عنوان الموضوع : انعكاسات حرب القوقاز على العالم الاسلامي خبر عاجل
مقدم من طرف منتديات العندليب
*************** بسم الله الرحمن الرحيم **************
لم تعد الصراعات الإقليمية تقتصر تأثيراتها على المحيط المتاخم لحدودها في عالم لم يعد يعرف إعلامه وثقافته حدوداً محلية وإقليمية، ولم تعد تعترف سياسات دوله بالحدود الدولية.
وما إن اندلعت شرارة الحرب غرب القوقاز حتى أصابت شظاياها دولاً لا تكاد شعوبها تعرف خرائط صراعاتها ولا تكاد تسمع بأسماء تلك الجمهوريات الفسيفسائية إلى الشرق من البحر الأسود وإلى الغرب من بحر الخزر؛ فالحرب الدائرة في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا تعكس تداعياتها خارج حدود القوقاز، وربما مست حدود أقطارنا العربية.
وإذا كان لروسيا مصالح جمة في القوقاز، لاسيما جمهورية أبخازيا، وتخشى أن يكون ضم أوسيتيا الجنوبية إلى خصم روسيا اللدود/جورجيا مقدمة للمطالبة بانفصال جمهورية أوسيتيا الشمالية الواقعة ضمن حدود روسيا الاتحادية، وإذا كانت مسألة انضمام جورجيا ـ علاوة على أوكرانيا ـ إلى لحلف الناتو والتي أعلن الرئيس الأمريكي في 2 إبريل الماضي على هامش قمة حلف الناتو في رومانيا أنه يؤيدها، وإعلان استقلال جمهورية كوسوفا عن الصرب الحليف الأوروبي لروسيا، كلها كفيلة بإثارة حفيظة وغضب الروسيين؛ فإن ردة فعل الاتحاد الروسي على مساعي الجرجان لضم أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا لجورجيا بالقوة كانت طبيعية ومتوقعة تماماً، وخلاف ذلك أمر استثنائي لم يتوقع أن تقدم عليه روسيا الفتية والعائدة بقوة إلى الساحة الدولية.
على أن زخات الرصاص التي أطلقت بغزارة إلى جوار دانات المدافع والصواريخ في تسخنفالي عاصمة أوسيتيا الجنوبية التي قتل فيها ما لا يقل عن 20 ألفاً من أهلها وشرد عشرات الآلاف بحسب المصادر الإعلامية الروسية كان صداها يسمع في أكثر من عاصمة دولية مهمة؛ فروسيا التي لم تأل جهداً من أجل الحفاظ على تبعية جمهوريتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا لها، والحريصة على إشرافها على تلك المنطقة التجارية الاستراتيجية التي تطل على البحر الأسود، وإطلالتها على الطريق ما بين أوروبا والصين، والمدركة لأهمية الحفاظ على جورجية غربية ضعيفة أو قوية تابعة لها، والناظرة بأقصى درجات القلق من نشر الدرع الصاروخي الأمريكي على تخومها، والمنزعجة من وجود قوات عسكرية أمريكية في القوقاز ونفوذ مرتفع الموجة للولايات المتحدة في جورجيا بعد "ثورة الورود" في العام 2016 والتي أوصلت حليف الولايات المتحدة الأمريكية ميخائيل ساكاشفيلي إلى سدة الحكم في تبليسي، والذي لم يدخر جهداً في التعاون غير البريء مع الولايات المتحدة و"إسرائيل" على الصعيدين العسكري والاقتصادي من أجل إنعاش اقتصاد تلك الدولة القوقازية الموالية للغرب لتكون أنموذجاً ديمقراطياً ورأسمالياً جاذباً للدول المجاورة في القوقاز، الذي يتمتع بدوره بمميزات استراتيجية واسعة التأثير في الصعيدين التجاري والعسكري، ولا يبعد عن ناظريها موالاة قوة إقليمية أخرى بوزن دولة أوكرانيا للغرب، ـ روسيا التي تدرك كل هذا، تفهم ما الذي يعنيه التفريط في "حقوقها" في القوقاز للولايات المتحدة الأمريكية، ولذا كان عليها أن تطرح كل شراكتها مع الولايات المتحدة في سبيل الحفاظ على نفوذها في الجمهوريتين المستقلتين عن جورجيا، بل وتهتبل فرصة غياب الولايات المتحدة عن التأثير الفاعل في آسيا الوسطى لأسباب عديدة وتورطها في أكثر من مكان لتنجز خطة مرجأة قاضية بإعادة الزخم إلى علاقاتها بدول الاتحاد السوفيتي السابق.
والولايات المتحدة التي تراهن على الضعف الروسي السابق، والذي تجلى في "ثورة الورود" قبل خمسة أعوام عندما كانت الولايات المتحدة الأمريكية في أوج قوتها مع غزوها السهل للعراق، وتحطيمها لإمارة طالبان قبل ذلك بعامين فقط، لتكسب أرضاً جديدة في القوقاز، وتريد أن تنسف الاستحقاق الاستقلالي للدولتين القوقازيتين أسوة باستقلال كوسوفا قبل شهور والذي مر من تحت أضراس الدب الروسي، ولم يسغ له ابتلاعه بسهولة، وهي ترغب في وأد هذا التطلع الروسي الذي لم يتأخر الإعلان عنه حتى قبل الإعلان عن استقلال الجمهورية البلقانية المسلمة.. هذه الدولة التي تنفرد بالقرارات الأممية وتصادر على حقوق الدول الأخرى في رسم سياسة العالم، أخفقت في قراءة هذه الاستكانة الروسية، وتوقعت ديمومتها برغم بناء رئيس حكومة روسيا ورئيسها السابق لاستراتيجية متدرجة تهدف إلى إعادة روسيا على الخارطة التأثيرية الدولية، وتعيد أجواء الحرب الباردة السابقة التي كانت فيها روسيا (من خلف الاتحاد السوفييتي) أحد فرسي رهان دول العالم.
وتركيا التي لا تخطئ أسماعها أصوات المدافع على الطرف الآخر من البحر الأسود، تفهم ما الذي عليها أن تقوم به لمد نفوذها من جديد إلى القوقاز الحائر، والذي لن يحول الخلاف الأيديولوجي القائم بين أركان الحكم في أنقرة بين رغبة هذا البلد الأوروبي المسلم الكبير في لعب دور مساند للولايات المتحدة أو مستقل عنها في القوقاز.
لكن ما الذي تعنيه كل هذه التطورات للعالم الإسلامي؟
للإجابة يمكن فتح أكثر من ملف على طاولة الباحثين، لكن قبل ذلك ينبغي أولاً الإجابة عن سؤال آخر يتعلق بمن أشعل الحرب في القوقاز، وهو سؤال قد يتبادر إلى الذهن سهولة الإجابة عنه بيد أن تشابك العلاقات الروسية الأمريكية وتعدد قضاياها المشتركة وصراعاتها المختلفة حول مصالح متعارضة تجعل مهمة الباحث في هذه المسألة متعذرة، لكن إذا ما افترضنا أن جورجيا هي من أشعلت الحرب بإيعاز من الولايات المتحدة فإن ذلك سيعني أن الولايات المتحدة قد جعلت إخفاقها في القوقاز مزدوجاً بإشعالها حرباً لم تكن على استعداد لها ما أفرز ما يشبه "النكسة" التي منيت بها مصر في العام 1967 مع الفارق الاستراتيجي بين المعارك والأهداف والملابسات، وهذا له محل آخر، غير أن الأهم من ذلك البحث في قضية التوقيت وما إذا كان لها علاقة بالرغبة في إيصال الجمهوري ماكين إلى البيت الأبيض في انتخابات الخريف القادم أم لا بدلاً من الديمقراطي ذي الأصول المسلمة باراك (مبارك) أوباما الذي ما زال أحد إخوانه حتى هذه اللحظة مسلماً؟!
من اختار التوقيت لإحداث هذا المد الروسي والجزر الأمريكي على شواطئ البحر الأسود؟ أو من كان يريد تحقيق انتصار استراتيجي على الآخر فيما يخص الدرع الصاروخي من جهة أو الانتقام لخسران البلقان من جهة أخرى؟!
إن مصير أربعة رؤساء مرتبط الآن بما يحدث في القوقاز، الرئيس الأمريكي جورج بوش وخليفته القادم، والرئيس الروسي ومحركه بوتين، والرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي، والأغرب من كل هؤلاء الرئيس التركي عبد الله غول وخلفه رئيس وزرائه رجب طيب إردوغان الخارجان للتو من معركة كسر عظام مع المؤسسة القضائية ومن خلفها العسكرية، والذي يريد الأخير أن يحقق نجاحاً يضاف إلى نجاحاته الإقليمية والدولية عبر عرض الوساطة بين روسيا وجورجيا، أثناء زيارة لموسكو قادته من ثم إلى تبليسي للدعوة إلى حلف قوقازي بمشاركة روسيا والولايات المتحدة وتركيا الدول ذات المصالح المباشرة في القوقاز.
من حق الرئيس الروسي أن ينزعج من تحديد أوكرانيا لنشاط الأسطول الروسي قبالة شواطئها، ومفهوم أن يقلق الرئيس الأوكراني بدرجة ما من تباطؤ الغرب وقلة حيلته إزاء الانسياب الروسي في جمهورية جورجيا الحليف الآخر للولايات المتحدة في المنطقة، لكن الأكثر انزعاجاً هو الرئيس الجورجي ساكاشفيلي الذي أمسك بيده الهواء الغربي ولم يلق من الدولة العظمى سوى مساعدات "إنسانية"، وكل ذلك سيقود إلى شعور بانتفاش الروس على حساب الأمريكيين بل على حساب أوروبا أيضاً التي بالكاد تمكنت من توحيد مواقفها والوقوف عند الحد الأدنى من المواقف بعد ضم دول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي وما استجلب ذلك من استحقاق مقيد لقدرة الأوروبيين على إدانة الروس.
والذي يشي بأن تغيراً ما قد يحدث إذا ما سلمنا بأن روسيا قد انتصرت على الولايات المتحدة في معركة جورجيا، أن الروس بدوا أكثر اشتياقاً إلى حقبة الحرب الباردة، ما دعاهم إلى استقبال التهديد الأمريكي بوضع العلاقات الشراكة الأمريكية الروسية موضع الاختبار على خلفية حرب القوقاز بفتور بالغ، وهو بدوره يؤشر على حالة من "التمرد" الروسي على واقع أحادية القطب التي سرت منذ أوائل التسعينات حتى الآن.
إيران من جهتها، والتي غادر رئيسها أحمدي نجاد مسرعاً إلى اسطنبول ليحل ضيفاً على نظيره التركي لإجراء مباحثات ثنائية ما رشح عنها هو الملف الإيراني بالأساس ـ على الأقل ـ لم يستبعد أن تكون الحرب في القوقاز قد أخذت أنظارهما باتجاه العلاقات الثنائية، لاسيما بعد أن استشعر الطرفان أن الولايات المتحدة قد بدت ضعيفة أكثر مما مضى، وعليهما أن يستغلا تلك الفرصة إما بمزيد من التضامن الإيراني مع روسيا في موقفها والذي يتقاطع مع مصالح مباشرة لإيران مع روسيا لا تتعلق بالملف النووي فحسب، بل بقضية إنشاء منظمة موازية للأوبك، تعنى بالنفط، والذي تستحوذ كل من روسيا وإيران وقطر على نسب عالية من الإنتاج والمخزون العالمي منه، والذي استضافت طهران أول مؤتمر للغاز من نوعه هذا الأسبوع يعنى بتنفيذ هذا المقترح، وليس تركيا بمساحاتها وممراتها الواسعة من أنابيب الغاز المتجه لأوروبا منه ببعيد.
يتناول المحللون من جهتهم، مسألة تأثير التسليح الأمريكي و"الإسرائيلي" لجورجيا كمبرر لإطلاق يد روسيا في تسليح إيران وسوريا، وربما ـ نفكر ـ في أن يتمدد ذلك ليشمل حركة حماس التي تتسم علاقتها بالروس حالياً بقدر من التفاهم، على أن ما قد يحدث بشكل دراماتيكي إذا ما زاد الاحتقان بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا هو أن تبدأ الأخيرة تكرار الاستنزاف الأمريكي للسوفييت في الثمانينات بأفغانستان، وإدارة كأس السم ليتجرعه الأمريكيون هناك، لاسيما وأن حركة طالبان قد استقام عودها من جديد، والأخطر أن تقرر روسيا التي تبغض نظام طالبان السابق لحد السماح للأمريكيين بإطاحته في العام 2016 أن تدعم هذه الحركة الإسلامية؛ لتصبح روسيا حينئذ هي الداعم الثاني لـ"المجاهدين الأفغان" أو "الثوار" ـ أيا كانت التسمية الروسية ـ لتقويض أحلام الأمريكيين الطامحة لوضع أقدامها على بعد رمية حجر من طريق الحرير الدولي.
في المقابل، ربما أعادت الولايات المتحدة الأمريكية حساباتها مع المقاتلين الشيشان وارتأت أن عليها في مقابل دعم روسيا لمسلمي أبخازيا ومسيحييها أن تدعم مسلمي الشيشان لتقويض أحلام روسيا في السيطرة الكاملة على جنوب القوقاز.
وتلك الحسابات دائرة على افتراض عدم حدوث تسوية وانفراط الشراكة الروسية الأمريكية ودخول العلاقات بينهما في غب الصراعات الدولية والحروب بالوكالة والتي يكون الطرف الأضعف دائماً هو الوقود لها ـ المسلمون في العادة ـ، وإلا فاحتمالات التسوية أيضاً قد تأخذ العرب والمسلمين بطريقها لأنها ربما كانت إشارة قوقازية على دخول الصفقة الكبرى التي تضم إيران وتركيا وسوريا ولبنان و"إسرائيل" إلى جانب اللاعبين الرئيسيين الروس والأمريكيين، ومهما يكن من أمر، أكان صفقة أم مزيداً من الحروب ونقاط الصراع الساخنة أو الباردة؛ فإن للحرب القوقازية تداعياتها، أقلها تشجيع الإلكترونات البعيدة عن الانفلات من فلك الذرة الأمريكية، عندما تضعف تلك النواة عن حمل عبئها الامبراطوري.. ---- المسلم -----
----------- نقله *ابو ابراهيم * ----------
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :