عنوان الموضوع : قبائل زناتة ومواطنها وآثارها في دول المغرب
مقدم من طرف منتديات العندليب
تعتبر زناتة من أشهر القبائل الأمازيغية على الإطلاق، بدأ إسمها يظهر على مسرح الأحداث في بدايات الفتح الإسلامي، ذلك أنّها ومنذ العصور السابقة، كالرومانية والبزنطّيّة، كان يسمّى كل بطن من بطون زناتة بإسمه، فمغراوة معروفون منذ العهد الروماني بإسم ماغورابي بنواحي إيكوزيوم(الجزائر) والشلف، كذلك الأمر بالنسبة لبني يفرن الذين كانوا ما بين تيهرت وتلمسان،وكانت منهم فروع بإفريقيّة القديمة(تونس وغرب ليبيا وشرق الجزائر)
وأحد الفرضيات تقول أن إسم إفريقية أشتق من إسم القبيلة.
إبّان الفتوحات الإسلاميّة تعرّف العرب على القبائل الأمازيغية وأنسابها فكانوا يسمّونها بإسم القبيلة الأم، فزاد ذلك من إنتشار إستعمال أسماء القبائل الأمازيغيّة الضخمة آنذاك، والتي كانت أعدادها تفوق الوصف، وعصبيّتها محفوظة بحيث أنّها كانت تعيش في شكل كنفدراليّات مستقلّة عن بعضها البعض، تجتمع تارة في شكل أحلاف قويّة أثناء الحروب وتفترق وتتنازع عند زوال العدوّ المشترك، وهذا ما صعّب من مهمّة الفاتحين العرب...يتبع
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
شكرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اااااعلى الاضافة والطرح الجيد
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
من أشهر قبائل زناتة : مغراوة، بنو يفرن، جراوة، بنو ومانو، بنو يلومي، وجديججن، واغمّرت (غمّرة)، بنو برزال، بنو عبد الواد، بنو توجين، بنو راشد، بنو مرين، بنو يرنيان، بنومزاب.
تركت قبيلة زناتة آثارا عظيمة لا زالت إلى اليوم تشهد على وجودهم وإنجازاتهم، وعبقريّتهم، فضلا عن شجاعتهم الفائقة التي خلّدت ذكرهم.
القصور المنتشرة عبر الصحراء الجزائريّة جلّها من تأسيس قبائل زناتة مثل قصور ورقلة، واد ريغ، بني مزاب، تيميمون ومنطقة تيقورارين وتوات، وأسلوب السقي عن طريق الفقّارة خير دليل على عبقريّة هذا الشعب.
العمامة الجزائريّة وهي مستوحاة من العمامة الزناتيّة، وعند دخول قبائل بني هلال وإحتكاكهم بالأمازيغ خصوصا زناتة، تشبّهوا في كثير من أحوالهم بهم ذلك أن كثيرا من الهلاليّين أمثال زغبة كانوا أحلاف زناتة، وفي إيالتهم،
كذلك تربّى كثير من أمراء الدواودة في كفالة ملوك زناتة كيغمراسن وغيره ويقول إبن خلدون في هذا الصدد "ولبس العمائم تيجانا على رؤوسهم يرسلون من أطرافها عذبات يتلثم قوم منهم بفضلها وهم عرب المشرق وقوم يلفون منها الليت والأخدع قبل لبسها ثم يتلثمون بما تحت أذقانهم من فضلها وهم عرب المغرب حاكوا بها عمائم زناتة من أمم البربر. وكذلك لقنوا منهم في حمل السلاح اعتقال الرماح الخطية وهجروا تنكب القسي. وكان المعروف لأولهم ومن بالمشرق لهذا العهد منهم استعمال الأمرين"
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
أشهر المعارك التي خاضتها زناتة في العصر الإسلامي:
وقعة الأشراف : جمعت بين جيش القبائل الأمازيغيّة الخارجيّة المتحالفة بقيادة خالد بن حميد الزناتي ضد جيوش الدولة الأمويّة إبّان حكم هشام بن عبد الملك بن مروان بقيادة خالد بن أبي حبيب، وقعت المعركة بوادي الشلف أسفرت المعركة عن هزيمة كبيرة لجيش الخليفة ومقتل قائده خالد بن أبي حبيب.
معركة واد سبّو: بعث الخليفة هشام تعزيزات للجيش المنهزم وولّى عليهم كلثوم بن عياض القشيري فزحف إليه خالد بن حميد الزناتي فيمن معه من البربر وكانوا خلقاً لا يحصى. ولقوا كلثوم بن عياض من بعد أن هزموا مقدمته فاشتد القتال بينهم وقتل كلثوم وانهزمت العساكر حدثت هذه المعارك في العقد الثالث من القرن الثاني للهجرة 120ـ130ه.
بين مغراوة بقيادة أميرها محمّد بن الخير بن محمّد بن خزر وصنهاجة بقيادة بولوغين بن زيري بن منّاد أسفرت عن إنتصار ساحق لبولوغين وجيشه، ومصرع ما يقارب من 18 أميرا مغراويّا
بين مغراوة بقيادة جعفر بن علي بن حمدون الأندلسي وصنهاجة بقيادة زيري بن منّاد الذي كبا به فرسه فقتل في تلك المعركة وإنهزمت صنهاجة و ذلك سنة 360ه .
بين مغراوة وصنهاجة بقيادة بولوغين دارت بينهم حرب شديدة وأسفرت عن هزيمة زناتة.
الحروب المدوّية التي شنّها التحالف القبلي الأمازيغي الزناتي بقيادة أبي يزيد مخلد بن كيداد اليفرني النّكّاري نسبة إلى مذهب النّكّاريّة من مذاهب الخوارج، وضمّ هذا التحالف قبائل كثيرة: بنو يفرن، لواتة وبطونها من مزّاتة، هوّارة،
نفزاوة، بنو برزال، غمّرة وغيرهم، ضد الدولة الفاطميّة التي أوشكت على الإنهيار وهي في عزّ قوّتها، وتجرّعت هزائم عديدة، أدّت هذه الحروب الكارثيّة إلى إنتشار اللا أمن وعدم الإستقرار والمجاعات، وإنتهت بهزيمة ومقتل أبي يزيد وتشتّت وضعف كثير من القبائل الأمازيغيّة وفي مقدّمتها بني يفرن وهوّارة.
معركة وادي ريّة جنوب قرطبة بالأندلس وإنتصار جيوش الأمازيغ وقبائل زناتة بقيادة سليمان المستعين بالله الأموي ضد جيش قرطبة والنصارى الإسبان بقيادة ابن عبد الجبّار أسفرت عن إنتصار ساحق لجيش سليمان ودخول قرطبة
معركة حيدران في تونس التي جمعت بني هلال بصنهاجة وزناتة وأسفرت عن إنتصار بني هلال وإنتشارهم في المغرب. يتبع...
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
السلام عليكم
هناك ارث حضاري وثقافي خلفته هته القبيلة العريقة وخصوصا ارث الفروسية الزناتي الذي شهد التاريخ لهته القبيلة
هناك مقال رائع لمجلة ايلاف يتحدث عن هذا الارث اردت ان اشارككم به
الزناتيون اشهر الركاب
ليس سهلا أن يصير قوم شعبا من الفرسان تنسج حوله الأساطير! فهذا الاستحقاق ثمرة تاريخ وتقليد وثقافة. وإذا كان البربر الزناتيون قد صاروا من أشد المقاتلين خطورة في الغرب الإسلامي إبان القرون الوسطى، فلأنهم كانوا أساسا رعاة! كان الزناتيون بمثابة اتحاد بربري يستقطب العديد من الفروع ـ كمغراوة، ومكناسة، وبنو إفران، وبنو مرين، وبنو برزال ويتكون في معظمه من قبائل بدوية وشبه بدوية ومنتجعة. وكانوا يعيشون في مناطق السهوب المتاخمة للصحراء وفي النجود العليا، على ارتفاع يقارب 1000 متر في المتوسط، و هكذا انتشروا في كل الجهات المتسمة بهذه الخصائص بين الساحل المتوسطي والصحراء وكانوا منصرفين تقريبا إلى الأنشطة الرعوية، متنقلين تبعا لضروريات الحياة و ظروفها، باحثين دوما عن الماء والمرعى لقطعانهم. وباعتبارهم رعاة، كان الزناتيون يمتلكون الدواب والجمال وخصوصا الخيول التي يبدو أنها شكلت أساس قوتهم و ثرائهم، فيما لم تكن القبائل البربرية الاخرى تمتلك سوى القليل من الخيل. لقد كانوا بفضل ما في حوزتهم من مطايا مقاتلين محتملين، صبورين وقساة، معروفين ببأسهم و خفتهم، وسعيهم اليومي إلى تأمين معاشهم وسلامتهم لذا كانت شجاعتهم و فطنتهم وغريزتهم خصالا اجتذبت غيرهم إليهم باستمرار وجعلتهم مقصدا في الشدائد سيما وانهم كانوا مقاتلين يزرعون الخوف، على أهبة الموت فداء لبقية أعضاءالقبيلة التي لم يكن كل فرد فيها سوى حلقة في سلسلة. ويستفاد من الأوصاف المتداولة بشأنهم أنهم كانوا شعبا متمردا، ممسكا بحريته بشراسة، شاقا عصا الطاعة على كل حكم قار ومركزي، ويمثل تهديدا دائما للمراكز الحضرية.
فرسان رعاة
أكيد أن الزناتيين كانوا أناسا ذوي طبائع خشنة، بعيدي الصلة بأسباب الحضارة، معتادين على حياة الحرمان، مرغمين كل يوم على مقاومة ظروف الزمان للعثور على طعام يقيم أودهم وخصوصا أود قطعانهم. كما أن لصوصيتهم التي ذمها الجميع أمر ثابت غير أن نمط حياتهم البدوية لم يحولهم بالضرورة إلى نهابين لقد كان عليهم بحكم عيشهم في ضواحي المدن المتواجدة في طريق الذهب، أن يمارسوا نوعا من المراقبة على هذه التجارة وأن يفرضوا إتاوات على هذه المدن لقاء ما يوفرونه من حماية مسلحة حتى تصل القوافل المحملة بالمعدن النفيس الى وجهتها بأمان ذلك أن سكان الحضر الذين كانوا يعيشون في وسط اختفت فيه الروابط القبلية، والذين لينتهم حياة المدن المحمية بالأسوار، لم يكونوا ذوي بأس في فنون القتال، مما جعلهم يعهدون بمهمة الدفاع عنهم إلى هؤلاء الرعاة الفرسان الذين كان حمل السلاح مدعاة فخر لهم. غير أن ما تدره مراقبة طريق الذهب من مكاسب كبيرة جعلها مثار الأطماع. هكذا اضطرت القبائل الزناتية إلى التراجع تدريجيا نحو الغرب في أعقاب معارك ضارية كانت الغلبة فيها للفاطميين الذين زعزعوا التوازن الذي كان سائدا وقتئذ في المنطقة. ويبدو أن الزناتيين عند تقهقرهم إلى الوراء، بعد تعرضهم للاقتلاع من أراضيهم وحرمانهم من مراعيهم التقليدية ومن موارد مالية هامة، اضطروا إلى ممارسة اللصوصية و قطع الطرق على نطاق واسع، فأشاعوا الفوضى في المغرب العربي، مخلفين فيه لاحقا سمعة سيئة. مقاتلون مخيفون. تتفق كل المصادر التاريخية على أن الزناتيين كانوا بشهادة حلفائهم وأعدائهم على السواء فرسانا لا يشق لهم غبار، بارعين في ركوب الخيل، ويجمعون بين الخفة والصبر. فبحكم تعودهم في حياتهم اليومية البدوية أو شبه البدوية على قطع مسافات طويلة، صار ركوب الخيل سلوكا متأصلا فيهم. مما أدى مع مرور الأيام إلى نوع من الاتحاد الوثيق والتآلف التام بينهم و بين مطاياهم. كانوا يجوبون مختلف جهات المغرب العربي بسرعة كبيرة للبحث من مراع لقطعانهم أو الانقضاض على عدوهم. هكذا جعلت منهم خفتهم المقرونة ببراعتهم التي لا تضاهي مقاتلين بواسل يهابهم الجميع حتى أن مقاتلا شجاعا من قوم آخرين قال اذا إلتقى مئة منا زناتيا واحد فإنهم فارون لا محالة، لأنهم لن يجرؤوا على منازلته، ولذلك ظلوا يعتبرون لزمن طويل أفضل فرسان الغرب الإسلامي.
قتال متحرك يتناسب تماما و حركية الفر والكر
وتعود شهرة الزناتيين إلى براعتهم في تقنية الكر والفر الموغلة في القدم. فقد سبق استخدام هذه التقنية من طرف البرثيين والنوميديين قبل أن تعتمده الشعوب والبدو. وتتمثل في انقضاض جمع من الفرسان على العدو دون إتباع نظام محدد. اذ يظهرون،من جهة غير متوقعة ويندفعون بخيلهم المسرعة مطلقين صيحات مدوية. و في الوقت الذي يقف خصومهم مبهوتين، غير مدركين بعدما يحدث لهم، يقوم المغيرون بتطويقهم و يمطرونهم بالسهام والرماح و يعملون فيهم السيوف. و بغتة يتراجعون متهربين من أسلحة الأعداء، و موهمينهم بالفرار. فإذا لحق بهم هؤلاء بعيدا كان الهلاك مصيرهم وكانت هذه الهجمات تتم بموجات متلاحقة وسريعة لمجموعات صغيرة من الفرسان ينطلقون من حيث لا يحتسب عدوهم. وعند انتهاء الهجمة، يجتمعون على إيقاع أحد الطبول ويعيدون الكرة إلى أن ينهكوا خصومهم أو يبيدوهم. ومع أن تقنية الكر والفر ليست زناتية تحديدا، إلا أن هؤلاء الفرسان الرعاة برعوا في استخدامها بفضل دربتهم على الحياة في مناطق مكشوفة، صحراوية تقريبا و قليلة المخابىء. فكان عليهم خوض قتال متحرك يتناسب تماما و حركية الفر والكر. ولا تزال ذكرى هذا التكتيك القديم حية إلى اليوم حيث يمارسه المغاربة في ألعاب الفروسية التي حلت فيها طلقات البارود محل الرمي بالسهام. كانت الأسلحة المفضلة لدى الفرسان الزناتيين هي الحسام أو السيف، والرمح، وخصوصا القوس. وكانت واقياتهم تقتصر على ترس مصنوع من عدة طبقات جلدية ألصقت ببعضها وخيطت، ومثل هذه التروس معروفة بخفة حملها ونجاعة صدها لضربات العدو. وقد تلافوا ارتداء الدروع حتى لا تعيق حرية حركتهم وحتى لايثقلوا مطاياهم بحمل إضافي يؤثر على سرعتها. سيما أن قوتهم الأساسية تمثلت في سرعة هجماتهم، إذ كانوا مهرة جدا في الضربات الدقيقة بالحسام وخصوصا في الرمي بالسهام في كل الإتجاهات الأمامية والخلفية، بينما الفرس يعدو بسرعة كبيرة. و ما كان بلوغ هذا المستوى من البراعة ممكنا الا بتدريب متواصل يثابر عليه الفارس وفرسه معا. كانوا يمتطون خيلهم واضعين أقدامهم في ركابين قصيرين مدليين، مما كان يمكنهم من حرية حركية أكبر، ومن الاستدارة بنصفهم الأعلى بكيفية أفضل، والاستقلال أكثر عن سرجهم. هكذا كان الفارس منهم يقف على ركابيه، ويستدير، ويطلق سهمه، و يعود للجلوس سريعا حتى يتفادى ضربات عدوه. كانوا يستعملون سرجا منخفض القربوس والقربوس الخلفي، ولو أنه يبدو أن القرابيس تطورت ابتداء من القرن الرابع عشر تقريبا (القرن الثامن الهجري) مع ظهور القذافة، بحيث صار بإمكان الفارس الإستناد إلى القربوس الخلفي لتصويب سهامه. و تشهد السروج المغاربية حاليا على هذا التطور. كانوا يركبون أفراس المغرب. و هي أفراس صغيرة قادرة على قطع مسافات طويلة بسرعة منتظمة.
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :
تاريخ الزناتيين
ويعتبر فرس المغرب المتميز بخفة خارقة، من أسرع الخيول في المسافات القصيرة. كما يستطيع التوقف بغتة و تغيير الاتجاه في زمن قياسي. لذلك ان هو الفرس الأمثل لقيام الزناتيين بمناوشاتهم. وما لبثت قدراتهم القتالية أن عادت عليهم بالمكاسب. فقد كانت الدولة التي أسسها الأمويون بأسبانيا غنية و قوية، لكن سكانها كانوا خوافين، فكان أهالي المدن والمزارعون على السواء يتركون شؤون القتال لغيرهم عن طيب خاطر ولذلك عمد ملك الأندلس، الذي كانت خزائنه طافحة بالأموال، إلى تجنيد مقاتلين مرتزقة استقدمهم من الجانب الآخر للبحر. فكان هذا الأمر نعمة للزناتيين الذين لم يعد أمامهم من خيار، بعد تضييق الخناق عليهم من طرف الفاطميين وفقدانهم لمراقبة أراضيهم،سوى بيع أنفسهم كمقاتلين للخليفة الأموي. وهكذا عبر الكثير منهم المضيق البحري الذي كان يفصلهم عن الأندلس، فرادى في بداية الأمر، ثم سرعان ما أخذوا يصطحبون معهم نساءهم وأطفالهم. وقد قوبلوا في الفترة الأولى بازدراء لفرط خشونتهم. غير أن الخليفة الموالي، الحكم الثاني (365-350 هـ / 976-961 م) أعجب ببراعتهم الفروسية" انظروا إلى هؤلاء القوم كأنما فطروا على ركوب الخيل. ما أروع السلاسة التي تنقاد بها جيادهم، كأن هذه الأخيرة تفهم حديثهم" لذلك استقدم المزيد منهم، وكذلك فعل خلفه. إلى درجة أن المقاتلين البربر المأجورين، وعلى رأسهم الزناتيون، سرعان ما احتلوا أعلى المراتب في الجيش الأندلسي، وصاروا يتمتعون بقوةو نفوذ لا مثيل لهما، و تصرف لهم رواتب سخية. لكن السكان ظلوا يزدرونهم.لذلك عندما اندلعت الأزمة داخل السلطة الحاكمة ( 399 هـ 1009 م)، كان نشوب الحرب الأهلية محتوما، لأن كل الأطراف سعت للحفاظ على امتيازاتها. فعمد البربر إلى نهب قصر الخليفة، ثم قضوا أياما ينهبون قرطبة ويعيثون فيها قتلا واغتصابا وابتزازا. فكانت تلك الأيام المشؤومة وبالا على المدينة بكاملها. وقد اتهم مؤرخون عديدون البربر بضلوعهم في سقوط الخلافة ونهاية عصر ذهبي. نجم عن هذه الأزمة تقسيم سياسي للبلاد، فاقتطع الزناتيون لأنفسهم إمارات صغيرة مستقلة لم تصمد طويلا أمام ضغوط الدول المجاورة الأقوى منها. فكان ان انتقلوا إلى الخدمة غرناطة في عهد بني زيري، وما لبثوا أن صاروا مرة أخرى أهم أطر الجيش، مستغلين هذا الإمتياز لإثارة القلاقل في الدولة التي يخدمونها. وعاد الوضع يتكرر من جديد. إذ شهدت سلطة بني نصر المعروفين ببني الأحمر: (897/629 هـ / 1492-1232 م) خصاصا في المقاتلين الأشداء كما كان الحال دائما في الأندلس، فيما ازداد ضغط الحملات المسيحية المضادة. فاضطر بنو نصر الى استئجار أعداد من المقاتلين وهكذا وفد الى غرناطة عدد كبير من الزناتيين المرينيين، المنشقين عن الفرع الذي كان حاكما في فاس، وسرعان ما بسطوا نفوذهم واستأثروا برواتب كبيرة، فالسلطان النصري كان في أمس الحاجة إليهم، لأنه ما كان لدويلته ان تصمد طويلا أمام الضغوط المتزايدة لمسيحيي الشمال بدون مقاتلين محنكين، ولأن هؤلاء المتطوعين بوازع الإيمان (هكذا كانوا يسمون المأجورين الزناتيين) أدركوا مقدار حاجة الحكم اليهم، أخذوا يتصرفون كما يحلو لهم، مكونين دولة داخل الدولة، مملين آراءهم على الملك ومتدخلين باستمرار في الشؤون الداخلية للسلطنة، وإذا اجترأ الملك على الوقوف في وجههم يكون مآله القتل إلا ان محمد الخامس، أقوى سلاطين بني نصر، أدرك خطورتهم على مملكته فاستغنى عن خدماتهم ابتداء من سنة 1374 م 775 هـ وبعد ذلك بقرن سقطت المملكة في أيدي الملوك الكاثوليك وبذلك انتهى الوجود الاسلامي في الارض الايبيرية. أسطورة الفارس الموريسكي وكان مسيحيو شبه الجزيرة الايبيرية ـ حسب الباح كار ايون ـ أكثر الناس انذهالا بالمهارة الفروسية التي أبداها الزناتيون، وبتقنية الكر والفر لديهم، ففي الواقع، كانت التقنية المعتمدة من طرف مسيحيي أوربا الغربية مناقضة تماما لتكتيك البدو،لانها كانت تقوم على وحداث ثقيلة من الخيالة، وكانت فعاليتها تتوقف على قوة الزحف الشبيه ب المرداس: إذ كان الفرسان يهاجمون العدو في صفوف متراصة لسحقه، ولذلك كان المقاتلون يرتدون دروعا ثقيلة لحماية انفسهم، ولكي يثبتوا جيدا على سروجهم، كانوا يتخذون لاقدامهم ركابين طويلين، مما يجعل سيقانهم ممدودة، وكانت سروجهم مجهزة بقاربيس عالية نسبيا وملتفة تمكنهم من الثبات جيدا ومن تعليق دروعهم عليها احيانا تلافيا للسقوط، لكن متى وقعوا ارضا يظلون رازحين تحت ثقل عتادهم فيجهز عليهم مشاة الجيش الخصم ويقتلونهم، اما خيولهم فكانت ضخمة لاتمتاز بالسرعة ولكنها تستطيع حمل الفارس بكل أثقاله من الدروع والاسلحة. وكم كانت دهشة المسيحيين كبيرة حين واجهوا لاول مرة المقاتلين البربر المأجورين! فقد بهتوا وهلك معظمهم، وإكراما لعدوهم إن جاز القول، اطلقوا على الطريقة التي يركب بها الزناتيون خيلهم (الركوب على الطريقة الزناتية)، فيما كانت طريقتهم معروفة وصارت الطريقة الزناتية قدوة، حتى ان كلمة الاسبانية تعني حاليا الفارس أوالفارس الحاذق كما يرى دوزي، وهي مشتقة مباشرة من كلمة زناتي. وحرصا من المسيحيين على تحسين أداء جيشهم وقتال الخصم بسلاحه، استدعى القشتاليون، وكذلك آل أراغون، الفرسان البربر الى بلاطهم وأدمجوا وحدات خفيفة من الخيالة في جيشهم، وهو ما يعد حدثا فريدا في الدول الاوربية آنئذ، واخذ النبلاء الأسبان يتبعون طريقة الزناتيين في ركوب الخيل، كما هو شان بعض الشبان الذين تلقوا تربيتهم في بلاط الفونس الحادي عشر والذين صاروا يركبون كالزناتيين، بل إن ملك قشتالة هنري الرابع نفسه شوهد يركب جواده على الطريقة الزناتية، وكان حرسه الخاص يضم الى جانب الجحنود المسلحين وحدات كاملة مجهزة مثل الزناتيين، وكان سميره القائد العام "ميغيل لوكاس دي ارانزو"، الذي قاتل طويلا مسلمي مملكة غرناطة، يمتطي حصانه كأي زناتي، مرتديا كساء من الحرير زاهر الألوان، كما كان دي ليون، المركيز دوق قاديش، فارسا ممتازا على الطريقة الزناتية، هكذا كان كبار الفرنسان يركبون خيلهم بطريقة ال brida كما بال jineta على السواء وكانت السيوف الزناتية، المزخرفة جدا، مطلوبة كثيرا هي الاخرى.
مهارة الفارس الزناتي
وكان الموريسكي جذابا. كان في آن واحد العدو المشنع عليه والخصم المثير للإعجاب. وقد ظل وجهه متجذرا في المخيال المسيحي حتى بعد استعادة الأندلس من المسلمين بزمن طويل. ويزخر الأدب الأسباني المكتوب خلال القرون التي أعقبت سقوط مملكة بني الأحمر، والذي استلهمه المستشرقون الأوروبيون كثيرا في دراساتهم، بالإشارات إلى مسلمي أسبانيا، كما كان موري سكي غرناطة، المنسوب إلى الشرق، يحمل صفات الزناتي، وكان وضع العمامة على الرأس أولى هذه الصفات. فكان المسيحيون يقرنون كل مسلم بالعمامة، بينما كان يتفرد بها زعيم المقاتلين البربر. إن المثل الأعلى الفروسي كما صاغه الغرب المسيحي حل محل الفارس الزناتي. فذاك الذي أذهل خصومه بمهارته الفروسية تحول في مخيالهم إلى ند للفارس النبيل الأصل، الفاضل والشجاع، ونصير الأرملة واليتيم، وانتقل من فارس همام إلى النموذج الأمثل لكل الفضائل الفروسية في العالم الآخر، نموذج المؤمن بالله، الجامع لصفات النبل واللطف واللباقة والبسالة في القتال. لقد صار للفارس المسيحي منافس رفيع القدر. كما احتفظت له العديد من القصائد الإسبانية الملحمية، التي خلدت حميته وأعماله، بصورة الخصم المخيف. هكذا تأتي للزناتيين، الذين كانوا مجرد رعاة ذوي حياة بسيطة وخشنة، أن يندرجوا ضمن ملحمة الشعوب ذات المآثر الفروسية، كانوا يمتطون الخيل باستمرار لتعقب قطعانهم. وتحولوا من فرسان منقطعي النظير إلى عناصر بالغة النفوذ في جيوش مختلف الدول التي تعاقبت في الأندلس. وفي كل مرة كان التاريخ يعيد نفسه، فهم المعروفون بالفظاظة والخشونة، كلما التحقوا بخدمة إحدى هذه الدول ذات التكوين الحضري والرعايا القليلي الميل إلى القتال فرضوا أنفسهم تدريجيا عليها، ثم ما لبثت حياة المدينة أن استهوتهم، ففقدوا فطرتهم القتالية والقبلية التي بوأتهم أعلى مراتب الحكم. لقد ساهم هؤلاء الفرسان المدهشون، أكثر من غيرهم، في صياغة أسطورة الموريسكي في إسبانيا المسيحية المنتصرة التي ظلت زمنا طويلا معجبة بالغريم الذي كانت تقاتله. كما حولوا أزياءهم وطريقة إسراج خيلهم وتقنيتهم الفروسية إلى قدوة تحتذى. وسيظلون في اللغة الأسبانية رمزا للفرسان المغاوير.