عنوان الموضوع : التربية المضادة لقدرات الانسانية في الطفل والمجتمع تم الاجابة
مقدم من طرف منتديات العندليب

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

إذا نظرنا إلى طريقة تربية الأطفال و محاولة إدخالهم عنوة إلى المنظومة الاجتماعية و الفلكلورية ، نعرف حينها كيف يتم كبت القدرات الإنسانية الكامنة و قمعها في أرضها .



فمعاقبة الطفل بقسوة ، من اجل إخضاعه للمنظومة الاجتماعية ، تعتبر تقليد اجتماعي قديم منذ بزوغ الحضارات الإنسانية الأولى . توارثتها المجتمعات من جيل إلى جيل .

و إذا نظرنا إلى هذه العملية ( التي هي بنظرنا ضرورة اجتماعية ) ، نلاحظ أنه لا علاقة لها بتطوير الطفل و تنشئته ، لا من الناحية العاطفية و لا البديهية ، و لا النفسية ، و لا الفكرية ، و لا العقلية . و القصد الوحيد من هذه الطريقة هو إخضاعه و السيطرة عليه منذ البداية ، بكل الوسائل الممكنة ، و لو كان ذلك عن طريق العقاب ، التذليل ، التهديد ، الضرب ، التصنيف ، و غيرها من وسائل تعمل على تحطيم إرادته و استقلاليته . أما المبرر الذي يجيز هذا العمل الاستبدادي المنظّم ، فهو أن الأطفال الذين نشؤا بغير هذه الطريقة لا يناسبون المنظومة الاجتماعية عندما يبلغون . فيواجهون حينها صعوبات كثيرة .

إذا ً ، هذه الوسيلة المتبعة في تربيتنا و تنشئتنا ( و المبررة في جميع المجتمعان و الثقافات المختلفة ) ، و التي تهدف إلى نسيان من نحن ، و ما نحن عليه ، لنصبح ما يريده الآخرين و ما يتوقعوه منا ، تعتبر عنصر أساسي من عناصر البقاء ! لأننا لا نستطيع العيش دون مجتمعاتنا و نظرتها الإيجابية تجاهنا .

أما قدراتنا الحقيقية الكامنة ، فهي خارجة عن الموضوع . هي قضية جانبية مقارنة مع عملية التماشي مع المنظومة الاجتماعية التي هي الأهم . و بما أننا نعتقد بأن المنظومة الاجتماعية تهدف إلى مصلحتنا ، فبالتالي ، وجب علينا إطاعتها و التماشي معها و مسايرتها ، و لو على حساب أرواحنا . أما من ناحية إنماء قدراتنا الكامنة ، فسوف لن نجد أي فرصة لظهورها في هذا النموذج الاجتماعي السائد بين جميع شعوب الأرض .

فالحكومات في جميع دول العالم ، هي مشغولة بمواضيع استراتيجية و سياسية و بنيوية مثل : من هو المسيطر ، من له سلطة على من ، من يملك الميزانية الأكبر ، أين يوجد المال و الربح الاقتصادي ، من ينجح في الانتخابات ، من هو الرجل المناسب لمنصب معيّن ، لفلفة فضائح متعلقة بالفساد ، فضائح سياسية ، مالية ، أخلاقية ... أما عملية تطوير قدرات مواطنيها العقلية ، فهي ليست مدرجة بين الأوليات ، أو حتى أنها ليست في برنامج عملها إطلاقاً !. كيف يزيدون من قدرات شعوبهم العقلية في الوقت الذي يفضلون فيه أن يحكموا جماهير غبية ؟!. أليس هذا أفضل و أسهل على الحكومات ؟!. لماذا وجع الرأس ؟.

و بالقدر ما نميل إلى التعاليم الروحية الأصيلة و نتوق لها ، نجد بالمقابل أنه لا يمكن أن نجد ضالتنا في رحاب المؤسسات الدينية الرسمية . فهذه المؤسسات لا تهتم بتنشئة قدراتنا العقلية بقدر ما تهتم بإلزامنا بتعاليم و مسلمات محددة لا يمكن الخروج عنها . و من اهتماماتها الأخرى هو توسيع دائرة عملها ، جمع المال في سبيل التوسّع ، تكريس جهدها و توجهاتها في سبيل مواجهة المذاهب الأخرى ، و منافسة الأديان الأخرى ... أما سياستها تجاه الرعية ، فهي تعمل على استخدام عاملي الخوف و الإثم و الخطيئة ، في سبيل المحافظة على ولائهم و التزامهم التام .

أما المؤسسات المالية و الاقتصادية و الصناعية المختلفة ، فهي أيضاً لا يناسبها تطوير قدرات الإنسان العقلية . لكن إذا اتخذت هذا التوجّه ، يكون فقط من أجل جعل الإنسان أكثر إنتاجاً ! فتساعده مثلاً على إزالة الجهد القاتل الذي ينتج عن نظامها الاستعبادي ، فتموّل بعض دورات اليوغا ، أو تشجّع الموظفين على القيام ببعض الجلسات التأملية في سبيل تصفية الذهن و تنشيطه .

إذا قمنا بعملية مسح شاملة لأنظمتنا الاجتماعية المختلفة ، سوف لن نرى أي سلطة أو جهة لها نفوذ في هذا النموذج الدنيوي ، تحاول استكشاف قدراتنا الحقيقية في داخلنا و بالتالي تساعدنا على استنهاضها و من ثم الاستفادة منها . أي أن نمارس حقيقتنا ، نعود لطبيعتنا ، أن نصبح الإنسان الحقيقي .. لكن كيف تعمل هذه السلطات في هذا التوجّه المنافي لمصالحها ؟ فنظامها الهرمي الدنيوي لا يتوافق مع هذا الواقع الإنساني الغريب عنه . و لهذا السبب ، فتعتبر القوى الإنسانية الكامنة هي بمثابة عائق ، مظهر مزعج من مظاهر الكائن البشري ، يعمل على تدمير النظام الاجتماعي القائم . فألصقوا هذا المجال بأكمله بمجال المشعوذين و الدجالين و الأساطير و الماورائيات و السحرة الأشرار و الشيطان و مفاهيم أخرى تتخذ أوصاف و مظاهر قبيحة تجعل الإنسان ينفر منها .

إن جهلنا التام عن هذا المجال ، و بالتالي استبعاد وجوده من الأساس ، هو ليس بسبب عدم واقعيته أو مصداقيته . بل السبب يعود إلى جهات كثيرة عملت على استئصاله من الفكر البشري و طريقة حياته منذ أزمنة سحيقة . سلطات كثيرة تعاقبت على حكم الشعوب منذ ما قبل التاريخ ، دينية ، سياسية ، علمية . لأنها كانت منافية تماماً لمصالح أنظمتها الدنيوية الهرمية .

ما ذكرته سابقاً هو ليس انتقاد موجه إلى الجهات المذكورة ، فقط من أجل الانتقاد . إنه عبارة عن وصف لواقع عالمنا الأليم الذي نحن نعيشه كشعوب و مجتمعات . شعوب وقعت في فخ خطير ، فخ المسلمات التي فرضت عليها ، و علقت فيه و لازالت تتخبط في شباكه منذ عصور . مسلمات و فرائض كثيرة قامت بتقسيم الشعوب إلى مذاهب و أحزاب جاهزة للقتال في ما بينها ، و ليس العمل على تنشئة الإنسان و تطويره روحياً و فكرياً و بالتالي عقلياً . فالعيب هو ليس فينا كبشر ، إننا لسنا ضعفاء ، بل العيب هو في نظمنا و مسالكنا الفكرية التي أعاقت نمونا الروحي الحقيقي ، و قامت بتوجيهنا لخدمة قلة قليلة من الناس و ليس البشرية جمعاء . بالإظافة إلى العلم المنهجي السائد ، الدين العلماني الجديد الذي عمل كهنته الأكاديميين على إعاقة نمو إدراكنا الشمولي لمظاهر الوجود المختلفة . و قاموا بتوجيهنا حسب مصالح القائمين على حكم الشعوب . رجال الظلام ، المتحكمين بمجريات العالم و أحداثه ، المؤسسات الهرمية الدنيوية المختلفة التي هي المسئولة عن مصائر الشعوب و جميع مظاهر الحياة على هذه المعمورة . لقد نجح هؤلاء الكهنة العلمانيين في إعاقة خروج الحقيقة بصورتها الكاملة ، و منعوا ظهور نتائج أبحاث تابعة لألمع العقول بسبب تناقضها مع مصالحهم التافهة ، أطبقوا على هذه الأبحاث برقابة شديدة و تعاملوا معها بوحشية مطلقة في معظم الأحيان . فقاموا بالكذب ، و الغش ، و الخداع ، و التزوير ، و استخدموا الإعلان المظلّل ، و أساليب خبيثة أخرى ، من اجل تشويه سمعة العلماء الخارجين عن منهجهم العلمي الملتوي ، فتم تدمير الكثير من الشخصيات العلمية العظيمة مهنياً و اجتماعياً ، و تم قمع علومهم الجديدة تماماً . و عملوا على منع ظهور تلك العلوم المقموعة في الجامعات و الأكاديميات و وسائل الإعلام المختلفة .

كل ذلك لأنهم وجدوا لأنفسهم حلفاء أقوياء التقت مصالحهم ببعضها فساعدوهم على قمع تلك الأفكار الجديدة . جهات كثير لها مصلحة ( مالية ، روحية ، سياسية ) ، فدفعت لهم الأموال الطائلة ، و دعمتهم إعلامياً و أكاديمياً و اجتماعياً .... فأصبحوا المتحكمين الوحيدين بجميع المؤسسات العلمية العالمية و أحكموا قبضتهم الرقابية على جميع المسالك العلمية المختلفة .

فقاموا بإرساء منطق علماني مادي دنيوي بعيد تماماً عن الحقيقة . رغم مظهره البراق الذي يوحي لنا بتقدم تكنولوجي هائل يجعلنا نشعر بأننا أكثر أماناً و رقياً .. لكن تذكروا أن حياتنا على هذه الأرض هي قصيرة ، و عندما نغادرها إلى العالم الأخر ، لا نستطيع أخذ هذه التكنولوجيا الدنيوية معنا . و المشكلة الأعظم هي أننا سندخل العالم الآخر بعقول دنيوية مفرغة ، لا تفقه شيئاً عن الحقيقة الأصيلة . لأننا أصبحنا عبارة عن كائنات غبية قامت بتشرّب أفكار ملتوية مناقضة تماماً مع ما سنواجهه عندما ندخل في رحاب الحقيقة المطلقة .

إن العمل على تنشئة و استنهاض قوانا الحقيقية ، و التعرّف على حقيقة ما نحن عليه و ما هو الوجود هو ضرورة أساسية و حاسمة في سبيل تقدّم حضارتنا الإنسانية و تطويرها . من أجل مساعدتنا على مواجهة التحديات المصيرية التي نواجهها من حين لآخر .

التكنولوجيا وحدها لا تستطيع القيام بهذا العمل . لا تستطيع إنقاذنا . رغم هذا التقدّم التكنولوجي الهائل ، لا زلنا نواجه تحديات بيئية و اجتماعية خطيرة لا زالت قائمة و تزداد يوماً بعد يوم ( تلوث بيئي و أخلاقي و صحّي قاتل ) و هذا يتطلّب العلاج السريع .

ما ينقصنا هو القليل من الحكمة و البصيرة و الصدق ... الإحساس بالمعنى الحقيقي ، العدالة ، التكامل ، النية الحسنة في إدارة شؤون البشر بشكل سليم . هذه ليست مواضيع و قضايا تكنولوجية ، بل مواضيع لها علاقة بالمنطق و الوجدان و طريقة التفكير .

فالحكمة و البصيرة هما بالذات ، العناصر التي تم إخمادها في جوهر الإنسان ، بعد أن حكمه منطق دنيوي متسلّط ، منطق سيطرة و استبداد ، حكم عقول البشر منذ ظهور الحضارات الأولى .. و لا يزال .

نقلا عن
علاء الحلبي



>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :