عنوان الموضوع : نبيل العربي وجامعة الدول العربية ودور دولة المقر اخبار
مقدم من طرف منتديات العندليب
نبيل العربي وجامعة الدول العربية ودور دولة المقر
محمد عبد الحكم دياب
2016-05-20
استقر العرف السياسي العربي على اختيار القاهرة مقرا دائما لجامعة الدول العربية، وعلى أن يكون أمينها العام واحدا من رجالها أو دبلوماسييها، وكان الاستثناء هو فترة نقل مقرها من القاهرة إلى تونس؛ بعد مؤتمر قمة بغداد، وذلك ردا على توقيع أنور السادات معاهدة كامب ديفيد مع الدولة الصهيونية. وفي تلك الفترة شغل الشاذلي القليبي الشخصية التونسية البارزة منصب الأمين العام، وأثبتت الأحداث والتجارب أن الجامعة تتأثر سلبا وإيجابا بدور وسياسة دولة المقر وحجمها؛ ضعفا وقوة.
والجديد هذه المرة أن قطر دخلت حلبة المنافسة على المنصب، وقدمت مرشحها مقابل المرشح المصري، وهي تعلم أن نقطة ضعفه تكمن في موقف الرأي العام الرسمي والشعبي منه، ولم يكن في صالح مصطفى الفقي بحال من الأحوال، وكان ذلك كفيلا بترجيح كفة المرشح القطري. المهم أن الضغوط الداخلية والعربية أدت إلى تغيير الفقي، وحل محله وزير الخارجية المصري نبيل العربي، وفي المقابل تنازلت قطر وسحبت مرشحها عبد الرحمن العطية، وبذلك بقي المنصب مصريا.
ولم تكن السابقة القطرية هي الأولى من نوعها، ومنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية صار محل جدل واختلاف من سنوات، وقد كان المسلم به قبل توقيع كامب ديفيد أن المنصب من نصيب مصر؛ حتى بدأت الجزائر بطرح مبدأ تداول المنصب بين الدول الأعضاء، ومنذ ذلك الوقت تثار قاعدة التداول بين فترة وأخرى، وكثيرا ما تردد صداها بين أروقة الدول الأعضاء، وبعد أن كانت الجزائر أكثر الدول العربية حماسا للمبدأ خفت صوتها حتى تلاشى تقريبا؛ ربما لظروفها الداخلية الضاغطة في هذه المرحلة. وبدلا منها ارتفع صوت قطر والسودان، وحسمت السودان موقفها مبكرا، وإن كانت قد نفت التقدم بمرشح لكنها تحفظت بشدة على المرشح المصري. وقد استقر لدي انطباع بأن السلطات المصرية لم تكن تمانع من تداول منصب الأمين العام بين الدول العربية، وكان دليلي هو لهجة بيان ترشيح مصطفى الفقي، وتعمد اختياره مع معرفة نقاط ضعفه، ولم تكن خافيه على أحد، وتسببت في اتخاذ الرأي العام الداخلي والعربي موقفا رافضا له؛ على عكس مواطن قوة المرشح القطري، الذي سبق له شغل منصب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، وتوفرت له خبرة واسعة في مجالات التعامل على الصعيدين العربي والدولي.
وفي وقت تأكدت فيه السلطات المصرية من ميل الكفة لصالح المرشح المنافس بدا أن هناك من نصحها بضرورة احتفاظ مصر بالمنصب في هذه المرحلة الحساسة، فبعد ثورة 25 يناير جرت دماء جديدة في شرايين السياسة الخارجية المصرية، وترتب عليها إتمام المصالحة الفلسطينية، وفتح قنوات الحوار مع إيران، وعودة الاهتمام بالسودان ودول حوض النيل، وأن الاحتفاظ بالمنصب يعطي دفعة معنوية وسياسية تخفف من الأزمات الراهنة، التي تصنعها عناصر وقوى الثورة المضادة؛ المعنية بإفشال أي تقارب عربي أو إقليمي أو دولي، والمحركة لدولاب العنف والإرهاب وأدواته الطائفية والانعزالية بين المسلمين والمسيحيين المتطرفين، وتوظيفها في إثارة النعرات والتعصب والفتن وإشعال الحرائق بين المواطنين، فضلا عن نشاط مكثف وضغوط عربية وغربية وصهيونية لخنق الثورة وإجهاضها.
والسؤال هنا إذا كان نبيل العربي كسبا لجامعة الدول العربية فهو بالتأكيد خسارة للدبلوماسية المصرية. خاصة إذا كان بديله المتداول حتى كتابة هذه السطور غير موثوق به، ورمزا من رموز التطبيع. ومن زاوية أخرى هل يعد نجاح نبيل العربي في فترة وجيزة على المستوى المصري حافزا يمكنه من التوفيق في وظيفته الجديدة؟ وأحوال المنطقة كما نعلم تتكفل بالرد على هذا السؤال. فالمنطقة في حالة سيولة غير مسبوقة، وتبعث بإشارات متناقضة، وتشهد استقطابات حادة.. تَمَثل نموذجها في سعي مجلس التعاون الخليجي إلى التمدد غربا من الأردن حتى المغرب. وهو شيء مستغرب من منظومة وليس من بين أهدافها الاتحاد أو الوحدة وإلا كانت قد وحدت مكوناته نفسها، وهو التي عجزت عن إصدار العملة الموحدة لمشيخاته وممالكه؛ وهي متجانسة في البنية القبلية والعشائرية ووفرة الثروة، وانتهى بها الأمر حائط صد ودرعا عازلا ضد النفوذ الإيراني، وازداد دوره أهمية مع هبوب رياح التغيير التي تعصف بالمنطقة، بعد نجاح ثورتي تونس ومصر في إسقاط بن علي وحسني مبارك؛ الأول اختار السعودية منفى له، والثاني فضل البقاء في 'عاصمته' المفضلة شرم الشيخ يواجه فيها مصيره.
جامعة الدول العربية منذ كامب ديفيد تحولت إلى عبء على العمل العربي المشترك، وتغيرت وظيفة أمينها العام إلى وكيل تعريب التطبيع وخدمة المشروع الصهيوني، ولعبت دولة المقر دورا جوهريا في هذا التحول. ولا ننسى أن فترة ستينات القرن الماضي شهدت جامعة مختلفة؛ دبت فيها الحياة، وانتظمت فيها مؤتمرات القمة التي جمعت القادة العرب على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم، واتخذت قرارات كبرى؛ عقد مؤتمر القمة الأول في يناير 1964، ومؤتمر القمة الثاني في ايلول/سبتمبر من نفس العام؛ للرد على تحويل الدولة الصهيونية لمياه نهر الأردن، وغيرت قرارات هذين القراراين وما بعدهما من ميزان القوى وقتها لصالح العرب وصالح القضية الفلسطينية، فأقيمت منظمة التحرير الفلسطينية، وأنشئ جيش التحرير الفلسطيني، وتشكلت القيادة العربية الموحدة، وحتى بعد نكسة 1967 أصدر مؤتمر القمة العربية في الخرطوم لاءاته الشهيرة: لا تفاوض.. ولا صلح.. ولا اعتراف.. ولا تفريط في الحق الفلسطيني، وكان ذلك إيذانا بصمود خرجت من رحمه حرب استنزاف كبرى؛ مهدت لحرب 1973، وفي ذلك المؤتمر تقرر تعويض الدول التي أضيرت من العدوان، وهي مصر وسورية والأردن وفلسطين، وكانت مصر قد فقدت بعض مواردها بسبب إغلاق قناة السويس، ومعنى هذا أن دور دولة المقر له تأثير شديد على سير الجامعة وقراراتها، فالقاهرة الناهضة والصامدة القوية تأخذ بيد ذلك النظام العربي فتدب فيه الحياة وتتخذ المواقف المناسبة، وتؤثر بالإيجاب على الوضع العربي لمدى زمني ليس بالقصير.
وحدث العكس حين بعدت القاهرة وتردت أوضاعها، ولما عادت الجامعة إليها من تونس وتولى أمانتها مصري مرة أخرى؛ عادت ومصر مكبلة باتفاقية كامب ديفيد، ودورها متراجع وغير مؤثر، وكانت تل أبيب أقرب إلى حكامها من القاهرة ذاتها، ولا نقول دمشق أو بغداد أو الجزائر أو فلسطين، وكان العصر قد استقر على قواعد 'الاعتدال' الصهيوني، وسياسة 'البترو دولار'، وانتقل مركز التأثير إلى المملكة السعودية؛ واجهة النفوذ والتأثير الغربي ورديف المشروع الصهيوني، وبذلك اطمأنت المنظومة الصهيو غربية إلى أن فوجئت بعصر الثورات العربية وهو يبدأ في الأيام الأخيرة لعام 2016 ومطلع 2016 وحتى الآن.
وعندما سئلت عن إمكانية لعب جامعة الدول العربية لدور إيجابي تحت قيادة نبيل العربي. قلت ان ذلك يتوقف على دور دولة المقر وسياستها، وإذا ما استكملت الثورة أهدافها وشقت طريقها وتخلصت من الألغام والشراك الموضوعة لها؛ في هذه الحالة المتوقعة نستبشر خيرا، لكن قد لا يعود الدور إلى ما كان عليه في ستينات القرن الماضي، حتى ولو في حد يخفف من وطأة الوضع الراهن، وألا يكون عبئا على العرب، ولا رديفا لأعدائهم. فذلك يحتاج إلى وقت للتخلص من تركة ثقيلة وعفنة، ومن نهج عمرو موسى؛ الظاهرة الصوتية الفريدة، وانحيازه للتطبيع والمطبعين، ومن تاريخ شاهد على ذلك. إنه الذي أسس وهو وزير للخارجية لأكبر مؤتمر للتطبيع في العاصمة الدانمركية كوبنهاغن في 1997؛ ضم مثقفين وسياسيين وعسكريين مصريين وصهاينة، وقبله كان مهندسا لجمعية القاهرة للسلام ووراء نشاطها المكثف في مجال التطبيع، وهي الجمعية التي قادها الكاتب اليساري الراحل لطفي الخولي، ومعه نصير التطبيع الحالي عبد المنعم سعيد ، وهو الذي أعدد وأشرف على مؤتمر شرم الشيخ ضد 'الإرهاب' في مواجهة قوى المقاومة وليساوي بينها وبين الإرهاب، ردا على عمليات المقاومة الإسلامية حماس في 1996، واستهدف المؤتمر دعم شيمون بيريز ضد خصمه السياسي نتنياهو في الانتخابات الصهيونية حينها.
وجامعة الدول العربية بعد إضمحلال دور دولة المقر كانت متفرجة لبعض الوقت، وأضحت متواطئة كل الوقت، فمنحت الشرعية لكل عمل أو عدوان يقع على فلسطين والعراق ولبنان والصومال والسودان، وقبلت بلعب أدوار مثلت أغطية لكثير من الجرائم التي وقعت على العرب، ووقفت إلى جانب كثير من العمليات العسكرية وغير العسكرية القذرة ضدهم. واستمرت المواقف على هذا المنوال. ومنها الموقف من جنوب لبنان وغزة، وكان دور الجامعة في عصر الاضمحلال بائسا في العدوان على لبنان 2016 ثم على غزة في نهاية 2016 وبداية 2016، ولعب الأمين العام شخصيا دورا معطلا لمؤتمر الدوحة وأفشله، حين تمكن من عدم توفير النصاب المطلوب لصحته. وكان مؤتمرا لنصرة غزة، وهو موقف لا يختلف كثيرا عن الموقف من غزو العراق ومنح احتلاله شرعية بتعامله مع قادته ورموزه ومع أن الخارجية المصرية التي خسرت نبيل العربي، لكن الجامعة قد لا تكسبه، فحالها من حال حكامها، وكما قلنا انها ليست منظمة اتحادية أو وحدوية؛ تبغي لم شمل العرب وتقوي شوكتهم؛ ومن يطلع على ميثاقها يجده يرتكز على محورين أولهما حماية استقلال الدول الأعضاء، أي انفصال بعضها عن بعض. والمحور الثاني هو التنسيق بينهم، وهو عمل أدنى من الحد المطلوب.
' كاتب من مصر يقيم في لندن
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :