عنوان الموضوع : الأمير عبد القادر الجزائري ....رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية من شخصيات الجزائر
مقدم من طرف منتديات العندليب


رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية



الموضوع: الأمير عبد القادر الجزائري ....

الجلفة إنفو / بقلم مسعود مكيد - باحث وأكاديمي جامعي



سيدي الرئيس:

يسرني أن أتقدم إلي جانبكم الكريم بهذه المداخلة التاريخية التي فضلت فيها مُكاتَبتَكِ ببعض الملاحظات التي تؤرقني كمواطن جزائري غيور على تاريخه ورموزه الإنسانية، فموضوع رسالتي يتعلق بشخصية عزيزة علينا ومحببة إلى نفوسنا جميعا والتي أخشى أن يلحقها أو يطالها التشويه في ظل بعض المهاترات التاريخية التي كانت ولا تزال تحوم حول هذه الشخصية العظيمة، ألا وهي شخصية ناصر الدين الأمير عبد القادر بن محي الدين الجزائري، مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة بلا منازع.
لا شك أن الجميع، من جزائريين وغير جزائريين، يعترفون بفضل هذا الرجل الفذ، لكنهم يصرون أحيانا على النيل منه في بعض الجوانب التاريخية التي ظُلم فيها هذا الأمير كثيرا رغم وضوح الحقائق التي لا ينبغي لنا الاعتماد فيها على مصادر غير مصادرنا.
فنحن كجزائريين لا بد أن ننظر إلى هذا الأمير نظرة مختلفة غير تلك التي ينظر إليه بها غيرنا من الشعوب والمؤرخين، خاصة من الأوربيين الذين يعتمدون على أرشيف ومراجعات الاستعمار وقادته، فهؤلاء مهما كانوا حياديين فسيبقى الأمير عبد القادر بالنسبة لهم مجرد شخصية عالمية عادية يمكن الحديث عنها بروح النقد وإن كذبت الروايات.
لقد تردد كثيرا في وسائل الإعلام عن مشاريع درامية تنوي السينما أو التلفزيون تقديمها حول حياة الأمير، هذا الأمر الذي قد يُناط بمخرجين وكتاب سيناريو وفريق عمل كامل، لكن الخوف أن يقع هؤلاء تحت تأثير بعض المغالطات التاريخية أو الوقائع التي ربما تحتاج إلي دراية كافية بمواقف الأمير والدوافع الحقيقية لها.
لعل من أبرز المواقف التي راج حولها جدل كبير أدى إلى تصوير الأيام الأخيرة للأمير في الجزائر قبل مغادرتها وكأنها عملية استسلام أو شبه خيانة من الأمير لقضيته وأمته وهذا للأسف ما ظلت تروجه حتى كتب التاريخ المقررة منها أو العادية والتي اعتمدت في هذا الاعتقاد على مذكرات بعض الجنرالات والقادة والمراسلين الذين رغم إعجابهم بالأمير إلا أنهم وصفوه ببعض الأوصاف التي تدل على أنهم في آخر المطاف يقفون في الضفة الأخرى (ضفة المستعمر الفرنسي) وللأسف جاء بعدهم جيل من المؤرخين وقع في نفس المزالق رغم كل الوقائع المسجلة في الأرشيف والمعروفة عن ظروف وقف مسيرة الجهاد الجزائري واضطرار الأمير إلى مغادرة البلاد بعد أن وجد نفسه وأتباعه في حصار أصبحوا معه مخيرين بين الانتحار أو الخروج.
إنني بعد أن أطلعت على بعض الرسائل التي وجهها الأمير إلى شيوخ القبائل في الجزائر وأيضا إلى تلك المراسلات العديدة التي تمت بينه وبين سلطان المغرب آنذاك وردوده القاسية والمتخاذلة، عرفت بأن الأمير عاش محنة حقيقية كانت أصعب ما تكون على نفسه، خاصة بعد أن شعر بأن الخسارة ستكون كبيرة، فقد وجد الأمير نفسه مضطرا إلى الاختيار بين ترك إمارته ودولته الناشئة أو خوض حرب خاسرة بكل المقاييس قد تؤدي إلى مذبحة كبيرة لعائلته ولكثير من الأسر الكبيرة التي ظلت ترافقه طوال سنوات الجهاد خاصة وأنه وجد نفسه وجها لوجه في مواجهة سلطان شقيق، سَخَرَ نفسه ومملكته لخدمة المستعمر والذي كانت بينه وبين فرنسا معاهدة التزم فيها بعدم تقديم العون لأعداء فرنسا والذين كان الأمير على رأسهم.
لقد صبر الأمير لشهور وهو يحاول فقط أن يجد منفذا إلى الصحراء التي لو عبر إليها لتغير وجه التاريخ في الجزائر كلها، لكن سلطان المغرب ضيق عليه الخناق من جهة الصحراء كما حاصرته فرنسا من الجهات الأخرى فلم يجد الأمير بدا من التناوش مع قوات السلطان طمعا في أن يتغاضى عنه السلطان ويسمح له بالمرور إلى الصحراء دون إراقة الدماء بين طائفتين مسلمتين كما كان الأمير يعتقد، لكن السلطان لم يكن بنفس مبادئ وأخلاق الأمير، فهو يبدو أنه كان مستعدا إلى أي مواجهة بينه وبين الأمير خاصة وأنه كان مدعوما من فرنسا التي كانت تقف وراءه بالمال وكل أنواع الدعم بخلاف الأمير الذي لم يجد أي جهة تدعمه سواء بالمال أو بالرجال، فقد تواطأ أيضا بعض شيوخ القبائل الجزائرية مع السلطان المغربي والمستعمر، وهنا لم يكن أمام الأمير إلا خيار أن يقحم نفسه وجنوده وقادته في معركة شرسة وطاحنة قد تكلفه الكثير والكثير أو أنه يحفظ دماء وأموال وأعراض عشيرته وأتباعه بالخروج من الأرض التي ضاقت به وحاصره فيها الأعداء والأقرباء من كل جهة وهذه هي أخلاق القادة الحقيقيين الذين لا يضحون بكل شيء من أجل مجدهم وألقابهم.
لقد كانت نظرة الأمير الي الحالة التي آل إليها وضعه بعد سنوات طويلة من الجهاد والحروب، أرهق فيها المستعمر وكلفه الكثير بسببها، نظرة عالم وإنسان مسالم بطبعه قبل أن تكون نظرة قائد شجاع وجد نفسه مضطرا إلى الاستسلام لعدوه بعد أن غدر به القريب والبعيد كما ذكر هو بنفسه في إحدى اجتماعاته "فقدتُ المعاضد والمساعد، وفني الطارف من أموالي والتالد، ودبت إلي من بني ديني الأفاعي، واشتملت علي منهم المساعي" .
هذه في رأي هي الصورة الحقيقية التي ينبغي أن نصورها للأجيال في وسائل الإعلام والتي يشهد أرشيف الأمير الخاص بأنها هي عين الحقيقة وأنه من الإنصاف لهذا الرجل العملاق الذي أصبح له في الشرق شأن آخر، أكثر عظمة وأروع موقفا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الأمير كان له شخصية نادرة اجتمع فيها عنصري القيادة والفروسية والعلم والتقوى، هذه العناصر هي التي جعلته لا يلقي بأصحابه وأهله إلى تهلكة حقيقية من أجل مجد شخصي له.
إنني أتسآل كيف لرجل أمير مثله أن يطلب من فرنسا بكل هدوء تسهيل خروجه إلى عكا أو الإسكندرية بكل تلك السهولة التي لم تكن فرنسا تتوقعها بعد أن استشار قادته وقضاته، لكن الأمير وجد أن العقل يقتضي الوقوف عند العواقب بدلا من المجازفة أو الانتحار خاصة وأنه كان المطلوب الأول لفرنسا التي كانت تعتبره المتمرد الأكبر. لهذا فضل الأمير خيار الخروج بسلام مع من بقي من رجاله الذين ضحى من أجل حفظ دمائهم بكل مجده وأملاكه وألقابه ليخرج تاركا وراءه كل شيء من أراضي وخزائن وأسلحة كلفته الكثير من أمواله وأموال عائلته فقط من أجل أن لا يصطدم مع إخوانه من المسلمين سواء من شيوخ القبائل أو من سلطان المغرب الموالى لفرنسا.
هذه هي المحنة الكبرى التي عاشها الأمير والتي لم ينصفه فيها المؤرخون والشعب الجزائري فيما بعد والذي انساق وراء أفكار شوهت مسيرة هذا الرجل النقية والتي كرس فيها الأمير ذاته لخدمة هذا الشعب رغم كل عروض الإغراء التي قدمت له من طرف إمبراطور فرنسا أو باقي الملوك في العالم.
كل هذه الهواجس التي في ذاكرتي عن الأمير هي التي دفعتني إلى مكاتبك بخصوص هذا الشأن خوفا أن تقوم أي جهة على تقديم معالجة درامية وطنية أو عالمية عن حياة الأمير والتي ربما قد تنزلق فيها إلى إحدى هذه المغالطات.
أرجو من سيادتكم التنبه إلى هذا الأمر خاصة وأنكم قد تكلفون أية جهة من حكومتكم بتقديم عمل درامي خاص عن حياة الأمير والذي ربما قد يلجأ إلى معالجة فنية لا تليق بهذا العملاق الذي يحظى بسمعة عالمية وإنسانية غنية عن التعريف.
لقد سمعت كثيرا ومرارا عن نوايا الدولة الجزائرية لتمويل فيلم أو مسلسل عن حياة الأمير، لكنني أخشى ما أخشاه أن يقوم على هذا العمل الوطني الكبير أُناسٌ قد تكون لهم رؤيا مختلفة أو باهتة عن حياة هذا الرجل الذي لا يقل عظمة عن مجاهد كعمر المختار الذي أبدع المخرج الكبير الراحل مصطفى العقاد في إيفائه حقه وكذلك الناصر صلاح الدين الأيوبي الذي أنصفته كثير من الأعمال السينمائية والتلفزيونية وغيرهم من رموز الأمة الذين لا يقل عنهم الأمير عبد القادر الجزائري شأنا وشرفا للأمة الإسلامية عامة وللشعب الجزائري خاصة.


سيدي الرئيس:
إن المؤلف الجزائري أو المؤرخ عامة يملك رصيدا وافرا عن حياة هذا الأمير ومواقفه التي سجلها الأرشيف العالمي بدأً من الجزائر وفرنسا وانتهاء بسوريا ولبنان وتركيا ومكة والتي سيجد فيها مادة غنية يقدمها لكل مخرج مقتدر وكفؤ ليصنع منها ملحمة مصورة رائعة ومفيدة للأجيال عن شخصية فريدة النسيج في هذا المجتمع الذي لا شك أنه لا يملك فيها غير أمير واحد صنع مجدا لأمته كالأمير عبد القادر الذي لا بد لكل جزائري أن يؤمن بعظمته وفضله على الجزائر لأنه هو واضع لبنة الدولة الجزائرية الحديثة بعد قرون من التبعية والضياع بين ممالك وإمارات وخلافات لم تؤسس لهذه الأمة دولة حقيقية كما فعل الأمير عبد القادر الذي واجه هذا الأمر بعد خروج الأتراك وهروبهم بعد أن بقوا لقرون يستفيدون من خيرات هذه البلاد ثم تركوها لقمة سائغة للمحتل الفرنسي.


سيدي الرئيس:
هذا هو الأمير الجزائري الحسني الذي اجتمعت له كل أسباب المجد من علم ونبل ونسب وغنى، فهو العالم الحافظ للقرآن والحديث، والشاعر الجياش القريحة، وهو الفارس النبيل الذي اختاره والده دونا عن باقي إخوته وبايعه شيوخ وزعماء القبائل ليقود المقاومة ويرفع راية الجهاد في وجه الغازي وهو القرشي الهاشمي الحسني ابن فاطمة الزهراء فرع من فروع سيد البشر محمد بن عبد الله الرسول، وهو الثري الغني الذي ورث شرعا وحقا أملاكا ودورا وأراضي تغنيه عن عناء الجهاد والحاجة التي جعلته فيما بعد يضحي بها كلها من أجل دعم مقاومته ثم تركها كلها وفضل الخروج إلى بلاد غير بلاده حفاظا على آلاف النفوس التي آمنته على أرواحها وبايعته على الموت، إلا أن أخلاق العالم في نفسه وعقله كانت أقوى وأرسخ من دوافع المجد الشخصي أو الشجاعة المتهورة.


سيدي الرئيس:
لقد مضي أكثر من مائة وثلاثة وعشرون سنة على رحيل الأمير وإنه أصبح جدير بنا كأجيال جزائرية أن نستشف عظيم مواقفه ونبل شخصيته وروعة جهوده التي قدمها لنا جميعا وأشعر أنه من اللائق بنا كجزائريين أن نقدر هذا الرجل الفذ بيننا والذي عجزت النساء بالفعل أن تنجبن مثله، فأرجو أن يُقدر هذا الرجل حق قدره ويرفع من شأنه في الجزائر أكثر من هذه الصورة الباهتة التي أضحى بها بيننا هذا الأمير الخالص الذي عاش لغيره أكثر مما عاش لنفسه.

من موقع الجلفة إنفو للأخبار



>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

السلام عليكم
بارك الله فيك و أحسن اليك على الموضوع
ســــــــــــــــــــــلام

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :

بارك الله فيك سيدي الطيب

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :

.. جزاك الله خيرا كبيرنا ، أن وفّرت لعقولنا هذا الاطلاع بغير جُهد .
وجزى الله مُحسن خطّها الاستاذ الباحث ..
أقصى ما حاصرت الرسالة من طرح هو استباق الحدث وتدّبره قبل أن يكون فرصة للحسرة ..
ولا تزال الأفكار متصلّبة والحقائق مغيّبة عن الاقتناع ، وعلى قول صاحبي ، لو أنّ الأمير لا يزال بيننا لاتهمته فرنسا بأنّه يساند الارهاب أو يسعى لاكتساب السلاح النووي ، وهي البدع التي يتحجّج بها الغرب حين يشعر بالذعر .
فكيف نرى من أبناءنا من يقلّب في ثغرات التاريخ ليشكك و يزيّف .



__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :

بارك الله فيك على الموضوع

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :

السلام عليكم
بارك الله فيك و أحسن اليك على الموضوع
ســــــــــــــــــــــلام