عنوان الموضوع : 'البرقع الفرنسي' .. شذوذ ما بعد الحداثة؟
مقدم من طرف منتديات العندليب
'البرقع الفرنسي' .. شذوذ ما بعد الحداثة؟
هادي يحمد
4/26/2016
باريس - ما الذي يدفع فتيات فرنسيات تشبعن بروح الثقافة العلمانية الفرنسية في القرن الواحد والعشرين إلى أن يتنقبن وأن يتخفين وراء البرقع الأسود؟ الم تعد كل أفكار التحرر النسوية وانجازات رائدات تحرر المرأة الفرنسية والغربية على وجه العموم من أمثال 'اولمب د كوج' مسطرة أول ميثاق حقوق إنسان للمرأة بفرنسا و'سيمون دي بوفوار' رفيقة درب الفيلسوف 'جون بول سارتر' و'سيمون فيل' الثائرة ضد الإجهاض و'اليزابيت بادينتير' أو النسوية الحديدية كما تلقب وغيرهن مقنعة لهاته النسوة؟
ما الذي حدث وما الذي يحدث فعلا في أذهان هاته النسوة اللاتي جئن وقد شاعت قيم ثورة 1968 الثقافية وقد أصبحت من البديهيات في المجتمع الفرنسي؟ وأين يمكن أن ندرج نقاب هاته النسوة في السياق الثقافي الفرنسي؟ ما الشبه بين برقعهن والبرقع الأفغاني او السعودي او غيره؟ هل هذا البرقع والنقاب نقابهن هو نسخة من البرقع القادم من الشرق؟ ما الفرق بين البرقع 'الباريسي' والبرقع 'الكابولي'؟ وبشكل اشمل ما الفرق بين تدينهن والتدين التقليدي أو ذلك الذي يدرجه الفكر الغربي ضمن مرحلة ' ما قبل تاريخية '؟ هل نحن أمام ظاهرة جديدة ' ما بعد حداثية ' لا علاقة لها بالنسخة التقليدية من التدين وبالتالي نحن أمام نقاب وبرقع يدرج ضمن سياق تاريخي واجتماعي مغاير؟
من المهم القول بان هذا المقال غير معني بالدفاع عن النقاب ولا يرمي إلى شيطنته ولكنه يحاول أن يفهم جذوره في السياق الفرنسي الخالص منطلقا من فرضية ان مبدأ أن الذين يركزون على انه 'مجرد مظهر قادم من أفغانستان أو الخليج' هم 'مبسطون' جدا وبالتالي يتناسون سياق وجوده الاجتماعي والثقافي والفلسفي ولهذا سأحاول أن انطلق من خصوصية هذا الواقع الفرنسي منطلقا من مقطع يتحدث فيه الصحافي والكاتب الفرنسي 'هرفي كيبير' (توفي 1991) في روايته 'الصديق الذي لم ينقذ حياتي' عن صديقة 'ميزيل' (الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو توفي 1984).
حيث يقول 'في بعض الليالي، من خلال شرفتي الواقعة في 203 شارع 'باك' كنت أراه يخرج من بيته بمعطف من الجلد الأسود مع سلاسل وقطع حديدية يحملها على كتفيه .. وينزل إلى سيارته الواقعة في مرآب السيارات تحت العمارة .. ويخرج بسيارته ويشق باريس ليصل إلى الدائرة الرابعة ويدخل إلى حانة وماخور 'كيلير' حيث يلتقي بضحاياه' (ص 29).
ماذا يفعل الفيلسوف الفرنسي 'ميشال فوكو' بالسلاسل والقطع الحديدية وأين يذهب؟ كان يذهب إلى إحدى دور البغاء التي يختلط فيها الرجال بالنساء في حفلات 'الليبرتان' الجنسية حيث يمارسون الجنس بالطريقة السادية المازوشية باعتماد السلاسل والحديد وغيرها من الأدوات والـــتي تقع فيها حفلات 'التعذيب الجنسي' الرمزي للاجساد العارية. ولكن ما علاقة ممارسات ميشال فوكو الشاذة هذه مع قضية النقاب والبرقع المثارة اليوم بفرنسا والتي نحن بصدد تناولها الان ؟
من المهم النظر إلى الموقف الفرنسي الحالي تجاه النقاب والبرقع على كونه موقف فلسفي من مكانة المرأة في المجتمع وبالتالي في علاقة مباشرة بقضية التحرر الجسدي للمرأة ولعلاقة الإنسان الأوروبي في فترة الحداثة بفلسفة الجسد بشكل عام وهذا المقطع من رواية 'هرفي كيبير' وهو يتحدث عن الأب الروحي 'فلسفة الجسد' يعبر كثيرا عن أفكار الفيلسوف و'ممارساته الحداثية' في علاقة بموضوع الجسد.
فلسفة تحرر الجسد والانهيار الكامل لكل المعايير الأخلاقية تعكس إلى حد فلسفة الحداثة الغربية والمعروفة ب'فلسفة تحرر الجسد' التي بلغت أوجها مع 'ميشال فوكو' وميشال سير (توفي 2016) و'ميشال انوفراي' ركزت بالخصوص على 'اللذة بلا نهاية' و'التحرر الأقصى' للجسد جنسيا ومعرفيا واجتماعيا وجماليا ومحاربة غير مداهنة للمكبوت والمغيب والمقصي من لذة ورغبة وشهوة وقلبا لمفاهيم الأنوثة والذكورة عبر مقولة 'اختلاط الأجناس' وتماهيها وتداخلها وصولا إلى التحرر الجنسي والإباحية المطلقة وهي بلا شك احدى أسباب كل التشريعات التي أنجزت في السنوات الأخيرة والمرتبطة بتقنين الإباحية وبالزواج المثلي إلى قلب العلاقات السلطوية بين المرأة والرجل داخل الأسرة الأوروبية.
لو انطلقنا من فرضية غير مستبعدة تماما وهي أن جل اللابسات للنقاب والبرقع في فرنسا تشبعن بالثقافة الغربية العلمانية التي تبثها المدرسة اللائكية الفرنسية وروح التحرر الجسدي هذه التي بثتها الحركة النسوية عبر عشريات عديدة والتي مثل ميشال فوكو احد اكبر أعمدتها ولو أخذنا بعين الاعتبار ملاحظة مهمة للمختص في وزارة الداخلية الفرنسية 'برنارد غودار' (حوار لفيغارو 16-6-2016) من أن اغلب ممن يرتدين البرقع والنقاب هن 'من الفرنسيات المعتنقات للإسلام' أي إنهن اجتماعيا وثقافيا فرنسيات قلبا وقالبا لخلصنا إلى نتيجة مهمة في تحليلنا وهي أن البرقع الذي نشاهده في المجال الفرنسي هو نتاج ثقافي فرنسي خالص بنسبة كبيرة وهو يندرج في هذا المسار التاريخـــــي والاجتماعي لعلاقة الفرنسيات بجسدهن وللعلاقة بين الرجل والمرأة وبلوغ حركة 'التحرر الجسدي' إلى حد انقلابها إلى ضدها ببلوغها حدودها المتطرفة القصوى والتي تتمثل عملية التعذيب والممارسة السادية.
و لكن السؤال كيف تتحول هذه الممارسة السادية والمازوشية الإباحية التي عمادها الإظهار والعري المطلق في علاقة بالجسد إلى علاقة سادية مازوشية عمادها الإخفاء المطلق؟ ربما نجد الإجابة عند ميشال فوكو في تفسيره للعلاقات السادية الارتدادية التي تنقلب إلى الضد مع المحافظة في كلا الحالتين على علاقة اللذة السادية سواء بالتلذذ بتعذيبه عبر الممارسة الجنسية الفوكوية (نسبة إلى فوكو) من اجل تحقيق 'اللذة الجنسية المطلقة' أو تعذيبه بشكل أخر عن طريق وضعه تحت ساتر اسود يمنعه في شكل لذة معكوسة على هذا الجسد الأوربي تبلغ أقصى درجاتها بتغطيته ونفي وجوده وقهره وراء عباءة سوداء قاتمة تسجنه على العالم الخارجي من اجل تحقيق 'اللذة الدينية المطلقة' إنها عملية 'مراقبة ومعاقبة' للجسد على حد تعبير عنوان كتاب 'ميشال فوكو' (صدر سنة 1975 ) .
ربما ما يدعم هذا التوجه في التحليل أن الفتيات الفرنسيات المرتديات للنقاب لا يرتدين هذا اللباس مع الاقتناع الكامل على كونه واجبا شرعيا وخاصة أن الجمهور الأعظم من العلماء المسلمين لا يرون وجوبه ولكن الدافع هو السياق الثقافي الفرنسي بالذات المتعلق بقضية الموقف من الجسد وتحرر المرأة بشكل عام أي هو على الأرجح ردة فعل احتجاجية 'ما بعد حداثية' ضد قضية التحرر المطلق والتي لم تؤدي في نهاية المطاف إلا إلى 'الفراغ الوجودي' روحيا مع الإبقاء على النظرة 'الاستهلاكية' و'الاستعبادية لجسد المرأة' بالرغم الدعوات التحررية التي بلغ عمرها حتى الان حوالي قرن من الزمان وهو ما يفسر الدعوات النسوية إلى أكثر توازنا متمثلة خاصة في الموجة الثالثة من الحركة النسوية في الغرب عن طريق الأمريكية 'ريبكا ولكار' سنة 1992 على سبيل المثال.
وإذ أخذنا المفهوم الغربي لمرحلة 'ما بعد الحداثة' على كونها 'أصبحت تشمل اللاعقل ووسعت مفهومها عن القدرات الإنسانية لتشمل المتخيل والوهم والعقيدة والأسطورة وهي الملكات التي كانت الحداثة الظافرة المزهوة بذاتها وقــــد استبعدتها المزهوة بذاتها وبعــــقلانيتها الصارمة' (محمد سبيلا الحداثة وبعد الحداثة 2016) ألا يمكن أن نفهم هذا النكوص للفرنسيات نحو 'النقاب' و'البرقع' على كونه موقف 'ما بعد حداثي فلسفي' تجاوزت فيه هاته النسوة منجزات الحداثة العقلانية إلى ما هو ضدها من متخيل ووهم وأسطورة؟!
إذا فهمنا لبس البرقع والنقاب في السياق الفرنسي على كونه 'نتاج اجتماعي وثقافي محلي للنساء المرتديات له انطلاقا من تجربتهن الفرنسية المرتبطة بقضية تحرر المرأة ولفظهن ورفضهن المتطرف لمنجزات الحداثة الغربية بمعنى رفض الاطروحات النسوية والفلسفية الداعية للتحرر الكامل من كل القيم والأعراف والتقاليد والأديان من اجل بلوغ 'اللذة القصوى' فإننا لا نرى ما يربط بين البرقع الفرنسي والبرقع الأفغاني إلا المظهر الخارجي الفارق فيه أن المرأة تحت البرقع الأول عاشت مرحلة الحداثة وتدخل مرحلة ما بعد الحداثة وهي تعيشها وتعي مقولاتها وتتمتع بعقلية ديكارتية فرنسية صقلتها المدرسة العلمانية الفرنسية الداعية إلى المساواة المطلقة بين المرأة والرجل وأما البرقع الثاني فتحته امرأة أفغانية مكبوتة لا تزال تعيش كالعديد من نسائنا العربيات والمسلمات فترة ما قبل الحداثة ولا زلن مقهورات تحت سلطة مجتمع أبوي يرفض منحهن الحد الأدنى من حقوقهن.
نجد هذا الاتجاه داخل الحركة النسوية الفرنسية والغربية بشكل عام إلى أفاق أخرى بحثا عن بدائل ثقافية وروحية وتلبي رغبتهن في خذلانهن من تحقق أحلامهن في نماذج عديدة فمثلما اتجهت العديد من النساء الفرنسيات المشبعات بروح الحداثة الغربية إلى أدغال البرازيل بحثا عن قيم جديدة وأفاق روحية جديدة في آلهة الهنود الحمر القديمة ومثلما اتجهت نساء أخريات إلى الشرق الأدنى في موقف ما بعد حداثي بحثا عن بديل روحي وجسدي في آلهة بوذا فان فرنسيات أخريات وجدن في'البرقع والنقاب' هذا الحل مع فارق بان الحل الذي اخترنه مرتبط بديانة يوصم أتباعها بالإرهاب في الغرب وهو الذي يفسر كل هذه النظرة السلبية له والجدل الذي يدور حوله.
من هذه الزاوية ربما يدرج 'البرقع الفرنسي' ضمن العديد من الظواهر الشاذة التي أفرزتها فترة ما بعد الحداثة والتي تنتشر اليوم في المجتمع الفرنسي والتي تعبر عن حالة رفض لقيم المجتمع الاستهلاكية برفضها أو بالعكس إلى الدعوة إلى مزيد من التحرر منها عبر مبدأ توسيع دوائر الإباحة فبمثل سواد 'البرقع' في الشارع الفرنسي ينتشر أتباع مجموعات 'الهارد روك' أو 'الهافي ميتال' الذين يتوشحون السواد من أعالي رأسهم إلى أخمص قدميهم أو جماعة متمردة أخرى على نظام المجتمع مثل جماعة 'الفهود البرتقالية' التي ترفع شعار 'لا قيم ولا أخلاق وحدود' هذا الرفض الإباحي لدى جماعة 'الفهود البرتقالية' نجد له موازيا له لدى المنقبات رفضا آخر للمجتمع ولقوانينه بارث حداثي غربي مغرق في الحداثة وبأدوات ومظاهر استقدموها من الخليج أو من أفغانستان .. لا يهم .. المهم إنها تعبر عن الرفض!
' صحافي تونسي مقيم في فرنسا
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
واضحة وضوح الشمس ...
الهدف من كل هذه الضجة محاربة الاسلام و المسلمين .
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
سلام عليكم شكرا على الموضوع
لو رجعنا الى التاريخ قديما وحديثا لراينا ان الفرنسيين كانو دائما في طليعة عباد الصليب المحاربين لدين الله وللمسلمين
لو رجعنا الى الحروب الصليبيه لراينا ان فرنسى دائما ما تكون اما هي الممول الرئيسي لهده الحرب او هي التي تقودها بنفسها
عداء فرنسا للدين الاسلامي وللمسلمين ليس بالامر الجديد
ففرنسا تحمل حقدا ظاهرا للاسلام وكل من ينتسب لهدا الدين
لكن ما بال اقوام يدينون دين الاسلام ويتوددون الى فرنسا عدوة الله والدين والمسلمين
والامر الثاني لمادا لا نفرض نحن المسلمين على كل كافراو كافرة يدخل بلاد المسلمين بان يستر نفسه او تستر نفسها عندما تطا اقدامهم بلاد المسلمين
اكيد لن يحدث هدا
لمادا
السبب والخلل فينا
فكيف يحترمنا الناس ويمتثلون الى اوامر شرع ربنا ونحن لا نمتثل لامر الله
نسال الله ان يردنا الى دينه ردا جميلا
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :