عنوان الموضوع : مقالة موسعة عن الدولة هل هي ضرورية أم يمكن الاستغناء عنها ؟ بكالوريا ادبي
مقدم من طرف منتديات العندليب

هل وجود الدولة ضروري ؟
طرح المشكلة: تعرف الدولة بأنها جماعة من الناس تقيم على رقعة جغرافية بشكل دائم مع خضوعهم لسلطة معينة و تمتعهم بقدر من السيادة كما تعتبر الدولة الكيان السياسي الذي ينظم علاقة الحاكم بالمحكوم لكن الفلاسفة و رجال السياسة اختلفوا حول ضرورة الدولة و أهميتها في تنظيم شؤون الحياة فمنهم من يرى أنها كيان ضروري لا يمكن الاستغناء عنه و منهم من يرفضها و يعتبرها مقيدة لحرية الأفراد. و من هنا نتساءل: هل الكيان السياسي ضروري في تنظيم حياة أفراد الشعب أم يمكن الاستغناء عنها ؟
محاولة حل المشكلة: عرض منطق الأطروحة : يرى بعض الفلاسفة و على رأسهم الفيلسوف اليوناني أفلاطون Platon(429-347 ق.م) و الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز (1588-1679) Thomas Hobbs و الفيلسوف الألماني هيغل Hegel( 1770-13-1831) أن وجود الدولة أكثر من ضروري لفرض النظام و الأمن و لحماية الحقوق المختلفة للمواطنين و نشر مختلف القيم الروحية و الأخلاقية و هذه أمور لا تتحقق الا في ظل الدولة لأن الانسان كائن مدني و اجتماعي بطبعه .
الحجج : يؤكد هيغل أن للدولة دورا مهما في نشر القيم الروحية و المبادئ الأخلاقية السامية كالتعاون و التكافل و المحبة و التضحية و هي قيم و مبادئ أساسية بالنسبة للمجتمع حتى يتمكن الانسان من تحقيق إنسانيته فالدولة تشكل أرقى درجات التنظيم العقلي الذي وصلت إليه البشرية و أنها غاية في ذاتها حيث يقول: « الدولة هي الوجود بالفعل للفكرة الأخلاقية ». كما يؤكد هوبز أن الدولة ضرورية لتحقيق الأمن و الحرية فالإنسان ذئب لأخيه الانسان و الدولة لا غنى عنها للحد من الطبيعة الحيوانية للبشر و المحافظة على كرامتهم و هو نفس ما عبر عنه أفلاطون قديما حينما اعتبر الانسان حيوانا سياسيا أي أن وجودنا يتحدد في إطار الدولة. و قد أكد ذلك الفيلسوف و عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبرMax Weber (1864-1920) في قوله: « ﺇن وجود الدولة قوامه علاقة السيطرة من الانسان على الانسان باستخدام العنف المشروع » و الى نفس الفكرة ذهب ابن خلدون (1332-1406) فهو يرى ضرورة الاجتماع السياسي و لكنه يشترط وجود حاكم قوي لوضع حد للطبيعة العدوانية للإنسان حيث يقول « ثم ﺇن هذا الاجتماع ﺇذا حصل بلا شر فلا بد من وازع يدفع الناس بعضهم عن بعض لما في طباعهم الحيوانية من العدوان و الظلم ».
ﺇن الحريات و الحقوق لا تمارس الا في إطار النظام فالواقع يؤكد ان الأنظمة الديمقراطية توفر لشعوبها قدرا كبيرا من الحريات، وهو ما تظهر قيمته أكثر في عند المقارنة مع الشعوب التي يسقط فيها النظام فقد حلت الفوضى في العراق عند سقوط نظام صدام حسين لدرجة أن آثارا عمرها آلاف السنين تم نهبها و تحطيم بعضها في ساعات قليلة، حتى أن الكثيرين تمنوا عودة النظام المنهار، و في ذلك يقول سبينوزا Spinoza(1632-1677):« لم توجد الدولة لتحكم الانسان بالخوف و إنما وجدت لتحرر الفرد من الخوف ».كما تعتبر الرعاية الاقتصادية التي تتمثل في اختيار النظام الاقتصادي الأفضل لتنمية الثروة و حسن استثمار الموارد الطبيعية و الوظيفة السياسية التي تعني اختيار النظام السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب ألا و هو النظام الديمقراطي الذي يحقق الحرية السياسية و تكوين الأحزاب و يحفظ حق المعارضة والوظيفة الثقافية التي تحفظ مقومات الأمة وتعرف بها للدول أخرى من خلال تنظيم المهرجانات الثقافية و الصالونات الدولية الخاصة بالكتاب مثلا و الوظيفة الاجتماعية التي توجب رعاية أفراد الشعب من خلال بناء المستشفيات و دور الرعاية الخاصة بالمشردين... كل هذه تعتبر من وظائف الدولة الحديثة باعتبار أن الانسان كائن اجتماعي لا يتحقق وجوده الا من خلال تواصله مع الآخرين بطريقة منظمة عن طريق الدولة.
النقد: صحيح أن للدولة دورا مهما في تنظيم حياة الأفراد لكن الواقع يؤكد أنه كثيرا ما كانت وسيلة للظلم و القمع و سلب الحريات كما هو الشأن في الدول الاستبدادية مثال ذلك النظام النازي و أيضا الفاشي الذين كانا قائمين على القهر و الاغتيالات و التحكم في الشعوب بقانون القوة لا بقوة القانون و ما التجاوزات التي تحدث في بعض الدول العربية كسوريا مثلا الا دليل على هذا التسلط كما أن الوعي الذي عرفه الانسان على المستوى السياسي مكنه من وضع آليات تقيد استعمال السلطة كتحديد العهدات الرآسية ، وتحولت علاقة المواطن بالسلطة من علاقة رضوخ و استسلام الى علاقة امتثال للقانون الذي اشترك الأفراد في و ضعه.
عرض نقيض الأطروحة: في المقابل يرى بعض الفلاسفة و على رأسهم الفيلسوف الألماني انجلز (1820-1895) Engels و مواطنه كارل ماركس (1818-1883) Karl Marx و زعيم الفوضوية الفيلسوف الروسي باكونين (1814-1876) Bakuninأن الدولة تعتبر تجسيدا لسلطة القوي على الضعيف ﺇذ تعبر عن أنانية البشر و تسلطهم و هي كيان قمعي يقيد حرية الانسان لذلك فهي غير ضرورية.
الحجج: يؤكد كارل ماركس و انجلز أن الدولة مؤسسة طبقية فهي تخدم مصلحة الطبقة الحاكمة و هي وسيلة لتبرير الظلم و الاستغلال حيث يقول انجلز : « القانون و الأخلاق مبررات وضعها الأغنياء للسيطرة على الفقراء » ﺇذ تعمل الدولة على تضييق مجال الاتصال بين الأفراد و تحد من انتشار القيم الأخلاقية العالمية كالسلام مثلا و التعاون و هذا بسبب الحدود لذلك يدعوا أنصار هذا الاتجاه الى إزالتها .
كما يؤكد الفوضويون و على رأسهم باكونين Bakuninالذي دعا الى إزالة الدولة و الى المساواة بين الرجل و المرأة و الى الاشتراكية و محو الفوارق و الطبقية الاجتماعية فالدولة تؤدي الى ظهور طبقتين الأولى غنية و مالكة للثروة و وسائل الإنتاج و الثانية فقيرة كادحة لا تملك سوى طاقة العمل ﺇذ تسيطر الطبقة الأولى على الثانية لإرغامها على الخضوع و ذلك باسم الدولة و في ذلك يقول باكونين :« ﺇن الدولة مقبرة كبيرة تدفن فيها جميع مظاهر الحياة الفردية » و يقول انجلز : « ليست الدولة ﺇلا تعبيرا عن إحدى الطبقات في المجتمع ». ﺇن واقع الدول المتخلفة يكشف أنها لا تعمل على ترقية الحريات بل تسعى الى عرقلتها و الحد منها للتحكم في المجتمع أكثر و هذا ما تعبر العبارة الشهيرة من بعض الدول العربية التي ثارت ضد حكامها « ﺇرحل»، كما أن الدول القوية تستعمل النظام الديمقراطي لقمع الشعوب المقهورة ثم أنه بإمكان الانسان أن يعيش بدون دولة و أن يلبي كل مطالبه فالناس سيسعون لصالح بعضهم البعض دون حاجة الى قوة تلزمهم بالاحترام ذلك أن الفرد ميال بطبيعته الى غيره. ﺇن الاكراهات القانونية و السياسية و الاجتماعية للدولة التي تتعارض مع الطبيعة الإنسانية القائمة على حب الحرية مثال ذلك أن الملاكم الأمريكي محمد على كلاي أقصي من الملاكمة مدة سنتين و دخل السجن لأنه رفض السياسة الأمريكية في فيتنام و رفض المشاركة في هذه الحرب، وكم من مخرج سينمائي أو فنان دخل السجن لأنه عبر عن آرائه بحرية، وهذا القمع يظهر خاصة في الدول الاستبدادية التي تطبق حكم البوليس المتميز بالظلم و التعسف و التسلط و لهذا قال ابن رشد : « السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ».
النقد: صحيح أن بعض الدول أو بالأحرى أساءوا استخدام السلطة و تعسفوا في الظلم شعوبهم لكن هذا الاتجاه لا يدرك خطورة المطالبة بإلغاء الدولة فهو لا يعي عواقب زوالها ﺇذ سيسود قانون الغاب و البقاء للأقوى و من ثمة تعم الفوضى و لا يستطيع أحد أن يمارس حريته الفردية و هذا ما جعل الفيلسوف الفرنسي بانجمان كونسطان (1845-1902) Benjamin Constant يؤكد على ضرورة تضحية الأفراد بجزء من حرياتهم و كذا ثرواتهم قصد المحافظة على الصالح العام لان الإفراط في الحريات يؤدي الى تعارض الإرادات و تفكيك الدولة و يهدم المجتمع المدني و يقوضه.
التركيب: من خلال التحليل السابق يمكننا القول أنه لا قيمة للدولة الا بالقدر الذي ترتقي فيه بالإنسان فردا و جماعة إذ لا يمكن رفض وجودها و الدعوة الى الفوضوية و قانون الغاب و من جهة أخرى لا يجب الخضوع لها خضوعا مطلقا خاصة ان كانت ظالمة مستبدة.
الرأي الشخصي:لكنني أرى أن الدولة ضرورية لتنظيم حياة الناس و حفظها لأن الدعوة الى زوالها هي دعوة الى الرجوع بالإنسانية الى الحالة الطبيعية الأولى حيث تظهر وحشية الانسان إذ للدولة أو السلطة العديد من الوظائف لرعاية الصالح العام ففي النشاط الاقتصادي مثلا تقوم بحماية المستهلك من جشع بعض التجار كما هو الحال مع أزمة البطاطا و تشريع القوانين التي تنظم النشاط التجاري و الاقتصادي كما تقوم بشق الطرقات و بناء المدارس و المستشفيات ..، أما في المجال السياسي فهي تضبط الجماعة و تروض الأفراد بما تملك من و سائل الأمن كالشرطة و الجيش أو بما يسمى العنف المشروع فلولا هذه الوسائل لتمرد الأفراد و لعمت الفوضى.
حل المشكلة: نستنتج في الأخير أن وجود الدولة ضروري لتنظيم حياة الأفراد و القضاء على أنانية الانسان_ لأنه أناني بطبعه_ كما أن ذلك لا يتم ﺇلا بتقديس الحقوق الطبيعية و أهمها الحريات الشخصية إذ بدون هذه الشروط تصبح الدولة أداة للقمع و الظلم و الاستغلال حيث الله عز وجل في محكم تنزيله: « و ﺇذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل »،و يقول النبي صلى الله عليه و سلم: « مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى »



>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

السلام عليكم استاد هل من عتبة

=========


>>>> الرد الثاني :

شكراااااااااااااااااااااااااااااااا لك استاد جزاك الله كل الخير

=========


>>>> الرد الثالث :

اهلا فاتي وش راكي

=========


>>>> الرد الرابع :

لباس الحمد الله وانتي

=========


>>>> الرد الخامس :

لباس والحمد لله

=========


شكراااااااااا لك ممكن مقالة عن الداكرة او مقاييس الحقيقة


احتمالها ضعيف

قالتنا الاستادة تاعنا ما يديروهاش مقالة بل بديروها نض و اللها علم هل صحيح يا استاد ابراهيم
و اريد كل المقالات الي في الوحدة الثانية + كل مقالة قولي وينها الدرس تاعها

و شكرا و بارك الله فيك

مقالة الدولة تخص النظام القديم شعبة الاداب و العلوم الانسانية انا نحن الان في المنهج الجديد تطرقنا الى الدولة ضمن الانظمة الفردية و الملكية

شكرا استاذ الكريم فيه طلب صغير اريد هذه المقالة
*هل تحقيق الديموقراطية يكون بمدا الحرية السياسية ام الساواة الاجتماعية؟ ارجو المساعدة من فضلك

شكرا للاستاذ على كرمه واهتمامه بالطلبة ويارك الله فيك وجعلها الله ذخرا ليوم القيامة

بارك الله فيك

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة youcef pro
شكرا استاذ الكريم فيه طلب صغير اريد هذه المقالة
*هل تحقيق الديموقراطية يكون بمدا الحرية السياسية ام الساواة الاجتماعية؟ ارجو المساعدة من فضلك

طرح المشكلة :إن الدولة – كجهاز سياسي – إنما وُجدت لأجل تحقيق غايات أسمى ؛ هي بالاساس تحقيق العدل وحماية الحريات العامة للافراد وكذا ضمان حقوقهم ، وهذه هي نفسها الاسس التي تقوم عليها الديمقراطية السياسية ، مما جعل انصارها يعتقدون ان ديمقراطيهم هي الديمقراطية الحقة التي من شأنها أن تجسد الغاية التي وجدت من أجلها الدولة ، فهل يمكن الاخذ بهذا الرأي ؟


محاولة حل المشكلة :

1-أ- يرى أنصار المذهب الليبيرالي ودعاة الحرية ، أن تحقيق نظام سياسي راشد يجسد الغاية من وجود الدولة ، مرهون باقرار الديمقراطية السياسية كنظام حكم ، والذي هو – دون شك – النظام الوحيد الذي يصون حريات الافراد ويضمن حقوقهم ويحقق العدالة بينهم .

1-ب – وما يثبت ذلك ، الديمقراطية السياسية أو الليبيرالية تنادي بالحرية في جميع المجالات ؛ أولها الحرية الاقتصادية التي تعني حرية الفرد في التملك والانتاج والتسويق والاستثمار ... دون تدخل الدولة ، لأن وظيفة الدولة سياسية تتمثل بالخصوص في ضمان وحماية الحريات والحقوق الفردية ، وتدخلها معناه تعديها على تلك الحريات والحقوق . وثانيا الحرية الفكرية والشخصية ، التي تعني اقرار حق الفرد في التعبير وضمان سرية الاتصالات والمراسلات وضمان حرية العقيدة والتدين . وأخيرا الحرية السياسية ، حيث للفرد الحق في المعارضة وإنشاء الاحزاب أو الانخراط فيها ، وكذا المشاركة في اتخاذ القرارات عن طريق النواب الذين ينتخبهم لتمثيله والتعبير عن ارادته .
كما ان الديمقراطية السياسية تقوم على فصل السلطات من تشريعية وتنفيذية وقضائية .. مما يعني ان القضاء مستقل ، ومن شأن ذلك ان يحقق العدل بين الافراد الذين يضعهم القانون على قدم المساواة .
أما العدالة الاجتماعية – التي تعد من أهم الغايات التي جاءت من أجلها الدولة – فإن الديمقراطية السياسية تراعي في تحقيقها احترام الفروق الفردية ، باعتبار أن الافراد متفاوتون في في القدرات والمواهب وفي ارادة العمل وقيمة الجهد المبذول .. وبالتالي ينبغي الاعتراف بهدا التفاوت وتشجيعه .

1-جـ- لكن نظام حكم بهذا الشكل ناقص ؛ فالديمقراطية السياسية تهتم بالجانب السياسي وتهمل الجانب الاجتماعي ، حيث تنادي بالحرية فقط دون الاهتمام بالمساواة بين الافراد اجتماعيا واقتصاديا ، والحرية السياسية والفكرية لا تعني شيئا لمواطن لا يكاد يجد قوت يومه .
ومن جهة ثانية ، أن غياب المساواة الاجتماعية والاقتصادية ادى الى غياب المساواة السياسية ، فالاحزاب والجمعيات بحاجة الى وسائل إعلام ( صحف ، محطات إذاعية وتلفزية .. ) لتعبر عن ارادتها ، وبحاجة الى دعاية لتروج لأفكارها .. وهذا كله بحاجة الى رؤوس أموال التي لا تتوفر الا عند الرأسماليين الكبار ، والنتيجة اصبحت الطبقة المسيطرة اقتصاديا مسيطرة ساسيا ، أي سيطرة الرأسماليين على دواليب الحكم .

2-أ- وبخلاف ما سبق ، يرى أنصار المذهب الاشتراكي ودعاة المساواة ، ان النظام السياسي الذي من شأنه أن يقضي على كل مظاهر الظلم والغبن والاستغلال هو اقرار الديمقراطية الاجتماعية ، التي هي الديمقراطة الحقيقية التي تحقق المساواة والعدل ، وتجسد – من ثـمّ – الغاية التي وجدت الدولة من أجلها .

2-ب- وما يؤكد ذلك ، أن اساس الديمقراطية الاشتراكية هو المساواة الاجتماعية ، عن طريق القضاء على الملكية الفردية المستغِلة التي ادت الى بروز الطبقية الفاحشة ، وقيام ملكية جماعية يتساوى فيها الجميع بتساويهم في ملكية وسائل الانتاج . كما تنادي هذه الديمقراطة بضرورة تدخل الدولة في إقرار مبدأ تكافؤ الفرص بين كل الافراد ومساواتهم في الشروط المادية والاجتماعية ، مما يؤدي الى القضاء على كل مظاهر الظلم واستغلال الانسان لأخيه ، وبذلك تتحقق المساواة الفعلية والعدالة الحقيقية بين كل فئات الشعب .

2-جـ- إن المناداة بالمساواة نظريا لا يعني بالضرورة تحقيقها فعليا ، ومن جهة اخرى فاهتمام الديمقراطية الاشتراكية بالجانب الاجتماعي واهمالها الجانب السياسي أدى الى خلق أنظمة سياسية شمولية ديكتاتورية مقيدة للحريات ، محولة بذلك افراد المجتمع الى قطيع ..

3- في الحقيقة ان المجتمع الذي يتوخى العدل هو المجتمع الذي يتبنى الديمقراطية نظاما لحياته ، تلك الديمقراطية التي ينبغي لها أن تهتم بالجانب السياسي فتضمن حريات الافراد وتحمي حقوقهم ، كما ينبغي لها أيضا أن تهتم بالجانب الاجتماعي فتعمل على إقامة مساواة فعلية حقيقية بينهم ، فتتحقق بذلك العدالة ، وتتجسد وظيفة الدولة الاصيلة .

حل المشكلة : وهكذا يتضح ، ان الديمقراطية السياسية – كنظام حكم – لا تحقق الغاية التي وجدت من أجلها الدولة ، لأهمالها جانبا مهما هو المساواة الاجتماعية التي هي روح العدالة الحقيقية . وعليه فالنظام السياسي الراشد هو الذي يضمن حرية الافراد سياسيا ويساوي بينهم اجتماعيا .

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة aymenov
شكراااااااااا لك ممكن مقالة عن الداكرة او مقاييس الحقيقة

مقالة الذاكرة
طرح المشكلة: تعتبر الذاكرة وظيفة ذهنية و نفسية تسمح بتخزين و حفظ و استرجاع المعارف و الصور و التجارب الماضية، لكن حفظ الذكريات و مكان تخزينها اختلف حوله الفلاسفة و علماء النفس وتعددت آراءهم فمنهم من يرى أنهاتعود الى فاعلية الفرد و إمكاناته الذاتية ومنهم من يعتبرها ذات طبيعة اجتماعية من هنا نتساءل: هل التذكر هو إعادة الصور الماضية في الحاضر بواسطة الأطر الاجتماعية ؟ أو بعبارة أخرى هل التذكر استحضار للماضي أم هو إعادة بنائه ؟
محاولة حل المشكلة: منطق الأطروحة: الذاكرة وظيفة فردية وقدرة ذاتية تمكن الانسان من الاحتفاظ بماضيه و استرجاعه عند الحاجة سواء تعلق الأمر بتخزينها في تلافيف الدماغ( أي خلايا القشرة الدماغية) أو دور الحياة النفسية في تنشيطها على نحو ذاتي محض، و أهم من مثل هذا الاتجاه عالم النفس الفرنسي ريبو و مواطنه هنري برغسون.
الحجج: الموقف المادي ( ريبو ): و حجته أن التذكر وظيفة عضوية ترتبط بالدماغ فالذكريات تخزن على خلايا القشرة الدماغية وعند إصابة الدماغ يتبعها فقدان جزئي أو كلي للذاكرة، فحفظ الذكريات يشبه حفظ الموسيقى في الاسطوانة و أي تلف مادي يصيب هذه الاسطوانة يتبعه تلف في الموسيقى و الأمر نفسه ينطبق على الذاكرة و هذا ما جعل ابن سينا يقول عن الذاكرة : « انها قوة محلها التجويف الأخير من الدماغ »و أيضا الفيلسوف الفرنسي ديكارت في قوله : « الذاكرة تكمن في ثنايا الجسم »، و ما يثبت ان الذاكرة فردية و لا دخل للمجتمع بها هو الأمراض التي تصيبها بسبب تلف الخلايا العصبية كمرض الحبسة Aphasie و هو العجز عن الكلام حيث اكتشف جراح الأعصاب الفرنسي بروكا Broca (1824-1880) منطقة في النصف الأيسر للدماغ أطلق عليها فيما بعد منطقة بروكا و هي مسؤولة عن التعبير اللغوي ( الكلام ) ففي الحبسة يحدث زوال جزئي أو كلي لوظيفة الكلام مع سلامة جهاز النطق و تتمثل في فقدان القدرة على النطق أو فهم الكلام المنطوق او المسموع. كما ان حدوث نزيف في الفص الجداري الأيمن يحدث فقدانا للمعرفة الحسية اللمسية في الجهة اليسرى فالمصاب لا يتعرف على الأشياء و لا يتذكرها و لو كان يحس بجميع جزئياتها مثال ذلك الفتاة التي عالجها طبيب الأمراض العقلية الفرنسي دولي ( 1907-1987) Delay و التي أصيبت برصاصة في الجهة اليمنى من دماغها فأصبحت لا تتعرف على الأشياء التي توضع في يدها اليسرى بعد تعصيب عينيها رغم انها بقيت تحتفظ بالقدرة على الإحساسات اللمسية و الحرارية و الألمية و على مختلف الفروق في الشدة و الامتداد فإذا وضع مشط مثلا في يدها اليسرى و صفت جميع أجزائه و عجزت عن التعرف إليه و بمجرد أن يوضع المشط في يدها اليمنى فإنها تتعرف إليه بسرعة كجميع الناس. إضافة الى أن التجربة تثبت أنّ للاختلال الهضمي و دوران الدم و الجهاز التنفسي تأثيرا في التذكر و أن بعض المواد التي تهيج الجملة العصبية أو تسكنها تنبه الذاكرة أو تضعفها كالمخدرات و هرمون الأدرينالين.
الموقف النفسي (برغسون): و حجته تتعلق بالذاكرة المحضة النفسية، فالتذكر وظيفة نفسية تتدخل فيها جميع الملكات العقلية كالتخيل و الانتباه و الذكاء وهي تمثل حالة شعورية نفسية خالصة تنطلق من الماضي الى الحاضر فتعيد إحياء الماضي دفعة واحدة فهي تستحضره في الشعور بتفاصيله دفعة واحدة و يقدم برغسون مثال حفظ قصيدة شعرية فلحفظها يجب تكرارها عدة مرات وهذه العملية مرتبطة بالجملة العصبية (الدماغ) أما استحضار الظروف و الحيثيات المصاحبة للحفظ فهو ذاكرة محضة لان هذه الظروف لا تتكرر مثل كوني حفظت هذه القصيدة في يوم من أيام فصل الخريف بينما كنت جالسا على كرسي في حديقة عمومية لونه أخضر فهذه الحيثيات لا تتكرر و هي تمثل صورا فريدة حيث يقول برغسون: « إننا لا نتذكر ﺇلا أنفسنا ». كما أن الذكريات تتردد و تنتقل بين الشعور و اللاشعور و الدماغ يعتبر أداة استحضار فالذكريات الغير مستغلة تشق طريقها نحو اللاشعور و تعتبر الأحلام خير دليل على البعد النفسي و الفردي للذاكرة و نظرية الكبت لدى فرويد خير شاهد على ذلك فقد جعل النسيان دليل على اللاشعور مثال ذلك ان نحلم بشخص عزيز انقطعت علاقتنا به و لم نره منذ سنوات عديدة. إضافة الى ان الاهتمام و الرغبة و الميول الشخصية كلها عوامل نفسية ذاتية في تثبيت الذكريات و استرجاعها فالأغنية التي تؤثر فينا نفسيا و تعبر عن مشاعرنا نحتفظ بها بسهولة و يسهل علينا حفظها بخلاف تلك التي لا تعبر عن مشاعرنا.
النقد: على الرغم من أهمية العوامل العضوية و النفسية في حفظ الذكريات ﺇلا أننا قد نعجز عن استحضار الماضي و إعادة بناءه لذلك لا بد من الاستعانة بالمحيط الاجتماعي في ذلك فالتفسير المادي سطحي وساذج فالذكرى قبل ان تكون ذكرى كانت عبارة عن حالة شعورية عاشها الانسان في الماضي و عليه لا يمكن القول بان هذه الحالة الشعورية تتحول الى حالة مادية كما يدعي ريبو زيادة على ذلك لو افترضنا أنها موجودة في الدماغ فكيف يمكن ان يتحول ما هو مادي الى ما هو شعوري على اعتبار انه عندما يتم استرجاع الحادثة تصبح حالة شعورية و القرار بذلك مخالف لمبدأ الهوية فالشعور شيء معنوي فهل يمكن ان يتحول ما هو معنوي الى ما هو مادي؛ و ما هو مادي الى ما هو معنوي ؟ ان هذا مستحيل وأيضا التفسير النفسي للذاكرة يقوم على طابع ميتافيزيقي فلسفي فهو لا يقدم لنا إجابة عن السؤال المشكل أين تحفظ الذكريات ؟ فقولهم ان الذكريات الغير مستعملة تحفظ في اللاشعور قول غامض لان فرضية اللاشعور أيضا مجرد فرضية فلسفية لم يؤكدها العلم حتى ان هناك من رفضها تماما .
نقيض الأطروحة: التذكر هو إعادة بناء الحاضر بواسطة الأطر الاجتماعية ( اللغة، العادات ؛التقاليد، الأحداث التاريخية ...) موقف هالفاكس+ بيار جاني، فالفرد بمثابة وعاء يتلقى حصيلة تأثيره لا غير، و الماضي يحفظ في ذاكرة المجتمع.
الحجج:ﺇن معظم خبراتنا الماضية من طبيعة اجتماعية و هي تتعلق بالغير و نسبة ما هو فردي فيها ضئيل للغاية حيث يقول هالفاكس : « عندما أتذكر فان الغير هو الذي يدفعني الى التذكر لان ذاكرته تساعد ذاكرتي كما تعتمد ذاكرته على ذاكرتي »و قد ورد ذلك في كتاب هالفاكس “الأطر الاجتماعية” للذاكرة. فمساعدات الذاكرة حسب هافاكس هي عوامل من طبيعة اجتماعية. فنحن نعيد بناء الذكريات بالاستناد إلى أحداث اجتماعية كبرى لأننا نشارك في الحياة الجماعية. فالأعياد والمواسم والدخول إلى المدرسة كلها نقاط ارتكاز يستند إليها التذكر وتجعل تمييزنا للأمور أشد دقة ووضوحًا. إنها إضاءات نرسم من خلالها مراحل حياتنا فنحن نقول مثلاً : قبل الحرب.. بعد حصولي على الشهادة.. بعد زواجي.. فالقبل والبعد هي مرتكزات تجعل تمثلاتنا و تذكرنا للماضي أكثر وضوحًا وانضباطًا. ومن خلال هذه المرتكزات الموضوعية تتحدد ذاكرتنا الفردية والعائلية أو المجتمعية والوطنية مثلاً مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء أو غيرهم يتسنى للمرء تذكر محطات وتجارب هامة في حياته. وعلى هذا الأساس يقول هالفاكس: «إن الماضي لا يحفظ بل إننا نبنيه انطلاقًا من الحاضر على أساس المرتكزات الاجتماعية للتذكر ».
و ما يوضح ذلك المثال التالي فعند محاولتنا تذكر الاحتفالات التي أعقبت تأهل المنتخب الوطني الجزائري الى نهائيات كاس العالم فإننا شئنا أم أبينا سنتذكر أن تلكالاحتفالات قد جرت في جو اجتماعي و ليس فرديا و حتى ان نسي احد منا أجواء هذه الاحتفالات أو لم يشهدها فان الغير هم من سيذكرونه بها و نفس الأمر ينطبق مع المجاهد الذي عايش أحداث الثورة الجزائرية فانه عندما يتذكر ما عاشه من أحداث لا يمكنه ان ينفصل عن غيره من المجاهدين أو المستدمر الفرنسي ، كما أن الذكريات تحفظ في أطر اجتماعية عن طريق الذاكرة الجماعية و هي التي تجعل الفرد يكتسب أفكاره و معتقداته و عاداته و تقاليده و هذا ما يبرز في الاحتفالات الدينية كعيدي الفطر و الأضحى إذ لا يمكن للفرد المسلم أن يتذكر احتفاله بهما منفردا بل مع أفراد عائلته و محيطه الاجتماعي في المنزل أو المسجد أو الشارع. إضافة الى أنه لو لم يكن ثمة محيط اجتماعي لما احتاج الفرد الى حفظ أو استعمال الذكريات ثم أن هذه الذكريات لا تحفظ ﺇلا بواسطة إشارات و رموز اللغة التي تكتسب من المحيط الاجتماعي لذلك قال بيار جاني : « لو كان الانسان وحيدا لما كانت له ذاكرة و ما كان بحاجة إليها »
المجتمع هو مادة الذاكرة فنحن نتذكر دائما باستعمال اللغة و تحديد ذكرياتنا بواسطة التقويم الاجتماعي للزمن و الأحداث التاريخية كما يكتسب الفرد السلوكات و التصورات من المجتمع، يقول هالفاكس: « ذكرياتنا ليست حوادث نفسية محضة أو مادية ترتبط بالدماغ بل هي تجديد بناء الحوادث بواسطة الأطر التي يمدها المجتمع ». ﺇن الانسان كائن اجتماعي بطبعه و أن وظائفه العقلية لا تنمو و لا تتطور ﺇلا ضمن إطار اجتماعي بما فيها الذاكرة و ما يؤكد ذلك المثال التالي فلو سلمنا بأن شخصا ما يولد بعقل كامل لكن بمجرد أن يولد يوضع في غابة بعيدا عن أقرانه من البشر فكيف تكون تصرفاته ؟ ستبدأ هذه الطبيعة العاقلة الكامنة فيه بالولادة (فطرية) بالتلاشي فيفقد بذلك هذا العقل وظائفه فيصبح عاجزا عن الإدراك و التخيل و الشعور و التذكر و بالتالي يفقد شيئا فشيئا طبيعته كانسان من هنا يصبح المجتمع أكثر من ضروري في تنمية القدرات العقلية و منها التذكر و لهذا قال دور كايم : « الانسان دمية يحرك خيوطها المجتمع »
النقد:لا يمكن التصور أن الذكريات هي إعادة بناء للحاضر انطلاقا من المجتمع لأن هذا الموقف يلزم عنه أن جميع الأفراد المتواجدين في المجتمع الواحد تكون ذكرياتهم متماثلة ﺇذ بالرغم من دور المجتمع ﺇلا أنه لا يمكن أن يحل محل الفرد في حفظ الذكريات، فقد أشترك مع الغير في بعض الذكريات لكن هناك بالمقابل ذكريات شخصية و خاصة بي لم يشاركني الغير فيها و لا يمكنه التعرف عليها،فالمجتمع عامل مساعد فقط على التذكر و هو لا يمارس هذه العملية في مكاننا ،فعدم معاصرتي لثورة التحرير يجعل من المستحيل عليّ تصور ما جرى مثل الشخص الذي عايشها.
التركيب: ﺇن الذاكرة وظيفة عقلية معقدة يساهم في تكوينها عدة عوامل منها العوامل الذاتية المتمثلة في الجملة العصبية( الدماغ) و الأحوال النفسية الشعورية (الانفعالات، الاهتمام، الرغبة) و التي تؤدي الى استرجاع الذكريات، إضافة الى العوامل الاجتماعية بأبعادها و أطرها المختلفة و التي تعيد بناء الذكريات بمساعدة المجتمع.
الرأي الشخصي: و لكن من وجهة نظري فالذاكرة محصلة لتفاعل العوامل الذاتية ( النفسية و المادية) و الاجتماعية فعندما نتذكر لا بد من سلامة الجملة العصبية( الدماغ ) و تدخل الجانب النفسي بشقيه الشعوري و اللاشعوري كل هذا بمساعدة المجتمع مثال ذلك أن حفظ النشيد الوطني الجزائري يكون بالاستعانة بالذاكرة المادية عن طريق ترديده مرات كثيرة حتى حفظه، ومن ثمة يصير غناءه كل صباح في بداية اليوم الدراسي بالاستعانة بالذاكرة النفسية ﺇذ يسترجع دفعة واحدة و ان عجز فرد عن استرجاعه ساعده بقية التلاميذ في ذلك عن طريق الذاكرة الجماعية.
حل المشكلة: نستنتج في الأخير أن الذاكرة وظيفة عقلية مرتبطة بالإنسان كفرد يسترجع ماضيه بالاستعانة بالجملة العصبية والجانب النفسي بشقيه الشعوري و اللاشعوري و أيضا ككائن اجتماعي يعيد بناء ماضيه بالاستعانة بالأطر الاجتماعية يقول الفيلسوف و عالم النفس الفرنسي دولاكروا (1873-1937) Delacroix : « الذاكرة نشاط يقوم به الفكر و يمارسه الشخص ».
02-هل الحقيقة تقاس باعتبار النفع أم باعتبار الوضوح؟
طرح الإشكالية:
يختلف الباحثون في تصورهم لمعيار الحقيقة ومن أبرز المعايير التي اشتهرت في هذا الصدد معيار التطابق ومعيار الوضوح ومعيار النفع ومعيار الذات البشرية وانتشر القول في القرون الوسطى مع المدرسين ومحتواه أن الحقيقة هي مطابقة الفكر للواقع فالتفكير يكون صحيحا عندما يكون نسخة من الواقع والوفاء للنسخة بالنسبة للنموذج هو الذي يحدد الحقيقة إلا أن هذا التصور ليس دقيقا وليس واضحا كل الوضوح فهو يثير المشاكل أكثر مما يحلها ولذلك نكتفي بالبحث في المقاييس الأساسيين الوضوح أو البداهة والنفع أو النجاح فبالنسبة للعقليين يعتقدون أن معيار الحقيقة هو الوضوح أو البداهة في حين يرى البرغماتيون بأن مقياس الحقيقة هو النفع أو النجاح وعليه يمكننا طرح التساؤل التالي: هل الحقيقة تقاس باعتبار النفع أم باعتبار الوضوح؟
محاولة حل الإشكالية:
عرض منطوق المذهب الأول:الحقيقة تقاس باعتبار الوضوح ومن ممثلي هذا الطرح ديكارت،سبينوزا.
الحجة:يرى أصحاب هذا الطرح أن الحكم الصادق يحمل في طياته معيار صدقه وهو الوضوح الذي يرتفع فوق كل شيء ويتجلى هذا في البديهيات الرياضية التي تبدوا ضرورية واضحة بذاتها،كقولك الكل أكبر من الجزء أو إن الخط المستقيم أقصر مسافة بين نقطتين حيث كان ديكارت لا يقبل مطلقا أي شيء على أنه حق ما لم يتبين بالبداهة أنه كذالك ويعتقد بأنه يجب على الإنسان أن يتجنب الشرع والتشبث بالآراء السابقة وعليه أن يأخذ من أحكامه ما يمثله الفعل بوضوح تام وتمييز كامل بحيث لا يدع مجال للشك فيه وانتهى ديكارت إلى قضيته المشهورة "أنا أفكر إذن أنا موجود" فوجدها واضحة أمام جميع افتراضات صحيحة كل الصحة بالضرورة وهي تزيد صحة كلما نطق بها وأمعن النظر فيها ويقول لاحظت أنه لا شيء في قولي أنا أفكر إذن أنا موجود يضمن لي أني أقول الحقيقة إلا كوني أراه بكثير من الوضوح أن الوجوب واجب التفكير فحكمت بأني أستطيع اتخاذ قاعدة عامة لنفسي وهي أن الأشياء التي نتصورها تصورا بالغ الوضوح والتمييز هي صحيحة كلها ويقول "إني أشك ولكن مالا أستطيع الشك فيه هو أني أشك وأن الشك تفكير" ويساند هذا الطرح سبينوزا الذي يرى أنه ليس هناك معيار للحقيقة خارج عن الحقيقة فهل كما يقول أنه يمكن أن يكون شيء أكثر وضوحا ويقينا من الفكرة الصادقة يصلح أن يكون معيار الحقيقة؟ فكما أن النور يكشف عن نفسه وعن الظلمات كذلك الصدق هو معيار نفسه ومعيار الكذب والفكرة لا تكون صادقة إلا إذا كانت مطلقة تفرض نفسها على الجميع فالفكرة الصحيحة هي التي لا تتناقض مع مبادئ العقل الفطرية.
النقد:إن إرجاع الحقيقة كلها إلى الوضوح يجعلنا نلجئ إلى معيار ذاتي للحقيقة قد نحسب بأننا على صواب في أحكامنا على أساس البداهة والوضوح لكن قد يحدث أن يقف أحدنا بعد ذلك على خطأ وقد يحدث لأحدنا أن يرى بديهيا ما يتوافق مع تربيته وميوله واتجاهاته الفكرية. فالوضوح في هذه الحالة ليس محك الصواب وإنما توافق القضية المطروحة لميول الفرد وآرائه هو الذي يجعلها صحيحة وواضحة إنه مقياس ملتحم بالحياة السيكولوجية الذاتية والدليل على ذلك أن الكثير من الآراء تجلت صحتها وهي واضحة فترة من الزمن وقد أثبت التفكير بطلانها ولقد آمن الناس مدة طويلة بأن الأرض مركز الكون وأنها ثابتة تدور حولها سائر الكواكب ثم دحضت الأبحاث الدقيقة مثل هذا الاعتقاد الخاطئ بل أن البديهيات الرياضية قد ثبت اليوم أن الكثير منها يقوم على افتراضات ولو كان الشعور بالوضوح كافيا ليحمل العقول كلها على الأخذ بالقضايا الواضحة فلماذا تقابل الحقائق الجديدة في بداهة الأمر بغضب شديد كما هو الشأن بالنسبة لغاليلي الذي أعلن بأن الأرض ليست ثابتة وباستور الذي قام بمحاربة فكرة التولد العفوي إن الأفكار الواضحة في غالب الأحيان كما يقول أحد الفلاسفة "أفكار ميتة"إذن يمكن اعتبار الوضوح مقياس للحقيقة لكن هناك مقاييس أخرى.
عرض منطوق المذهب الثاني:الذي يرى أن الحقيقة تقاس باعتبار المنفعة ومن ممثلي هذا الطرح "بيرس،أوليام جيمس،جون ديوان".
الحجة:يرى أصحاب المذهب البرغماتي أن الحكم الصادق يحمل أن يكون صادقا متى دلت التجربة على أنه مقيد نظريا وعمليا وبذلك تعتبر المنفعة المحك الوحيد لتمييز صدق الأحكام من باطلها حيث يقول بيرس "إن الحقيقة تقاس بمعيار العمل المنتج"أي أن الفكرة خطة للعمل أو مشروع له وليست حقيقة في ذاتها، إن تصورنا لموضوع ما هو إلا تصورنا لما قد ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية لا أكثر ويرى بيرس أن معيار الحقيقة هو المنفعة فالفكرة الصادقة هي التي تفيدني من الناحية العملية والفكرة الكاذبة هي التي تحقق لي نفعا، ويرى ويليام جيمس أن النتائج أو الأفكار التي تنتهي إليها الفكرة هي الدليل على صدقها أو مقياس صوابها وإذا أردنا أن نحصل على فكرة واضحة لموضوع ما علينا إلا ننظر إلى الآثار العملية التي نعتقد أنه قادر على أن يؤدي إليها والنتائج التي ننتظرها منه ورد الفعل الضار الذي ينجم عنه والذي يجب أن نتخذ الحيطة بإزائه ومعنى هذا أن الحق لا يوجد أبدا منفصل عن الفعل أو السلوك فنحن لا نفكر في الخلاء وإنما نفكر لنعيش وليس ثمة حقائق مطلقة بل هناك مجموعة متنوعة ومختلفة ومتعددة من الحقائق التي ترتبط بمنافع كل فرد منا في حياته ويقول وليام جيمس"إن كل ما يؤدي إلى النجاح فهو حقيقي وأن كل ما يعطينا أكبر قسط من الراحة وما هو صالح لأفكارنا ومفيد لنا بأي حال من الأحوال فهو حقيقي "ويضيف "الحق ليس إلا التفكير الملائم للغاية كم أن الصواب ليس إلا الفعل الملائم للسلوك"أي أن معيار الحقيقة هو النجاح كما يضرب جيمس مثالا فيقول "يمكنك أن تعتبر العدد27 مكعب العدد03 أو حاصل ضرب9×3 أو حاصل جمع 26 +1 أو باقي طرح 73 من 100 أو بطرق لا نهاية لها وكلها صادقة"ويرى جون ديوان أن الفكرة مشروع عمل والحقيقة تعرف من خلال نتائجها والأفكار الحقيقية أدوات ناجحة لمواجهة مشكلات الحياة،فالفكرة الدينية حقيقة إذا كانت تحقق للنفس الإنسانية منفعة كالطمأنينة والسعادة والفكرة الاقتصادية حقيقة إذا كانت تحقق الرفاهية المادية فالأشياء تكون حقيقة حسب المنفعة التي تستهدفها وتحققها إذن معيار الحقيقة حسب البرغماتية هو الغايات والنتائج وليس المبادئ والأولويات فالعمل يقاس بنتائجه وهكذا تعرف البرغماتية الحقيقة وتحولها من حقيقة الفكر إلى حقيقة العمل.
النقد:إن معيار الحقيقة إلى النجاح ( المنفعة ) ليس أكثر تجديدا من القول بمعيار الوضوح لأن القول بمعيار النجاح قول سلبي عن الحقيقة وليس قولا إيجابيا،ذلك أن أنصار البرغماتية إنطلقوا من أن القضايا التي لها آثار عملية قضايا حقيقية أو صحيحة لكن ما يعاب عليهم أنهم أخلطوا بين المجال النظري والمجال العملي بدليل أن هناك أفكار نافعة ولكنها غير مطبقة وهناك أفكار غير نافعة ولكنها مطبقة ثم إن مقياس الحقيقة لا يمكن أن يكون المنفعة كما يقر البرغماتيون لأن الحقيقة التي تؤكدها نتائجها ومنافعها هي قبل كل شيء مسألة ذاتية متقلبة من فرد لآخر ومتعارضة بين هذا أو ذاك ما دامت المصالح متعارضة. فكيف يبني العلم ما يؤسس على مبادئ ؟ ثم أن مفهوم المنفعة واسع جدا هل هي منفعة الفرد خاص الذي يفكر أم منفعة الجماعة ومن هي هذه الجماعة وما هي حدودها؟ وفي حالة عدم دقة المفهوم تتضارب المنافع وتتناقض ثم إن هذا المذهب يرفض الحقيقة المطلقة.
التجاوز:إن معيار الحقيقة لا يمكن حصره في الميدان الذي يرتضيه أنصار الوضوح أو تأسيسه على أساس المنفعة كما زعمت البرغماتية فمعيار الحقيقة هو الوضوح والمنفعة وإن كلا المعيارين نسبي ومحدود ومعرض للتغيير وهناك من تجاوز هذا الطرح وهم أصحاب المذهب الوجودي الذين يقرون بأن مجال الحقيقة الأول هو الإنسان المشخص في هذا الوجود الحسي كما يرى سارتر وليس الوجود المجرد كما ترى الفلسفات الكلاسيكية وحقيقة الإنسان هي في إنجاز ماهيته لأنه في بداية الأمر لا يمتلك ماهيته فهو محكوم عليه بأن يختار مصيره ولكنه أيضا محكوم عليه بأن يموت والحقيقة الأولى إلي يجب التركيز عليها هي ممارسة هذه التجربة التي تجمع بين الحياة والموت وما ينتج عنهما من محن القلق والآلام وثقل المسؤولية.
الخاتمة :إن معيار الحقيقة يبقى في النهاية معيار نسبي منزه من كل ما من شأنه أن يحصر الحقيقة في إطار ذاتي ( الوضوح ) أو إطار نفعي مادي إنه في كلمة وجيزة الموضوعية العالية الثابتة مع العلم أن الحقيقة أنواع كالحقيقة الرياضية التي يرتد معيارها الموضوعي إلى إثباط الحقائق الجزئية من المقدمات الأولية والحقيقة العلمية أو الفيزيائية التي يعود معيارها إلى التجربة.
03--
أبطل الأطروحة القائلة بأن الذاكرة وظيفة دماغية؟
تتأثر أفعالنا اتجاه المشكلات التيتعترضنا بمكتسبات تجاربنا السابقة وليس انقطاع الإدراك في الحاضر معناه زوال الصورالذهنية المدركة ،بل إن الإنسان يتميز بقدرته على اختزان تلك الصور مما يجعله يعيشالحاضر والماضي معا وهذا ما يسمى بالذاكرة وهي القدرة على استعادة حالة شعورية ماضية، فإذا كان الشعور خاصية جوهرية للذاكرة ،فالأطروحة القائلة بأن الذاكرة وظيفة من وظائف الدماغ تبدو باطلة.لكن ما هي مبررات إبطالها؟
عرض الأطروحة:
ربط الذاكرة بخلايا الدماغ. إنملاحظات ريبو على حالات معينة مقترنة بضعف الذاكرة أو بفقدانها كحالة [ الفتاة التيأصيبت برصاصة في المنطقة اليسرى من الدماغ فوجد أنها فقدت قدرة التعرف عل المشطالذي كانت تضعه في يدها اليمنى إلا أنها بقيت تستطيع الإحساس به فتأكد له أن إتلافبعض الخلايا في الجملة العصبية نتيجة حادث ما يؤدي مباشرة إلى فقدان جزئي أوكليللذاكرة وجعلته يستنتج أن الذاكرة هي وظيفة عامة للجهاز العصبي أساسها الخاصيةالتي تمتلكها العناصر المادية في الاحتفاظ بالتغيرات الواردة عليها كالثنية فيالورقة لقد تأثرت النظرية المادية بالفكرة الديكارتية القائلة بأن الذاكرة تكمن فيثنايا الجسم وأن الذكريات تترك أثرا في المخ ... وكأن المخ وعاء يستقبل ويختزن مختلف الذكريات ، لذا يرى ريبو أن الذكرياتمسجلة في خلايا القشرة الدماغية نتيجة الآثار التي تتركها المدركات في هذه الخـــلاياو الذكريات الراسخة هي تلك التي استفادت من تكرار طويل لذا فلا عجب إذا بدأتلاشيها من الذكريات الحديثة إلى القديمة بل ومن العقلية إلى الحركية بحيث أنناننسى الألقاب ثم الأوصاف فالأفعال والحركات ، ولقد استطاع ريبو أن يحدد مناطق معينةلكل نوع من الذكريات بل ويعد 600مليون خلية متخصصة لتسجيل كل الانطباعات التيتأتينا من الخارج مستفيدا مما أثبتته بعض تجارب بروكا من أن نزيفا دمويا في قاعدةالتلفيف من ناحية الجهة الشمالية يولد مرض الحبسة وأن فساد التلفيف الثاني من يسارالناحية الجدارية يولد العمى النفسي وغيرها.
نقد أنصار الأطروحة:
تعرّضتهذهالنظريةلانتقادات "برغسون" لأنهاتخلطبين الظواهرالنفسيةوالظواهر الفيزيولوجيةوتعتبّر الفكرمجردوظيفةللدّماغموضحاأنالمادةعاجزةعن تفسيرالذاكرةإذيقول : " لوصحّأنتكونالذكرىشيئاما محتفظةفيالدماغ،لماأمكننيأنأحتفظلشيءمن الأشياءبذكرىواحدةبلبألافالذكريات،ذلكأنالشيءمهمابدا بسيطاوثابتافإنأعراضهتتغيربتغيرالنظرةإليه،هذا إذاتعلقالأمربالشيءالبسيط،فما بالكإذاكانإنسانايتغيّر منحيثالهيئةوالجسموالملابس".أمامنحيثفقدانالذكرياتفه ويقول : "إذاكانفقدان الذكرياتينتجعنخللفيالخلاياالدماغيةفكيفنفسر عودةبعضالذكريات؟خاصّةبعدحدوثتنبيهقويللمريض بفقدانالذاكرةوهذايعنيأنالإنسانإذاأصيببمرض "الأفازيا" فالذكرياتتبقىموجودة،ولكنالإنسانيصبحعاجزاعن استحضارهاوقتالحاجة. ،إنالذاكرةليستظاهرةبيولوجية،وإنماهي ظاهرةنفسيةروحية.
التأكيد على إبطال الأطروحة:
إننا نجد أن هناك الكثير من حالاتفقدان الذاكرة تسببه صدمة نفسية وليس له علاقة بإتلاف خلايا الدماغ وأن الذكرياتالتي فقدت سرعان ما تعود بعد التعافي من تلك الصدمة كما أنه لو كان الأمر كما يرىريبو وأن الدماغ هو مكان تسجيل الذكريات لترتب على ذلك أن جميع المدركات والمؤثراتالتي يستقبلها يجب أن تحفظ في الدماغ و لوجب تذكر كل شيء. كما أن النظرية المادية قد قامت على بعض التجارب و نحن نعرف الصعوبات التي تواجه التجريب على الظواهر الإنسانية.
الخاتمة حل المشكلة:
بناء على ما سبق يتبين لنا أنه ليس هناك دليلا قاطعا على أن الذاكرة وظيفة من وظائف الدماغ و عليه فهذه الأطروحة باطلة و لا يمكن الدفاع عنها.


بالتوفيق و النجاح