عنوان الموضوع : الفلسفة اليونانية سنة 2 ثانوي
مقدم من طرف منتديات العندليب
منذ ظهور الوعى والإنسان يحاول أن ينظم الفوضى كى يفهم العالم وقد أختلفت طرقه فى ذلك من حقبة لأخرى ، والأسطورة إحدى هذه الطرق التى حاول بها الإنسان تفسير العالم معتمدا على شبكة من الصور المجازية والرموز المحملة بحدوس شعورية ولا شعورية . وبحسب جوزيف كامبل فإن الأسطورة لها أربع وظائف رئيسية :
1ـ وظيفة كوزمولوجية وهى تتعلق بتفسير الظواهر الكونية
2ـ وظيفة سيكولوجية وهى تتعلق بتقديم الطمأنينة للإنسان الخائف من ظواهر الطبعة
3ـ وظيفة صوفية أو روحية
4ـ وظيفة ، إجتماعية تدعيم للعشائرية أو القبلية وإدماج الفرد داخل هذه المنظومة .
إذن الأسطورة كانت تقوم بأدور كل من الفلسفة والعلم والدين
عن طريق التفكير الشعورى واللاشعورى بالصورة ، فى مقابل العقلى فى الفلسفة والتجريبى فى العلم
لا يعرف أحد من الدارسين بشكل قاطع ما هى أسباب هذه النقلة فى الوعى التى تمت فى بلاد اليونان فى القرن السابع قبل الميلاد ، ولكن أغلب الأراء ترجح التأثيرات التى نتجت من الحراك الإجتماعى والسياسى الذى حدث نتيجة الحرب الأهلية بين الشعب والنبلاء فى القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد والتى أنتهت بإنتصار الشعب وإقامة نظام ديموقراطى ، وبذلك ظهرت الفردية ، التى كان أثرها فى الشعر ظهور نوع جديد لم يكن مألوفا لدى اليونانيين وهو الشعر الغنائى فى مقابل الشعر الملحمى القديم والذى هو تجلى للروح الجماعية وأبرز منجزاته ألياذة وأوديسة هوميروس
فلاسفة يونيا
( هو إقليم ومجموعة جزر فى غرب أسيا الصغرى على ساحل بحر ايجه وهو إسم إحدى القبائل الإغريقية القديمة التى سكنت هذا الإقليم وأشهر مدن يونيا : أفسوس ، ساموس ، ملطيا )
طاليس ( 624ـ 550 ق.م )
لا تأتى أهمية طاليس فى الأفكار التى أتى بها فهى أفكار ساذجة جدا ، وإنما أهميته، فى طريقة التفكير ذاتها فهى التى أخرجتها من زمرة الحكماء والكهان وجعلته أول الفلاسفة .
وهى طريقة استخدام العقل المجرد فى بحث أصل الكون دون اللجوء إلى الصور والمجازات التى تتعلق بقوى ماورائية .
أعتقد طاليس أن الماء هو أصل الكون وأن الأرض قرص يطفو على مياه لا نهاية لها .
فالماء هو أصل كل شئ وهو الجوهر الذى تتشكل منه الأشياء بحسب المقدار من الزيادة أو النقصان الذى تحتوى عليه هذه الأشياء من الماء .
طاف بالشرق وتعرف على علوم البابليين فى التنجيم وجاء مصر ودل الكهنة على طريقة لقياس إرتفاع الهرم عن طريق قياس ظله فى وقت من النهار يكون فيه طول الظل مساويا لإرتفاع الشئ
وتنبأ بالكسوف الكلى للشمس الذى حدث فى عام 585
أنكسيماندر ( 611ـ 547 ق.م )
يقال أن أنكسيماندر كان تلميذا لطاليس فى مالطيا . رفض أنكسيماندر أن يكون الماء هو أصل الكون لأن هذا العنصر مهما بلغت درجة مرونته هو له خصائص محددة تجعله يتجمد بالبرودة ويتبخر بالحرارة . طرح أنكسيماندر وجود عوالم متعددة جميعها أصلها مادة واحدة غير محددة كيفا أى نوعيا ، وكما أى لا نهائية ، أى أنها مادة بلا شكل ولا نهاية لها أى بلا حدود .
وهو طرح ساذج من وجهين : استحالة وجودة مادة بهذه المواصفات ، بلا شكل أو قوام ، أى مادة بلا مادة
2ـ كيف ينشأ الإختلاف بين أنواع المادة الموجودة الآن من نوع واحد بلا واحد بلا أى تناقضات داخله ؟
أغرب ما طرحه هذا الفيلسوف المفاجأة الأتية : فهو يرى أن الأرض كانت سائلة وأخذت تجمد شيئا فشيئا وفى نفس الوقت أنصب عليها حرارة لافحة بخرت سائل الأرض وكونت بذلك الهواء ومن إلتقاء الحرارة بالبرودة نشأت الكائنات الحية التى كانت فى البدأ كلها بحرية ثم مع إنحسار المحيط بدأت هذه الكائنات تتوائم مع البيئة وتطورت زعانفها إلى أرجل وأيدى وتطورت حتى ظهر الإنسان .
فرغم هذا الطرح البدائى لنظرية التطور ورغم أنه لم يثبته بالإستقراء وجمع الأدلة ، كما فعل خلفه الإنجليزى بعد 25 قرنا إلا أنه يكفيه السبق والجرأة على هكذا طرح وسط عالم بأكمله أسطورى التفكير
أناكسيمينس ( 588ـ 524 ق.م )
حاول أناكسيمينس أن يتلافى عدم شمول الماء وتغلغله فى كافة أنحاء الكون مثلما طرح طاليس، كما أنه حاول أن يتلافى عدم وجود مادة بلا صفات مثلما طرح أنكسيماندر فطرح الهواء كأصل للعالم فهو شامل متغلغل فى الوجود كله وهو له قوام وصفات تتأثر بحسب حالة التخلخل أو التكاثف ، فإذاأمعن فى التخلخل إنقلب نارا ، وإذا تكاثف تحول إلى بخار والبخار يتساقط مطرا ويتحول المطر إلى تراب وصخور .
فالتخلخل والتكاثف هو المبدأ الذى طرحه أناكسيمينس لتفسير التنوع والإختلاف وصدورهما عن الواحد ـ المادة الأولى .
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
فيثاغورس ( ولد مابين 570 وبين 580 ق.م ، سنة الوفاة مجهولة ! )
شخصية غامضة ، وما وصلنا عنه أكثره خيالى ومليئ بالإسقاطات الأسطورية وكأننا أمام نبى أو أحد القديسين !
ولد فى ساموس وطاف بالشرق وأستقر بجنوب إيطاليا
وهناك أنشأ جماعته المعروفة بإسم الفيثاغوريين
والتى هى أقرب إلى جماعة دينية فقد كانوا يرتدون الملابس البيضاء ويمتنعون عن تناول اللحوم ويؤمنون بتناسخ الأرواح الذى آخذوه من الهند ، ربما عبر فارس ، وكذلك آخذوا منهم فكرة العود الأبدى " السنة الكبرى " أى أن كل شئ سيعود كما هو بعد أن يتم الوجود دورته وينهار كل شئ ...وهكذا إلى الأبد
وفيثاغورس هو الذى أعطى للفلسفة اسمها ، إذا رفض أن يوصف بالحكيم قائلا : " الحكمة تقتصر على الألهة فقط ، ما أنا إلا محب للحكمة ـ فيلسوف "
ونتيجة دعوتهم للفضيلة وممارسة الزهد فقد لاقوا رواجا شعبيا فى إقليم كروتونا مما جعلهم يصطدمون بالسلطة فيقوم رجالها بإشعال النيران فى مقر الجمعية والفيثاغوريين بالداخل ، ولكن يقال أن فيثاغورس لم يكن حاضرا إجتماع الحريق هذا .
أهتم الفيثاغوريين بالهندسة ويقال أن أغلب إسهامات إقليدس مأخوذة من فيثاغورس .كذلك أهتموا بالموسيقى فقد رأواأن الكون " عدد ونغم "
أما إسهامهم الرئيسى فى الفلسفة فهو فكرة : الكون مكون من أعداد ، أى أنهم جعلوا العدد هو أصل الكون .
بذلك تكون فكرة الأصل بالفيثاغوريين قد قطعت شوطا لا بأس به نحو التفكير المجرد بتخلصها التام من الإسقاطات المادية لفلاسفة يونيا الطبيعانيين .
فقد رأى الفيثاغوريين أن صور الأشياء المادية التى تستقبلها حواسنا عارضة أى ليست هى جوهر الأشياء لأننا يمكننا تخيلها بدون إنطباعات الحواس هذه . فمثلا يمكننا تخيل برتقالة فى كون آخر بلا طعم ولا لون ولا رائحة ولكن لا يمكننا أبدا أن نتصورها بدون عددها فهى دائما واحدة ،
وجميع الأشياء تخضع لفكرة العدد هذه فالمسافة والزمن والمساحة كلها تقسم لوحدات قياس أساسها العدد
ولكنهم شطحوا بفكرتهم بعيدا لدرجة التقديس والخرافات
فيقولون مثلا :
4 عدالة
5 صفات طبيعية
6 حياة ونشاط
7 عقل وصحة وحب وحكمة
ويقدسون رقم عشرة لأنه مجموع الأربعة أرقام الأولى 1+2+3+4
ويكتبونه على شكل هرم منقط هكذا
.
. .
. . .
. . . . ومن أرائهم القيمة والمدهشة فى الفلك قولهم بكروية الأرض ولكن لم يصلنا السبب الذى من أجله تبنوا هذا الرأى كذلك قالوا بعدم مركزيتها بل قالوا بمركزية النار التى تدور حولها الأرض والشمس معا ، ولكن هذا الرأى تم تعديله من أحد الفيثاغوريين المتأخرين فى القرن الثالث الميلادى وهو أريستارخوس فقد تخلى عن مركزية النار الغامضة هذه وجعل المركزية للشمس وهو الرأى الذى سيتبناه فيما بعد كوبرنيكوس بعد أن يطلع على رأى أريستارخوس فى شيشرون
.... يتبع
=========
>>>> الرد الثاني :
ولد فى أفسوس لأسرة أرستقراطية من النبلاء وقد تدرج فى المناصب حتى وصل أعلاها ولكنه ترك أى جاه منصرفا إلى التأمل الزاهد . وربما كانت أصوله ونشأته هما السبب وراء كبريائه الشديدة وتعاليه واحتقاره للعامة ، ليس العامة فقط ، بل مثقفى عصره كذلك ، كان ينظر لهم كنظرته إلى حيوانات لا تفهم وكان يرى أن فردا واحدا يهتم بالكليات أفضل من عشرة ألاف يعيشون " كما الحمير تفضل القش على الذهب "
لذلك فقد هاجم الديمقراطية التى كانت سائدة آنذاك فى أفسوس هجوما عنيفا
فكيف تختار هذه القطعان من الغنم ما يحكمها وهى لا تعرف الفرق ما بين الصواب والخطأ كما لا تعرف أن تفرق بين الليل والنهار !
لُقب هيراقليطس بالفليسوف الغامض وأحيانا المظلم وذلك لصعوبة فهمه وأسلوبه الغامض شديد التعقيد وهو نفسه قد قال عن فكره " إننى لا أخفى الفكر ولا أوضحه أنا أشير إليه "
كتب هيراقليطس رسالة نثرية كانت معروفة فى عهد سقراط، ولكن لم يصل لنا منها سوى مائة وثلاثين شذرة .
حينما سُئل سقراط عن رأيه فى رسالة هراقليطس قال أن ما فهمه منها ذو قيمة عالية وينبغى قياس قيمة ما لم يفهمه على مافهمه . الفكرة المركزية عند هيراقليطس هى فكرة الصيرورة ، الأشياء فى تغير مستمر " إنك لا تنزل النهر الواحد مرتين " وذلك لأن مياهه تتجدد بإستمرار لا شئ ثابت ولو للحظة واحدة وإنما التغير يطال كل شئ حتى نحن موجودن وغير موجودين من حيث أن الفناء يدب فينا فى كل لحظة
،لا يعتقد هيراقليطس بأى ثبات ولو حتى نسبى للأشياء فليس الجبل مثلا ثابتا لفترة معينة ثم يزول ، لا وإنما هو يتغير كل لحظة من حيث أن مادته متغيرة وليس الثبات الخارجة لصورته سوى وهم من صنع الحواس
فكيف توجد الأشياء إذن إن كانت متغيرة لحظيا ؟
يجيب هيراقليطس أنها موجودة وغير موجودة فى آن وهذا التوتر بين النقيضين هو جوهر الصيرورة
والوجود بأكمله خاضع للجدل بين النقائض ، فالنقيض لا يصارع نقيضه إلا من أجل أن يمنحه هبة الوجود . فلولا الظلام ما وجد النور ولولا الحار ماوجد البارد ....إلخ
وقد قال هيراقليطس بالعود الأبدى مثل الفيثاغوريين
فهو يرى أن الصيرورة أزلية أبدية بلا بداية ولا نهاية وإنما الوجود يخضع لدورات نارية أبدية ، أى أن هذا العالم سينهار تماما متحولا إلى كتلة نارية تنطفئ وينبثق من داخلها العالم مرة أخرى ليعود وينهار من جديد ..وهكذا إلى الأبد .
=========
>>>> الرد الثالث :
فلاسفة إيليا
(إيليا هى مستعمرة يونانية على الشاطئ الغربى لإيطاليا الجنوبية أنشأها الأيونيون الفارون من الحرب مع الفرس فى القرن السادس قبل الميلاد )
سار الإيلييون بالفلسفة شوطا لا بأس به نحو التفكير المجرد والتخلص التام من مادية فلاسفة يونيا الطبيعانيين
إكسينوفان ( 570 ق.م ـ 480 ق.م )
ولد إكسينوفان فى قولوفون من أعمال يونيا بالقرب من أفسوس ومثل أغلب الفلاسفة الذين سبقوه طاف بالشرق ،ثم أستقر بإيليا ، وهو أول فيلسوف يهاجم الخرافات الدينية والأسطورية هجوما شديدا ، فيقول مثلا : " الناس هم الذين صنعوا الألهة وأضافوا إليهم عواطفهم وصوتهم وهيئتهم ، فالأثيوبيين يقولون عن آلهتهم أنهم سود فطس الأنوف ،والتراقيين يقولون أنهم زرق العيون حمر الشعور ،ولو إستطاعت الثيران والخيل والأسود لصورت ألهتها على صورتها أيضا "
بل أن سخريته تعدت العامة لتصل لخرافات الفلاسفة أيضا فها هو يسخر من فكرة التناسخ التى أتى بها فيثاغورس من الهند قائلا عن فيثاغورس : " أنه مر ذات يوم برجل يضرب كلبا فأخذته الشفقة فصاح وهو ينتحب : أمسك عن ضربه يا هذا إنها نفس صديق لى عرفته من صورته "
والإله عند إكسينوفان هو واحد وهو ليس إلها مشخصا منفصلا عن الكون ويديره كما يدير ملك مملكة وإنما هو والكون واحد ، هو مذهب أقرب إلى وحدة الوجود أو الحلولية .
كان إكسينوفان متمما للفيثاغوريين فى إعتبار الكون واحدا ولكنه لم يكتفى بالواحد العددى الحسابى وإنما أعطى لها بعدا صوفيا بإدماجه للكون مع الإله دونما إنفصال .
بارمينيدس ( 514 ق.م ـ 450: 440 ق.م تقريبا )
ولد فى إيليا وكان تلميذا لإكسينوفان
يعد حلقة هامة فى الوصول إلى الفلسفة المثالية فى شكلها الراقى عند أفلاطون فيما بعد ، فهو تتمفصل عنده التأثيرات المادية من الفلاسفة الطبيعانيين ، وإرهاصات المثالية الناضجة .
غاية فلسفة بارمينيدس هى الوصول إلى الثابت الذى لا يتغير ولا يزول فى قلب هذه التحولات التى لا تتوقف عن الجريان ، فهو عندما ينظر للأشياء يدرك منها صفاتها وهذه الصفات متغيرة زائلة ، إلا شيئا واحدا هو الوجود ، الكينونة Being
، فالوجود باق أبدا لا يتغير ولا يتبدل ، ويستحيل ألا يكون موجودا ، وما كل التغيرات التى نراها إلا وهم من صنع الحواس فهى لا تدخل فى تصنيف " الوجود " أو الكينونة .
وإنما صفات وأعراض زائلة .
والوجود ليس حادثا وليس قديما فهو بلا ماض ولا مستقبل فهو فوق أى تغيرات مثل تغيرات الزمان أو الصيرورة .
هذا التجريد العالى ـ إعتبار كل تبديات المادة زائلة ـ هو ما يقرب بارمينيدس من المثاليين اللاحقين . ولكن ما يبعده عنهم هو قوله أن هذا الوجود لابد أن يأخذ مكانا ، أى الكون ، وأن هذا المكان كروى الشكل !
وهذه الفكرة الأخيرة هى بقايا تأثيرات المدرسة الطبيعانية على فكر بارمينيدس
زينون ( 485 ق .م ـ ؟ )
ولد فى إيليا وتابع على التأسيس الذى وضعه بارمينيدس فهو لم يضف جديدا بشكل عام وإنما كل جهوده كانت شرح وإثبات لثبات الوجود عن طرق نفى الحركة ونفى الكثرة .
بطلان التعدد
إن كان الكون ليس واحد وإنما واحدت كثيرة متراكمة أستوجب هذا أن يكون لامتناهيا فى الصغر ولا متناهيا فى الكبر معا ،
لامتناهيا فى الصغر لأنه مؤلف من واحدات وكل وحدة لابد أن تبلغ اللانهاية كى لايكون لها حجم فلوكان لها حجم سقطت عنها صفة الوحدة وتحولت هى لمجموع وحدات .
ومن ناحية أخرى فإن إفتراض وجود وحدة لا حجم لها يلزمنا أن نقبل أن الكون نفسه لا حجم له لأنه هو مجموع هذه الواحدات .
كذلك يكون الكون لامتناهيا فى الكبر لأن له حجما لاشك فيه وكل حجم قابل للإنقسام لجزيئات لا نهاية لعددها ، ومهما بلغ حجمها من الصغر فعند ضربها فى عدد لانهائى لكانت النتيجة كونا ممتداإلى مالانهاية
إذن التعدد ، أو الكثرة يفضى بنا إلى نتيجتين متناقضتين .
بطلان الحركة
1ـ إذا أطلقنا سهم على أحد الأهداف من مسافة ما ولتكن س مثلا فكى يصل السهم لهدفه لابد أن يقطع س وكى يقطع س لابد أن يقطع منتصفها أولا ولتكن ص ولكى يقطع ص لابد أن يمر بـ ع الذى هى منتصف ص أو نقطة فى الطريق إليها وكى يقطع ع لابد أن يقطع جميع النقاط التى تؤدى إليها وهكذا إلى مالانهاية
2ـ إذا إنطلقت سلحفاة فى سباق مع رجل قبله بمسافة صغيرة ، فكى يصل الرجل إلى السلحفاة لابد أن يجتاز المسافة التى قطعتها السلحفاة قبل أن يصل إليها وعندما يقطع هذه المسافة تكون السلحفاة قد تحركت مسافة أصغر وعلاما يقطعها الرجل تكون السلحفاة قد قطعت مسافة أصغر .. وهكذا إلى الأبد .
3ـ إذا تحرك سهم صوب هدف ما فلابد أن يكون ساكنا عند نقطة ما فى لحظة زمنية معينة وذلك لإستحالة تواجده فى مكانين فى وقت واحد ولكن إذا كان السهم ساكنا فى كل جزء زمنى فى مكان محدد لزم أن يكون ساكنا فى محموع هذه الأجزاء لأن إستمرار السكون ينتج سكونا لا حركة .
=========
>>>> الرد الرابع :
الطبيعانيون المتأخرون
فلاسفة هذه المدرسة متأثرين بالإيليين والفيثاغوريين على السواء وجميعهم يقولون بالكثرة ، وأنه لا يوجد تحول من عنصر أولى إلى آخر وإنما الأشياء تأليفات مختلفة من عناصر ثابتة .
أنبادوقليس (495 ق.م ـ 435 ق.م )
يتشابه مع فيثاغورس فى غموض شخصيته وكثرة الإسقاطات الأسطورية عليه، وأيضا فى قوله بالتناسخ وأنه يتذكر حيواته السابقة! وقوله بالعود الأبدى وبالتطهير من خلال الزهد .
ولد فى صقلية وجاب إيطاليا الجنوبية وعبر البحر إلى المورة ويقال أنه قذف بنفسه فى جوف بركان أتنا ليمتزج بعناصر الطبيعة
جائت فلسفة أنبادوقليس كمحاولة توفيقية بين نقيضين كبيرين
فبارمينيدس قد قال من ناحية أن الوجود واحد لايتغير ولايتبدل وهو يدرك بالعقل أما التغيرات فهى ناتجة عن خداع الحواس وهى زائلة ، مصيرها إلى العدم
ومن ناحية أخرى فإن هيراقليطس قد قال بالصيرورة الدائمة وأنه لا شئ ثابت أبدا ولو للحظة واحدة وما التغيرات التى نراها إلا وهما من صنع الحواس .
فجاء أنبادوقليس للتوفيق بين هذين الرأيين المتعارضين .
فهو مع الثبات من حيث أن هناك ذرات عناصر ثابثة لا تتغير يتألف منها جميع الأشياء . وهو مع التغير من حيث أن الأشياء التى تكونها نسب تجمع هذه العناصر زائلة ، أى أن جهاز الكمبيوتر هذا صورته زائلة وأما الذرات التى يتكون منها عناصره الأولى فثابتة وخالدة أبدا
كذلك حاول أنبادوقليس التوفيق بين رأيين متناقضين أخرين
فالطبيعانيين الأولين قالوا بأن أصل الكون عنصر كالماء أو الهواء ، يتحول إلى عناصر أخرى كالحديد والنحاس ..ألخ
بينما قال بارميندس أن أصل الكون واحد لايتغير
فقال أنبادوقليس أن هناك أربعة أصول لا تتغير وهى النار والهواء والتراب والماء ، وبقية الأشياء متغيرة وزائلة لأنها مركبة من هذه العناصر بحسب نسب وجود كل عنصر من هذه العناصر الأربعة فى أى شئ
ويرى أن هذه العناصر كانت متألفة معا فى بداية الكون متناغمة بفضل قوة " الحب " وأنها تتنافر عن بعضها البعض وينفصل كل عنصر لوحده بفعل قوة " البغض "
والوجود خاضع للأبد لدورات من سيادة إحدى هاتين القوتين وتغلبها على الأخرى ، ونحن الآن فى دور "البغض "
ديمقريطس ( 460 ق .م ـ 370 ق.م )
ولد فى تراقيا وطاف بالشرق ،زار مصر وبابل ويقال أنه تتلمذ على ليسبوس الذى لايحفظ لنا تاريخ الفلسفة من حياته أو أقواله أى شئ فقط نعرف أنه أنشأ مع ديمقريطس المذهب الذرى ، أو مذهب الجوهر الفرد، وخلاصته : هى أننا لو قسمنا المادة إلى وحدات وأوغلنا فى التقسيم لأنتهينا إلى وحدات أولية غير قابلة للإنقسام هى الذرات أو الجواهر المفردة وهى لانهائية العدد ، كما أنها عنصر واحد متجانس ،وهى دقيقة غير متعذر إدراكها بالحواس، كما أنها بلا صفات ولا خصائص ، إلا أنها تختلف من حيث الحجوم والأشكال ، وجود الذرات يقضتى أن يكون كل ذرة لها سطح يفصلها عن الأخرى ووجود السطوح يقتضى وجود فراغ فيما بينها وهذا يؤدى إلى تصور "الوجود"
و"الفراغ " أو الملاء والخلاء فلابد من وجود الفراغ لتصور الحركة فلولا وجوده لكانت الذرات منضغطة مندمجة معا فى كل متصل وأنعدمت الحركة حينئذ. وهذه الذرات المتحركة تلتف معا وتتجمع حول نواة مكونة عالما مثل عالمنا هذا وليس هو العالم الوحيد بل هو أحد العوالم الممكنة ، ثم تنحل الرابطة وتتفرق الذرات فى النهاية لتعود وتتجمع فى عالم آخر وهكذا إلى الأبد دون خطة مسبقة ولا هدف عام وإنما عشوائية تامة ، وهذا يعد أول ظهور للإلحاد فى تاريخ الفلسفة
أناكسغوراس ( 500 ق.م ـ 428 ق. م )
ولد فى كلازومينى بأسيا الصغرى لأسرة ثرية ، ولكنه ترك وطنه وذهب إلى أثينا ليصبح أول فيلسوف يدخل هذه المدينة التى ستصبح موطنا للفلسفة فيما بعد ولكن سرعان ما ستحاك ضده المؤمرات السياسية نتيجة لصداقته للسياسى اللامع بركليس ، فيتم تقديم أناكسغوراس للقضاء بتهمة الإلحاد لأنه ولكنه يهرب من أثينا بمساعدة صديقه بركليس ويتحاشى المأساة اللاحقة التى سيقع فيها سقراط .
رفض أناكسغوراس الصيرورة المطلقة التى قال بها هيراقليطس فهو يرفض أن الأشياء تزول وإنما المادة عنده لاتنشأ ولا تفنى ، كذلك رفض رأى ديمقرطس من أن المادة يمكن تقسيها إلى وحدات لا تقبل التقسيم ، وإنما يمكن تقسيمها إلى مالانهاية
وكذلك رفض الرأى القائل بعنصر واحد هو أصل الكون كالماء عند طاليس أو العناصر الأربعة عند أنبادوقليس
وإنما الأصل هو عدد لانهائى من العناصر وهى الموجودة فعلا ولكنها فى البدء كانت مختلطة فى كتلة واحدة متجانسة ممتدة إلى مالانهاية وعندما بدأت حركة المادة ( بفضل عقل حكيم وخطة مسبقة ! ) أتجه كل شبيه نحو من يشبهه فذرات الماء أتجهت نحو بعضها البعض وذرات الحديد والتراب ... إلخ
وهذا الإنجذاب الذى تفعله الذرات نحو أشباهها غايته الكمال أى أن يصبح كل عنصر نقى تماما من أى إختلاط بالعناصر الأخرى وهى غاية مستحيلة التحقق .
كان أناكسغوراس هو الختام لطريقة التفكير فى الأصل بالمادة أو بالطبيعة وكذلك يعد هو البداية الحقيقية لإدخال " العقل " ذلك المفهوم المثالى المجرد، فى تفسير أصل الكون ، ولكن ذلك المفهوم عنده ليس مجردا كاملا فقد أعطى العقل صفات لاتنطبق إلا على المادة : " كبير" ، " دقيق ونقى " لا تدخله العناصر الأخرى "
وطبعا هذا الكلام لاينطبق على عقل مجرد أبدا
=========
>>>> الرد الخامس :
السوفسطائيون
بعد أن ظهرت أولى إرهاصات العقل المجرد فى نظرية تفسير أصل الكون وذلك فى فلسفة أناكسغوراس ، كان لابد أن يؤدى هذا إلى التفكير فى العقل نفسه ومن ثم فى الإنسان ، وكانت هذه مهمة السوفسطائيين وعبارتهم الشهيرة التى أطلقها بروتاغوراس تدل على ذلك بقوة " الإنسان مقياس كل شئ "
ويرى بعض مؤرخى الفلسفة أن أفكار السوفسطائيين كانت نتيجة حتمية للحراك الإجتماعى السياسى الذى شهدته بلاد اليونان فى القرنين السادس والخامس قبل الميلاد ، فبعد إنتصار الديمقراطية ، وتراجع نفوذ الأرستقراطيين ، لم تعد المعرفة متعالية فى أبراج عاجية من الأفكار المثالية التى تحلق فوق التفاصيل الإنسانية التى تهم حياة الناس داخل السياق الإجتماعى فى لحظة تاريخية معينة .
لم ينشئ السوفسطائيون جماعة كالفيثاغوريين ولم يستقروا فى مكان واحد كالإيليين ، وإنما كانوا يرحلون من مدينة إلى أخرى متخذين من التدريس مهنة ، وهذه السابقة الأولى فى تاريخ الفلسفة التى تجعل منها مهنة ومصدر دخل ، وهو ما سيؤخذ عليهم أخلاقيا ويجعل بعض الفلاسفة اللاحقين ينظرون إليهم بإزدراء .
أشهر السوفسطائيين هم أثنان بروتاغوراس ، وجورجياس ، وقد كانوا يُعلّمون البلاغة ، والخطابة وعلم السياسة لأبناء الأسر الثرية الراغبين فى شغل مناصب سياسية كبيرة ، فنظرا لأن الإنسان هو مقياس كل شئ ، أى لا وجود لحقائق بمعزل عن نظرة الإنسان ، فيمكن لأى إنسان أن يدافع عن الفكرة ونقيضها فى آن فقط عبر إتقانه للجدل والبلاغة ( من هنا جائت الكلمة سفسطة ) أى كيفية الدفاع عن الفكرة سواء كانت صحيحة أم باطلة ( فى غياب الحقائق المطلقة تزول هذه الثنائية )
حتى أنه يروى عن جورجياس أنه قال ذات مرة " ليس ضروريا أن تعرف شيئا عن الموضوع لتدلى بإجابة "
وُلد بروتاغوراس فى أبديرا من أعمال تراقيا سنة 480 ق.م وبعد ترحاله فى مختلف بلاد اليونان وآسيا الصغرى أقام فى أثينا وقام بكتابة رسالة عن الألهة أستهلها بهذه الفقرة : " أما عن الألهة فلا أستطيع أن أؤكد وجودهم من عدمه ولا أتخيل هيئتهم ، فهناك كثير من العقبات فى سبيل معرفة ذلك ، منها غموض الموضوع وقصر عمر الإنسان "
وما إن ظهرت رسالته للناس حتى أُتهم بالإلحاد وحُرقت الرسالة علنا وفر بروتاغوراس هاربا ولكن غرقت سفينته فى طريقه لصقلية ومات عام 410 ق.م
أما جورجياس فتابع إنكار الإيليين للوجود عن طريق الإستفادة من أفكار زينون بهذا الشأن ، كما أنه أضاف أنه حتى ولو كان هناك شئ موجود فيستحيل معرفة حقيقته وذلك لأن المعرفة عنده تتوقف على استقبال الحواس فقط ، وطبعا الحواس تختلف من شخص لآخر ولا سبيل للوصول إلى توحيد هذا الإختلاف بين الجميع والوصول إلى حقيقة الوجود ، كما أنه أضاف أيضا أنه حتى ولو كان هناك وجود وحتى لو توصل الشخص إلى معرفة حقيقة هذا الوجود فلا يمكن أن يقوم بنقل هذه المعرفة إلى آخر أبدا نظرا إلى إعتماده على حواسه الخاصة .
فى رأيى أن السوفسطائيين كانوا ثوريين جدا مقارنة بزمنهم وأفكار وسطهم الإجتماعى ولذلك لم يعرف أحد الأبعاد الحقيقية لفلسفتهم فى ذلك الوقت وإنما نفر الجميع من هذه الشحنة الثورية القوية وأعتبروها أفكارا هدامة للحقائق (!) وللنظام الإجتماعى وللفضائل على السواء .
=========
سقراط (469 ق.م 399 ق.م )
بدأ سقراط حياته المهنية خزّافا يحترف صناعة التماثيل مثل أبيه ، وأنهاها أكبرفيلسوفا ببلاد اليونان بشهادة كاهنة دلفى التى ستقول عنه أنه أحكم أهل زمانه ،كان يمشى يعلّم بالأسواق والساحات العامة مثلما سيفعل " الأنبياء " عندنا فى الشرق فيما بعد ولكنه بخلاف هؤلاء الأدعياء لم يكن يدعى المعرفة ، وإنما كان يدخل فى جدل مع محدثه ليظهر تناقضات الأحكام المسبقة التى يستند إليها محاوره فى الحديث .
ولأنه كان لاذع فى نقده ومتهكم أحيانا ، ولأنه لم يكن حليفا للديموقراطية التى جلبت الرعاع إلى الحكم ، وكذلك الأرستقراطية لم يكن مع عودتها للحكم بإنغلاقها ورجعيتها ، من أجل كل هذا فقد جلب على نفسه عداوة الجميع عدا حفنة ضئيلة من أتباعه المخلصين خصوصا الشباب حديث السن الذى تجذبه الأفكار الجديدة التى تدفع عجلة التطور المعرفى .
نجح خصومه فى إتهامه أمام القضاء بإنكار ألهة اليونان ، وبإفساد عقول الشباب وبالدعوة إلى ألهة جديدة !
وعندما مثل أمام القضاة لم يستعطفهم مثلما جرت العادة وإنما نفى ما نسب إليه بكبرياء . وقد كان المعمول به فى تلك المحاكمات أنه فى حالة الإدانة أن يختار المتهِمون عقوبة للمتهم وأن يختار هو عقوبة لنفسه وأن يقوم القضاة بالمفاضلة بين العقوبتين ، وقد أختار متهمو سقراط أن يُحكم عليه بالإعدام ، وعندما سأله القضاة أن يختار عقوبة لنفسه سخر من هيئة المحكمة بأن قال لهم أن عقوبته المستحقة هى أن يختاروه واحدا من مجلس القضاة ! وطبعا بعد هذا التهكم الصريح بهم لم يجدوا غير إقرار عقوبة الإعدام عليه .تقبل سقراط الحكم بهدوء ورفض التفكير فى الهرب الذى أقترحه عليه أصدقائه وتلاميذه إحتراما منه للقانون ، وفى الموعد المحدد تناول كأس سم الشوكران وشربها بهدوء ثم تمشى قليلا داخل الغرفة بناء على نصيحة السجان حتى يسرى السم فى جسده ، ثم رقد وقبل أن يلفظ آخر أنفاسه قال لكريتو ـ أحد تلاميذه ـ أنا مدين بديك لإسكيلوبس يا كريتو عليك أن تسدده إليه.
إسكيلوبس هو إله الشفاء عند اليونان ، فهل كان سقراط يرى الحياة مرض وقد تخلص منه لذا وجب عليه أن يقدم هذا الديك قربانا لهذا الإله ؟!
*************
يشترك سقراط مع السوفسطائيين فى شئ واحد وهو إهتمام فلسفته بالإنسان والبعد عن التفكير فى الطبيعة أو الكونيات المجردة ، وقد اتخذ المقولة الشهيرة المنقوشة على معبد دلفى " أعرف نفسك بنفسك " شعارا لفلسفته حيث أن الفلسفة الجديرة بالبحث عنده هى التى تتخذ من الإنسان وعقله موضوعا لها وليس الإشجار والحجارة والنجوم كما آخذ على الفلاسفة الطبيعانيين .ولكنه من ناحية أخرى كان ضد السفسطائيين من حيث أنهم ينفون وجود أية موضوعية وذلك لنفيهم وجود أية مشتركات ما بين إنسان وآخر يستطيعان الإعتماد عليها فى التوصل إلى حكم قاطع فى أى قضية موضع خلاف ، فإقرارهم بمركزية الحواس جعل من نسبيتهم مطلق آخر ، لذلك كان على سقراط أن يأسس للمعرفة المبنية على العقل حيث أنه مشترك بين جميع البشر ومن خلاله يمكن الوصول إلى ثوابت عامة تخص أى شئ دون غيره وإبعاد الصفات العارضة وهو ما يسمى بالإدراك الكلى ، بعكس الإدارك الجزئى الذى تكلم عنه السوفسطائيون من أنه يأتى عن طريق الحواس إلى الذهن ، إذن الحقائق ثابتة طالما هناك مقياس محدد لها .
ومن هنا يمكننا الوصول إلى معنى عام للفضيلة وعمل الخير ، فالإنسان لا يستطيع أن يعمل الخير وهو يجهل ما هو وكل عمل صدر لا عن علم بماهية هذا الخير ليس خيرا ولا فضيلة ، وليس هناك شر إلا من الجهل فلا يمكن أن يعلم الإنسان ما هو الشئ الخيّر تماما ولا يفعله ، فكل إنسان بطبيعته يقصد لنفسه الخير ولا يمكن أن يريد لها الشر والضرر وهو عالم بذلك
بكلمة واحدة يمكن تعريف الفضيلة التى ذهب إليها سقراط على أنها : المعرفة أو الحكمة