نشوف هذا الطرح وعندي بعض التحفظات عليه
___________________________
" المشهد المصري "
" الخلفيات والمآلات "
"الحلقة الأولى"
_ابراهيم العسعس _
( هناك حالةٌ أشار إليها أفلاطون وهي : حين يتصور الناسُ الواقع حسبما يُصوَّرُ لهم ، لا طبقاً لحقيقته !
( العرب ؛ أمةٌ عظيمة ما جعلها تخرجُ من التاريخ أمران :
الأول : فقدانهم لروح عمل الفريق ...
الثاني : فقدانهم للقدرة على التنظيم ... الموسوعة البريطانية ...
( هذه هي النتيجة الطبيعية للثورة التي لا رأس لها ! وهذه هي النهاية الطبيعية لمن يريد أن يلعب دور الرأس متأخراً في بيئة لا تعترف به ذَنَبَاً !!)
تأخرت في الكتابة تعليقاً على ما جرى ويجري لأنني لا أريد أن أجري خلف ما يسبق إليه الوهم تبعاً للضجيج ، فالضجيج مانع من التفكير الهاديء المستنير . ومع أنني لم أتفاجأ بما حصل ! لا لأنني توقعته بتفاصيله كما وقع ، بالطبع لا ، لكن لأنني توقعت الإطار العام الذي ستجري فيه الأحداث منذ أن كان من سُمُّوا ( الثوار) في ميدان التحرير ؛ النسخة الأولى يعني أيام مبارك ! توقعته لأن واقع هذه الأمة ( بتخلفها ، وغبائها ، وذاكرتها المثقوبة ، وعدم ادراكها لطبيعة الصراع الفكري ، وعدم تمتع الأفكار فيها بقيمة ذاتية وغير ذلك من العلامات التي تدل على أننا نعيش في الطور ما قبل الاجتماعي ) يدفعني إلى القطع بأنه لا يمكن أن تؤتيَ مدخلاتُ أمةٍ هذا حالُها مخرجاتِ نهضةٍ حقيقيةٍ ! وعندما أقول لا يمكن فأنا لا أرجم بالغيب ولا أضرب بالرمل ، وإنما أفهم سنن الله تعالى في التغيير والنهضة .
وإذن ... تأخرت لأنني أحببت أن أقرأ قبل أن أكتب ، فماذا وجدت ؟! وجدت الكلام موزعاً بين ثنائيتين لا يستطيع العقل المتخلف أن يخرج عنهما وهو يحاول فهم حدثٍ ما ! أعني ثنائية مع أو ضد ! (مع وضد) اللتان تنظران من زاوية واحدة !
وهذه محاولة للكتابة عن الموضوع من أكثر من زاوية ، ولكن برؤية تأصيلية لخلفيات المشهد لا تتبعاً لتفاصيله .
زوايا المشهد : الشعب المصري ، الاخوان المسلمون ، ( من يطلق عليهم النخب) ، الإسلاميون الآخرون ..
الشعب المصري : هل تستطيع فهم أي حدث بارز في مجتمع ما دون أن تفهم طبائع المحضن البشري الذي وقع فيه الحدث ؟ إن الذي يحدد نجاح أو فشل حدث ما هو طبيعة البشر الذين جرى فيهم ومن أجلهم الحدث ، وإنتعجب فاعجب ممن يدرس حدثاً ما في لقطته الأخيرة ، دون الرجوع إلى البيئة التي رعت الحدث !
1_ وما ساذكره هنا في وصف الشخصية المصرية لا علاقة له بالحب ولا بالبغض ، ولا علاقة له الاحترام ولا بالاحتقار ، وهو بعد هذا وذاك يتحدث بمنطق رصد الغالبية وليس الجميع . ولابأس من الإشارة إلى أن العالم العربي يشترك في كثير من هذه المواصفات لاشتراكه في نفس المدخلات _ تقريباً _ مع تسجيل فارقتين ؛ الأولى : اختصاص بعض المناطق ببعض هذه الصفات . الثانية : التفاوت في الصفات المشتركة لوجود ظروف خاصة في كل منطقة جغرافية.
يقول المقريزي _ المصري أصلاً _ واصفاً الشخصية المصرية كما يراها ، والعجيب أنه وهو يتحدث قبل ستة قرون تقريباً ستظن أنه يتحدث اليوم ، مع التنبيه على أنني لا أوافقه على كل ما وصف :
" يغلبُ عليهم الاستحالةُ والتنقـلُ من شيءٍ إلى شيءٍ ، والدَّعةُ والجُبنُ والقنوطُ والشُّحُّ ، وقِلَّةُ الصبرِ والرغبةِ في العلم ، وسرعةُ الخوفِ والحسدُ والنميمةُ والكذبُ ، والسعيُ إلى السلطانِ وذمِّ الناس ، وبالجملة فيغلبُ عليهم الشرورُ الدنيةُ التي تكون من دناءةِ النفسِ . وليست هذه الشرور عامةً فيهم ، ولكنها موجودةٌ في أكثرهم " ثم يقول " وأمَّا أخلاقُهم فالغالبُ عليها الاشتغالُ بالتُرَّهاتِ والتصديقِ بالمُحالات ... ولهم خبرةٌ بالكيد والمَكْر ، وفيهم بالفطرة قوةٌ عليه وتلطُّفٌ فيه وهِدايةٌ إليه ، لِمَا في أخلاقهم من المَلَقِ والبَشاشةِ التي أرْبَوا فيها على مَن تقدم وتأخر " ثم يستعين المقريزي بابن خلدون رحمهما الله الذي وصف المصريين بغياب البصيرة فقال :
" قال لي شيخُنا الاستاذ عبد الرحمن بن خلدون رحمه الله تعالى : أهلُ مصرَ، كأنَّما فَرَغُوا من الحساب " .
هذه النقول عن هذين العلمين رحمهما الله ، ترسمان لوحةً خلفية للمشهد كلِّهِ ، فهذا الشعب هو المحضن الذي حصل فيه ما حصل ، وعلى كتفيه تمَّ ما تمَّ . وهذه اللوحة لا تخصُّ العوام بل الذي يتابع الفضائيات المصرية يُدرك تماماً أنَّها لوحةٌ يشترك في رسمها الخاصُّ والعام ، وأنَّ من يقال عنهم : نُخبٌ ومثقفون مُتــلبِّسون بأغلب هذ الصفات ، لا فرق في ذلك بين علماني وليبرالي وإسلامي ، وقد تكون صفة التقلب السريع والحاد ، التي عبر عنها المقريزي بقوله :
" يغـلبُ عليهم التـنقـلُ من شيءٍ إلى شيءٍ " قد تكون هذه الصفة هي اللقطة البارزة في المشهد الخلفي والتي تساعدنا على فهم المشهد بصورة عميقة وشاملة . ثم أضف إليها صفة :
" التصديق بالمحالات " ليزداد المشهد وضوحاً ، ولتفهم ما جرى حتى لو لم تتابع التفاصيل !
مما يساعد على فهم اللوحة التي رسمها المقريزي للشخصية المصرية أن تعلم ما يلي :
2 _ أنَّ مصر السابع عالمياً بين أسوأ عشر دول في نسبة الأمية ! وتتراوح نسبة الأمية بين 28% على أقل تقدير ، وبين 45% على أكثر تقدير ! وقد تـفسِّر هذه النسبة العالية بعضَ ملامح الشخصية المصرية التي رسمها المقريزيُّ ، خاصةً التقلب وتصديق المحالات ! ففي مثل هذا المجال البشري يستطيع عمرو أديب ومحمود سعد ولميس الحديدي بل وتوفيق عكاشة أن يجدوا لهم جمهوراً ، ينشحن بكلامهم ويتحرك لكلامهم !
على أنَّ تقارير الهيئات الدولية أو المحلية تذكر في العادة نوعاً واحداً من أنواع الأمية ، هو أمية فكِّ الخط وكتابته ، أعني أمية القراءة والكتابة ، ولا يذكرون النوع الآخر من الأمية والذي هو أكثر بأساً ، وأشد تنكيلاً ، فما وجد هذا النوع في أمة إلا أكل أخضرها ويابسها ! إنه أمية الوعي والفكر والعمق ! فإذا كانت نسبة الأمية الأولى تتراوح بين 28% إلى 45% من عدد المصريين ، فإن نسبة هذه الأمية تصل إلى 95% ! وقد تبدو هذه النسبة بادي الرأي ظالمة في شعب يُحسن الحديث ، ويُتـقنُ حشدَ المعلومات وسردَها ( بصرف النظر عن صحتها أو دقتها ، راجع إن شئت البرنامج الفكاهي الواقعي : أرجوك ما تـفتيش يعني: " أرجوك لا تفتي ")! ومع التسجيل أنَّ هذه صفة عامة في العالم العربي بسبب مناهج التعليم التي تقدس التكديس وتكتفي بامتحان الذاكرة ، إلا أنها واضحةٌ بشكل صارخ عند المصريين .
ومرة أخرى فإن هذه الصفة لا تقتصر على العوام بل هي في الخواص أكثر وأوضح ، لا بعض الخواص بل الأغلب ، لا بعض الاتجاهات بل الجميع . وتابع إن أحببت ولمدة أسبوع فقط البرامج الحوارية على الفضائيات المصرية لتلمس السطحية والسذاجة ! فما دام الضيف يتحدث في جانب الرصِّ والحشد فنَسْرٌ مُحلِّقٌ ، وحكواتيٌّ من الطراز الأول لا تملُّ منه ولا تكلُّ ، فإذا جاء دور الربط والتحليل والاستنتاج فالعجبَ ستسمع ، والسطحيةَ ستقبض ! والسبب كما يبدو لي العاطفية الشديدة المسيطرة على الشخصية المصرية ، وهذه العاطفية هي التي تنزع البصيرة من هذ الشخصية كما أشار إلى ذلك ابن خلدون رحمه الله !
بمثل هذه النخب : الأمية!!! والمتقلبة ، والعاطفية ، والسطحية ، والتي تأتي بالمحالات وتصدقها يُقاد المصريون ويقودون . وبمثــل هذه الشخصية _إذا لم تخف شيئاً_ تَسقطُ العروش، وتُرفعُ راياتُ الكذبِ والباطل !
بمثل هذه النُّخب لا يُمكن أن يُمثَّــــل مبدأ ما أو عقيدة ما حقَّ التـثميل ! وهذا ينطبقُ على من يمثل الإسلام _ مثلاً _ وعلى من يُعاديه ! فلا هذا ولا ذاك يستطيع أن يقود صراعاً منهجياً واضحَ الملامح! وفي مثل هذه الحالة لا يكون ضررُ من يعادي الإسلام أشدَّ من ضرر من يُمثــلُهُ !
3_ قال ابن خلدون رحمه الله : " مَنْ سِــيمَ الخسفَ تَــمَـــرَّسَ في عاداتِ النفاق " يعني من سُلطَ عليه الظلم مدة طويلة صارَ مُــتــقِــنَاً لعادات النِّــفاق .
منذ سبعة آلاف عام والمصريون يُعانون من الاستبداد والقهر ... ثم قِيل لهم : تفضلوا وعبِّروا عن أنفسكم ! لا بأس... لكنَّهم سيحتاجون لسبعة آلافٍ أخرى لكي يسكتوا !
إنَّ الشعوب التي اعتادت على القمع لا يمكن أن تنتقل مباشرة إلى حالة من ممارسة حالة الدولة ، أو حتى الحالة الاجتماعية ! ذلك لأن القمع يقتل في الإنسان الجمعية وينمي لديه الفردية . وعندما تنتقل هذه الشعوب إلى حالة الانفتاح بشكل مفاجيء فإنها ستفتري ، وستكون مطية سهلة للعمل من خلال خطة العدو . إننا لا نعيش في جغرافيا منعزلة ، فلقد اختصرت المواصلات الجغرافيا ، وسهلت الاتصالات التواصل ، أي أن هذين الأمرين غيرا مفهوم السيطرة والاستعمار ، فلم تعد التغيرات التي تحدث في جغرافيا ما بمعزل عن الإقليم والعالم من خلفه!
وإننا نعيش في ظل صراع دولي تقوده دول عظمى ، ترى أن حدودها العالم كله ! إن هذه الدول ترسم سياساتها بناء على مفهوم واسع جداً للأمن القومي ؛ وعندما ترى هذه الدولُ أنَّ لعِبَ ولدٍ ما في بقعةٍ ما على بُعدِ عشرة آلاف كيلومتر منها يُهدد أمنها القومي فلها أن تحتل أرض هذا الولد !! ولها أن تعتقله في غوانتنامو أو غيره من المعتقلات البعيدة عن أرضها كيما تحافظ على شكليات حقوق الإنسان !
المهم أن هذه الدول ولحرصها على مصالحها تعرف كيف تستثمر ظروف وطباع شعب ما لتمرير خططها ، وليس أسهل من شعب يعتقد أنه خرج من استبداد سبعة آلاف عام إلى فضاء الحرية لكي تنفذ من خلاله مشاريعها في بلده ! إن الذي يتابع الحالة المصرية بدقة يصدم بالكم الهائل من القدرة على الكلام ! والقدرة على التحدث في أي موضوع ! والقدرة على التقلب بسرعة وبحدة وبانعطافات غير منطقية ! وتفسير هذه "القدرات" ! هو التشوق للكلام بعد صمت قرون طويلة ، والرغبة في التعبير عن الذات بعد قمع لقرون طويلة ، والإحساس بأنه صاحب قرار بعد تسيير من الآخر لقرون طويلة ! ولعل السبب في الصفات التي أشار إليها المقريزي رحمه الله هو هذا الليل الطويل من القمع والإلغاء الطويلين القاسيين !
لذلك فإن أي نقلة حادة مع هذا الشعب يؤدي إلى تدمير البلد ، وأفضل الحلول هو الانتقال أولاً إلى مرحلة ما كان يسميه الأفغاني رحمه الله:المستبد العادل..ولا يمكن أن يتحقق هذا" بثورة" لا رأس لها ، يعتقد مجموع الشعب أنه صاحبها كما يصور له الإعلام ، كتلك التي حدثت في مصر !!