عنوان الموضوع : سباق الفرقاء لانجاح الثورات العربية او اجهاضها اخبار الجزائر
مقدم من طرف منتديات العندليب
سباق الفرقاء لانجاح الثورات العربية او اجهاضها
د.سعيد الشهابي
2016-06-07
اليس غريبا ان يتأخر حسم الثورات العربية هذه الفترة الطويلة، بل يتحول بعضها الى حرب اهلية؟ هل هذا التأخر ناجم عن ضعف الارادة الشعبية للتغيير ام عن عوامل خارجية تتصل بالسياسة الغربية ازاء مشروع التغيير الثوري في العالم العربي؟ أهي صدفة ان يبدأ الاعلام الغربي في الحديث والتحليل لما يعتبره 'فشل' ربيع الثورات ام ان ذلك مرتبط بسياسة متعمدة لمنع انتصار تلك الثورات؟ ما مصلحة الغرب في منع هذا الانتصار؟ ولماذا تحمس لثورات جمهوريات آسيا الوسطى قبل عشرين عاما ولكنه يرفض دعم الثورات العربية، وربما وقف ضدها؟
السؤال الذي لا يقل اهمية هنا: هل المشكلة في القيادة الميدانية لهذه الثورات؟ ام في تباين مواقف قطاعات المعارضة بين شباب الثورات والمجموعات السياسية العاملة ضمن النظم السياسية القائمة؟ فثمة حقيقة مهمة مفادها ان المعارضة في البلدان العربية غير موحدة، وربما تعارضت مطالبها احيانا، وكذلك ما تعتقده من وسائل لتحقيق تلك الاهداف. غير ان هذه ظاهرة ليست محصورة بالمعارضات العربية، بل تعاني منها اطياف المعارضة في كافة البلدان. ومن الصعب مناقشة الثورات العربية بدون التطرق للثورة الاسلامية في ايران التي أسقطت شاه ايران قبل اكثر من ثلاثة عقود. فكيف استطاعت تلك الثورة تحقيق هدف اقتلاع النظام من اساسه برغم ان ذلك النظام كان يتمتع بدعم امريكي مطلق، وكان يمثل العماد الاقوى للسياسة الامريكية في الشرق الاوسط؟ لا شك ان المعارضة الايرانية آنذاك كانت تتألف من اطياف شتى ما بين اليسار المتطرف والاسلامي المحافظ. غير ان عنصر القيادة هنا كان حاسما، تمثل بشخصية آية الله الخميني الذي مرت الاسبوع الماضي ذكرى رحيله الثانية والعشرون. وسواء كان المرء متفقا مع مشروع الامام الخميني ام مختلفا معه، فالامر الذي لا مراء فيه انه وفر قيادة فولاذية لثورة شعبية متعددة الاطياف، استطاعت توجيه حركة الشارع باتجاه الحسم النهائي واقتلاع نظام الشاه من جذوره. مع ذلك تجدر الاشارة الى ان الثورة استمرت قرابة العام، ولم تنتصر في غضون اسابيع. وخلال تلك الفترة طرح الشاه مبادرات عديدة لاحتواء الغضب الشعبي وتحييد الثورة، وكان هناك بين الحين والآخر من أعرب عن استجابة لـ 'الحوار' مع النظام، ولكن كان للقيادة دورها في منع تصدع جبهة المعارضة، وإسكات الاصوات التي كانت مستعدة اما للتفاوض او القبول بحلول وسط، او ممارسة الضغط على الجماهير لمنعها من التظاهر عندما وجهت تحذيرات شديدة بقصفها خصوصا في الاسابيع الثلاثة التي اعقبت رحيل الشاه.
الثورات العربية مستمرة، فلم يتوقف اي منها. ولكن في الوقت نفسه تواجه هذه الثورات جميعا ضغوطا من قوى الثورة المضادة تحت عناوين شتى و'مبادرات' تتصدرها الدعوات من جانب الانظمة لـ 'الحوار' كوسيلة لتمييع الموقف. ويمكن القول ان هذه الكلمة هي المدخل السحري لاجهاض الثورات. فعندما يطرح الديكتاتور دعوته لـ 'التحاور' يصفق الغربيون له كثيرا، ويضغطون كثيرا على بعض عناصر المعارضة للانخراط في 'مشروع الحوار الوطني' الذي، مهما بدا جادا، يستبطن بقاء النظام مع احتمال 'اصلاحات' شكلية لا ترتقي لطموحات الجماهير الثائرة، خصوصا بعد ان قدمت قوافل من الشهداء بدون حساب. الظاهرة التي تجدر ملاحظتها عمق قناعة الجماهير واصرارهم على الاستمرار في المعارضة والاحتجاجات السلمية وتقديم المزيد من التضحيات، برغم قسوة الانظمة في تعاملها مع الاعمال الاحتجاجية. والملاحظ ايضا استعداد بعض الرموز السياسية المعارضة للتعايش مع النظام. فما ان اعلن حسني مبارك مثلا، على لسان نائبه، عمر سليمان، عن دعوة المعارضة للحوار، حتى بادر بعض اطراف المعارضة للتحاور معه، ولولا اصرار شباب ميدان التحرير على رفض التحاور مع رموز النظام، لربما كانت النتيجة مختلفة. هذا مع الاشارة الى ان النتائج النهائية للثورة ما تزال مؤجلة بسبب ما تمارسه قوى الثورة المضادة لمنع قيام ديمقراطي حقيقي في كبرى الدول العربية التي هي الاكثر تأهيلا لقيادة العالم العربي على طريق التحرر من عالم الاستبداد الى عالم الحرية والديمقراطية. ومن المؤكد ان هذه النتيجة المتوخاة تقض مضاجع قوى الثورة المضادة التي يسوؤها حدوث تغير جوهري في النظام السياسي العربي. ولذلك لن تتوقف هذه القوى عن الكيد للثورة والثوار في كافة البلدان العربية لمنع تحقق التغيير الشامل الذي قدمت من اجله التضحيات البشرية الكبيرة.
حتى الآن ما تزال الثورات مستمرة، حتى التي استعملت القوة المفرطة للاجهاض عليها كالبحرين التي ما تزال ترزح تحت وطأة القوات السعودية التي اجتاحت البلاد قبل ثلاثة شهور، متزامنة مع اعلان الاحكام العرفية. ولتأكيد قوة الارادة الشعبية على التغيير، تقدم البحرين مثالا واقعيا لذلك. فما ان اعلن عن رفع تلك الاحكام في الاول من هذا الشهر حتى عاد المتظاهرون الى الشوارع، وواجهوا بشجاعة قوات الامن المدعومة قوى الثورة المضادة. وبرغم اصرار المواطنين على الالتزام بالاساليب السلمية في احتجاجاتهم المتواصلة، فان قوى الثورة المضادة لا تعدم الوسائل القذرة لمواجهة ذلك الاصرار. فاذا كانت ثورتا مصر وتونس قد قطعتا شوطا كبيرا على طريق اسقاط زعيمي البلدين في غضون بضعة اسابيع من انطلاق الثورة، فان الثورات اللاحقة تواجه انماطا من اساليب القمع ومحاولات الاجهاض. فالقمع الدموي من قبل اجهزة الامن لا يعرف الحدود، ولا يوفر الارواح فضلا عن الممتلكات. وقد واجهت الثورات جميعا بدون استثناء ردود فعل قاسية من قبل اجهزة الامن، ادت الى سقوط مئات الشهداء واعتقال الآلاف. مع ذلك اتضح ان ذلك القمع لا يزيد الوضع الا تأججا. ومع استعداد قوى الثورة المضادة لاستعمال كافة الوسائل، مهما كانت قذرة ودنيئة، لمنع حدوث التغيير العربي الذي ثارت الجماهير لتحقيقه، فقد اصبحت الثورات مهددة بسلاح خطير: الفتنة الداخلية وما يستتبع ذلك من قيام حرب اهلية. فثورة ليبيا بدأت سلمية ولكنها تحولت الى حرب مسلحة بين طرفين، فيما بقي الغرب متفرجا، يراقب الوضع عن كثب، ويتظاهر بدعم الثورة. انه مقتنع من حتمية التغيير ولكنه يريد حدوث ذلك ضمن منظوره المؤسس على الرغبة في الهيمنة المطلقة، وليس على اساس الارادة الحرة للشعب الليبي. والامر نفسه يحدث الآن في اليمن. فبرغم اصابة علي عبد الله صالح بجروح ونقله للسعودية للعلاج فهناك محاولات متواصلة لتحويل الثورة الشعبية السلمية الى حرب اهلية بين النظام الذي استطاع تعبئة بعض القبائل الى جانبه، والشعب اليمني الذي يتساقط ضحاياه يوميا على ايدي قوات النظام، وتزداد الرغبة في نفوس افراده للرد بالمثل. اليمن اليوم مهددة بحرب اهلية على اسس قبلية، وطائفية وسياسية. ونظرا للوضع اليمني المعقد فان كلا من اشكال الصراع هذه مرشح للتصاعد. فاذا حدث ذلك تلاشى بريق الثورة، وربما انفض الكثيرون عنها لتفادي الآثار المدمرة المترتبة على نشوب حرب اهلية تحت اي من العناوين المذكورة. والبحرين هي الاخرى تعرضت ثورتها منذ البداية لمحاولات التشويه والتوجيه نحو التوتر المذهبي. ومع ان ذلك الخيار لم ينجح كما تريد السلطة، فان عودة الثورة مجددا من شأنه ان يدفع قوى الثورة المضادة للثارات الطائفية والمذهبية لحماية النظام.
الغربيون يدركون خطر التحول الثوري باتجاه الحرب الاهلية. والواضح ان واشنطن وحلفاءها ليس لديهم مانع من ذلك، طالما بقي حلفاؤهم في الحكم. ولا شك ان للخطاب الغربي الذي يتظاهر بدعم الدعوة للتغيير، أثرا غير قليل سواء على الرأي العام، ام على القوى السياسية المعارضة. وعندما يهرع المسؤولون الامريكيون الى المنطقة لهندسة 'الحلول' مثل جيفري فيلتمان، نائب وزيرة الخارجية الامريكية لشؤون الشرق الادنى، فانهم يمارسون ضغوطا كبيرة على المعارضة لتقديم التنازلات للقبول بالانظمة الاستبدادية مع شيء من التعديل الهامشي الذي لا يمس جوهرها. فالمطروح في البحرين اليوم 'حوار' يحفظ النظام ودستوره ومؤسساته، مع شيء من 'الاصلاح' غير المحدد الذي سيظل هامشيا وغير ذي شأن. قوى الثورة المضادة تهدف لمحاصرة المطالب الشعبية وترفض منح شعوب المنطقة حق تقرير المصير، لان ذلك من شأنه ان يؤدي الى قيام انظمة ديمقراطية تستمد شرعيتها وقوتها من شعوبها، وتستطيع رفض الاملاءات الغربية خصوصا في ما يتعلق بالتطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي، وانتاج النفط، وابقاء المنطقة ضمن الفلك الغربي، ومنع تبلور شخصية حضارية لها تؤهلها للقيام بدورها المحلي والاقليمي والدولي كأمة قوية ذات انتماء ديني وحضاري متميز. ومع ان قادة الثورات العربية من الشباب قادرون على استيعاب جانب من الصورة العامة للمشهد السياسي، فانهم، بفطرتهم، قادرون كذلك على استيعاب ما يجري وراء الستار من محاولات لحرف مسيرة الثورات بهدف اجهاضها. من هنا ما يزال شباب ميدان التحرير في مصر يناضلون من اجل حماية الثورة التي رويت بدماء شهدائهم، ويشعرون ان قوى الثورة المضادة تعمل ليلا ونهارا لحرف مسارها تارة باحتواء بعض كبار الكوادر العسكرية، واخرى باثارة الفتنة الطائفية وثالثة بفرض واقع من الفوضى الادارية والسياسية والخدماتية يقلل من وهج الثورة ويستعدي المواطنين ضدها. واشنطن وحلفاؤها بذلوا جهودا كبيرة لاجهاض الثورات العربية وما يزالون يفعلون. فلم يعد حديث واشنطن يدور حول 'تغيير' الانظمة بل 'اصلاحها'، ولا حول ضرورة رحيل تلك الانظمة بل تشجيع 'الحوار' الذي غالبا ما كان 'حوار طرشان' يسعى فيه الطرف السلطوي لفرض اجندته اما بلغة لينة مصطنعة او بالتهديد الامني المباشر. ومن يتابع خطابات زعماء الدول التي استمرت فيها الثورات، يلاحظ بوضوح لهجة الخطاب الرسمي الذي يروج احيانا مشروع 'الحوار' ولكنه يستبطن التهديد بالبطش والاستئصال. الامريكيون يحاولون حتى الآن حصر نتائج الثورات باحداث 'اصلاحات' سطحية، ويتحدثون عن توفير دعم مالي للدول التي تواجه انظمتها ثورات شعبية، ولكنهم يتفادون مطالب الثوار الاساسية. فقد اصبحت الثورات جميعا تطرح شعارا موحدا 'الشعب يريد اسقاط النظام'، وترفض عودة الاوضاع التي سبقت الثورة، ولكن ليس سرا القول بان واشنطن ولندن وتل أبيب والرياض لا تقر ذلك التغيير، خصوصا انه، فيما لو حدث، سيكون من منجزات الثورة والثوار، وليس بوساطات غربية.
الى اين تتجه الثورات العربية؟ وكيف ستتبلور المواقف الغربية ازاءها؟ وقف الغرب بقوة مع ثورات جمهويات الاتحاد السوفياتي السابقة، ودعمها سياسيا وماديا، ورأى في سقوط الاتحاد السوفياتي الانجاز الاكبر في التاريخ الحديث. اما في العالم العربي فقد تحالف الغرب مع 'اسرائيل' من جهة ومع الانظمة العربية من جهة اخرى. انه ليس تحالفا اختياريا، بل فرضته النظرة الغربية لمفاهيم 'المصالح' و'الاستقرار' و'التوازن الاستراتيجي' وهي جميعا قيم يقررها الغربيون، ولا تخضع لمعايير وضوابط عالمية، ولا تستند لمنظومات اخلاقية مقدسة. من هنا تخضع هذه القيم للتفسيرات الشخصية او الحزبية، وقد تتضارب مع المعايير الدولية ومنظومات 'حقوق الانسان' و'حق تقرير المصير' و'اقامة حكم القانون' او ان 'الشعب مصدر السلطات'. فهذه القيم تطرح احيانا كشعارات مرحلية، ولكن تطبيقها امر نسبي، يلعب فيه الزمان والمكان دورا محوريا. فالسعودية اليوم مثلا، تعتبر قطب الرحى للسياسة الامريكية في الشرق الاوسط، خصوصا بعد سقوط حسني مبارك واحتمال قيام نظام بديل اقل حماسا للولايات المتحدة والعلاقات مع الكيان الاسرائيلي. والسعودية هي البلد الذي استعصى حتى الآن على كافة محاولات الاصلاح او التغيير، بسبب تركيبة الاقاليم التي تحكمها عائلة آل سعود، وغياب الرغبة الغربية في ازعاج نظام الحكم خصوصا في ضوء التداعي الاقتصادي الغربي في السنوات الاخيرة، وغياب اهم عاملين من عوامل التغيير: النخبة المثقفة الواعية التي تعمل خارج اطر النظام، والشعب المتطلع للتغيير والمستعد للتضحية من اجل ذلك. وثمة سببان لذلك الغياب: اولهما سياسات الاحتواء والتدجين السلطوية، بالاضافة الى اساليب القمع والاستئصال والاقصاء، وثانيهما رواج الفكر السلفي الذي ترعاه المدرسة الوهابية وما لذلك من انعكاس سلبي على معنويات الشباب المتحرر من جهة، وترويج ثقافة الاستكانة والخضوع للامر الواقع والقبول بحكم اولي الامر وعدم جواز التمرد والعصيان ضدهم.
ربما من الصعب التكهن بمستقبل الثورات العربية في ظل هذه الحقائق. مع ذلك يمكن استشراف عدد من المؤشرات لتسهيل الاجابة على هذه التساؤلات: اولها ان مستقبل الوضع العربي لن يكون كماضيه، وان درجة من الاصلاح سوف تتحقق، وان كانت دون ما تتطلع اليه الجماهير. ثانيها: ان هذا المستقبل سوف يخضع للتشويش المستمر من قوى الثورة المضادة التي ستسعى لتحييد ارادة الجماهير اما بالقمع الشديد وتعميق مشاعر الخوف، او اشاعة ثقافة الفوضى التي تؤدي الى اليأس، او بكبح جماح الجماهير المتطلعة للحرية والتغيير. ثالثها: ان هناك بوادر صحوة متأخرة للضمير الغربي خصوصا في المجال الاعلامي، وان كان ذلك خاضعا للمزاج السياسي العام في الدول الغربية وللضغوط المتواصلة من مجموعات الضغط الصهيونية او المستأجرة بالمال النفطي. هذه الصحوة قد تضغط على صناع القرار السياسي في واشنطن او دول الاتحاد الاوروبي لتغيير سياساتهم شيئا ما ورفع الغطاء السياسي والامني عن انظمة القمع العربية. وستظل السعودية اللاعب الاكبر في دائرة الثورة المضادة، وبالتالي فسوف يتواصل الصراع العلني والسري حول مصدر القرار الاستراتيجي في الشرق الاوسط. ومع اهمية الدور الامريكي في هذا الصراع، وهو دور يصعب ان يكون مع الشعوب، فان الدور المصري سيكون المرجح لمنحى مسار الثورات في المستقبل المنظور. هذا الدور سيكون مشروطا بمدى قدرة مصر على التحول الديمقراطي الحقيقي الذي طال انتظاره. وباختصار فان مصر ستبقى، كما كانت، بوابة التغيير للعالم العربي، والعامل المرجح لانتصار الثورة المضادة او فشلها. اما الغرب فيصعب ان يخرج من شرنقة سياساته المؤسسة على المصالح الضيقة والهيمنة والتضارب بين المبادىء والمصالح، وكلها معوقات ساهمت اما في تحجيم الدور الغربي او انحيازه للجانب الخطأ من التاريخ.
' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :