إن التطلع إلى السلطة والسيادة غريزة إنسانية فهل النظام السياسي الأصلح لقيادة الشعوب ؟
طرح المشكلة :
لقد كان الهدف من قيام التجمعات الشعبية التي ظهرت عبر التاريخ على شكل دول هو بلوغ حياة مدنية أفضل وأحسن من تلك التجمعات التي كانت على شكل قبائل وعشائر ولما كان هذا التجمع على شكل دول يفضي إلى قيام علاقات بين الأفراد فيما بينها وبين السلطة. ظهرت الحاجة إلى نظام سياسي يساهم في تأطير هذه العلاقات وتنظيمها فكانت أنظمة الحكم الفردية من أقدم النظم السياسية التي سعت إلى بلوغ هذه الغاية فهل صحيح أن النظام الفردي السياسي هو من أفضل النظم وأصلحها لقيادة الشعوب ؟ .
محاولة حل المشكلة :
الأطروحة: النظام السياسي الفردي.
إن النظام السياسي الفردي هو نظام يمارس فيه السلطة شخص واحد يطلق عليه لقب الملك أو الأمير أو الحاكم المطلق بيده جميع السلطات والشعب تابع لهذا الشخص لا يخالف أوامره ويعتبر هوبز من أبرز الفلاسفة الذين برزوا على نحو فلسفي ضرورة الحكم الفردي المطلق و صلاحيته في تسيير شؤون الدولة وفرض الأمن والاستقرار وانطلق في تبريره هذا من ان البشرية عرفت حالتين من الحياة الجماعية الأولى طبيعية كانت خالية من السلطة وفيها لم يكن الأفراد يتحرجون من الاعتداء على بعضهم البعض وهو الوضع الذي أدى بهم إلى صيغة من الاتفاق يتنازلون فيها على جميع حقوقهم إلى شخص قادر على رد مظالمهم وهذا الشخص هو الحاكم ليس مطالباَ بشيء سوى توفير الأمن والاستقرار لجميع المواطنين وكل ما يصدر عنه لا يمكن إعتباره ظلم لان الظلم والعدل هما ما يقررهما الحاكم . كما إعتبر ميكيافيلي في كتابه الأمير سلطة الأمير القوية هي أحسن الأنظمة للحد من أنانية الإنسان وميله لنزاع وردعه . ولقد عرفة أنظمة الحكم الفردية عبر التاريخ أشكال متعددة من حكم الاستبدادي والملكي وثيوقراطي فالاستبدادي حكم فردي مطلق لايؤمن بأي قانون ولا بأي دستور ولا يعترف بحق الأغلبية ولا بحرياتهم في مناقشة الحاكم فالنظام الاستبدادي يقوده شخص واحد يعتقد في نفسه أنه يجسد في شخصه مقومات الشعب وطموحاته . أما الحكم الملكي فهو لايختلف من حيث المبدأ عن الحكم الدكتاتوري لأنه حكم مبني على السلطة المطلقة ويستمد وجوده وإستمراره من قانون الوراثة أما الثيوقراطي فكان يعتقد فيه أن الحاكم من طبقة مختلفة عن المحكومين فهو من طبيعة إلهية أما إرادته فهي سامية لأنها إرادة إلهية أيضا
إن المتأمل في التاريخ يلاحظ وبحق مدى الانجازات العظيمة التي حققها حكام الأنظمة الفردية من حضارات عظيمة كتب لها الخلود في ذاكرة التاريخ كحضارة بابل ومصر وما قام به الاسكندر وملوك دولة بني العباس .
نقد : لم تقم هذه الأنظمة ذات الطابع الفردي المطلق إلا أجل تلبية نزوات ورغبات أصحابها من جهة ومن أجل حماية الملوك والأمراء من جهة أخرى .
نقيضها : إن القضاء على النزعة الفردية في الحكم لا يكون ألا بالدعوة إلى نظام سياسي جماعي تتوفر فيه المشاركة والمشاورة والرقابة في التسيير والقوانين فإذا كان النظام الفردي لا يرمز إلا للأنانية والمصلحة الشخصية فأن النظام الجماعي لا يمكن أن يفهم من خلاله ألا السعي إلى تحقيق المصلحة العامة للجماعة ولقد عرفت المجتمعات القديمة على غرار أنظمة الحكم الفردية نظماَ سياسية جماعية فقد كان النظام الديمقراطي معمولا به قبل ميلاد عيسى عليه السلام في بلاد اليونان وحتى أن الكلمة يونانية الأصل ديموكراتوس تعني حكم الشعب وكانت تدعو إلى المساواة وإعطاء السلطة لشعب كما أن لجميع أفراد الشعب الحق في حضور المجالس والمشاركة في المداولة ويعتبر جون جاك روسو أبرز من أولى أهمية كبرى لديمقراطية يقول (ليس تأسيس الدولة عقداَ بل قانون والذين تدع لهم السلطة التنفيذية ليسو أسياداَ لشعب وإنما موظفوه وبوسع الشعب رفعهم أو خلعهم )ولما كان حضور جميع الشعب في المجلس أمر متعذراَ ظهر ما يسمى بالديمقراطية التمثلية التي يمارس فيها الشعب سلطته من خلال ممثليه الذين يختارهم عن طريق الانتخاب ومن صور الديمقراطية أيضاَ الديمقراطية الليبرالية تقوم على التوفيق بين مبدأين متعارضين حرية الإرادة وسلطة القانون ولقد تميزت هذه الديمقراطية بإعلان الحريات السياسية والاقتصادية والفكرية وحتى الحرية الشخصية وجاءت الديمقراطية الاشتراكية كردة فعل على ديمقراطية الرأس مالية فلكي يضمن المجتمع الاشتراكي سيادة الشعب على نحو سليم يقول كارل ماركس (عليه أن يتخلص من الطبقية فبالعمل المشترك والوحدة بين الأفراد تصان الحقوق والحريات ) كما عرف المسلمون نظام جماعياَ يحمل في معامله روح الديمقراطية أطلق عليه المؤرخون أسم النظام الشوري مستوحى من تعاليم الدين الإسلامي يقول عز وجل << وشاورهم في الأمر >> ويقول << وأمرهم شورى بينهم >> ويقول عليه الصلاة والسلام << يد الله على الجماعة >> وفي الأخير نقول أن الشعوب والمجتمعات لم تعرف العيش الهنيء ومعنى الحرية والمساواة إلى في ظل الأنظمة السياسية الجماعية.
نقد: إن الديمقراطية لا تخلو من العيوب والنقائص كما أن الأفراد ليسو أكفاء بلادلاء بأصواتهم في إختيار الحاكم كما أن أيضاَ الحرية التي تدافع عنها الديمقراطية قد تستغل في أغراض شخصية لاتخدم النظام العام وكم من نظام ديمقراطي في شكله ديكتاتوري في مضمونه .
التركيب : ليست العبرة في فردية النظام أو جماعية بل العبرة بنتائج النظام فكم من نظام سياسي فردي شهدت له الإنسانية بالعدل والصلاح والاستقرار وكم من نظام سياسي جماعي تصدر وتزين بروح الديمقراطية شهد نجاح .
حل المشكلة : إن الأنظمة السياسية الجماعية هي من أحسن الأنظمة تسييراَ لشعوب نظراَ لما تتوفر عليه من شروط المشاركة السياسية وحرياتها ولما تفرضه من رقابة علي حكام الدولة .َ