عنوان الموضوع : بحث في الدارونية و نظرية التطور---تحليل و نقد باك ادبي
مقدم من طرف منتديات العندليب
ترشة عمار- ثانويةحساني عبد الكريم- الوادي
.........بحث في الدارونية و نظرية التطور.....تحليل و نقد
1 – تعريفها و خصائصها
الدارونية هي النظرية التي و ضعها( تشارلز دارون Charles Darwin) و التي تنص على أن النباتات و الحيوانات نشأت نتيجة تغيرات بطيئة أحدثها الانتقاء الطبيعي Natural Selection، و تتلخص في عدة نقاط و هي، أن العضويات المتوالدة جنسيا لديها مدى واسع من التنوع، و للأشكال الحية مقدرة على الازدياد، وإن بقاء التجمعات في حدود معينة يدل على صراع البقاء، حيث تزول غير القادرة على البقاء، و هذا الصراع يؤدي إلى انتقاء طبيعي.
و يستخدم لفظ الدارونية للإشارة لأكثر من معنى "فإضافة إلى أن الدارونية هي نسق أحيائي عند داروين، و فضلا عن المعنى العام، تستعمل هذه الكلمة بمعنيين خاصين، أولهما في مقابل النشوئية عامة، لتدل الدارونية على المذهب التحولي الذي يقول إن الأنواع تخرج من بعضها البعض، و الذي يرى بنحو عام أن الجنس البشري ينحدر من أنواع حيوانية، لكن من دون فرضية حول أصل الحياة، أو المعنى العام لتطورها، و أما المعنى الآخر فهو في مقابل نظرية( لامارك Lamarck) و( سبنسر Spencer)، حول التكيف بالدربة و بالوراثة.
و من هنا يمكن القول أن داروين لم يكن هو أول من بحث أصل الأنواع، "فإن لامارك عالم البيولوجيا الفرنسي هو أول من قدم تفسير كامل للتطور، و قد نشر مفهومه ذلك في نفس العام الذي و لد فيه داروين، و كان لامارك أول بيولوجي يُكوّن حالة مقنعة لفكرة أن الحفريات هي بقايا حيوانات مندثرة، و ليست كما قال البعض حجارة صيغت مصادفة كتقليد لأشكال الكائنات الحية، كما قدم لا مارك تصورا بسيطا يفيد أن الكائنات في كفاحها للتكيف مع البيئة تكتسب صفات تنتقل وراثيا إلى نسلها، و أشار إلى طول عنق الزرافة كمثال على ذلك.بل لم يكن اهتمام داروين بهذه النظرية مجرد صدفة، بل كان علم البيولوجيا ميراثا أسرياً "لأن جد داروين قد بحث في هذا الموضوع. و كان (غوته) الأديب الألماني مهتم بها أيضا، و كان هناك حوار بين( كوفييه) الذي يقول بثبات الأحياء، و( سانت هيلير) الذي يقول بتحولها.و داروين نفسه قد سلم بأن نظرية الانتقاء الطبيعي كانت قد اقترحت بواسطة آخرين قبله، إلا أن إسهام داروين كان في عرض أفكاره بفاعلية أكبر، معتمدا على البيانات العلمية التي جمعت بدقة، و التي لم تترك مجالا واسعا لمعارضيها، و يقول البيولوجي (جوليان هاكسلي): لقد أثر داروين في أكبر الثورات جميعا في فكر الإنسان، أكثر من أفكار إينشتاين و فرويد، و حتى نيوتن، عن طريق تأسيس حقيقة التطور العضوي، و اكتشاف الوسيلة في نفس الوقت.
و كما لم يكن داروين هو الأول في طرح فكرة التطور، نجد أيضا أن فكرة التطور قد تشعبت و تطورت هي نفسها عند اللاحقين على داروين، من أمثال سبنسر "و الفارق بين(داروين) و (سبنسر)، هو أن سبنسر رأى في التطور إمكانية توسيع فكرة النمو في تعميمات كونية، بينما فهمها داروين على أنها تنتمي إلى علم البيولوجيا. و بالتالي تكون التحولية كما هي عند سبنسر مذهب أعم من النشوئية عند داروين، لأن التحولية تتبدى كأنها تصور فلسفي عام يغلف كل الظواهر، بينما تظل النشوئية نظرية في التشكيل البيولوجي.
و قد استعمل مفهوم التطور ليدل على معان عدة، "و منها أن التطور Evolution يعتبر نمو داخلي كامن في البداية، يحين شيئا فشيئا، و ينتهي به الأمر إلى العلن. كما اكتسب معان عدة في الفلسفة المعاصرة، و منها التبدل الموجه إلى غاية ثابتة على مراحل متعاقبة يمكن تحديدها مسبقا، أو الانتقال من البسيط إلى المركب أو من المتجانس إلى غير المتجانس، و إذا كان التطور هو التبدل فلا يتضمن بالضرورة الارتقاء الذي يعني الانتقال من الأدنى إلى الأعلى، لذلك في كل ارتقاء تبدل، و ليس كل تبدل ارتقاء.
"و ترتكز نظرية داروين على فكرتين أساسيتين هما، يُنتج الحي مثل نفسه، و لا تستخدم الطبيعة القالب الواحد مرتين، فكل ذرية من الأحياء تشبه والديها بفعل الوراثة، لكنها على الدوام تختلف عنها نتيجة للتغاير، و لهذا التغير صورتان، إما منفصل، كأن تظهر صفة جديدة في الكائن لم تكن موجودة، أو يكون متصلا، بحيث تتطور صفة موجودة مسبقا. كما تقوم الدارونية على ثلاث قواعد أولية و هي" التناحر على البقاء، و الانتخاب الطبيعي، و بقاء الأصلح، أما التناحر على البقاء فاصطلاح مجازي يؤدي في أوسع مدلولاته معنيين، فأما أنه يدل على العلاقة القائمة بين الأنواع الحية العائشة في بيئة ما، إذ ما اتجهت الأسباب العاملة على بقاء نوع إلى إبادة آخر، و أما أنه يدل على الجهد الذي يبذله الأحياء في سبيل الحصول على مقومات الحياة، و أما الانتخاب الطبيعي فمحصلته أنه يبقى من الأفراد أقدرها على الحياة في بيئة ما، و أن تفنى غير القادرة منها على البقاء، و أما البقاء للأصلح فهو اصطلاح يراد به إيضاح عمل الانتخاب الطبيعي، إذ أن الأحياء الأكثر صلاحية للبقاء في بيئة طبيعية تظل حية لتنتج أمثالها.و يعتبر مفهوم الانتقاء الطبيعي" بمثابة القلب من نظرية داروين عن التطور، كما كان البديل المعقول و المفهوم لمفاهيم لامارك عن التطور عن طريق توريث الصفات المكتسبة.
و قد كان داروين يرى"إن تأثير الانتخاب الطبيعي بطيء جهد البطء على أن تأثيره لا يقع إلا حيثما يكون في إقليم ما نقص في نظام الكائنات الطبيعي يمكن أن يسد فراغه تهذيب ما يطرأ على صفات العضويات الآهلة بها.بينما رأى غيره" أنه قوة مستعدة للعمل باستمرار و هو يفوق بلا حدود مجهودات الإنسان المتواضعة كما تفوق أعمال الطبيعة الأعمال الفنية. كذلك يُنافي الانتخاب الطبيعي القول بخلق الكائنات خلقا مستقلا خلال فترات الزمان و يتعذر وقوع التغاير الوصفي على تراكيبها الطبيعية طفرة. إلا أن هذا المفهوم الذي طرحه داروين لم يحل دون إدخال إرادة الكائن في إسراع عملية التطور و لذلك فهناك من يرى أن" التطور الآن أسرع مما كان، و نحن نستنتج ذلك إذا قابلنا بين الأحياء العلياء و الأحياء الدنيا فالأحياء يسرع تطورها بنسبة ارتقائها و لذلك سيكون التطور في المستقبل أسرع و هذا مطبق على الحياة فهي تختلف عن الجماد في رغبتها الدائمة بخروج كل حي متميز عن غيره و الأحياء الدنيا أقل نصيبا في تحقيق الحياة فهي لذلك تخرج على وتيرة واحدة أما الأحياء العليا فقد تحقق فيها الكثير من أغراض الحياة من التغيير و التميز أي سرعة التطور.
و نظرا لأن داروين وضع نظريته في وقت كانت فيه بعض قوانين الوراثة لم تكتشف بعد منها قوانين (جورج مندلGregor Johann Mendel)" فقد ظهرت الدارونية الجديدة modern Darwinism على يد مجموعة من علماء وراثة المجتمعات الذين أنشأوا نظرية شاملة جديدة جمعت بين علوم وراثة المجتمعات و الحفريات و الأجنة و التصنيف و لقد ربط علم وراثة المجتمعات بين الانتقاء الطبيعي لداروين و مبادئ الوراثة الحديثة مبينا أن التطور هو تغيير في التكوين الجيني للمجتمعات و يحدث ذلك حين يتعرض المجتمع لضغط بيئي أو تغيرات في الوسط الفيزيائي و الحيوي و لذلك أصبحت التفاعلات بين المجتمع و الوسط هي الفكرة السائدة لنظرية التطور التكوينية الحديثة.
.الانتقادات الموجهة لنظرية داروين
لابد من التمييز أولا بين نظريتين الأولى (نظرية النشوء و الارتقاء) ذات الطابع البيولوجي التي تبحث في العلاقة بين فصائل الحيوانات و النباتات، و الثانية (نظرية التطور) بمعناها العام التي تحاول معرفة أسباب تطور أي سلوك لأي شيء (الحيوان \ الإنسان\ المجتمع\ الاقتصاد) لأن الفقهاء و بعض المفكرين العرب دأبوا على الخلط بين النظريتين (مع الإشارة إلى أن هناك روابط بينهما) و هذا الخلط بمعنى المماهاة بينهما يسبب في توجيه النقد لإحداهما باسم الأخرى
و بعد هذه المقدمة أود إلى أن أشير إني حاولت بقدر المستطاع أن أجمع الاعتراضات العلمية(و ليست الفقهية) على نظرية داروين البيولوجية و ذلك من منطلق أن كل فكر إنساني هو فكر يحتاج إلى إعادة نظر و ليس مقدس و لكي لا يفهم أحد من دفاعي عن النظريات العلمية أني أراها مقدسة بل على العكس و لكن كل ما أريده هو النقد العلمي.
يقول(كارل بوبر) Karl R. Popper(1902-1994) :" يبدو للوهلة الأولى أن أفكار داروين في مقابلة أفكار لامارك لا تعطي لسلوك أفراد النباتات و الحيوانات إلا أهمية ضئيلة مثلا ما قد يبديه الحيوان من تفضيل لنوع جديد من الطعام . تقول الفكرة الجديدة لنظرية الانتخاب إن هذه الصورة من السلوك الفردي يمكن أن تؤثر في تطوير شُعب الكائنات عن طريق الانتخاب الطبيعي، فعند تفضيل الحيوان بيئة جديدة حتى دون أن يهاجر يعرض نفسه و سلالاته إلى تأثير بيئي جديد و من ثم ضغط انتخابي جديد يقوم بتوجيه التطور الداروني للتكيف مع البيئة، و تبين هذه النظرية بشكل أوضح أن ثمة أثر حاسم على التطور العرقي للجينات قد ينجم عن السلوك كرغبة الحيوان في الاستكشاف أو الفضول، و هذه الملاحظة تقضي على الانطباع المحزن الذي أحاط بالدارونية كل هذا الزمن إذ لم يكن للنشاط الفردي أي دور في الانتخاب. و يقول أيضا في نقده لحتمية المذهب التاريخي و الذي يرى أنه يعتمد على أفكار داروين و لامارك:"حين يقر هذا المذهب أن المجتمع لا يتغير تغيرا ذا شأن و حتى هذا التغير يسير وفق طريق مرسوم لا يمكن أن يتغير و يمر بنفس المراحل من قبل ضرورة لا تلين و حتى و لو اكتشف المجتمع القانون الذي يعين حركته فلن يُمكنّه ذلك من تخطي المراحل الطبيعية لتطوره. كما لا يعتبر"أن التطور قانونا بل مجرد فرض يغلب عليه طابع القضية التاريخية و يضاف إليه عند التفسير قوانين كلية كقانون الوراثة. و إن كانت تلك التعديلات حول تأثير رغبة الحيوان في عملية التطور لم تفت لامارك، "بل يعد أهم إسهاماته التي قدمها في كتابه [الفلسفة الحيوانية Zoological philosophy] هو إدخال عامل فعل الحيوان في التطور، لكي يرضي بذلك حاجات جديدة.
و كان (لوليم جيمس William James1842- 1910) نفس الملاحظة و إن كان قد توسع فيها و ذلك في مجمل حديثه عن انقاد آراء "سبنسر" و "آلن" و تأكيده على دور العظماء في تغيير البيئة المحيطة بهم إذ أن العلاقة بينهما تعتمد على التأثير و التأثر فيقول:" لقد حاول سابقوا داروين من الفلاسفة أن يبرهنوا على نظرية النشوء مع بعض التعديلات و لكنهم ارتكبوا جميعا نفس الهفوة من جمع النوعين من السببية في نوع واحد فقد كانوا يرون أن ما يحفظ على الحيوان صفاته الخاصة به إذا ما صح له أن يكون حيوانا نافعا هو طبيعة البيئة التي تنسجم معها تلك الصفات الخاصة، فقد افترضوا أن البيئة تضغط على الحيوان فتكيفه معها.ثم يؤكد جيمس على "أن أسباب وجود العظماء توجد في دائرة لا يمكن عالم الاجتماع أن يصل إليها فلابد أن يقبل النبوغ كحقيقة واقعة فتغيرات الجماعات من جيل لجيل هي نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لأفعال الرجال و لمُثل الأفراد الذين انسجم نبوغهم من حاجات اللحظة التي وجدوا فيها.و بذلك تكون فلسفة التطور في نظر جيمس لتقليلها من شأن الفعل الإنساني ليست إلا "عقيدة ميتافيزيقية و ليست نظاما فكريا إنها ذلك الأسلوب الجبري القديم، الذي لا شأن له بالعلم، و لكن الناقد الذي يعجز عن هدم العقيدة الميتافيزيقية يقدر على الأقل أن يحتج عليها، بسبب إخفائها نفسها و تدثرها بالثوب العلمي.
و أخيرا تجدر الإشارة إلى وجود بعض الثغرات في نظرية داروين من الناحية العلمية و منها ما يتعلق بالحلقة المفقودة في الدارونية، "فلم يجد الباحثون ما يستطيعون تسميته الحلقة المفقودة، و لا يستطيعون حتى الآن أن يشيروا إلى حفرية يقولون عنها أنه سلف الإنسان، و إن كانوا قد خمنوا بعض الأسلاف الممكنة و هي القردة العليا و أنماط مختلفة من الإنسان المبكر، و مع ذلك تظل حلقة واحدة هامة هي التي تصل بين القردة العليا و الإنسان.على غرار تحديد الحلقة التي تربط بين الزواحف و الطيور و هي حفرية طائر الأركيوبتريكس Archeaopteryx. و إن كان البعض يوظفها لدحض فرضية أن الإنسان قد كان قردا ثم عبر من خلال تلك الحلقة إلى الإنسان الحالي "إلا إن داروين لم يقل أن الإنسان قد تسلسل من القرد، بل إن القرد و الإنسان من أصل واحد، و هذه الحلقة المفقودة التي يتشدق بها أعداء الدارونية، ليست حبل الصلة بيننا و بين القردة إلا من حيث أنها تدل على حيوان لم يهتدي إليه العلماء يكون بمثابة أصل للقردة العليا و للإنسان معا، و ليس بمثابة الجسر الذي عبر عليه الإنسان من القردة العليا إلى حالته الراهنة.
كما كانت نقطة الضعف الأكبر في نظرية داروين فشله في التعريف الصحيح لأسلوب الوراثة إذ رأى داروين الوراثة على "أنها ظاهرة خلط تتجانس فيها صفات الأبوين مع بعضهما في النتاج، و لكن تبين فيما بعد أنها ليست كذلك، إلا أن هذه النقطة قد وضحتها قوانين الوراثة عند (مندل) حيث وضحت أن الاختلافات الناشئة عن التغيرات في الجينات- الطفرات-، هي فقط التي تُوّرث، و تكون المادة التي يمكن أن يعمل عليها الانتقاء الطبيعي. و لذلك فإن الثغرات التي كانت موجودة في نظرية داروين تم سد الكثير منها في النظريات الحديثة للتطور، كما تم تصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة في نظرية داروين من خلال الدارونية الحديثة، و لذلك "مازال التطور حتى اليوم معترفا به عامة على أنه الوسيلة التي تؤدي إلى أنواع جديدة ( تمييزا له عن الخلق الخاص Special Creation )، إلا أنه لا يزال يوجد جدال حول كيفية حدوثه تماما، و حول كيفية حصول تغيرات سريعة.
الهوامش
" 1" كارل بوبر، بحثا عن عالم أفضل، ترجمة أحمد مستجير، د. ط، الهيئة المصرية العامة للكتاب
" 2" أندرو ديكسون، ص 280
"3 " وليم جيمس، إرادة الاعتقاد، ترجمة محمد حب الله، د. ط، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة 1946
" 4" اليانور كلايمر، قصة الحلقة المفقودة، ترجمة محمد رشاد الطوبي، القاهرة 1968
" 5" علي الشحات، نظرية التطور بين العلم والدين، د. ط، مؤسسة الخانجي، القاهرة د.ت، ص 142
" 6" سلامة موسى، مختارات سلامة موسى، المؤلفات الكاملة، ج 1، ط
" 7" س.هيكمان، ف .هيكمان، ص 294
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
=========
>>>> الرد الثاني :
=========
>>>> الرد الثالث :
=========
>>>> الرد الرابع :
=========
>>>> الرد الخامس :
=========