عنوان الموضوع : في سبيل التفاتة لعلمائنا الأفذاذ من شخصيات الجزائر
مقدم من طرف منتديات العندليب
إن تاريخ الشعوب والأمم أمانة بأعناق أبنائها، يجب عليها أن تحتضنه وترعاه وتخدمه، بكل الوسائل المتاحة وتوفر له كل الإمكانيات اللازمة للتعرف عليه ودراسته واستخلاص الدروس والعبر للاستفادة منه في بناء حاضرها والتخطيط لمستقبلها.
إن الأمم التي تقيم وزنا لتاريخها العلمي والثقافي والسياسي، وتولي اهتماما لتراثها الفكري والإنساني، لا محالة ستأخذ بنصيب وافر من الحضارة المعاصرة، إذ في ذلك سبيل للأخذ بأسباب التقدم والرقي.
ومن علامات التقدم الحضاري والرقي الثقافي: الاهتمام بتراث السلف من العلماء والفقهاء، والتعريف بأعمالهم وكتاباتهم ومواقفهم وتراجم حياتهم. فنلاحظ أنه في البلاد المتقدمة ـ أوربا وأمريكا ـ تقام لهم أياما دراسية وندوات علمية ومؤتمرات دولية، وتشيد لهم التماثيل والنصب التذكارية، وتنشئ جمعيات محلية تهتم بجمع ودراسة ما خلفه هؤلاء العلماء في المبادين المختلفة وتحقيقه ونشره والمحافظة عليه. وأنها تقوم بذلك احتراما لتاريخها لشخصيتها لتراثها لحضارتها.
وغني عن البيان أن تاريخ الجزائر العلمي مليء بالمئات من العلماء والشيوخ والفقهاء والصوفية، وغيرهم من أهل الفكر والمعرفة، الذين أثروا الحضارة العربية الإسلامية عبر مراحلها المختلفة في هذه الرقعة من العالم الإسلامي، وساهموا بعلومهم ودراساتهم في ترقية المجتمع ودفع عجلة الحركة العلمية إلى الأمام. منذ فجر التاريخ والجزائر تساهم بشكل مباشر في ترقية المعرفة الإنسانية، وتضع لبنات في صرح الحضارة العالمية كغيرها من بقية دول العالم، منذ تأسيس بونة 1250 قبل الميلاد إلى يوم الناس هذا. منذ لوكيوس أوليوس مؤلف أول رواية في تاريخ الإنسانية إلى المفكر الإسلامي العالمي المرحوم مالك بن نبي.
وقد عرفت الجزائر على مر العصور الكثير من رجال الثقافة والفكر والعديد من العلماء البارزين في مجالات المعرفة المختلفة من فقه وتفسير وحديث وفلسفة وفلك وغيرها. فمن أشهر العلماء الذين عرفتهم البلاد والذين تجاوزت شهرتهم الحدود: ابن مرزوقالتلمساني، عبد الرحمن الثعالبي، يحي الشاوي، المقري .... والقائمة طويلة.
لكن القضية التي تشغل بال الكثير من الباحثين هي: هذا الإهمال الكبير والتنكر المطلق لتاريخ هؤلاء العلماء الأعلام، فيكاد النسيان يطويهم والتجاهل يقضي على تراثهم. لا نقول هذا الكلام اعتباطا أو تزجية للوقت أو ملئا للفراغ بل تنبيها وتذكيرا وتكرارا وتثنية.
إذ قد لاحظنا إهمال الجزائر لتاريخ علمائها وأعلامها، فلم يعتن علماؤنا بفن التراجم والطبقات، ـ وهو الفن الذي عرف عناية شديدة وحرصت عليه الحضارة العربية الإسلامية.ـ،
لم يسجل لنا التاريخ في الجزائر مآثر العلماء ولم يحفظ لنا أعمالهم، ويعرفنا بمؤلفاتهم ـ إلا من رحم ربي ـ فلا نجد مثلا عملا يشبه تاريخ بغداد للحافظ البغدادي، أو وفيات الأعيان للصفدي، طبقات الشافعية لابن الصلاح، الضوء اللامع للسخاوي...
قد تكون هناك كتابات عنهم إلا أنها لا تحض بالعناية والرعاية الكافيتين، فلم تحقق ولم تنشر على نطاق واسع.
والسبب في اعتقادي يعود إلى عدم تركيز علماء الجزائر في القديم على الترجمة والتأريخ لمن سبقوهم، فقد ذكر العبدري في رحلته أن أهل المغرب الأوسط لا يهتمون بتاريخ وفيات المحدثين والعلماء ولا يلقون لذلك بالا، مع أن من أبجديات علم الحديث معرفة تاريخ وفاة الراوي لتصح الرواية عنه أو لا تصح. وهي من الأمور التي عتب فيها على علماء الجزائر، واستمر الأمر هكذا إلى يوم الناس هذا.
ومن المقولات التي اشتهرت في الأوساط العلمية والثقافية في القرون الوسطى العبارة التي تنسب إلى الحسن الوزان أو ليون الإفريقي: "جئنا للبلد الذي لا يقيم وزنا لرجاله". والمقصود بالبلد هنا الجزائر.
ومن هنا وجد لدينا هذا الشعور العام بعدم الالتفات إلى أعمال ومنجزات الرجال الذين أثروا في تاريخ ومسار البلاد على مدى عقود وقرون متعاقبة.
ولولا جهود بعض المهتمين بالتاريخ والتراث لاندثر هذا المجد وغاب وذهب أدراج الرياح، ونستطيع أن نذكر منهم: أبو العباس الغبريني في عنوان الدراية، ابن مريم في البستان، الشيخ أبوالقاسم الحفناوي في تعريف الخلف، عادل نويهض في أعلام الجزائر. وجاء أخيرا معجم مشاهير الجزائر لجماعة من الأساتذة كما لا ننس كتاب تاريخ الجزائر الثقافي الذي يعد من أهم المصادر والمراجع في تراجم أعلام الجزائر.
ومع هذا لا نزال بحاجة إلى الكثير من البحوث والدراسات التي تميط اللثام عن تاريخ هؤلاء الأعلام وتقدم لنا صورة واضحة المعالم مليئة بالتفاصيل والمعلومات.
فقلما نجد كتابا خاصا بأحد العلماء في ترجمته والتعريف به حتى لما كتب المقري في الترجمة لعالم من العلماء كتب عن لسان الدين بن الطيب ولم يكتب عن عالم من الجزائر.
إلا أننا نلاحظ في الفترة الأخيرة وبحمد الله ظهور نوع من الاهتمام بهذا الفن، والعناية به، ممثلا في إصدار بعض الكتب والرسائل حول بعض الشخصيات العلمية، وبعض الندوات والمؤتمرات التي تعقد هنا وهناك تحت إشراف الدولة أو بعض الجمعيات الثقافية المحلية. نسأل الله أن يستمر ويدوم ويؤتي أكله بإذن ربه.
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
الدكتور محمد بن بريكة اسم لامع في سماء التصوف، ووجه بارز في الحركة الصوفية المعاصرة، يمثل رفقة ثلة من العلماء والمشائخ ـ الشيخ المأمون القاسمي، الشيخ خالد بن تونس، الشيخ عبد القادر العثماني.... ـ، سدا منيعا ضد كل التيارات المنحرفة التي تحاول ضرب الإسلام من الداخل، فهم يجمعون بين العلم والعمل، ويتميزون بالوسطية والاعتدال، والتمسك بالأصالة مع الانفتاح على الآخر، ورفض المناصب والدرجات.
نشأ الدكتور في بيئة دينية محافظة، فهو ينتمي إلى أسرة دينية ترجع أصولها إلى بيت النبوة الكريم، حفظ القرآن الكريم صغيرا والصحاح الست، والمتون العلمية المعروفة، ثم انتقل إلى الجمع بين الطرق الكلاسيكية والطرق الحديثة، فنال شهادة الدكتوراه في الفلسفة المعاصرة من جامعة الجزائر.
عرف بأبحاثه ودراساته الأكاديمية في علم التصوف، وكنا قد أخذنا عنه هذا أيام الطلب في الجامعة في الثمانينيات من القرن الماضي، فهو "الذي شرح لنا كثيرا مما تعذر علينا فهمه (في التصوف الإسلامي) وفسر لنا مبهمه وأجلى لنا غامضه، فأصبح التصوف عنده مادة علمية محببة إلى النفس تختزل أفكار وآراء واجتهادات عقول إسلامية جبارة... فأصبحنا بفضل الله وبفضل تلك المحاضرات القيمة ننظر إلى التصوف نظرة إجلال وإكبار نظرة تقدير واحترام، نظرة محبة وإخلاص...". . وما يزال نفس الحكم قائما، فما زلنا نستفيد من مقالاته ومحاضراته والتي كان آخرها الحصة الخاصة بالذكر في سلسلة الدروس المحمدية التي أتحفتنا بها التلفزة الجزائرية بداية شهر رمضان المعظم.
ومما تميز به أستاذنا الفاضل في هذا الميدان:
أنه يقدم هذا الاتجاه الفكري ـ التصوف ـ بصورة واضحة دقيقة، وبشكل علمي موضوعي، يجمع بين العلوم الشرعية والعلوم المعاصرة والفلسفات الحديثة، وذلك بما يملك من وسائل الإقناع والحوار: علم واف، خلق صاف، سعة أفق، ثقافة موسوعية، يضاف إليها أسلوب طلي سهل ممتنع.
الاطلاع الواسع والعميق على غرر التصوف ودقائقه، تفاصيله وجزئياته: أصوله، نشأته، مدارسه، أعلامه، طرقه، مصطلحاته، أدبياته.... مما يمكنه من الحديث في الموضوع حديث مختص عارف.
الاطلاع على الفلسفة الغربية ونظريات المفكرين الأجانب حول التصوف والفلسفة الروحية في العالم. إذ أنه يجيد عدة لغات ـ فرنسية إنكليزية إسبانية إيطالية ـ مكنته من الإطلالة على الثقافات الأخرى في مصادرها الأساسية. والتصوف كما هو معلوم ليس خاصا بالدين الإسلامي فقط، إذ وجد مع بداية وجود الإنسان على سطح الأرض وعرف في كافة الديانات الأخرى.
اهتمامه الشديد بكل ما يتعلق بالتصوف سواء داخل القطر أو خارجه، يشارك في النقاشات الدائرة هنا وهناك حوله، وفي العالمين الغربي والعربي، من أندونيسيا إلى الولايات المتحدة، فهو خبير دولي في التصوف وهي شهادة لا تمنح إلا لمن شارك بأبحاث علمية عالية المستوى في الموضوع، معترف بها من الجامعات الأجنبية.
الحضور القوي في مختلف الندوات والملتقيات العلمية وكان قد قطع عهدا على نفسه ألا يشارك إلا في الملتقيات الجادة التي تنظمها الجامعات أو المعاهد: ملتقى التصوف أدرار 2000، ملتقى الهاشمي الشريف بالوادي 2003، ملتقى الخطاب الصوفي جامعة الجلفة 2006، مؤتمر حوار الأديان الدوحة 2007، ودعي إليه أكاديميون وعلماء ورجال دين من 40 دولة، وكانت الجلسة التي أدارها الدكتور من أثرى وأهم الجلسات في المؤتمر إذ دارت حول التصوف وأهميته في الأديان السماوية المختلفة ...
العمل بمفرده ((كان إبراهيم أمة وحده))، فهو لا يؤمن بعمل المخابر ومراكز البحث، وفلسفته في ذلك هي الحرية والانطلاق نحو الآفاق البعيدة والمبدعة، فهو يشتغل الآن على إعداد موسوعة الحبيب في التصوف، تقع في ثلاثة مجلدات كبيرة تعرض علم التصوف ومصطلحاته وأعلامه وأمهات الطرق الصوفية في العالم، وهو ما لا تستطيع القيام به فرق بحث متخصصة فما بالك بشخص بمفرده.
دفاعه الشديد والمستميت عن القيم والثوابت الدينية والحفاظ على الهوية والشخصية والوحدة الوطنية للشعب الجزائري وثقافته ومرجعيته ـ وإن كنا نختلف معه في مسألة غياب المرجعية الدينية في الجزائر وضعف جهاز المناعة الثقافي ـ. والمتابع للساحة الثقافية والإعلامية يلاحظ هذا الحضور والتتبع الدائم.
التواضع الجم فقد يقف مع محدثه الساعات الطوال مستمعا ومرشدا، مجيبا عن أسئلة وتساؤلات من غير ملل أو كلل ولا كبر أو ترفع، وهو ما شهد له به القريب والبعيد، وقد عايشنا ذلك أيام الجامعة، فقد كان مكلفا بالدراسات بالمعهد العالي لأصول الدين، وكان يعاملنا معاملة الصديق مع الصديق، وليس معاملة العميد مع الطالب.
هذه بعض الوقفات ـ على حد تعبير السادة الصوفية ـ مع شخصية الدكتور بن بريكة يمكن اعتبارها مفاتيح بحث في فكر الرجل نرجع إليها مستقبلا ـ بحول الله ـ بالتفصيل والشرح وفي فضاءات أوسع وأرحب. نسأل الله أن تكون هذه الشهادة خالصة لوجه الله وأنا لا نزكي على الله أحدا وأنها من باب الاعتراف بالجميل فلا يشكر الله من لم يشكر الناس.
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :