المشاركة الأصلية كتبت بواسطة امل موجود
المشكلة ليست مشكلتي إنها استشارة نفسية ومعها الجواب
وضعت للفائدة فقط ولمن يبحث عن حل لمشكلة من هذا النوع
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بدايةً: أشكركم على جُهودكم المبذولة في سبيل إنشاء مجتمعٍ مُتماسك.
ثانيًا: أودُّ أن أطرح عليكم مُشكلة أُعاني منها، وأتمنى الحُصُول على الحل المناسب.
أنا فتاة عمري 17سنة؛ أحببتُ شابًّا، تعرَّفتُ عليه في أحد المعاهد الدِّراسيَّة، ولكنَّه لا يعلم بذلك، وهذا ما يشعرني بالخَيْبة، أحيانًا أحس بأنه يفهم شعوري مِن خلال بعض نظراته، ولستُ مُتأكِّدة!
أخي يعرف هذا الشخص، ولا أملك الجرأة لأخبر أخي بذلك؛ بسبب العادات والتقاليد التي تسود مُجتمعنا.
حاولتُ أن أنساه مِرارًا، ولكني لم أستطعْ؛ إذ أجد نفسي متعَلِّقة به أكثر، ويزداد تعلُّقي كلما شعرتُ أنني سأفْقِده يومًا ما!
ماذا يجب عليَّ أن أفعل تجاه ذلك الشخص؟ وكيف لي أن أتقرَّب إليه وأخبره بما أشعر، بطريقةٍ غير مباشرة أو محرجةٍ؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حفظكِ الله، ووقاكِ شرَّ فتنة الاختِلاط، وطهَّر قلبكِ الصغير مِن كلِّ ما لا يرضيه، آمين.
لم يأمرْكِ اللهُ بالتغلُّب على قلبكِ، والسَّيطرة على مَشاعرِكِ, ولم يكلِّفكِ - سبحانه - ما لا تطيقين، وهو أرحم الراحمين, ولكن أمَرَكِ - وكلَّ مسلم ومُسلمة - بما يُستطاع مِن غضِّ البصَر، وتجنُّب الاختِلاط والتواصل المُحرَّم مع مَن لا يحلُّ لنا, فهل التزمتِ بما أمَر اللهُ، ولم تبْقَ إلَّا تلك المشاعرُ تنغِّص عليكِ عيْشكِ، وتكدِّر صفو حياتكِ؟
تقولين: إنكِ أحببتِ الشابَّ! فهل أنتِ واثِقة مِن مَشاعركِ؟ وأنَّى لكِ في هذا العمر الغضِّ أن تُميِّزي بين مَشاعر الحبِّ الحقيقي، والإعجاب، أو الانجذاب الفطري بين الجنسَيْن؟
عزيزتي, أنتِ في مرحلةٍ خطيرة من العمر، تختلط فيها مشاعرُ كثيرةٌ، وتتضارب عواطفُ عديدة, فالرغبةُ في استِشعار أنوثتكِ، وإظهارِ أهميتكِ، وسيطرة العواطف على الكثير مِن مَواقف حياتكِ، والانغماس في عالمٍ ساحرٍ من الرومانسيَّةِ، والسباحة في عالمٍ خياليٍّ جميلٍ، والطوف في زَوْرق الأحلام الورديَّة، والإبحار عبر نسمات رقيقة من مَشاعر فيَّاضة - كلُّها مِن سِماتِ مرحلتكِ العمريَّة، وكلها قد تخلط عليكِ الكثير مِن الأمور في هذا الوقت الحرِج.
هل تظنين أنَّ فتاةً في عمركِ وظروفكِ تختلط بشبابٍ من عمرها أو ما يقاربه، ثم لا تجد في نفسها ميلًا لأحدهم؟
هذه فطرة الله وسُنته التي فطرنا عليها؛ ذكر وأنثى, وجاذبية لا يدرون مصدرها، تحدث رغمًا عنهم، علِموا الحكمة منها أو جهلوها, لكن ليس بالضرورة أن تكون هذه الجاذبيةُ دليلًا قاطعًا على المحبَّة الصادقةِ والعَلاقة التي ستدوم العمر!
غالبُ الفتيات في عمركِ لا يمرُّ عليها يومٌ إلَّا وقد تخيَّلتْ نفسَها مع حبيبها، أو في يوم عُرسِها، أو في بيت الزوجيَّة، أو غيرها من التخيُّلات التي تنتشلها من عالَم الواقع الذي لا يُرضيها في أكثر الأوقات؛ فتهرب بتلك الأحلامِ إلى عالَمها الجميلِ الرَّقيق, فتسبَح معه ما شاء الله لها أن تسبحَ، وتغرِّد كما الطيور في أعشاشها، وتحلِّق عاليًا في جوٍّ من السعادة الخالصةِ، ثم تعود إلى واقعِها كسيفةَ البال، حزينةَ القلب, والعجيب أنها تحيا على أمل تحقُّق تلك الأحلام، أو بعضِها على الأقل، مع أول لقاء لها بأحد الشبابِ، فتترجم كل نظرةٍ منه، وكل لفتة، وكل حركة وسكنة، على أساسِ ما تمَّ تخزينُه في قلْبِها، وعلى اعتباراتٍ خياليَّةٍ، لا يدري عنها الشابُّ شيئًا؛ فإنْ قال لها: شكرًا وهو يبتسم، لا تترجم هذه الابتسامةَ إلا على أنها إشارة قويةٌ ودليلٌ قاطع على المحبة التي يُكنُّها لها, وإن نظر وراءه وهي واقفةٌ، فهو بالتأكيد لا ينظر إلَّا للبحث عنها، وكثيرًا ما يكون في وادٍ، وهي في آخر!
لم أقصد بحديثي أن أحبطكِ، أو أقنِّطكِ، أو أخبركِ بضرورة التخلِّي عن التفكير فيه, ولكن يشقُّ عليَّ أن تذهب أثمن وأغلى لحظات عمركِ سدًى، وأن تبقى فتاةٌ في عمركِ دونما استغلالٍ لهذا العمر؛ فالحبُّ له سكرةٌ تعُوق عن كلِّ شؤون الحياة، وتَحول دون فِعل شيءٍ سوى التفكير في المحبوبِ، وقد استفاض بين الأدَباء، وبالَغَ الشعراءُ في وصف حال العشَّاق، وما آلوا إليه مِن كربٍ وبؤسٍ, وما حلَّ بهم مِن شقاء؛ سعيًا لنيل رضا المحبوب، وطمعًا في تحصيل نظرة، أو ابتسامة أو كلمة منه, فهل نبقى عاجزين، مكتوفي الأيدي، في انتظار الحكم علينا بالرِّضا أو السخط ممن ضعفتْ أمامهم قلوبُنا، واستحوذوا على مساحة منها، دون أن يطرقوا الباب؟ أو نمضي ونسير في طريقنا وإن تغلغلت المشاعرُ في أرواحنا، وإن استحكمت المحبةُ مِن أفئدتنا؟
لن تَجِدِي لديَّ طريقة تخرجه مِن قلبكِ؛ فلا يملك تلك الأفئدة إلا خالقُها، ولن أُعينكِ على أمرٍ ليس بيدي, ولن أُرشدكِ إلى وسيلةٍ تخبرينه بها بأمر حُبكِ؛ فكما تعلمين لا تقدر الفتاةُ سواء كانت ابنة السابعة عشرة، أو ابنة الثلاثين أن تخبرَ شابًّا أحبَّتْه برغبتها في الزواج منه, وهذا ما يرفضه مجتمعُنا، ويمقُته رجالُنا، وذلك من أكثر ما يزهِّد الرجلَ في المرأة في منطق الكثير مِن الرجال! ومما يشعره بأنها ترخِّص نفسَها، أو تحط مِن قدْرها؛ فإما أن تكونَ هي المرغوبةَ، أو تصمتَ في انتظار قدَرِها, وإن لم يتيسَّرْ لك سبيلٌ دون المساس بكرامتكِ، فلا تُفكِّري في إيصال الفكرة إليه، ولا تسعَيْ للتواصُل معه بأيِّ وسيلة محرَّمة, وثِقي في أنَّ الله سيرزقكِ بمن يعلم صلاحه متى توكَّلتِ عليه وفوضَّتِ الأمر إليه.
وعلى هذا فإنَّ جوابي عن سؤالكِ:
ماذا يجب عليَّ أن أفعل تجاه ذلك الشخص؟ وكيف لي أن أتقرَّب إليه وأخبره بما أشعر بطريقةٍ غير مباشرة أو محرجةٍ؟
ليس هناك مِن وسيلةٍ للتقرُّب إليه بشكلٍ لا حرج فيه ولا غضاضة, ولكن أنصحكِ بالتخلِّي عن محاربة تلك المشاعر، ومحاولة نسيانها، ومحوها من القلب؛ فقد يتمسَّك القلبُ به أكثر، ويتشبَّث بكل ما نجاهد لإخراجه منه؛ فالقلبُ بيد مقلِّبه، لا حيلة لنا فيه, ولا أجد ما أنصحكِ به سوى تجنُّبِ اللقاءِ، وترْكِ النظرة التي تخرق القلبَ بسَهم محمومٍ يحول دون الإفاقة، ويزيد مِن طول السُّكر، واشغَلي نفسكِ بما ينفعكِ.
|