عنوان الموضوع : العلامة عبد الحميد بن باديس تاريخ الجزائر
مقدم من طرف منتديات العندليب
العلامة عبد الحميد بن باديس
كانتالجزائر أول أقطار العالم العربي وقوعًا تحت براثن الاحتلال، وقُدّر أن يكونمغتصبها الفرنسي من أقسى المحتلين سلوكًا واتجاهًا، حيث استهدف طمس هوية الجزائرودمجها باعتبارها جزءًا من فرنسا، ولم يترك وسيلة تمكنه من تحقيق هذا الغرض إلااتبعها، فتعددت وسائلة، وإن جمعها هدف واحد، هو هدم عقيدة الأمة، وإماتة روح الجهادفيها، وإفساد أخلاقها، وإقامة فواصل بينها وبين هويتها وثقافتها وتراثها، بمحاربةاللغة العربية وإحلال الفرنسية محلها، لتكون لغة التعليم والثقافة والتعامل بينالناس.
غير أن الأمة لم تستسلم لهذه المخططات، فقاومت بكل ما تملك، ودافعتبما توفر لديها من إمكانات، وكانت معركة الدفاع عن الهوية واللسان العربي أشد قوةوأعظم تحديًا من معارك الحرب والقتال، وقد عبّر ابن باديس، عن إصرار أمته وتحديهالمحاولات فرنسا بقوله: "إن الأمة الجزائرية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا،ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا لو أرادت، بل هي أمة بعيدة عنفرنسا كل البعد، في لغتها، وفي أخلاقها وعنصرها، وفي دينها، لا تريد أن تندمج، ولهاوطن محدد معين هو الوطن الجزائري".
المولد والنشأة
ولد "عبد الحميدبن محمد المصطفى بن مكي بن باديس" المعروف بعبد الحميد بن باديس في (11 من ربيعالآخِر 1307 هـ= 5 من ديسمبر 1889م) بمدينة قسطنطينة، ونشأ في أسرة كريمة ذات عراقةوثراء، ومشهورة بالعلم والأدب، فعنيت بتعليم ابنها وتهذيبه، فحفظ القرآن وهو فيالثالثة عشرة من عمره، وتعلّم مبادئ العربية والعلوم الإسلامية على يد الشيخ "أحمدأبو حمدان الونيسي" بجامع سيدي محمد النجار، ثم سافر إلى تونس في سنة (1326هـ= 1908م) وانتسب إلى جامع الزيتونة، وتلقى العلوم الإسلامية على جماعة من أكابرعلمائه، أمثال العلّامة محمد النخلي القيرواني المتوفى سنة (1342هـ= 1924م)، والشيخمحمد الطاهر بن عاشور، الذي كان له تأثير كبير في التكوين اللغوي لعبد الحميد بنباديس، والشغف بالأدب العربي، والشيخ محمد الخضر الحسين< /a> ، الذي هاجر إلىمصر وتولى مشيخة الأزهر.
وبعد أربع سنوات قضاها ابن باديس في تحصيل العلمبكل جدّ ونشاط، تخرج في سنة (1330هـ= 1912م) حاملاً شهادة "التطويع" ثم رحل إلىالحجاز لأداء فريضة الحج، وهناك التقى بشيخه "حمدان الونيسي" الذي هاجر إلى المدينةالمنورة، متبرّمًا من الاستعمار الفرنسي وسلطته، واشتغل هناك بتدريس الحديث، كمااتصل بعدد من علماء مصر والشام، وتتلمذ على الشيخ حسين أحمد الهندي الذي نصحهبالعودة إلى الجزائر، واستثمار علمه في الإصلاح، إذ لا خير في علم ليس بعده عمل،فعاد إلى الجزائر، وفي طريق العودة مرّ بالشام ومصر واتصل بعلمائهما، واطّلع علىالأوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية لهما.
ابن باديس معلمًاومربيًا
آمن ابن باديس بأن العمل الأول لمقاومة الاحتلال الفرنسي هوالتعليم، وهي الدعوة التي حمل لواءها الشيخ محمد عبده ، في مطلع القرن الرابع عشرالهجري، وأذاعها في تونس والجزائر خلال زيارته لهما سنة (1321هـ= 1903م)، فعمل ابنباديس على نشر التعليم، والعودة بالإسلام إلى منابعه الأولى، ومقاومة الزيفوالخرافات، ومحاربة الفرق الصوفية الضالة التي عاونت المستعمر.
وقد بدأ ابنباديس جهوده الإصلاحية بعد عودته من الحج، بإلقاء دروس في تفسير القرآن بالجامعالأخضر بقسطنطينة، فاستمع إليه المئات، وجذبهم حديثة العذب، وفكره الجديد، ودعوتهإلى تطهير العقائد من الأوهام والأباطيل التي علقت بها، وظل ابن باديس يلقي دروسهفي تفسير القرآن حتى انتهى منه بعد خمسة وعشرين عامًا، فاحتفلت الجزائر بختمه في (13 من ربيع الآخر 1357هـ= 12 من يونيو 1938م).
ويُعدّ الجانب التعليميوالتربوي من أبرز مساهمات ابن باديس التي لم تقتصر على الكبار، بل شملت الصغارأيضًا، وتطرقت إلى إصلاح التعليم تطوير ومناهجه، وكانت المساجد هي الميادين التييلقي فيها دروسه، مثل الجامع الأخضر، ومسجد سيدي قموش، والجامع الكبير بقسطنطينة،وكان التعليم في هذه المساجد لا يشمل إلا الكبار، في حين اقتصرت الكتاتيب على تحفيظالقرآن للصغار، فعمد ابن باديس إلى تعليم هؤلاء الصغار بعد خروجهم منكتاتيبهم.
ثم بعد بضع سنوات أسس جماعة من أصحابه مكتبًا للتعليم الابتدائيفي مسجد سيد بومعزة، ثم انتقل إلى مبنى الجمعية الخيرية الإسلامية التي تأسست سنة (1336هـ= 1917م)، ثم تطوّر المكتب إلى مدرسة جمعية التربية والتعليم الإسلامية التيأنشئت في (رمضان 1349 هـ= 1931م) وتكونت هذه الجمعية من عشرة أعضاء برئاسة الشيخعبد الحميد بن باديس.
وقد هدفت الجمعية إلى نشر الأخلاق الفاضلة، والمعارفالدينية والعربية، والصنائع اليدوية بين أبناء المسلمين وبناتهم، ويجدر بالذكر أنقانون الجمعية نصّ على أن يدفع القادرون من البنين مصروفات التعليم، في حين يتعلمالبنات كلهن مجانًا.
وكوّن ابن باديس لجنة للطلبة من أعضاء جمعية التربيةوالتعليم الإسلامية، للعناية بالطلبة ومراقبة سيرهم، والإشراف على الصندوق الماليالمخصص لإعانتهم،ودعا المسلمين الجزائريين إلى تأسيس مثل هذه الجمعية، أو تأسيسفروع لها في أنحاء الجزائر، لأنه لا بقاء لهم إلا بالإسلام، ولا بقاء للإسلام إلابالتربية والتعليم.
وحثّ ابن باديس الجزائريين على تعليم المرأة، وإنقاذهامما هي فيه من الجهل، وتكوينها على أساسٍ من العفة وحسن التدبير، والشفقة علىالأولاد، وحمّل مسئولية جهل المرأة الجزائرية أولياءها، والعلماء الذين يجب عليهمأن يعلّموا الأمة، رجالها ونساءها، وقرر أنهم آثمون إثمًا كبيرًا إذا فرطوا في هذاالواجب.
وشارك ابن باديس في محاولة إصلاح التعليم في جامع الزيتونة بتونس،وبعث بمقترحاته إلى لجنة وضع مناهج الإصلاح التي شكّلها حاكم تونس سنة (1350هـ=1931م)، وتضمن اقتراحه خلاصة آرائه في التربية والتعليم، فشمل المواد التي يجبأن يدرسها الملتحق بالجامع، من اللغة والأدب، والعقيدة، والفقه وأصوله، والتفسير،والحديث، والأخلاق، والتاريخ، والجغرافيا، ومبادئ الطبيعة والفلك، والهندسة، وجعلالدراسة في الزيتونة تتم على مرحلتين: الأولى تسمى قسم المشاركة، وتستغرق الدراسةفيه ثماني سنوات، وقسم التخصص ومدته سنتان، ويضم ثلاثة أفرع: فرع للقضاء والفتوى،وفرع للخطاب والوعظ، وفرع لتخريج الأساتذة.
ابن باديس وجمعية العلماءالمسلمين الجزائريين
من اليسار إلى اليمين: الأستاذ الإبراهيمي، الأستاذ ابنباديس، الأستاذ العقبي
احتفلت فرنسا بالعيد المئوي لاحتلال الجزائر في سنة (1349هـ= 1930م) فشحذ هذا الاحتفال البغيض همّة علماء المسلمين في الجزائر وحماسهموغيرتهم على دينهم ووطنهم، فتنادوا إلى إنشاء جمعية تناهض أهداف المستعمر الفرنسي،وجعلوا لها شعارًا يعبر عن اتجاههم ومقاصدهم هو: "الإسلام ديننا، والعربية لغتنا،والجزائر وطننا"، وانتخبوا ابن باديس رئيسًا لها.< /span>
اقرأ حولالجمعية ودورها في حماية الثقافة العربية الإسلامية.
وقد نجحت الجمعية في توحيدالصفوف لمحاربة المستعمر الفرنسي وحشد الأمة الجزائرية ضدها، وبعث الروح الإسلاميةفي النفوس، ونشر العلم بين الناس، وكان إنشاء المدارس في المساجد هو أهم وسائلها فيتحقيق أهدافها، بالإضافة إلى الوعّاظ الذين كانوا يجوبون المدن والقرى، لتعبئةالناس ضد المستعمر، ونشر الوعي بينهم.
وانتبهت فرنسا إلى خطر هذه التعبئة،وخشيت من انتشار الوعي الإسلامي؛ فعطّلت المدارس، وزجّت بالمدرسين في السجون، وأصدرالمسئول الفرنسي عن الأمن في الجزائر، في عام (1352هـ= 1933م) تعليمات مشددةبمراقبة العلماء مراقبة دقيقة، وحرّم على غير المصرح لهم من قبل الإدارة الفرنسيةباعتلاء منابر المساجد، ولكي يشرف على تنفيذ هذه الأوامر، عيّن نفسه رئيسًا للمجلسالأعلى للشئون الإسلامية.
ولكي ندرك أهمية ما قام به ابن باديس ورفاقه منالعلماء الغيورين، يجب أن نعلم أن فرنسا منذ أن وطأت قدماها الجزائر سنة (1246 هـ= 1830م) عملت على القضاء على منابع الثقافة الإسلامية بها، فأغلقت نحوا من ألف مدرسةابتدائية وثانوية وعالية، كانت تضم مائة وخمسين ألف طالب أو يزيدون، ووضعت قيودًامهنية على فتح المدارس، التي قصرتها على حفظ القرآن لا غير، مع عدم التعرض لتفسيرآيات القرآن، وبخاصة الآيات التي تدعو إلى التحرر، وتنادي بمقاومة الظلموالاستبداد، وعدم دراسة تاريخ الجزائر، والتاريخ العربي الإسلامي، والأدب العربي،وتحريم دراسة المواد العلمية والرياضية.
إسهامات ابن باديسالسياسية
لم يكن ابن باديس مصلحًا فحسب، بل كان مجاهدًا سياسيًا، مجاهرًابعدم شرعية الاحتلال الفرنسي، وأنه حكم استبدادي غير إنساني، يتناقض مع ما تزعمه منأن الجزائر فرنسية، وأحيا فكرة الوطن الجزائري بعد أن ظنّ كثيرون أن فرنسا نجحت فيجعل الجزائر مقاطعة فرنسية، ودخل في معركة مع الحاكم الفرنسي سنة (1352هـ= 1933م) واتهمه بالتدخل في الشئون الدينية للجزائر على نحو مخالف للدين والقانون الفرنسي،وأفشل فكرة اندماج الجزائر في فرنسا التي خُدع بها كثير من الجزائريين سنة (1353هـ= 1936م).
ودعا نواب الأمة الجزائريين إلى قطع حبال الأمل في الاتفاق معالاستعمار، وضرورة الثقة بالنفس، وخاطبهم بقوله: "حرام على عزتنا القومية وشرفناالإسلامي أن نبقى نترامى على أبواب أمة ترى –أو ترى أكثريتها- ذلك كثيرا علينا…! ويسمعنا كثير منها في شخصيتنا الإسلامية ما يمس كرامتنا"، وأعلن رفضه مساعدة فرنسافي الحرب العالمية الثانية.
وكانت الصحف التي يصدرها أو يشارك في الكتابةبها من أهم وسائله في نشر أفكاره الإصلاحية، فأصدر جريدة "المنتقد" سنة (1345 هـ= 1926م) وتولى رئاستها بنفسه، لكن المحتل عطّلها؛ فأصدر جريدة "الشهاب" واستمرت فيالصدور حتى سنة (1358هـ= 1939م) واشترك في تحرير الصحف التي كانت تصدرها جمعيةالعلماء المسلمين الجزائريين، مثل "السنة" و"الصراط" و"البصائر".
وظل هذاالمصلح -رغم مشاركته في السياسة- يواصل رسالته الأولى التي لم تشغله عنها صوارفالحياة، أو مكائد خصومه من بعض الصوفية أذيال المستعمر، أو مؤامرات فرنسا وحربهالرسالته، وبقي تعليم الأمة هو غايته الحقيقية، وإحياء الروح الإسلامية هو هدفهالسامق، وبث الأخلاق الإسلامية هو شغله الشاغل، وقد أتت دعوته ثمارها، فتحررتالجزائر من براثن الاحتلال الفرنسي، وإن ظلت تعاني من آثاره.
وقد جمع "عمارالطالبي" آثار ابن باديس، ونشرها في أربعة مجلدات، ونشرها في الجزائر سنة (1388هـ= 1968م).
وتوفي ابن باديس في (8 من ربيع الأول 1359 هـ= 16 من إبريل 1940م).
هوامش ومصادر:
* عمار الطالبي ـ ابن باديس حياته وآثاره ـالجزائر ـ 1388 هـ= 1968م.
* محمود قاسم ـ الإمام عبد الحميد بن باديس: الزعيمالروحي لحرب التحرير الجزائرية ـ دار المعارف ـ القاهرة ـ 1979م.
* محمد فتحيعثمان ـ عبد الحميد بن باديس: رائد الحركة الإسلامية في الجزائر المعاصرة ـ دارالقلم ـ الكويت ـ 1407هـ= 1987م.
* أنور الجندي ـ الفكر والثقافة المعاصرة فيشمال إفريقيا ـ الدار القومية للطباعة والنشر ـ القاهرة ـ 1385هـ= 1965م.
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
عبد الحميد بن باديس(4 1889م: 1940م)
(سيرة عالم شُغل ببناء الإنسان عن تأليف الكتب)سيد يوسف
تمهيد
إن رجلا يقول عن أمته "إن الأمة الجزائرية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا لو أرادت، بل هي أمة بعيدة عن فرنسا كل البعد...، في لغتها، وفي أخلاقها، وعنصرها، وفي دينها، لا تريد أن تندمج ولها وطن معين هو الوطن الجزائري"...لهو رجل يقظ عقله نقية سريرته... بسيرته تنهض الأمة...فمن يا ترى يكون عبد الحميد بن باديس؟
قبس من نشأته
هو عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس ولد فى مدينة قسطنطينة في (11من ربيع الآخر 1307هـ = 4 من ديسمبر 1889م)، ونشأ في أسرة كريمة ذات عراقة وثراء ودين، فأبوه كان حافظًا للقرآن، ويُعد من أعيان المدينة، وعُرف بدفاعه عن حقوق المسلمين في الجزائر، وينتمي إلى أسرة مشهورة في الشمال الإفريقي اشتهر من رجالها "المعز بن باديس" (398-454هـ = 1008- 1062م)، الذي انفصل بالدولة الصنهاجية عن الدولة الفاطمية، وأعلن مذهب أهل السنة والجماعة مذهبًا للدولة.
حفظ القرآن وهو في الثالثة عشرة من عمره، ثم انتقل إلى العالم الكبير "حمدان الونيسي" بجامع سيدي محمد النجار، وتلقى منه العلوم العربية والإسلامية، وكان لهذا العالم أثر ايجابي فى نفس صاحبنا...ودلالة ذلك أن أراد ابن باديس الهجرة إلى المدينة المنورة ليلحق بشيخه هناك لكن والده منعه من ذلك لصغر سنه، وبعث به إلى تونس لاستكمال دراسته في جامع الزيتونة، وكانت منارة العلم في الشمال الإفريقي، وتلقى العلم في الزيتونة على جماعة من كبار العلماء البارزين، فلازم العلامة محمد الطاهر بن عاشور، وأخذ عنه الأدب، وكان له تأثير كبير عليه عبر عنه ابن باديس بقوله: "بث فيّ روحًا جديدة في فهم المنظوم والمنثور، وأحيت مني الشعور بعز العروبة والاعتزاز بها، كما أعتز بالإسلام".
أساتذته
تأثر ابن باديس بمجموعة من العلماء كان منهم
* حمدان الونيسى حيث تلقى منه العلوم الإسلامية كما مر بنا.
* محمد الطاهر بن عاشور حيث تلقى منه علوم اللغة والأدب.
* محمد النخلي القيرواني حيث تلقى منه دروسا فى ما يحيى القلوب من رقائق.
* البشير صعز"، حيث تلقى منه دروسا فى التاريخ.
* حسين أحمد المدني" عالم الهند الكبير الذى نصحه بخدمة الإسلام فى الجزائر لأنه فى حاجة إلى أمثاله.
* البشير الإبراهيمي" وهو رفيق دربه في الذَّود عن الإسلام واللغة العربية في الجزائر.
* محمد نجيب المطيعي حيث التقاه ونهل منه بعض الحكمة.
*والشيخ أبو الفضل الجيزاوي التقاه.
من بعض جهوده
* حين عاد إلى الجزائر عزم على بعث نهضة علمية جديدة، فألقى دروسه في الجامع الكبير بقسطنطينة وفي الجامع الأخضر، وعاد بالناس المحرومين إلى رياض القرآن الوارفة الظلال حيث ألقى دروسه في تفسير القرآن بالجامع الأخضر، فاستمع إليه المئات، وجذبهم حديثه العذب، ونظراته الدقيقة، وفكره المتّقد، واتخذ ابن باديس من هذا المسجد مدرسةً لتكوين القادة وإعداد النخبة التي حملت مشعل الإصلاح، وأخذت بيد الأمة إلى الطريق المستقيم، وكان يبدأ دروسه بعد صلاة الفجر، ويقضي نهاره معلمًا الأطفال الدينَ وعلوم العربية حتى بعد صلاة العشاء، ثم يستأنف دروسَه في تفسير القرآن الكريم من التاسعة مساءً حتَّى منتصف الليل للكبار، وداعيًا إياهم إلى الالتزام بالدين وتغيير ما بأنفسهم حتى يغير الله ما بهم.
* قاوم ابن باديس بعض أصحاب الطرق الصوفية في الجزائر الذين اتخذهم الاستعمار الفرنسي وسيلةً للسيطرة على عقول الشعب الجزائري، ووصفهم بأنهم ابتدعوا أعمالاً وعقائد من عند أنفسهم، معتقدين أنهم يتقربون بها إلى الله.
* أتم تفسير القران فى دروسه على حلقات متصلة استمرت خمس وعشرين سنة، واحتفلت الجزائر بختمه احتفالاً قوميًا في قسطنطينة في (13 من ربيع الآخر 1357هـ = 12 من يونيو 1938م).
* أنشأ مكتب كان نواةً للتعليم الابتدائي فوق مسجد سيدي بومعزة، ثم انتقل إلى مبنى الجمعية الخيرية الإسلامية التي تأسست سنة (1336هـ = 1917م)، ثم تطوَّر هذا المكتب إلى مدرسةٍ عصريةٍ كبيرةٍ تتسع لأعداد كبيرة من الأطفال.
* أسس جمعية التربية والتعليم الإسلامية في سنة (1349هـ =1931م ؛ بهدف نشر الأخلاق الفاضلة والمعارف الدينية والعربية، والصنائع والحرف اليدوية، واستعان في سبيل تحقيق ذلك بإنشاء:
** مدرسة للتعليم.
** وملجأٍ للأيتام.
** ونادٍ للمحاضرات.
** ومصنع لتعليم الحرف.
و قد انشأ عبد الحميد بمساعي الجمعية تلك 170 مدرسة بالإضافة إلى كتاتيب انتشرت في كل مكان و التي اخذ الفرنسيون بمحاربتها من كل اتجاه، وكانت الجمعية ترسل النابغين من طلابها الذين واصلوا التعليم لاستكمال دراستهم في بعض جامعات الدول الإسلامية، كما كانت الجمعية تُعفى البنات من مصروفات التعليم، ويتعلَّمن بالمجَّان، تشجيعا لهن على التعليم. أما البَنون فلا يُعفى منهم إلا غير القادرين.
* أنشأ لجنةً من أعضاء جمعية التربية والتعليم تُعنى بالطلبة، وتساعد المحتاجين منهم من الصندوق المالي المخصص لهذه المهمة، وكان يموَّل من تبرعات الأسخياء والمحسنين الذين شجعتهم أعمال الشيخ وجهوده التعليمية على التبرع لرعاية الطلاب.
* أصدر جريدة المنتقد سنة (1345هـ = 1925م) ورأس تحريرها، لكن المحتل عطلها، فأصدر جريدة الشهاب في السنة نفسها، وعمد "ابن باديس" إلى استغلالها في توسيع دائرة نشاطه التعليمي، ليشمل أكبر عدد ممكن من الناس، فخصص افتتاحياتها لنشر مختارات من دروسه في التفسير والحديث، تحت عنوان: "مجالس التذكير"، واستمرت الشهاب في الصدور حتى سنة (1358هـ = 1939م).
* ودعا إلى عقد مؤتمر إسلامي في الجزائر سنة (1355هـ = 1936م)؛ للحيلولة دون تنفيذ مؤامرة إدماج الشعب الجزائري المسلم في الأمة الفرنسية المسيحية، التي كان ينادي بها بعض نواب الأمة الجزائريين، ورجال السياسة الموالين لفرنسا، ونجح "ابن باديس" ورفاقه في القضاء على هذه الفكرة الخبيثة، وإفشال فكرة الاندماج مع فرنسا التي خُدع بها بعض الجزائريين.
ابن باديس مجاهدا الاستعمار
أثمرت جهود ابن باديس فى إنشاء جمعية العلماء المسلمين في سنة (1350هـ = 1931م)، وجعلت شعارها "الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا"، وانتخب العلماء الشيخ "عبد الحميد بن باديس" رئيسًا للجمعية، وأدركت الجمعية أهمية التربية والتعليم في تحقيق أهدافها والمحافظة على كيان الأمة في مواجهة جهود مستميتة من المستعمر الفرنسي للقضاء على الهوية الإسلامية؛ ولهذا اهتمت بإنشاء المدارس التي تُعنى بالمناهج العربية الإسلامية، وحثت الأمة على إرسال أبنائها إلى مدارسها؛ بهدف تعليم أكبر عدد ممكن من أبناء الأمة تعليمًا صحيحًا.
ووجهت عنايتها إلى التعليم في المساجد، فكما لا مسجد دون صلاة، فكذلك لا مسجد دون تعليم؛ ولذا وضعت الجمعية برامج واسعةً لنشر التعليم الديني والثقافة العربية للصغار والمبتدئين، واستكمال ثقافة من درسوا باللسان الفرنسي، كما عنيت بإرسال الوعاظ إلى القرى لنشر الوعي الإسلامي بينهم...وقد نجحت جهودهم أيما نجاح رغم أن الاستعمار الفرنسى قد أغلق نحوًا من ألف مدرسة ابتدائية وثانوية وعالية، كانت تضم نحو مائة وخمسين ألف طالب، ووضعت قيودًا على فتح المدارس.
من مواقفه مع الاستعمار الفرنسي
* عندما سافر وفد يمثل المؤتمر الإسلامي الجزائري إلى باريس قابلهم ولادييه مدير الشؤون الجزائرية في الحكومة الفرنسية و الذي هدد أعضاء الوفد بقوله : "أن لدى فرنسا مدافع طويل فى 18 يونيو 1936م " فتصدى له بن باديس بكل شجاعة و قوة و قال: " أن لدينا مدافع أطول" !
* صادف 1937 عام احتفالهم بمرور قرن على احتلالهم قسطنطينة و أرادوا إشراك الأهالي به لكن بن باديس أصدر منشور 28 ديسمبر باسمه يطلب فيه من الأهالي مقاطعة هذا الاحتفال فاستجاب له الشعب و خاب أمل الفرنسيين.
من أقواله
كان ينشد الشعر إلى شعبه ليغرس بهم بذرة الوطنية و العروبة فيقول :
شعـــــــب الجزائر مسلم و إلى العــــــروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله أو قال مــــات فقد كذب
يا نشـــــــئ أنت رجاؤنا و بك الصـباح قد اقترب
آثار ابن باديس
انشغل ابن باديس ببناء الإنسان وإنقاذ الأجيال التي ولدت في أحضان الاستعمار عن تأليف الكتب، ومعظم إنتاجه الفكري مقالات ودروس ألقاها في المساجد والمدارس، سلُم لنا بعضها وفُقد معظمها الآخر، وقد جُمع كثير من آثاره بعد وفاته، منها:
- تفسير ابن باديس.
- مجالس التذكير من حديث البشير النذير، طبعته وزارة الشئون الدينية بالجزائر (1403هـ= 1983م).
- العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
- رجال السلف ونساؤه، وهي مجموعة من المقالات ترجم فيها "ابن باديس" لبعض الصحابة.
-وقد جمع "عمار الطالبي" معظم آثار "ابن باديس" ونشرها في الجزائر في أربعة مجلدات سنة (1388هـ = 1968م).
وفاة ابن باديس
في أيامه الأخيرة مرض مرضًا شديدًا فوافته المنية، في (8 من ربيع الأول 1359هـ = 1940م) عن واحد وخمسين عامًا.
فى النهاية
كانت هذى سيرة رجل انشغل ببناء أفراد يخدمون قضية الحق والخير ولربما طواه النسيان قليلا ولكن...أبدا لن يمحى من ذاكرة الأمة ففى بنيها من يحيون دراسة تلك القمم بفهم وعلم وبصيرة راشدة عساهم يفيدون الإسلام والمسلمين.
سيد يوسف
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
بارك الله فيك .....................
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
من الاحسن رؤى انفال ام دكتور قلوا الحق ولو كان مرا
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
السلام عليكم:
رحم الله الإمام بن باديس، من أحسن صفاته أن كان أمة وحده و وعى جيدا مفهوم العمل الجماعي بمعناه الحقيقي و هو جمع أعمال الأفراد لا تقسيم عمل الفرد على الجماعة كما هو سائد اليوم، فكل من كانوا حوله من الرجال كانوا أمما بمفردهم. و هو مرجعية ينبغي الاستناد إليها بدل استيرادنا لمرجعيات مشرقية. و الله أعلم.
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :
ارجوكم انا عضو جديد علموني كيف اشارك في المنتدى