عنوان الموضوع : ما د مت أنا الذي أعلمهم
مقدم من طرف منتديات العندليب

"]لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فسياسيتنا التعليمية مثلاً لا تدرى على أى منطق تقوم، فرغم تقدمنا فى مجال التعليم منذ نحو نصف قرن بالنسبة لدول مثل دول جنوب شرق آسيا إلا أننا تراجعنا فى هذا المجال دون مبرر فى الوقت الذى تقدموا هم فيه، الأمر الذى انعكس إيجابا على مستوى الدخل والتنمية وثقافة المجتمع ورؤيته، فى حين كان التعليم عندنا يقتصر على التحول من "فلفل" و"شرشر" إلى "أحمد" و"أمل"، ومن الإبقاء على السنة السادسة الابتدائية إلى إلغائها ثم إعادتها، ومن نظام عقيم للثانوية العامة إلى نظام أكثر عقمًا وأشد بؤسًا.. كلها حلول مبتسرة لا علاقة لها بالمشكلات التى قيل إنها جاءت تعالجها.

[]"ما دمت أنا الذي أعلمهم".



. هذه العبارة المُحَوَّرة تعزز مقولة: (إن في التعليم مضغة إذا صلحت صلح التعليم كله وإذا فسدت فسد التعليم كله ألا وهو المعلم)،



المعلم مع المقرر والمنهج -بمفهومه الشامل- أهم من المنهج (المقرر) نفسه



، فنجد المعلم الجيد يثري المنهج الرديء، وفي المقابل نجد معلماً غير مكترث لعمله وبالأمانة التي يحملها، ويتحرك وفق آرائه وميوله وتوجهاته، يحول المنهج الجيد إلى رديء، فأهمية المنهج تكمن فيمن يعلمه (يدرسه) ابتداء.

إذاً ليكن القائمون على التعليم هم مثار الأسئلة والتساؤول والتغيير. فتقدم الأمم وتأخرها ونجاحها وانتصاراتها تعزى إلى التعليم والعكس صحيح. لقد تغيرت النظرة والدور المطلوب من التعليم والمعلم، فعصر التلقين ونقل المعرفة فقط انتهى، وأصبح للمعلم عدة أدوار: معلم ومربٍ وقائد ومهندس، فعلى عاتقه تقع مسؤولية تربية النشء، وإعداد المواطن الصالح الذي يعرف ما له وما عليه... فهو صانع أجيال، وناشر علم، ورائد فكر، ومؤسِّس نهضة، العجيب أن للمعلم سلطة غريبة من نوعها، تنفيذية وتشريعية وقضائية في ذات الوقت، وقد يحوّل غرفة الصف إلى محكمة تمارس السلطات الثلاث معاً، وتصبح المدرسة استمراراً لقمع أوسع هو موجود على أصعدة مختلفة في الأسرة والحي والمجتمع.

ليس من مكرور القول؛ الحديث عن المعلم وذلك لأهميته، إذ لا بد أن يواكب التسارع الذي يدور من حوله. مرحلة صبِّ المعرفة في أذهان المتعلمين مرحلة يفترض أننا نسيناها وانتقلنا إلى تسهيل وتيسير المعرفة، وإدارة الموقف التعليمي بدلاً من إنشائه. إذاً فالمعلم هو من يبني الطالب، والباني مسؤول عما يقع في البناء من زيغ وانحراف وتصدع. فهو يبني وينشئ أنفساً وعقولاً كما قال شوقي.

علينا تطوير المعلم قبل تطوير التقنيات، يقول هاورجاردلر: "المعلم ذو الخبرة والتدريب الجيد لا يزال أفضل من الوسائل التكنولوجية تقدُّماً"، فعلينا تحسين تعليمنا، لأن التعليم الذي لا يتحسن؛ قطعاً يعاني من مشكلة. (فباستطاعتنا تغطية جميع إخفاقاتنا، إلا إخفاقات التعليم فنتائجها وخيمة).

وقد يقول قائل: "إن الجيل السابق ومن قاد البلاد ونهضتها قد تتلمذوا على أيدي أولئك المعلمين القدامى، وتربوا على أيدي آباء وأمهات أميين"، وهذا لا غبار عليه، ولكن اسألوهم عن أولئك المعلمين والأبويين. إن المناهج والمقررات لا تدرس نفسها بنفسها، فبوسعنا أن نغيّر ونبدّل، ونضع مناهج جديدة محل المناهج القديمة، دون أن نصل إلى النتائج المرجوة، إلا إذا تمكنّا من العثور على المعلم الناجح.

إن المعلم الناجح هنا أم التحديات -كما قال الدكتور غازي القصيبي- ويقول أيضاً: على المعلم أن يسير في مساريْن: أحدهما قدرة المعلم على أن يدرك أنه لا توجد طريقة واحدة صحيحة للتعليم، والثانية أن يقبل المعلم أن يحمل طلابه أفكاراً قد تختلف كثيراً أو قليلاً عن أفكاره الشخصية، فهو كالأب عليه أن لا يكرر نسخ شخصيته وفكره، بل عليه أن يعين الطالب على أن ينمِّيَ شخصية مستقلة، وأول استقلالها الاستغناء عن ظلم المعلم أو ظلم الأب.

والسؤال المطروح دائماً هو: هل المنهج الملائم وحده يكفي ويحقق الأهداف التربوية؟
الجواب الواضح قطعاً لا يكفي، فهو يحتاج إلى غوّاص يستخرج صدفاته، ويحوله إلى روضة غنّاء، تفوح بالعطور وتهفو إليها قلوب الطلاب. قد نصل إلى منهج معلن جيد، يكون درعاً واقياً للأمة وشبابها ومنجم ذهب متدفق يوفر للمواطن الحياة الرغيدة لهم ولأبنائهم كما هي حال مناهجنا. ولكن من يغير ويبدل المنهج الخفي للمعلم والمنهج الخفي باختصار شديد هو مخرجات المدرسة غير الأكاديمية. أو كما عرفه صاحب السمو الملكي خالد الفيصل هو (تجاوز المنهج المعلن واستغلال هذا المنهج المعلن لتمرير أفكار متطرفة غير محسوبة وغير مقصودة في المنهج).

نعم إنه من المستحيل إلغاء المنهج الخفي ولكن يمكن تقنينه والاستفادة منه، وهذا يبدأ من تأهيل المعلم وقبل ولوجه إلى غرفة الصف، أما إذا دخل غرفة الصف فالمقود بيده، المشكلة ليست في المنهج الخفي للمعلم ولكن مكمن العلة في ماذا يحمله المعلم من أفكار، فالمنهج الخفي ليس سيئاً على إطلاقه، إذ يكون أحياناً مطلوباً للمعلم كالتعليم بالقدوة، فهو يحتاج إلى منهج خفي للمعلم يرسخ في طلابه الممارسات والعادات الحسنة عن طريقه هو.

وأما الدعوة إلى إلغاء المنهج الخفي فمن الصعوبة بمكان. فحين يُعلم المعلم طلاّبه التسامح ولا يرونه فيه، ويتعلم منه أن الأجر مقابل العمل، ويرى معلمه يتغيب، وحين يحفظ حديث (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) ويرى بعض المعلمين يسكت أو يفرح إذا اخترق شيئاً من ذلك، فقد علم الطالب في هذه الحالة شيئاً آخر. فالحقيقة أن لكل معلم منهج خفي غير معلن -شاء أم أبى - وينقله لطلابه من حيث يدري أو لا يدري.

ومن العدل ألا نتحدث عن المعلم كطرف وحيد في المعادلة المتمثلة في ارتقاء التعليم، فالمعلم جزء من هذه المعادلة؛ التي فيها مفهوم المدرسة، ونمط الإدارة المدرسية، ودور المدير والإشراف التربوي، وإدارة التربية والتعليم.. وهكذا. وحتى لا نجعله هو الوحيد الذي يقدم المنهج الخفي لطلابه، بل أحياناً المدرسة منهجها بحكم تركيبة الهيئة الإدارية فيها؛ ومن ثَمَّ معلميها لها منهجها الخاص بها.

فقد نجد لمدرسة ما منهجاً خفياً خاصاً بها دون سائر المدارس المجاورة، ويظهر ذلك من خلال اهتماماتها وأنشطتها، فنجد مدرسة تهتم بأنشطة، وأخرى تهتم بنوعية معينة من الأنشطة، والثالثة لا تهتم أبداً بالأنشطة وهكذا.. فلكل مدرسة ثقافة مستقلة ومنفردة، كأنها معهد مستقل في تعليم القيم والمبادئ والمعتقدات والتقاليد والعادات، وهذه النوعية من المدارس إن وجدت تجدها تقيّم وتختبر طلابّها في المقرر المعلن بعيْض المرات، بينما تقيّمهم وتختبرهم كل يوم داخل المدرسة في منهجها غير المعلن.

فمثلاً يدرّس معلم التربية البدنية طلابه أن جميع أنواع الرياضة مهمة، وإذا تصفحت دليل أنشطة المدرسة وجدت جميع الصور التي بداخلها عن إنجازات المدرسة في كرة القدم فقط، وأبرز الطلاب في هذه اللعبة، فمثل هذا يغير مفهوم الرياضة عند الطالب، وهذا هو تأثير المنهج الخفي للمدرسة أو المعلم. فالمنهج الخفي يهدم -وفي نفس الوقت يبني- إذا كان المعلم والمدرسة يقومون برسالتهم خير قيام، وكانوا مبتغيين بذلك وجه الله تعالى، عندها يكونون ربانيين كما وصفهم الله تعالى (ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) [آل عمران : 79].

فالمعلم روح العملية التعليمية، ولبُّها وأساسها الأول، وركنها الركين، يجب أن يُلتفت إليه بالتطوير والتدريب وإعطائه حقوقه، ومن ثم مطالبته بواجباته. فالإسلام أمر بالتطور وحثَّ عليه، فأمر بالقراءة والاستفادة من خبرات الآخرين، فإن الذي لا يتقدم يتأخر ويتقادم. يقول الأمير خالد الفيصل في ندوة حول هذا الموضوع: (من يعتقد أن الإسلام ضد التطور والتحديث فهو ليس مٍنّا؛ وإسلامه غير إسلامنا).

ومما يقلل خطورة المنهج الخفي هو كشفه قبل أن يتغلغل في سلوكيات الطلاب. ويأتي هنا دور الوالدين والبيت، فلهم دور مهم في ذلك بملاحظة سلوكيات ومعتقدات أبنائهم، حتى يتم معالجتها في الوقت المناسب. كما يجب أن يتحول التعليم من حجرة مغلقة وفي مساحات لا يتسنى فيها لمخططي سياسات التعليم ومتخذي قراراته أن يستمعوا أو يروا ما يدور فيها، إلى فصول مفتوحة وبدون أبواب، ويجب أن تكون مدارسنا بلا جدران. أما الدعوة إلى إلغاء المنهج الخفي للمعلم أو المدرسة، أعتقد أنه من الصعوبة بمكان. وفي النهاية إني أتساءل هل مقولة (أن التربية إذا تركت للتربويين أفسدوها) صحيحة.


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

بارك الله فيك ودمت ذخرا للوطن

=========


>>>> الرد الثاني :


=========


>>>> الرد الثالث :


=========


>>>> الرد الرابع :


=========


>>>> الرد الخامس :


=========