العمق ، و الإمتداد ، و الطموح
إن القلم يحتار ، ويتردد ويتعثر لأنه يهتز ويترنح استحياءاً و توقياً من أن يخبط خبط عشواء ، و من أن يشتط و يتيه في البيداء، ويخط كلاماً لا يخلو من اللأواء، ويكون محتواه سدى ، و مقصده لا يصيب كبد الجهاد ، و الفداء ، ولايرقى الى همة من ركبوا الردى ، و لم يرضوا إلا بإمتطاء ذرى العلى ، رضعوا من حليب أمهاتهم الكبرياء و نشؤوا على الشجاعة ،والقرى ، ومقارعة الأعداء، والعفو عند المقدرة حتى الإمتلاء ، شيم حكماء ، و أخلاق المصطفى ، صفاتٌ محمودة ، و أفعالٌ ودودة تفرقت في الخلق و اجتمعت في هذه الثلة المباركة ، و الجماعة الزكية ، منهم قد الرجل العظيم ، و المجاهد الكبير ، و الإنسان ، الشيخ بن ناصر صنع الثورة مع رفاقه و صنعتهم ، و أعطوها و أعطتهم ترى في و جهه بل قسماته و تقاطيعه و تغاضين جبهته مفاصل تاريخ الجزائر ، و تضاريس جغرافيتها و لمسات الأنبياء ، كنت محضوضاً و موفقاً أن عرفته و احتكيت به اكتشفتُ مصدراً ثراً للتعرف على تاريخ الثورة بتفاصيله ودقائقه ، التي كنت أعشقها و مولهاً برجالها و مولعاً بالإستزادة بمعرفتها على نحو التمكن و الإحاطة ،فأروى غليلي ، وسد خلتي ، كان رحمه الله راسخاً ، شامخاً كجبال الشلعلع وميلك وشاهداً على تاريخ هذا الشعب ، وهذا البلد كشهادتهما على العصور الجيولوجية و التحولات الأرضية و الإنقلابات التاريخية ، كان رحمه الله يحب هذين الجبلين و لا يمل من ترديد ذكرهما و الثناء عليهما ألم يقل الرسول صلى الله عليه وآله على جبل أحد ((هذا جبلٌ يحبنا ونحبه)) ولعل ذاكرة هاذين الجبلين حفظت صورته الوضاءة وحمت آثاره من الإندثار ، و صانت جهوده و أعماله من البوار وكذا أغلب مناطق الشرق الجزائري التي زارها و حل بها وقد يكون مكث فيها قليلاً أو كثيراً لايهم الأولى أنه اتصل بناسها و عرفهم و خبرهم ، و شكل عنهم صورةً واضحةً تتيحُ له التعامل معهم بإرتياح ، هذه البقاع و هؤلاء الناس أخذوا منه ، و أخذ منهم و في تقديري انهم اخذوا منه أكثر مما أخذ عنهم لأن تجربته أكبر و معرفته أوسع و صبره وتحمله أقدر ، فهو من أولئك الرجال الذين يقلون عند الطمع ويكثرون عند الفزع ، الذين إذا حضروا لم يعرفوا واذا غابوا لم يفتقدوا ، و لا يمكن أن نوفي هذا الرجل حقه حتى نتقدم في السلم درجات ،و نرتقي من المنخفضات الى المرتفعات فنخبة الثورة وزبدتها وخلاصة الوعي المجتمعي و التاريخي ، اليد التي باشرت المشروع التحريري ،وعينها على مشروع البناء التنموي ، والدرب الحضاري رجالُ السياسة ، الموهوبون ، و قيادات الجيش الملهمون عركهم وعركوه ، وعلى أسرار الثورة استأمنوه ، وللأمانة حملوه و للمهمات الصعبة قلدوه ، فهو لديهم موضع ثقة محترمٌ مبجلٌ ،يتصل بهم بغير وساطة ويدخل عليهم بدون استئذان مرحباً به موسعاً له في المجلس ، فهو أي الشيخ بن ناصر رحمه الله يعرفهم معرفة خُلطة و عشرة و معايشة حيث ينبذ ُ التكلف ،ويبعد ُ التحفظ ويفضي الأخ الى أخيه بجميع أفكاره و خواطره و مشاعره ، مخلياً بذات نفسه الشريفة وطويتها السليمة ، لما ينشأ عند إخوانه من أفكارٍ مريبة وينتأ من خواطر و مشاعر مأزومةٍ مشؤومةٍ تنغصُ المعايشة ، و توترُ العلاقات ، تُضخم السقطات و تنفخ في الهنات ،فإذا هي زلازلٌ هائلات ، ورياحٌ عاصفات ،للبنيان المحكم مهددات ، و للصف المرصوص منذرات فيحسن التعامل معها وكأنه يتعاملُ مع قنابل موقوتة ما عليه إلا أن ينزع فتيلها و يعطل مفعولها فيتلافى خطرها ويزيلُ تهديدها فإذا دمارها في خبر كان ماجعل بطانة الثورة قبل حاشيتها تفتح له الحضن وتبوئه منزلةً في القلب جزاءاً وفاقاً لقلبه الطيب الذي وسع الجميع ،ولتفانيه في خدمة الثورة و تقديم الغالي و النفيس لها و أنف من أن تكون لها ضرة تنافسها عليه و أما تدينه و زهده و تنسكه فحدث و لا حرج فهو يصوم حتى تقطع أنه لا يفطر ، و في الصلاة لا يكتفي بالواجبات فهو نهم لا يشبع من التنفل ، كلامه و تصرفاته و سائر شؤونه صدى لتدينه و رجعُ الصدى لضميره الحي اليقض ، و فهمهُ للدين و تمثلهُ له موصولٌ بمرجعياتنا العتيدة محكومٌ بالفضاء الوطني و المنطق العملي و المنزع التسامحي ،خير ما ترك لأبنائه ثروةً معنوية و رمزية عفواً هي إرثٌ للجزائريين كلهم
يتبع .....
بقلم : محمد الفاضل حمادوش
حرر يوم : الأحد 14 أفريل 2015 ميلادي
الموافق لـ 3 جمادى الآخرة 1434 هجري