عنوان الموضوع : معركة بوكحيل للجزائر
مقدم من طرف منتديات العندليب
هي معركة تزامنت مع إجراء المفاوضات بين الحكومة المؤقتة والجانب الفرنسي، معركة أفشلت كل محاولات فرنسا لفصل منطقة الصحراء عن باقي الوطن وبرهنت و بقوة على شمولية الثورة وعدم التفريط في أي شبر من التراب الوطني، معركة ذاع صيتها في الداخل وفي الخارج وكتبت عنها صحف أجنبية شاهدة على تلك المقاومة الباسلة لدحر الاستعمار والرافضة لأي مساومة على صحراء الجزائر، معركة رغم أهميتها لا يعرف عنها الكثيرون من أبناء هذه المنطقة و لهذا حاولنا تسليط الضوء عليها لتُخلّد ذكراها لأجيالنا على مرّ السنين.
لا لفصل الصحراء عن المفاوضات .. هذا ما برهنت عليه المعركة
إن معركة الكرمة و الجريبيع نشبت في ظروف خاصة و صعبة كانت تعيشها الجزائر عموما و المناطق الصحراوية بشكل خاص، فالاستعمار قد دعَّم المنطقة بقوات ضخمة شنَّت حملات واسعة النطاق من أجل القضاء على الثورة في هذه الجهة لعزلها عن المناطق الأخرى في الوطن، إلى جانب تكثيف الدعايات المضللة في الوقت الذي بلغت فيه المفاوضات الجزائرية الفرنسية مرحلة هامة و خاصة فيما يتعلق بوضعية الصحراء و مصير الثروات الموجودة فيها بهدف التأثير على المفاوضات.
ولكنّ بتضافر جهود الخيّرين من أبناء منطقة الصحراء و القوى العاملة في القاعدة و جيش التحرير و عمل الجميع في نسق تامّ و متكامل، وبالحرص على تدعيم النضال في الجنوب الصحراوي ضدَّ جحافل قوى الاستعمار وإبطال إدعاءاته و إفشال مخططاته التي كانت تزعم بأن الصحراء لا يمكن أن تصلها الثورة أو يوجد بها نظام ثوري، و هو ما يرمي إلى فصل الصحراء عن باقي التراب الوطني، أي انها خارج نطاق المفاوضات، لكنّ المعارك التي جرت هناك و الاشتباكات و الكمائن و العمليات الفدائية و الشهداء الذين وقعوا في سبيل وحدة الصف و إعلاء كلمة الحق و بخضوع الاستعمار الفرنسي و اعترافه في النهاية بأن الصحراء جزء لا يتجزأ من التراب الوطني إنما هو في الحقيقة ثمرة الكفاح الطويل الذي خاضه أبطال جيش التحرير ضد المستعمر و معركة "الكرمة و الجريبيع" كمثال حي على ذلك.
إجتماع وحَّد الجهود .. بوقفة رجل حرب و مقاوم
إن الاجتماع الذي وقعّت على إثره معركة "الكرمة و الجريبيع" كان يضّم قيادات الولاية بأكملها و قد ترأسه العقيد "محمد شعباني" قائد الولاية السادسة و عدد كبير من الإطارات و المجاهدين بـ 62 مجاهد من الناحية الأولى مقسمين الى كتيبتين و 250 مجاهدا من الناحية الثانية مقسمين الى أربع كتائب بالإضافة إلى 20 مجاهدا من الناحية الثالثة و 10 مجاهدين من المنطقة الثالثة و 30 مجاهدا من الولاية السادسة أي ما يقدر بحوالي 400 مجاهد.
واجتماع كبير مثل هذا لابد و أن يلفت أنظار المستعمر الذي يراقب بوسائله الخاصة تحركات جيش التحرير الوطني لاسيما في الجهات التي تطل على الصحراء و هو الذي يخشى عقد اجتماعات من هذا النوع و يسعى الى الحيلولة دون التخطيط لهكذا اجتماعات لعزل القسمات و النواحي و المناطق عن بعضها البعض و قطع الاتصالات بين الشعب و جيش جبهة التحرير لأنه يعرف نتائجها الوخيمة على خططه و مؤامراته.
وبالفعل أسفر هذا الاجتماع الكبير على نتائج باهرة و صدرت قرارات مهمة في جلّ المجالات العسكرية و السياسية و الإعلامية نذكر من بينها تدعيم الكفاح في المناطق الصحراوية بالأسلوب الذي يناسب طبيعة الأرض و معطيات الجهة، شن هجومات واسعة النطاق و القيام بحملة توعية واسعة في أوساط الجماهير و خاصة في المناطق الصحراوية حول النوايا الخبيثة للاستعمار فيما يخص الصحراء و ثرواتها ...
معركة بوكحيل (معركة الـ 48 ساعة)
دارت فصولها في موقعي "الكرمة " و"جريبيع " حضرتها قيادة الولاية التاريخية السادسة بأكملها يرأسها العقيد معمد شعباني قائد الولاية بجيش قوامه 372 جنديا ضد قوات العدو الأكثر من 1200 عسكري مدعمة بأسراب الطائرات والمدفعية الثقيلة خلال يومي 17 و 18 سبتمبر بجبل بوكحيل...
للمعركة ثلاثة أسباب :
أولها: الاجتماع الموسع لقيادة الولاية بالمنطقة الثالثة بهدف تقديم التوجيهات وتوزيع الترقيات، ترأس الاجتماع العقيد محمد شعباني وحضرة على الخصوص: عمر صخري قائد المنطقة الرابعة، سليماني سليمان قائد المنطقة الثانية، مخلوف بن قسيم قائد المنطقة الثالثة، و محمد شبشوب ملحق بقيادة الولاية...
ثانيا :انضمام ثلاثة من المجندين في الجيش الفرنسي من مركز مسعد بتاريخ 12 أوت 1961 محملين ببعض الأسلحة والذخيرة مما أثار غضب السلطات الاستعمارية بالمنطقة...
ثالثها : ما عرفته منطقة بوكحيل من معارك سابقة ونشاط عسكري لاقى فيه العدو هزائم نكراء فأرادها العدو معركة انتقام .
موقع المعركة :
جرت أحداث المعركة في موقعين هما ( الكرمة ) و( جريبيع) وهما عبارة عن جبال صخرية ترابية تتخللها شعاب عميقة وتتدفق منها مياه عذبة ومغطيان بنباتات الحلفاء وبعض أشجار العرعار، ويعتبر الموقعان من الأماكن الإستراتيجية المحصنة والمفضلة للقتال لدى المجاهدين ، وكلا الموقعين في الوجه الجنوبي لجبل بوكحيل غير أن موقع جريبيع أكثر إستراتيجية وحصانة من الكرمة .
أما من جهة التقسيم الإداري الثوري :
الكرمة في قسمة 57 الناحية 2 المنطقة 3 الولاية 6.
جريبيع في قسمة 56 الناحية 2 المنطقة 3 الولاية 6 .
وهما في التقسيم الإداري الحالي بتراب بلدية عمورة دائرة فيض البطمة ولاية الجلفة ( حوالي 110 إلى 115 كم جنوب مقر الولاية ).
تشكيلة جيش التحرير الوطني التي قادت المعركة :
قائد المعركة : قائد الولاية العقيد محمد شعباني .
- شارك فيها من الناحية الأولى من المنطقة الثالثة: 12 مجاهد من كتيبة قسمة 53 بقيادة العريف الأول العسكري بلقاسم مستاوي، و 50 مجاهدا من كتيبة قسمة 54 بقيادة المساعد عبد الجبار بن المداني .
- شارك من الناحية الثانية من المنطقة الثالثة : 70 مجاهدا من كتيبة قسمة 55 بقيادة المساعد محمد كحلة، و 60 مجاهدا من كتيبة قسمة 56 بقيادة المساعد على قوجيل، و 70 مجاهدا من كتيبة قسمة 57 بقياد المساعد لخذاري زيان، و 50 مجاهد من كتيبة قسمة 58 بقيادة المساعد محمد الهادي عبد السلام .
- شارك من مركز الناحية الثانية من المنطقة الثالثة 20 مجاهدا بقيادة الضابط على الشريف، و ومن مركز قيادة المنطقة الثانية 10 مجاهدين بقيادة الضابط الشهيد البطل مخلوف بن قسيم والملازم الاول بوجمعة قرمة والملازم ثامر بشيري. ومن مركز قيادة الولاية 30 مجاهدا على رأسهم العقيد محمد شعباني والضابط الصادق شبشوب من الولاية الأولى (أوراس النمامشة ) رفقة زوجته وكانا ضيفين على الولاية السادسة...
الاستعدادات للمعركة
عندما يختار جيش التحرير مواقع التمركز والاجتماعات يكون قد احتاط مسبقا لحصانة المواقع وهيأ الظروف المواتية لأي طارئ ومن جملة هذه الظروف :
الموقع الخاص لكل كتيبة مع تحديد الوجهة التي ستقابل منها العدو .
الموقع الخاص لكل فرد من هذه الكتيبة وهو الأخدود.
يخضع توزيع المجاهدين إلى عوامل بحسب الأفراد والسلاح حيث يقدم لحاملي السلاح الثقيل الرشاش مواقع إستراتيجية دفاعية خصوصا .
التزود بالمؤونة لان كل جندي ملزم ببقائه طوال يوم المعركة في أخدوده لا يغادره مهما كان السبب إلا بأمر من قائده وعليه أخذ مؤونة يومه غذاء وماء وذخيرة كافية ...
أحداث اليوم الأول من المعركة 17 سبتمبر 1961:
في مساء 16 سبتمبر 1961 وبينما قيادة الولاية السادسة تحضر جانبا من تدريبات الكتائب المكونة للجيش فإذا بسرب من الطائرات الاستكشافية تعبر سماء الموقع وبحكم أن الموقع كان عاريا تماما فقد تم اكتشافه وتم إعلام قيادة العدو فوراً. أما قيادة الولاية فقد أسرعت في اتخاذ الأوامر الفورية تحسبا لأي طارئ حيث تم مباشرة تحديد المواقع وتوزيع الكتائب عليها، وفي حدود منتصف الليل علمت القيادة من دورية الحراسة بأن أضواء شاحنات وسيارات متعددة منبعثة وفي طريقها إلى الموقع لكنها لا تزال عند السفوح البعيدة للجبل. وفي ظرف وجيز تم استعداد جيش الولاية وبقي في مواقعه بالأخاديد...
ومما ورد بعد ذلك عن هذه الحشود العسكرية أنها كانت قادمة من مدينة الأغواط التي كانت بها أكبر ثكنة عسكرية لـ"اللفيف الأجنبي" . وكذلك من مدن : أولاد جلال، الجلفة، بسكرة، مسعد، عين الملح، فيض البطمة، بوسعادة و تقرت، وكان قوامها من حيث الأفراد في اليوم الأول 1200 عسكري .
وفي حدود الساعة السابعة صباحا يوم 17 سبتمبر 1961، كان موقع " الكرمة " مكان تمركز جيش الولاية مطوقا ومحاصرا من قبل قوات العدو، و أول عمل شرعت فيه هذه القوات هو تحليق الطائرات الكاشفة مدة في سماء جيش التحرير، تم تلتها مباشرة الطائرات القاذفة والمقنبلة حيث قصفت بوحشية المواقع مدة ساعة تقريبا دون انقطاع...وقد كانت تحلق أسراباً أسراباً، حيث يضم السرب الواحد بين 9 و 12 طائرة .
و قد علم من مصالح الرصد التابعة للثورة أن هذه الأسراب تنطلق من القواعد التالية، وتعود إليها ذهابا و إيابا : عين وسارة، تلاغمة، الاغواط و الجلفة...أما طائرات الهيلوكوبتر فكانت من عين الديس بوسعادة...
وقد قدر عدد الطائرات التي شاركت في المعركة بنحو 40 طائرة بأنواعها المختلفة : منها ب 26 ، ب 29 ، ت س ، و الطائرات الصفراء ( كما يسميها المجاهدون)، إضافة إلى طائرات الهيليكوبتر بأنواعها. وكانت بذلك سماء المعركة مغطاة بالطائرات طوال اليوم.
أما عن القنابل التي استعملت في القصف فهي متعددة الأنواع منها القنابل الكبرى التي تزن بالأطنان والتي إذا سقطت في موقع تترك به حفرة عميقة ينبع بعدها الماء، وكذا قنابل النار المحرقة " قنابل النابالم"، قنابل الغاز المتعفنة ذات الرائحة الكريهة والتي تأتي على الأخضر واليابس و قنابل الروكات . وهذه الأنواع لا يزال حطامها بالموقع يمكن لأي مختص أن يتعرف على أنواعها مشافهة . والوسيلة الوحيدة التي يحمي بها المجاهد نفسه تتمثل في غطاء أو جلابة .
وبعد مدة من القصف المكثف جاء دور المدفعية الثقيلة (لارتيري) والدبابات لتدك المواقع بالقصف وخاصة من الناحية الجنوبية من جهة سفع الجبل ، والمدفعية من نوع هاون 60 و 80 ، شرعت بدورها في القصف الجنوني عدة ساعات دون انقطاع،
أما الدبابات التي كانت أثناء هذه القصف تزحف نحو الموقع، حيث كان عددها حوالي 150 دبابة مختلفة الأنواع ترافقها الحشود القوية للعدو من مشاة وفرق خاصة من اللفيف الأجنبي مدعمة بالمدافع الثقيلة ، وضاقت حدود موقع جيش التحرير وطوقت بشدة ومع ذلك لم تنطلق منه أية رصاصة، لأن إستراتيجية القتال التي حددها القادة العسكريين للمعركة تقتضي إطلاق النار عند اقتراب مشاة العدو وفرقه إلى أماكن قريبة يراقبها أفراد جيش التحرير لينزلوا بهم الضربة القاضية... وبالفعل كانت ضربات قاضية تلقتها كل الفرق التي اقتربت من مواقع الجيش خصوصا من الناحية الغربية أين توجد كتبية المساعد "علي قوجيل" التي فتحت نيرانها بقوة وبسرعة على الواجهة الأمامية للعدو واضطرتها إلى الرجوع هلوعة فاستقبلها ضباطها بالهراوة والسياط دافعين بها إلى موقع المعركة .
واستمرت المعركة طوال اليوم على هذا المنوال قصف وهجوم بالعساكر والدبابات وهي طريقة العدو دائما في معارك بهذا القدر. و أما المجاهدون فقد عززوا المواقع الدفاعية بأسلحة ثقيلة رشاشة لمواجهة الطائرات مما يفرض عليها التحليق في علو شاهق .
وعند غروب شمس اليوم الأول هدأت حدة القتال بينما استمر القصف المدفعي المركز لمنطقة العمليات تحت الأضواء الكاشفة ومعه بعض المناوشات المتقطعة، فكان من الطبيعي مع هذا الهدوء النسبي أن يعقد قادة الكتائب اجتماعا مع قائد الولاية ، ويتم بعد تفقد كل قائد لأفراد كتيبته، فحصل الاجتماع مع العقيد شعباني وتم فيه عرض الوضع: شهيدان وهما محمد الهادي عبد السلام قائد كتيبة قسمة 58و إبراهيم قبطان. بالإضافة إلى ثلاثة مجاهدين أصيبوا بجروح خطيرة وهم: بلقاسم مستاوي، أحمد مغازي و الطاهر محجوب .وبعد تقديم قادة الكتائب عروضهم اتخذت قيادة المعركة الإجراءات الفورية بنقل الجرحى وإخراجهم من منطقة العمليات مهما كلف الأمر، توزيع المؤونة والذخيرة مجددا على الجيش، والخروج من هذا المركز والتنقل إلى آخر أكثر حصانة. وكلها مهام صعبة التنفيذ لأن مهمة التسلل إلى الجندي الجريح وغالبا ما يكون في حالة إغماء وتعب وحمله أمام الأضواء الكاشفة ومن بين الدبابات ليس بالأمر الهين. والأمر كذلك بالنسبة لمهمة الخروج من المركز .وبعد التشاور تقرر التسلل من المنطقة الجنوبية من جهة كتيبة لخذاري زيان لكنه حذر القيادة من خطورة الجهة لان الحصار بها مكثف ويتعذر اختراقها وتبين بعد الاستطلاع أنه بالإمكان الانسحاب من الجهة الشمالية للموقع حيث يوجد فراغ أهمله العدو ، فأمر قائد الولاية بالخروج عبره .
وأثناء تسلق المجاهدين وقعت مناوشات واشتباكات عنيفة تحت الأضواء الكاشفة وقصف الطائرات ولما رأى العقيد محمد شعباني أن مواصلة تنفيذ هذه الخطة له ماله من المخاطر قام بعمل حربي ذكي وجريء حيث أطلق قذيفة مضيئة بالألوان أنزلت الرعب والذهول في صفوف العدو وشخصت لها أبصاره ظنا منه أن المجاهدين بصدد استعمال سلاح جديد متطور وقد يظن معها انه احتفال بالنصر مما أضعف معنوياته وشتت صفوفه فانتثرت مبعثرة من الموقع حيث فسحت المجال لكتائب جيش التحرير واجتازت مجال الخطر منقذة جرحاها وذخيرتها ومؤونتها ودوابها، وكل ذلك حدث في حدود الحادية عشر ليلا وواصل الجيش بقيادة العقيد شعباني طريقه ليلا مسرعا متسلقا مرتفعات جبل بوكحيل ومخترقا شعابه في همة وعزم وكانت وجهته مركز"جريبيع " أكثر إستراتيجية وحصانة وتوفرا على الماء والتموين ويبعد عن موقع الكرمة بحوالي 15 إلى 20 كم .فوصله جيش التحرير قبل طلوع الشمس وعلى الفور أخذ كل جندي نصيبه من الذخيرة والمؤونة ودخل أخدوده وكانت الأخاديد محضرة مسبقا من جراء معارك سابقة بهذا المركز، وبينما المجاهدون مستسلمين إلى الراحة في خنادقهم بعد يوم كامل من القتال وليلة من السير السريع ، وفي الوقت الذي خلا فيه جميعهم إلى الراحة ، كان احدهم وهو المجاهد "مونس احمد " رامي الرشاشة 30 المان نائما عند فتحة خندقه لم يدخله قد غلبه النعاس والتعب الشديدين فنام خارج الخندق .
أحداث اليوم الثاني من المعركة 18 سبتمبر 1961
كان الشهيد "أحمد مونس " حامل الرشاش الثقيل والذي نام خارج خندقه بسبب التعب والنعاس سببا في اكتشاف موقع المجاهدين من قبل طائرتين كاشفتين كانتا تحلقان بتركيز فوق الموقع على الساعة السادسة ونصف من صباح 18 سبتمبر 1961 وعلى الفور من اكتشاف المجاهد المستلقي خارج الخندق أطلقتا النار عليه ما فاستشهد ومعه المجاهدان " شريف قرماط "والبشير محداد" اللذان كان خندقاهما بجواره . وبالطبع أسرعت الطائرتان لإعلام قوات العدو .
حشد العدو قواته تجاه موقع جريبيع بقوة أكثر من اليوم الأول بتعداد 1400 عسكريا معززة بالمدرعات والسيارات المصفحة ومدفعية الميدان الثقيلة تحت حماية أسراب الطائرات بأنواعها لغرض محاصرة الموقع من جميع النواحي ودكه .
ولأن العدو تلقى درسا في اليوم الأول من المعركة، فقد ركز جهوده بقوة هذه المرة معتمداً على الطائرات المقاتلة ومدفعية الميدان الثقيلة والمدرعات ، حيث أمطر مركز المجاهدين بوابل من القذائف المختلفة والقنابل المتواصلة إلى غاية الساعة التاسعة، إذ استأنف القتال مع القوات البرية التي كانت دائما تسير تحت هراوات الإرغام والسياط من قبل ضباطها ووقع قتال بري رهيب بين الطرفين، وتراءت أعمدة الدخان من مسافات بعيدة، والجدير بالذكر أن زوجة الضابط الصادق شبشوب قد أبلت في المعركة مظهرة شجاعة فائقة من أخدودها مقدمة صورة عن كفاح المرأة الجزائرية .
اشتدت حدة المعركة وزاد لهيبها ولم تنل قوة العدو ولا وسائله الحربية من عزيمة وثبات المجاهدين فقد رسموا في جبل بوكحيل الأشم لوحة رائعة في القتال يعجز الوصف عن إبرازها.
ومن أغرب ما حدث في هذا اليوم أنه لما تتقدم أية فرقة من مشاة العدو وتكتسحها رشاشات المجاهدين فتفر مؤخرات هذه الفرق مولية الأدبار هاربة . ولم تجدي معها الهراوات ولا السياط ، مما أثار غضب قادتها فأعطوا الإشارة إلى الطائرات المقنبلة لتمطرهم بوابل من القنابل، وقد شاهد المجاهدون بأم أعينهم ومن مواقعهم وباستغراب الطائرات وهي تصب رشاشاتها وقذائفها على وحداتها التي انهارت معنوياتها، فأبادت الكثير منها والأمر طبيعي لأن هذه القوات ليست فرنسية اصلا ولكنها من المرتزقة الأفارقة ...
واستمرت المعركة على هاته الحال والعدو ورغم وجوده في دور المحاصِر إلا أن معنوياته كانت منهارة وقواته مبعثرة بين الكرّ والفرّ وكانت من حين إلى حين تتعالى أصوات المجاهدين بالتكبير رافعة لمعنويات بعضها البعض ومضعفة لمعنويات العدو. إلى غاية حلول الظلام حيث هدأت حدة القتال بينما استمر القذف المدفعي تحت الأضواء الكاشفة ، وكان من الطبيعي أن يجتمع قادة الكتائب مجددا بقائدهم لعرض وقائع ونتائج اليوم الثاني .
وكان الشغل الشاغل في هذا الاجتماع كيفية الخروج من دائرة الحصار المفروض، في الوقت الذي أرسلوا فيه سرية لاستطلاع الوضع الطبيعي والعسكري للحاجز الترابي الذي رأوا انه المنفذ الذي ستمر عبره الكتائب . وكانت نتيجة الاستطلاع إيجابية إذ يمكن تسلق الحاجز وهو خال من وجود العدو عندها قررت القيادة الشروع في الاستعداد لعملية التسلق بعد أن أمرت بدفن شهداء اليوم الثاني وعددهم سبعة وأوصت بالاعتناء بالمصابين، فنقلوا على ظهور زملائهم إلى مكان آمن يبعد حوالي 1 كلم عن المركز وغطوا بالحلفاء والعرعار على أن تعود إليهم سرية بعد وقت قريب...
وقد تم تقسيم الكتائب إلى أفواج صغيرة لضمان سلامتهم وتفاديا لحدوث المواجهة مع العدو. بعد مغادرة الجنود لخنادقهم من جهة ولنقص الذخيرة الحربية والمؤونة من جهة أخرى ...
وبالفعل شرع في تنفيذ خطة الانتقال بحيلة حربية من إبداع الضابط الاول العسكري قائد المنطقة الشهيد مخلوف بن قسيم ، حيث اقترح تسريح البغال التي كان جيش التحرير ينقل عليها المؤونة ودفعها تسير عبر الوادي منحدرة ومحدثة ضجيجا يعتقد العدو من حركتها أنها أفراد المجاهدين فينشغل بها ويغفل عن حركة المجاهدين وتم ذلك فعلا ففي الوقت الذي كانت فيه البغال تتلقى وابلا من نار الرشاشات كانت أفواج المجاهدين تتسلق الممر الصخري الترابي حيث اجتازته سالمة غانمة منتصرة...
معركة بوكحيل نتائج، معالم وأصداء .
من جهة المجاهدين : شهيدان في اليوم الأول، و سبعة شهداء في اليوم الثاني، بالإضافة إلى سبعة جرحى خلال اليومين...
من جهة العدو : 400 قتيل في اليوم الأول ، و 300 قتيل في اليوم الثاني ومن المصادر من تذكر 500 قتيل، ومثلها من الجرحى في اليومين...
- إسقاط طائرات : أسقط المجاهدون في هذه المعركة ثلاث طائرات: واحدة من نوع ت 6، واثنتين من نوع ب 29 .
- الغنائم : عدة بنادق من نوع خماسي ألمان، بنادق خماسي أمريكان، 7 رشاشات ثقيلة 24 و 30 أمريكان، رشاش ألمان، رشاش ماط 49، بنادق 86 عشاري انجليزي ، قنابل نار، قنابل متفجرة...
النتائج الرئيسية والثمينة بعد المعركة :
اثبت جيش التحرير قدرته على المواجهة العسكرية مهما كان حجمها، و فندت هذه المعركة مزاعم المستعمر بأن سكان الصحراء بعيدون عن الثورة و أحبطت مشروع فصل الشمال عن الجنوب، فيما اعترف المستعمر أن الصحراء جزء من الجزائر وهذا من ثمار الثورة التي حققتها وحداتها المنتشرة في الصحراء .
أصداء و معالم ميّزت معركة بوكحيل :
لقد تركت هذه المعركة في نفسية المستعمر قلقا شديدا حيث أبقى على قواته أشهرا تجوب جبل بوكحيل متمركزة في كل من الكرمة وجريبيع
ولا يزال بعض أهالي المنطقة يذكر قوافل العدو عائدة من المعركة مهزومة، جزء منها على الطريق الشمالية مرورا ببلدة" فيض البطمة " وجزء منها على الطريق الغربية مرورا ببلدة سلمانة يذكرون منظر شاحناتها العائدة مملوءة بجثث القتلى وهي تقطر دما...
و من معالمها:
- مشاركة قيادة الولاية السادسة بأكملها رفقة قادة مناطقها ونواحيها اعتبرت عمل جريئ يجمع بين الشجاعة والمجازفة، فما مصير الولاية السادسة إن لم يكن النصر حليفها بعد هذه المعركة اللا متكافئة الموازين.
-قتال زوجة الضابط شبشوب قتال يعكس قتال المرأة الجزائرية .
-جرت المعركة في موقعين مختلفين قلما نجد ذلك في باقي المعارك .
-كشفت المعركة لعبة المستعمر القاضية بفصل جنوب الجزائر عن شمالها.
-الذكاء الذي يتمتع به قادة المعركة في طريقة الانسحاب من المواقع: الأضواء في الليلة الأولى ، وتسريح البغال في الليلة الثانية.
-الصبر الإنساني العظيم للمجاهدين مع قلة المؤونة خلال اليومين فأحسن الجنود مؤونه معه حفنة تمر أو جزء من رغيف يابس ومنهم من لا مؤونة له تماما .
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
شكرااااااااااااااااااااااااااااااااااا
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :