عنوان الموضوع : مساعدة من فضلكم التاريخ الجزائري
مقدم من طرف منتديات العندليب
السلام عليكم
أبحث عن مذكرات شارل ديغول عاجلا
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
دقائق وارجعلك
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
تفضلي اختي
سياسة ديغول الجزائرية من خلال مذكراته
شارل ديغول رجل دولة فرنسي ومن أبرز رجالات فرنسا في القرن العشرين ، ولد في مدينة ليل بالشمال الفرنسي سنة 1890 في وسط عائلي محافظ، وهو ثالث طفل من بين خمسة أخوة، لأبٍ عمل أستاذاً في التعليم الكاثوليكي، كان له دور مهم في تربية ابنه وتعليمه لدى الأخوة الجزويت ، في سنة 1908 اتجه للعمل في الجيش والتحق بمدرسة سان سير Saint cyr وحصل على المرتبة الثالثة بين زملائه في دفعته، وعين ضمن الكتيبة الثالثة والثلاثين للمشاة تحت قيادة العقيد بيتان Pétain.
رقي إلى رتبة ملازم أول، شارك في الحرب العالمية الأولى وجرح ثلاث مرات، ثم ترقى مرة أخرى إلى رتبة نقيب Capitaine وألقي عليه القبض من قبل الألمان وسجن في حصن Ingolstadt، وفي سنة 1924 نشر كتابه: La discorde chez l'ennemi. وفي 7 أبريل سنة 1921 تزوج من Yvonne Vendroux ابنة أحد الصناعيين، وفي السنة نفسها استدعي إلى مدرسة سان سيير لتعليم التاريخ العسكري فيها.
أرسل إلى لبنان سنة 1929وبقي هناك إلى سنة 1931 كقائد للمكتب الثاني والثالث لأركان الحرب، وقد كتب كتاباً حول تجربته في منطقة الشرق الأوسط ، وبعد عودته إلى فرنسا عين في السكرتارية العامة للدفاع الوطني وبقي مدة ست سنوات مما سمح له بلقاء زعماء السياسة والحكم ، وفي سنة 1932 نشر كتابه: Le file de lépée.
دخلت فرنسا الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا النازية التي كانت تحت قيادة أدولف هتلر ، في هذه الأثناء وجه ديغول بياناً سياسياً إلى ثماني شخصيات مدنية وعسكرية انتقد فيه الاستراتيجية المطبقة من قبل أركان الحرب ، دخل الجنرال الحرب وهو برتبة عقيد وقام ببعض الهجمات المضادة الناجحة في شهر ماي من سنة 1940 ورقي آنذاك إلى رتبة جنرال ، وفي 5 جوان 1940 استدعي إلى باريس وتقلد منصب نائب كاتب دولة للدفاع في الحكومة المضيفة ـ اثني عشر وزيراً ـ والتي كان يسيرها Paule Reymand.
بعد تكوين ديوان بيتان طار ديغول نحو لندن في 17 جوان ـ حزيران 1940 في طائرة بعد أن رفض الهدنة الموقعة من قبل الجنرال Pétain. ومن هناك وجه نداءه المشهور في 18 جوان ـ حزيران 1940 من خلال راديو إنكليزي من أجل المقاومة ومواصلة الحرب إلى جانب بريطانيا ضد قوات المحور.
استطاع أن يفرض نفسه كرئيس لفرنسا الحرة بدعم من تشرشل منذ 7 أوت ـ آب 1940، وقد جمع ديغول حوله مجموعة من الضباط العسكريين والسياسيين والجامعيين ، ونتيجة لاتصالاته أنشئ "المجلس الوطني للمقاومة" CNR بداخل فرنسا والذي اعترف بديغول كرئيس لفرنسا الحرة. وانضم ديغول إلى الحلفاء إلى أن تم النصر على النازية، فعاد إلى فرنسا وبقي رئيساً للحكومة المؤقتة إلى أن استقالت سنة 1946، وابتعد بعد ذلك عن الحياة السياسية حتى سنة 1958 حين استنجد به الفرنسيون لإنقاذ الوضع في الجزائر، وأعطى فرنسا الدستور الذي أسس الجمهورية الخامسة، وأصبح أول رئيس لها، وأعيد انتخابه سنة 1965، ثم استقال بعد فشله في استفتاء سنة 1969 من أجل سبر ثقة الفرنسيين، وانتقل إلى مسكنه بـ Colomby les - deux églises حيث واصل كتابة مذكراته، وتوفي فجأة في 9 نوفمبر ـ تشرين الثاني 1970.
تقديم الكتاب ونقده :
يحمل هذا الكتاب الذي نحن بصدد تحليله عنوان: "مذكرات الأمل ـ التجديد 1958 ـ 1962"، وهو جزء من مذكراته الخاصة بالحرب ومذكرات الأمل، ترجمه كل من سموحي فوق العادة وأحمد عويدات، منشورات عويدات بيروت الطبعة الأولى 1971. وهو يتكون من 406 صفحات من الحجم العادي. ينقسم إلى قسمين: القسم الأول منهما تحت عنوان: "التجديد: 1958 ـ 1962"، ويحمل القسم الثاني عنوان: "الجهد: 1962 ـ...".
أما ما يهمنا فهو القسم الأول (1958 ـ 1962) حين كانت الثورة الجزائرية على أشدها، وهي الفترة نفسها التي حكم فيها الجنرال ديغول فرنسا في جمهوريتها الخامسة. وقد ورد الحديث عن الثورة الجزائرية بهذا القسم في مبحثين: الأول تحت عنوان: "أقاليمنا فيما وراء البحار". والثاني يحمل عنوان: "الجزائر".
أولاً: أقاليمنا فيما وراء البحار:
فيما يخص المبحث الأول ابتدأه الجنرال ديغول بما يلي: "لما وليت وجهي شطر فرنسا، كنت مصمماً على إنقاذها من الالتزامات التي تفرضها عليّ إمبراطوريتها.."(1) ثم انتقل إلى الحديث عما قامت به فرنسا من هجمات كبيرة لغزو الأقاليم التابعة لها ورفع مستواها. وأثنى على بعض الشخصيات الفرنسية التي كان لها دور مهم في تثبيت أقدام فرنسا ونشر نفوذها على الصعيد العالمي من أمثال بوجو، وفايديرب، وآرشينار، وبرازا، ودومر، وغالييني، وليوتي، وغيرهم.
ولم يهمل الاعتراف بالجميل للشعوب التي شاركت إلى جانب فرنسا في الحربين الكونيتين الأولى والثانية ، وأثنى على مختلف قطاعات الحكم من جنود وحكام مدنيين ومستوطنين ومعلمين ومبشرين ومهندسين، من الذين بذلوا جهوداً مضنية من أجل تحقيق التنمية العصرية المحققة، وكأن تنمية تلك البلدان كانت بسبب الرجالات الفرنسيين الذين كان غرضهم الأول والأخير هو خدمة فرنسا ولا شيء غير ذلك.
ويتأسف على هذه المناطق التي كان ينوي تركها، بقوله: "فيا لها من محنة معنوية أتولى فيها انتقال سلطتنا، وأطوي أعلامنا وأطبق كتاب التاريخ الضخم"(2).
ثم يلج ديغول ميداناً آخر هو المَبالغ الضخمة التي كانت تنفقها فرنسا في هذه البلدان (المستعمرات) من نفقات متزايدة في كل القطاعات، في الوقت الذي كان يلاحظ رغبة سكان هذه المناطق في التحرر. رغم أن فرنسا ـ كما يقول ـ منحتهم حضارتها وأنشأت نظاماً مركزياً يهيئ للدولة الوطنية بدلاً من الانقسامات الفوضوية القديمة(3). وعلى أن فرنسا كونت نخبة من الرجال المشبعين بالمبادئ الغربية المتصلة بحقوق الإنسان والحرية.
ويتعرض لظهور دعاة التحرر في مختلف البلدان وبخاصة ظهور الكتلة الشرقية التي كانت تناصر حركات التحرر في العالم الثالث ، وهو لا يدعو إلى قطع الصلة بهذه البلدان الواقعة (ما وراء البحار) إذا حصلت على استقلالها، بل يدعو إلى العمل على مساعدتها لأنها ستكون بحاجة إلى ذلك، لأن الرابطة التي أقامتها فرنسا عقوداً طوالاً كفيلة بربط هذه البلدان بفرنسا، ويضيف: "فالواجب يقضي بمساعدتهم بمجرد أنهم يتكلمون لغتنا ويتقاسمون معنا ثقافتنا.."(4) فالجنرال يجعل الرابطة الأساسية التي تربط فرنسا بهذه البلدان، في حالة استقلالها، هي الرابطة اللغوية التي اعتبرتها بعض نخب هذه البلدان غنيمة حرب. ويبذل الفرنسيون من أجلها كل غال ونفيس.
وبعد تعداد مختلف أوضاع هذه البلدان وحالة كل واحدة منها ونوع العلاقة مع فرنسا، ينتقل إلى الجزائر ويقول: "والآن ما مصير الجزائر؟ لم نكن هنا أمام وضع يقتضي حله ودياً، إنما كنا أمام مأساة كاملة، مأساة فرنسية ومحلية في آن واحد. لقد كانت الجزائر تحتل في حياتنا القومية أهمية لا مجال للموازنة بينها وبين بقية البلدان التي كانت تابعة لنا.." (5)
إذن فالجنرال ديغول يعترف بأن للجزائر وضعية خاصة غير بقية البلدان المستعمَرة الأخرى، ذلك أن حكمهم لها كان مباشراً لأنها في نظرهم أرض فرنسية، عكس البلدان التي تركوا فيها الحكام المحليين، كما أن قربها وأهميتها الإستراتيجية وقدم احتلالها جعلها تحتل الصدارة بين البلدان الواقعة تحت حكمهم. وهو عندما يذكر المأساة يذكر أنها مأساة فرنسية من جهة ومحلية من جهة أخرى، أي تمس الوضع الفرنسي والجزائري، أما حديثه عن الحل الودي والمأساة فهو يفصل بين المعنيين؛ فالحل الودي هو التفاهم مع البلدان الراغبة في الانفصال عن فرنسا، وهي البلدان الأخرى، أما الجزائر فهي التي يعبر عنها بالمأساة، أي هي الحرب وهي الخسائر وهي الثورة، وهي إرغام فرنسا على الرضوخ لمطالب الثائرين قسراً.
لقد كان غلاة الاستعمار يقولون: إن البحر المتوسط يقسم فرنسا مثلما يقسم نهر السين مدينة باريس، وهو أمر كذبته الانتفاضات المتتالية التي قام بها الجزائريون تحت قيادة زعامات دينية طيلة القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. ثم جاءت الحركة السياسية لتؤكد انفصال الشعب (الأهلي) عن الفئة المستعمِرة، وذلك طيلة النصف الأول من القرن العشرين إلى اندلاع الثورة التحريرية ثم انتصارها سنة 1962.
وديغول لا ينفي ذلك بل هاهو يذكر أن فرنسا قضت على عدة انتفاضات بعد جهود مضنية بذلها كل من الخصمين. كما أنه لا يخفي أن احتلال الجزائر كان مدخلاً لاحتلال بقية البلاد المغاربية والصحراء. إلا أنه وفي الوقت الذي يشير إلى استيطان مليون من الفرنسيين الجزائر، يذكر أنه بفضلهم تم رفع مستوى الجزائر اقتصادياً بإقامة منشآت هامة بوسائل تقنية وجهد السكان، وأنهم كشفوا البترول والغاز الذي خدم الصناعة الفرنسية، وهو يقصد هنا السكان الأوربيين. أما السكان (الأهالي) فلا مجال للحديث عنهم، لأنهم حثالة تابعة لا مكان لها من الإعراب؛ لأن ما يهمه هو الشعب الفرنسي الذي جاء به إلى السلطة.
ويتعرض لفشل حكومة الجمهورية الرابعة في وقف القتال بالجزائر، ذلك الذي كلف الخزانة الفرنسية نفقات باهظة مما أدى بالشعب الفرنسي إلى معارضة هذه الحكومة التي عجزت عن إيجاد مخرج لهذه الأزمة. فجاء ديغول ليعمل من أجل إيجاد "وسيلة للتخلص من هذه المعضلة بأحسن ثمن." (6)والمعروف أن الجيش الاستعماري بقيادة الجنرال سالان وبتأييد من المستوطنين دعوا الجنرال ديغول إلى الحكم بعد الانهيار والإفلاس المادي والمعنوي للحكومات الفرنسية المتتالية. جاؤوا بديغول بهدف الحفاظ على "الجزائر الفرنسية" سمى ذلك بـ "تمرد 13 ماي 1958". وفي بداية شهر جوان ـ حزيران 1958 تسلم ديغول الحكم(7). وفي اليوم الموالي توجه إلى الجزائر.
ويسمي ديغول الجزائريين بـ "المسلمين" ويذكر أنهم كانوا مزودين بالحزم والسلام، وأنهم مؤيدون لجبهة التحرر الوطني وللثورة، وإن لم يشاركوا كلهم فيها.
ويعترف بتعاطف شعوب العالم مع القضية الجزائرية وبخاصة الأمم المتحدة التي اتخذت عدة مواقف إيجابية منها، وأن الجزائريين (المسلمين) يتوقون إلى استقلال بلادهم أسوة بشعوب أخرى سبقتهم إلى ذلك في إفريقيا وآسيا، وأنهم من أجل ذلك بدؤوا يعملون بأنفسهم لتحقيق هذا الهدف. وهو يقصد بذلك تضامن الداخل مع الثورة الجزائرية، وتضامن الخارج عن طريق الدعم والمساندة التي تلقاها القضية الجزائرية من لدن جهات متعددة في العالم.
ويمكن الإشارة هنا إلى أن أول لقاء دولي ساند القضية الجزائرية هو مؤتمر باندونغ المنعقد في شهر أبريل من سنة 1955 الذي حضرته دول إفريقية وأسيوية، وكانت الجزائر ممثلة بوفد ملاحظ عن جبهة التحرر الوطني. وفي السنة نفسها قدَّمت أربعة وعشرون دولة من هذه المجموعة "رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة يوم 29 جويلية طلبوا منه إدراج قضية الجزائر في جدول أعمال الدورة العاشرة للجمعية العامة بناء على تعليمات حكوماتهم.."(8)
ويعيد ديغول سبب ثورة (المسلمين) إلى ما لحقهم من إهانات في المدن والقرى، وأنهم صبوا لعناتهم على الفرنسيين الذين أرادوا إبقاءهم تحت الاحتلال. ولكنهم مع ذلك لم ييئسوا من فرنسا وأظهروا تعلقهم "بأمة تتمتع بحكم الطبيعة بنزعة إنسانية وكرم تاريخي، ويتمنون أن يبقوا شركاء لها بعد تحررهم(9)."
فهم إذن يريدون التحرر ولكن مع البقاء على علاقة جيدة مع فرنسا، وأن أملهم كبير في ديغول، وهو يشير هنا إلى دعاة المساواة والإدماج وبعض وجهاء القبائل وبعض رجال الطرق الصوفية المرتبطة مصالحهم بسلطات الاحتلال، ولكنه أهمل ذكر دعاة الإصلاح والاستقلال التام في إطار ثوابت الشعب الجزائري.
ويبين ديغول أهم مهمة جاء من أجلها وهي القضية الجزائرية ويقول: "رأيتني منغمساً من رأسي إلى أخمص قدي في هذا الموضوع(10)". إذ المعروف أن الفرنسيين يئسوا من قدرة حكوماتهم المتتالية، منذ اندلاع الثورة الجزائرية، حتى سنة 1958، على القضاء على هؤلاء "المتمردين" فلجئوا إلى الجنرال ديغول الذي كان قد أنقذهم سنة 1940 عندما أسس حكومة فرنسا الحرة بلندن على إثر سقوط باريس بيد الألمان وإنشائهم لحكومة فيشي الموالية لهم، وقادهم إلى التحرر إلى جانب الحلفاء لدحر النازية سنة 1954.
وهكذا إذن ومنذ سنة 1958 دخلت فرنسا عهداً جديداً تميز بطغيان شخصية ديغول الذي فرض نظاماً صارماً"(11). وقد بين في مذكراته هذه أنه وإن لم يكن لديه برنامج مهيأ مسبقاً فإن خطوطه الكبرى كانت محددة في ذهنه، حيث كان قد صرح سنة 1955 أنه يجب استبدال السيادة في شمالي إفريقيا بالشراكة، كما أنه كان يرفض دمج المسلمين بالشعب الفرنسي.
ويذكر أن هذا الدمج كان ممكناً لو تم منذ مائة سنة أو بعد إحدى الحربين العالميتين، أما الآن ـ 1958 ـ فإن منبت الأسرة الإسلامية ودينها وطرق معيشتها "جعلها تتمتع بشخصية قوية جداً بحيث لا تدع أحداً يمزق كيانها أو يسودها".(12)
وهكذا يعترف ديغول، الشخصية البارزة في التاريخ الفرنسي، باختلاف الشخصية الإسلامية للجزائريين عن الفرنسيين الذين أرادوا جعل الجزائر وطناً فرنسياً ودمج سكانه بفرنسا الأم ـ في نظرهم ـ وهذا ما أكده الشيخ المصلح عبد الحميد بن باديس زعيم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الثلاثينيات من القرن العشرين حين صاح في وجه من قال إن على هذا الشعب أن يندمج مع فرنسا، وأنه لم يجد لهذه القومية الجزائرية أثر، حين قال: "ثم إن هذه الأمة الإسلامية ليست هي فرنسا ولا يمكن أن تكون فرنسا ولا تريد أن تصير فرنسا ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو أرادت، بل هي أمة بعيدة عن فرنسا كل البعد في لغتها وفي أخلاقها وفي عنصرها، وفي دينها..(13)" وقال في قصيدة لا يزال يتغنى بها الأطفال في المدارس ما يلي:
شعب الجزائر مسلم ** وإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله ** أو قال مات فقد كذب
أو رام إدماجاً لـه ** رام المحال من الطلب
إذن فقد جاء ديغول بنية تغيير الوضع السابق ، ولكن ما هو الجديد الذي جاء به؟
يصرح ديغول بأنه كان يريد أن يجعل من فرنسا طليقة اليد ، وأن تتولى التغييرات التي يقتضيها العصر وتمارس نشاطها في الخارج دون قيد، وأن ترفع جيشها إلى مصاف الدول العظمى الحديثة ، وذلك بمنح الجزائر حق تقرير المصير بنفسها رغم فشل ما كان الفرنسيون يحلمون به بالأمس وما يأسفون عليه اليوم. ولكنَّ حق تقرير المصير الذي يتكلم عنه الجنرال مضمن بشروط هي:
ـ أن فرنسا هي التي تمنحه وفقاً لمصالحها، ولن يفرض عليها من أحد على اعتبارها منهزمة، ولن تخضع لأي ضغط خارجي أو مساعٍ حميدة أو غير ذلك وحتى من الأمم المتحدة.
ـ أنَّ على الفرنسيين الراغبين في البقاء بالجزائر أن يقرروا ذلك ، وأن الجيش الفرنسي سيضمن سلامتهم.
ـ إنشاء معاهدات بين الطرفين تمنحهما امتيازات متبادلة في مختلف الميادين الإستراتيجية.
ـ بقاء الجزائر فرنسية من عدة أوجه بالحفاظ على الطابع الذي اكتسبته.
وأوضح أن أهدافه المسطرة هذه سيعمل بها بكل حذر وخطوةً خطوة حتى لا يثور في وجه أي معارض قد يؤدي إلى فشل سياسته ، أي أنه التجأ إلى المناورة.
ويتعرض ديغول إلى زيارته للجزائر في الرابع من شهر جوان بعد تسلمه السلطة، وكيف تم استقباله في المطار وعن هتافات الفرنسيين في طريق الوفد ، وكيف رد عليهم بعبارة مقتضبة، ما يقول ـ وهي: "لقد فهمتكم." Je vous ai compris يذكر جوان موران، المندوب العام في الجزائر والمكلف بالنظام فيها، أن الآلاف من المسلمين الذين استقبلوا الجنرال عند نصب الموتى، جيء بهم من قبل العسكريين وأُرْكبوا بالقوة في شاحناتٍ للمجيء ليشهدوا بالوحدة الجزائرية الفرنسية(14).
ويتعرض ديغول للثوار فيتحدث عن "هؤلاء الذين حملهم اليأس على إثارة القتال المرير والأخوي في هذه البقعة من الأرض، وأنا أعترف أنه يتحلى بالشجاعة ، نعم أنا ديغول أفتح لهؤلاء جميعاً باب المصالحة(15)". وهو يقصد كل الفئات التي كان يتكون منها المجتمع المقيم آنذاك بالجزائر مدنها وقراها، سهولها وجبالها..
ويستعرض وجهة نظر من يسميهم بالمسلمين فيذكر أنه باستثناء بعضهم الذين لهم وظائف رسمية أو هم نواب ـ الذين سيؤيدون السياسة الفرنسية ـ فإن الآخرين "يتحملون الأذى دون الاستسلام" وهو بذلك يعني وقوفهم مع الثورة، رغم أن ديغول يهَوِّن من الأمر باستعمال عبارات بسيطة: الأذى ـ الاستسلام.. ولا يستعمل الثورة أو الاستقلال ، أو غير ذلك من الكلمات والعبارات التي تعترف فيها الواقع كما هو.
ويتحدث عن العسكر الفرنسي في الجزائر فيبين أن فكرته هي الاحتفاظ بالجزائر فرنسية؛ ومع ذلك استنتج تواجد ثلاثة اتجاهات في هذا العسكر، أهمها الاتجاه الذي يضع ثقته في الحكومة القوية التي سيطيعها لحل القضايا العالقة.
ويذكر دور بعض الفرق الفرنسية في مهاجمة الثوار في الجبال والغابات والتصريح بوقوع اشتباكات "حامية الوطيس من جراء وعورة الأرض واستبسال الخصم(16)". ويتحدث عن نجاح المنشآت الواقعة على الحدود الغربية والشرقية من أسلاك شائكة مكهربة وملغمة تعيق دخول وحدات الجيش بالمراقبة وحماية المنشآت ومساندة الشرطة وإقامة الحواجز في البر والبحر.
وهو بهذا يعترف بوجود حرب ثورية في الجزائر، فهو لا ينكرها بل يؤكد وجودها، ولكنه يخفي فشل القوات الفرنسية في التصدي لها، ويقتصر على الجوانب البراقة ليظهر قوات بلده قائمة بواجبها على أكمل وجه.
أما قوات الثورة فهي في رأيه محصورة في الجبال الوعرة (الأوراس ـ النمامشة ـ الحضنة ـ البيبان ـ الونشريس ـ الظهرة ـ الضاية ـ تلمسان ـ الأطلس الصحراوي)، وأنه يعاد تنظيمها هناك بعد بعثرتها، وأن عددها لم يتعد يوماً ثلاثين ألف جندي، وهي لا تتحرك إلا في الظلام وفي الأرياف والبوادي، أما المدن فبفضل نظام منع التجول لا تقع سوى بعض الاعتداءات الفردية، أما سلاحهم فهو ما تحمله اليد من بنادق وقنابل ورشاشات ومدافع أما الدبابات والطيران ومدافع الميدان فمنعدمة.
ويبين استمرار العمل الفردي العادي من مزارعين وعمالاً وموظفين.. في مختلف المؤسسات المدنية والعسكرية دون أية عراقيل، وأن معدل الوفيات يومياً بين الفرنسيين سبعون شخصاً (وسطياً) منهم عشرة يقتلون برصاص الثوار(17).
ويخص الجنرال سالان، القائد العام والمكلف بالسلطات المدنية، بعدة فقرات يتحدث فيها عنه من خلال مرافقته إياه في رحلة تفتيشية قام بها ديغول للجزائر، فيثني على كفاءته ومهارته وجاذبيته الخاصة وإطلاعه على مختلف قضايا الجزائر المدنية والعسكرية ونجاح سياسته تجاه الخصم. إلا أنه يصرح أن سالان لا تتفق وجهات نظره مع أهداف ديغول، وأن شخصيته منطوية على التقلب ومحاطة بهالة من الألغاز، مما جعل ديغول يفكر في إسناد منصب آخر له.
وفي اليوم السابع من جوان 1960 عاد ديغول إلى باريس حيث أعلن عن انسحاب الجيوش الفرنسية من أغلب جهات تونس والمغرب، وعاد ديغول ثانية إلى الجزائر في أوائل شهر جويلية رفقة بيار غيوما وغي موليه. وحتى شهر ديسمبر سنة 1960 زار ديغول الجزائر ست مرات أخر، وتجول في جميع مرافقها، وهو يفتخر بأنه الوحيد من رؤساء الجمهورية الفرنسية الذي قام بهذه الزيارات منذ سنة 1830. أي أنه يثبت أنه رجل ميدان ولا يكتفي بالبقاء في الصالونات والمكاتب.
كما زار بلدان إفريقيا وراء الصحراء في أوت 1958 ليشرح مشروعه حول الاستفتاء الذي سيقدمه لشعوب ما وراء البحار في مسألة علاقتها بفرنسا: الارتباط أو الانفصال، أي أنه قام بحملة لصالح مشروعه ، وقد كانت النتيجة لصالح مشروعه هذا بشكل إيجابي بلغ نسبة 95% ما عدا غينيا التي فضل شعبها الانفصال.
وفي سنة 1959 أعلن ديغول عما أسماه بـ "سلم الشجعان"، حيث دعا الثوار إلى وضع السلاح دون شرط والاتصال بسفارتي فرنسا في تونس والرباط لتنظيم عملية الاستسلام(18). وقد ذكر في مذكراته هاته أنه كان ماض في تحقيق السلام في الجزائر، على أن تبقى الجزائر مرتبطة بفرنسا "والعمل في الوقت نفسه على دعم جهازنا العسكري، بحيث لا يتمكن أي شيء أن يمنعنا، في أي حال من أن نكون في الجزائر سادة مقرراتنا(19)".
وبهذا يؤكد ما فعله ميدانياً من مضاعفة مشاريع القوة والإرهاب في الجزائر والتي قام بها الجيش الفرنسي، منها برنامج شال الذي بدأ تنفيذه في فيفري من سنة 1959 للقضاء على الثورة. ومنها عمليات المهجر Jumelle بالقبائل، ومنها عملية الشرارة ببلاد الحضنة لتطهيرها من الثوار، ومنها عملية الأحجار الكريمة على جبال قسنطينة وأخرى على جبال الونشريس، بالإضافة إلى التفنن في وسائل التعذيب والتوسع في المحتشدات(20).
لقد جرب ديغول مختلف الأساليب لقهر الثورة، أساليب القوة ميدانياً وأساليب الإغراء والمناورة علناً، حتى إذا فُرِض عليه التفاوض يكون في مركز قوة ليفرض وجهة نظره التي ستتماشى طبعاً ومصالح فرنسا، وهي الإبقاء على امتيازات عديدة هي ما يدعى بالاستعمار الحديث: الامتيازات الاقتصادية بالاستحواذ على المناجم ومراكز الطاقة وإبقاء قوات عسكرية في أماكن استراتيجية لحماية هذه المصالح والامتيازات والتركيز على الميدان الثقافي إبقاء للتأثير في هذا المجال.
لقد وضع ديغول القضية الجزائرية من أوليات اهتماماته، لهذا أمسك هذه القضية بكل قوة وبطريقة مركزية، يقول عن ذلك: "فكل قضية هامة تخص الجزائر كانت تعرض على مجلس محدود، ويضم تحت رئاستي رئيس مجلس الوزراء والوزراء وكبار الموظفين والجنرالات المعنيين مباشرة بالموضوع.." ويصل إلى النتيجة التالية، وهي أن "جميع التدابير التي كان يترتب عليَّ اتخاذها كانت ترتكز على معرفة الأمور ودخائلها(21).."
ويتحدث عن محاولات اتصاله بزعماء الثورة، فيذكر أنه كلف عبد الرحمن فارس رئيس الجمعية الوطنية المنحلة، وذلك في 12 جوان للاتصال بالحكومة الجزائرية المؤقتة من أجل التفاوض، إلا أن الرجل تحفظ ثم طلب إعفاءه من القيام بالمهمة.
أما مشروع قسنطينة فقد جاء بناء على تصريح من ديغول في 3 أكتوبر 1958 الذي كان يهدف من ورائه ضمان إخراج الجزائريين من دائرة التخلف(22). ـ ظاهرياً ـ بينما كان هدفه الواقعي محاولة تغيير أوضاع المسلمين الجزائريين خلال مخطط لمدة خمس سنوات تغييراً جذرياً اقتصادياً واجتماعياً، وأن يكون ذلك إلزاماً للعرب والقبائل. وكان ظن ديغول أن مشكلة الجزائريين اقتصادية واجتماعية بالدرجة الأولى، ولهذا فإن وسيلة الإصلاح هذه ستكون الضربة القاضية التي ستلحق بالثورة والثوار(23).
وكان أشد ما يخيف ديغول هو حدوث هزيمة ميدانية أمام ثوار الجزائر، وقد صرح أنه أمر ممكن حدوثه في أي وقت(24).
وفي الوقت الذي كان ديغول يطبق سياسة الشدة عسكرياً وميدانياً وبسرية تامة كان خطه السياسي بالتصريح بالتفاوض وحق تقرير المصير، يحدث الاضطرابات في الأوساط الفرنسية المختلفة، بين المعارضة والتردد والخوف. ويذكر أن المسلمين قابلوا ذلك بالصمت وعدم الاكتراث، أما الدول الأجنبية فقد قابلته بين الشك في إخلاصه أو إمكاناته وبين الحذر العدائي من العالم الثالث والعالم الاشتراكي.
وقد أعاد ديغول وجهة نظره في خطاب ألقاه في 8 جانفي 1959 وهو مستقبل الجزائر المتحولة ذات الشخصية المميزة والمرتبطة بفرنسا برابطة وثيقة(25).
ولكي يظهر من حسن النية أمرَ بإطلاق سراح سبعة آلاف مسلم كانوا موقوفين بالجزائر، وخفضت أحكام الإعدام على بعض الثوار المحكوم عليهم بالإعدام، وتم نقل الزعماء الخمسة الجزائريين الموقوفين، من سجن الصحة في ميزون بلانش Maison Blanche إلى جزيرة إيكس، وأفرج عن ميصالي الذي كان خاضعاً للإقامة الجبرية في فرنسا.
وقد أبدت جبهة التحرير الوطني عن رغبتها في التفاوض مع الحكومة الفرنسية في بلد محايد وبدون شروط مسبقة ، أما الأعضاء المسلمون في المجالس المحلية فقد عبر معظمهم عن مساندتهم لسياسة ديغول، واقترح بعضهم تكوين لجنة للوساطة بين الطرفين المتحاربين ، وهم بذلك يؤيدون الفرنسيين أولياء نعمتهم الذين ألهَوْهم بمناصب وامتيازات لا ترقى أبداً إلى ما كان يحصل عليه أمثالهم من ذوي الأصول الأوربية.
أما الأوساط السياسية الفرنسية فقد أبدت بصمت تأييدها لما يفعله ديغول وتركته يفعل ، وفي شهر أوت من سنة 1959 زار ديغول الجزائر ، واطلع في عدة جهات على سير العمليات العسكرية الفرنسية ضد جيش التحرير الوطني، كما زار عدة بلدات كان الجيش يقوم فيها بجمع السكان لاستقباله، إلاَّ أن ديغول لاحظ الصمت الذي واجهه به هؤلاء السكان رغم أنه سمع من بعض التلاميذ نشيد لامارسييز. وقد أوقفه ذات مرة أمين سر إحدى البلديات بمنطقة القبائل، وقال له بصوت منخفض: "يا سيدي الجنرال! لا يغرنك ما رأيت! فكل الناس يريدون الاستقلال(26)."
ويذكر ديغول أنه سأل في مدينة سعيدة طبيباً عربياً كان ملحقاً بالقوات العسكرية عن رأيه فأجابه قائلاً: "إن ما نريده ونحتاج إليه هو أن نكون مسئولين عن أنفسنا وألا يكون أحد مسئولا عنا(27)". وبهذا اقتنع ديغول ميدانياً بأن طريق التفاوض والتسليم بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره هو الحل الأمثل للطرفين.
وبتاريخ 16 سبتمبر 1959 أعلن ديغول عن حق الجزائريين في تقرير مصيرهم وحذر الجزائريين من أنهم إذا اختاروا الانفصال فإن فرنسا ستوقف عنهم كل دعم ومساندة، وأنها ستقوم باللازم لتجميع الجزائريين الراغبين في البقاء فرنسيين.
وقد أحدث التصريح حفيظة بعض القوى الفرنسية في الجزائر، وظهر التمرد والعصيان وتكونت "الجبهة الوطنية الفرنسية" FNL بكل سرية برئاسة أورتيز. وفي فرنسا تجمع المتطرفون في أقصى اليمين وكونوا "تجمع الجزائر الفرنسية" FAF تحت زعامة جورج بيدو في 15 جوان 1960. وتعدد المعارضون في الجزائر وفرنسا من صحافيين وضباط جيش متقاعدين. وتجهم الجنرال ماسو قائد فرقة جيش مدينة الجزائر في صحيفة ألمانية على سياسة ديغول ـ الذي كان صديقاً له ـ فاستدعاه هذا الأخير إلى باريس.
لم تسر الأمور كما كان يرغب ديغول، فقد أقدم بيار لاغليار عضو الجمعية الوطنية والضابط الاحتياطي هو وطلاب جامعة الجزائر ـ الذين كان يترأس جمعيتهم ـ على الاعتصام بقاعاتها في 23 جانفي 1960 وأقسموا أن يجعلوا منها حصن "الجزائر الفرنسية"، وحاول السكان التجمع في هضبة غليير لمناصرة المعتصمين ودعمهم، لكن الجيش تدخل لإرغامهم على التفرق ، وكان الهدف ـ كما يقول ديغول ـ إرغامه على التراجع عن قراره وهو حق تقرير المصير.
وحاصر الجيش بقيادة الجنرال شال الجامعة لعزلها عن السكان ثم سمح لهم بالاتصال بالمدينة ، وقد تردت الأوضاع كثيراً نحو الأسوأ في الجزائر بوقف المواصلات وإغلاق المخازن بسبب الإضراب، وظهر وكأن المدينة تميل نحو الانفصال(28).
وفي 29 جانفي ظهر ديغول على شاشة التلفزيون بلباسه العسكري ليؤكد بأن حق تقرير المصير للجزائر هو المخرج الوحيد الممكن، وأنه سيستعمل القوة ضد كل خارج عن القانون. وخضع الجميع للأوامر وأخليت المراكز المجاورة للمعاهد ، وحوصر المتمردون الذين انسحبوا شيئاً فشيئاً، وأوقف لاغايارد ليحاكم في باريس هو وغيره من رؤساء الحركة ، وعاد الهدوء إلى الجزائر وسيطر الجيش الفرنسي على الوضع.
لقد وجد ديغول معارضة شديدة من قبل المعمرين في الجزائر والعسكريين الذين لم يقتنعوا بفكر ديغول، لقد عودهم الآخرون بالجزائر الفرنسية، كما أنهم أمضوا قرناً وربع قرن من الزمن في هذه البلاد، وهم ينتسبون إلى أكبر دولة بجيوشها وإمبراطوريتها، فكيف يقتنعون بين يوم وليلة بأن الجزائر ستخرج من أيديهم إلى أيدي من كانوا يحتقرونهم ويستغلونهم أبشع استغلال ، ولكن المآسي التي مثلتها القضية الجزائرية وثورة الجزائر لفرنسا حكومة وشعباً كان المخرج الوحيد منها وترك البلاد لأهلها.
لقد رأى ديغول أن ما يسميه بالتعاون الحديث بدل الاستعمار يخفف عن فرنسا أعباء مرهقة ،ويضمن لها آمالاً باسمة في المستقبل(29).
إنه الاستعمار الحديث الذي يؤدي إلى الاستغناء عن المصاريف الضخمة التي كانت تقوم بها الدولة المستعمرة لإدارتها وجيوشها ومصاريف الحرب، ويكسبها، إن هي أحسنت التصرف، مكاسب ضخمة دون أتعاب ، لقد أرادوا تنصيب حكام يخدمون مصالح المستعمر السابق؛ فيصدرون المواد الخام ويستوردون المصنعات ويبقون على لغة المستعمر وثقافته ويحموها، وهذا ما حدث في كثير من البلاد الإفريقية المستقلة، فكانت هذه إذن رغبة ديغول التي تخدم فرنسا ولا شيء غير ذلك.
وهاهو يُظهر أساه وألمه على فقد الجزائر وغيرها من البلدان التي كانت تتكون منها الإمبراطورية الفرنسية في قوله: "ويجب علي أن أتغلب على الألم الذي يحز في نفسي لإقدامي، عامداً متعمداً، على إنهاء سيطرة استعمارية، كانت تُعد في الماضي مجيدة، وأصبحت اليوم مرهقة مالياً(30)".
ويشير في مكان آخر إلى أن الأفضل للفرنسيين هو أن يتخلوا بإرادتهم عن الجزائر التي أصبحت "صندوق أحزان"(31) مع البقاء في أماكن محددة يقيمون فيها حكماً لمن يرغب في البقاء فرنسيين.
ثانياً- الجزائر:
لقد أولى ديغول أهمية كبيرة للجزائر مما يدل على أهميتها بالنسبة لبلده فرنسا ، وذلك من خلال تخصيص مبحث خاص للجزائر (المستعمَرة والثائرة آنذاك) دون غيرها من مستعمرات فرنسا المترامية الأطراف في مختلف القارات ، تلك البلدان التي تعرض لها في المبحث السابق (الأقاليم فيما وراء البحار)، والذي أخذ الحديث عن الجزائر فيه حصة الأسد.
لقد بدأ الاستعمار الحقيقي في الجزائر، وانتهى في الجزائر ، كانت الجزائر بالنسبة لفرنسا هي ابنتها التي لا يمكن التفريط فيها ، ولقد فقدت فرنسا بسبب حرب الجزائر، مستعمراتها الكثيرة في إفريقيا السوداء والمغرب العربي، لا لشيء إلا لكي تركز جهودها وقوتها للبقاء فيها ، ولكن حساباتها كانت خاطئة ، يقول الشاعر التونسي الشابي ما يلي:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة ** فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ** ولا بد للقيد أن ينكسر
لقد هب الشعب الجزائري من أقصى البلاد إلى أقصاها عاقداً العزم على التحرر والاستقلال، ولم يثنِه عن هدفه أي عائق؛ إلا أن نظرة ديغول لجبهة التحرير الوطني ولرجالها كان يشوبها نوع من عدم المصداقية، حيث كان يفسر رفضها للمفاوضات المشروطة وللحلول النصفية بأنها تعود إلى المزايدات والانقسامات. بينما كان رجال الثورة يريدون التفاوض المباشر، بين ممثلي الشعب الوحيد، أي جبهة التحرير الوطني وممثلي الدولة الفرنسية، ولأن سياسة ديغول الميدانية من خلال الأساليب الحربية التي اتبعها كانت تجعلهم يفقدون الثقة فيه ، ويشككون في أهدافه.
أما الرأي العام الفرنسي فرغم تعدد مشاربه واتجاهاته، بدا أنه حتى المؤيدين للسياسة الديغولية كان يحز في نفسهم التفريط في الجزائر، وهم بذلك لا يستطيعون إخفاء مشاعرهم، حتى وإن لم يصرحوا بها علناً.
وهكذا لم يكن من السهل ـ كما يرى ديغول ـ إقناع الفرنسيين بالتخلي عن الجزائر، ولذلك سار على مهل، خطوة خطوة، ليهيئ الفكر والواقع حتى يبقى سيد الموقف ، وقد عاد ديغول لزيارة الجزائر في شهر مارس من سنة 1960 برفقة أكبر ضباط الجيش وطاف عدة مواقع عسكرية فرنسية، بيَّن فيها للعسكريين أن المهمة لم تنته وأنه يجب البحث عن الخصم والتغلب عليه، أما إنشاء جزائر جزائرية فسيتم في ـ نظره ـ بقرار من الأمة الفرنسية.
وهو يذكر أن الصحافة الفرنسية هاجمته ووصفت رحلته هذه برحلة المطاعم، وأثارت حوله غلياناً مما حمَل جبهة التحرير الوطني على إصدار بيانات حربية زادت من الضغوط المختلفة عليه.
وفي 14 جوان 1960 وجه ديغول خطاباً للشعب الفرنسي جاء فيه ما يخص الجزائر ما يلي: "ما مصير الجزائر؟ إنه لم يَدُر بخلدي قط أنني سأتمكن، بين لحظة وأخرى، أن أحل هذه المعضلة الماثلة منذ مائة وثلاثين عاماً... ولكن بتاريخ 16 سبتمبر، انشق الطريق السوي والواضح الذي يؤدي بنا نحو السلم... إن حق الجزائريين في تقرير مصيرهم هو الحل الوحيد الممكن لمأساة معقدة ومؤلمة.."(32) ووجه كلامه لثوار جبهة التحرير الوطني يدعوهم إلى المجيء لأنه في انتظارهم، وذلك لإيجاد مخرج للقتال، إلا أنه كان يرى تحويل الجزائر الجزائرية إلى بلد مزدهر متحد مع فرنسا ومتعاون مع الاتحادات الفرنسية.
وقد استجابت جبهة التحرير الوطني لهذا النداء ، وأرسلت في 20 جوان وفداً يتكون من علي بو منجل ومحمد بن يحيا إلى مدينة مولان، ولقيهما عن الجانب الفرنسي روجي موريس والجنرال دوغاستين، ولم يتفق الطرفان لتشدد كل منهما بمطالبه، وبعد ثمانية أيام انتهى اللقاء دون اتفاق على أمل اللقاء مرة ثانية.
وقد واجهت ديغول عدة اضطرابات من قبل الفرنسيين الرافضين لفكرة الاستفتاء ولـ "الجزائر جزائرية". ففي الجزائر تجمع حوالي مائة ألف شخص من أنصار "جبهة الجزائر الفرنسية" وتجاوبت معها "الجبهة الوطنية الجزائرية الفرنسية" في باريس، وقد أعرب الجمع عن عدم موافقتهم.. وكان من بين المعارضين الماريشال جوان المولود بالجزائر، الحامل لأعلى رتبة في الجيش الفرنسي، والجنرال سالان الذي التجأ إلى إسبانيا خوفاً من عواقب الأمور، وتبعه آخرون من الذين برأتهم المحكمة الفرنسية على إثر أحداث التمرد السابقة في انتظار عودتهم إلى الجزائر سراً إذا ما واتت الفرصة.
وفي شهر نوفمبر من سنة 1960 استقبل ديغول عدداً من وجهاء المسلمين المنتخبين حديثاً الذين أطلعوه على أن الحل النهائي هو الاتفاق مع "جبهة التحرير الوطني".
وفي 9 ديسمبر من السنة نفسها حل ديغول بالجزائر للالتقاء ببعض الفئات من السكان وبضباط الجيش الفرنسي، وكان إلى جانبه لوي جوكس الذي عين وزير دولة مكلف بالشؤون الجزائرية، وجان موران المندوب العام في الجزائر Déléguée general وعدد من الجنرالات. وفي 9 ديسمبر 1960 حل بعين تموشنت، وفي اليوم الموالي بالأصنام حيث قابله المسلمون بنداء: "الجزائر جزائرية"، بينما أطلق الأوربيون الصفير ونادوا بواسطة مكبرات الصوت: "الجزائر الفرنسية." وبعضهم كان يقول: يسقط ديغول(33).
لقد كان أوربيو الجزائر لا يريدون في هذه الفترة الحديث عن الحكم الذاتي ، ولا عن التعاون بين المجموعتين المسلمة والأوربية، وبقوا معادين لاقتراحات ديغول على الدوام ، وكانوا ينتظرون زعيماً عسكرياً يقلب الأوضاع ، ويستلم السلطة في الجزائر، فيؤازرونه لوضع نظام جديد إبقاء لامتيازاتهم ، ومنعَ كل تغيير يكون لصالح الأغلبية المسلمة.
وفي 11 ديسمبر وقعت صدامات بين الجزائريين والفرنسيين، وكان يوماً دامياً، إنها مظاهرات ديسمبر 1960 التي وصفها بعض الفرنسيين أنفسهم بـ "ديان بيان فو" جزائرية. يذكر جون موري ـ مرافق ديغول في زيارته للجزائر والمكلف بالنظام بهذا البلد ـ أن المظاهرات كانت بالجزائر ووهران يومي السبت والأحد 10 و11 ديسمبر، حيث خرج المسلمون في مظاهرات وهم يحملون أعلام جبهة التحرير الوطني، وقد أطلقت قوات الصاعقة النار على المتظاهرين، مما أدى إلى مقتل واحدٍ وستين شخصاً مسلماً وخمسة أوروبيين وشرطي واحد.
أما في وهران فيذكر 18 قتيلاً و100 جريح و300 موقوف ، أما يوم الاثنين فقد تناقص عدد المتظاهرين ثم اختفت الأسلحة والأعلام ، وفي عنابة قدر عدد القتلى بثمانية أشخاص وثلاثة وثلاثين جريحاً(34).
لقد خرج الجزائريون إلى الشوارع لإعلان دعمهم لجبهة التحرير الوطني، وليقولوا بطريقة ما: "نحن موجودون، يجب أخذنا في الاعتبار".
وقد أدت هذه الأحداث إلى تدخل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ، وذلك بقيام رئيسها فرحات عباس بمراسلة الأمين العام للأمم المتحدة وبعض زعماء العالم كشوان لاي وخروتشوف وماك ميلان وتيتو ونهرو، كما راسل اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أجل الوقف الفوري لأحداث الجزائر الدامية.
وفي 19 ديسمبر عرض كريم بلقاسم قضية الجزائر على الأمم المتحدة وتمكن من الحصول على إدراجها فقرة فقرة على مشروع الحل الذي دافعت عنه 23 دولة أفرو ـ أسيوية، وهو يعترف بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره واستقلاله.
ورغم أن ديغول لم يُعِر اهتمامًاً كبيراً لأعمال الأمم المتحدة فإن هذا التصويت "والمداولات التي أعقبته بَيَّنت ـ كما يذكر جون موران ـ أن كل العالم ضدنا فيما يتعلق بالقضية الجزائرية"(35)
في هذه الفترة كان ديغول بالجزائر يزور بعض المدن في الغرب والشرق ، وخلال خمسة أيام اقتنع منها أن الجزائر سائرة نحو تقرير المصير ، وأن المسلمين مقتنعون بحقهم في الاستقلال، بينما الأوربيون عازمون على حرمانهم من ذلك مهما كلفهم الأمر.
وفي 8 جانفي صوت الفرنسيون في الاستفتاء لمنح الجزائريين حق تقرير مصيرهم أو عدم منحهم، هذا الحق الذي عرضه ديغول على الشعب الفرنسي، حيث صوت لصالح الاستفتاء 15 مليوناً فرنسياً بنعم، وصوت خمسة ملايين بكلمة: لا. وهي أغلبية تمثل 76% وفي الجزائر صوت لصالح الاستفتاء 70% من الأصوات. ولهذا لم يبق أمام ديغول سوى أن يتم ذلك بقرار يصدره هو ـ كما يقول ـ وتناسى أن المفاوضات مع جبهة التحرير الوطني كانت سائرة، رغم أن الاجتماعات كانت متقطعة، إلا أن ديغول كان يلعب على الحبلين مرجحاً الحل العسكري الميداني دون أن يقطع حبل التفاوض.
وبما أنه كان يتوقع تصويت الجزائريين لصالح الاستقلال، فإنه يذكر أن الفرنسيين سيركزون حكماً حول مدينتي الجزائر وليس لفرنسا، لأن ديغول كان يختار بدل الاستقلال نظاماً قائماً على ما يسميه بالتعاون المتبادل بمنح امتيازات لكل من فرنسا والجزائر ، جاء في إحدى خطبه ببلدة شرشال: "هذه الجزائر ترونها ظاهرة كل يوم كما هي، أي جزائر تتكون من المجموعتين، الأولى أغلبية والأخرى التي هي ضرورية لهذه الجزائر، مثل الخميرة ضرورية للعجين، هذه الجزائر تتراءى ستأخذ بقَدَرها بيَدَيْها، يجب أن تبقى موحدة مع فرنسا(36)".
ويتساءل ديغول عن أسباب تردد زعماء الثورة وخوفهم من المجابهة والالتزامات التي تقتضيها المفاوضات الجدية، ويعيد ذلك إلى قلة خبرتهم بالنواحي العملية وإلى التنافس القائم بينهم ، وهو بذلك يحاول زرع الشك بين الثوار ونعتهم بعدم القدرة على المجابهة مما يجعله هو في الصدارة دائماً.
ويتعرض في مذكراته للوفد الممثل للولاية الرابعة الجزائرية الذي التقى به في مدينة باريس سراً والمتمثل في كل من: العسكريين سي صالح وسي الأخضر ورجل سياسي يدعى سي محمد ، ويتحدث عن لقاءات إيفيان وليروس في فبراير ومارس من سنة 1961، حيث انتهت في إيفيان. ويشير إلى أن تلك الاتفاقيات انتهت بأن مَنَحَ الشعب الفرنسي بموجبها الجزائر الاستقلال صراحة، مع التعاون بين الطرفين.
وهكذا يتمادى ديغول في اعتبار استقلال الجزائر منحة منه ومن الشعب الفرنسي وليس أخذا، لأن ما أخذ بالقوة لا يرد إلا بالقوة، ثم لماذا لم يمنح هذا الاستقلال قبل قيام ثورة أول نوفمبر! ولماذا لم يقع التفكير في ذلك إلا بعد فشل الحكومات الفرنسية المتتالية في القضاء على الثورة واستنجاد الفرنسيين به في آخر المطاف؟ في 26 جانفي صرحت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بأنها مستعدة للتفاوض مع الحكومة الفرنسية بشرط أن يتم الاستفتاء بعد جلاء الجيش الفرنسي من التراب الجزائري.
وقبل ذلك بيوم واحد كان الجنرال شال قد طلب إحالته إلى التقاعد لمعارضته لسياسة الحكومة الفرنسية آنذاك ، وفي فانسان تجمعت العناصر المؤيدة لفكرة الدمج بتحريض من جاك سوستيل، وكونت لجنة لهذا الأمر. وفي الجزائر ووهران كون هؤلاء من جميع الفئات منظمة الجيش السري OAS وتضاعفت اعتداءاتها في فرنسا والجزائر.
وفي 11 أبريل وفي مؤتمر صحفي صرح ديغول بما يلي:
ـ الجزائر تكلفنا أكثر مما نربح منها.
ـ الحل هو انفصال الجزائر عنا.
ونبه إلى أن أعمال جيش التحرير الوطني هي التي أملت عليه هذا القول ، وقال: "إذا قمت بكل ذلك، فليس بدافع حركة التحرر الواسعة التي أثارتها الحرب العالمية ونتائجها في جميع أنحاء العالم... وإنما لأنه بدا لي أن إبقاء فرنسا مرتبطة بالتزامات وأعباء تتعارض مع مقتضيات عظمة فرنسا وإشعاعها، لا يتفق مع مصلحتها الحالية، وطموحها الحديث".
كان ديغول يبحث عن مبررات لعرقلة استقلال الجزائر التام، فهو ينكر أن اعترافه بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره ليس خضوعاً وتحت ضغط الحرب التحريرية التي تتزعمها جبهة التحرير الوطني، كما أنه ينفي أن يكون ذلك بسبب رياح التحرير التي اجتاحت العالم أجمع بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، إذن ففرنسا لها وضع خاص ليس كبقية خلق الله، وكأنها تعيش في كوكب آخر منعزل ، أو أنها لا تحس ولا تكترث بما حولها من تغيرات، لقد وقع ديغول فيما قال: "رب عذر أقبح من ذنب".
وفي 22 أبريل 1961 توجه الجنرال شال إلى الجزائر سراً في طائرة عسكرية، حيث استولى على السلطة ودعمه عدة ضباط وكتائب من المظليين، وألقى القبض على المندوب العام جان موران وعلى القائد العام الجنرال غامبييز وكل من يمثل السلطة ونصب محكمة عسكرية للنظر في جرائم الأشخاص المناصرين لمشروع التخلي عن الجزائر والصحراء ، وكان أول عمل قامت به المنظمة قد تم في مطلع شهر مارس سنة 1961 بظهور عبارة OAS على جدران الجزائر، وتم توزيع منشورات للإعلان عن نشأة جبهة حربية مع لجنة عسكرية وأخرى سياسية تحت رئاسة الجنرال سالان.
وفي 25 أبريل بدأ تراجع العديد من كتائب الجيش ومن الضباط عن التمرد والثورة، ثم اختفى قادة الجيش السري لتوجيه العمل سراً ، وقام هذا الأخير بأعمال إرهابية خفية في الجزائر وفرنسا، وقام الجزائريون بأعمال دفاعية لاسيما في مدينتي الجزائر ووهران. وقد أحدث ديغول محكمة عسكرية عليا بموجب المادة 16 من الدستور لمحاكمة المتهمين الرئيسيين (شال ـ ديلّر ـ غورو).
وفي 20 ماي من سنة 1961 اجتمع الوفدان الفرنسي والجزائري للتفاوض في مدينة إيفيان: لويس جوكس يرأس الوفد الفرنسي وكريم بلقاسم يرأس وفد الجبهة، كانت استراتيجية ديغول هي "سنرى ماذا يطلبون منا". ومن أجل إظهار حسن النية قام ديغول بالإفراج عن ستة آلاف جزائري من بين عشرة آلاف محكوم عليهم لأعمال تتعلق بالثورة، وأخلى سبيل بن بلة ورفاقه الموقوفين بجزيرة إيكس ونقلهم إلى قصر توركان، وأطلق سراح مصطفى الأشرف.
كان جوكس حريصاً على مستقبل الجزائر المنفصلة بضمان التعاون الوثيق بين الأطراف ورعاية وضع الأشخاص الأوربيين فيها، وأن تعطى الأفضلية لفرنسا في كل شيء، مع استمرار سلسلة التجارب الذرية والفضائية بالصحراء مع تقديم مساعدات للجزائر في كل مجال، "لكي يتاح للنخبة الجزائرية أن تكتسب الثقافة الفرنسية وأن يتم تعليم الشعب باللغة الفرنسية." أما رغبات الثوار فمبنية على عدم ثقتهم في الطرف الفرنسي، والشك في بقاء السيطرة الفرنسية على الجزائر.
لقد كانت الجبهة تطالب بوحدة الأمة الجزائرية ووحدة أراضيها، ورفض امتيازات خاصة بالمواطنين الفرنسيين والتخلي عن الصحراء.
أما رغبة فرنسا فهي تجميع الأوربيين والمسلمين الراغبين في البقاء فرنسيين في منطقة ضيقة يؤلفون فيها أغلبية السكان تتولى فرنسا حمايتها، والإبقاء على الصحراء بآبار البترول وتجارب القنابل والصواريخ، وإن اقتضى الأمر فصل الصحراء. فماذا تحقق من ذلك؟.
لقد جاءت اتفاقية إيفيان الخاصة باستقلال الجزائر، في كثير من بنودها لصالح الطرف الفرنسي باستثناء وحدة الأراضي الجزائرية واعتبار جبهة التحرير الوطني الممثل الوحيد للشعب الجزائري، وقد تخلصت الدولة الجزائرية من تلك القيود بتوالي سنوات الاستقلال، وفي وقت قصير جداً. لقد أحرز الشعب الجزائري في النهاية على الانتصار ـ كما يقول بن خدة ـ ويعود هذا الفضل إلى "جبهة التحرير الوطني التي عرفت كيف تنظم وتكافح على جبهات متعددة: عسكرية واقتصادية وسياسية وديبلوماسية، والتي لم تغلق الباب أبداً أمام المفاوضات مع الخصم(37)..." مما أجبر فرنسا على الاعتراف رسمياً باستقلال وسيادة الجزائر في إطار وحدة ترابها بما في ذلك الصحراء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
merci okhetiii
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
تفضل اخي
https://libraries.najah.edu/book-details/100034530.pdf
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :