عنوان الموضوع : تربية الأولاد في الإسلام صور جديدة
مقدم من طرف منتديات العندليب
تربية الأولاد في الإسلام –29 / 51 : التربية الاجتماعية – الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، اللهمَّ لا علم لنا إلا ما علَّمتنا ، إنَّك أنت العليم الحكيم ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علَّمتنا ، وزدنا علما، وأرنا الحقَّ حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ... مع الدرس التاسع والعشرين من دروس تربية الأولاد في الإسلام ، ولعلّنا في هذا الدرس ننهي التربية الاجتماعيّة وننتقل بعدها إلى موضوعٍ آخر .
اليوم الموضوع الأخير من مسؤوليّة الآباء في تربية أولادهم التربية الاجتماعيّة غرس روح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الأولاد .
والشيء الذي يلفت النظر أنّ علماء كثيرون سمّوا هذه الفريضة الفريضة السادسة ، كيف أنّ هناك صلاةً ، وصياماً ، وحجاً ، وزكاةً ، وشهادةً ، هناك أمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر ، وفي اللحظة التي يتخلّى المسلمون عن هذه الفريضة السادسة يستحِقُّ عقاب الله عزَّ وجلَّ، حتى أنّ بعض العلماء يقول إنّ قوله تعالى :
( سورة الأنفال )
أي أنّ الصالحين إذا تخلَّوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصابتهم الفتنة ، والسبب تقاعُسُهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ونذكر مثلاً يقـرِّب الحقيقة .. أرض كُلُّها مستنقعات ، وفي هذه المستنقعات بعوض ، وحشرات ، ومياه آسنة ، وتفسُّخ ، وحشائش متفسِّخة، وروائح كريهة ، وتوجد بقعة خضراء غير مبتلّة وفيها حشائش خضراء نضرة ، هذه البقعة ينبغي أن تتوسّع وينبغي أن تتقلَّص مساحة المستنقعات ، فحينما لا ننمي هذه المساحة الخضراء تنمو مساحة المستنقعات ، وقد تطغى المستنقعات على هذه المساحة الخضراء الصغيرة .
لذلك يجـب أن نعتقد كلُّنا كباراً وصغاراً ، آباءً وأبناءً ، أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو عِلَّة خيريَّة هذه الأمّة ، حينما قال الله عزَّ وجلَّ :
( سورة آل عمران )
ما علّة هذه الخيريّة ؟ تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر .
فلاحظ لو كان هناك في البيت مسلمٌ واحد وإسلامه حقيقي وكلّما رأى منكراً نبّه إليه ففي الأعمِّ الأغلب ينضبط كلَّ البيت ، أو في دائرة واحدة وجود موظفٍ مسلم وكلَّما رأى منكراً نبّه إليه بشكل لطيف وحكيم، فيصبح كلَّ من أراد فعل المنكر يحسب حساباً لهذا المسلم الذي سوف يبدي ملاحظة بأدب .
فالتواصي بالحقِّ أحد أركان النجاة .. أي أن الإنسان لو رأى منكراً فلم يتمعَّر وجهه استحقَّ بلاء الله عزَّ وجلَّ .
وفي الآثار النبويّة أنّ الله عزَّ وجلَّ أراد إهلاك قريةٍ فقال الملائكة : يا رب إنّ فيها رجلاً صالحاً !! قال : به فابدأوا . فقالوا : يا ربّ لما ؟! قال : لأنّه كان لا يتمعَّرُ وجهه إذا رأى منكراً.
والآية التي تعرفونها جميعاً :
( سورة هود )
إذا كانوا صالحين يهلكهم الله عزَّ وجلَّ .. لأنّه صالح ، أمّا إذا كانوا مصلحون فينجون من عذاب الله .
فأنت ابن وتعمل مع والدك ، وقد يرتكب الوالد خطأً في البيع والشراء ، والله لم يكلِّفك أن تكون فظاً أو غليظاً ولكن بأدب جمّ قل له : يا أبتي هذا العمل حرام ولا يجوز فعله . ويجوز أن لا يلقي لكلامك بالاً أو ينهرك . ولكن مرة وراء أخرى يحسب حساباً لك .
فإذا لم يوجد إنسان يدافع عن الحق ، تستحقُّ الأمّة كلُّها عذاب الله عزَّ وجلَّ .
فما معنى قوله تعالى :
( سورة محمد )
هذا هو المعنى ، أي أنّك حارسٌ لدين الله ، إذا رأيت منكراً اجتماعياً ، أو منكراً بالعلاقات الاجتماعيّة ، أو بالعلاقات الماليّة ، أو رأيت منكراً باحتفالات معيّنة ، ونبّهت له بلطف وبأدب وبحكمة بالغة ، معنى ذلك أنّك نصرت دين الله عزَّ وجلَّ ، لقوله تعالى : إن تنصروا الله ينصركم.
وآخر فكرة نذكرها هي : أنّ المؤمن ينبغي أن يربّي أولاده على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
الله سبحانه وتعالى يقول :
وهناك آية أخرى يقول الله تعالى فيها :
( سورة التوبة )
فما معنى : بعضهم أولياء بعض أي يتناصحون ، ويتعاونون ، ويسدي بعضهم لبعضٍ كلَّ الخير ، هكذا المجتمع المؤمن .
عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيــَّةَ قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بـْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ قُلْنَا : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ فَقـَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا : أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا ، وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا ، وَيُسْرِنَا ، وَأَثَرَةً عَلَيْنَا ، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ *
(صحيح البخاري )
على السمع والطاعة في العسر واليسر .. أحياناً تجد أخاً ما دام فارغاً من الأعمال ونشيطاً ويمتلك المال تجده يرتاد بيوت الله ، ولكن ولأتفه سبب ، ولأقلِّ مشكلة تنشأ تجده قد اختفى ، ويقول لك : مهموماً اتركني وحيداً ، أما الصحابي الكريم قال : بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة في العسر واليسر ، والمنشط والمكره . في حال نشاطك وفي حال مشكلة ألمّت بك ، في حال عسرك ، وفي حال يسرك .. وعلى أثرةٍ علينا أي على أن نؤثر إخواننا ، فالمؤمن دائماً ينطلق من إيثار أخيه في كلِّ شيء .. وألا نُنازع الأمر أهله ، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ، وعلى أن نقول الحق أينما كُنّا ، وألا نخاف في الله لومة لائم . هكذا كانت بيعة أصحاب رسول الله .
أيّها الإخوة ... هناك آية كريمة دقيقة جداً ونحن في أمسِّ الحاجة إليها ، يقول الله عزَّ وجلَّ:
( سورة الأنفال )
إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله .. الهجرة تعني .. مطلق الحركة ، أي أنّك آمنت ولك مصلحة لا ترضي الله فينبغي عليك أن تتركها ، وأنت آمنت ولك من الرفقاء من لا يرضي الله أن تبقى معهم ، فيجب أن تهجرهم ، وأنت آمنت وتعيش وسط مجتمع فاسد يجب أن تبتعد عنه .. فأنا أقول لكم المعنى الموسّع للهجرة .. فهي حركة فلا تظلّ ساكناً ، فقد آمنت فلا بدَّ من التحرُّك نحو الحقِّ ومن التحرُّك في هجرة الباطل .
والذين آووا ونصروا .. أي أن تعاون إخوانك فأنت عضو نافع في الجماعة ، فكن إيجابياً خيّراً ومعطاءاً ، دائما تبحث عن إنسان تخدمه ابتغاء مرضاة الله
أولئك بعضهم أولياء بعض .. آمن ، وهاجر ، وجاهد بماله ، ونفسه ، وآوى ، ونصر ، قال: أولئك بعضهم أولياء بعض .
والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا .. إذا لم يأخذ موقفاً فهذا لم يقدِّم شيئاً ، وهو إنسان وعضو مشلول ، إنسان سلبي ، إنسان هارب من الحياة ، بل إنسان انعزالي وقد نمت فيه الروح الفرديَّة الطاغية .. وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير .
والآن دققوا في الآية التي بعدها قال تعالى :
( سورة الأنفال )
فهم يتعاونون ضدّكم ويأتمرون على إفقاركم ، ويتعاونون على إفساد العلاقة بينكم ، ويتعاونون على إضعافكم وعلى إيقاع العداوة والبغضاء فيما بينكم ، يخططون ويعملون ليلاً ونهاراً للإيقاع بالمسلمين ولتفتيت وحدة المسلمين ، ولإيقاع العداوة بين المسلمين ، يعملون ليلاً ونهاراً لإفقار المسلمين ، ولأخذ الأموال من بين أيديهم ، وذلك بنقل الكتل النقديَّة الكبرى من بلاد المسلمين إلى بلاد الغرب ، ويفتعلون كلّ الأزمات من أجل أن تنقل هذه الأموال ، ومن أجل أن يعيشوا وحدهم ونفتقر نحن فقد قال تعالى في الآية الكريمة :
والآن أعيروني انتباهكم فقال تعالى بعد المقطع الأوّل من الآية إلا تفعلوه .. يوجد هاء في كلمة تفعلوه .. إلا تفعلو .. هو ، هذه الهاء على أيّ شيءٍ تعود ؟ هذه الآية تعود على الآية السابقة..
أي إذا لم تتعاونوا هم يتعاونون عليكم إلا تفعلوه .. تكن فتنة في الأرض وفساد كبير .
يقول أحدهم لك : لا أستطيع أن أربّي أولادي . فأحياناً أصدِّقه فهناك أكثر من خمسين مفسدة في الطريق ، وأينما ذهب مفاسد ، فهناك المناظر المثيرة ، والأفلام الساقطة ، والمجلاَّت الداعرة ، فأيّ مجتمع حلَّ في الانحراف ، عندما تحلّى المسلمون عن التعاون والتناصر والتناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دخل الفساد إلى كلِّ بيت ويسميه العلماء غزو ثقافي .
غزو ثقافي .. فإنّك لا تملك شيئاً ، فالفكر الملحد العلماني والاتجاه الإباحي يصل إلى كلّ بيت ، إلا تفعلـوه .. تفعلوا ماذا ؟ التعاون والتناصر أن يكون أحدكم ولياً للآخر ، الجهاد بالمال ، إنفاق المال ، جهاد النفس والهوى ، الإيمان ، الهجرة ، إلا تفعلوه .. إلا تفعلوا هذا كلّهُ تكن فتنة في الأرض وفساد كبير .
أي تنتشر المخدِّرات ، وتنتشر بيوت الدعارة ، وينتشر المنكر ، بل يؤمر بالمنكر وينهى عن المعروف .
فالقضيّة قضيّة بالغة الخطورة ، فإذا المسلم لم ينصر الإسلام ول يؤيِّد الدين ولم يأمر بالمعروف ولم ينصح ، فالحدّ الأدنى أن تنطق بالحق .
فهذه الفتاة التي تمشي في الطريق أليس لها أبٌ أو أخٌ أو عمٌ أو خالٌ ؟ وهي مسلمة .. فكيف سمح لها أن تمشي هكذا ؟!!
ألا يوجد في رأس أبيها نخوة أو برأس أخيها أو خالها أو عمّه .
أردتُ من هذه الآية : لا تفعلوه .. تكن فتنة في الأرض وفساد كبير .
أحياناً يبحـث الإنسان عن شيء محسِّن لحياته ، ولكن هناك أشياء مصيريّة لو لم تفعلها لإنتهت حياتك .. نحو الفرائض ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليسا شيءً تحسينياً ولكنه شيء أساسي إن لم نفعله تنامت دوائر الباطل وحاصرت دوائر الحق وقضت عليه ، ونحن -والحمد لله- في أعظم بلد إسلامي وهذا ليس كلامي بل كلام سيّد الأنبياء والمرسلين : رأيتُ عمود الدين قد عُمِد به إلى الشام .
عليكم بالشام .. فلا يوجد إنسان إلا ويعرف نعمة هذه البلدة ، بمجالس العلم فيها ، وبصلاح أهلها ، ومع ذلك نشكو الفساد ، فكيف لو ذهبت إلى بيروت ؟ أو إلى أي بلد آخر فستجد شيئاً غير معقول على الإطلاق ، مثلاً في قبرص تجد إمرأة تدخل للمحل التجاري بلباس السباحة فلا يوجد حياء على الإطلاق .
لذلك أيُّها الإخوة .. يجب عليك أن تربي أولادك على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا فعلت هذا تنامت دوائر الحق على حساب دوائر الباطل ، وكم أتمنى أن تتناصح الأسر ، فإذا كان بكل أسرة شاب مؤمن فأقول له : إنّ لك مهمّة خطيرة في البيت ، فعليك أن ترعى أخواتك بناتاً وذكوراً ، ومن كان أصغر منك فبالإحسان واللطف ، والأكبر منك بالإقناع الهادئ ، فيجب إن كنت في أسرة أن تجرّها كلّها إلى المسجد ، وتأتي بها كلّها ، ولو كنت تعمل في دائرة من الدوائر فإخوانك لموظفين قم بتنبيهم إلى عظمة هذا الدين وبيّن لهم فضل الإسلام ، ونبههم إلى سعادة المؤمن حينما يستقيم على أمر الله ، نبّههم ولا تظلّ ساكتاً
عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ...
(صحيح البخاري)
هذا هو محور درسنا اليوم .. يجب أن تُرسِّخ عادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نفوس أولادك ، وأنت في الأساس ينبغي أن تفعل هذا .
هناك تعبير حديث أسمعه وأقرأه كثيراً .. فنحن كلُّنا في بحر وفي قارب واحد ، فأي خطر يصيب هذا القارب سيصيب المجموع ، والنبي عليه الصلاة والسلام عبَّر عن هذا المعنى بأعلى مثل قال :
عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِي اللَّهم عَنْهمـَا ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا ؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا ، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، فَكـَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا : لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا . فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا *
(صحيح البخاري )
فهذا التعبير .. نحـن في سفينةٍ واحدة ، فمن يريد القيام بعمل طائش كأن يخرق مكاناً بالسفينة حتى يستجلب الماء لنفسه من غير تعب إن أخذنا على يده نجونا جميعاً ، وإن تركناه هلكنا جميعاً ، فالباطل ينتشر وقد قال الله عزَّ وجلَّ :
( سورة إبراهيم )
فالباطل يتنامى ويتوسّع ، فالمبادئ الهدّامة والنظريّات الملحدة والاتجاه العلماني والفكر الإباحي ينتشر لأنّه مؤيِّد للشهوات ، والإنسان حينما تُلبّي فكرة ما شهواته تجده يؤمن بها إيمان تملُّق لا إيمان قناعة .
يقول الله سبحانه وتعالى :
( سورة المائدة )
وفي الآية الثانية لماذا لعنهم الله عزَّ وجلَّ ؟
( سورة المائدة )
استحقوا لعنة الله .. أي أن أي أمّة إذا لم تتناهى عن المنكر تستحقُّ لعنة الله عزَّ وجلَّ .
لذلك كما قلت في بداية الدرس .. حينما وصف الله جلَّ جلاله أمّتنا بأنّها خير أمّة .. لأنّها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر .
حديثٌ آخر
عَــنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّهَا قَالَتِ : اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَوْمِهِ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ وَهُوَ يَقُولُ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ. وَعَقَدَ بِيَدَيْهِ عَشَرَةً قَالَتْ زَيْنَبُ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ : إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ *
(سنن ابن ماجه)
فإذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فسيتوسّع الخبث ، وإذا كثر الخبث يستحقُّ القوم الهلاك كما قال عليه الصلاة والسلام .
عَنْ حُذَيْفـَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ *
(سنن الترمذي)
فأحياناً أسمع أدعية رائعة جداً ، وصوت وصياح وفصاحة وسجع وأدعية منتقاة ومختارة ، ولكن ليس هناك استجابة .. لأنّ النبيّ الكريم قال : أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة .
أي أن تخلص في عملك مـع عدم الغش ولا الكذب ولا التدليس ولا إيهام وأن يكون بيعك بيعاً شرعياً ، إذا ربحك شرعي ومالك حلال اشتريت به طعاماً والطعام طيّب وأكلته فأصبحت مستجاب الدعوة ، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة .
صدِقوني أيها الإخوة ... ما من حديثٍ يدفع على الاستقامة كهذا الحديث ، فإذا كان بعملك مخالفات شرعيّة كالغش والكذب والاحتقار والتدليس والإيهام والجهالة وفيه شبهة ، أصبح ربحك من العمل فيه شبهة .. فإذا اشتريت به طعاماً فالطعام ليس طيّباً وعندئذ لا تستجاب دعوتك .
أما إذا كنت مستقيماً بعملك ولا سيّما بكسب المال ، أصبح مالك حلال وطعامك طيّباً ومستجاب الدعوة .
عَنْ عَائِشَةَ قَالـَتْ : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ أَنْ قَدْ حَفَزَهُ شَيْءٌ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ خـَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا فَدَنَوْتُ مِنَ الْحُجُرَاتِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجـَلَّ يَقُولُ : مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْعُونِي فَلا أُجِيبُكُمْ وَتَسْأَلُونِي فَلا أُعْطِيكُمْ وَتَسْتَنْصِرُونِي فَلا أَنْصُرُكُمْ *
(مسند الإمام أحمد )
فهذا شيء خطير .. والعلماء معهم الحق أن يقولوا الأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر هو الفريضة السادسة .
كيف تُصلّي ، كيـف تصوم ، كيف تَحُجّ البيت ، كيف تشهد أنّ لا إله إلا الله إذا لم تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر .
فلا تخجل فهذا الخجل شيطاني والناس يسمون المنافق لبقاً أو مرناً، وهذا نفاق ، وخجل لا يرضي الله عزَّ وجلَّ ، فكن جريئاً .
ونحن يكفينا أنّ الله سبحانه وتعالى يقول في محكم القرآن الكريم:
( سورة آل عمران )
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير .. هو الدين .. ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولتكن اللام لام الأمر .
أيها الإخوة ... الآن بعض القواعد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..
فلا تصدِّق أن يسمع لك إنسان كلمة أو حرفاً إن لم تكن أنت سبّاقاً إلى تطبيق ما تقول .. وهذا هو أول شرط .
فإذا أنت لم تكن مطبّقاً لما تقول فالأفضل أن تسكت لأنّك إذا تكلَّمت سخر الناس منك واستهزؤوا بدعوتك وشهَّروا بك ، ولم تزيدهم عن الدين إلا بُعداً .. يا طبيب طُبَّ لنفسك .
لا تنهى عن خُلِقٍ وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
فهناك يُسمع ما تقول ويُرتجى .. بالقول منك ويَنفعُ التعليم
فالشرط الأول .. قبل أن تطبِّق ما تقول إيّاك أن تقول كلمة ... فيروى قصّة مشهورة أنّ شيخٌ جليل له تلميذ من كبار أغنياء البلدة وعند هذا التلميذ عبد ، فعندما زار الشيخ تلميذه وكان التلميذ قد دعى شيخه إلى طعام ، فقال العبد لشيخ سيِّده : يا سيّدي لو لفتّ نظر سيّدي كي يُعتقني. فقال له الشيخ : خيراً إن شاء الله . مضى شهر وشهران وثلاثة أشهر ولم يعتقه سيّده ، والدليل أنّ الشيخ لم يقل للسيّد كلمة واحدة ، فزار الشيخ تلميذه مرّةً ثانية .. فتقدّم هذا العبد بأدبٍ جم إلى الشيخ وقال : يا سيّدي .. لو لفتّ نظر سيّدي كي يُعتقني فأنت عنده ذو قدرٍ عظيم . فقال له : خيراً إن شاء الله يا ولدي . كذلك مضى ثلاث شهور ولم يعتقه والدليل ما تكلَّم الشيخ . وفي المرّة الثالثة زاره وقال لهذا العبد : إن شاء الله آن الآوان وطلب من سيّده أن يُعتقه فأعتقه .
ظلّ سؤال كبير في ذهن هذا العبد فقال للشيخ : يا سيدي قضيّة كلمة وتسعة أشهر وأنا أنتظر ، وما دام بكلمة من فمك يعتقُني فلما أخّرت هذا ؟؟! قال له : يا ولدي لقد أتعبتني كثيراً ، فإنني قد وفّرت من مصروف البيت مبلغاً أعتقت به عبداً قبل أن أطلب من سيِّدك أن يُعتقك .
لا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر قبل أن تكون سبّاقاً إلى ما تقول ، إذا كنت سبّاقا فلكلامك فعل السحر ، إذا كنت سبّاقاً فإنّك تستطيع أن تؤثِّر في الآخرين ، أما أن تتخذ الدعوى إلى الله حرفة وللارتزاق فهذا أسوأ شيء تفعله .
قال الإمام الشافعي :" والله لأن أرتزِق بالرقص أهون من أن أرتزِق بالدين ".
فإيّاك أن تلعب بدين الله ، إذا أردتّ المال فابحث عنه من مظانّه فهناك زراعة ، وصناعة، وتجارة ، أو أي عمل آخر ، فإذا أردّت المال فابحث عنه من مصادره المشروعة أمّا أن تبحث عن المال من خلال الدين فهذا لعبٌ بدين الله عزَّ وجلَّ فقد قال تعالى :
( سورة يس )
فأول شيء قال تعالى :
( سورة الصف )
وقال تعالى :
( سورة البقرة )
عَـنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قال : سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يـَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهـْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلانُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ *
(صحيح مسلم)
عـَنْ أَنَسِ بـْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالا تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ . فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ ، مَنْ هَؤُلاءِ ؟ قَالَ : هَؤُلاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا يَعْقِلُونَ *
(مسند الإمام أحمد)
قبل أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فعدَّ للمليون هل أنت في مستوى هذا الأمر ؟ هل أنت في مستوى هذا النهي ؟
ابن آدم عظ نفسك فإذا وعظتها فعظ غيرك وإلا فاستحي منّي .
كان سيّدنا عمر إذا أراد إنفاذ أمرٍ جمع أهله وخاصّته وقال : إنّي قد امرت الناس بكذا ونهيّتُهم عن كذا والناس كالطير ، إن رأوكم وقعتم وقعوا وايمُ الله لأوتينّ بواحد وقع فيما نهيتُ الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه منّي .
فكانت القرابة من عمر مصيبة ، فمصيبةٌ كبرى أن تكون قريب عمر ، لأنّك إذا فعلت شيئاً مخالفاً لأمره عُوقبت مرّتين ، مرّةً لأنّك قريبه ومرّةً لأنّك خالفت الأمر .
أول شرط ان تكون مطبّقاً لما تقول .. والشرط الثاني أن يكون المنكر الذي تنهى عنه مجمعاً على إنكاره .
أي أنت شافعي وأحد الإخوة الأحناف صلّى على مذهبه فتقوم بإنهائه بالمعروف وتنهاه عن المنكر ؟ فهذه القضيّة قضيّة خلافيّة في المذاهب ، فلا تنه إلا عن المنكر المجمع على إنكاره ، فليست القضيّة مِزاجيَّة وكل شيء لم يعجبك تنهى عنه ، فما دام هذا الشيء مغطّى بأحد المذاهب فلا شيء في ذلك ، شيء قد أجمع العلماء على صحَّته فهو صحيح ، ولا تخترع أنت المنكر ، فالمنكر هو المنكر المجمع على إنكاره .
فلو قصر في الصلاة .. فهو حنفي والقصر في الصلاة واجب ، فلو قلت : هذا ذاهب إلى نزهة وليس في سفر ؟ فليس على مزاجك فمطلق السفر عند الأحناف يجب فيه القصر . فما دام العمل على المذهب المعتمد وعلى رأس المذهب إمام كبير عدَّ القصر في الصلاة في السفر واجباً، وهو قصر فلا شيء عليه ولا يدخل هذا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فاختلاف المذاهب ليس له علاقة بذلك .
لا تنكر إلا المنكر المتَّفق على أنّه منكر .. الربا متّفق عليه ، إطلاق البصر في الحرام متّفق عليه ، الكذب متّفق عليه ، أما قضيّةً خلافيّة بين المذاهب نقول فيها : نتعاون فيما اتفقنا ، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا .
الآن .. أن يكون المُنكِر للمنكر متدرِّجاً في إنكار المنكر .
أي أن يكون هناك حكمة .. إذا ارتكب صديق أمامك عشر منكرات فذكره باثنين فقط ، لأن العشرة دفعة واحدة يقول لك ما هذا الدين الذي تعتنقه .
المفروض أن تكون حكيماً بإنكار المنكر ، فدائماً عندنا قاعدة :
إذا نتج عن إنكار المنكر فتنةٌ أشدَّ وأخطر من المنكر الذي تنهى عنه فأصبح الإنكار غلط وأنت بهذا لست حكيماً .. وأحياناً إنكار المنكر يجّرّ إلى كارثة ، فالله عزَّ وجلَّ لم يكلِّفك فوق ما تطيق ، فإذا أنكرت المنكر فعليك أن تنكره بحكمة ، وبالتدرُّج .
وشيء أخير بإنكار المنكر قال : أن تكون لطيفاً رفيقاً حسن الخُلُق .
روى البيهقي عن عمرو بن شعيب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال : من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف .
فأنا لا يؤلمني شيء أكثر ممن ينهر طفلاً في المسجد بقسوة ، فأنت المفروض أن يحبَّك الطفل ، ممكن أن تنهاه عن عمل .. فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم عندما رأى صحابياً يركض في المسجد ليلحق الركعة مع رسول الله قال له: زادك الله حرصاً ولا تعُد .
فأنت يجب عليك أن تختار أجمل عبارة من أجل أن تُنكر بها منكراً رأيته في المسجد ، لا أن تكون فظاً غليظ القلب ، فالنبي الكريم على ما فيه من الكمال وعلى أنّه نبيُّ هذه الأمّة وهو الرسول الأمين وسيِّد الأنبياء والمرسلين والمعصوم الذي يوحى إليه والمؤيّد بالمعجزات، النبي الكريم على كلّ هذه الخصائص الفريدة خاطبه ربه فقال تعالى :
( سورة آل عمران )
ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فما بال الآخرين .. فاعف عنهم واستغفر لهم.
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ *
(صحيح الإمام مسلم)
فأنا ضد العنف فكن لطيفاً وأمر بالمعروف وانهى عن المنكر ولكن بأدب وباحترام وبترفُّق وبتدرُّج وبحكمة ومن دون فظاظة ولا قسوة ومن دون نهر ، ومن دون سُباب .
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ *
(صحيح البخاري)
وأنت حين تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر يجب أن تكون رفيقاً ، لطيفاً ، مؤنساً .
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ *
(صحيح البخاري )
فهل هناك عملاً فيه تحدّي وغلظة وفظاظة وقلّة ذوق كأن يبول في المسجد أمام الصحابة ومع ذلك حلم النبيّ وسعه .. دعوه ..
والذي قال للنبي : أتأذن لي بالزنا . ومع ذلك قال له : يا عبد الله أتُريده لأمّك ؟ قال : لا . قال : ولا الناسُ يُريدونه لأمّهاتهم.
بالمنطق .. فخرج من عنده وما شيءٌ أبغض إليه من الزنا .
عَنْ مُعَاوِيَةَ ابْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ : يَرْحَمـُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْــتُ : وَا ثُكـْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكــُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي ، لَكِنِّي سَكـَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَ اللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلا ضَرَبَنِي وَلا شَتَمَنِي قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّم ...*
(صحيح البخاري)
هكذا النبي اللهمّ صلّى عليه .. فلم يكفي هذا الصحابي أن شمّت العاطس ولكنّه تكلّم في الصلاة ، ولكن النبيّ وجّهه بلطف .
دخل واعظٌ على أبي جعفر المنصور أغلظ عليه في الكلام ولكن ظهر أنّ أبو جعفر المنصور أكثر فهماً منه فقال له : يا هذا أُرفُق بي .. أرسل الله سبحانه من هو خيرٌ منك إلى من هو شرٌ مني - أي أنّك لست موسى وأنا لست فرعون - فقال الله تعالى له :
( سورة طه)
فظهر أنَّ المنصور أي الموعوظ أكثر فهماً وعقلاً من الواعظ .
شيء آخر .. عندما يأمر الإنسان بالمعروف وينهى عن المنكر فيجب أن يوَطِّن نفسه على متاعب ..؟ لذلك قال تعالى :
( سورة البقرة )
وقال تعالى :
( سورة لقمان )
واصبر على ما أصابك .. من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فحينما تأمر بالمعروف هناك من يُعاديك ، وحينما تنهى عن المنكر هناك من يُعاديك ، فيجب أن توطِّن نفسك على أن تصبر على من يؤذيك إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر .
قال عليه الصلاة والسلام : أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان دينه صُلباً اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رِقَّةٌ إبتلاه الله على حسب دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة .
فالإنسان يُبتلى على قدر دينه .. والبلاء ينتهي بالإنسان إلى الطهارة التامّة ، من مغادرة الدنيا إلى الجنّة مباشرةً .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِــكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ...*
(صحيح مسلم)
بقيـت فقرةٌ واحدة في الدرس ... يُروى أنّ أبا غياث الزاهد كان في بُخارى فدخل المدينة ليزور أخاً له وكان غِلمان الأمير معهم المُغنّون والملاهي يخرجون من داره وكان يوم ضيافة الأمير ، فلمّا رآهم الزاهد : قال : يا نفسُ وقع أمرٌ إن سكتِّ عليه فأنت شريكةٌ فيه ، فرفع رأسه إلى السماء واستعان بالله وأخذ العصا فحمل عليهم حملةً واحدة ، فولوا منهزمين مدبرين إلى دار السلطان ، وقصّوا على الأمير فدعى به وقال له : أما عَلِمتَ أنّه من يخرُج على السلطان يتغذّى في السجن ؟ فقال له أبو غياث : أما علمت أنّه من يخرُج على الرحمن يتعشّى في النيرانِ ؟ فقال له : من وَّلاك الحسبة ؟! قال : الذي ولاك الإمارة . فقال الأمير : ولاني الخليفة . فقال أبو غياث: أنا ولاني ربُّ الخليفة . فقال الأمير : ولّيتُك الحُسبة بسمرقند . قال : عزلت نفسي عنها . قال الأمير : العجـب في أمرك تحتسِبُ حين لم تؤمر ، وتمتنع حينما تؤمر!! قال : لأنّك إن وليتني عزلتني ، وإذا ولاني ربي لن ليعزلني أحد . فقال الأمير : سل حاجتك .
قال : حاجتي أن ترُدَّ عليّ شبابي . قال : ليس ذلك لي .. فهل لك من حاجة أُخرى ؟ قال: أن تكتُب إلى مالك خازن النار ألا يُعذِّبني . فقال : ليس ذلك لي .. فهل لك من حاجة أخرى؟ قال: أن تكتُب إلى رضوان خادم الجنان أن يدخُلني إلى الجنّة . - فما هذه الطلبات !!- قال : ليس ذلك لي . قال أبو غياث: فإنّها مع الربِّ الذي هو مالك الحوائج كلِّها ولا أسأله حاجةً إلا أجابني إليها . فأخلى الأمير سبيله وتخلَّص منه .
وبالطبع يوجد في تاريخنا الإسلامي كثير من القصص تؤكِّد أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان فريضة سادسة ، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يُلهمنا الحكمة .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ *
(صحيح البخاري)
زوجتك ، بناتك ، أولادك ، أولاد أخيك ، وأولاد أختك ، فأنت خالهم أو عمّهم ، شريكك بالعمل ، زميلك بالوظيفة بجوارك في العمل وهو رجلٌ صالح ولكنّه مقصِّر فلا يصلّي مثلاً ، فأنت مكلَّف أن تأمره بالمعروف وأن تنهاه عن المنكر وأن تنَشّئَ أولادك على ذلك ، فإذا أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر توسَّعت دوائر الحق على حساب دوائر الباطل ، أما إذا تقاعسنا نستحقُّ عندئذِ لعنة الله ، وندعوه فلا يستجيب لنا. وقد ذكرنا في النصوص التي هي كثيرة الدقة.. فقضيّة الأمر بالمعروف هي من أخطر الأوامر التي تأتي بعد الفرائض .
ومرّة ثانية .. الأمر بالمعروف يحتاج إلى تطبيق أولاً ، وثانياً إلى حكمة وإلى تدرُّج وإلى تلطُّف ، ويحتاج إلى أن تعتقد أنّك إذا رأيت في إنكار هذا المنكر فتنةٌ أشدَّ من المنكر ينبغي أن تصمت ، لأنّه يجب عليك أن تختار أهون الشرّين .
والحمد لله ربِّ العالمين .
*****
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
بارك الله فيك على الموضوع القيم
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :