عنوان الموضوع : ان امكن مساعدة في اللغة العربية باك ادبي
مقدم من طرف منتديات العندليب
السلام عليكم اخواتي
لدي ان امكن بحث حول مايلي :
*ماهي اوضاع العالم العربي في مطلع العصر الحديث ؟
*عوامل النهضة وما اختص في الصحافة و كل مايتعلق بها في هذه النهضة
اي مايخص : الصحافة
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
-1التعريف بالعصور الحديثة والمعاصرة
درج المؤرخون الغربيون، و بالذات الأوروبيون منهم على تسمية القرون الثلاثة التي تلت القرن الخامس عشر الميلادي، و هي : القرن السادس عشر، القرن السابع عشر و القرن الثامن عشر بالعصور الحديثة، و على تسمية ما تلاها من القرون بالمعاصرة ،نظرا للتطورات الهامة التي شهدتها القارة الأوروبية، و خاصة في قسمها الغربي، في مختلف المجالات، و جوانب الحياة خلال القرون الثلاثة المذكورة، و لا سيما خلال الحقبة المعاصرة التي غدت التطورات فيها تجري بخطوات أسرع وأعمق، و أوسع، وأشمل.
ومع أن تاريخ العرب في المغرب و المشرق لم يشهد تطورات مماثلة لتلك التي شهدتها أوروبا الغربية ثم أمريكا الشمالية أيضا في العصور الحديثة و المعاصرة، فإن المؤرخين العرب جاروا نظراءهم الأوروبيين في تقسيم القرون الخمسة التي تلت القرن الخامس عشر الميلادي/التاسع عشر الهجري إلى مرحلتين أساسيتين : قسموا الأول بالعصور الحديثة و تشمل القرون 10،11،12 الهجرية الموافقة للقرون 16،17،18 الميلادية، و سموا الثانية بالمعاصرة، و تشمل القرنين 19،20 الميلاديين، و ما يوافقها من القرون الهجرية و هي 13،14،15 ، معتبرين أن تاريخ العرب الحديث أو المعاصر مجرد مرحلة زمنية، تواكب المرحلة الزمنية التي اصطلح المؤرخون الغربيون على تسميتها بالحديثة أو المعاصرة، و لو لم تحمل تلك القرون في طياتها حديثا، أو تطورا ذا بال في هذه المرحلة أو تلك، لأن عدم غض النظر عن ذلك يوجب على المؤرخين العرب أن يوجدوا تقسيما أو أكثر يتناسب مع تطور بلدانهم، و لن يتوافق ذلك حتما مع تقسيم المؤرخين الغربيين المذكور.
إن التفاهم بين المؤرخين العرب، و الغربيين و غيرهم يغدو عسيرا أو غير ممكن إذا كان لمؤرخي كل بلد أو أكثر تقسيماتهم الزمنية للماضي، و مصطلحاتهم المختلفة مع غيرهم. فمن أجل تيسير التفاهم فقط بين المؤرخين يكاد يكون الإجماع الآن حاصلا بينهم على تقسيم ماضي البشرية إلى الأقسام الزمنية الخمسة الآتية :
1- عصر ما قبل التاريخ :
و يمتد من العصور السحيقة في القدم ،إلى ظهور الكتابة قبل نحو ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد.
2- العصور القديمة :
ومدتها أربعة آلاف عام، تبتدئ بظهور الكتابة في الشرق الأدنى و تنتهي بسقوط الإمبراطورية الرومانية في الغرب الأوروبي في سنة 476م.
3- العصور الوسطى :
و مدتها ألف عام تقريبا ،تنتهي باكتشاف العالم الجديد في سنة 1492م.
4- العصور الحديثة :
و مدتها ثلاثة قرون، و تنتهي بثورات آخر القرن الثامن عشر الميلادي، و أهمها الثورة الفرنسية في عام 1789م.
5- التاريخ المعاصر
و يمتد من نهاية العصور الحديثة إلى الآن .
وإذا كان المؤرخون العرب المعاصرون اصطلحوا على أن تكون بداية العصور الحديثة متوافقة مع بداية العصور الحديثة في أوروبا، فإنهم حرصوا على أن تكون بداية تلك العصور، و نهايتها متوافقتين مع الأحداث الهامة التي تخص العرب على الخصوص، و لو أدى ذلك إلى تعديل بسيط في البداية و النهاية .فبداية العصور الحديثة عندهم تبتدئ بسقوط غر ناطة من أيدي المسلمين في سنة 1492م، أو وقوع معظم البلاد العربية تحت السيادة العثمانية، و انتقال الخلافة الإسلامية من أيدي العرب إلى السلاطين العثمانيين في أعقاب بسط هؤلاء سيادتهم على مصر، المقر الأخير للخلافة العباسية في سنة 1517م ،و هو تاريخ قريب من بدايات العصور الحديثة عند الأوروبيين.
و لابد من الإشارة إلى أن هناك من المؤرخين المسلمين و الغربيين من يعتبر الفتح العثماني للقسطنطينية في سنة 1453م، وزوال الإمبراطورية الرومانية نهائيا منها بداية للعصور الحديثة، و نهاية للعصور الوسطى، بدلا من تاريخ 1492م ، تاريخ اكتشاف العالم الجديد، و زوال حكم المسلمين من غر ناطة.
أما نهاية العصور الحديثة عند المؤرخين العرب فتتوافق مع بداية اليقظة العربية في أواخر القرن الثامن عشر) أوائل القرن الثالث عشر هجري، التي تتوافق بدورها مع الحملة الفرنسية على مصر في 1798م، و هو تاريخ قريب جدا من نهاية العصور الحديثة عند الغربيين الذي يتوافق مع قيام الثورة الفرنسية عام 1789م.
وأما الحقبة المعاصرة فهي التي تتوافق مع بداية اليقظة العربية، و تمتد إلى الوقت الحاضر، فهذه الحقبة متطابقة تماما مع الحقبة المعاصرة عند الغربيين.
4
2- الأوضاع في الجزائر في مطلع العصور الحديثة
استهلت الجزائر العصور الحديثة و الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية فيها متأزمة.
2-1 الأوضاع السياسية
2-1-1 ضعف الدولتين الحفصية والزيانية
لقد كانتا تقتسمان النفوذ في الجزائر، الأولى في نصفها الشرقي، والثانية في نصفها الغربي، ثم مالتا إلى الضعف و السقوط نتيجة لعوامل عديدة بعضها داخلي، وبعضها الآخر خارجي، نذكر منها:
- النزاع الذي كان يقوم بين الدولتين، وبينهما وبين الدولة المرينية،(3) من أجل السلطة والنفوذ، خاصة قبل مطلع القرن السادس عشر الميلادي/ العاشر الهجري، والتنافس الذي كان يقوم بين أفراد الأسرة الحفصية، وكذلك بين أفراد الأسرة الزيانية، مما أضعفهما وأنهك قواهما و أدى أخيرا إلى تجزئهما و تفككهما و تقلص نفوذهما أكثر فأكثر خاصة في النصف الأول من القرن العشر الهجري/ السادس عشر ميلادي.
وقد كان المتنافسون يضطرون إلى الاستعانة بالقبائل العربية كبني عامر و الذواودة(1)، أولاد سعيد (2)، و الشابيين (3)، التي كانت تستغل حاجـاتهم إليهـا، وضعفهم لتتنمر عليهم، وتقلص نفوذهم إلى حد كبير.
- تدهور وضعهما الاقتصادي نتيجة نقص مواردهمـا ،بخروج مناطق عديدة عـن سلطتهما، واضطرار الدولتين إلى تقديم قسط كبير، قد يبلغ نحو النصف من مد خولهما القليل إلى القبائل، حتى تأمنا شرها، مما كان له انعكاسه على القدرات العسكرية للدولتين فلم يعد بإمكانهما أن تقيما الجيوش النظامية الكبيرة العدد، ذات التجهيز القادر على إخضاع تلك القبائل، والمناطق المتمردة أو الحيلولة دون استقلالها، وعلى مواجهة الخطر الخارجي.وقد لاحظ مارمول ضعف سلاطين تلمسان فقال عنهم " انهم لا يجندون الجند إلاّ لفترة الحرب، وهم لا يملكون العربات، ولا الخيام، وإنهم فقراء جدا..." (4).
- مساهمة القوى الدينية المتمثلة في المرابطين، وأتباع الطرق الصوفية فـي إضعافهما عن طريق توجيه الانتقاد لهما، بل ومحاولة بعض كبار المرابطين والمتصوفة تأليب الرأي العام عليهما ،كالشيخ أحمد بن يوسف الملياني(5)، والشيخ عرفة الشابي(6) ومساهمة آخرين في قيام الحكم العثماني في الجزائر، الذي زاد في إضعافهما قبل القضاء عليهما(7).
- الغزو الخارجي الإيبيري، الإسباني على الخصوص للشواطئ الجزائرية، الآتي الحديث عنه، الذي أبان عجزهما عن الدفاع عنها ،وقلص نفوذهما، وأضعف شأنهما إلى حد كبير في نظر رعاياهما و نفرهم من سلاطين الدولتين الذين مالوا إلى السلم مع العدو ،أو الخضوع له .
2-1-2 التفكك الداخلي
وقد نجم عن ذلك الضعف، الذي تردت فيه الدولتان الحفصية و الزيانية ، اضطراب الجزائر وتجزؤها إلى عدة وحدات سياسية صغيرة متنافرة، لا يسود بينها الوئام. فأغلب المدن الساحلية كوهران، وتنـس، وشرشـال، والجزائـر، ودلـس، و بجاية، وجيجل، و القل وغيرها، كانت في مطلع القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، إما تحت حكم أمير زياني منشق عن الدولة الزيانية، كأبي يحيى بن محمد الزياني في تنس، أو عن الدولة الحفصية ،كعبد الرحمن الحفصي في بجاية، أو تحت حكم مجلس منتخب من سكان المدينة، كوهران، أو شيخ قبيلة كسالم التومي، شيخ قبيلة الثعالبة في مدينة الجزائر.
وكانت كل المناطق الجبلية في الفترة نفسها مستقلة، وتأسست في بعضها إمارات ذات أصل مرابطي، أو شريفي، من أهمها: إمارة بني عباس في جبال القبائل جنوب بجاية، وإمارة كوكو الواقعة إلى الغرب من الإمارة الأولى في الجبال نفسها.
واستقلت المدن الداخلية كذلك عنهما تحت حكم بعض الأسر ،كأسرة بني جلاب في توغرت، وعلاهم في ورقلة، جنوبي الجزائر، وغيرها. وسادت القبائل على المناطق السهلية كبني عامر في القطاع الوهراني، و الذواودة في القطاع القسنطيني(1).
2-1-3 الغزو الإسباني
إن التجـزؤ الذي آلت إليــه الجزائر فـي مطلـع القرن السادس عشر الميلادي/ العاشر الهجري، قد شجع الإسبان الذين استكملوا وحدتهم السياسية، وقضوا على آخرإمارة للمسلمين في غرناطة بالأندلس سنة 1492، على غزو الشواطئ الجزائرية، بعد البدء بالمغربية، لتحقيق أغراضهم المختلفة :
1- الدينية :
وتتمثل في نشر المسيحية في الجزائر، وتعميرها بالمسيحيين الإسبان، ومن يتنصر من المسلمين واليهود(1)، وإبعاد حدود الإسلام عن إسبانيا. هذا إلى ملاحقة المسلمين في عقر دارهم، والقضاء عليهم أو تشتيتهم ما أمكن.
2- الأمنية والإستراتيجية:
و تتمثل في إقامة قواعد عسكرية أمامية في شواطئ الجزائر، وفي بقية بلدان المغرب الكبير تحول دون الاتصال بين الجزائريين و غيرهم من المغاربة وبين البقية الباقية من مسلمي الأندلس، ودون حصول هؤلاء على أية مساعدة من إخوانهم مسلمي الجزائر، و غيرهم من المسلمين المغاربة وتجعل الغزو البحري انطلاقا من الشواطئ الجزائرية إلى الشواطئ الإسبانية غير ممكن. وبذلك يضعون حدا للأضرار التي كان يلحقها الغزاة الجزائريون و غيرهم بشواطئهم، ويؤمنون خطوط مواصلاتهم الهامة بين إسبانيا وإيطاليا، ويتخذون تلك القواعد الأمامية منطلقا لغزو المناطق الداخلية، واستغلال الأوضاع السيئة فيها.
3- السياسية:
و تتمثل في تحقيق سيادة الإسبان على الحوض الغربي للمتوسط، التي لا تتم بدون احتلال الشواطئ الجزائرية. وتزعم العالم المسيحي عن طريق زيادة شعبيتهم، بغزوهم لبلد إسلامي.
4- الاقتصادية:
و تتمثل في السيطرة على المراكز التجارية(2)، والمناطق التي تتميز بغنى إقليمها بالثروات الحيوانية، والمحاصيل الزراعة، كعنابة و وهران. واحتكار التجارة الخارجية للجزائر، وربما النفوذ منها نحو أعماق إفريقيا، إلى بلاد السودان، الغنية بالذهب.
وقد تمكن الإسبان خلال الفترة 911 - 942هـ/ 1505- 1535م من أن يحتلوا ويخضعوا مواقع ومدنـا عديدة في الساحـل الجزائري. كـانتا لمرسـى الكبـير أولهـا 911هـ/1505م)(3)، ثم وهران ثانيها في 914ه/1509م(4)، و بجاية ثالثها في 915ه/1510م(5).
وفي أعقاب احتلالهم لــهذه الأخيــرة، سـارعت المدن الصغيرة الواقعة بينها وبين وهران إلـــى إعلان خضوعها، والقبول بـشروط الإسبان مهما كانت مذلة، خشية أن يصيبها مـا أصاب سكـان وهران، وبجـاية، من قـتل وأسر وتشريـد. ومن أهم تلك المدن، مستغانم(1)، والجزائر(2). وقد بنى الإسبان في مواجهة هذه الأخيرة في سنة 916هـ/ 1510م حصنا منيعـا على صخرة لا تبعد عن شاطئ المدينة إلا بنحو مائة متر فقـط، وجعلوا فيــه حاميـة قوية. وبذلك أصبحت مدينة الجزائـر هي الأخرى شبـه محتلة، إذ غـدت تحت المراقبـة المباشرة للحامية الإسبانية، وتحت رحمة مدافعها(3).
وكانت تنس قد خضعت للإسبان، بعد احتلالهم للمرسى الكبير سنة 911هـ/1505م (4). ولم يلبث أبو عبد الله محمد الزياني، ملك تلمسان، أن بعث في سنة 918هـ/ 1512م وفدا إلى إسبانيا ليعلن خضوعه وتبعيته للملك الإسباني (5). وفي سنة 938هـ/1531م تمكن الإسبان من احتلال مدينة هنين الساحلية الواقعة غربي وهران (6). وبعد نحو أربع سنوات تمكنوا أيضا من احتلال مدينة عنابة الساحلية بعد احتلالهم لتونس في صيف 1535م/942ه ، و طرابلس في سنة 1510م/916ه.
ولا يبدو أن السرعة التي تمكن بها الإسبان من فرض سيطرتهم على الشواطئ الجزائريـة والسهولـة التـي احتلـوا بها بعضها، تعود فقط إلى التفكك الذي كانت تعاني منه الجزائر خاصة في مطلع القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، ولكنها تعود أيضا إلى تطور سلاح الإسبان بمقارنته مع سلاح الجزائريين ووسـائل دفـاعهم، إذ كان هؤلاء يحاربون كما يقول (بروديل) كرفاق عقبة بالسيف والرمح، في حين كان الإسبـان يحاربون بالسـلاح الناري والمدفعية (8)
ومـع ذلك فإن الإسبــان لم يحققوا كل ما كــانوا يهدفون إليه، من فصـل بين مسلمــي الأندلــس والجزائـر، واستغـلال خيـرات هذه الأخيــرة، واحتــلال سـواحلهـا ودوا خلها... الخ. بل ظــل احتلالهم مقصـورا على بعض المواقع والمدن الساحلية فقط، يشكون فيها الخوف، كما تؤكد ذلك وثائق اسبانية كثيرة (1).
ويعزو بعضهم عدم احتلال الإسبان للمدن، والمناطق الداخلية إلى أنهم لم يركزوا جهودهم على غزو الجزائر دون غيرها، فقد كانوا في الوقت نفسه منشغلين بحروبهم في المناطق الأخرى في أوربا كإيطاليا، وكذلك بغزو العالم الجديد. ويضاف إلى ذلك أن المقاومة الجزائرية، ما لبثت أن انتظمت بزعامة بعض المرابطين المجاهدين، كابن القاضي، ثم بزعامة الإخوة بربروس، ومن تلاهم. وأشعرت الإسبان بالخطر الكبير عليهم حتى في المدن الساحلية القريبة من اسبانيا، والتي يمكن تموينها عن طريق البحر، فكيف بهم لو توغلوا أو أقدموا على احتلال المدن الداخلية ، ا لتي لا يمكن تمويلها عن طريق البحر(2).
ولكن الغزو الإسباني، وإن اقتصر على الشواطئ الجزائرية لسبب أو لآخر، فإنه قد ألحق أضرارا جسمية ليس فقط بالمدن المحتلة، و لكن أيضا بالمناطق الداخلية، المجاورة لها وغير المجاورة، إذ أن إحتلال الإسبان لكل من وهران ، وبجاية وعنابة، التي كانت كلها من المراكز الهامة لمختلف النشاطات الاقتصادية والاجتماعية، و الثقافية، كــان له انعكاسه السيئ على المناطق و المدن الداخلية، التي كانت تعتمد عليها في تلك المجالات و يتجلى ذلك في هجرة السكان المدن المحتلة ، و المناطق المجاورة لها المهددة بالمحتلين .
2-2 الأوضاع الاقتصادية
إن الزراعة التي كانت تشكل النشاط الاقتصادي الرئيسي للسكان، كانت تعاني من الاضطراب ،وعدم الاستقرار الناجمين عن التجزؤ و التفكك الذي آلت إليه الجزائر، والنزاع الذي كان قائما بين الوحدات السياسية الصغيرة، التي قامت هنا وهناك، والغزو الإسباني للسواحل، و الغارات التي كانت تستهدف أقاليم المدن، و الموانئ التي وقعت تحت الاحتلال الإسباني أدى كل ذلك إلى تقلص المساحات المزروعة، لهجر الفلاحين أراضيهم غير الآمنة إلى أماكن أكثر أمنا ، أو اكتفائهم بزرع مساحات قليلة لسد حاجتهم فقط. وتأثرت التجارة الداخلية، و الخارجية أيضا بالحالة الأمنية، التي اضطربت بين المدن، وفي الطرق، والأسواق، كما تأثرت بتعرض مراكز التجارة الهامة، ولا سيما مع الخارج إلى الغزو أو الاحتلال أو التهديد، فهاجر تجارها وغيرهم إلى أماكن أخرى بحثا عن الأمن، والاستقرار.
أما الصناعة التي كانت لا تزال في طورها الحرفي، فأصيبت هي الأخرى في الصميم لتعرض كثير من المدن التي كانت تحتضنها كوهران و بجاية، وعنابة، وغيرها إلى الغزو، أو التهديد به، مما جعل كثيرا من المراكز الحرفية تختفي أو تفقد أهميتها.
ولا بد من الإشارة إلى أن الجزائر استقبلت حتى مطلع القرن السادس عشر الميلادي/ العاشر الهجري الكثير من التجار، والحرفيين، والفلاحين الأندلسيين، الذين عززوا صفوف نظرائهم من الجزائريين، ولكن ذلك لم يؤد إلى انتعاش ملحوظ للاقتصاد الجزائري في أوائل القرن المذكور (1).
2-3 الأوضاع الاجتماعية
إن الأوضاع الاجتماعية قد مالت إلى التردي و التدهور نتيجة لعدة عوامل أهمها :
- التجزؤ الداخلي، والغزو الخارجي، اللذان نجم عنهما اضطراب الأمن ،وانعدام الاستقرار، وهجرة قسرية كبيرة ،من المدن التي أصابها الغزو الإسباني، أو التي كانت مهددة به، أو من المناطق المضطربة ،إلى المناطق الداخلية بحثا عن الأمن والاستقرار.
وكانت تلك الهجرة تتم في ظروف صعبة، فقد فيها أولئك المهاجرون منازلهم وأملاكهم. وهكذا شهدت بعض المدن الداخلية كتلمسان، و قسنطينة، وغيرهما تضخما سكانيا، كما شهدت بعض المناطق الجبلية الوعرة كالجبال المحاذية لبجاية اكتظاظا سكانيا رغم أنها من المناطق الشحيحة الطاردة للسكان.
- تعرض قطاع المدن الذي كان أصلا ضعيفا إلى الغزو والتخريب والتقليص، وفقدان الأهمية، مما زاد في تقليص نسبة السكان الحضر المستقرين، وزاد في نسبة سكان البدو، والرحل، بالرغم من استقبال المدن الساحلية على الخصوص، وبعض المدن الداخلية عددا كبيرا من السكان الأندلسيين الذين عززوا نسبة سكان المدن.
-الوضع الاقتصادي المتردي الذي انعكس علـى الوضع الإجتماعي للسكان بحيث كثر الفقر، وانتشرت الأمراض في صفوفهم.
ومن يقرأ كتاب الوزان الموسوم بوصف إفريقيا، وكتاب إفريقيا لمارمول الذي نقل الكثير عن الأول، وزاد عنه بعض المستجدات، يدرك أن المجتمع الجزائري كان في أغلبه مجتمعا ريفيا، يعيش في حالة البؤس، والخوف، يظهر ذلك في وصفهما لمأكل الناس و ملبسهم ومسكنهم في المدن، والقرى، والأرياف، وتأهبهم لتجنب الغزو والعدوان الذي يمكن أن يتعرضوا له (1).
2-4 الثقافية والعلمية
لقد تأثرت الحياة الثقافية بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية غير المستقرة، وكذلك بالغزو الإسباني للسواحل الجزائرية، والمناطق الداخلية المجاورة لها. وقد نجم عن كـــل ذلك غلق المراكز التعليمية التـــي كانت تحتضنها المدن المحتلـة، لهجرة طلابها وعلمائها الذين نجوا من القتل إلى مراكز أخرى في الجزائر، وخارجها، بحثا عن الأمن والاستقرار، وفقدان المراكز التعليمية في المناطق المجاورة لتلك المدن المحتلة كل الأهمية، أو بعضها على الأقل، لعدم شعور العاملين فيها من علماء وطلبة بالأمن، فعرفت هي الأخرى هجرة إلى أماكن أكثر أمنا في الداخل، وحتى في خارج الجزائر.
وهكذا فإن الباحث في الحياة الثقافية في الجزائر في العقدين الأولين من القرن العاشر السابقين لاستقرار العثمانيين فيها، لا يكاد يجد سوى مراكز قليلة، احتفظت ببعض أهميتها السابقة بفضل من كان بها من العلماء والطلبة، وفضل من انضاف إليهم نتيجة الهجرة القسرية من المراكز التي احتلت مدنها، أو كانت مهددة بالاحتلال أو الغزو. فباستثناء تلمسان، وقسنطينة اللتين استقبلتا أعدادا من علماء وهران ، وبجاية، وطلبتهما، وأعدادا أخرى من العلماء والطلبة الأندلسيين، لا نكاد نجد مراكز علمية هامة أخرى، اللهم بعض الزوايا التي أخذت في الانتشار في المناطق الريفية ،تقدم تعليما دينيا بسيطا، بحيث يمكن القول: إن الحياة الثقـافية في أوائل القــرن 10 هـ/ 16م كانت تعاني هي الأخرى من الظروف الصعبة التي كانت تعاني منها الجزائر في مختلف الجوانب (1).
تلك كانت باختصار ملامح الأزمة المتعددة الجوانب التي كانت تعيشها الجزائر، وتعاني منها قبل بروز أوائل العثمانيين فيها، وشروعهم مع الجزائريين في العمل على إخراج البلاد من المحنة التي كانت فيها. فكيف كانت بداية أمر العثمانيين فيها ؟ ثم ماهي جهودهم ؟ وما هي نجاحاتهم التي أحرزوا عليها ؟ ذلك ما سنراه في الصفحات التالية.
=========
>>>> الرد الثاني :
=========
>>>> الرد الثالث :
=========
>>>> الرد الرابع :
=========
>>>> الرد الخامس :
=========