالِحةً ».(26)
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، فرأينا حُمَّرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الْحُمّرةُ فجعلت تفرش – أي ترفرف بجناحيها – فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مَنْ فَجَعَ هذِهِ بِولدِها؟! رُدُّوا ولدها إِليْها». ( 27)
وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن الغلظة والفظاظة والعنف في معاملة الناس عمومًا وفي معاملة الحكام خُصوصًا، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مُبيِّنًا أن العنف في معاملة الحكام مُؤدٍّ إلى عواقب وخيمة لا تحمد في الدنيا ولا في الآخرة: «منْ أراد أنْ ينْصح لِذِي سُلْطانٍ لا يُبْدِهِ علانِيةً ولكِنْ يأْخُذُ بِيدِهِ، فيخْلُو بِهِ، فإِنْ قبِل مِنْهُ فذاك وإِلاّ كان قدْ أدَّى الَّذِي عليْهِ»(28 ) فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلظة والشدة في معاملة الحكام، فإن هذا لا ينبغي كما يقول أهل العلم.
وحُكِي أن رجلاً أغلظ في نصيحته لأحد أمراء بني العباس، فقال له: يا هذا، قد أرسل الله عز وجل من هو خير منك إلى من هو شر مني، أرسل موسى إلى فرعون فقال: ﴿فقُولا لهُ قوْلًا لّيِّنًا لّعلّهُ يتذكّرُ أوْ يخْشى ﴾ [سورة طه : الآية 44]. وهذا قد يكون ما فيه من الخطإ، فربما أضر به السلطان.
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه لابنه عبد الله: ما الرفق؟ قال: تكون ذا أناة فتلاين الولاة. قال: فما الخرق؟ يعني الحمق. قال: معاداة إِمامِك ومناوأة من يقدر على ضررك.
وقد جاءت الأخبار مشيرة إلى ملاينة الولاة وطاعتهم، فعن حذيفة بن اليمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يكُونُ بعْدِى أئِمّةٌ لا يهْتدُون بِهُداي ولا يسْتنُّون بِسُنّتِي وسيقُومُ فِيهِمْ رِجالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشّياطِينِ فِي جُثْمانِ إِنْسٍ». قال: قُلْتُ: كيْف أصْنعُ يا رسُول اللّهِ إِنْ أدْركْتُ ذلِك؟ قال: «تسْمعُ وتُطِيعُ لِلأمِيرِ وإِنْ ضُرِبَ ظهْرُك وأُخِذَ مالُك فاسْمعْ وأطِعْ».( 29)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِى أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: «تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِى عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ»(30 )
وعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ: «لاَ، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ».(31 )
ونهى صلى الله عليه وسلم عن الخروج على ولاة الأمور وعلى المسلمين وحمل السلاح عليهم، فقال: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا».( 32) وأمر بالصبر على جور الولاة وذلك لما فيه من الخير والنفع على عموم الأمة.
وعن ابن الأعرابي قال: قال عمرو بن العاص لعبد الله ابنه: يا بُنَيَّ سُلْطان عادلٌ خَيْرٌ مِن مَطَرٍ وَابِلٍ، وَأَسَد حَطُومٌ خَيْرٌ مِنْ سُلْطَانٍ ظلوم، وسلطانٌ غَشُوم ظَلُوم خَيْرٌ من فِتْنَةٍ تَدُومُ.(33 )
فإذا كان في الناس حاكم يظلم بعض الشيء ولكن تقام شرائع الإسلام من صلاة وغيرها فهم في خير، ولكن إذا وقعت الفتنة انقطعت السبل واعتُدِي على حرمات الله تبارك وتعالى.
أسباب العنف ودوافعه:
1- الجهل بعواقبه وآثاره، فربما لا يدرك الإنسان ما يترتب على ذلك من الضرر في الدين والدنيا.
2- قلة الصبر والتسرع والعجلة في الأمور، فالواجب على المسلم أن يصبر ولا يضره أن يتثبت في الأمر حتي يتبين خطؤه من صوابه.
3- تلبيس الشيطان، فيوهمه أن العنف دال على الغيرة على المحارم، ويحصل هذا لبعض مَن ينكرون المنكر، فتراهم ينكرون بعنف وغلظة وشدة، ويرون أن هذا خير لهم، وأنفع للمنصوح المنكر عليه، وليس هذا بصحيح، وهذا لا يدل على عظيم إيمانهم بالله تبارك وتعالى.
4- الفساد العقدي، كما عند الخوارج وغيرهم، فإنهم لما فسدت عقائدهم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حصل منهم ما حصل من العنف، فهم من أوائل مَن أحدث العنف في تاريخ الأمة الإسلامية.
5- التأثر بالأصحاب والأقران ومفارقة القرى والأمصار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلِ».(34 ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَا جَفَا» (35). هذه بعض أسباب العنف ودوافعه.
مفاهيم مغلوطة:
هناك مفاهيم مغلوطة خاصة بالمصطلحات الشرعية ينبغي أن تُفْهَم كما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكما فهمها السلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم.
فأهل الأهواء وأهل البدع والكفار قد يستغلون بعض المصطلحات الشرعية للطعن في دين الإسلام أو للطعن في السنة، فمثلا المصطلح الشرعي “الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى”، و”إنكار المنكر”، من أصول المعتزلة والخوارج إنكار المنكر والجهاد في سبيل الله عز وجل، ويعنون بذلك الخروج على ولاة الأمر إذا بدرت منهم معصية.
وأهل السنة يخالفونهم في هذا، فيرون أن الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى مع ولاة الأمر أبرارًا كانوا أو فجارًا، وأنه لا يجوز الخروج للجهاد إلا بإذنهم، ويرون أنه لا يجوز أن ينكر على ولي الأمر بالسلاح، إنما ينكر عليه بالنصيحة على وَفْق ما جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا أحد المصطلحات الشرعية التي فهمها مثل هؤلاء فَهْمًا غير صحيح على خلاف ما جاء به الشرع.
وأهل الأهواء يستغلون مصطلح الرفق والعنف لإسكات علماء أهل السنة إذا حذروا الناس منهم فيقولون: لا تغتابوا المسلمين، ولا تقعوا في أعراضهم. وهذا ليس بصحيح. لَمَّا قيل للإمام أحمد وغيره: لماذا تغتابون الناس؟ فقال: نحن ننصح لهم.
إذا حذرنا الناس مما أخطأ فيه هؤلاء لم يتبعوهم على ذلك، والذي يمدحهم إنما يضرهم في الدنيا وفي الآخرة.
هذان المصطلحان الرفق والعنف قد استغلهما بعض الناس استغلالاً غير صحيح، وأخطأ بعض الناس في فَهْمهما، فمن ذلك وَصْفُ الإسلام بالعنف والغلو والتطرف، وهذا قد كثر في الآونة الأخيرة في وسائل الإعلام غير المسلمة، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وينبغي أن يُعْلَم أن غير المسلمين لا يرضون عن المسلمين أبدًا، والمسلمون عليهم أن يعلموا هذا ويدركوه، ولكن هذا لا ينفي معاملتهم بالحسنى، وبما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فعلينا أن نحفظ حق الله عز وجل فيهم، وأن نُوفِيَ لهم بالعهد والميثاق، وليعلم كل مسلم أن أعداء الدين يبحثون عن أخطاء المسلمين لينفروا الناس من الإسلام قال تعالى: ﴿ودُّوا لوْ تكْفُرُون كما كفرُوا فتكُونُون سواءً ﴾ [سورة النساء : الآية 89]
فقد كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعنون في عرضه صلى الله عليه وسلم ويتهمون زوجه عائشة بما برأها الله عز وجل منه فكيف في زماننا، لقد استغلوا أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي قام بها أناس خرجوا على بلادهم وخرجوا عن سبيل أهل السنة والجماعة وفعلوا تلك الأفاعيل في تشويه صورة المسلمين، ولكن بحمد الله تبارك وتعالى بادر علماء المسلمين بإنكار ذلك والبراءة منه.
ولكن ينبغي أن تستمر الجهود لاقتلاع ما بذره أولئك وما غرسوه في نفوس الناس في العالم من تشويه سمعة الإسلام وإلصاق تهمة الإرهاب به، وسيأتي إن شاء الله أن المسلمون هم من أشد الناس تعرضًا لهذه الجهمات الإرهابية.
لقد فهم هؤلاء الغلظة التي جاءت في كتاب الله تبارك وتعالى فَهْمًا غير صحيح، فيرون أن قتل الكفار في بلاد المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم، بل وقتلهم داخل بلادهم بعد حصول العهد والأمان يرون ذلك من الغلظة المأمور بها في كتاب الله عز وجل في قوله: ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ [سورة التوبة : الآية 73] وهذا فهم مغلوط لمعنى الغلظة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل الواجب الوفاء لهم بالعهود والمواثيق.
لقد فهم أهل الأهواء والبدع مصطلح الرفق والبعد عن العنف فَهْمًا غير صحيح، فإذا تكلم الناصحون من أهل السنة وحذروا الناس منهم اعتبروا ذلك من باب الغيبة وقالوا: لا تغتابوا المسلمين ولا تشددوا عليهم، إياكم والعنف في معاملة المسلمين، لماذا تحكمون على أولئك أنهم مبتدعة؟! كلنا مسلمون وليس بيننا مبتدع، كما أن بعض الناس يقول: لا ينبغي أن نصف الكفار بأنهم كفار. وقد قال الله عز وجل في كتابه: ﴿قُلْ يا أيُّها الكافِرُون لا أعْبُدُ ما تعْبُدُون ﴾ [سورة الكافرون : الآية 1 - 2].
ينبغي أن تُبَيَّن الأحكام الشرعية ويُبَيَّن السُّنِّي من المبتدع، وتُبَيَّن السنة من البدعة بالرفق، وإذا سَمَّى الناسُ تلك النصيحةَ والبيانَ والنُّصْحَ لكتاب الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولطريقة أهل السنة والجماعة شِدَّةً وعُنْفًا، فهذا شأنهم، ولكن يبقى أنه من النصح وإنكار المنكر والغَيْرة على دين الله تبارك وتعالى.
من اللين غير المحمود ما يفعله أهل الأهواء والبدع، فإنهم إذا عرفوا أن عوامَّ أهل السنة يَنْفُرون منهم تراهم يتعاملون معهم برفق عظيم ويُحْسِنون في معاملتهم، فيُفْتَن كثير من أهل السنة، وينبغي أن يَفطن أهل السنة لذلك، فإن تلك المعاملة الحسنة إذا كان وراءها مُعْتَقَدٌ مُخالفٌ لما عليه السلف الصالح فليست محمودة، إنما يُقْتَنص بها عوام أهل السنة.
ومن الغلظة طريقة عرض السنة على الناس، إن معتقد السلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم فيه أمور تخالف الأهواء وتخالف العقول غير السوية كما تقدم عن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملة الحكام وعدم الإنكار على ولاة الأمر علانية أو التشهير بهم على المنابر، بعض الناس يخالف ذلك حسب هواه، ويقول: لم لا نعلن؟ ولماذا لا ننكر المنكر؟ لماذا الكفار في بلادهم يلعنون ويسبون ولاة أمرهم ولا يُتَكَلَّم فيهم ولا يُقال فيهم شيء؟ لماذا في بلاد الكفار أحزاب وجماعات متعددة – تعددية حزبية – وليس في بلادنا ذلك؟ لماذا في بلادهم ديمقراطية وليس في بلادنا هذا؟ فيفتن هؤلاء بما عند الكفار.
أيها الأخوة إننا نحن أهل الإسلام نعرف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأولئك كفار لا يعرفون ما أنزل الله عز وجل، ولا يعلمون حدود الله تبارك وتعالى، هم يلعنون ويسبون ولاة أمرهم؛ لأنهم لا يعملون بقول النبي صلى الله عليه وسلم وتحذيره من سب الولاة والطعن فيهم كما تقدم الحديث عن ذلك، وكان الصحابة يقولون: نهينا عن سب أمرائنا. هم يحرضون على بلادهم ويرون أن التفرق والتعددية الحزبية من محاسن ديمقراطيتهم، وهي عندنا في كتاب الله عز وجل منبوذة، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنّ الّذِين فرّقُوا دِينهُمْ وكانُوا شِيعًا لّسْت مِنْهُمْ فِي شيْءٍ ﴾ [سورة الأنعام : الآية 159].
لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التفرق في الدين ومن الأحزاب التي تؤدي إلى تفريق المسلمين.
من المفاهيم المغلوطة أيضا إلصاق التهم ببعض الأطراف وتحميلها مسئولية إحداث العنف، أو أنها مصدر العنف، كما حدث مع دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، أو ما يعرف بالحركة الوهابية، لما ظهرت تلك الأمور التي أحدثها الإرهابيون نسبوها إلى دعوة الإمام المجدد رحمه الله.
فينبغي أن يعلم أن هذا من صنيع أعداء الدين الذين يتربصون بنا ليلا ونهارا، إذا قرأت كتاباتهم قبل مائة سنة أو أكثر تراهم يحذرون من الوهابية، بل بعضهم كما أُخْبِرَ يقول: أسلمت في بلد غير إسلامي في أوروبا، فقال لي والدي: أَسْلم ولا نعاتبك على ذلك، ولكن إياك والوهابية. فَعِلْمُه عن الوهابية ومَعْرِفتُه بها إنما هو من شدة التحذير منها.
فمن مكر أعداء الدين وكيدهم نسبوا هذه الأفعال لدعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، وهو بريء منها، ودعوته بريئة منها، بل لو نظرنا في دعوة الإمام المجدد وفي أتباعه لرأينا أنهم من أشد الناس تَعرُّضًا لعنف أهل الأهواء والبدع.
لَمَّا قام الإمام المجدد رحمه الله بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى تكالب عليه وعلى آل سعود الأعداء من كل مكان وغزوهم في ديارهم، ولهذا يقول الإمام المجدد في بعض رسائله: نحن ما بدأناهم بالقتال، هم الذين أتوا إلى ديارنا. واستمر العنف في القول والفعل حتى إنه صدرت فتوى من القاضي العثماني سنة 1162هـ ، ذكرها المؤرخ أحمد زيني دحلان في كتابه خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام، أمره فيها حاكم مكة العثماني بتكفير محمد بن عبد الوهاب وأتباعه ومن معه من السعوديين ، فأصدر ذلك القاضي فتواه، وبناء على ذلك مُنِعوا من الحج ودخول الديار المقدسة خمسين سنة، فلو أن أحدًا منهم أتى إلى مكة لقتل وسلب ماله. وها هم يتهموننا بأننا نكفر الناس، ولو نظرت إلى الأوراق الرسمية التي كانت تتداول وطبعت في تلك الأوقات طبعت أخيرًا، ستجدهم يصفون أهل هذه البلاد بالكفر بالله تبارك وتعالى، ويصفون الإمام المجدد وأتباعه بالخوارج، وأنه ينبغي اجتثاثهم والقضاء عليهم.
ألم تسمعوا بأن العنف وصل بلادنا وإلى قريتنا وإلى مدينتنا سنة 1233 هـ ، حيث غضب الخليفة العثماني – وكان صوفيًّا، كما دلت على ذلك رسائلهم ومطبوعاتهم التي ذكر منها صاحب كتاب الرجل المريض شيئًا، فقد كان على الطريقة الشاذلية – بعدما سمع أن رجلا هدم قبة على قبرٍ، فاهتز عرشه من أجل هذا، فجيش الجيوش وسيرهم إليه، حتى وصلوا إلى الدِّرْعية.
يقول الإمام عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: حاصروا الدرعية ثمانية أشهر وهي تُضْرَب بالمدافع، وأهلها يدافعون عنها، وصمد أهل السنة على طريقة السلف الصالح المجاهدون في سبيل الله صمود الأبطال، وما استطاع هؤلاء الغزاة أن يقتحموا تلك البلدة حتى وقع الصلح بينهم وبين إمامها عبد الله بن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود رحمه الله وغفر له، أسْلَم نفسه وفدى أهل البلد حِفاظًا على ما بقي من النساء والذُّرِّية والرجال، فأسْلَم نفسه إليهم على أن يُرْسِلوه إلى إستانبول ويحكم فيه الخليفة العثماني شريطة ألا يمسوا الدرعية وأهلها بسوء، فغدروا كعادتهم وهدموا الدرعية وخَرَّبوها، وأرسلوا مَن بقِي من أهلها إلى ثرمداء، وقد ربط بعضهم إلى بعض، ثم قتلوا عن بَكْرة أبيهم، وأما عبد الله بن سعود أرسل إلى هناك، وحكموا عليه حكمًا ظالمًا جائرًا، ثم طافوا به في طرق إستانبول وهم ينشدون الأناشيد ويضربون الطبول، ثم طعنوه في صدره، وغرسوا فيه الخنجر، ويظنون أنهم بهذا قد أنهوا دعوة أهل السنة والجماعة، فما هي إلا سنوات قليلة ثم تعود هذه الدعوة المباركة على يد الإمام تركي بن عبد الله.
ذهب العنف وذهبت الشدة والغلظة وبقي حكم أهل السنة، فتَحَمُّلُ الإمام المجدد رحمه الله ومن معه من أهل هذه الدعوة لكلام الناس وظلمهم وعدوانهم واتهامهم بالتطرف والغلو والإرهاب والتكفير والتبديع والتفسيق بدون دليل ولا برهان هو الذي بقي أثره، نعم لقد بقي أثر هذا التحمل في سبيل الحق، وذهبت هذه الاتهامات الباطلة؛ وذلك لأنهم صبروا وتحملوا في سبيل إيصال الخير لعباد الله عز وجل وفي سبيل هداية هذه الأمة، فوصلت هذه الدعوة إلى مشارق الأرض ومغاربها، ونفع الله عز وجل برفق الإمام المجدد وصَبْرِه على أولئك الجهلة الظلمة المعتدين، ما لله عز وجل يبقى قال تعالى: ﴿فأمّا الزّبدُ فيذْهبُ جُفاءً وأمّا ما ينفعُ النّاس فيمْكُثُ فِي الأرْضِ ﴾ [سورة الرعد : الآية 17].
نماذج على مَن يقع العنف عليه :
قد يقع العنف على أصناف من الناس نذكر على سبيل المثال وقوعه على الوالدين من قبل الأبناء، لهذا قال الله عز وجل محذرًا الأبناء: ﴿فلا تقُل لّهُما أُفٍّ ولا تنْهرْهُما﴾ [سورة الإسراء : الآية 23].
ويقع على الأبناء من الآباء، ولهذا جاءت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاثة على الرفق بالأولاد والصبر عليهم، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الحسن والحسين يضمهما ويقبلهما صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا. فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ونظر إليه وقال «أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ»(36 ).
كانوا لا يقبلون صبيانهم، ويرون أن في هذا تعويدًا للصبيان على القوة والقسوة، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا، وكان يُقَبِّل الصبيان صلوات الله وسلامه عليه.
خرج نبينا صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وهو يحمل بنتًا صغيرة تعلقت به عليه الصلاة والسلام، وهي أُمامة بنت زينب حفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلما كَبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسجد وضعها، فإذا قام حملها صلى الله عليه وسلم، ثم سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقع العنف أيضًا على الزوجة، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم محذرًا من شدة العنف ومُبيِّنًا كيفية التعامل مع النساء إذا بَدَر منهن خطأ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِى النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ»( 37)
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الغلظة لا تنفع مع النساء، فعليك بالرفق إذا أردت تقويمها، فهي كالضلع الأعوج، إن أخذت تقيمه كسرته، وكسر المرأة طلاقها، فإذا أردت أن تستمتع بالمرأة وتكون عندك فإياك والغلظة والشدة في معاملتها، وعليك بالرفق واللين والحيل الشرعية.
ومن الذين يقع عليهم العنف والغلظة المعاهدون والمستأمنون وهذا العنف في غير محله، فالكفار على أصناف محاربون، ومستأمنون معاهدون.
فالصنف الأخير وهم المستأمنون المعاهدون إذا كانوا في بلادنا ولم يعتدوا علينا أو كان بيننا وبينهم عهد، لا يجوز أن نغلظ عليهم غلظة في غير محلها.
وعن أسماء رضي الله عنها قَالَتْ: قَدِمَتْ أُمِّى وَهْىَ مُشْرِكَةٌ فِى عَهْدِ قُرَيْشٍ وَمُدَّتِهِمْ، إِذْ عَاهَدُوا النَّبِىَّ – صلى الله عليه وسلم – مَعَ أَبِيهَا، فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّى قَدِمَتْ وَهْىَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا؟! قَالَ: «نَعَمْ صِلِى أُمَّكِ».(38 )
قال الله عز وجل: ﴿لا ينْهاكُمُ اللّهُ عنِ الّذِين لمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ ولمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيارِكُمْ أن تبرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إِليْهِمْ ﴾ [سورة الممتحنة : الآية 8].
ومن الذين وقعت عليهم الغلظة الغلظة في القول الصحابةُ وآلُ بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز إغلاظ القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ينبغي الترضي عليهم، صحح الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه: «مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمْلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».
ومن الذين يقع عليهم العنف والغلظة العلماء، قد يُغْلَظ في التعامل معهم، والواجب أن يُرْفَق بهم وأن يستفاد منهم، وأن يتَأدب المرء بآداب أهل العلم معهم، بعض الناس قد يصف العلماء إذا أفتوا بما يخالف هواه – وهو جاهل بما أفتوا به وجاهل بالنصوص الشرعية – بأنهم مداهنون لا يفقهون الواقع، وبأنهم لا يعرفون الأحكام الشرعية، وبأنهم كذا وكذا، وهذا ليس بصحيح، بل هو من قبيل الجهل.
وبعض الناس يتعدى على طائفة مخصوصة من العلماء كما يحصل من بعض مَن ينتسبون إلى العلم بالحديث والعناية به، فترى أنهم إذا عرفوا تخريج حديث أو حديثين بدءوا يتكلمون في العلماء، ويقولون: نحن أهل الحديث ونحن العارفون به، هؤلاء مقلدة لا يعرفون الحديث ولا يعرفون صحيحه من ضعيفه. وإذا تَكَلَّم أحدهم في رجل من أهل العلم يقول: ذاك حنبلي لا يعرف الحديث، وهذا فيه كذا وكذا.
والله إن هذا من أفعال أهل الأهواء في زماننا أصحاب فتنة الحرم، كما ذكر العلماء الذين ناصحوهم، فهم الذين بثوا هذا في شباب المسلمين وفي بعض طلبة العلم، فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كان على مذهب الحنابلة وتعلم وتفقه على طريقتهم، وابن القيم رحمه الله وابن قدامة وغيرهم من العلماء من أهل السنة. لقد ألف شيخ الإسلام شرح العمدة وألف شرح المحرر ولم يطبع.
الإمام المجدد رحمه الله ألف في الفقه، وغيره من علمائنا إلى زمننا يعتنون بالحديث ويعتنون بالفقه على المذاهب الأربعة كما ذكر المردوي رحمه الله في شرح أصوله وهي مطبوعة، قال: إن فقه أهل الإسلام يرجع إلى هذه المذاهب الأربعة، وهي التي حُرِّرت وضُبطت، وهي التي ينبغي أن يُعْتنى بها، وما يوجد من كلام الصحابة رضي الله عنهم أو غيرهم من المذاهب المندثرة فإنه موجود في هذه المذاهب الأربعة، وأصحاب المذاهب إنما يعتمدون على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيهم العلماء وفيهم العارفون، وفيهم المحدثون، ولو نظرت إلى كتبهم لعلمت أنك تصل إلى الصحيح في المسألة من جهة الدليل.
بعض الناس يقول: ننظر في زاد المستقنع، وليس فيه دليل ليس فيه قال الله وقال رسوله؟! وتجده يغلظ القول في هذا، حتى إن بعضهم يقول: إن زاد المستقنع أشبه بالدستور الوضعي الذي يوجد في بعض البلاد. ويصدون طلبة العلم عنها، والله إن هذا من الجور والظلم، إن العلماء يؤلفون في الفقه على أربعة طرق، لكي تناسب أذهان وأفهام المتعلمين.
الطريقة الأولى: تأليف متن مختصر بدون ذكر دليل، فيه بيان الراجح من مذهبهم.
الطريقة الثانية: يؤلفون على مذهبهم أي الراجح فيه بذكر قولين أو روايتين أو وجهين، من هذه المؤلفات زاد المستقنع، وكتاب العمدة للموفق بن قدامة.
الطريقة الثالثة: يؤلفون كُتُبًا فيها ذكر الخلاف والأدلة في إطار مذهبهم، ككتاب الكافي للموفق بن قدامة.
الطريقة الرابعة: يذكرون فيها الأدلة وكلام السلف، والخلاف العالي، وكلام المتقدمين والمتأخرين، والراجح من جهة الدليل.
وعلى طالب العلم أن يتدرج في التعلم، فلا يقول: لا يوجد في زاد المستقنع دليل فأنظر إلى المغني.
ومن الذين يقع عليهم الغلظة والعنف أيضًا رجال الأمن، وهذا يحصل من الخوارج، فأول ما يسلطون سهامهم إلى رجال الأمن وإلى مَن يوافقون ولاة الأمر ولا يخرجون عليه ويلزمون البيعة.
لَمَّا مر عبد الله بن خباب بن الأرت على الخوارج وهو متوجه إلى علي بالكوفة ومعه امرأته وولده، فقالوا: هذا رجل من أصحاب محمد نسأله عن حالنا وأمرنا ومخرجنا. فانصرفوا إليه فسألوه، فقال: أما فيكم بأعيانكم فلا. ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: «يَكُونُ مِنْ بَعْدِي قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ» الحديثَ وفيه أنهم قتلوه وقتلوا امرأته وهي حامل مُتِمٌّ. هكذا يفعل الخوارج فيمن لا يوافقهم.
ومن الذين يقع عليهم العنف الرعية، الواجب على من استرعاه الله عز وجل وأوكل إليه أمرًا من أمور المسلمين أن يرفق بعباد الله تبارك وتعالى، ولو نظرت إلى سيرة الملك عبد العزيز وما واجهه من الفتن ومن الخروج عليه في كثير من المواضع ومن تسلط بعض الناس عليه، ومع ذلك يصبر ويكظم غيظه ويعفو حتى اجتمع الناس عليه بجزيرة العرب، ولم يجتمعوا على أحد قبله من سنوات طويلة، فهذا مما لا شك فيه لما كان عليه من العقل والحكمة، حتى إن كثيرًا من الناس كانوا يعادونه ومع ذلك يتألفهم حتى صاروا أعوانًا له رحمه الله وغفر له.
لما خرج عليه بعض الناس مع العلماء وقال: تكلموا بما عندكم. فذكروا بعض الأمور، وأنكروا عليه استعمال اللاسلكي وغيره، فقال: اسألوا العلماء، فأفتى العلماء بأنه لا يجوز لكم أن تُعَنِّفوا ولي الأمر في هذا الأمر، وليس عندكم دليل، وأما الجهاد الذي تزعمونه فإن هذا ينبغي أن يكون خلف ولي الأمر، ولا يجوز لكم أن تخرجوا للجهاد بدون إذنه، لكن أولئك العصاة ما استجابوا حتى خرجوا على الإمام رحمه الله، فاستعان بالله عز وجل وكسر شوكتهم، واستتب الأمر له من بعد ذلك.
العنف أيضًا قد يقع على راكب السيارة، بعض الناس إذا ركب سيارته فإنه يقودها بعنف، ولربما صدم بعض الناس نِكاية بهم، فمن الناس مَن يتوجه بسيارته إلى سيارة أخرى ليصدمها مرة ومرتين ثم يفر بعد ذلك.
هذا والله لا يجوز في دين الله عز وجل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ».(39 )
من أمثلة العنف والغلو والتطرف في تاريخ الأمة الإسلامية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم مالاً وكان هناك رجل كث اللحية ناتئ الجبهة فتكلم بكلام عظيم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كله عنف وشدة وغلظة، ويظن أنه ناصح لله، قال: يا محمد – هكذا بدون توقير لرسول الله صلى الله عليه وسلم – يا محمد اعدل، فإنك لم تعدل. فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ»( 40) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمثال هؤلاء: «إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا ، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ» .(41 )
في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان الأمن مستتبا وكانت الهجرات تفد إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل مكان، فتسلط شرير من الأشرار كافر من الكفار عبد الله بن سبأ، فتظاهر بالإسلام، وكان من يهود اليمن، فأراد أن يفسد بين أهل الإسلام، فحرض الناس على ولاة أمرهم، وكانت طريقته في التعامل مع الناس إثارة الفتنة وتحريضهم على دولة الإسلام وإذهاب عز المسلمين، فكان يقول: عليكم بالإنكار عليهم، والطعن في ولاة أمورهم وعلمائهم، فتسقط بذلك دولة الإسلام. ففعلوا هذا حتى اجتمع الناس حول منزل عثمان رضي الله عنه وقتلوه في منزله وكان صائما في ذلك اليوم.
وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه خرجت عليه الخوارج وكان أشرف الناس وأفضل الناس في زمنه بعد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وأرضاهم، قتلته الخوارج قتله عبد الرحمن بن ملجم وهو يتلو قول الله عز وجل: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ﴾ [سورة البقرة : الآية 207] لم قتلوه؟! لأنهم خالفوه في بعض الأمور الجهادية، فهل من أجل مخالفتك لولي الأمر في أمر جهادي تكفر وتستبيح دمه ودماء رجال الأمن؟
كانوا إذا خطب علي بن أبي طالب يصيحون في المسجد بعنف وغلظة وشدة ويقولون: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ﴾ [سورة المائدة : الآية 44] احكم بما أنزل الله يا علي، حكمت بغير ما أنزل الله. فكان يقول رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل. ثم غزوا المسلمين واستباحوا دماءهم وأموالهم، فاستعان بالله عز وجل واستعمل فيهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلهم رضي الله عنه وأرضاه .
تعليق سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: إن الموضوع عن العنف أسبابه وعلاجه في الحقيقة من المواضيع المهمة التي ينبغي التحدث فيها والتنويه بها؛ لأنها كلمة مجملة يستعملها كلٌّ فيما أراد، فمن أعداء الإسلام مَن يصفون الإسلام بالعنف والقسوة إلى آخره، ويبنون على هذا تشكيك الأمة في دينها وثوابتها ومسلماتها، والذي يعالج هذه القضية يعالجها بالموقف الشرعي، فإن دين الإسلام دين حق، ودين هدى، ودين عدل في الأقوال والأعمال قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ [سورة الأنعام : الآية 152] وقال جل من قائل: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا﴾ [سورة المائدة : الآية 8].
الغيرة مطلوبة في قلب المسلم، ويجب أن يكون في قلبه غيرة لله وإنكار لمحارم الله، لكن هذا الإنكار وهذه الغيرة يجب أن يكونا بضوابطهما الشرعية، لا بالأهواء والآراء، وإذا نظرنا إلى العنف وجدنا أن القرآن والسنة ضده، والذي هو في حقيقته الظلم والعدوان، فإن الله جل وعلا أمرنا بأن نقول القول الحسن: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [سورة البقرة : الآية 83] وقال: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُواًّ مُّبيِنًا﴾ [سورة الإسراء : الآية 53] فأمرنا الله بالقول الحسن، فمما أخذه على بني إسرائيل وأمرهم به ما جاء في قوله جل وعلا: ﴿لَا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [سورة البقرة : الآية 83] وأمر الله عباده بقوله: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [سورة الإسراء : الآية 53] وقال عن نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [سورة القلم : الآية 4] وقال: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [سورة آل عمران : الآية 159].
أيها الإخوة العنف لا يرافق الداعي إلى الله، فإن الداعي إلى الله يصاحبه الرفق واللين في دعوته، يقول صلى الله عليه وسلم: «إِنّ الرِّفْق لا يكُونُ فِى شىْءٍ إِلاّ زانهُ ولا يُنْزعُ مِنْ شىْءٍ إِلاّ شانهُ».( 42) فلا بد للداعي إلى الله أن يكون ذا حلم وأناة وخلق حسن ورحابة صدر وسعة أفق حتى يدعو إلى الله ويُقْبل الناس عليه ويفهمون كلامه ويسمعون خاطبه.
لما أمر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن يصدع بدعوته وقال له: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ ﴾ [سورة الحجر : الآية 94] شمر عن ساق الجد، ودعا إلى الله ليلا ونهارًا وسِرًّا وجِهَارًا، يأتي قبائل العرب في موسم الحج ويعرض عليهم دعوته، ويتلو القرآن عليهم، فمِن قَابِلٍ ومن رادٍّ، ومِن مُتوَقِّف، وهو مع ذلك صابر محتسب، ويأتيه ملك الجبال يستأذنه أن يطبق عليهم الأخشبين بمكة، فيتأنى رجاء أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئًا، والله يقول له: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [سورة آل عمران : الآية 128] وهو صلى الله عليه وسلم يعامل الناس بالرفق في كل الأحوال.
لما جاء معاوية بن الحكم إلى المسجد ليصلي وشمت العاطس، فسَكَّتَه الصحابة بالإشارة إليه، فلما سلم قال: فدعاني صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي ما رأيت معلمًا مثله، والله ما ضربني ولا كهرني ولا شتمني ولكن قال: «إِنّ هذِهِ الصّلاة لا يصْلُحُ فِيها شيْءٌ مِنْ كلامِ النّاسِ، إِنّما هُو التّسْبِيحُ والتّكْبِيرُ وقِراءةُ الْقُرْآنِ».(43 )
ولما جاءه صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الشاب يستأذنه في الزنى قال له: «أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟». قَالَ: لاَ وَاللَّهِ، جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ . قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ؟». قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟». قَالَ: لاَ وَاللَّهِ، جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟». قَالَ: لاَ وَاللَّهِ جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟». قَالَ: لاَ وَاللَّهِ، جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاَتِهِمْ». قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ». قَالَ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَىْءٍ.(44 )
فيجب على الداعي إلى الله أن يكون رَفِيقًا في دعوته بعيدًا عن العنف حتى يُقْبِل الناس عليه ويسمعوا منه ويُصْغوا إليه، فإن كان غليظ الطبع سَيِّئ الخلق، سريع الانفعال لم يتمكن من إيصال كلمة الحق إلى آراء الناس وعقولهم.
والرفق مطلوب للمعلم في تعليمه، فإذا كان رفيقًا استفاد الطلاب من علومه وسألوه وناقشوه، واستفادوا منه، وإن كان ذا عنف فَرُّوا منه ولم يُقْبِلوا عليه، والرفق مطلوب مع العمال ومع الخدم، يقول أنس رضي الله عنه : خَدَمْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِى: أُفٍّ. وَلاَ: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلاَ: أَلاَّ صَنَعْتَ.( 45)
والرفق مطلوب مع الجار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» ( 46).
والرفق مطلوب مع الأبوين والعنف حرام معهما قال جل وعلا: ﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [سورة الإسراء : الآية 23] الآية.
والرفق مطلوب مع البائع والمشتري: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى»( 47).
والرفق مطلوب مع الأولاد والعنف ينفرهم ويقسي قلوبهم على أبويهم، والرفق يُقَرِّبُهم إليهما ويجعلهم يحبونهما، كما ذُكِرَ من قصة تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين وحمله أمامة وقوله للأعرابي: «أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ»( 48).
والرفق مطلوب مع الزوجة ومع النسوة وأنهن خلقن من ضلع أعوج، وأن أعوجه أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، ولا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقًا رضي منها خلقا آخر.
والرفق مطلوب مع الزملاء والأصدقاء والأصحاب حتى تعمهم المودة، والرفق مطلوب مع إمام المسجد، فعليه أن يرفق بالمصلين ولا يطيل عليهم ولا يخل بصلاتهم، لئلا يحصل نزاع بينه وبينهم، إنما يؤدي واجبه كإمام بحسن أداء ورفق بالمصلين إلى غير ذلك.
والرفق مطلوب من الشركاء، قال جل وعلا: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ﴾ [سورة ص : الآية 24] فالرفق مع الشريك تَطِيب به الشراكة، وتكون به الثقة، والعنف يشعل نار العداوة ويفرق بين الجميع.
والرفق مطلوب من القاضي في أثناء قضائه حتى لا يطمع القوي في جوره، ولا ييأس الضعيف من عدله.
والرفق مطلوب مع المحققين بحيث لا يضرون به الآخرين، وإنما تحقيقهم يكون بالرفق حتى يصلوا إلى الحقيقة دون أن يضروا بالآخرين.
والرفق مطلوب من الإمام برعيته ويكون ذلك بنصحه وتوجيهه وقيامه بالحق وعدم العنف معهم وألا يحملهم ما لا يطيقون، كما أن على الرعية أن يعاملوا ولاتهم بالرفق والنصيحة الهادفة بطرقها الخاصة، وليس بالخروج عليهم ومعصيتهم، فإن الخروج عليهم من كبائر الذنوب ومن أخلاق الخوارج المارقين.
فقضية الرفق والعنف قضية عظيمة وكذلك التحدث عن الرفق وبيان أثر العنف من الأمور المهمة التي يجب أن يعلمها كل مسلم، وعليه أن يعلم أن أعداء الإسلام نسبوا الإسلام إلى العنف، والإسلام منه براء، وأن الجهاد إنما شُرِع لإزالة العوائق والحواجز لإيصال كلمة الحق للنفوس، وما شُرِع الجهاد سَفْكًا للدماء والإضرار بالآخرين، والصحابة لَمَّا فتحوا البلاد كانوا يعرضون على أعدائهم الدخول في الإسلام أو الجزية، فالإسلام لم يأت لسفك الدماء، وإنما جاء لإقامة العدل وإرساء دعائم العدل. والحقيقة أن الموضوع من أوله إلى آخره كان قَيِّمًا ومُدَعَّم بالأدلة، وقد بُيِّن فيه حقيقة الأمور، وأشير إلى موقف الولاة، وأن الملك عبد العزيز رحمه الله كان يصحبه الرفق والأناة في أموره كلها وعامل خصومه بالإحسان والعفو عنهم إلى أن جمع الله على يديه هذه البلاد وتوحدت هذا التوحد العظيم، وخَلَفه فيها أبناؤه رزقهم الله الثبات على الحق وجعل خَلَفَهم يخلف سَلَفَهم على حسن حال، إنه على كل شيء قدير وصلى الله وسلم على محمد.
رابط الموضوع : https://www.assakina.com/mohadrat/164...#ixzz2rE4W3gsI
=========
>>>> الرد الرابع :
..............................................
=========
>>>> الرد الخامس :
شكرا على المساعدة
=========