تمهيد:
كانت الخطابة ولا تزال من أهم وسائل الإعلام والتواصل والإقناع عبر الزمان ، كما أن الخطبة تشتهر بشهرة الخطيب وفصاحته لهذا لم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعا ولا أصدق لفظا من خطابه صلى الله عليه وسلم الذي قلت حروفه وكثرت معانيه واجتمعت فيه الحلاوة والمهابة والحرص الدائم على هداية الناس. ولعل أعظم خطبة للنبي صلى الله عليه وسلم ما ألقاه على أكبر تجمع عرفه الإسلام في تاريخه منذ البعثة إلى ذلك اليوم في جبل عرفاتأين ألقى هذا البيان الجامع الذي هو خلاصة رسالته التي ظل ثلاثاً وعشرين سنة يجاهد من أجل إرسائها في الواقع، وعَقْدها في قلوب الأمة .
1-المناسبة والظروف: إن هذه الخطبة البليغة، ذات أهمية بالغة، من ناحية زمانها، ومكانها، وحال الخطيب، - صلى الله عليه وسلم - وحال المخاطبين:
1- فالزمان:في التاسع من ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة ، أفضل أيام العام عملاً صالحاً، لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ، - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ، مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ، يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ)ولأجل ذا، نبَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - على حرمة الزمان، ومناسبته، فقال في مستهل خطبته : أي يوم هذا، أي شهر هذا. فاليوم يوم عرفة؛ خير يوم طلعت فيه الشمس، ويوم النحر، يوم الحج الأكبر، والشهر شهر ذي الحجة، أحد الأشهر الحرم.حيث نزل في تلك اللحظة قوله تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا } المائدة 03
2- والمكان: صعيد عرفات، ومشعر منى، خير بقاع الدنيا، ولهذا نبَّه على حرمة المكان، في مستهل خطبته، فقال : أي بلد هذا ؟ أليست بالبلدة الحرام ؟
3- والخطيب : رسول الله، وخاتم النبيين، وسيد ولد آدم ألقى هذه الخطبة وكان ربيعة بن أمية بن خلف يعيد أقواله عليه السلام ليسمع الناسويقال إنه حج وعلى جمله رحل رث وعليه قطيفة لا تساوي أربعة دراهم وهو يقول اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولاسمعة
4- والمخاطبون:حضرها جمع غفير مائة ألف أو يزيدون، وصفهم شاهد عيان، جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - بقوله: (فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ.مسلم
2- نص الخطبة: (ارجع إلى الكتاب المدرسي)
4- شرح غريب الكلمات: (ارجع إلى الكتاب المدرسي)
5- تحليل نص الخطبة:
الفكرة العامة للخطبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم هدم فيها قواعد الشرك والجاهلية، وقرر قواعد الإسلام، وأمر أن يبلِّغ الشاهد الغائب، ونعى إليهم نفسه، وأشهد الله تعالى والمؤمنين أنه قد بلَّغ الدعوة...
أما تفصيلا فقد تضمنت الخطبة مايلي:
1- الافتتاح: بدأ النبي صلى الله عليه وسلم خطبته بحمد الله والثناء عليه اقتداء بكتاب الله تعالى
2- أولاً: الحقوق الأمنية: الإعلانعنحقوقالمسلمين وحرمة دماءهم وأعراضهم :بأندماءهم وأموالهم وأعراضهم محرمة،حيث شبه حرمتها بحرمة الزمان والمكان أي مكة وشهر ذي الحجةفمن حق الإنسان أن يأمن على نفسه، وماله وعرضه. فلا يطيب عيش مع الخوف
3- ثانياً : الحقوق الاقتصادية:الإعلانعنتحريم المعاملات المشتملةللظلموالربا،ووالحث على أداء الأمانةأطلق النبي - صلى الله عليه وسلم -، إعلاناً عالمياً، صريحاً ، بتجريم الربا، وإهدار الربا؛ قليله، وكثيره، وبدأ بأقرب الناس إليه، عمه العباس بن عبد المطلب، لتبدو النزاهة، والمصداقية، بأبهى تطبيقاتها، فيحصل التأسي، والامتثال، لقد كان ربا الجاهلية مؤسساً على قاعدة بسيطة : ( إما أن توفي، وإما أن تربي) ونال من وعيد الله - تعالى - وذمه، ما تقشعر منه الأبدان النفوس، كقوله : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ[البقرة/275
4- إبطال عاداتالجاهلية:كالتلاعب بالأشهر والأخذ بالثأر
5- التحذير من الشيطان: لأنه سبب نشر العداوة بين الناس وإبعادهم عن دينهم
6- الحقوق الاجتماعية وتتمثل في بيان الحقوق الزوجية؛ إذ (الأسرة) نواة المجتمع، ولبنته الأولى، فإن كانت آمنة، مستقرة، صار المجتمع كذلك وإلا كان العكس ، ولتحقيق استقرار الأسرة أوصى النبي بالنساء وبين حقوق الزوجين: التي تستند في الالتزام بها على أفضل الضمانات، وأعظمها، وهي (التقوى) : (فاتقواالله في النساء)، والتذكير العميق بحقيقة العلاقة الزوجية، وسر رباطها: (فَإِنَّكُمْأَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِاللَّهِ). إن هذه الكلمات لتزرع الحرج في ضمائر الأزواج، الذين يجدونفي أنفسهم نوع قدرة، وسلطة، على النساء الضعيفات، وتحملهم على الوفاء بالواجبات،كما أنها لا تبخسهم حقوقهم
7- الحقوق الدستوريةختم النبي - صلى الله عليه وسلم - خطبته العصماء، بقوله : (وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ.......) .لقد تضمن هذا النص الإحالة القطعية على مصدري الهدى، ودين الحق، وهما :
1- كتاب الله: المحفوظ بين الدفتين، الذي تكفل الله بحفظه، فلا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه.
2- سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، التي شهد له الناس، بالبلاغ، والأداء، والنصح.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء/59]
8- التذكير بأخوة المؤمنين: فحرم على المسلم أن يأخذ مال أخيه دون رضاه أو يكفر ويقتل بعضهم بعضا
6-الأحكام والفوائد التي تضمنتها الخطبة:
1- بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم وفصاحته حيث تميزت خطبته بجمال المبنى وعظمة المعنى
2- حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم من خلال جلب انتباه السامعين وبدءه بأقرب الناس إليه في تطبيق الأحكام
3- الإعلان عن إكمال الدين وإتمام النعمة
4- الدعوة إلى قطع الصلة بالجاهلية وأحكامها
5- الوصية بأداء الحقوق والتحلي بمكارم الأخلاق
6- الأخوة الإيمانية واجبة لا يجوز التفريط فيها ولا التقصير في حقوقها
7- تحديد مصدر التلقي ( الكتاب والسنة ) ففي الاعتصام بهما السعادة في الدنيا والآخرة
8- التذكير بعداوة الشيطان للإنسان
9- ميزان التفاضل عند الله هو التقوى والعمل الصالح
10- التذكير بملاقاة الله عز وجل
11- فضل الأشهر الحرم (ذوالقعدةوذوالحجةوالمحرمورجب)
12- تحلي الصحابة بروح المسؤولية واستعدادهم لحمل الأمانة حيث كانوا ينصتون لخطابه صلى الله عليه وسلم ويبلغونه لبعضهم البعض رغم كثرتهم في ذلك الموقف
13- توديع النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه عندما أحس بقرب أجله