عنوان الموضوع : كانط و فلسفة الأخلاق بكالوريا ادبي
مقدم من طرف منتديات العندليب

هناك الكثير من الأسئلة التي واجهت الفلاسفة والمفكرين قديماً -وما زالت تواجههم- في مجالات الأخلاق كفلسفة -سواءَ أكانت هذه الفلسفة نظرية بحتة أو تجريبية-. أبرز من تعرض لهذه المشاكل وحاول الإجابة على أغلب هذه الأسئلة هو الفيلسوف الألماني العظيم "إيمانويل كانط" الذي استطاعَ أن يجدَ حلاً لهذه الإشكاليات في كتابه الصغير عن ميتافزيقيا الأخلاق. سوفَ أطرح المثال التالي -والذي استعرته من رواية الكاتب العظيم دوسويفسكي "الجريمة والعقاب"- كي أشرح الإشكال الأخلاقي الذي حاول "كانط" معالجته.
"راسكلنيكوف" شاب روسي معدم، يعاني الأمرين من الفقر. يجبره فقره أن يستدين من العجوز المرابية "إليونا إيفانوفنا". بعدَ أن يرى راسكلنيكوف جشع هذه المرابية، واستغلالها للمساكين والفقراء كي تجني المزيد من المال، يصل إلى استنتاج خاص به: "أنه لو قام بقتلها فسوف يؤدي خدمةً لمجتمعه".
هنا تكمن المشكلة الرئيسية. هل قتل هذه العجوز عمل أخلاقي؟ سيجيب أغلبنا بالنفي ويجد صعوبةً في تبرير فكرة "راسكلنيكوف" الوحشية. ماذا لو كنت مكان "راسكلنيكوف"؟ ألن يعرض عليك منطقك البسيط المسألة بهذا الشكل: قتل العجوز يؤدي إلى تخليص المجتمع من مرابية أدت إلى خراب بيوت وسجن الكثير من الفقراء.. إذن التخلص منها عمل إنساني بدون شك!!
(طبيعة الإنسان إرادته الحرة والقانون الطبيعي تعبير عن هذه الإرادة ) يؤكد الفيلسوف "كانط" أن الإنسان بصفته "إرادة حرة free will" وكينونة عقلية "rational being" قادر على استخلاص المثال الأخلاقي الأسمى ومن ثم إتباعه.. ولكن المشكلة الكبرى كما يعرضها "كانط" تكمن في صعوبة ملاحظة التضليل الذي تمارسه علينا رغبتنا الشخصية "our subjective desire" والطريقة الخفية التي تتبعها في عرض النتيجة كمسوغٍ أخلاقي للعمل الذي نزمع القيام به.
لكي يحلّ "كانط" هذا الإشكال الأخلاقي العويص، قام بوضع ثلاثة قوانين أخلاقية، يزعم أنها تؤدي لنفس النتيجة وتكمّل بعضها في نفس الوقت. قبل أن أخوض في هذه القوانين الثلاثة.. سوف أقوم بمناقشة بعض المصطلحات والتشريحات التي تستخدمها الفلسفة الأخلاقية -وبالأخص "كانط"- عند مناقشة الأعمال الأخلاقية كمبادئ تنتهي لزاماً بنتيجة.
فهناك الدوافع والبواعث maxims التي تدفعنا لممارسةِ عملٍ معين..
وهناك الإرادة will التي تنظر في هذه الدوافع لتقررَ إتباعها من عدمه..
وهناك القرار decision/ volition الذي يتم بعد أن تنظر الإرادة في الباعث..
وهناك العمل action الذي يتم بعد اتخاذ القرار..
وهناك الظروف والوسائل circumstances/ means التي تحيط بالعمل عند حدوثه..
وهناك النتيجة result التي تحدث بعد أن نقوم بالعمل.
يبسط "كانط" تشريح الدوافع maxims فيزعم أنها مكونة من:
الدافع: عمل-> ظرف -> نتيجة.
ويعترض على هذه الدوافع حين تجبرنا بتركيبتها التشريحية هذه على النظر إلى النتيجة والحكم على مشروعيتها، بدل النظر مباشرةً إلى العمل "كعملٍ مجرد" والحكم عليه بعد أن نتجاهلَ الظروف المحيطة به والنتيجة التي يؤدي إليها. إذن.. فالباعث أو الدافع عند "كانط" هو عمل أكثر منه نتيجة.
لذلك يقسّم "كانط" المبادئ الأخلاقية Princples of morals إلى قسمين:
فهناك المبادئ الظرفية Conditional Imperatives: وهي الدوافع الشخصية، التي ترتبط بالظروف والنتيجة، ولا يمكن تعميمها على البشر.
وهناك المبادئ النوعية Categorical Imperatives: والتي تتناول العمل الأخلاقي بطريقة مجردة، بعدَ أن تخلع عنه الظروف المحيط به، والنتيجة التي ينتهي بها، ولذلك يمكن تعميمها على جميع البشر، واتخاذها حلاً بديلاً وشاملاً.
يستعمل "كانط" المبدأ النوعي categorical imperative على أنه المبدأ الأخلاقي الوحيد الذي يستطيع حل كل الإشكالات الأخلاقية وتوجيه الإرادة الحرة بواسطةِ عقلٍ محضٍ ومجرد.
ليتبين الطرح الأخلاقي للفيلسوف "كانط" بصورة أفضل، سأقوم بعرض وشرح القوانين الثلاثة التي صاغها ليحدد مشروعية المبدأ الأخلاقي وآلية الحكم عليه:
القانون الأول: "تصرّف فقط حسب البواعث التي تستطيع أن تجعلها قانوناً كونياً (عاماً) للطبيعة"
فحسب هذا القانون.. كي تقرر مشروعية دافعٍ معين من الناحية الأخلاقية، يجب عليك أن تقوم بهذا التمرين العقلي البسيط:
1-حدد "باعث" التصرف (تذكر أن الباعث عند كانط فعل أكثر منه نتيجة).
2-جرّد هذا الباعث من الظروف المحيطة به والنتيجة التي سوف يفضي إليها.
3-تخيل عالماً يحمل فيه كل شخص نفس الباعث.
4-قرر ما إذا كانت هناك تناقضات يمكن أن تحدث حينها في هذا العالم المفترض.
5-إذا أمكن حدوث تناقضات فلا يسمح إتباع هذا الباعث.
6-إذا لم توجد تناقضات.. فالباعث يمكن أن -بل يجب أن- يُعملَ به.
هذا التمرين البسيط هو قانون الكونية the formula of the universal law والذي تقوم فيه بتعميم باعثك على جميع الأشخاص وجعله قانوناً كونياً لمعرفة إمكانيةِ استمرار الكون وصلاحه بممارسة هذا الباعث.
دعنا نرجع إلى مثال "راسكلنيكوف" الذي طرحته في أول المقالة.. "راسكلنيكوف" يرى أن قتل العجوز مشروع لمشروعية النتيجة. ولكن لنفترض أن "راسكلنيكوف" اتبع قانون "كانط" الكوني وجرّد عمل "القتل" من الظروف الشخصية التي تحيط به، ماذا لو أصبح القتل قيمةً كونية.. ماذا يحدث؟ سوف يفنى المجتمع بالتأكيد.. ولن يبقى في الكون أي شخص! إذن القتل من الناحية الأخلاقية قيمة فاسدة لا يمكن إتباعها أو ممارستها من قبل "إرادة حرة" و"كينونة عقلية".
هذا القانون الأول -كونية البواعث الأخلاقية- هو أهم قوانين "كانط" الأخلاقية. ونستطيع من خلاله قراءة تصور "كانط" عن الأخلاق. فالأخلاق كما يحددها هذا القانون هي "قيّم" وضعها الفرد ليستطيع التعايش ضمن منظومة مجتمعه والازدهار بهذه المنظومة.. ولذلك دعي كل ما يخل بهذا النظام - من كذبٍ وقتلٍ وتزوير- عملاً لا أخلاقياً.
القانون الثاني: "تصرّف كما لو أنك تستعمل الإنسانية -بشخصك أو شخص غيرك- دائماً كنهايةٍ وليست كوسيلة."
بعدَ أن حدد القانون الأول المبدأ الأخلاقي كتصورٍٍ ومفهوم.. يأتي القانون الثاني ليحدد لنا مادة هذا المبدأ. وهذا القانون يحمل تصوراً مهماً للإنسانية والإنسان حسب فلسفة "كانط".
فالإنسان عند كانط "كينونة عقلية" و "إرادة حرة". ولذلك تكون هذه الإرادة بدايةً ونهايةً لذاتها فقط، ولا يمكن أن تكون وسيلةً لإرادةٍ إنسانية أخرى منفصلة. فلا تستطيع على سبيل المثال، أن تقتل شخصاً للوصول إلى ماله.. لأنك جعلت منه وسيلةً للوصول إلى النتيجة التي تبحث عنها إرادتك.
يدعى هذا القانون بقانون النهايات the formula of the ends والذي يقدمه "كانط" على أنه إحدى تنويعات قانونه الأول. فلو أن شخصاً أراد أن يجعل من الآخرين وسائل له، ثم افترض كونية هذا المبدأ وقام بتعميمه، لجعل من نفسه وسيلةً للآخرين مما يؤدي بالضرورة إلى التناقض العقلي وانهيار هذا الباعث كعمل أخلاقي مشروع.
القانون الثالث: "تصرّف حسبَ بواعث شخصٍ يصدر قوانين كونية لمملكةٍ مفترضة من النهايات."
هنا.. يقدم "كانط" صيغته الثالثة والمشهورة بمملكة النهايات the kingdom of ends. أساء الكثيرون فهم هذه المملكة التي رسمها "كانط" وظنوا أنها شيء شبيه بالمدينة الفاضلة. لكنها وحسب تصوري الشخصي للفلسفة الكانطية تصور افتراضي شخصي يصل إليه الشخص عند فحصه لباعثه الأخلاقي للوصول إلى حكمٍ أكثر تجريدية وعدالة.
فبعد أن قدم القانون الأول تصوره عن المبدأ الأخلاقي، وجاء القانون الثاني ليقدم مادته.. أكمل القانون الثالث الصورة بأن جعل من الفرد مصدرَ تشريعٍ -لهذه المملكة المكونة من الذوات والإرادات الحرة-والتي تصدر القوانين لتتبعها كإرادة مفردةٍ عاقلة.. متصورةً أن الآخرين يجب أن يتبعوا هذه القوانين، لا لأنّ هذه الكينونة الفردية تملك حقاً عليهم، ولكن لأن المنتمين سوف يتبعون نفس القوانين الثلاثة، وبالتالي سيصلون إلى نفس النتائج.
هذا هو التصور "الكانطي" لمشكلة الأخلاق.. والذي يقوم أولاً بتعميم الباعث لتجريدِه من ظروفه والحكم عليه من منظورٍ أشمل، ثم يقوم بتأكيد حرية كل ذاتٍ وأهمية معاملتها كبدايةٍ ونهاية للعمل الأخلاقي، ليقوم أخيراً بطرح هذا التصور الافتراضي الاختباري لمملكة نهاياتٍ يكون فيها الفرد المشرّع لهذه المبادئ الأخلاقية هو المتبعُ الأول لها.
. إن إلزامية الواجب إذن صادرة، حسب النفعيين، عن دوافع خارجية، كما أنها ترتبط بالمنفعة وبالنتائج المفيدة المترتبة عنها. وهو الأمر الذي سيرفضه إيمانويل كانط .


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

شكرا على المشاركة الله ينجحك

=========


>>>> الرد الثاني :

أهلا و سهلا لا شكر على واجب أتمنى لك النجاح

=========


>>>> الرد الثالث :


=========


>>>> الرد الرابع :


=========


>>>> الرد الخامس :


=========