أول أمين عام لرئاسةالأركان الشريف مهدي يروي قصة اغتيال اصغر عقيد في العالم
قاتل شعباني يعيش في بحبوحـة ببـاريس ويحمل الجنسية الفرنسيــة
تناول الشريف مهدي في الحلقة السابقة تفاصيل استشهاد العقيدين سي الحواس وعميروش، وكيفية اكتشاف رفاتهما بعد الاستقلال. ويسلط اليوم الضوء على قضية شائكة أسالت الكثير من الحبر، حيث يكشف الشريف مهدي، المقيم بالإمارات العربية المتحدة، ومستشار الدكتور أحمد صقر القاسمي شيخ إمارة الشارقة، أسرارا تنشر لأول مرة عن إعدام أصغر عقيد في العالم محمد شعباني، وكذلك مشاركة الجزائر في حربي جوان 1967 وأكتوبر .1973
ما هو سبب الخلاف بين العقيد شعباني والضباط الفارين من الجيش الفرنسي؟
العقيد محمد شعباني هو أصغر عقيد في الجزائر، إذ أنه من مواليد 4 سبتمبر 1934 في أوماش ببسكرة، وكان قائد الولاية السادسة (الصحراء)، ولم يرسّموا رتبته كعقيد إلا بعد سنتين من قيادته للولاية، ولكن ما أثر في شخصية شعباني.. اجتماع الرئيس الفرنسي شارل ديغول بالبشاغاوات والقياد في 13 ماي 1958 بقصر الإليزي، وأخبرهم أن فرنسا ستخرج من الجزائر وطلب منهم تحضير أنفسهم وأبنائهم لتولي قيادة الجزائر، من خلال التسرب داخل الثورة، وعاهدوه على ذلك. ولكن شعباني، بعدما انعقد أول مؤتمر لحزب جبهة التحرير في 1964، طلب رسميا من بومدين ألا يتعامل مع الضباط الفارين من الجيش الفرنسي وإبعادهم من مراكز صنع القرار، وعبّر عن رفضه للفرانكفونية، وقال ''لا نريدها في الجزائر''، وشدد على تعريب الدولة. ونحن في الأمن العسكري كنا نراقب الضباط الفارين من الجيش الفرنسي وعلاقاتهم بباريس بدقة، ولكنهم ذابوا في جيش التحرير وخدموا الجزائر، ولم نجد لهم أي ملف أو تعاملات مع فرنسا إلا البعض منهم. ولكننا بعيد الاستقلال مباشرة اكتشفنا عيونا لفرنسا وسط الجنود والضباط الذين أدخلهم عبد القادر شابو، الأمين العام لوزارة الدفاع، إلى الجيش بعد وقف إطلاق النار، وتم طردهم من صفوف الجيش.
هل هذا الخلاف كان سبب تأزم العلاقة بين شعباني وبومدين؟
العقيد شعباني كانت له صداقة حميمية مع محمد خيضر (أحد الزعماء الخمسة والأمين العام للحزب)، وهذا الأخير اقترحه أولا على بن بلة، وقال له ''إذا أردت أن يكون لك نفوذ داخل الجيش عيّن شعباني قائدا للأركان''، والرئيس أحمد بن بلة قال لشعباني ''جهز نفسك لأعينك رئيسا للأركان''، لكن شعباني رد عليه ''نحن قادة الولايات نجتمع ونقرر من يكون قائدا للأركان، أو عليك بتعيين العقيد محند أولحاج قائد الولاية الثالثة لهذا المنصب''. لكن بومدين اعترض على تعيين شعباني قائدا للأركان، واقترح بالمقابل العقيد الطاهر زبيري لهذا المنصب، قائلا لبن بلة إن الطاهر زبيري، نظرا لماضيه الثوري، هو الأجدر. واقترح بومدين على بن بلة تعيين شعباني نائبا أولا لقائد الأركان، والعقيد عباس نائبا ثانيا، والرائد عبد الرحمان بن سالم نائبا ثالثا، إلا أن خيضر اقترح مجددا على الرئيس بن بلة تعيين العقيد شعباني وزيرا للدفاع مكان بومدين، الذي عين نائبا للرئيس. وبعدها وعد بن بلة شعباني بتعيينه وزيرا للدفاع، لكن شعباني قال له ''لا يمكنني أن أدوس على مسؤول ثوري مثل بومدين''، فقد كان شعباني يحترم بومدين، ولكن الأخير اشمأز من اقتراحات بن بلة، ومن مواقف شعباني من الفرانكوفونية.
ولكن لماذا رفض شعباني الالتحاق بمنصبه كنائب لقائد الأركان كما طلب منه الرئيس بن بلة وبومدين؟
ذهبت رفقة العقيد الطاهر زبيري في سيارة سوداء من نوع 403 إلى بسكرة، بطلب من الرئيس بن بلة وبومدين، لإقناع العقيد شعباني بالالتحاق بمنصبه في العاصمة. فسألَنا شعباني من سيعين ( في قيادة الناحية العسكرية الرابعة) مكاني؟ فقلنا له: زرفيني. فقال: والله ما تحشموا.. أنتم ثوريون وتدعمون واحدا من الجيش الفرنسي يحكم الولاية التي كونتها. وتمسك بالبقاء في قيادة الناحية العسكرية الرابعة ببسكرة، وفشلت كل الوساطات لإقناعه بالعدول عن موقفه، حيث زاره العقيد يوسف الخطيب (قائد الولاية الرابعة- وسط الجزائر) والرائد لخضر بورفعة، والرائد عمار ملاح،وعلي منجلي (نائب قائد الأركان خلال الثورة)، وحتى سفير مصر في الجزائر علي خشبة.
هل كان سفير مصر مبعوثا من الرئيس جمال عبد الناصر؟
أرجح أن يكون مبعوثا من الرئيس أحمد بن بلة، ولكن ما يجب الإشارة إليه أن العقيد شعباني اتفق مع محمد خيضر وحسين آيت أحمد على إنشاء ''تنسيقية الدفاع عن الثورة'' في 28 جوان 1964، بعدما اتضحت له ألاعيب الرئيس بن بلة.
لكن حسب بعض الشهادات فإن الرئيس بن بلة كان يحترم العقيد شعباني بشكل خاص؟
كان شعباني مدللا لدى الرئيس بن بلة، وسأروي لك حادثا يوضح لك هذا الأمر، كنا في إحدى المرات من عام 1964 في نادي الضباط بباب الوادي مع الرئيس أحمد بن بلة، ووزير الدفاع العقيد بومدين، وقائد الأركان الطاهر زبيري، حول مائدة غداء بحضور عدد كبير من الضباط السامين، وتأخر العقيد شعباني عن الحضور ثلاثة أرباع الساعة، فشرعنا بتناول الغداء، وحينها ولج شعباني مدخل القاعة فنهض بن بلة من مكانه وتوجه صوبه واحتضنه أمامنا، وطلب من أحد عمال النادي أن يأتيه بكرسي ووضعه بينه وبين بومدين ليجلس عليه شعباني، وتساءلنا حينها عن سبب زحزحة كرسي بومدين إلى الجانب لإتاحة مكان لشعباني بالقرب من الرئيس، وفهمنا أن بن بلة كان يقصد بذلك استفزاز بومدين، وإظهار مدى قرب شعباني منه مقارنة ببومدين.
الرئيس بن بلة كان يدعم شعباني لتقليص نفوذ بومدين، فلماذا انقلب عليه بعد ذلك؟
شعباني كان مغتاظا من الرئيس بن بلة لأنه وعده بأن يعينه وزيرا للدفاع، ولم يف بوعده، لذلك عندما اتصل به بن بلة قال له شعباني ''أنت تشبه السياسويين المتعفنين.. إن لم تكن منهم''، قالها مرتين، وهذا ما أغضب الرئيس بن بلة فأمر الجيش باعتقال شعباني، وقاد العملية العسكرية الرائد الشاذلي بن جديد، قائد الناحية العسكرية الخامسة (قسنطينة)، ونائبه عطايلية، حيث تحركت القوات المجنزرة، وكنت حينها مع العقيد زبيري بباتنة، في مقر القطاع العسكري، ولما بدأت القوات في التحرك ووصلت إلى بسكرة كان شعباني نائما في بيت نائبه عمر صخري، وحصلت مناوشات طفيفة مع رجال شعباني يوم 1 جويلية 1964 في القنطرة (شمال بسكرة)، قتل فيها جنديان من جنود شعباني، الذي لاحقه الجيش فلجأ إلى بوسعادة، ومعه عمر صخري وفنتار وآخرين، وهناك ألقى عليه السعيد عبيد، قائد الناحية العسكرية الأولى، القبض بعد أسبوع من انطلاق العملية العسكرية ضده، ووضعه في سجن وهران في الزنزانة رقم 62، بجوار زنزانة السعيد عبادو، وأحمد طالب الإبراهيمي، والنقيب بوعناني (رئيس الحرس الجمهوري)، تحت مستوى البحر في ظلام، من يدخل إليه قد لا يخرج منه.
من أول من ألقى القبض على العقيد شعباني؟
ضابط اسمه ''رابح''، في سيارة ''دي آس بلاس''، وخلفه سيارة عسكرية من نوع ''لاند روفر'' بداخلها شعباني موثق اليدين، ومن خلف السيارتين سيارة أخرى بها كلاب ألمانية مدربة، وأخذوه إلى سجن وهران.
وهل تم تعذيب شعباني فعلا؟
بل كان مريضا جدا بـ''المرّارة'' كان يتألم ليلا ونهارا منها، ولم تعط له إلا مسكنات، ولكن كان يعامل باحترام شديد. وحتى عندما حاول أحد الضباط الإساءة إلى العقيد شعباني في السجن نهره الرائد السعيد عبيد، وقال له ''هذا سيدك.. أطلب منك احترامه احتراما تاما''، وألزم الجميع بمعاملته باحترام. أما بقية الإطارات التي ألقي عليها القبض أمثال سعيد عبادو، محمد جغابة، حسين ساسي، خير الدين شريف، الطاهر لعجال، عمر صخري وغيرهم، فزج بهم في سجن السيدة الإفريقية eafriqu'dame d notre، والذي يسمى ''دار النخلة'' ويديرها حمداش من الفرقة الخاصة التابعة مباشرة لبن بلة (بعد التصحيح الثوري أدخل حمداش السجن)، وعُذبوا هناك، مع العلم أن الذي كان يعذَّب آنذاك أمام أعينهم، ويا عجب العجاب، هو عيسى مسعودي المذيع الجزائري للثورة، الذي كانت يداه معلقتين، يصرخ ويتألم من التعذيب، ثم بعد هذه المحطة نُقلوا إلى بوزريعة، ثم إلى سجن وهران، ومنه إلى سجن الكدية بقسنطينة، ثم جمعوهم في بيت لتغسيل الأموات بعد إصدار حكم الإعدام على شعباني.
وكيف تمت محاكمة العقيد شعباني؟
بن بلة عيّن محمود زرطال رئيسا لجلسة المحاكمة، وهو مدني يشتغل مستشارا بمحكمة وهران، أما بومدين فعين الرائد الشاذلي بن جديد والرائد السعيد عبيد والرائد عبد الرحمان بن سالم أعضاء في هيئة المحاكمة، وبدأت المحاكمة في 01 سبتمبر 1964 على الساعة 11:00 صباحا، ووجهت لشعباني عدة تهم، أبرزها: التعامل مع الاستعمار الفرنسي، سعيه لفصل الصحراء عن الجزائر، وقوفه ضد الفرانكوفونية، وعدم تطبيق أوامر رئيس الجمهورية ووزير الدفاع، والقيام بعملية انقلابية ضد الحكم. وهذه التهم كلها افتراءات وكذب، فللتاريخ، لم يقم العقيد شعباني بأي عملية عسكرية ضد الحكم، ولم يسع يوما لفصل الصحراء، ولا للتعامل مع العدو.
وهل كانت معاداة الفرانكوفونية جريمة يعاقب عليها القانون حينها؟
كان يُقصد بها معاداة العقيد شعباني للضباط الواردين من الجيش الفرنسي، لأنه خلال مؤتمر الحزب في 1964 قال ''هناك قوة ثالثة يجب تنظيفها''، وكان يقصد هؤلاء الضباط، وعين حينها عضوا في المكتب السياسي للحزب دون إرادته، وشعباني أنكر كل التهم، إلا أنه اعترف بمعاداته للفرانكفونية بجميع أشكالها، وقال: ''كل الذين أوقفتموهم غير مسؤولين، وأنا الذي أتحمل كل المسؤوليات''.
كيف صدر حكم الإعدام ضد شعباني؟
كانت الساعة الحادية عشر ليلا عندما اتصل بنا السعيد عبيد، وكنت حينها مع العقيد الطاهر زبيري في مكتب العقيد هواري بومدين بالمرادية، وأخبرنا عبيد أن ''القرار الذي صدر من المحكمة هو الإعدام، ونرجوا من رئيس الأركان أن يتدخل لدى الرئيس بن بلة لتحويل الحكم إلى السجن مدى الحياة''. وفي هذا الصدد زرت الرئيس الشاذلي بن جديد في 2016، وقال لي ''بعدما أصدرنا الحكم كلفنا السعيد عبيد بالاتصال بالرئيس بن بلة فشتمه''، وقال لي الشاذلي هذا الكلام بحضور العقيد أحمد لخضر دريد والعقيد عز الدين ملاح.
كيف كان رد زبيري على طلب السعيد عبيد الشفاعة لشعباني عند الرئيس بن بلة؟
العقيد زبيري دخل إلى مكتب العقيد بومدين وحده للحديث معه في الأمر، ثم خرجا، فقال بومدين لزبيري ''اترك بن بلة يتحمل مسؤولياته لوحده، ولكي لا يعتقد أنني طلبت منك التدخل.. لا تتدخل''، فرد عليه زبيري ''كيف.. هذا رجل ثوري (شعباني)، مثقف، تسمحو فيه ليحكم عليه بالإعدام''، وأضاف ''غضضنا الطرف عن محند أولحاج، وآيت أحمد، وفعلو بجيوشهما أكثر من شعباني''. وحينها جاءتني مكالمة من الرئيس أحمد بن بلة يستدعي فيها العقيد طاهر زبيري إلى فيلا جولي، ففرح زبيري لهذا الاستدعاء، وقال لي ''هذا السيد (قاصدا العقيد بومدين) لا يريد أن يفهم أي شيء عن شعباني.. إنه يريد رأسه''، ثم أضاف ''هذه فرصة، والله أذهب لأكلمه (يقصد الرئيس بن بلة)''.
ماذا كان رد بن بلة على زبيري؟
لما ذهب زبيري إلى بن بلة، على الساعة 12:30 ليلا، قال له الرئيس هيئ نفسك لنذهب غدا صباحا على الساعة 7:30 إلى القاهرة، للاجتماع مع الرئيس جمال عبد الناصر والقادة العرب، مع العلم أن جدول الأعمال تضمن اجتماع رؤساء الدول العربية، ووزراء الدفاع، ووزراء الخارجية، ووزاء المالية العرب. فبعد هذه التعليمات اقترح زبيري على بن بلة قضية شعباني، فرد ''لا تكلمني عن هذا الرجل.. إنه خائن''، فأثار زبيري قضية آيت أحمد ومحند أولحاج، فقال له بن بلة ''اتركني سأنظر في الأمر''. لكن بعد نصف ساعة من المقابلة أرسل بن بلة برقية رسمية إلى وزير الدفاع، هواري بومدين، طلب منه فيها تطبيق حكم الإعدام المنطوق به على شعباني، في نفس اليوم، وقبل ذهابه إلى القاهرة.
إذن من هو المسؤول عن إعدام العقيد شعباني؟
مسؤولية إعدام شعباني في أعناق كل من أعضاء المحكمة، أولا: محمود زرطال، والشاذلي بن جديد، وعبد الرحمان بن سالم والسعيد عبيد. مع الملاحظة أن الشاذلي بن جديد، في ندوة بالقالة، قال ''بومدين أعطاني تعليمات، إبان المحاكمة، وقال لنا: بن بلة يعطيكم الأمر بالنطق بحكم الإعدام''، ثانيا: رفض العقيد هواري بومدين التدخل في هذا الموضوع بأي صورة من الصور، لأنه كان يكره فكرة تعيين شعباني وزيرا للدفاع، ورفضه الالتحاق بمنصبه، ثالثا: الرئيس أحمد بن بلة رفض تخفيض عقوبة الإعدام إلى المؤبد، رغم طلب العقيد زبيري.
كيف تم تنفيذ عملية إعدام شعباني؟
يوم 2 سبتمبر 1964، وعلى الساعة 04:30 فجرا، أُخرج العقيد شعباني من سجن سيدي الهواري بوهران، بعد أن طُوّق بوحدات الجيش، ونقل على متن سيارة من نوع 403 سوداء، وأخذوه إلى منطقة كنستال بوهران، ثم ربطوا يديه إلى الوراء، وأرادوا أن يضعوا شريطا قاتما على عينيه، لكنه رفض، فسألوه: بودّنا أن تطلب العفو من رئيس الجمهورية، فرد عليهم شعباني ''أقسم بالله العظيم لن أطلب منه شيئا، وعند ربكم ستختصمون''، فقالوا له: هل لديك مطالب أخرى؟ فقال: نعم، أريد أن أرى أخي وصديقي الشريف خير الدين (كان معه في السجن)، ولي والدة صحتها مهلهلة، أطلب من أصدقائي التكفل بها، ولا تتركوا جثتي في هذا المكان، أرجو دفني في مسقط رأسي (أوماش)، أو في سيدي عقبة (المكان الذي استشهد فيه الفاتح الإسلامي عقبة بن نافع)، وقبل ذلك، وعلى الساعة 03:10 فجرا، كانت قد وصلت فرقة الإعدام المكونة من 12 عسكريا وأُدخلوا إلى غرفة بها 12 قطعة سلاح، 6 قطع بها رصاص حي، و6 قطع أخرى بها رصاص أبيض (صوتي)، وتم خلط الرصاص بشكل لا يعرف أي منهم طبيعة الرصاص الذي لديه، حتى لا يُعرف صاحب الرصاصة القاتلة، كي لا يشعر بأي عقدة ذنب في حياته.. وأُعطي الأمر بالتنفيذ، خلف در.. إرم، فأطلق رجال فرقة الإعدام رصاصتهم على شعباني، على مسافة لا تزيد عن 30 مترا على أكثر تقدير، ومع ذلك لم يصيبوه إلا في رجله، ولكن للأسف الشديد اقترب منه قائد فرقة الإعدام، وسحب مسدسه الشخصي وأطلق عليه النار فأرداه قتيلا، وكان هذا مصير العقيد شعباني المحتوم.
من هو الشخص الذي نفذ حكم الإعدام؟
مصطفى السايس وهو من الضباط الواردين من الجيش الفرنسي، هو الذي اقترب من العقيد شعباني وأطلق عليه رصاصتين في رأسه من مسدسه الشخصي، فقتل أصغر عقيد في الجزائر، حيث لم يتجاوز سنه 30 عاما حينها، (30 سنة إلا يومين) عند إعدامه، وكان ذلك على الساعة الخامسة فجرا والدقيقة .14 وترك مصطفى سايس الجزائر وهو يعيش اليوم في بحبوحة بباريس ولديه الجنسية الفرنسية.
متى تلقيتم خبر تنفيذ حكم الإعدام؟
امتطينا الطائرة المتجهة إلى القاهرة على الساعة 7:30 صباحا، وأثناء الرحلة تصفح الرئيس أحمد بن بلة جريدة ''المجاهد''، التي كُتب فيها بالبنط العريض ''خائن الوطن يُعدم صبيحة هذا اليوم''، وبعد أن قرأها طوى بن بلة الصحيفة، وقال بالفرنسية ''للأسف الشديد equel dommag ''، ولكن لم يبد على معالم وجهه أي أثر للتأسف على إعدام العقيد شعباني. وكنت حينها جالسا في أريكة طائرة اليوشين 18 قريبا من الرئيس، ورأيت هذا المشهد، فقلت له في نفسي ''سيأتي دورك لا محالة''.
ما قصتك مع موسى حساني والـ683 مقاتل معارض؟
موسى حساني كان قائدا لقيادة الحدود الشرقية تولاها بعد قيادة موسى مراد، وكان رجلا مثقفا وثوريا بمعنى الكلمة، وبعد الاستقلال طلب منه بوضياف أن يقوم بجمع أكبر عدد ممكن من المجاهدين القدامى، كون النواة الأولى للمعارضة المسلحة، وكان معه الطاهر بن زيادة، حفيظ طبال، مولود بونار، وهناك شخص آخر، حاليا هو جنرال في وزارة الدفاع (تحفظ عن ذكر اسمه)، ومع هؤلاء الضباط كان هناك 683 رجل مسلح قرروا معارضة حكم بن بلة، كانوا متمركزين في جبال تكسانة وضواحيها بجيجل، وذلك منذ أواخر 1963، وقاموا بعمليات مسلحة كثيرة ضد الحكم الفردي لبن بلة، وبمبادرة مني، وموافقة الطاهر زبيري، وبومدين، توجهت صوب جبال جيجل، ونزلت من سيارتي وصعدت إلى الجبل راجلا، بغية لقاء المجموعات المسلحة الموالية لبوضياف وموسى حساني، وكدت أغتال على يد رجالهما، وبعد ثلاث زيارات، آخرها كنت برفقة فايد أحمد، اتفقنا مع موسى حساني أن يترك الجبال ومصاعبها، هو ومجموعته المسلحة، وأن يلتحق بصفوف الجيش، لأن بومدين وزبيري لهما تصور خاص بشأن التعامل مع بن بلة، وفي الأخير نزل حساني في سيارتي الخاصة إلى العاصمة، يوم 11 جانفي 1965، وفي الطريق توقفنا في ثكنة بجيجل التي كان رئيسها آنذاك الضابط جنوحات (حاليا هو برتبة جنرال)، والذي تساءل عن مرافقي في السيارة، فقلت ''موسى حساني''، وطلبت منه التزام الصمت إلى حين إتمام المفاوضات معه في العاصمة. ووصلنا على 03:15 فجرا إلى فيلتي، واحتفظت بسر الموضوع حتى على زوجتي وأخي عمر (نقيب المحامين حاليا بباتنة)، وقلت لهما إنه صديق ليبي. وحصل اتفاق مع الطاهر زبيري، وفايد أحمد، بتعليمات من بومدين، على أن يبلغ الرئيس بن بلة بأن موسى حساني وضع نفسه ورجاله تحت تصرف الدولة، فقبل بن بلة بهذه الفكرة، واشترط علينا أن يكون تحت الإقامة الجبرية في مستغانم، وبالفعل من تلك الفترة إلى 25 جانفي جاء والي مستغانم وأخذ حساني إلى مستغانم، ووضعه تحت الإقامة الجبرية في إقامة الدولة. وبعد فترة وجيزة حصل الانقلاب على بن بلة، واستدعى مجلس الثورة، برئاسة هواري بومدين، موسى حساني، وعُيّن وزيرا للاتصالات السلكية واللاسلكية.
زبيري يتحدث عن مرافقتك له في مهمة عسكرية إلى الشرق الأوسط، قبل اندلاع حرب جوان 1967، هل لديك ما تضيفه بهذا الشأن؟
كنت في مهمة سرية مع العقيد الطاهر زبيري، قائد الأركان، والهاشمي هجرس، إلى الشرق الأوسط، بدعوة من الرئيس المصري جمال عبد الناصر، الذي طلب منا تحسيس الرؤساء العرب، وخاصة الرئيس السوري نور الدين الأتاسي، والرئيس العراقي، لتهيئة وحداتهم العسكرية للهجوم على إسرائيل. ومن الأمور السرية أن الرئيس العراقي أكد لنا أنه مستعد لإرسال 3 ألوية، كل لواء فيه 3 فيالق، وكل فيلق يضم 1000 جندي وضابط (قرابة 10 آلاف مقاتل). والمصريون هيأوا 9 ألوية للقتال، أما السوريون فلم يكونوا جاهزين تماما للحرب، بل أخطر من ذلك وضعوا في الخطوط الأمامية في بحيرة طبرية عسكريين فلسطينيين لمراقبة العدو الإسرائيلي.
ما هو حجم الدعم العسكري الذي قدمه جمال عبد الناصر للجزائر بعد الاستقلال؟
مصر جمال عبد الناصر أرسلت 9 طائرات من نوع ميغ 15 لدعم الجزائر في معركتي تندوف وحاسي البيضاء (حرب الرمال مع المغرب في 1963)، كما أرسل عبد الناصر مخططين مصريين، ولكن طائرة الهيليكوبتر التي كان يقودها الطيار الجزائري، حسين سنوسي، هبطت، عن طريق الخطأ، في منطقة فقيق المغربية، بدل منطقة بني ونيف في بشار، وأسر الجيش المغربي 3 جزائريين، و4 ضباط مصريين، وحيث بقوا تحت التعذيب لمدة 8 أشهر.
وهل شاركت القوات الجوية الجزائرية في حرب جوان 1967؟
بالرغم من الإطاحة ببن بلة في جوان 1965، إلا أن جمال عبد الناصر كانت ثقته في الجزائر كبيرة، حيث أرسل حسني مبارك (الرئيس المصري المخلوع) 6 طائرات مقنبلة كبيرة، من نوع تيبولاف 116، لتفادي تدمير القوات الإسرائيلية لها، بينما أرسلت الجزائر سربين من طائرات ميغ 17، وميغ21، وكل سرب يضم عشر طائرات، أي ما مجموعه 20 طائرة مقاتلة، وشاركت هذه الطائرات مشاركة فعالة في حرب الستة أيام، ولكن عند عودتها سقطت طائرة جزائرية من نوع ميغ 17 في تونس، بسبب خلل تقني.
ماذا عن مشاركة القوات الجوية الجزائرية في حرب 6 أكتوبر 1973؟
لقد وضعت الجزائر أسرابا من طائراتها المقاتلة تحت تصرف مصر، استعدادا للحرب، حيث توجهت 48 طائرة مقاتلة من نوع سوخوي آس دي، وميغ 21، وميغ 17 في أفريل 1973، من أجل المشاركة في أي حرب محتملة مع إسرائيل، وتوقفت في بنغازي (شرق ليبيا) للتدريب، وفي 07 أكتوبر 1973 دخلت مقاتلاتنا مصر، تحت قيادة محمد لخضر دريد، للمشاركة في الحرب (بعد يوم واحد فقط من اندلاع الحرب)، وأصيبت طائرتي ميغ 21 بصواريخ إسرائيلية، لكنها عادت إلى قواعدها بصعوبة، إلا أن طائرة من نوع سوخوي آس دي أصيبت عن طريق الخطأ بصاروخ مصري أرض جو فتحطمت، وقُتل الطيار محمد ظريف ومساعده، وتقدمت حينها قيادة القوات الجوية المصرية باعتذار رسمي عن هذا الخطأ. كما قدمت الجزائر إعانة مالية لمصر، خلال الحرب، بقيمة 300 مليون دولار، ولكن كل تلك المساعدات لم يذكرها الإخوة المصريون في كتبهم، كما لم يتكلموا عن المساعدات السودانية والكويتية وغيرها.
المصدر الخبر ليوم20-01-2016