عنوان الموضوع : نحن شعب لايقرا بكالوريا ادبي
مقدم من طرف منتديات العندليب

المقروئية عندنا مشكلة حقيقية، فالمجتمع الذي لا تنتشر فيه المقروئية هو مجتمع متخلف، مجتمع معاق عن التقدم المعرفي الحقيقي، حتى ولو انتشر فيه التعليم بشكل كثيف. مجتمع عاطل ذهنيا. التقدم المادي وحده لا يكوّن مجتمعا حركيا نشيطا مبدعا، هذا المجتمع يصنعه ذهن متطور، تصنعه الثقافة المتطورة المبدعة الرافضة للجمود والتقوقع. هذه الثقافة ليست كمّا محصلا من المعارف والشهادات، واجترار الموروث من الماضي المتكلس. الثقافة التي تصنع المجتمع السوي المنسجم المتناغم. هذه الثقافة تكوّنها شروط معينة تحرص البلدان المتحضرة على توفيرها، ثقافة لا تنزل من السماء، إنما تخلق خلقا بتوفير تلك الشروط المستحقة.
لقد تطورت في عصرنا أنواع المعرفة المختلفة وأساليب التثقيف المتميزة، وأصبح كل هذا متوفرا بكثافة أيضا. متاح لمن يسعى إلى التحصيل والتكيف مع تدفق هذا السيل من المعارف والثقافات الذي يصب من كل الأجناس والحضارات عن طريق وسائل التوصيل الحديثة، يقود هذا النهر الذي تصب فيه كل جداول المعرفة والتثقيف. الكتاب وحده هو ما يصهر ويسبك بعد الفرز والغربلة والتمحيص.
الأمة التي تقرأ هي التي تصنع التقدم وتقود البشرية نحو الرقي والتحضر. هل نحن أمة قارئة؟ الأمة العربية في عصور ازدهارها كانت تصنع المعرفة وتبدع في العلم والفكر، وتنشره في العالم. وكان أشد ما تحرص عليه هو صناعة الكتاب. الخليفة هارون الرشيد وهو يقود تلك الأمة في عزها من شرقها إلى غربها قوي العناية بصناعة الكتاب. لم تثنه الحروب التي كان يخوضها دفاعا عن الأمة. أوفد البعثات إلى الصين ليس لجلب السلاح أو سلع أخرى، بل للإتيان بفنين مختصين في صناعة الورق الذي تتطلبه صناعة الكتاب. كان الخليفة المأمون في حروبه مع بيزنطة يبادل الأسرى بالمخطوطات اليونانية، ربما يكون هارون الرشيد هو صاحب الكلمة المشهورة التي كثيرا ما نرددها “اطلبوا العلم ولو في الصين” هذه الأمة اليوم لا تقرأ كما تقرأ الأمم المتحضرة. هي أقل مقروئية من جزيرة كوبا الصغيرة والمحاصرة من الدولة الأعظم أمريكا، أقل من الجزر اليونانية المتناثرة والمجاورة. مع الفارق الكبير في نوعية ما يقرأ.
مجتمع شره…
إحصائيات المنظمات الدولية المختصة بما فيها منظمة اليونسكو تؤكد ذلك، وحتى لا نذهب بعيدا في التحليل وسرد الأسباب المعللة، نبقى في موضوع المقروئية عندنا في الجزائر لنقول أنها مشكلة كبرى مقلقة. فعندما نرى ضعف المقروئية في مجتمع لا يقرأ مثل مجتمعنا نشعر بالخوف على مستقبله. فهو مجتمع يفتقد تلك الطاقة الثقافية المبدعة الموسعة للمدارك وتسطير الأهداف الكبرى الصانعة للتاريخ. وهذا يحتم علينا أن نجعل موضوع المقروئية في صلب مقدمة أولوياتنا، ليس كموضوع ثقافي صرف، وإنما يتعلق الأمر بتوسيع آفاق ومدارك شعبنا، وزرع الطموح الخلاق في أجيالنا الجديدة، وفك حصارها من التقوقع والجمود والاتكال السلبي. المشكلة عندنا تتخطر وتبعث على التساؤل عندما نرى التوسع الأفقي في التعليم والتحسين الإجمالي في مستوى المعيشة. عندما يصل العدد الإجمالي في التعليم العام إلى ما يقرب من سبعة ملايين أو يزيد وفي الجامعات إلى ما يقترب من المليون أو يزيد، ونشهد الضعف المريع في المقروئية وسط الجمهور المتعلم الذي يتحول تدريجيا بمجرد ما يخرج من مؤسسات التكوين إلى جمهور أمي فاقد التأثير في حياة المجتمع المادية والثقافية. وهذا ما يجعل مردودية التعليم على مستوى المجتمع ضئيلة رغم التحسن المادي الملموس، ويحوله بسبب التكالب على المادة إلى مجتمع فوضوي شره ينزلق إلى ما نراه ونشتكي منه ومن مختلف الآفات والموبقات التي نعاني منها.
بين الحين والآخر طرح عندنا مشكلة المقروئية في هذه الندوة أو تلك، تطرح أفكار ومقترحات مبعثرة وربما توصيات مفيدة ولكنها تذهب أدراج الرياح في غياب رؤية واضحة وبرنامج شامل يجسد تلك الرؤية على مستوى الواقع. وهذا الوضع ليس خاصا بموضوع المقروئية ولا بالمسألة الثقافية ذات العلاقة الوثيقة بها. وإنما بكل القضايا الوطنية الكبرى، سواء ما تعلق منها بتنظيم وسير إدارة البلاد، أو بالمنظومة الاقتصادية والاجتماعية أو بالتعليم والجامعة وغيرها من القطاعات الاستراتيجية المؤثرة في تقدم البلاد وتحقيق المناعة الوطنية التي تحميها من الهزات الداخلية وتضمن لها الاستقرار المستدام وتبعدها عن الضغط الأجنبي، لأننا نسير بدون مشروع وطني متناسق متكامل مرتبط العناصر، مشاريعنا مفككة مبعثرة لا تخضع لفلسفة تربطها ولا حتى إلى برنامج سياسي دقيق وواضح. فنحن نرتجل أكثر مما نفكر أو نخطط، ولهذا يلاحقنا الفشل في مختلف المشاريع التي نحاول إنجازها. ومنها المشاريع ذات الصلة بالمقروئية. فالمقروئية مرتبطة بعدة عناصر يكمل بعضها البعض. للأسف أن هذه العناصر كلها معزولة عن بعضها، وهي إما مهملة أو يعتريها الخلل والنقص. وهذه العناصر الأساسية هي بالدرجة الأولى الأسرة والتعليم والجامعة والمؤسسات الثقافية. وإذا كان الموضوع يتعلق حصرا بالكتاب فإن الكتاب لا ينفصل عن غيره من الفنون التي تشكل البناء الثقافي الكامل وتصيغ الوعي التنويري.
ركود ثقافي…
ولنعد إلى المقروئية وشروطها، فالمعلوم أن المقروئية ليست وحيا ينزل من السماء، إنما هي عادة تحصل بالتعلم والدربة، مرتبطة بالأسرة والنظام التربوي وبالمشروع الثقافي التنويري وبالجو الثقافي العام وبطبيعة المجتمع نفسه، وعندما نطرح هذه العناوين ندرك الأسباب الحقيقية والمباشرة لضعف المقروئية عندنا، كل عنصر من العناصر التي ذكرناها ليس مشجعا على القراءة، إنما هو معاد لها، فالأسرة غالبا، ما تهمل هذه المهمة، مهمة القراءة، ونقصد هنا الأسرة المتعلمة والتي لها شيء من اليسر، فهي تحرص على اقتناء الأثاث والملبس بكل أنواعه، ولكنها لا تهيء مكتبة لأطفالها ولا مكتبة للأسرة، ولا تفكر في الذهاب بأبنائها للمسرح، وحتى في الحديث الأسري مع الأبناء لا تتحدث عن القراءة، بل تسرف في الحديث عن المقتنيات المادية بشتى أنواعها، وعن حديث الشارع المبتذل حول السياسة والآفات الاجتماعية مما يجعل الأطفال يتربون في جو مشحون من الاضطراب والكراهية والإحباط.
والمنظومة التربوية التي هي المشتلة الحقيقية، حيث تغرس عادة أو غريزة القراءة، وتتم الدربة عليها، نجد أن هذه المنظومة لا تشجع على القراءة ولا على التفكير والإبداع، وبدل أن تتطور في هذا الاتجاه نجدها موغلة في التجهيل والاعتماد على حشو العقول بالتقليد لكل ما هو جامد عن طريق التلقين والحظ، بعيدا عن حيوية العقل والتفكير، يكفي مثلا أن نشير إلى البرامج التي لها علاقة بالتفكير والتثقيف وغرس حب القراءة كالأدب والفلسفة والتاريخ، فهي تقليدية مكرورة، خالية من كل تشويق يضطر التلاميذ إلى حفظها لاجتياز الامتحان، ورغم العدد الهائل من الثانويات والمتوسطات فإننا لا نجد هذه المؤسسات تحتوي على مكتبات متجددة مشوقة تجمع كتبا حديثة اقتنيت على أسس تربوية علمية ثقافية تدفع التلاميذ إلى القراءة والتفكير وفهم الواقع التاريخي الحديث، فهي كتب جمعت كيفما اتفق بالإضافة إلى عدم وجود مربين مختصين يقومون بالتنشيط الفعال، كما لا توجد أندية للعلوم والثقافة تفتح العقول الناشئة وتدفعهم إلى التنافس الإبداعي، غياب الرحلات المنتظمة للمعالم التاريخية والطبيعية التي تزخر بها بلادنا، ولا نتحدث هنا عن تأهيل هيئة التدريس المناسبة.
الكتاب هو الأساس…
القطاع المهم المحفز على القراءة فهو القطاع الثقافي، وما نزال نكرر بأن الثغرة التي تتسرب منها معظم مشاكلنا السياسية والاجتماعية هي الثغرة الثقافية، للأسف الشديد أنه ومنذ الاستقلال لم نوفق في بناء مشروع ثقافي منسجم ومتكامل يدفع إلى تطور عقلاني متحضر لا ينغمس في الجشع المادي العفن يجعله يسير بدون وعي نحو التدمير الذاتي، فما تزال الثقافة عندنا عملية تنشيط عشوائية، ولم تتحول إلى فعل قوي ومؤثر ينتج الثقافة ويغير المجتمع نحو الأفضل، فلا توجد عندنا سياسة متكاملة بناء المعمار الثقافي الوطني، لا توجد مجلات منتظمة، ولا صحافة مختصة تعنى بشؤون الثقافة تكون منبرا للإبداع الجديد وإثرائه بالنقد والمناقشة، الخلل الكبير والفظيع هو في استيراد الكتاب والاتجار به. فعندما كانت لنا شركة وطنية تحتكر الكتاب، كان الكتاب متوفرا،
الآن حررنا تجارة الكتب والمجلات لمن هب ودب من الجهلة في شكل عصب تحتكر تجارة الكتاب بطريقة أخرى جعلت سوق الكتاب عندنا من أفقر وأتفه أسواق الكتاب عربيا ودوليا، وأكثرها رداءة، مازلنا نفتقر إلى مؤسسات ومنابر للثقافة قارة وواضحة المعالم، بعد ما يقرب من نصف قرن على استقلالنا لم نوفق في تكوين مجتمع للثقافة له هوية ثقافية متميزة، بل نستطيع القول حتى أن النخبة المثقفة عندنا لم تصنع هويتها الخاصة، فمن أين تأتي المقروئية في هذه البيئة الثقافية القاحلة والمبعثرة؟
طرح السؤال حول آفاق المقروئية في الأجواء التي أشرنا إليها هو ضرب من الوهم إن لم يكن ضربا من العبث، أن تحيل مجتمعا غير قارئ إلى مجتمع قارئ لا يتم عن طريق المعالجة الجزئية أو الظرفية، إنما يتم عن طريق تغيير مفاهيمنا ونظرتنا إلى المنظومة التربوية وسياساتنا الثقافية والى طبيعة المجتمع الذي نريد بناءه، الشروط التي ينبغي توفيرها للوصول به إلى مرتبة التقدم والتحضر، في مقدمة هذه الشروط أن نعيد الاعتبار للكتاب وجعله ليس جزءًا من المقتنيات التي نزين بها البيوت، بل نجعله جزءًا من وعينا ووجداننا، رفيقا لنا في حياتنا.. فالكتاب كان الأساس في نشأة الحضارات البشرية. المقتنيات التكنولوجية الحديثة التي أصبحت إحدى الوسائل التثقيفية المتجددة، وكذلك المسرح الذي رافق الكتاب منذ أقدم العصور وأيضا السينما والتلفزيون ووسائل التسلية الأخرى.


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

شعب لا يقرا ، شعب معوق ذهنيا

=========


>>>> الرد الثاني :

السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته فقط أسأل هل الموضوع من تأليف الأستاذة المحترمة ؟؟ و شكرا

=========


>>>> الرد الثالث :

استاذي الفاضل اذا لم تنتبه انا وضعت اشارة منقول امام العنوان من باب الامانة العلمية فالمهم ان نستفيد من الموضوع

=========


>>>> الرد الرابع :

شكرا أستاذتنا الكريمة لم انتبه . نعم المهم الفائدة للجميع

=========


>>>> الرد الخامس :













=========


تمام كل كامة لها منى[