عنوان الموضوع : التاريخ و علم الاجتماع..اختلاف و تقارب بكالوريا ادبي
مقدم من طرف منتديات العندليب
"التاريخ يُخبر عن الأحداث، علم الإجتماع يصف الطرق التي سلكتها هذه الأحداث أثناء تحقّقها....."
المرجع: Claudio Magris, “Utopie et désenchantement”
1-إشرح الأفكار الواردة في هذا القول مبيّنًا الإشكالية التي يطرحها.
2-ناقش هذا القول إنطلاقًا من الفرق بين التاريخ الذي يعتبر سردًا للأحداث وبين علم الإجتماع الذي يُعتبر علمًا إنسانيًا مبنيًا على التحليل والدراسات.
3-هل توافق المبدأ القائل بأنّ المجتمع يُدرس كالأشياء؟ علّل إجابتك.
الاجابة المقترحة
المقدمة: يطلق العديد من المفكرين تسمية العلوم الإنسانية على مجمل العلوم التي تدرس مواقف الإنسان وسلوكياته. يرى كوفيليه Cuvillier الأمور بطريقة مختلفة. فعلم الاجتماع برأيه لا يمكن أن ينظر إليه كعلم مستقل ومنفصل بالكامل عن سائر العلوم الاجتماعية.
الإشكالية: فكيف نفهم مختلف هذه العلوم الإنسانية وبِم تختلف أو تتقارب؟ وهل صحيح أنّ التاريخ هو الوحيد القادر على شرح الأحداث والوقائع الحياتية؟ وبِمَ يمتاز عن علم الإجتماع؟
الشرح: علم الاجتماع أو الفيزياء الاجتماعية، حسب رأي مؤسسه أوغست كونت، هو الدراسة الوضعية للظواهر أو الأحداث الاجتماعية مثل العادات والتقاليد والاعتقادات والأحوال المتبدلة وكل أصناف المؤسسات السياسية والتشريعية والدينية والاقتصادية.
ويتكون هذا العلم من قسمين كبيرين: الأول يختص بدراسة السكونية الاجتماعية حيث يتناول البنى والنظم والنشاطات الاجتماعية في عصر من العصور. والثاني يختص بدراسة الحركية الاجتماعية بحيث يهتم هذا القسم بالنظر في التبدلات التي تطرأ على المجتمعات عبر العصور.
أراد “دركيهم” أن يجعل من علم الاجتماع علمًا وضعيًا مستقلاً عن علم الأحياء وعلم النفس. وقد اعتبر أن الوقائع الاجتماعية بمختلف لواحقها السياسية والاقتصادية والسلوكية هي وقائع أصيلة قابلة للتحليل على ضوء مبدأ الحتمية المطبق في علوم المادة.
إن علم الاجتماع ليس علم نفس يدرس علاقات فردية لأن المجتمع ليس مجموعة أفراد، بل هو كائن مستقل له حياته الخاصة ويخضع لسببية اجتماعية لا يمكن تفسيرها بإرادات أفراده. إن الحادث الاجتماعي يفسّر من خلال الوعي الجماعي أي الإلزامات العقائدية والأخلاقية الخاصة بمجتمع من المجتمعات.
هذا يعني أن الظاهرة الاجتماعية هي جماعية (Collectif) أي ليست نابعة من توافق الأفراد بل هي تتأتى من الروح الجماعية التي يُصطلح على تسميتها بالوعي الجماعي (La conscience collective).
كذلك فإن الظاهرة الاجتماعية تعبر عن حقيقة متسامية على الأفراد مما يجعلها ملزمة للجميع وضاغطة، أي قهرية تتسلّط على سلوكات الأفراد دون استثناء.
ولما كانت الظواهر الاجتماعية مستقلة عن الأفراد فيجب أن ندرسها بموضوعية كالأشياء المادية بعيدًا عن تأثير المذاهب والأفكار المسبقة. ولذلك باشر “دركهيم” بدراسة ظاهرة الانتحار في السجلات الإحصائية معتبرًا إياها ظاهرة موضوعية يمكن تفسيرها على غرار تفسيرات علوم المادة.
أخيرًا فإن تفسير الظاهرة الاجتماعية يتجاوز كل التفسيرات الفردانية المتبعة في علم النفس والتابعة للطبيعة البشرية وميولها. فالسببية الاجتماعية لا تشبه لا من قريب ولا من بعيد آليات التفسير النفسية، هذا يعني أنها ترفض تأثير الإرادات الفردية وتتجه من الجماعة إلى الأفراد وليس العكس. فالأحداث أو الظواهر الاجتماعية لا تفسّر بالأسباب الغائية ولا بالذكاء الفردي، بل هي نتائج لأسباب اجتماعية خارجية.
إن الاستطلاعات كثيرة الرواج في علم الاجتماع، وهي تتناول جميع جوانب الحياة الاجتماعية. وعندما تأخذ شكل إحصائيات فإنها تهدف إلى إخضاع الأحداث الاجتماعية للدقة الرياضية. ومن أشهر التحقيقات الرائجة اليوم تلك الخاصة باستطلاعات الرأي العام في موضوع معين، لكن أكثر الأحداث مناسبة للإحصائيات هي الأمور الاقتصادية كالصادرات والواردات وتقلب الأسعار، والعرض والطلب، وميزانيات الفئات الاجتماعية، وأوضاع الأجور عند مختلف الطبقات، ونسبة غلاء المعيشة. ويشمل الإحصاء كذلك النظر في التحركات السكانية الديموغرافية كالهجرة والتجمعات في المدن والبلدات والقرى. والمقصود أن يفتح الإحصاء أمامنا آفاق الوصول إلى حقائق عامة تعتمد لغة الأرقام والرسومات البيانية لتعبر عن بعض الثوابت الاجتماعية.
إن الإحصائيات بدورها توفر مادة غنية للمقارنة. وكلما كانت الحالات المدروسة أكثر عددًا أصبحت النتائج أكثر دقة وانضباطًا. إلاّ أن تفسير الإحصائيات واستخلاص النتائج يبدو أكثر أهمية من عملية الإحصاء نفسها. ذلك لأن المعطيات غالبًا ما تكون متداخلة بشكل لا يمكّن من الكشف بسهولة عن العلاقات السببية التي تحكم الظاهرة.
إن التحقيقات والدراسات الاجتماعية هي مجرد وسائل استقصاء تحتاج إلى تفسير على ضوء مقارنات تاريخية. ويجر هذا النوع إلى دراسة تاريخية للفئات الاجتماعية ضمن المجتمع الواحد، أو لدراسة تاريخ عدة مجتمعات كبيرة لمقارنتها ببعضها واكتشاف قوانين تطوّرها. فعلى سبيل المثال نستطيع دراسة تطوّر مؤسسة الزواج والتشريع والملكية والسلطة في المجتمع الواحد أو في العديد من المجتمعات.
إن علم الاجتماع يشرح التاريخ، والتاريخ يوفر لعلم الاجتماع مجالاً استقرائيًا واسعًا من الأحداث والظواهر التاريخية لتحليلها والوقوف على تطور المؤسسات المرتبطة بها. فالتاريخ هو بديل المنهج الاختباري في علم الاجتماع، وهو كذلك من أهم العلوم المساعدة لنجاح الدراسة الدينامية والتطورية للمجتمعات.
المناقشة: صحيح أن التاريخ هو واحد من العلوم الإنسانية التي تهتم بدراسة الكثير من الحوادث الاجتماعية، إلاّ أنه من المستحيل أن ننطلق من منظور التماهي بين التاريخ وعلم الاجتماع، إذ إن كل منهما يشكل علمًا متخصصًا ومستقلاً بذاته من حيث موضوعاته المتميزة، ومن حيث مقارباته وطرائقه الخاصة. فحين يدرس التاريخ بعض الموضوعات أو الظواهر الاجتماعية فإنه يدرسها لجهة فردانيتها الخاصة ولجهة تمركزها الزماني. فالتاريخ يهتم بدراسة الحوادث الواقعية الفردانية والخاصة أكثر مما يهتم باستخراج القوانين والتعميمات. أما علم الاجتماع فإنه حين يدرس هذه الأحداث عينها، فإنه يحيلها إلى موضوعات وظواهر خاضعة للتحليل ثم للقوننة والتعميم، الأمر الذي يجعل من هذه الظواهر نماذجًا تعميمية غير زمانية، أي غير متحددة في حقبة زمانية واحدة.
الواضح إذًا أن الاختلاف بين علم الاجتماع والتاريخ لا ينطلق من كون العلم الاجتماعي يعاين الحاضر بإزاء التاريخ الذي يرصد الماضي. فالموضوعات التي يدرسها علم الاجتماع ليست فقط مرهونة بالحاضر، بل إن عالم الاجتماع يحاول أن يحذو حذو العلماء فيدرس ظواهره من حيث كونها حقائق مقولية صادقة باستمرار خارج الزمان والمكان.
وهذا هو المنطلق الذي اعتمده “لاكومب” في قسمته للظواهر إلى نوعين:
ظواهر أولى ثابتة تتشابه في كل المجتمعات ويطلق عليها تسمية “مؤسسة اجتماعية” (Institution). وظواهر أخرى هي بمثابة وقائع أو أحداث مفردة وخاصة، تشكل موضوع الدراسة التاريخية. وعلى هذا النحو فإن دراسة النظام الاقطاعي في منطقة بورغونيا Bourgogne حتى العام 1360 هو موضوع للدراسة التاريخية. أما تحديد طبيعة النظام السياسي الاقطاعي وخصائصه ومحدداته العامة فهو من اختصاص علم الاجتماع.
وفي المقابل فإن التاريخ بدوره يحتاج إلى علم الاجتماع لكي يصف الأحداث بشكل صحيح ومنضبط. فعملية الوصف تكون مشوّهة إذا نحن لم نفهم الموضوع أو الحدث الذي نقوم بوصفه. والفهم هو عبارة عن استخدام مقارنات ومشابهات لتحويل الحدث إلى مسألة تصورية أو علاقة. ولذلك يقول “دركيهم” أنه من غير الممكن أن نصف حدثًا مفردًا لأننا لا نراه ولا نفهمه. فالمقارنة والخروج من حالة الحدث الفردانية الخاصة تجعل فهمنا للأحداث التاريخية أكثر نضوجًا وعمقًا.
وبكل تأكيد فإن علم الاجتماع لا غنى عنه في تفسير الأحداث التاريخية والكشف عن أسبابها. ولكن إذا كان علم الاجتماع هو المسؤول عن صياغة العلاقات بين الظواهر، إذ من خلال ملاحظاته واعتماده على فكرة السببية يستطيع أن يستخرج القوانين والعلاقات الثابتة، فإن التاريخ من جهته يحاول أن يبتدع بناءات وتركيبات عبقرية، أي ينطلق من تفسيرات سببية تبرّر نظرته الخاصة إلى تسلسل الأحداث.
الرأي الشخصي: وضع "فيبير" مذهبًا لدراسة الاحداث الاجتماعية يرمي الى إدراك معاني الاحداث الاجتماعية، كما هي في ضمير النّاس. ذلك انّ هذه الأحداث هي حقائق نفسية يعيشها ابناء مجتمع معيّن في ظروف معيّنة. فهم أصحاب تجربة معيوشة لا نستطيع فهمها الاّ اذا شاركنا فيها. وانتقد "مونيرو" فكرة دوركهايم القائلة: انّ الظواهر الاجتماعية هي اشياء. واعتبر انّها حقائق إنسانية لا يمكن فهمها بالأساليب التي تعتمدها دراسة الظواهر المادّية. فنحن هنا مدعوّون الى فهم الحادث الاجتماعي في معناه الداخلي، لا في علاقاته بالأسباب الخارجيّة. انّ الاحداث الاجتماعية هي اهداف انسانية لا تدرك الاّ بعمليّة تعاطف وجداني ينقلنا الى دواخل من يعيشها.
ولكن هل نستطيع عيش مشاعر الآخرين؟ تبدو هذه المقارنة ممكنة ومفيدة على المستوى الفردي. امّا على المستوى الاجتماعي فتبدو غير متوافقة مع اي بحث علمي.
علم الاجتماع الصحيح يجب ان يكون متفهّمًا وشارحًا في الوقت نفسه. ذلك انّه مدعو الى عيش الدلالات الخاصّة وفهمها وابرازها من جهة، ولانّ الاعتراف بانّ هذه الدلالات المكتشفة تتجاوز المشاركين في ظاهرة اجتماعية الا حقيقة واقعية، من جهة أخرى.
------------------------------------------
*من دروس في الفلسفة..لبنان
الأستاذ: بيار مالك
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
شكرا على مجهودك
=========
>>>> الرد الثاني :
=========
>>>> الرد الثالث :
=========
>>>> الرد الرابع :
=========
>>>> الرد الخامس :
=========