الشاعر الثوري محمد بوزيدي
اسم على مسمى الذي يتمثل في تلك الشخصية الثائرة على الاستعمار , عفوا على الاستدمار في بلاد المليون والنصف مليون شهيد …
إن صوت الجزائر الذي كان يقوم به أحد الغيورين على وطنهم وأصالة بلادهم , انه محمد بوزيدي ذلكم المجاهد والفنان والشاعر المدوي صوته في وجه الغاصب لوطنه ودينه مع أصدقائه : عيسى مسعودي – مفدي زكريا – وأعلم أن محمد بوزيدي ولد في حي القصبة بمدينة الجزائر العاصمة سنة 1934 تعلم على يد الشيخ الإسلامي الشاعر الكبير صاحب الديوان المعروف : محمد العيد أل الخليفة . في مدرسة الشبيبة الإسلامية في حي القصبة حفظ القرآن الكريم مبكرا وعمره عشر سنوات اشتغل في الإذاعة في برنامج جنة الأطفال . وإبان ثورة التحرير بدأ ينشط في مجالات معينة وانتمى إلى مجموعة طالب عبد الرحمان الفدائية فألقي عليه القبض وبعد
الإفراج عنه التحق بالثورة سنة 1957 وكان الرجل موهوب يمتاز بروح وطنية امتزجت بنسمات فنية فأهل أن يكون عنصرا هاما في إذاعة صوت الجزائر التي كانت تبث برامجها من تونس وذلك سنة 1958 ودأب على النضال بنفس لا تعرف الإحباط والفشل حتى رفرفت أعلام الجزائر بألوانها الزهية , الأخضر لون أرضها , والبيضاء صفاء قلوب شعبها والحمراء رمز دماء شهدائها ....... معلنة بالاستقلال سنة 1962 , فاشتغل الشاعر الفنان المجاهد في عدة مناصب سامية حتى سن التقاعد 1984 فكلف بالإعلام والتوجيه في حزب
جبهة التحرير الوطني نال عدة أوسمة في سنة 1984 نال وسام السيد وزير المجاهدين وفي سنة 1987 نال شهادة تقدير من طرف رئيس الجمهورية الأمين العام للحزب على أعماله . وفي سنة 1992 نال وسام العشير من طرف المرحوم السيد : محمد بوضياف , وبعد مرض طويل ألزمه الفراش حيث رحمه الله 10 أوت 1994 هؤلاء هم رجال نوفمبر أسود الوغى فرسان الهيجاء أصحاب السيف والقلم من سيف الأمير عبد القادر بطل المقاومة إلى صوت الشيخ عبد الحميد بن باديس : شعب الجزائر مسلم والى العروبة ينتسب إلى نداء الشعب الجزائري لاستقلال وطنه وإقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية واحترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني .................. .
وقد قال عن الدكتور ك محي الدين عميمور : عندما يتردد اسم الشهداء يتردد معه اسم واحد من نجومه الخالدين , وهو المرحوم محمد بوزيدي , الذي عمل مذيعا وشاعرا ومقدما للتعليقات السياسية ومعدا للتمثيليات الإذاعية ومثلا في التمثيليات المتلفزة كالسحار بحيث يمكن القول بأن صدور طابع بريدي عن الإذاعة الجزائرية لا يحمل صورة بوزيدي يفقد الكثير من قيمته , ونسيان بوزيدي عند الحديث عن التعريب يجعلنا
نفقد الكثير من قيمتنا نحن .
أهم الخصائص الفنية في شعره:
جبلت الجزائر منذ القدم بالتصدي في وجه كل عدوان غاصب لشبر من أرضها ولما جاءت تباشير النور من وحي السماء رحبت بها وامتزجت روحها بوحي السماء فلا غرو أن نجد في ديوان الشاعر محمد بوزيدي
هذه الانفعالات الثورية في تكسير القيود ونزعها وفي تبديد الظلام وكشف الحجب ورفع الظلم والهوان والنداء للخير والسلام . يقول عنه الدكتور سليمان الشيخ : يرحل عنا الرجال أصحاب المبادئ والقيم ولا يندثر منهم إلا عنصرهم الترابي الذي يعود إلى أصله , أما قيمهم ومبادئهم تلك التي عاشوا لها فإنها تظل مع الأيام نورا يسطع وقوة تجمع وطاقة تدفع !ومن هؤلاء الرجال الذين رحلوا عنا بغتة فقيد الوطنية والثقافة والفن المرحوم محمد بوزيدي .....
وفي خصائصه الفنية يقول عنه : إن الشاعر محمد بوزيدي لم يكن يستقر على أشكال التعبير حتى يشرع في البحث عن غيره وما به رغبة في تجريد أدواته الفنية ولكن بحث عن أكثر الأساليب فعالية في التبليغ والتأثير ؟! وهذه شهادة دكتور يعي ما يقول , ويكفي أنه تتلمذ على صاحب الديوان الشعري الشهير الشيخ محمد العيد أل خليفة وكذلك شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا حيث كان شكل من صديقه الحميم ولو تصفحت هذه الدواوين لوجدت شبها في قوة التعبير وقوة الألفاظ وجزالتها وانسيابها انسياب الأسماك في أعماق البحار وكذلك ألفاظ وكلمات الجياش التي تغوص في أعماق الصدور مجلجلة مدوية ذات مغزى وعاطفة وتأمل وفكر جمعت كل خصائص الفن الشعري فهز القلوب وحرك الوجدان فأذكى الحس الوطني بديوان الرائع فكان شعره منعشا مشعا ثقة وأمالا وتطلعا لمستقبل الوطن الغالي كحبه له ولقد عاش تلك الفترة المشئومة من التاريخ الجزائري الطويل التي لم ير مثلها كم سالت دماء وزهقت أرواح وخربت بيوت , وعم الرعب والهلع في الوطن وبدأ التفتت والتشتت والتمزق وكاد صرح الوحدة الوطنية يتهدد ويتصدع لولا فضل من الله ورحمة لكانت البلاد خرابا فقال الشاعر محمد بوزيدي في سنة 1994 السنة التي توفي فيها وهو بالمستشفى :
وأجمع الشمل كما كنا فاني أرقب الشمس على فجر الرجاء .
ولا يمكن لنا في هذه المقتطفات البسيطة البعيدة عن عمق الدراسة والتنقيب وقلة الأدوات المساعدة على البحث أن نلم بشعره منذ بدأ يقرض الشعر حيث تزامن مع حوادث تاريخ الجزائر فمثلا في مقطوعته التي هي جزء من قصائده التي تجاوزت الستة والخمسين قصيدة
التي عبرت عن مجالات عدة كالثورة , والوطن , والعروبة , والإسلام , والفلاحون , والشباب , و المرأة , والمغرب العربي , فلسطين .... ففي مقطوعته الحرية مثلا يخبرنا أين توجد الحرية ,هذه الحرية التي قال عنها أمير الشعراء وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق ويقول عنها رائد النهضة الجزائرية الشيخ عبد الحميد بن باديس : أين أنت أيتها الحرية المحبوبة فتشت عنك في القصور والأكواخ إلى أن يقول: أنت خفية كخفاء الكهرباء في الأسلاك فيجيب محمد بوزيدي بقوله :
سوف نلقاههــــــــــــا على شم الجبـــــــــــال
سوف نلقاهــــــــــــــا على تلك الرمـــــــــــال
في صحارينهـــــــــــا وفي كل التـــــــــــلال
في زفير الغيــــــــــظ في دمع الخـــــــــــوال
في ابتسام الطفــــــل غرا لم يبـــالـــــــــــــي
في محيا الشيـــــــــخ ســــــاع للقتــــــــــــال
في الهدى والنــــــور في البحر الشمــــالي
ويقول أيضا :
في ربى الزيتـــــــون في ظل الدوالـــــــــــي
فـــــــي ذرا أوراس في كــــــل العوالـــــــي
في الدجى في الصبح في عمق الخيـــــــــــال
في الشــــــــــــــواطىء في سرى الماء الزلال
إنها في الشـــــعب يانبع المعـــــــــــــالي
وهذه القصيدة نشرت بجريدة المساء ولولا صديقه الشاعر محمد بلقاسم خمار لضاعت كان محمد بوزيدي يردد تلك الأبيات وهو يصارع مرض السرطان اللعين ومرض الشقاق وحب السلطة على البلاد وإراقة الدماء فيهتف في أبناء الوطن أن يكفوا عن هذه الحماقات فيقول :
أيها العالم (العام) ألا تسمع مني
صيحة تدعو قلوب الرحمــاء
كفكف الدمع فاني في صلاتي
أسكب الدمع كأمطار الشتــاء
ليتني قدمت في الحرب شهيــــــدا
وتواريت على هذا الشقـــــاء
بلدي اليوم جريح في الحنــــــايــا
نازف القلب , غريق في الدماء
متفرقـــات متنوعة :
ومن حبه للمجد وكراهيته للذل قال قصيدته هول النداء أثناء تنفيذ حكم الإعدام في الفدائيين أوت سنة 1958 قــائلا :
من أراد الذل يحيا مثل كلب أو أراد المجد يسعى للخطوب
والفدائي , وان أعدم فجرا دمه النور وإشراق الغــــروب
تشمل أشعاره على قوة الألفاظ في مبناها ومعانيها تتحرك لسماعها القلوب وتستيقظ الضمائر لها فيخاطب جيش التحرير بقولــــه :
فحطمتم جيش طغاة فلم يعد يراوغ بالذل الحقير المنافــــق
لقد عرفوا أن الجزائر ثورة تناضل حتى النصر كل العوائق
فيا قادة التحرير يا شرف الحمى سلام عليكم عاطرا كالحبائق
وأحيانا يلتزم بالشعر العمودي ومما يدل على أنه يهفو إلى السلام وتحرير الأوطان من نير الظلم والاستبداد فيقــــول في قصيدته : اللاجئ
قلت لطفل لاجئ ماذا تريد
فرماني بلحاظ من حديد
نظرات حاقدات وقوية
وبصوت بارد قال أريد بندقية
ويقول أيضــــا:
تبصق الطاعون في وجه القرود
من أداسوا حرماتي القدسية
واستهانوا ببلادي العربية
ويسعى شاعرنا للوحدة المغاربية ويدعو لها :
يا نشوة الفخر ما أحلى تفاعلها في ذي النفوس لها في الروح إحياء
المغرب العربي اليوم منبعها كما سقاها وفي التاريخ أنبـــــــــــــاء
إلى أن يقــــــول :
دين وجنس وجنات مزخرفة عشنا عليها كما عاش الأشقاء
ومن أقواله في السفر أثناء زيارة إلى يوغسلافيــا عام 1959 :
بلادي سلام الحبيب الوديع كعطر الزهور بفجر الربيع
ركبنا البحار وجبنا الجبــال قطعنا السفوح قطعنا التلال
سنفني الطغاة وجيش الظلام ونبني على المجد صرح السلام
ونراه هنا من خصائصه الشعرية عدم الالتزام بنفس القافية بدون أن يخرج عن أصالة الشعر الفني يشجع العلم ويدعو إليه لدوره المعروف :
ابــعثوها تعــــانق الأقمـــــــار وقضـــاء يصــــــارع الأقدارا
في يدكم أمـــــانة ياشبـــــابا يطلـــب العلم نــــابعا فــــــوارا
نحـــن أولى إلى العلوم وأحرى نحــن نشكـــوا إلى العلوم افتقـــــــــارا
إنمــا العلم للشعوب وقــــــاء وسلاح يبـــــدد الأقــــطـــــارا
فاطلبوه تقـــــدما وســــــــلاما وحيــــــاة وصنعـــة وابتكــارا
إلى أن يقول :
نحن شعب يرى الحياة فداء ويرى الموت في الفداء افتخــــارا
ويقول عن الســــياسة المزيفة :
دول الغرب مالهــــا غير مـــكــر قد عرفنــــاها ثعلبــــا مكــــــارا
قسمونــــا غنيمـــة واكتســـــابا نهبـــــونا ومثلــــــــــلوا الأدوارا
لا تسلنـــا عن السيــــاسة إنــــا قد كشفنــــا عن سرهـــا الأستارا
هي خبث مقنــع والتفـــــــــاف واحتيــــال يؤيــد الأشـــــــرارا
ومن علامات الصداقة مع شاعر الثورة مفدي زكريا الذي مطلع قصيدته يقول :
قســـــما بالنازلات المــاحقات .......
فمحمد بوزيدي فقصيدة يحي جيش التحرير الذي انتصر على العدو الفرنسي ودمروا له المركز الحدودي على تونس وأحرقوا الدبابات والطائرات فقـــــال :
قم للجزائــــر حي جيشـــا أغبرا والعن هنـــــــاك الطاغــــي المستعمرا
ردد نشيــــدك في الزمان وطف به فوق الدنى واجعــــل سمــــاءك منبرا
جيش الجزائر بالشهيـــد يميننــــا قسمـــا به فدماؤه لن تهـــــــــــــــــدرا
من بات في برد الثلـــوج مبرحــا والموت أيقــــظه فأمسى عنتـــــــــــرا
ورأى السمـاء طيورها مشــحونـة بالصــــــاعقــــات وبالثقــــال فكبـــرا
وفي قصيدة أخرى يقــــول :
قسمــا بأكباد الضحــــايا الفجع بالنـــــار بالمقتــــول بالمتطـــــــــوع
أن نسكب الأرواح فوق ترابنـا ما لم يحـــرر تربنا بالاصبــــــــــــــــع