حيثما توجهت في منطقة ”الأوراس“ يتجسم لك التاريخ في ما ترك الأقدمون من آثار هي اليوم تصارع الاندثار. وإذا كانت بعض المناطق الأثرية قد خطيت بنوع الاهتمام ولو إعلاميا، فإن منطقة ”بلزمة“ وآثارها قد أتى عليها الزمن. فبالإضافة إلى العوامل الطبيعية امتدت الأيادي إلى أعمدتها وأحجارها فحولتها إلى صخور عادية تستعمل في مختلف النشاطات اليومية، خاصة في مجال البـناء واستغلال مسـاحة المناطق الأثرية في الزراعة.
آثار الإنسان البدائي: إن ما يميز هذه الآثار هو وجودها في مناطق جبلية صعبة المسالك كنظيراتها من الآثار النوميدية والرومـانية. وتتوزع في مناطق عدة من منطقة بلزمة أهمها اثر (زاوية) المتواجد بسفوح جبال أولاد سلام وتتـميز بموقعها الإستراتيجي حيث تعتبر المنفذ الوحيد لكل السلاسل الجبلية المحيطة بها. وغير بعـيد عن منطـقة (زاوية) نجد آثار منطقة (بوزو "قرية على النمر")، 03 كلم عن مدينة مروانة، وهي عبارة عن عـدة مساكن تحت الأرض على شكل كهوف متصلة ببعضها البعض ولها مخارج متعددة ويعتقد أن إنسان المنطقة القديم قد لجأ إلى هذا النوع من المساكن لاعتبارات أمنية، خاصة اختيار الموقع.
الآثار النوميدية: وتنتشر هذه الآثار خاصة في منطقتي أولاد سـلام ونقاوس فمـنطقة (بوحدوفن) و (الكاف أزقاغ) الفاصلة بين ولايتي باتنة وسطيف، وهي عبارة عن مدن بكاملها مدفونة تحت التراب. فمنطقة ”بوحدوفن“ لوحدها تتوزع على مساحة أربعة كيلومترات مربعة وتتعرض الآن بوتيرة متسارعة للنهب والتخريب. وهي مهددة بالاندثار الكلي إذا لم نجد قي القريب العاجل من يمد لها يد النجدة. ويملك سكان المنطقة حاليا الكثير من الوسائل القديمة المستعملة في الحياة اليومية (أوانٍ، نقود ... إلخ). ولا شك أن دراسة هذه البقايا من طـرف المختصين كفيل بأن يزيل الكثير من الغموض عن حياة أسلافنا الأولين وكل القيم الجمالية والثقـافية والاقتصادية التي تحكم الفرد، والمجتمع الأمازيغي قديما وبذلك يمكن تتبع كل التطورات والتغـيرات التي طرأت على المجتمع الأمازيغي من فجر التاريخ إلى عصر المسخ والفسخ أي، الوقت الحالي الذي تعرض ويتعرض فيه المجتمع الأمازيغي إلى أبشع مسخ وتزوير منذ فجر التاريـخ إلى يومنا هـذا.
الآثار الرومانية: تعد الآثار الرومانية أكثر انتشارا من غيرها. وتتميز عن سابقاتها من حيث الموقع الجغرافي حـيث كـان الاستعمار الروماني يختار المناطق الزراعية الخصبة والسهول المترامية كما يؤسس مدنه على مجاري الميـاه والينابيع المتدفقة. وقد كان سهل ”بلزمة“ يوفر كل الشروط التي تساعد على الحركة العمرانية. وقد خلف في مدينة مروانة مجموعة من الآثار المختلفة كتلك التي توجد بـ“لمسان“ (منطقة تاعوينت) وهي عبارة عن مجموعة من المساكن التي اندثرت ولم يبق بالمكان سوى عين جارية يستغلها سكان المنطقة إلى غاية اليوم في الشرب وسقي نباتاتهم كما تعتبر منطقة (حي بن بوعلي) بالقرب من (واد الماء) من المناطق الغنية بالآثار. وهي تعتبر إلى جانب ذلك من أكثر المناطق التي تتعرض للتخريب من طرف سكان المنطقة، وقـد زحف الإسمنت المسلح على الكثير من المساحات الأثرية في بناء مساكنهم. أما بلدية قصر ”بلزمة“ فهي قائمة على أنقاض المدينة الأثرية، إذ يحاول الكثير من سكان المنطقة، خاصة التجار، توسيع مساحة محلاتهم عـلى حساب بناية القصر الأثري المتبقي دون أن تحرك البلدية ساكنا وكأن الأمر لا يعنيها. وقد حولت الكثير من أعمدة هذا القصر إلى الكراسي أمام المقاهي والبيوت.
غير أن أوسع منطقة أثرية توجد بمنطقة (ديانا) زانة حاليا، وهي تابعة إداريا لدائرة عين جاسر، كما أن أراضي هذه المنطقة توفر كل أسباب الاستقرار وقد شيدها حاكم لامبيز الروماني وذلك بغرض استعمالها كحصن عسكري يسهل عليه مهمة التحكم في القبائل الأمازيغية التي عرفت بثوراتها المتكررة وتمردها على السلطة الرومانية كما كانت قبائل بلزمة تدعم مباشرة جيش القائد الأمازيغي تاكفاريناس.
وقد بقيت (ديانا) شامخة إلى أن حطمها الفاطميون سنة 933 م إثر تمرد البلزميين على منهجهم الشيعي ولم يبق اليوم من كنائس ديانا سوى مدخل المدينة الذي هو عبارة عن قوس يدخل منه الجيش أثناء عودته من المعارك ويسمى قوس النصر.
إن آثار بلزمة غنية ومتنوعة وهي كفيلة بتقديم العديد من الإجابات عن الأسئلة المطروحة حول الصيرورة التاريخية لمجتمعنا الأمازيغي إن وجدت من يدرسها. وقبل ذلك لينقذها من الاندثار لتبقى شاهدة على عظمة وعبقرية الأمازيغيين.
حلاس محمد