عنوان الموضوع : التاريخ يتكلم ...لدور الأمير عبد القادر الجزائري من شخصيات الجزائر
مقدم من طرف منتديات العندليب
نقود الأمير عبد القادر الجزائري رمز السيادة والاستقلال
بالرغم من وفرة البحوث والدراسات التي ألفت عن حياة الأمير عبد القادر الجزائري والتي تعرضت لتاريخه قائداً، مفكراً وشاعراً ومتصوفاً
فإن معظمها قد اتجهت اتجاهاً واحداً يهتم بتسليط الأضواء على النواحي السياسية والإدارية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، ومحاولة إبراز الظروف التاريخية التي أظهرته قائداً عسكرياً محنكاً ورجل دولة من الطراز الأول. فإن موضوعاً من المواضيع المتعلقة بهذه الشخصية التاريخية ـ التي قدّر لها أن ترفع لواء الجهاد في هذه الفترة المتميزة من تاريخ الجزائر الحديث من أجل استقلال البلاد وتطهيرها من آثار الاستعمار ـ ما زال في رأيي يحتاج لمزيد من البحث، إذ أن النتائج التي توصل إليها الباحثون وعلماء الآثار والمختصون في علم المسكوكات فيه، ليست قاطعة.
الموضوع هو سكة أو نقود الأمير عبد القادر التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنظم الحكم ومفهوم الملك، والتي وصلتنا منها مجموعة هائلة هي الآن ضمن ممتلكات بعض المتاحف الوطنية والمغاربية والأجنبية. وبالرغم من أهميتها بصفتها وثائق رسمية معاصرة للأحداث التي شهدتها البلاد آنذاك، قد تساعد في تشخيص ومعرفة بعض الحقائق التي تتعلق بالفترة التي وجدت فيها، وبغض النظر عن الدور الذي تؤديه بما هي أدوات بحث، فلم تحظ بدراسة علمية وافية من قبل الباحثين، باستثناء بعض الدراسات القليلة النادرة التي نبهت الأنظار إلى هذا الموضوع الشائك واعتبرت أعمال هؤلاء الباحثين البدايات الأولى التي فتحت المجال واسعاً للاجتهاد والتعمق أكثر في دراسة نقود الأمير عبد القادر، ولكن يؤخذ عليها السطحية والعمومية، والتزامها المنهج التقليدي المعروف المبني على الوصف والاهتمام بجدولة النقود وبيان أرقامها ونوع المعدن الذي شكلت منه، وضبط أوزانها وأقطارها ومكان وتاريخ ضربها أو إصداراتها حسب تسلسلها الزمني، دون التركيز على أهميتها الحضاريّة، انطلاقاً مما تحمله من نصوص كتابية ورموز وربطها بمسائل التاريخ، ذلك بأن النقود تعتبر ذات أهمية كبيرة بما تلقيه من أضواء كاشفة على التاريخ، ومدى ارتباطها بالنظم المالية والسياسية. هذا، فضلاً عما تقدمه من معلومات حول التطور الصناعي والفني، ومدى الاستقلال الحضاريّ للدولة التي أشرفت على ضربها( [6]).
وباختصار شديد، فدراسة النقود تعد أداة فعالة في أيدي الباحثين عامة والمشتغلين بالتاريخ الاقتصادي على وجه الخصوص، باعتبارها وسيلة ضرورية في المعاملات والتبادل، ووسيلة معيارية للقيم. ذلك بأن تحديد الأوزان والمكاييل والنقود من أصعب المهام المنوطة بالتاريخ الاقتصادي، حيث لا تخفى الأهمية الكبيرة لهذه الأدوات في الحياة العامة، ولا سيما المعاملات الدينية المرتبطة بتحديد الأنصبة الشرعية( [7]) (كمقدار الزكاة والدية والصداق، إلخ).
ومهما يكن من أمر، فالذي لا جدال فيه أن دراسة نقود الأمير عبد القادر من وجهة نظر علم المسكوكات، ستكشف النّقاب عن جوانب كثيرة من حياته، وبحث الإشكاليات التي تطرحها هذه النقود، وما مدى انتشارها وتداولها، وما مركزها بين العملات الأجنبية التي شاع تداولها في عمليات البيع والشراء ، وإلى أي قاعدة كان يستند نظام النقد الأميري.
ونتساءل عن الأسباب التي جعلت نقود إمارة الأمير عبد القادر مجردة من الأسماء والألقاب، وخصوصاً اسمه بصفته حاكماً شرعيّاً لهذه الإمارة الجديدة. فهل من خلفية تاريخية يمكن أن نفسر بها هذه الظاهرة؟ وما سبب عزوفه عن نقش اسمه عليها، علماً بأنها (أي السكة) تعد في تقاليد نظم الحكم الإسلامية، شارة من شارات الحكم، ووظيفة ضرورية للملك والسلطان. وبالإضافة إلى ذلك، فهناك تساؤلات كثيرة تتعلق بالقاعدة النقدية المستعملة، وعدم تعدد انتشار دور الضرب، واقتصار إنتاج النقود جميعها على دار السكة بتاقدمت فقط.
وهل يمكن اعتبار إصدارات دار السكة هذه تعكس المكانة القانونية للمدنية وعلاقتها بالسلطة المركزية؟
وهي إشكالات عديدة تواجه الباحث في هذا الموضوع، وعليه أن يحاول البحث والاستقصاء والقراءة والمقابلة، لعله يتوصل إلى الإجابة الصحيحة في هذا المضمار.
لكن ينبغي علينا قبل الخوض في مناقشة مسألة النقود الأميرية أن نتعرف طبيعتها وبيان أنواعها باختصار شديد، لأن ذلك ييسّر عملية فهمها وتصنيفها حسب موضوعاتها وتاريخ ضربها.
أولاً: تعريف السكة
تعريف السكة من وجهة النظر التاريخية يمثلها ابن خلدون الذي يصفها بأنها:
الختم على الدنانير والدراهم المتعامل بها بين الناس بطابع جديد ينقش فيه صوراً وكلمات مقلوبة ويضرب بها على الدينار أو الدرهم، فتخرج تلك النقوش عليها ظاهرة مستقيمة بعد أن يعتبر عيّار النقد من ذلك الجنس في خلوصه بالسبك مرة بعد أخرى ويعد تقدير أشخاص الدراهم والدنانير بوزن معين صحيح يصطلح عليه فيكون التعامل بها عدداً، وإن لم تقدر أشخاصها يكون التعامل بها وزناً… ولفظ »السكة« كان اسماً للطابع، وهي الحديدة المتخذة لذلك، ثم نقل إلى أثرها وهي النقوش المائلة على الدنانير والدراهم، ثم إلى القيام على ذلك والنظر في استيفاء حاجاته وشروطه، وهي الوظيفة. فصار علماً عليها في عرف الدول( [8]).
وإذا كانت هذه هي السكة الإسلامية كما عرفها ابن خلدون، فإن نظام السكة في دولة تاقدمت، قام على قاعدتي الفضة والنحاس أو البرونز اللتين كان يجري التعامل بهما جنباً إلى جنب مع العملات الأجنبية المتداولة هناك.
والواقع أن نقود تاقدمت انحصرت في هذين النوعين، أي النقود الفضية والفلوس بأجزائهما، وتميزا بتنوع موضوعاتها، كما اتضح من النماذج التي وصلتنا من هذه الفترة.
وتأسيساً على ذلك، سنقوم بوصفها وتصنيفها حسب أنواعها ونصوصها الكتابية.
1 ـ النّصفية (شكل 1)
نقود النصفية مستديرة الشكل من معدن الفضة، تتألف من كتابتين مركزتين في الوجه والظهر، تؤطرهما دائرتان أو حلقتان من خيوط معدنية رقيقة: الأولى خطية، والثانية من حبيبات متراصة تشبه حبّات اللؤلؤ، نفذت نصوصها بأسلوب الخط النسخي المغربي ذي الحروف المعجمة، بطريقة الحفر البارز، قطرها (8 و14 ملليمتر)، وزنها خفيف جداً قدّر بـ 0,40 غرام( [9]).
واستعملت نقود النصفية، بالررغم من صغر حجمها وخفة وزنها بما هي وحدة نقدية، في مرونة العمليات التجارية خصوصاً البيع والشراء. هذا فيما يخص شكلها وقيمتها الشرائية؛ وبخصوص نصوصها الكتابية، نجد على الوجه كتابة مركزية من أربعة سطور أفقية تشير إلى هذا الاقتباس:
1 ـ الله
2 ـ حسبنا
3 ـ ونعم
4 ـ الوكيل (شكل 1).
ويقرأ هذا الشعار هكذا: »حسبنا الله ونعم الوكيل«.
وعلى الظهر كتابة مركزية أيضاً من أربعة سطور تشير إلى مكان الضرب وتاريخه.
1 ـ ضرب
2 ـ في
3 ـ تاقدمت (شكل 1)
4 ـ 1250.
ويلفت الانتباه هنا كتابة التاريخ بالأرقام الهندية. وهذا الأسلوب في التعبير عن التاريخ ظهر مع الأتراك العثمانيين لأول مرة في تاريخ المسكوكات الإسلامية. ومنذ ذلك الوقت، أصبح تقليداً في الجزائر حتى عهد الأمير عبد القادر الجزائري.
2 ـ نقود فضية مجهولة الاسم
حسب مجموعة باريس، أورد هنري لافوا (Lavoix) في دليل المسكوكات الإسلامية ـ المجلد الثاني "إسبانيا وإفريقيا" ـ وصفاً مقتضباً لنقد فضي نادر يحمل رقم 1098، يعتبر الفريد من نوعه في المجموعات النقدية المعروفة حتى اليوم.
النقد مستدير الشكل من معدن الفضة، مؤطر من الوجهين بثلاث حلقات تضم الكتابتين المركزيتين، اثنتان خطيتان، والثالثة مدبّبة، قطرها 28 ملليميتراً ووزنه 6,03 غرام. وبعد هذا، نتساءل عن الأسباب التي جعلت هذا النمط من النقود يظهر على هذه الصورة. فهل كان بمثابة نقود المناسبات أو نقود دعاوية. المهم سوف نعتمد المنهج الوصفي التحليلي المقارن في دراسة نقود الأمير عبد القادر.
أما فيما يتصل بنوع الكتابات المسجلة على هذا النمط الفريد، فهي جديدة في معناها ومغزاها والهدف الذي ترمي إليه. ففي مركز الوجه كتابة من أربعة سطور أفقية متوازية تشير إلى الآية القرآنية التالية، نفذت بطريقة الحفر البارز بأسلوب الخط النسخي المغربي كما سبق أن أشرنا.
1 ـ ربنا
2 ـ أفرغ علينا
3 ـ صبراً وتوفنا
4 ـ مسلمين( [10]). (شكل 2).
وخصصت كتابة مركز الظهر لتسجيل مكان الضرب وتاريخه بالطريقة المعروفة:
1 ـ ضرب
2 ـ في
3 ـ تاقدمت
4 ـ 1250.
ومع أهمية الشعار من الناحية الدينية والسياسية، يبقى هذا النوع مجهولاً بين النقود الأميرية المعروفة. والسؤال الذي تثيره في هذا الصدد، هو: هل استعملت في التداول والمعاملات في الحياة اليومية والأنصبة الشرعية؟ وهل كانت من نقود الصلة والمناسبات ضربت خصيصاً لتخليد ذكرى أو حادثة معينة في تاريخ الدولة. كل هذه التساؤلات ستبقى علامة استفهام في تاريخ النقود الجزائرية الحديثة، لندرة المعلومات حولها، ولعل الحفائر العلمية المنظمة التي ستنطلق في المستقبل القريب ـ إن شاء الله ـ كفيلة بإعطاء الإجابة العلمية المقنعة في هذا المجال.
3 ـ المحمدية (اللوحتان 1 ـ 2)
تندرج نقود المحمدية، من حيث التصنيف النوعي، ضمن الفلوس النحاسية التي تمثل القاعدة النقدية الثانية في نظام سكة تاقدمت، وهي مستديرة الشكل من النحاس الأحمر، تتألف تصاميمها الهندسية من ثلاث حلقات من خيوط رقيقة، اثنتان خطيتان تتوسطهما حبيبات متراصة على أبعاد متساوية شبيهة بحبات اللؤلؤ، والثالثة مدبّبة، والحلقتان الخطيتان تؤطران الكتابة المركزية في الوجهين، قطرها يتراوح بين 16 و17 ملليميتر، ووزنها يتأرجح بين 0,9 غرام و1,24 غرام.
تحمل الفلوس النحاسية نصوصاً كتابية على غرار سابقتها من حيث الشكل، وتختلف عنها من حيث المغزى والمعنى.
في الوجه كتابة من ثلاثة سطور أفقية متوازية تشير إلى الآية القرآنية التالية:
1 ـ إن الدين
2 ـ عند الله
3 ـ تاقدمت
4 ـ الإسلام (لوحة)
أما كتابة مركز الظهر، فتحتوي هي أيضاً على مكان الضرب وتاريخه في أربعة سطور هي:
1 ـ ضرب
2 ـ في
3 ـ تاقدمت
4 ـ 1256( [11]).
4 ـ صنف آخر من فلوس تاقدمت
يعتبر هذا الصنف امتداداً لنقود »المحمدية« من حيث الشكل والحجم، ويختلف عنها من ناحية المحتوى أو الشعار المسجل عليها. فنقرأ في مركز الوجه:
1 ـ ربنا
2 ـ أفرغ لنا
3 ـ صبراً
4 ـ وثبت أقدامنا( [12]).
وفي الظهر كتابة مركزية تنص على مكان الضرب وتاريخه. وبعد أن قدّمنا وصفاً مختصراً عن أهم الطرز النقدية التي أصدرتها دار السكة تاقدمت، وتتمة لهذا الموضوع، لابد من التطرق لدار السكة التي تعتبر في عرف الدول من مستلزمات مقومات الدول الاقتصادية، وإحدى ركائزها المالية. فظهور هذه المؤسسة يكشف عن اهتمام الدولة بإيجاد خزينة عامة تمدها بما تحتاج إليه من نقود لتغطية حاجاتها الاقتصادية ونفقاتها على المشاريع العمرانية والعسكرية. وبناء على ذلك، يمكن طرح هذا السؤال، وهو: هل أدت هذه المؤسسة الدور المنوط بها والغاية من إنشائها؟
5 ـ دار السكة( [13]) بتاقدمت وظهور نقود الأمير
مما لا جدال فيه أن عملية سك النقود العثمانية بالجزائر عامة، والنقود الجزائرية على عهد الأمير عبد القادر على وجه الخصوص، تعتبر من بين مواضيع مختلفة يصعب بحثها والتحدث عنها بسهولة ودقة متناهية. هذا، علماً بأن النقود العثمانية بأنواعها المتعددة من ذهب وفضة ونحاس، ضربت بالجزائر على نطاق محدود، واقتصر إنتاجها أيضاً على مناطق معينة. هذا إذا عرفنا أن بعضها كان يجلب من الآستانة، حاضرة الخلافة العثمانية. وقد عثر على كميات هائلة تحمل اسم سلاطين آل عثمان، وكانت كل المعاملات تتم في فلكها. واستمر الحال كذلك، ليست للجزائر عملة مستقلة لها شخصيتها، إلى أن أسس الأمير عبد القادر دار السكة بتاقدمت تتولى هذه المهمة وهي إصدار النقود وفق مواصفات ومعايير خاصة حددها وأشرف على تنفيذها بنفسه.
والملاحظ أن نشاط دار السكة الجديدة التي لا نعرف تاريخ إنشائها على وجه التحقيق قد اقتصر على إنتاج النقود الفضية (الخراريب) والنحاسية، وهذان الصنفان أطلقت عليهما تسميات خاصة، تمييزاً لهما عن بقية العملات الأجنبية التي غزت السوق الجزائرية وأصبحت متداولة في المعاملات.
والمتتبع لهذا الموضوع يجد صعوبات تتمثل في قلة المعلومات الخاصة بتاريخ التأسيس أولاً وأساليب صناعة النقود ثانياً. هذا، فضلاً عن المراحل التي تمر بها النقود مذ كانت سبيكة معدنية إلى أن تصبح عملة نقدية قابلة للتداول والانتشار. والجدير بالملاحظة أن جل ما وصلنا بخصوص هذا الموضوع لا يعدو بيانات ضئيلة جداً لا تفي بالمطلوب( [14]).
وهكذا، فمع غياب البيانات والمعلومات المتعلقة بالأعمال التي تجرى بدار الضرب وأهم الوظائف، نلجأ إلى النقود نفسها للوقوف على تقنيات الصنع والإنتاج النقدي. وبالاستناد إلى المجموعات النقدية التي ترجع إلى هذه الفترة والتي قمنا بفحص ودراسة نسبة كبيرة منها، يمكن القول إن النقوش أو الكتابات البارزة على وجهي السكة تساعد في تحديد الأسلوب المستعمل في حفرها، وهو قالب الضرب بطريقة معكوسة، خصوصاً وأن طريقة الضّرب هذه كانت التقنية التقليدية المعروفة في إنتاج النقود سواء كانت فضية أو نحاسية. وتمتاز هذه الطريقة بالكتابات الواضحة والحروف المحدّدة. ومن خصائص هذه التقنية أن سطح النقود خال من النتوءات في خامة السكة نتيجة الفقاقيع الهوائية التي قد تكون آثارها موجودة على سطح القوالب المصبوبة( [15]).
وانتشرت فكرة عمل قوالب محفورة حفراً مباشراً في المغرب الإسلامي وصلنا منها قالب من حديد يرجع إلى عصر علي بن يوسف بن تاشفين( [16]) المرابطي، يوجد الآن بالمتحف الوطني للآثار بالجزائر. والملاحظ أن القوالب نفسها انتشر استعمالها كذلك بالجزائر في العهد العثماني. وإذا أخذنا في الاعتبار الأعداد الهائلة من نقود تاقدمت التي ضربت في فترة القرن التاسع عشر الميلادي، فقد لا تتفق مع الأخذ بفكرة القوالب التي حفرت كل واحدة على حدة؛ لأنها لا تساير حاجة الدولة إلى نقودها اللازمة لكافة العمليات التجارية( [17]). هذا، فضلاً عن أن السك بقوالب محفورة حفراً مباشراً تحتاج إلى نسخ كثيرة تتناسب وأعداد النقود التي يمكن إنتاجها بالقالب الواحد، علماً بأن مثل هذه القوالب المحفورة لا تستطيع أن تقاوم عملية الضّرب المستمرة لمدة طويلة دون أن تتعرض للتشقق أو تتعرض حافات نقوشها للتلف. وفي هذه الحالة، لابد من أن تكون قوالب السك متوافرة بشكل كبير عن طريق صبها عن نسخ أصلية محفورة مباشرة.
وبالرغم من قلة النماذج الفضية (النّصفية) التي وصلتنا، فهي تؤكد طريقة صنعها بالقالب المحفور حفراً مباشراً، وإن كان الانتفاع منها محدوداً بسبب عدم طواعيتها للمقاومة الشديدة على الضّرب لاستعمالها مرات عديدة لإنتاج أعداد كبيرة من النقود على طراز واحد بواسطة الطرق على هذه القوالب، هذا إلى أن إنتاج نقود معينة في السنة كان يتطلب توفير قوالب محفورة مباشرة بهذا التاريخ( [18]).
ولما كانت العملية التقنية تقتضي السرعة في الإنتاج والاقتصاد في النفقات، ظهرت الحاجة إلى استبدالها بإنتاج قوالب مصبوبة. وباختصار، نشير إلى أن إعداد خامة السكة، أي النقود أو السبيكة التي تختم بها قوالب السك، يمر بمراحل رئيسة، أهمها تلك التي تعرف باسم »الحافة«، وهي سبك الذهب المخلوط بالفضة أو بغيره من المعادن، وتخليص كل معدن مما قد يكون مختلطاً به من الشوائب. وتتم العملية في دار الضّرب حيث يصفّى ويضبط عيّاره لتضرب منه النقود( [19]).
أما سبيكة الفضة، فإعدادها يكون أيسر من سبيكة الذهب. ولكن الإشكالية هنا تتعلق بإعداد سبيكة النحاس، ذلك بأن المراجع التي بين أيدينا لم توضح العملية تماماً باستثناء القلقشندي الذي أعطى معلومات هامة حول صناعة السكة وقسمها إلى صنفين: »مطبوع بالسكة، وغير مطبوع«( [20]). وفي هذا الشأن يقول: »أن يسبك النحاس الأحمر حتى يصير كالماء ثم يخرج فيضرب قضباناً ثم يقطع صغاراً ثم ترصع وتسك بالسكة. وسكتها أن يكتب على أحد الوجهين اسم السلطان ولقبه ونسبه، وعلى الآخر اسم بلد ضربه وتاريخ السنة التي ضرب
تابع
ويجب أن نذكر هنا أن النقود النحاسية التي ضربت بتاقدمت قد استعمل في سكها الطريقة التقليدية نفسها المعروفة في صناعة السكة النحاسية الإسلامية، وذلك لأن معظم سك النقود إن لم يكن كلها قد صنعت بسبيكة مطروقة. يدل على ذلك أن كثيراً من هذه القطع النقدية جاءت مكسورة الحواف غير منتظمة في أغلب الأحيان، وأنه قلما نجد قطعة تشبه الأخرى؛ كما أن عدم تقابل مركز الوجه مع مركز الظهر في النقود الأميرية يفسر لنا أن صناع دار الضّرب عندما كانوا يسكونها تزحزح أحد القالبين تزحزحاً عارضاً من آثار الضّرب.
وفي ضوء المعطيات السابقة، يتبين أن صناعة نقود الأمير عبد القادر كانت تتم بالقوالب المحفورة حفراً مباشراً. ومع ذلك، فإننا لا نستبعد استعمال القوالب المصبوبة، ولا سيما في حالة النقود الفضية (النّصفية).
ومهما قيل بشأن هذه المسألة الشائكة، فإنه لا يعدو مجرد تفسيرات وتأويلات، تقربنا من الحقيقة. ويدعم رأينا هذا ما وصلنا من نقود تنطبق عليها تلك المعطيات التقنية.
وموضوع صناعة النقود يجرنا إلى بحث الناحية الإدارية والفنية بدار الضّرب بتاقدمت. فحسب المعلومات القليلة التي تتعلق بهذه الناحية، نجد أن جل الموظفين بدار السكة، وخاصة منهم السكاكون والمكلفون بإنتاج النقود، كانوا من اليهود. ولكن يظهر أن النقاش (الفتاح) الذي يشرف على إعداد حفر قوالب ونقشها (أي حفر نصوفها الكتابيّة) كان من العرب الذين لهم دربة ودراية بهذا الفن.
ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذا الشأن هو: ما مصادر إمداد دار السكة بالسبائك اللازمة لقيام صناعة النقود؟
المعروف من الناحية الطبيعية توفر مناطق معينة ضمن مجال الدولة الحيوي على مناجم النحاس والحديد وغيرها، والتي اهتم بها الأمير شخصياً وعين من يشرف عليها ويراقب الأعمال فيها؛ نظراً لأهميتها الاقتصادية والمالية. يتجلى حرصه واهتماماته بذلك من الرسالة التي بعث بها إلى ممثله بالمغرب الأقصى يشرح له فيها عدم حاجته إلى شراء سبائك الرصاص التي كان يستوردها، بسبب ما توافر لديه من مناجم النحاس الكثيرة التي تم اكتشافها واستغلالها في إنتاج النقود أو الفلوس التي كانت رعاياه بحاجة إليها( [22]). ولعل وفرة النحاس في مجال نفوذ الدولة كانت من بين الأسباب التي أدت إلى الاعتماد على قاعدة النحاس نظاماً نقديّاً رئيساً.
ومن ناحية أخرى، ما زلنا نجهل الأسباب أو الصعوبات التي حالت دون استعمال قاعدة الفضة (Silver Standard). هل يعود ذلك إلى قلة مناجم الفضة؟ أو يرجع إلى اعتبارات أخرى؟
وما دمنا بصدد دراسة نقود الأمير عبد القادر، لابد من الإشارة إلى دار السكة، التي ما زال يكتنف تاريخ إنشائها الغموض. فالمعلومات بخصوص تاريخ ظهورها وموقعها في الحاضرة تاقدمت تكاد تكون منعدمة تماماً، باستثناء بعض الإشارات المقتضبة التي وردت ضمن تقارير وأوصاف لفرنسيين سواء كانوا قناصل أو باحثين( [23]).
وهكذا، فبالرغم من أهمية هذه المؤسسة في إنتاج آلاف القطع التي تحتاج إليها الدولة كل سنة وعلاقتها القانونية بالسلطة، بالرغم من ذلك لم يولها المؤرخون المعاصرون، من رحالة وشاهدي عيان، ما تستحقه من التسجيل وحتى المخططات الطبوغرافية التي وضعت لمدينة تاقدمت لم تحدد موقعها ومركزها من عمران المدينة (انظر خريطة 1. 2. 3).
ومهما يكن من أمر، فإن الحديث عن دار السكة بتاقدمت في الوقت الراهن يبقى احتمالات فقط.
وموضوع إنشاء دار السكة يقودنا إلى بحث مسألة لا تقل أهمية عنه من حيث ارتباطها بمفهوم الملك ومستلزمات الدولة الجزائرية الناشئة، ونعني به تأريخ ظهور النقود بخصائصها الجديدة وبداية تداولها في ممتلكات الأمير عبد القادر الجزائري. الواقع أن هذه المسألة لم يحسم الخلاف فيها بين المختصين والمهتمين بتاريخ الأمير عبد القادر، إذ ليس بين أيدينا مصدر نستقي منه معلومات دقيقة بخصوص بداية إنتاج النقود وطرحها في الأسواق للتداول غير بيانات ضئيلة متفرقة مقتضبة أحياناً، ومبهمة غالباً. ولذلك فإننا نلجأ للحسم في مسألة تحديد التأريخ إلى النقود نفسها التي تعتبر وثائق رسمية معاصرة للأحداث.
وحسب المجموعات النقدية المعروفة بين الباحثين وعلماء المسكوكات، فإن أقدم النماذج التي وصلتنا من النقود النحاسية ومن إصدارات دار السكة بتاقدمت ترجع إلى سنة 1250 هـ/ 1834 ـ 1835 م( [24]). وأحدث النماذج المؤرخة التي وصلتنا من النقود ترجع إلى سنة 1258 هـ/ 1841 ـ 1842 م.
وبناء على ما تقدم، نستطيع القول إن أول عملة جزائرية طرحت للتداول كانت سنة 1250 هـ/ 1835 م تعبيراً عن قيام الدولة وسيادتها واستقلالها، وعليها شعار مؤسسها المتميز المقتبس من القرآن الكريم، نقش على وجهها في ثلاثة سطور أفقية (إن الدين ـ عند الله ـ الإسلام)، وفي الوجه الآخر تاريخ الضرب ومكانه. والملاحظ عن هذه العملة التي تعتبر فاتحة عهد المسكوكات الجزائرية خلوها من الأسماء والألقاب الفخرية التي كانت صفة ملازمة في مسكوكات سلاطين آل عثمان بالجزائر والسكة الجزائرية بصيغتها الجديدة التي وصلتنا منها مجموعة كبيرة، تفند ما صرّح به القنصل Daumas والمصرفي Ernest Picard، من أنها ضربت باسم الأمير عبد القادر( [25])، بل أن عملية الضرب اقتصرت على الفلوس النحاسية فقط دون غيرها من النقود الأخرى، حسب زعم Garcin الذي أعطى وصفاً مقتضباً لنشاط دار السكة ذكر فيه أن قلة الإمكانات المالية حالت دون ضرب نقود فضية( [26]). غير أن ما وصلنا من نقود ينفي صحة هذا الادعاء الذي لا يقوم على أسس علمية صحيحة( [27]).
وبخصوص النقود الجديدة بتاقدمت، فقد ذكر صاحب كتاب "تحفة الزائر"( [28]) وصاحب كتاب "وشاح الكتائب"( [29]) أن هناك نوعين مختلفين هما: المحمدية والنّصفية، وهما العملتان اللتان ساد التعامل بهما في الأسواق جنباً إلى جنب مع العملات الأجنبية التي غزت الأسواق الجزائرية وانتشر تداولها منذ العهد العثماني، وكانت تمثل في الحقيقة خليطاً معدنياً من نقود العثمانيين والإسبان والفرنسيين والأنجليز والمغرب وتونس، إلخ.
والحقيقة أن تعدّد العملات في الجزائر قد خلقت وضعاً نقدياً صعباً أدى إلى تعقيد عمليات البيع والشراء في داخل الجزائر وخارجها. فكيف عالج الأمير عبد القادر هذه المشكلة، خصوصاً عملية الصرف؟
6 ـ الوضع النقدي ومشكلة الصّرف
كانت النقود المتداولة في أول عهد دولة الأمير عبد القادر خليطاً من النقود العثمانية المضروبة بأسماء سلاطين آل عثمان والتي عرفت بـ »السلطاني« و»نصف السلطاني« و»الربع«، وجميعها من معدن الذهب، بالإضافة إلى النقود الفضية العثمانية كذلك والتي اشتهرت بتسميات مختلفة مثل »ريال بوجو« ( [30]) و»الصايمة« و»ريال دراهم« التي تساوي ثلث »ريال بوجو«، وتشمل نوعين آخرين هما: »ريال دراهم« قديمة وجديدة( [31]) . وضربت هذه الأنواع في القسطنطينية والولايات الجزائرية منذ أول عهد العثمانيين بها، فعرفت المدن الرئيسة، مثل الجزائر وقسنطينة، دور ضرب خاصة بها. واستمر الضرب جارياً بها حتى العهد الاستعماري. وإلى جانب النقود العثمانية بنوعيها الذهبي والفضي، عرفت الجزائر نتيجة ازدياد أهميتها التجارية في تلك الحقبة أنواعاً أخرى من النقود الأجنبية الشائعة في معاملاتها المالية مثل العملات الإسبانية والتونسية والمغربية والفرنسية( [32]).
وإذا كانت هذه هي صورة الوضع النقدي بالجزائر عند قيام دولة الأمير عبد القادر، فإننا نتساءل عن دور نظامه النقدي بين هذه الأنظمة النقدية المختلفة وما مركز عملتي المحمدية والنّصفية في التداول اليومي؟ وما الإجراءات التي اتخذها إزاء هذا المشكل؟ يتبين من استقراء التاريخ السياسي لدولة الأمير أن هذا الأخير كان يعي المشكلة النقدية تماماً، وأنه بحث عن حلول لها في نطاق ما ضربه من نقود نحاسية وفضية. وأمام اضطراب المعاملات، لجأ إلى إصدار تسعيرة رسمية للنقود وصرفاً محدداً لها. وهو ما أشار إليه صاحب كتاب "تحفة الزائر" بقوله( [33]):
إن مولانا جعل المسكوكات الجارية في البلاد صرفاً معلوماً، تتعامل به رعيته، وسك ـ نصره الله ـ نوعين من العملة، إحداهما المحمدية، والأخرى النصفية. فجعل صرف »الدورو أبو مدفع« ( [34]) المعروف بـ »أبي عمود« أربعة ريالات، وكل ريال فيه ثلاثة أرباع »جزائرية«، وكل ربع جعل صرفه ثمان »محمديات«، وكل »محمدية« فيها »نصفيتين« من السكة الجديدة المضروبة في دار السكة، بحيث إذا أطلق الريال لا ينصرف إلا إلى هذا الصرف، وجعل »الدورو الجزائري« ثلاثة ريالات إلاّ ثمان »محمديات«. وبهذا الصرف يعطي راتب العسكر بأصنافه.
ولم تكن النـقود الجزائـرية المحدودة كافية لسد حاجة السوق التجارية المحلية أو الخارجية، مما أدى إلى تداول النقود الأجنبية بكثرة. لذلك حدد لها الأمير عبد القادر أسعاراً رسمية، وجعل وحدتها الريال. وحسب البيانات التي حققها F. Patroni في زمانه، تكون المعادلات على هذا النحو( [35]):
ـ الدورو بومدفع 5,40 فرنكات وأربعون سنتيماً.
ـ الدورو الجزائري 3,60 فرنكات.
ـ الريال (أي ربع الدينار) 1,35 فرنكاً وخمسة وثلاثين سنتيماً.
ـ ثمن الريال 0,45 سنتيماً ( [36]).
وبالمقارنة مع هذه المعادلات السابقة يكون صرف نقود الأمير مقابل الفرنك الفرنسي هكذا:
المحمدية 0,05 سنتيماً.
النّصفية 02,5 سنتيماً ونصف.
أما »ريال بوجو«، فقد ذكر المصرفي إرنست بيكار (Ernest Picard) ( [37]) أن قيمته مقابل الفرنك الفرنسي قد حدّدت بـ: 1,86 سنة 1830، لكن قيمة الصّرف تغيرت وانخفضت في عهد الأمير عبد القادر، فأصبحت 1,35 فرنك فرنسي.
ومع ذلك، فإنه برغم الجهود التي بذلها الأمير في ميدان الإصلاح المالي، لم ينجح في إقرار نظام نقدي مستقل يخدم مصالح دولته في المجال الاقتصادي ويبعدها( [38]) عن التبعية النقدية الأجنبية.
ومما زاد في سوء الأوضاع النقدية وعدم استقرارها، وما تركته من آثار سلبية على الحياة الاقتصادية، رفض بعض المتعاملين مع الأمير عبد القادر قبول عملاته الجديدة النحاسية والفضية في المبادلات التجارية الخارجية. ومن بين الدول التي وقفت هذا الموقف فرنسا وسلطنة المغرب. ومما زاد الطين بلة وأدّى إلى زعزعة أركان النظام النقدي الذي أسسه الأمير أن تقدير الضرائب والمرتبات ودفع أجور الموظفين والعسكريين كان يتم وفق الريال.
والواقع أن هذا الموضوع يحتاج إلى مزيد من الدراسات الاقتصادية التحليلية المقارنة والإحصائيات المستقاة من النصوص والوثائق التاريخية المعاصرة. ولذلك نكتفي بهذا القدر من تداول النقود وطرق الصرف، لأن ذلك يخرج عن موضوع بحثنا الذي يرتبط بمفهوم السيادة والاستقلال كما يتراءى من نصوص السكة.
ثانياً: علاقة السكة بالسلطة ودلالتها الحضارية
مما لاشك فيه أن ظهور مسكوكات الأمير عبد القادر في شكلها وصيغتها الجديدة جنباً إلى جنب مع المسكوكات العثمانية التي تمثل السلطة الشرعية في البلاد، فضلاً عن المسكوكات الأجنبية ذات الشارات والرموز المسيحية، يعد نقطة تحول كبرى في تاريخ الجزائر الحديث، ودليلاً قاطعاً على قيام نظام حكم جديد مستقل يختلف في اتجاهاته المذهبية وفلسفته عن أنظمة الحكم السابقة. يتجلى هذا الاتجاه الجديد في حكم البلاد من تحليلنا طرز المسكوكات التي أصدرتها دار السكة بتاقدمت، مبتدئين بمضامين الطراز الأول الذي لم يصلنا من نقوده سوى نصها.
1) مسكوكات الطراز الأول( [39])
مسكوكات هذا الطراز مستديرة الشكل تحمل في الوجهين نصوصاً كتابية تتألف من ثلاثة سطور يفصلها خطان متوازيان وتشير إلى هذا الاقتباس:
مركز الوجه مركز الظهر
1 ـ ومن يبتغ 1 ـ ضرب
2 ـ غير الإسلام دينا 2 ـ في 1250
3 ـ فلن يقبل منه( [40]) 3 ـ تاقدمت
(شكل 1)
هذا الاقتباس القرآني هو الشعار الأول الذي سجله الأمير عبد القادر على نقود هذا الطراز، وهو يكشف عن الغرض الذي قامت من أجله الدولة الجزائرية في هذه الأوضاع المعقدة والظروف الصعبة لتحقيق استقلال البلاد ووحدة الأمة وتمسكها بدينها الإسلامي الحنيف، وبالتالي إحياء تراث السلف الصالح الذي زالت مظاهره أو كادت تختفي تماماً، ولا سيما أواخر العهد العثماني بالجزائر، وتكالب القوى الاستعمارية على غزو البلاد واستغلال ثرواتها.
ولكن مع أهمية السكة بصفتها شارة من شارات الحكم، فإن نقود هذا الطراز لم تحمل اسم الأمير عبد القادر الذي رفع لواء الجهاد ضد الغزو الفرنسي، وإقامة دولة الحق.
والمعروف من دراسة التاريخ السياسي أن السنوات الأولى من حكم الأمير قد تميزت بإحراز انتصارات كبيرة على الفرنسيين، الذين اضطروا أمام الضربات القوية إلى طلب الصلح ووقف الحرب. ولما كان الأمير بطبعه ميالاً للسلم ولا يدخل المعارك إلاّ عندما تكون مصالح بلاده مهددة، فقد قبل بالصلح الذي عرف باسم »معاهدة ديميشال« سنة 1834 م، حتى يتمكن من إصلاح الأوضاع الداخلية وتنظيم الإدارة على أسس حديثة. هذا، بالإضافة إلى حرصه على توسيع نطاق التبادل التجاري ليشمل مختلف أرجاء دولته.
وإذا تركنا الجانب السياسي والإصلاحي في حياة الأمير عبد القادر، وتناولنا مسكوكاته التي تكمن أهميتها في ما تثيره من تساؤلات بين علماء المسكوكات، خصوصاً من ناحية شكلها ونصوصها الكتابية، فعلى الرغم من تشابهها مع المسكوكات العثمانية شكلاً، فقد خالفتها نصاً وروحاً بما تضمنته من آيات قرآنية ظهرت لأول مرة كتابة نقدية منذ دخول الأتراك العثمانيين إلى الجزائر. وهنا لابد من التساؤل عند هذه النقطة بالذات. فهل من خلفيات تاريخية أو حضارية نفسر بها هذه الظاهرة؟
يبدو من استقرار التاريخ السياسي لسلاطين الخلافة العثمانية أن هناك تغيراً حدث في نظرتهم لشارات الخلافة والسلطنة. وقد امتد هذا التغيّر في مفهوم الملك إلى السكة نفسها التي كانت لا تقل أهمية عن ذكر اسم الخليفة في الخطبة من على المنبر.
يظهر هذا التحول الجديد عند هؤلاء السلاطين فيما يخص السكة في عهد السلطان سليم الأول (918 ـ 926 هـ) الذي جعل من بين الحجج الدينية التي بنى عليها غزوه لمصر أنه وقف عند الشرع الشريف في حربه مع الدولة المملوكية. فقد استفتى المفتي علي جمال أفندي في مسائل ثلاث أوردها المؤرخ النمساوي Hammar في مؤلفه "تاريخ الدولة العثمانية"( [41])، يهمنا منها السؤال الثالث: »إذا كانت أمة (يعني المماليك) تنافق في احتجاجها برفع كلمة الإسلام، فتنقش آيات كريمة على الدنانير والدراهم مع علمها بأن النصارى واليهود يتداولونها هم وبقية الملاحدة من أهل الأهواء والنحل... فيدنسوها ويرتكبون أفظع الخطايا بحملها معهم إذا ذهبوا إلى محل الخلاء لقضاء حاجتهم، فكيف ينبغي معاملة هذه الأمة؟ «.
فكان جواب المفتي بأن هذه الأمة إذا رفضت الإقلاع عن ارتكاب هذا العار، جاز إبادتها. والحقيقة أن المسكوكات الإسلامية منذ تعريبها على يد الخليفة عبد الملك بن مروان وهي تحمل شهادة التوحيد والرسالة المحمدية وآيات من القرآن الكريم، ولم يعترض على ذلك أحد من الفقهاء أو الغيورين على الدين قبل السلطان سليم الأول.
وبالرغم من أن العثمانيين جرّدوا المسكوكات العربية من روحها الإسلامية وأزالوا منها شهادة التوحيد والرسالة المحمدية {محمد رسول الله أرسله الهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}، واستبدلوها بالألقاب الفخرية السلطانية (خاصة بالسلطان العثماني) مثل: »ضارب النضر صاحب العز والنصر في البر والبحر« أو »سلطان البرين( [42]) وخاقان( [43]) البحرين( [44])«. فلم يقوموا بإجراء إصلاحات في الأنظمة النقدية، بل إن قيم النقود العربية أصبحت عرضة للتغيير المتتابع، ظهرت آثاره واضحة على النقود الجزائرية التي فقدت أهميتها الحضارية ودخلت مرحلة التدهور والانحطاط. ولم يكن هذا التدهور خاصاً بالجزائر فحسب، بل شمل معظم ممتلكات الدولة العثمانية. يدل على هذا الوضع النقدي المتردي أن نقود مصر وحدها قد عرفت أكثر من 34 تعديلاً مختلفاً لسعر المبادلة، وتحديد قيمة العملة الذهبية والفضية والنحاسية( [45]). حدث ذلك أثناء حكم أول الولاة العثمانيين.
وفي ضوء هذا التحول يمكن اعتبار النقود الجزائرية منذ أصبحت إيالة عثمانية تابعة للآستانة، نقوداً تركية بكتابات عربية، لارتباط أشكالها وأوزانها وأسلوبها وقيمها بالأوامر العثمانية، حتى قوالب الضرب نفسها التي كانت تسك بها هذه النقود تأتي من الآستانة وتسلم إلى الضربخانة الجزائرية لسك النقود عليها بأسماء سلاطين آل عثمان، إلى أن أسست دار السكة بالجزائر سنة 1236 هـ/ 1820 م( [46])، حيث تولت مهمة إصدار النقود لصالح سلاطين الخلافة العثمانية.
وأقدم النقود الذهبية العثمانية التي وصلتنا من ضرب الجزائر ترجع إلى عهد السلطان أحمد الثالث (1115 ـ 1143 هـ/ 1703 ـ 1790 م) سجلت على وجهها النصوص العربية التالية:
مركز الوجه
1 ـ سلطان
2 ـ البرين وخاقان البحرين
3 ـ سلطان ابن
4 ـ السلطان
مركز الظهر
1 ـ السلطان
2 ـ أحمد خان
3 ـ عز نصره ضرب في
4 ـ جزائر 1126.
واستمر هذا الطراز من المسكوكات بأنواعها المختلفة من ذهبية وفضية ونحاسية وحدات نقدية في التداول بديلاً عن المسكوكات العربية، يحمل أسماء السلاطين كما سبق أن أشرنا قبل قليل. وتواصل العمل ـ مع بعض العملات الأجنبية نتيجة التوسع الاستعماري والاكتشافات والتجارة ـ طيلة العهد العثماني إلى أن ظهرت حركة الأمير عبد القادر الجزائري التي كانت تتطلع إلى بناء دولة جزائرية عصرية دستورها الإسلام، تتولى مهمة الجهاد وتحرير البلاد من الاستعمار والأطماع الأجنبية.
وفي هذا النطاق وتخليداً لتأسيس الدولة واستقلالها وسيادتها، أصدر الأمير عبد القادر سلسلة من المسكوكات الفضية والنحاسية بدار الضرب بتاقدمت.
يتبين من استعراضنا السابق حرص الأمير على إحياء تقاليد السكة العربية الإسلامية بشكل عام والمغربية على الخصوص، يحدوه في هذا الاتجاه الإسلامي الخالص ما قام به أسلافه من الزيّريين والمرابطين.
ظهرت المحاولة الأولى نحو بلورة هذا الاتجاه السني في عهد الأمير المعز بن باديس (406 ـ 454 هـ) الذي أعلن الانفصال السياسي والمذهبي عن الخلافة الفاطمية سنة 440 هـ( [47]). وعبر عن هذا الاستقلال بضرب سكة ذهبية بعبارات وشعارات جديدة تحمل التنديد بالفاطميين الإسماعيليِّين، وترميهم بالكفر والمروق عن الإسلام، على هذا النحو( [48]):
مركز الوجه:
1 ـ لا إله إلاّ الله
2 ـ وحده لا شريك له
3 ـ محمد رسول الله
الهامش: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً}.
مركز الظهر:
1 ـ ومن يبتغ
2 ـ غير الإسلام ديناً
3 ـ فلن يقبل منه.
الهامش الدائري: كتابة تشير إلى مكان الضرب وتاريخه.
والجدير بالملاحظة، في هذا الصدد، أن المعز بن باديس هو أول من استعمل هذه الآية الكريمة كتابة نقدية في تاريخ المسكوكات المغربية. ولاشك في أن الغرض من نقشها على نقوده في تلك الفترة المتميزة من القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، كان تحدياً للفاطميين الشيعة والإعلان عن رفض مذهبهم الشيعي والعودة إلى المذهب السني المالكي.
ثم جاء المرابطون بعد سنوات قليلة من تأسيس دولتهم، فتبنّوا هذا الشعار واستعملوه على مسكوكاتهم الذهبية تعبيراً عن تمسكهم بالمذهب السني المالكي اقتداء بأبناء عمومتهم من الزيريين.
والملاحظ أنه منذ ذلك التاريخ زال استعماله من قاموس السكة المغربية شعاراً له مبرّراته التاريخية والحضارية. واستمر الحال كذلك إلى أن جاء الأمير عبد القادر الجزائري، فأحيى استعماله على نقوده النحاسية المضروبة بحاضرة دولته تاقدمت. ويدخل هذا الاستعمال المتجدّد ضمن التواصل الحضاري.
وإذا كان هذا الشعار السالف الذكر قد اختلفت أوجه استعمالاته من دولة إلى أخرى بحسب المناسبة التي ظهر فيها والغاية من اختياره( [49])، فإن ظهور آية {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه} على نقود الأمير عبد القادر يستوجب الوقوف والتأمل. ذلك بأن استعماله شعاراً دينيّاً على نقوده في هذه الفترة بالذات (1834 ـ 1835 م) كان يصور بطريقة إعلامية الصراع بين ديانتين سماويتين هما المسيحية الصليبية من جهة والدين الإسلامي من جهة ثانية، والصراع بين حضارتين غربية ومشرقية، كما يعبر عن الصراع بين قوتين عسكريتين غير متكافئتين، قوة استعمارية تريد استغلال البلاد والعباد، وقوة مظلومة هي صاحبة الحق في وطنها وهي دولة الأمير عبد القادر التي كانت تصبو إلى تحقيق الاستقلال والسيادة وتحرير البلاد من آثار الاستعمار الفرنسي. ومن هنا تتوضح لنا بجلاء أهمية دراسة نقود الأمير من الناحية الحضارية.
ذلك لأن إعلان هذا الشعار على الوسائل الإعلامية للنقود، يعتبر المبدأ الديني الذي قامت على أسسه الدولة الجزائرية.
2) مسكوكات الطراز الثاني النحاسية المضروبة بتاقدمت منذ عام 1250 هـ/ 1835 م تمثل أهمية خاصة في تاريخ الصراع بين قوات الأمير عبد القادر وبين قوات الفرنسيين الذين راحوا يكتسحون أراضي الجزائر مقتحمين حدود دولته، خصوصاً في فترة حكم »تريزل« قائد حامية وهران، بعد أن سادت فترة من الهدوء والسلم بين الطرفين (فرنسا والأمير).
وكان اللقاء في معركة المقطع التي انتصرت فيها الجيوش الجزائرية وسجل الأمير أروع انتصاراته على الفرنسيين، وذلك سنة 1250 هـ/ 1834 ـ 1835 م. وفي هذه السنة، أي سنة الانتصارات والسنوات التي تلتها، أصدرت دار السكة بتاقدمت كميات من نقود »المحمدية« وعليها شعار جديد يعتبر امتداداً وتأكيداً للشعار السابق على هذا النحو:
مركز الوجه: مركز الظهر:
إن الدين ضرب في
عند الله تاقدمت
الإسلام (لوحة 2) 1250
يفصل كتابة الوجه صفان (خطان) أفقيّان، وقد نفذت بطريقة الحفر البارز بأسلوب الخط النسخي المغربي ذي الحروف المعجمة.
وقد تواصل إنتاج هذه النقود ذات الشعار: {إن الدين عند الله الإسلام}( [50]) طوال الفترة الممتدة من 1250 إلى 1257 هـ/ 1834 إلى 1841 م، طبقاً للنماذج المحفوظة بالمتاحف حتى اليوم( [51]).
والمسكوكات بهذه المفاهيم والتصورات الجديدة عكست لنا أحداثاً ووقائع كثيرة عاشتها البلاد خلال الفترة الواقعة بين 1250 هـ و1257 هـ.
ومن بين الأحداث البارزة التي عاصرتها النقود وضربت خصيصاً للتعبير عنها، تلك المعاهدات التاريخية الهامة التي عقدتها فرنسا مع الأمير عبد القادر وخصوصاً معاهدة »تافنا«( [52]) التي عقدت في 14 صفر سنة 1253 هـ/ 30 ماي 1837 م. فهذه المعاهدة كانت عند الأمير حجر الزاوية لاستكمال صرح الإصلاحات التي بدأ منذ أمد طويل، واستطاع خلال سنوات 1254 هـ ـ 1255 هـ/ 1838 ـ 1839 م أن يسير بخططه الإصلاحية إلى الأمام بسرعة فائقة.
وهنا تتضح أسباب ضرب هذه النقود من قبل الأمير عبد القادر، كما تتضح أيضاً أسباب نقش {إن الدين عند الله الإسلام}، حيث أراد مؤسس الدولة من جهاده ضد الفرنسيين إقامة دولة تتوافر فيها شروط السيادة والاستقلال عن السلطنة العثمانية من جهة وسلطنة المغرب من جهة ثانية. ولعل الهدف الأسمى الذي كان يرمي إلى تحقيقه هو جعل عرب الجزائر الذين تشتتوا شعباً واحداً و»استمالتهم إلى المبادئ الإسلامية، واستدعاؤهم إلى فضائل أهل القرون الأولى للهجرة، وإيقاظهم من الغفلة«( [53]).
يدل على هذا الاتجاه الإصلاحي الآيات الكريمات التي نقشتها على نقوده والتي تؤكد هذه الخطوات الإصلاحية. وقد لا نجانب الصواب إذا قلنا إن كل آية من تلك الآيات تكشف النقاط عن جوانب مختلفة من سياسة الأمير التي اتبعها في صراعه من أجل البقاء وإثبات السيادة والوحدة الوطنية والدينية لشعب الجزائر.
3 ـ أما الطراز الثالث من نقود الأمير عبد القادر، فهو ما ضربه من الفضة وعرف باسم »النّصفية« ( [54]). وبالرغم من صغر حجمها (14,8 ملم) وخفة وزنها (0,40 غ)، فقد حملت نصاً كتابياً في غاية الأهمية نفذ بطريقة الحفر البارز وبأسلوب الخط النسخي المغربي، وزعت عبارته بهذا الشكل:
الوجه:
الله
حسبنا
ونعم
الوكيل( [55]) (لوحة 1)
الظهر:
ضرب في
تاقدمت
تابع
وتعد نقود »النّصفية« من النقود النادرة في العالم، إذ لا يوجد منها سوى ثلاث قطع فقط، اثنتان منها بالمتحف الوطني للآثار بالجزائر، مؤرختان بـ 1254 هـ، والثالثة في باريس مؤرخة عام 1258 هـ. وتدل الآية الكريمة المسجلة عليها على أبرز الأحداث والمستجدات التي عرفتها الدولة الجزائرية خلال سنوات: 1254 ـ 1255 هـ/ 1838 ـ 1839 م. وفي مقدمتها أتاحت معاهدة »تافنة« مكاسب معتبرة للأمير، وأعطته فترة من الهدوء والسلام تمكن خلالها من تثبيت سلطانه على القبائل وإجراء إصلاحات داخلية منها تنظيم جيشه وتدريبه. واتسعت رقعة دولته، ولم يبق لفرنسا سوى شريط ساحلي ضيق بوهران وآخر في الجزائر.
ولكن من زاوية أخرى، يمكن استنتاج أن هذا الشعار كان يصور الوضع الصعب الذي عاشه الأمير. فقد اشتد ضغط الفرنسيين خلال السنوات التالية للمعاهدة وطلب المساعدة من الخلافة العثمانية( [56]) في جهاده ضد الفرنسيين ولكن دون جدوى. فالتجأ إلى الله سبحانه وتعالى يطلب نصره ويوكل إليه أمره.
وفي ضوء ما سبق، يمكن استنتاج بعض الأمور والحقائق التاريخية التي تؤكد مدى الأهمية الكبيرة التي يوليها الأمير عبد القادر للسكة التي كانت بمثابة وسائل إعلامية ودعاوية عبر بواسطتها عن أهم القضايا والأحداث التي عاشها منذ إعلانه الجهاد على العدو الفرنسي. وقد أشرنا إلى بعض هذه القضايا التاريخية عند دراستنا للأصناف السابقة، ونستخلص البعض الآخر من النماذج التالية:
من بين الطرز النقدية الأخرى طراز رابع ضرب تاقدمت عام 1256 هـ/ 1840 ـ 1841 م( [57]). ونقرأ عليه نصوصاً كتابية نفذت بأسلوب الخط النسخي المغربي المعروف:
الوجه: الظهر:
ربنا ضرب في
أفرغ علينا تاقدمت
صبراً وتوفنا 1256
مسلمين ( [58]) (شكل 2)
واضح جداً أن الهدف من تسجيل هذه الآية على نقود الأمير هو التعبير عن حالة وأحوال المسلمين معه وعدم استقرار الأمور في الدولة بسبب الضغط الفرنسي على أراضيه، وقلة الأنصار، والتخوف من المصير المحترم في نهاية المطاف.
وقد جعل الأمير من هذه الآية وغيرها من الآيات شعاراً ودعوة إلى حمل جيوشه على المضي قدماً في تحرير أراضي الدولة واستعادة سيادتها، يوحي تاريخ 1256 هـ بقوة الدولة واحتفاظها بمدينة تاقدمت.
ولم يكتف الأمير بهذه الآية، بل ضرب نقوداً تحمل شعاراً مشابهاً هو: »ربنا أفرغ علينا ـ صبراً وثبت ـ أقدامنا« (شكل 3). وتأسيساً على ما سبق، نستطيع القول إن الأمير عبد القادر الجزائري قد لجأ إلى الحرب النفسية عن طريق الوسائل الإعلامية والدعاوية الممثلة في النقود. وكان مصدر هذه السياسة القرآن الكريم ممثلاً في بعض الآيات الكريمات التي قصد من ورائها كسب الأنصار واستمالتهم وإثارة حماسهم إلى الجهاد في سبيل الله من أجل تحرير الوطن وقتال الغزاة. وجاءت نقوده خالية من اسمه لتكون شديدة المفعول في النفوس. ويتضح من منطوق نصوصها أنها تصوير واقعي ومرآة عاكسة لأهم الأحداث التي شهدتها الدولة وهي تحاول بناء أجهزتها والتمكين لنفوذها وبسط سيادتها على الجزائر.
ومهما يكن من أمر، فإن دراسة المسكوكات الفضية والنحاسية في عهد الأمير عبد القادر ما زالت مشكلة تحتاج إلى مزيد من البحث والاستقصاء، ومقارنة (أو مقابلة) نصوصها بما ورد بخصوصها في المراجع التاريخية، لعل ذلك كله يضيء لنا السبيل في هذا المجال.
ويبقى السؤال الذي يُطرح أمامنا وهو: لماذا لم ينقش الأمير عبد القادر اسمه على النقود التي أصدرتها دار الضرب بالحاضرة تاقدمت؟
ويبدو أن الزهد في نقش »الاسم على السكة« لم يكن يعني العزوف عن الملك أو الزهد فيه. فوقائع الأحداث السياسية التي عاشها مؤسس الدولة خير دليل على ذلك. على الرغم من أهمية السكة بصفتها شارة من شارات الملك ـ إذ لا تقل أهمية عن ذكر اسم الخليفة في الخطبة ـ، فلم يعبأ بها الأمير عبد القادر. ولعل موقفه هذا جاء اقتداء بمن سبقوه من الحكام المسلمين خصوصاً الأمويين والزيريين.
الخلاصة
وبالرغم من قلة المعلومات التي تضمنتها نقود الأمير، فهي تكشف عن حقائق كان الأمير ينوي تحقيقها في الميدان حتى يثبت شخصية الدولة السياسية والاقتصادية على حد سواء، منها:
1 ـ الرغبة في القضاء على تعدد أنواع النقود التي كانت شائعة في التداول.
2 ـ تحديد طرق التعامل في البيع والشراء طبقاً لمعايير السكة الجديدة التي حددت أقيامها بالنسبة للنقود الأجنبية.
3 ـ إحياء تقاليد السكة العربية اتلي فقدت شخصيتها الحضارية منذ عهد الأتراك العثمانيين الذين أفرغوها من محتواها الروحي.
4 ـ استعمال الآيات القرآنية لأول مرة على السكة المغربية، خاصة الآيات {ربنا افرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين} و{ربنا افرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا} و{إن الدين عند الله الإسلام}.
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
خذ من الدهر ما صفى ومن العيش ما كفى
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
نعم التاريخ كله يشهد بالامير عبد القادر
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
بارك الله ي فيك
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :
صلى على خير الأنام سيدنا محمد ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ