عنوان الموضوع : مقالات اسلامية في فضائل الامازيغ بربرية
مقدم من طرف منتديات العندليب
. في فضائل الامازيغ
الشيخ أبو العباس أحمد بن سعيد الدرجيني
1- وعن فضائل البربر من العجم ما بلغنى ان عائشة رضى الله عنها ، دخل عليها ذات مرة رجل من البربر وهى جالسة ومعها نفر من المهاجرين والانصار ، فقامت عائشة لوسادتها فطرحتها للبربرى دونهم ، فانسل القوم واجلين بذلك ، فلما قضى البربرى حاجته وخرج أرسلت إليهم عائشة ، حتى أجتمعو إليها ، فقالت لهم : ما الذي أوجب خروجكم على تلك الحال ؟ قالوا : لإيثارك علينا وعلى نفسك رجلا كنا نزدريه ، وننتقص قومه ، فقالت إنما فعلت ذلك لما قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت اتعرفون فلانا البربري ؟ قالوا نعم ، قالت كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذات مرة جالسين ، إذ دخل علينا ذلك البربرى مصفر الوجه غائر العينين ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ما دهاك ؟ أمرض ؟ فارقتنى بالأمس ظاهرالدم فجئتنني الساعة كأنما انتشرت من قبر.؟! ، فقال ، يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بت في هم شديد ، فقال ما همك ؟ قال : تردد بصرك في بالامس خفت ان يكون نزل في قرآن. فقال : [لا يحزنك ذلك ، فانما ترديدى البصرفيك لأن جبريل عليه السلام جاءنى ، فقال أوصيك بتقوى الله وبالبربر قلت: وأى البربر ؟ قال قوم هذا ، وأشار إليك فنظرت عليك ، فقلت لجبريل ما شأنهم ؟ قال : قوم يحيون دين الله بعد أن كاد يموت ويجددونه بعد أن يبلى ثم قال جبريل : يا محمد دين الله خلق من خلق الله نشأ بالحجاز وأهله بالمدينة ، خلقه ضعيفا ثم ينميه وينشئه، حتى يعلو ويعظم ، ويثمر كما تثمر الشجرة ثم يقع وإنما يقع رأسه بالمغرب ، والشئ إذا وقع لم يرفع من وسطه ، ولا من أسفله ، إنما يرفع من عند رأسه.]
2- وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه انه قدم عليه وفد من البربر ، من لواته أرسلهم إليه عمرو بن العاص وهم محلقو الرؤوس واللحى، فقال لهم عمر من أنتم قالوا من البربر من لواته ؟ فقال عمر لجلسائه : هل فيكم من يعرف هذه القبيلة في شئ من قبائل العرب والعجم ، قالوا : لا ، قال : العباس بن مرادس السلمي عندي منهم علم يا أمير المؤمنين، هؤلاء من ولد بنى قيس ، وكان لقيس عدة من الأولاد ، أحدهم يسمى بربر بن قيس ، وفى خلقه بعض الرعونة فقال : أخرق ذات مرة فخرج إلى البراري فكثر بها نسله وولده ، فكانت العرب تقول تبربروا أى كثروا فنظر إليه عمرو بن الخطاب رضى الله عنه فاستحضر ترجمانا يترجم كلامهم ، فقال لهم مالكم محلقوا الرؤوس واللحى؟ فقالوا شعر نبت في الكفر ، فأحببنا ان نبدله بشعر ينبت في الاسلام ، فقال هل لكم مدائن تسكنونها فقالوا : لا ، قال : فهل لكم حصون تتحصنون فيها ؟ قالوا : لا فقال : هل لكم اسواق تتبايعون فيها ؟ قالوا : لا ، قال : فبكى عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، فقال له جلساؤه وما يبكيك يا أمي المؤمنين ؟ قال عمر أبكاني قلة هذه العصابة من المسلمين ، واجتماع أمم الكفر عليها ، فان الله تعالى سيفتح للاسلام بابا من المغرب بقوم يعز بهم الاسلام ويذل بهم الكفر ، أهل خشية وبصائر يموتون على ما أبصروا ، وليست لهم مدائن يسكنون فيها ولا حصون يتحصنون فيها ، ولا أسواق يتبايعون فيها ، فلذلك بكيت الساعة . حين ذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذكر من الفضل عليهم فردهم إلى عمرو بن العاص وأمره ان يجعلهم في مقدمات العسكر ، وأحسن إليهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأكرمهم ، وأمر عمرو بن العاص أن يحسن إليهم ، فكانوا مع عمرو بن العاص حتى قتل عثمان ، فلما كان هذا الخبر في عصابة من أهل المغرب عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رجونا أن يكونوا أئمتنا ومن اقتفى آثارهم وأن يكونوا أهل تلك الفضيلة .
3- وبلغنا عن بعض الخلفاء أن النبي قال : يا أهل مكة ويا أهل المدينة أوصيكم بالله وبالبربر خيرا ، فانهم سياتونكم بدين الله من المغرب بعد أن تضيعوه ، هم الذين ذكرهم الله في كتابه بقوله :" يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه ، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين . يجاهدون في سبيل الله...و الله واسع عليم ". لا ينظرون في حسب امرئ غير طاعة الله."
قال البكرى : فمن حين وقعت الفتنة انما نقاتل نحن العرب على الدينار والدرهم وأما البربر فانهم يقاتلون على دين الله ليقيموه قال : وهو يرفع الحديث إلى ابن مسعود رضى الله عنه أن آخر حجة حججنا قام خطيبا فقال : يا أهل مكة ويا أهل المدينة أوصيكم بتقوى الله وبالبربر فأنهم سيأتونكم بدين الله من المغرب ، وهم الذين يستبدل الله بكم اذ يقول :" وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم " والذى نفس ابن مسعود بيده لو ادركتهم كنت لهم أطوع من إمائهم ، وأقرب إليهم من دثارهم ، وبلغنا عن عائشة رضى الله عنها انها أبصرت صبيا له ذؤابتان ذا جمال وهيئة فقالت من أي قبيل هذا الصبى الشقي؟ قالوا من البربر ، قالت عائشة: " البربر يقرون الضيف ويضربون بالسيف ويلجمون الملوك لجام الخيل." .
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
فضائل الامازيغ في تاريخ العبر لابن خلدون :
الفصل الثالث فضائل هذا الجيل من البربر
في ذكر ما كان لهذا الجيل قديماً وحديثاً من الفضائل الإنسانية والخصائص الشريفة الراقية بهم إلى مراقي العز ومعارج السلطان والملك
قد ذكرنا ما كان من أمر هذا الجيل من البربر ووفور عدده وكثرة قبائلهم وأجيالهم وما سواه من مغالبة الملوك ومزاحمة الدول عدة آلاف من السنين من لدن حروبهم مع بني إسرائيل بالشام وخروجهم عنه إلى إفريقية والمغرب وما كان منهم لأول الفتح في محاربة الطوالع من المسلمين أولاً ثم في مشايعتهم ومظاهرتهم على عدوهم ثانياً من المقامات الحميدة والآثار الجميلة. وما كان لوهياً الكاهنة وقومها بجبل أوراس من الملك والعز والكثرة قبل الإسلام وبعده حتى تغلب عليهم العرب وما كان لمكناسة من مشايعة المسلمين أولاً ثم ردتهم ثانياً وتحيزهم إلى المغرب الأقصى وفرارهم أمام عقبة بن نافع ثم غلبهم بعد ذلك طوالع هشام بأرض المغرب.
قال ابن أبي زيد: إن البربر ارتدوا بإفريقية المغرب اثنتي عشرة مرة وزحفوا في كلها للمسلمين ولم يثبت إسلامهم إلا في أيام موسى بن نصير وقيل بعدها. وتقدم ذكر ما كان لهم في الصحراء والقفر من البلاد وما شيدوا من الحصون والآطام والأمصار من سجلماسة وقصور توات وتجورارين وفيجيج ومصاب وواركل وبلاد ريغة والزاب ونفزاوة والحمة وغذامس. ثم ما كان لهم من الأيام والوقائع والدول والممالك.
ثم ما كان بينهم وبين طوالع العرب من بني هلال في المائة الخامسة بإفريقية.
وما كان لهم مع دولة آل حماد بالقلعة ومع لمتونة بتلمسان وتاهرت من الموالاة والانحراف. وما استولى عليه بنو بادين آخراً بإسهام الموحدين وإقطاعهم من بلاد المغرب وما كان لبني مرين في الأجلاب على عير عبد المؤمن من الآثار وما تشهد أخباره كلها بأنه جيل عزيز على الأيام وأنهم قوم مرهوب جانبهم شديد بأسهم كثير جمعهم مظاهرون لأمم العالم وأجياله من العرب والفرس ويونان والروم. ولكنهم لما أصابهم الفناء وتلاشت عصابتهم بما حصل لهم من ترف الملك والدول التي تكررت فيهم قلت جموعهم وفنيت عصابتهم وعشائرهم وأصبحوا خولاً للدول وعبيداً للجباية. واستنكف كثير من الناس عن النسب فيهم لأجل ذلك وإلا فقد كانت أوربة أميرهم كسيلة عند الفتح كما سمعت وزناتة أيضاً حتى أسر أميرهم وزمار بن مولات وحمل إلى المدينة إلى عثمان بن عفان.
ومن بعد ذلك هوارة وصنهاجة وبعدهم كتامة وما أقاموا من الدولة التي وأما تخلقهم بالفضائل الإنسانية وتنافسهم في الخلال الحميدة وما جبلوا عليه من الخلق الكريم مرقاة الشرف والرفعة بين الأمم ومدعاة المدح والثناء من الخلق من عز الجوار وحماية النزيل ورعي الأذمة والوسائل والوفاء بالقول والعهد والصبر على المكاره والثبات في الشدائد. وحسن الملكة والإغضاء عن العيوب والتجافي عن الانتقام ورحمة المسكين وبر الكبير وتوقير أهل العلم وحمل الكل وكسب المعدوم. وقرى الضيف والإعانة على النوائب وعلو الهمة وإباية الضيم ومشاقة الدول ومقارعة الخطوب وغلاب الملك وبيع النفوس من الله في نصر دينه. فلهم في ذلك آثار نقلها الخلف عن السلف لو كانت مسطورة لحفظ منها ما يكون أسوة لمتبعيه من الأمم وحسبك ما اكتسبوه من حميدها واتصفوا به من شريفها أن قادتهم إلى مراقي العز وأوفت بهم على ثنايا الملك حتى علت على الأيدي أيديهم ومضت فى الخلق بالقبض والبسط أحكامهم.
وكان مشاهيرهم بذلك من أهل الطبقة الأولى: بلكين بن زيري الصنهاجي عامل إفريقية للعيديين ومحمد بن خزر والخير ابنه وعروبة بن يوسف الكتامي القائم بدعوة عبد الله الشيعي
و يوسف بن تاشفين ملك لمتونة بالمغرب
و عبد المؤمن بن علي شيخ الموحدين وصاحب الإمام المهدي.
وكان عظماؤهم من أهل الطبقة الثانية السابقون إلى الراية بين يدي دولهم والماهدون لملكهم بالمغرب الأقصى والأوسط كبيرهم يعقوب بن عبد الحق سلطان بني مرين
و يغمراسن بن زيان سلطان بني عبد الواد و محمد بن عبد القوي و وزمار كبير بني توجين و ثابت بن منديل أمير مغراوة وأهل شلف و وزمار بن إبراهيم زعيم بني راشد المتعاصرين في أزمانهم المتناغين في تأثيل عزهم والتمهيد لقومهم كل على شاكلته بقوة جمعه.
فكانوا من أرسخهم في تلك الخلال قدماً وأطولهم فيها يداً وأكثرهم لها جمعاً طارت عنهم في ذلك قبل الملك وبعده أخبار عني بنقلها الأثبات من البربر وغيرهم وبلغت في الصحة والشهرة منتهى التواتر.
وأما إقامتهم لمراسم الشريعة وأخذهم بأحكام الملة ونصرهم لدين الله فقد نقل عنهم من اتخاذ المعلمين لأحكام دين الله لصبيانهم والاستفتاء في فروض أعيانهم واقتفاء الأئمة للصلوات في بواديهم وتدارس القرآن بين أحيائهم وتحكيم حملة الفقه في نوازلهم وقضاياهم وصياغتهم إلى أهل الخير والدين من أهل مصرهم التماساً في آثارهم وسوءاً للدعاء عن صالحيهم وإغشائهم البحر لفضل المرابطة والجهاد وبيعهم النفوس من الله في سبيله وجهاد عدوه ما يدل على رسوخ إيمانهم و صحة معتقداتهم ومتين ديانتهم التي كانت ملاكاً لعزهم ومقاداً إلى سلطانهم وملكهم.
المبرز منهم في هذا المنتحل يوسف بن تاشفين وعبد المؤمن بن علي وبنوهم. ثم يعقوب بن عبد الحق من بعدهم وبنوه فقد كان لهم في الاهتمام بالعلم والجهاد وتشييد المدارس واختطاط الزوايا والربط وسد الثغور وبذل النفس في الله وإنفاق الأموال في سبيل الخيرات ثم مخالطة أهل العلم وترفيع مكانهم مجالستهم ومفاوضتهم في الاقتداء بالشريعة والانقياد لإشاراتهم في الوقائع والأحكام ومطالعة سير الأنبياء وأخبار الأولياء وقراءتها بين أيديهم من دواوبن ملكهم ومجالس أحكامهم وقصور عزهم. والتعرض بالمعاقل لسماع شكوى المتظلمين وإنصاف الرعايا من العمال والضرب على يد أهل الجور واتخاذ المساجد بصحن دورهم وسده خلافتهم وملكهم يعمرونها بالصلوات والتسبيحات والقراء المرتلين لتلاوة كتاب الله أحزاباً بالعشي والإشراق على الأيام وتحصين ثغور المسلمين بالبنيان المشيد والكتائب المجهزة وإنفاق الأموال العريضة. شهدت لهم بذلك آثار تخلفوها بعدهم.
وأما وقوع الخوارق فيهم وظهور الكاملين في النوع الإنساني من أشخاصهم فقد كان فيهم من الأولياء المحدثين أهل النفوس القدسية والعلوم الموهوبة. ومن حملة العلم عن التابعين ومن بعدهم من الأئمة والكهان المفطورين على المطلع للأسرار المغيب ومن الغرائب التي خرقت العادة وأوضحت أدلة القدرة ما يدل على عظيم عناية الله بذلك الجيل وكرامته لهم بما آتاهم من جماع الخير وآثرهم به من مذاهب الكمال وجمع لهم من متفرق خواص الإنسان ينقل ذلك في أخبار توهم عجائب.
فكان من مشاهير حملة العلم فيهم سعيد بن واسول جد بني مدرار ملوك سجلماسة أدرك التابعين وأخذ عن عكرمة مولى العباس ذكره عريب بن حميد في تاريخة.
ومنهم أبو يزيد مخلد بن كيداد اليفرني صاحب الحمار الخارج على الشيعة سنة اثنتين وثلثمائة الدائن بدين الخارجية. أخذ العلم بتوزر عن مشيختها ورأس في الفتيا وقرأ مذاهب الإضافية من الخوارج وصدق فيه. ثم لقي عماراً الأعمى الصفري النكار. فتلقن عنه من مذاهبهم ما انسلخ من آية السعادة بانتحاله. وهو مع ذلك من الشهرة في هذا الجيل بحيث لايغفل. ومنهم منذر بن سعيد قاضي الجماعة بقرطبة من ظواعن ولهاصة ثم من سوماتة منهم مولده عام عشرة ووفاته عام ثلاثه وثمانين وثلثمائة. كان من البتر من ولد مادغيس هلك على يد عبد الرحمن الناصر.
ومنهم أيضاً أبو محمد بن أبي زيد علم الملة وهو من نفزة أيضاً. ومنهم علماء بالنسبة والتاريخ وغير ذلك من فنون العلوم. ومن مشاهير زناتة أيضاً موسى بن صالح الغمري معروف عند كافتهم معرفة وضوح وشهرة وقد ذكرناه عند ذكر غمرة من شعوب زناتة. وهو وإن لم توقفنا الأخبار الصحيحة على الجلي من أمره في دينه فهو من محاسن هذا الجيل الشاهدة بوجود الخواص الإنسانية فيهم: من ولاية وكهانة وعلم وسحر وكل نوع من آثار الخليقة. ولقد تحدث أهل هذا الجيل فيما يتحدثون به أن أخت يعلى بن محمد اليفرني جاءت بولد من غير أب سموه كلمام.
ويذكر له أخبار في الشجاعة خرقت العوائد ودلت على أنه موهبة من الله استأثره بها لم يشاركه فيها غيره من أهل جلدته. وربما ضاقت - حواصل الخواص منهم عن ملتقط هذه الكائنة ويجهلون ما يتسع لها ولأمثالها من نطاق القدرة وينقلون أن حملها كان إثر استحمامها في عين حامية هنالك غب ما صدر عنها بعض السباع كانت ترد فيها على الناس ويردون عليها ويرون أنها علقت من فضل ولوغه ويسمون ذلك المولود ابن الأسد لظهور خاصة الشجاعة فيه. وكثير من أمثال هذه الأخبار التي لو انصرفت إليها عناية الناقلين لملأت الدواوين. ولم يزل هذا دأبهم وحالهم إلى أن مهدوا من الدول وأثلوا من الملك ما نحن في سبيل ذكره.
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
نصوص تاريخية في فضائل البربر و أصالتهم وأخلاقهم وحضارتهم
بقلم/عزالدين حضري.
المرجع الذي نقل منه الموضوع : https://vb.altareekh.com/t56431/
بسم الله الرحمن الرحيم
خطة الموضوع:
• تقديم:
1-أسباب سرد هذه النصوص.
2-الهدف من سرد هذه النصوص.
3-منهجية تصنيف هذه النصوص.
4-تنويهات.
5-النصوص التاريخية مصنفة تصنيفا كرونولوجيا.
• خاتمة.
• تقديم:
1-أسباب سرد هذه النصوص:
قد يتساءل سائل عن الأسباب التي دعتني إلى إيراد هذه النصوص،فأقول أن الأسباب عديدة،منها على الخصوص:
-أنها رد على من يدعي أن البربر لم يعيشوا إلا على هامش التاريخ الإنساني نقول لهم راجعوا المصادر التاريخية بكل دقة وموضوعية فستجدون أن الأمة البربرية كانت دائما حاضرة ومتواجدة في قلب الأحداث،بل صنعت الكثير من الأحداث.
-وقد ذكرت عدة مرات أن صورة نمطية تسوق من لدن الكثيرين ممن لا يريدون أن تقوم قائمة للثقافة الآمازيغية،و جوهر تلك الصورة أن المدافعين عن تلك الثقافة جلهم(إن لم يكونوا كلهم)من العلمانيين والملحدين والمتنصرين والكارهين للثقافة الإسلامية،المدفوعين من طرف دوائر استعمارية غربية بهدف إحياء النعرات الجاهلية وتأجيج الطائفية المقيتة،وزرع الفتنة في صفوف المجتمع المغاربي المسلم،ومن ورائه كل الأمة الإسلامية.
ولكن الواقع مخالف لذلك تماما فالكثير من حاملي لواء المدافعة عن هوية الأمة الآمازيغية،وإحياء ثقافتها،ولغتها،وتقاليدها هم من المتمسكين بدينهم الإسلامي الحنيف،يفتخرون به،ويعتبرونه الركيزة الأولى والحصن الحصين للآمازيغ عبر التاريخ،إنه الدين الذي دعا إلى التسامح والحوار واحترام الأخر،وهو الدين الذي حارب العنصرية والطائفية،ولكنه في نفس الوقت دافع عن التعددية وحرية الاختلاف في جوانبها الايجابية،والتي تؤدي إلى تقوية الأمة لا إلى تفرقتها وشرذمتها،و من الأدلة الواضحة على ذلك،قول الله تعالى﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾الحجرات:13،وقوله أيضًا عزوجل:﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيرًا ونساء﴾النساء:1،وقوله جل وعلا:﴿ومن آياته خلق السموات والأرض،واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين﴾ الروم:22.
لقد مثل الإسلام للبربر عامل وحدة ثقافية واجتماعية وعقائدية وسياسية،هي التي حثّ عليها الإسلام والهدف«تأسيس حضارة تتجاوز الإطار القبلي والعنصري»،وكانت النتيجة نشأة الحضارة الإسلامية الراقية والإنسانية،التي يتساوى فيها جميع الناس بقطع النظر عن أصلهم ونسبهم،ولذا نجد أن في الأمة الإسلامية شعبا تركيا معتزا بإرثه التركي متمسكا بلغته وثقافته التركية،ومع هذا فإن الأتراك إلى يومنا هذا متمسكين بدينهم مستشعرين ألام وأمال أمتهم الكبيرة،ونفس الشيء يقال عن الشعب الفارسي،والباكستاني..الخ،فلما يكون فقط الأمازيغ من يشذ عن تلك القاعدة؟ولما يشكك في نوايا كل من يناضل في سبيل تلك الغاية؟.
-ونقول للذين يحاولون تشويه سمعة المدافعين عن الهوية الآمازيغية لبلاد المغرب الكبير بحجة إحياء النعرات الجاهلية،ونشر الفتنة بين المسلمين...وغيرها من الدعاوى الباطلة بأن التصادم بين الثقافة العربية والآمازيغية أمر مستبعد،لم يحدث من قبل ولن يحدث مستقبلا،فالنيات خالصة و الموضوعية و العلمية هي السمة الرئيسية التي يتمسك بها دعاة بعث الهوية الآمازيغية(وإن كنت أكره استعمال كلمة بعث نظرا لارتباطها بالتيار العنصري العربي).
الكثير من الأمازيغيين المخلصين المرتبطين بشدة بمبادئ دينهم هم الآن في الطريق السليمة للتخلص من الأسئلة التي روج لها دعاة إقصاء الهوية الآمازيغية،والتي كانوا يلقون بها في روع الآمازيغيين والتي مفادها "هل موقفي هذا يقدح في ديني؟هل يخرجني من دائرة الأمة الإسلامية؟
2-الهدف من سرد هذه النصوص:
أردت من خلال ذلك تحقيق جملة من الأهداف منها على الخصوص:
-التأكيد أن النضال في سبيل إحياء الهوية الآمازيغية حي ومتأصل ،والتمسك بالهوية الآمازيغية لا يشعرنا تماما بالحيد عن مبادئ الإسلام.
-أن يكون لنا الحق كأمازيغيين للافتخار بأصولنا وأنسابنا وتاريخنا وحضارتنا الآمازيغية الخالدة،تماما كما يحلو للعرب أن يفتخروا بأمجادهم ويتغنوا بتاريخهم وأصولهم.
-لفت الانتباه إلى أن مصادر التاريخ المغربي تتحدث بقوة عن قضية يمكنني أن اسميها"بالشعور بالهوية الآمازيغية لبلاد المغرب الكبير"،وهي قضية نلمسها بقوة بمطالعتنا للكثير من المصنفات التاريخية لعدد من أساطين التاريخ منهم:ابن حزم،والمراكشي،وابن خلدون ،والسلاوي،والميلي...الخ.،وهذا في رأي ردا على الذين يدعون أن أثارة النقاش حول الهوية الآمازيغية هو قضية مفبركة ومستحدثة،وأنها مؤامرة أدارها الاستعمار الفرنسي للتفريق بين البربر والعرب في بلاد المغرب.
-أن وتهتم الدراسات التاريخية الجادة بهذا الموضوع الهام والمفصلي بطريقة مركزة وجادة وموضوعية،وأن تطرح إشكالا محددا ودقيقا ،يكون كالتالي:"ماهي جذور الدعوة للتمسك بالهوية الآمازيغية للمغاربة؟ وماهي الأسباب الرئيسية لتهميش الهوية الآمازيغية لتلك البلاد؟وهل ولٌدٌ ذلك أزمة هوية للأمة الآمازيغيبة؟".
3-منهجية تصنيف هذه النصوص:
لقد قمت بتصنيفها حسب أهميتها،وكرونولوجيتها،ومغزاها:
• فأتيت بمجموعة أولى تنسب إلى الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم.
• أما المجموعة الثانية فمقتطفات من أقوال وآل بيت الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-.
• أما المجموعة الثالثة فمقتطفات من أقوال الصحابة –رض-.
• أما المجموعة الرابعة فمقتطفات من أقوال وشهادات كبار المؤرخين والعلماء المسلمين.
• أن تلك النصوص تتحدث عن بعض فضائل بلاد المغرب وأهلها؛فموضوعاتها عديدة،منها ما تطرق لخيرية أهلها وأصالتهم،وعزتهم،وفضلهم ،زأخلاقهم،ومنها ما تطرق لجغرافية المنطقة وشساعتها وجمالها وكثرة عمرانها...الخ،ومنها مواضيع تطرقت للرد على شبهات متعددة حول البربر وتاريخهم،ومنها مواضيع تحدثت عن تأصل التمسك بالهوية اآمازيغيية..الخ
• أني أوردت النصوص كما هي،وقد يلاحظ القارئ وجود بعض الجمل وضعتها بيت قوسين في متن النص،فتلك الجمل تنسب إلي أتيت بها للتوضيح ،فقد لا يفهم القارئ مغزى النص التاريخي دون تلك الجمل.
وفيما يلي بعض تلك النصوص التي رأيت أن أقدمها للقراء الآمازيغيين وغيرهم من المنصفين،ليتبين لهم أن البربر أمة عريقة قبل الإسلام وبعده،وأن الدفاع عن الهوية الآمازيغية لا يعتبر إطلاقا إحياء للطائفية والفتنة. فتدبر يرحمك الله النصوص التالية:
4-تنويهات:
قبل أن أستعرض هذه النصوص علينا بداية أن ننوه للنقاط التالية:
• أن كل الأحاديث الواردة في تلك النصوص لم نعثر لها على أثر في كتب الأحاديث المعتبرة(أنظر كتب الصحاح للبخاري و مسلم...الخ).
• يرجح بعض المؤرخين(ومنهم عبد القادر بوباية)أن تلك الأحاديث ربما انتحلت من رواة من البربر للتباهي بأصولهم وأرومتهم(أنظر:مفاخر البربر،لعبد القادر بوباية).
• أن انتحال الأحاديث للتباهي بالأصل لم ينتهجه البربر فقط،فقد انتحل العرب والفرس والترك الأحاديث في سبيل تلك الغاية(أنظر:العقد الفريد،لابن عبد ربه).
5-النصوص التاريخية مصنفة تصنيفا كرونولوجيا:
-المجموعة الأولى:نصوص تنسب للرسول-صلى الله عليه وسلم-:
• <عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لايزال أهل المغرب ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة"...>.
• <يروى عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال"لله فرسانا في السماء"يعني الملائكة،و"فرسانا في الأرض"يعني البربر>.
• ويروى<عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال:"إن لله أنصارا ولذريتي،فأنصاري الأنصار الذين آووا ونصروا،وأنصار ذريتي البربر آووهم وبروهم وأكرموهم">.
• ويروى<عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال:"لا تزال طائفة من أمتي بالمغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة">.
• ويروى عن سعد بن أبي وقاص<عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال:"لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة">.
• ويروى<عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال:"لا يضرهم من خالفهم حتى يروا قياما فيقولون: غشيتم فيغشون سرعان خيلهم،فيرجعون إليهم فيقولو: الجبال سيرت فيخرون سجدا فتنقبض أرواحهم">.
• ويروى<عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال:"خير الأرض مغاربها وأعوذ بالله من فتنة المغرب">.
• ويروى عن أبي أيوب الأنصاري قال:<بينما رسول الله-صلى الله عليه وسلم-واقف إذ توجه تلقاء المغرب فسلم وأشار بيده فقلت:"على من تسلم يا رسول الله؟"،قال:"على رجال من أمتي يكونون في هذا المغرب بجزيرة يقال لها الأندلس حيهم مرابط،وميتهم شهيد،وهم ممن استثنى الله من كتابه "فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله".
ويعلق أبي أيوب الأنصاري-رض-عن وعد النبي فيقول:"وصح وعد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-إن الإسلام سيبلغ مشارق الأرض ومغاربها فكان الأمر كما وعد">.
• وعن فضل بلاد المغرب وخيريته يروى:<عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال:"الشر عشرة أجزاء،فتسعة في المشرق،وواحد في سائر البلدان">.
-المجموعة الثانية:نصوص تنسب لآل بيت الرسول-صلى الله عليه و آله وسلم-:
• <...بلغنا أن علي بن أبي طالب-كرم الله وجهه ورضي الله تعالى عنه-قام خطيبا فقال:يا أهل مكة والمدينة.أوصيكم الله والبربر.فهم الذين سيجلبون لكم اﻹسلام من المغرب لما تفسدونه هنا.وهم الذين يقول فيهم الله تعالى:«يأيها الذين آمنوا من يرتدً منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه.أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين. يجاهدون في سبيل الله.ولايخافون لومة لائم.ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم»-سورة المائدة،آية؛54–.
وأضاف البكري:كنا-نحن معشر العرب-إذا اندلعت المعركة نقاتل من أجل الدرهم والدينار.أما البربر فكانوا يقاتلون ﻹعلاء كلمة الله في اﻷرض.ويروى عن ابن مسعود-رضي الله عنه- أنه قال:أن الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-قال في حجة الوداع-السنة العاشرة للهجرة-:أوصيكم بتقوى الله وبالبربر.فهم من يجيئونكم بدين الله من أعماق المغرب.وسيستبدلكم الله بهم.ثم قرأ: «إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم»-سورة محمد؛آية؛38-.
• <...وعن علي بن أبي طالب-رضي الله تعالى عنه-قال عسكر طنجة وطرابلس فارسهم وراجلهم في الحرب والبأس سواء،قلوبهم كأنها زير الحديد>.
• <ورويي أن فاطمة بنت رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-أمرت جارية أن تتصدق بصدقة،فقالت لها:"إذا قُبلت منك الصدقة فاسألي الذي يأخذها منك من هو و في أي بلد مسكنه"؟قال:فخرجت الجارية بالصدقة فقالت:"من يقبل صدقة آل رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-فقام رجل فقال لها:"أنا موضع صدقة آل رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-"فقالت له:"من أين أنت؟وفي أي بلد مسكنك"؟قال لها:"أنا من ولد بر"فأعطته الصدقة ورجعت مسرعة إلى فاطمة –رضي الله عنها-فأخبرتها،فقالت:"أخذ صدقة آل رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-رجل من البربر" فقالت لها:"علي بالرجل" فلحقته الجارية وقد بلغ أقصى المسلك فقالت له:"آيها الرجل إن فاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-تسأل عنك" قال:فرجع البربري خائفا وجلا وهو يقول:"قد بدا لها في الصدقة أمر"فلم وقف على الباب،كشفت القناع عن وجهها،وهي باكية،وهي تقول:"لكل نبي حواري،وحواري ذريتي البربر،إني سمعت رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-يقول:"يا فاطمة سيقتل الحسن والحسين،ويقتلونهم ويجلون أولادهم العرب،ويؤونهم البربر،فيا شر من فعل بهم ذلك،وطوبى لقوم يؤونهم ويحبونهم ويكرمونهم ويعزونهم،قد جعل الله في قلوب البربر الرأفة والرحمة لذرية رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-ولعامة المسلمين،وهم يكونون القائمين بهذا الدين على يقين،ومنهاج واضح،قال ذلك الصادق المأمون-صلى الله عليه وآله وسلم-وأمر بتقدمهم بأمر الله.>.
-المجموعة الثالثة:نصوص تنسب لصحابة الرسول-صلى الله عليه و آله وسلم-:
• <...بلغنا أن عمر بن الخطاب-رض-استقبل ذات يوم وفدا من قبيلة لواتة البربرية.كان قد أرسلهم عمرو بن العاص حاكم مصر.
وقد اندهش الخليفة لمرآهم إذ كان جميع أعضاء الوفد حليقوا الرأس و الوجه.فسألهم أمير المؤمنين عن سر ذلك الفعل.فقالوا:لقد طالت شعورنا و لحانا ونحن كفار،وفي جاهلية.فلما هدانا الله إلى اﻹسلام أردنا أن نغير مظهرنا كما غير الدين مخبرنا.
ثم جرى بين الخليفة و الوفد الحوار التالي:
الخليفة: هل لكم مدنا تسكنون فيها؟
الوفد: لا.
الخليفة: هل لكم أسواق تبيعون وتبتاعون منها؟
الوفد: لا.
فأجهش الخليفة بالبكاء ولما سأله الحاضرون عن سبب بكائه.أجاب:ما أبكاني أني سمعت حديثا من الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- يوم حنين.لما تولى المسلمون عن ميدان القتال.فالتفت إلى نبي الله وعيني تفيضان من الدمع:
فقال:لما تبكي يا عمر؟
فقلت: أبكي يا رسول الله لقلة عدد المؤمنين وكثرة المشركين.
فقال النبي–عليه وآله الصلاة والسلام-:لا تبكي يا عمر.فسيفتح الله للإسلام بابا من المغرب.وسيدخل أقوام يكبرون الله كثيرا ويعزون هذا الدين.ويذلون الكافرين والمشركين.أقوام يخشون الله.ليس لهم مدنا يسكنونها.ولا ملاجئ يحتمون بها.ولا أسواق يبيعون فيها ويشترون.
واستطرد أمير المؤمنين عمر قائلا:ولهذا بكيت لما تذكرت قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-في هؤلاء الناس والمناقب التي وصفهم بها....>.
• أما الصحابي الجليل عبد الله ابن مسعود فيقول: … >والذي نفس ابن مسعود بيده لو بلغتهم لكنت أطوع لهم من خدمهم وعبيدهم.وأقرب إليهم من لباسهم. ....>.
• <...يروى أن أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها-رأت يوما فتى شعره مسترسل مصفف بالجدائل والظفائر.ممتلئ حيوية وحسنا وظرافة.فسألت:من أي قبيلة هذا الفتى؟فقيل لها:إنه من البربر.فقالت:البربر يكرمون ضيفهم.ويضربون جيدا بسيفهم.ويلجمون الملوك كما نلجم اﻷحصنة. ....>.
-المجموعة الرابعة:نصوص وشهادات المؤرخين والمصنفين:
1-الرقيق القيرواني(أبو إسحاق إبراهيم بن القاسم/ت-420هـ-صاحب المصنفات المشهورة؛تاريخ افريقية والمغرب و؛أنساب البربر):
• يتحدث هذا المؤرخ عن غنى بلاد المغرب وجمالها فيذكر أنها كانت من:<...طرابلس من طنجة ظلا وقرى متصلة...>.
• أم عن قوة رجالها وبأسهم في القتال فيقول القيرواني:<...فرحل إلى بلاد الزاب(يقصد عقبة بن نافع)فسأل عن أعظم مدينة لهم(يقصد البربر)فقالوا"ميدنة"ومنها الملك،وكان حولها ثلاثمائة قرية كلها عامرة...وكانت بينهم حرب(بين العرب والبربر)ما رأوا قط ممن حاربوه مثلها حتى يئس المسلمون من أنفسهم...>.
• وعن الأمير كسيلة يخبرنا القيرواني أنه كان حافظا لعهوده،حريصا على سلامة الناس بعد انهزام العرب أمام قواته واستيلائه على القيروان فيقول: <...فخرجت العرب منها(يقصد القيروان)،ولم يكن لهم بقتاله طاقة،لعظيم ما اجتمع معه من البربر والروم،وأسلموا القيروان وبقي بها أصحاب الذراري و الأثقال،فأرسلوا إلى كسيلة يسألونه الأمان وأجابهم... >،ويضيف القيرواني في موضع آخر عن وفاء كسيلة بعهوده،فيقول:<...إني أردت أن أرحل إلى ممس(اسم مدينة وقعت بها معركة طاحنة بين قوات كسيلة والجيش العربي)فإن هذه المدينة(يقصد القيروان)فيها خلق عظيم من المسلمين ولهم علينا عهد،فلا نغدر بهم...>.
• أما عن الملكة البطلة الكاهنة التي أرادوا عبثا تشويه صورتها فيقول القيرواني:<...وكانت الكاهنة حينئذ أسرت ثمانين رجلا من أصحاب حسان(بن النعمان)،وأحسنت إليهم...>.
• ويتحدث القيرواني عن أحد أهم أسباب الثورات التي قام بها البربر فيقول:<...وكان ابن الحبحاب(الوالي الأموي)قد ولى طنجة وما والاها عمر بن عبيد الله المرادي،فأساء السيرة وتعدى في الصدقات والقسم،أراد أن يخمس البربر...وذلك ما لم يرتكبه عامل قبله....فلما بلغ البربر(ذاك) انتفضوا....وعظم البلاء...وهي أول فتن كانت بافريقية في الإسلام...>.
2-ابن حزم الأندلسي(أبو محمد بن سعيد/ت-456هـ-صاحب المصنفات المشهورة ومنها؛جمهرة أنساب العرب):
• يتحدث هذا المؤرخ عن أنساب البربر،وردا على الذين ادعوا أن البربر ينتمون لأصول عربية يقول:<... قال قوم: إنهم(يقصد البربر)من بقايا ولد حام بن نوح-عليه السلام-وادعت طوائف منهم إلى اليمن،إلى حمير،وبعضهم إلى بر بن قيس عيلان،وهذا باطل،لا شك فيه،وما علم النسابون لقيس عيلان ابناً اسمه بر أصلاً،ولا كان لحمير طريق إلى بلاد البربر،إلا في تكاذيب مؤرخي اليمن...>.
3- المؤرخ عبد الواحد المراكشي/كان على قيد الحياة سنة621هـ- (صاحب كتاب؛المعجب في تلخيص أخبار المغرب ):
• يقول عن أفضلية بلاد المغرب شرفها:<... وقد جاء في فضل المغرب غير حديث فمن ذلك ما حدثني الفقيه الإمام المتقن المتفنن أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل الشيباني سماعاً عليه بمكة في شهر رمضان من سنة 620 قال:حدثني المؤيد بن عبد الله الطوسي قراءة عليه بنيسابور قال:حدثنا الإمام كمال الدين محمد بن أحمد بن صاعد القراوي قراءة عليه قال:حدثنا ابن عبد الغافر الفارسي حدثنا محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان حدثنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري قال:حدثنا يحيى بن يحيى عن هشام بن بشر الواسطي عن داود بن أبي هند بن أبي عثمان النهدي عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لايزال أهل المغرب ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة"...>.
• ويتحدث المراكشي عن دور الهلاليين في تدمير بلاد المغرب واضعافها فيقول: <...وما بين الإسكندرية وطرابلس المغرب خمس وأربعون مرحلة،وكانت العمارة متصلة من مدينة الإسكندرية إلى مدينة القيروان تمشي فيها القوافل ليلاً ونهاراً،وكان فيما بين الإسكندرية وطرابلس المغرب حصون متقاربة جداً،فإذا ظهر في البحر عدو نور كل حصن للحصن الذي يليه،واتصل التنوير فينتهي خبر العدو من طرابلس إلى الإسكندرية،أو من الإسكندرية إلى طرابلس في ثلاث ساعات أو أربع ساعات من الليل،فيأخذ الناس أهبتهم ويحذرون عدوهم لم يزل هذا معروفاً من أمر هذه البلاد إلى أن خربت الأعراب(يقصد بدو بنو هلال)تلك الحصون،ونفت عنها أهلها أيام خلى بنو عبيد(يقصد الفاطميين)بينهم وبين الطريق إلى المغرب وذلك في حدود حين تغير ما بينهم وبين المعز بن باديس الصنهاجي،وقطع الدعاء لهم على المنابر ودعا لبني العباس فاستولى الخراب عليها إلى وقتنا هذا واستوطنتها الأعراب من سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان،وغيرهم فهم اليوم بها،وآثار المدن والحصون باقية إلى اليوم>.
4-المؤرخ ابن الأثير/أبي الحسن علي الشيباني/ت630هـ- (صاحب كتاب؛ الكامل في التاريخ):
• يتحدث هذا المؤرخ الذي يوصف بعمدة المؤرخين عن استقامة البربر،وحسن ظنهم بالحكام،رغم المساوئ التي كانوا يلحقونها بهم فيقول<...لم يزل أهل إفريقية من أطوع أهل البلدان وأسمعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك،حتى دب إليهم دعاة أهل العراق فاستشاروهم،وشقوا عصا وفرقوا بينهم إلى اليوم،وكانوا يقولون(يقصد البربر):لا نخالف الأئمة بما تجني العمال...>.
5-المؤرخ ابن عذاري/ت-669هـ- (صاحب كتاب؛ البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب):
• فيقول عن شساعة بلا البربر وجمالها وخيراتها:<...فذكروا أن إفريقيا كانت مدائن منتظمة حتى لم يكن في أقاليم الدنيا خيرات ولا أوصل بركات ولا ذكر مدائن وحصونا منه إقليم إفريقية،والمغرب مسيرة ألف ميل في مثله...>.
• وأضاف في موضع آخر يصف افريقية كما كان يصورها العرب الفاتحون الأوائل على أن:<... ملوكها كثير وأهلها في عدد عظيم وأكثر ركوبهم الخيل...>.
• ويتحدث عن بعض فضائل أهلها فيقول<...ويقال بأن أفريقية ساحلا يقال له المنستير،وهو باب من أبواب الجنة،....،وفي الحديث أن أفريقية يحشر منها سبعون ألف شهيد وجوههم كالقمر ليلة البدر،وعن سفيان بن عيينة قال:يروى أن المغرب باب المتوبة مفتوحا مسيرة أربعين خريفا،لا يغلقه الله حتى تطلع منه الشمس...>.
6-عبد الرحمن ابن خلدون/ت-808هـ(صاحب كتاب؛ كتاب العبر و ديوان المبتدأ و الخبر فى أيام العرب و العجم والبربر...):
• يتحدث العلامة ابن خلدون عن عراقة الأمة البربرية وأصالتها الضاربة في أعماق التاريخ فيقول:<... هؤلاء البربر جيل ذو شعوب وقبائل لا تحصى...ولم تزل بلاد المغرب إلى طرابلس،بل إلى الإسكندرية عامرة بهذا الجيل ... منذ أزمنة لا يعرف أولها ولا ما قبلها >.
• أو قوله<......والبربر معروفون في بلادهم وأقاليمهم؛متحيزون بشعارهم من الأمم منذ الأحقاب المتطاولة قبل الإسلام>.
• و يتحدث الإمام ابن خلدون عن فضائل الأمة البربرية فيشهد أن:<... وأما تخلق البربر بالفضائل الإنسانية،وتنافسهم في الخصال الحميدة، وما جبلوا عليه من الخلق الكريم مرقاة الشرف والرفعة بين الأمم ومدعاة المدح والثناء من الخلق،من عز الجوار وحماية النزيل ورعي الذمة والوسائل،والوفاء بالقول والعهد والصبر على المكاره،والثبات في الشدائد،وحسن الملكة، والإغضاء عن العيوب،والتجافي عن الانتقام،ورحمة المسكين،وبر الكبير،وتوفير أهل الدين وحمل الكل،وكسب المعدوم،وقري الضيف،والإعانة على النوائب،وعلو الهمة،وإباءة الضيم،ومشاقة الدول ومقارعة الخطوات،وغلاب الملوك،ربيع النفوس من الله في نصره دينهم...،فلهم في ذلك أثار ينقلها الخلف عن السلف،لو كانت مسطورة لحفظ منها ما يكون أسوة لمتبعية من الأمم، وحسبك ما اكتسبوه من حميدها،واتصفوا به من شريفها أن قادتهم إلى مراقي العز وارفت بهم على ثنايا الملك حتى علت على الأيدي أيديهم. ومضت في الخلق أحكامهم.>.
• كما يتحدث ابن خلدون عن مضاهاة البربر لغيرهم من شعوب العالم فيقول<...وما كان للبربر من آثار ما يشهد أخباره كلها بأنهم جيل عزيز على الأيام،أنهم قوم مرهوب جانبهم،شديد بأسهم،كثير جمعهم،مضاهون لأمم العالم وأجياله من العرب والفرس والروم.>.
• أما عن ملك البربر وعزتهم فيقول العلامة ابن خلدون:<...وكان للبربر في الضواحي وراء ملك الأمصار المرهوبة الحامية(يقصد مراكز ملك القوى التي سيطرة تباعا على مناطق من المغرب القديم-من القرطاجيين إلى البيزنطيين)ما شاء من قوة وعدة وعدد وملوك ورؤساء وأقيال،وأمراؤهم لا يرمون بذل ولا يناله الروم والإفرنج في ضواحيهم تلك بمسخطة الإساءة،وقد صبحهم الإسلام وهم في مملكة قد استولوا على روما ....>.
• أما عن إسلام البربر وتمسكهم به وجهاده في سبيل اعلاء كلمته،فيتحفنا العلامة ابن خلدون بقوله:<... وأما إقامة البربر لمراسم الشريعة وأخذهم بإحكام الملة،ونصرهم لدين الله فقد نقل عنهم من اتخاذ المعلمين كتاب الله لصيانتهم والاستفتاء في الفروض أعيانهم وابتغاء الأدمة للصلوات في بواديهم وتدارس القرآن بين أحيائهم،وتحكيم حملة الفقه في نوازلهم وقضاياهم،وصاغيتهم إلى أهل الخير والدين من أهل عصرهم التماسا للبركة في أثارهم،وسؤالا للدعاء من صالحيهم،واعتيانهم البحر لفضل المرابطة والجهاد وبيعهم النفوس من الله في سبيله وجهاد عدوه ما يدل على رسوخ إيمانهم،وصحة معتقداتهم ومتين ديانتهم التي كانت ملاكا لعزهم ومفادا إلى سلطانهم وملكهم...>.
7-مبارك الميلي (صاحب كتاب؛ تاريخ الجزائر في القديم والحديث...):
• يقول هذا المؤرخ المبدع والعالم المصلح عن عراقة الأمة الآمازيغية:< البربر أمة من أقدم أمم العالم وأشهر أجياله،عاصرت العرب والفرس واليونان والروم،معروفة بعز الجانب وإباية الضيم والدفاع عن الشرف...>.
• أما عن صمود الأمة البربرية ومقاومتها للغزاة والطامغين فيقول الميلي:<ولم تزل هذه الأمة النشيطة-قبل الإسلام وبعده-تقف في وجوه الهاجمين وتثور على الظلمة المستبدين،وتنهض للتخلص من وطأة الأجنبي على حريتها،وإزاحة كابوس المستعمرين عن مقلتي حياتها،ملأت بذلك تاريخها منذ سطوع فجر التاريخ،ولكن لم تكن الحروب بمانعتها عن مجاراة الأمم الأخرى في الحضارة والرقي والتخلق بالأخلاق الجليلة والخلال النبيلة..>.
• أما عن تحضر الأمة الآمازيغية ومساهمتها في دفع عجلة تطور الإنسانية فيقول الميلي:<...فقد عرف التاريخ لها حضارة عظمى ومدنية مثلى،وظهر منها علماء حكماء وعظماء خبراء في الدين والسياسة والعمران قبل الإسلام وبعده... >.
خاتمة:
في الأخير أقول:
• أن هذا غيض من فيض من النصوص التي تتحدث عن الأمة الآمازيغية وفضائلها،ومفاخرها،وحضارتها وتاريخها،وأصالتها،وهي نصوص تزخر بها أمهات المصادر التاريخية الإسلامية،وأوردها الثقات من مؤرخي الإسلام وعلماءه.
• والحق أن كل نص من النصوص السابقة يحتاج إلى دراسة تحليلية تاريخية وجغرافية واجتماعية وأنتروبولوجية عميقة،و هذا ما سيكون بإذن لها مستقبلا،ولكن علينا بداية أن نلفت الانتباه لهذا الموضوع الخطير أولا فالكثير من المناهضين للهوية الآمازيغية ينكرون تجذر الشعور بالهوية الآمازيغية لدى الشعوب المغاربية،وهذه المقتطفات من النصوص تدحض ذلك الادعاء بقوة.
بقلم/عزالدين حضري.
-المراجع:
• ابن الأثير الجزري(أبي الحسن علي الشيباني)؛الكامل في التاريخ،تحقيق عبد الله القاضي،بيروت،دار الكتب العلمية،ط.4 ،2003.
• ابن حزم الأندلسي(أبي محمد بن سعيد)؛جمهرة أنساب العرب،بيروت،دار الكتب العلمية،ط.1 ،1983.
• ابن خلدون(ولى الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد)،كتاب العبر و ديوان المبتدأ و الخبر فى ايام العرب و العجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، بيروت، مؤسسة الأعلى للمطبوعات،1971م،القاهـرة،المكتبة التجارية،د.ت.
• ابن عبد ربه الأندلسي(شهاب الدين أحمد)؛العقد الفريد،القاهرة،لجنة التأليف والترجمة والنشر،1948.
• ابن عذاري(محمد المراكشي)؛البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب،تحقيق ليفي بروفنسال،وكولان،وإحسان عباس، بيروت،دار الثقافة،1967.
• الرقيق القيرواني(إبراهيم بن القاسم)؛تاريخ افريقية والمغرب،تحقيق محمد زينهم محمد عزب،القاهرة،دار الفرجاني للنشر والتوزيع،ط.1 ،1994.
• العروي(عبدالله)؛مجمل تاريخ المغرب،الدار البيضاء،المركز الثقافي العربي،ط.5،1996.
• المراكشي(عبد الواحد)؛المعجب في تلخيص أخبار المغرب،تحقيق محمد العريان ومحمد العلمي،القاهرة،مطبعة الاستقامة.1949.
• مؤلف مجهول؛مفاخر البربر؛تحقيق عبد القادر بوباية، الرباط،دار أبي رقراق للنشر،ط.1،2005.
• الميلي(مبارك)؛تاريخ الجزائر في القديم والحديث،الجزائر،المؤسسة الوطنية للكتاب،1989.
• Abou zakaria;Livre des biographies des imams, traduit par Emile Masqueray sous le titre; chroniques d'Abou zakaria, ed-Alger,1878.
• Keddache(Mahfoud);L'Algérie Médiévale, Alger ,ed- E.N.A.L,1992.
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
القائد الرباني الامازيغي يوسف بن تاشفين اللمتوني الصنهاجي امير المسلمين و بطل معركة الزلاقة
موضوع منقول عن الأمير يوسف بن تاشفين ..أمير الدعوة والدولة في عهد دولة المرابطين
كتبه أ. مولاي المصطفى البرجاوي* المرجع : https://ar.qawim.net/index.php?option...29&Itemid=1321
يعد يوسف بن تاشفين رحمه الله؛ أحد الأمراء المسلمين البارزين في تاريخ الغرب الإسلامي، ولقد لقب على إثر انتصاره في معركة الزلاقة على النصارى الإسبان بـ"بأمير المسلمين وناصر الدين"، وهو أعظم ملك مسلم في وقته. أسس أول إمبراطورية في الغرب الإسلامي من حدود تونس حتى غانا جنوبا والأندلس شمالا وأنقذ الأندلس من ضياع محقق وهو بطل معركة الزلاقة وقائدها. وحد وضم كل ملوك الطوائف في الأندلس إلى دولته بالمغرب بعدما استنجد به أمير اشبيلية المعتمد بن عباد.
-------------------------
بدأت معالم الدولة المرابطية في الظهور مع الفقيه والعلامة عبد الله بن ياسين رحمه الله، في النصف الأول من القرن الخامس الهجري، الذي التفت حوله جماعة من الناس في أقصى جنوب المغرب وكان هدفهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر تعاليم الإسلام، وفي مواجهته العنيفة مع الخوارج "البورغواطيين" ، قتل عبد الله بن ياسين سنة 461هـ/1068م، ليقوم مقامه أبو بكر بن عمر الذي استقر في الصحراء بينما عين ابن عمه يوسف بن تاشفين أميرًا على المغرب، الذي حرص كل الحرص على نشر تعاليم الدين الإسلامي الصحيح ، كما واجه الصليبيين في الأندلس ، فانتصر عليهم في معركة الزلاقة سنة479هـ.
أولا- يوسف بن تاشفين ودولة المرابطين ... دراسة تاريخية:
عرف العالم الإسلامي ،عند قيام دولة المرابطين(1)، تشرذما وتجزيئا سياسيا إلى دول متفرقة، ففي الأندلس ظهر ما يسمى بملوك الطوائف، حيث قامت دويلات في كل مدينة وصلت إلى ثلاث وعشرين دويلة تناحرت فيما بينها، وتلقَّبوا بالألقاب الخلافية كالمأمون والمعتمد والمستعين والمعتصم والمتوكل إلى غير ذلك من الألقاب، ووصف هذه الحالة المشينة الشاعر أبو على الحسن بن رشيق:
مما يزهـــــدني في أرض أندلس*** سماع مقتدر فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها ***كالهرِّ يحكى انتفاضًا صولة الأســد
لقد آلت أوضاع الأَنْدَلُس إلى السوء، وأصبحت لا حول لها ولا قُوَّة مما شجع النصارى على توجيه ضربات إلى المُسْلِمين، وقد شنوا حربًا لا هوادة فيها نابعة من شعورهم العدائي للعرب والمُسْلِمين، تهدف إلى طردهم من إسبانيا، وبدأت هذه الحرب بدافع الحقد الصليبي، وأضافوا إليها مع مرور الأيام عامل القَومية (2) وأطلقوا عليها حرب الاسترداد (3) .
أما العراق فقد شهدت استيلاء السلاجقة بعد تنحيتهم للبويهيين، كما تمكن العبيديون من إحكام سيطرتهم في مصر.أما يوسف بن تاشفين فقد وطّد سلطانه في المغرب الأقصى.
يعد يوسف بن تاشفين رحمه الله؛ أحد الأمراء المسلمين البارزين في تاريخ الغرب الإسلامي، ولقد لقب على إثر انتصاره في معركة الزلاقة على النصارى الإسبان بـ"بأمير المسلمين وناصر الدين"، وهو أعظم ملك مسلم في وقته.
أسس أول إمبراطورية في الغرب الإسلامي من حدود تونس حتى غانا جنوبا والأندلس شمالا و أنقذ الأندلس من ضياع محقق وهو بطل معركة الزلاقة و قائدها.
وحد وضم كل ملوك الطوائف في الأندلس إلى دولته بالمغرب بعدما استنجد به أمير اشبيلية المعتمد بن عباد (4).
حياة الأمير يوسف بن تاشفين:
ولد أبو يعقوب يوسف بن تاشفين بن إبراهيم اللمتوني الصنهاجي سنة(400هـ/1010م)، ودامت فترة حكمه مابين 400-500 هـ /1009- 1106م، أبوه يسمى إبراهيم اللمتوني الصنهاجي، وأُمُّه بنت عم أبيه فاطمة بنت سير بن يحيى بن وجاج بن وارتقين(5) ... تذكُر كتب التَّارِيخ أنه تزوج زينب النفروية بعد أن طلَّقها ابن عمه أبو بكر بن عمر عندما عزم على السفر إلى الصحراء للجهاد والدعوة والإصلاح، فقال لها: أنت امرأة جميلة بضَّة، لا طاقة لك على حرارة الصحراء، وإنِّي مطلقك؛ فإذا انقضت عدتك فانكحى ابن عمى يوسف بن تاشفين، وتزوَّجها يوسف بعد تمام عدَّتِها، وكانت زينب بنت إسحاق مشهورة بالجمال والرئاسة، بارعة الحسن حازمة لبيبة ذات عقل رصين، ورأى سديد، ومعرفة بإدارة الأمور، فكانت نِعْمَ الزوجة المعينة لزوجها، وقد مدحت كتب التّارِيخ هذه المرأة، واعتبرتها من خيرة نساء دولة المرابطين، وتوفيت عام 464هـ/ 1071م (6).
كان رحمه الله بطلا نجدا شجاعا حازما مهابا ضابطا لملكه، متفقدا الموالي من رعيته، حافظا لبلاده وثغوره ، مواظبا على الجهاد، مؤيدا منصورا...زاهدا في الدنيا لباسه الصوف، لم يلبس قط غيره، وأكله الشعير ولحوم الإبل وألبانها...وكان ملكه من ...أول بلاد الإفرنج(ويقصد بهم هنا نصارى الأندلس)...شرق بلاد الأندلس..إلى غرب الأندلس، وملك بالمغرب من جزائر بني مزغنة إلى طنجة إلى آخر السوس الأقصى إلى جبل الذهب(7) من .. بلاد السودان (8) ..وأصبح أميرا على المغرب سنة453هـ/1061م واتخذ مراكش عاصمة لملكه ابتداءا من 454هـ/1062... تلقَّى يوسف بن تاشفين رحمه الله، تعليمه الأولي في قلب الصحراء من علماء المُحَدِّثِين والفقهاء، ونشأ وترعرع وتربَّى على تعاليم الإمام الفقيه ابن ياسين(9) رحمه الله الذي أسس رباطا في جنوب المغرب، ونبغ في فنون رجال الحرب، وفى السياسة الشرعية التي تتلمذ على الفقهاء فيها، وقام بها خير قيام.
وخلاصة القول، يوسف بن تاشفين هو أحد قواد المرابطين الذي أصبح القائد الأوحد عليهم خاصة بعد وفاة ابن عمه الأمير أبى بكر بن عمر سنة 480 هـ، ويعتبر المؤسس الحقيقي لدولة المرابطين لأنه هو الذي وطد أركان هذه الدولة وأعطاها كياناً دولياً ثابتاً (10).
القضاء على حكم برغواطة (452هـ/1060م) ومراحل التوسع:
برغواطة اسم كان يطلق سابقاً على مجموعة من قبائل المصمودية، أهمها البرانس وزواغه ومطماطة ومطغرة وبنو بورغ وبنو واغمر. وقد استقر هؤلاء غربي مراكش في إقليم تامسنا من سلا وآزمور الى آسفي وأنفا. ويعرف بإقليم تامسنا باسم الشاوية. واعتنقت هذه القبائل آراء الخوارج واشتركت في حروبها ضد العرب بزعامة ميسرة السقاء الطنجي.
وكان كبيرهم في ذلك الحين هو طريف أبو صالح. بقيت برغواطة مستقلة، وظلت خطراً دائماً على دولة المرابطين التي قيل إنها أجلتهم عن بلادهم (11)، قاتل عبد الله بن ياسين تلاميذ صالح بن طريف-داعية الانحراف العقائدي في برغواطة- لكن لقي حتفه سنة461هـ/1068م ، ولم تنته الحرب مع هؤلاء المنحرفين إلا بعد أن قضى المرابطون على هذه البدعة وشتتوا من بقي من أنصارها حياً.
إذا؛ قام المرابطون أيام عبد الله بن ياسين رحمه الله، بالجهاد ضد مملكة غانا الوثنية، إذ تمكن من توسيع مناطق انتشار الإسلام بين القبائل الزنجية، خاصة بين"قبائل الطوكرور" التي اعتنقت هذا الدين الحنيف وتخلت عن أوثانها، وأصبحت حليفة استراتيجية للحركة المرابطية. سواء أثناء قيامها بالجهاد في بلاد السودان أم أثناء انتقالها نحو المغرب الأقصى، إذ تمكنت من إخضاع قبائل "بني خزرون" في سجلماسة لحكمها كما وضع حدا لنفوذ "مغراوة" وأصيب عبد الله بن ياسين في إحدى معاركه ضد البورغواطيين، ولما أحس بدنو أجله، جمع اشياخ صنهاجة وترك لهم الوصية التالية:"يا معشر المرابطين..إياكم أن تحنثوا وتفشلوا وتذهب ريحكم، كونوا ألفة على الحق وإخوانا في الله، وإياكم والمخالفة والتحاسد على الدنيا، وإني ذاهب عنكم، فانظروا من ترضونه لأمركم،يقود جيوشكم ويغزو أعداءكم ويقسم فيكم زكتكم وأعشاركم.."(12).
فتولى بعده أبوبكر بن عمر اللمتوني قيادة الجيش المرابطي، إلا أنه ما لبث أن تنازل للقائد المحنك والمجاهد الرباني-شئنا أن نحكم بما وردته المصادر التاريخية والله يتولى السرائر-"يوسف بن تاشفين عن المغرب الاقصى،وعاد إلى الصحراء ليواصل الجهاد هناك... وقال ليوسف بن تاشفين: "أنت أخي وابن عمي، ولم أر من يقوم بأمر المغرب غيرك، ولا أحق به منك وأنا لا غناء لي عن الصحراء، وما جئت إلا لأسلّم الأمر إليك، وأعود إلى الصحراء مقر إخواننا، ومحل سلطاننا".
الدولة المرابطية..انتقال أبي بكر إلى الصحراء واستخلافه ليوسف بن تاشفين (453هـ/1061م):
وهكذا تقلد يوسف بن تاشفين زمام الأمور في بلاد المغرب بعد أن أجمع أشياخ المرابطين على إمرته نظراً لما يعرفون من عدله ودينه (فترك له الأمير أبو بكر جزأً من جيشه وسار بالباقي إلى بلاد الصحراء في عام 1061م (453هـ) حيث قام بإصلاح أحوال الصحراء، ثم واصل جهاده في بلاد السودان فاستولى على الكثير من الأراضي وأعلى فيها كلمة الإسلام أما بالمغرب فقد قام بن تاشفين بتوزيع القيادة على فرسان قومه وأنجادهم فأختار أربع من قوادهم وهم: سير بن أبي بكر اللمتوني ومحمد بن تميم الجدالي وعمر بن سلمان المسوفي ومدرك التلكاتي وعقد لكل منهم على خمسة آلاف من قبيلته وسيرهم لقتال المعارضين ...وسار هو على باقي الجيش في إثرهم حتى غلب على معظم بلاد المغرب) (13) ...
فبعد هذا التقسيم للمهام الجهادية؛ فالواضح بين قائدين كبيرين كالزعيم الأكبر للمرابطين أبي بكر الذي أستقر في الجنوب وأتخذ من أغمات عاصمة له والأمير أبن تاشفين الذي أتخذ من مراكش عاصمة له، ولكن لا يمنع هذا التقسيم في المهام، أن يكون الحل والعقد بيد الزعيم الأكبر حسب ما ترويه أغلب المصادر التاريخية .
بناء مدينة مراكش(465هـ/1070م):
اتخذ ابن تاشفين مدينة (مراكش) التي أنشأها عاصمة لملكه سنة 465هـ لتكون نقطة الانطلاق لتوحيد وتجميع قبائل المغرب الأقصى تحت سيطرته.. وتجمع مجموعة من المصادر التاريخية أن "مراكش"؛ اسم كان يطلق على المملكة المغربية ككل.
ومعناه على رأي ابن خلكان (امش مسرعاً ) في لغة المصامدة، لأن موضعها كان مأوى اللصوص، وكان المسافرون يقولون لرفاقهم هذه الكلمة فعرف الموضع بها.أما الآن فمراكش تقع في وسط المملكة المغربية لا تطل على الساحل الموسط ولا الاطلنتي وهي منطقة قارية...وقد اختارها يوسف بن تاشفين عاصمة لملكه لأهميتها الاستراتجية بحكم أنها تطل على الواجهة الشمالية والواجهة الجنوبية...
الزلاقة (14) .. والانتصار الباهر(479هـ/1086م):
بعد رسائل التهديد والوعيد التي وجهها "ألفونسو السادس" للمعتمد بن عباد، لم يجد بدا من إرسال رسالة مكتوبة إلى الأمير يوسف مؤرخة 479هـ، يستنجد بيوسف بن تاشفين، جاء فيها: (ونحن أهل هذه الأندلس ليس لأحد منا طاقة على نصرة جاره ولا أخيه، ولو شاءوا لفعلوا إلا أن الهواء والماء منعهم من ذلك، وقد ساءت الأحوال، وانقطعت الآمال، وأنت أيَّدك الله سيد حمير، ومليكها الأكبر، وأميرها وزعيمها، نزعت بهمتي إليك واستنصرت بالله ثم بك، واستغثت بحرمكم لتجوز بجهاد هذا العدو الكافر وتحيون شريعة الإسلام وتدينون على دين محمد صلى الله عليه وسلم، ولكم عند الله الثواب الكريم على حـضرتكم السامية السلام ورحمة الله وبركاته ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم)(15).
...ولكشف كربة التهديد والتضييق التي مارسها ألفونسو السادس على الأمراء المسلمين في الأندلس، أخذ بن تاشفين يعد العدة لفتح الأندلس فحرص على الحصول على أجود أنواع الأسلحة من السيوف التي كانت تصنع في الأندلس، وكذلك ضمان الحصول على بعض الثغور العدوة الأندلسية كي يسيطر على مضيق جبل طارق ويضمن الاتصال بوطنه في أي وقت يشاء سواء وقت النصر أو الهزيمة، لهذا بعث للمعتمد بن عباد يطلب منه تسليمه ثغر الجزيرة الخضراء(16) مفتاح أسبانيا من الجنوب ولم يكن بن تاشفين مجرد رجل أخذته العزة في فتحه لبلاد المغرب ويريد زيادة ملكه وإنما أراد إنقاذ أخوته في الأندلس من الصليبيين وإنقاذ الإسلام الذي كان الصليبيين يشنون ضده حملة صليبية سواءً في المشرق في فلسطين أو في المغرب في أسبانيا حتى إن البابا بارك حرب الأسبان ضد المسلمين بإعفائهم من المشاركة في الحملة الصليبية في المشرق الإسلامي لأنهم بحرب مقدسة أخرى وإذا عدنا إلى المرابطين فسنجد أنهم إضافةً لكونهم يناصرون أخوتهم في هذه الحرب، فإنهم كذلك في حال نصرهم سيحققون حلماً طالما تمنوه طويلاً، هو دخول الأندلس فاتحين كما دخله سابقاً جدهم طارق بن زياد .
(فعبر أبن تاشفين بجيوشه مضيق جبل طارق في منتصف ربيع الأول سنة 479هج الموافق لعام 1086م، ونزل الجزيرة الخضراء التي أخلاها له المعتمد. فقام يوسف بتحصين الجزيرة. لتكون جسراً لهجومه وخط رجعة لانسحابه وهناك وافاه أكثر رؤساء الأندلس أمثال المعتمد بن عباد والمتوكل بن الأفطس (صاحب بطليوس ) بمن معهم من جنود وكل من رغب بالجهاد) (17).
ويوم الاثنين في 12 رجب سنة 479هـ الموافق 1086م دارت المعركة الفاصلة ؛ التي انتصر فيها المسلمون انتصارا ساحقاً على عدوهم "الفونسو"، وجيشه .
وبهذه النتيجة يكون يوسف بن تاشفين رحمه الله، قد انتصر على أعتى أعداء الإسلام في الأندلس. ورفع من معنويات المسلمين بعدما كانوا فيه من الخضوع والإذلال من قبل ملك قشتالة الفونسو. وبعد إنجاز المهمة التاريخية والشرعية، وبعد أن رتب جيشه ...أمّر على الاندلس "سير بن أبي بكر اللمتوني" عاد يوسف بن تاشفين إلى المغرب...
ثانيا: يوسف بن تاشفين..الخصال الحميدة العالية:
من خلال تصفحي لمجموعة من المصادر والمراجع التاريخية ، أجدها مجمعة على أن شخصية يوسف بن تاشفين تجمع بين صفات الحزم في الجهاد واللين والتواضع في الخير، وهذا ماعهدناه في الخليفة الراشدي الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله وأرضاه، وغليك أخي القارئ الكريم بعض الأقوال الواردة في هذا الباب: قال "الذهبي" في "سير أعلام النبلاء": كان ابن تاشفين كثير العفو، مقربًا للعلماء، وكان أسمرا نحيفًا ، دقيق الصوت، سائسًا، حازمًا، يخطب لخليفة العراق...
ووصفه "ابن الأثير" في "الكامل" بقوله: كان حليمًا كريمًا، دينًا خيرًا، يحب أهل العلم والدين، ويحكّمهم في بلاده، ويبالغ في إكرام العلماء والوقوف عند إشارتهم، وكان إذا وعظه أحدُهم، خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبُه لها،وظهر ذلك عليه، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام ... و قال عنه أيضا: (وكان حسن السيرة خيرًّا عادلًا يميل إلى أهل الدين والعلم ويكرمهم، ويصدر عن رأيهم) (18).
ويقول صاحب الحُلَل الـمَوْشِيّة: "ولما ضخمت مملكة يوسف بن تاشفين واتسعت عمالته، اجتمعت إليه أشياع قبيلته، وأعيان دولته، وقالت له: أنت خليفة الله في أرضه، وحقك أكبر من أن تُدعى بالأمير، بل ندعوك بأمير المؤمنين، فقال لهم: حاشا لله أن نتسمى بهذا الاسم، إنما يتسمى به خلفاء بني العباس لكونهم من تلك السلالة الكريمة، ولأنهم ملوك الحرمين مكة والمدينة، وأنا رجلهم والقائم بدعوتهم، فقالوا له: لا بد من اسمٍ تمتاز به، فأجاب إلى "أمير المسلمين وناصر الدين"، وخُطب لهم بذلك في المنابر وخوطب به من العُدْوَتَيْن- أي المغرب والأندلس".
وقال عنه المستشرق يوسف أشباخ: (يوسف.. أحد أولئك الرجال الأفذاذ الذين يلوح أن القدر قد اصطفاهم لتغيير وجهة سير الحوادث في التاريخ، فقد بثَّ بما استحدث من نظم وأساليب روحًا قوية في القبائل والشعوب التي يحكمها، وقد فاضت هذه الروح إلى تحقيق العجائب)...
ثالثا: انجازاته الخالدة:
تنوعت انجازات الأمير يوسف بن تاشفين رحمه الله ، لكن يظل أهمها أنه حرص على نشر الدين الإسلامي السني الصحيح بعيدا عن الخرافات والعقائد المنحرفة من خلال علماء أجلاء ، كما قاد حركة واسعة لتعريب القبائل الأمازيغية سواء في جنوب المغرب أو في شرقه ليسهل التمكن من كتاب الله وسنة حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم. وبهذا يكون قد أسهم بشكل فعال في ترسيخ مبادئ الإسلام في الغرب الإسلامي( المغرب و الأندلس )...
وفي بداية محرم 500هـ /1107م)، ودع المرابطون بطلهم ، و أميرهم يوسف بن تاشفين تاركا وراءه إرثا ثقيلا ومتينا من المنجزات الشرعية والعلمية والعمرانية ...
رحمه الله رحمة واسعة جزاء ما قدم للإسلام والمسلمين...
الهوامش :
1) أطلق عليهم الملثمون لأنهم كانوا يتلثمون ولا يكشفون وجوههم، وهي عادة لهم كانوا يتوارثونها جيلاً ليهم أي بعد جيل.
2) فقه التمكين عند دولة المرابطين، للدكتور علي الصلابي.
3) حروب الاسترداد : تعني بالاسبانية Reconquista، وهي كلمة اسبانية تعني الحروب التي خاضتها الممالك النصرانية لاسترجاع –على حد زعمهم- للمناطق التي سيطر عليها المسلمين في الأندلس.
4) المعتمد بن عباد : هو أبو القاسم محمد بن المعتضد بالله قاضي اشبيلية ويرجع نسبه الى النعمان بن المنذر اللخمي ملك الحيرة. كان صاحب قرطبة واشبيلية، وما والاهما من الأندلس. كان من اكبر ملوك الطوائف وكان يؤدي الضريبة لألفونسو السادس. ملك الإفرنج بالأندلس. فلما ملك الفونسو طليطلة لم يقبل ضريبة ابن عباد طمعاً في أخذ بلاده. أرسل إليه يهدده ويقول له انزل عن الحصون التي بيدك ويكون لك السهل. فضرب المعتمد الرسول وقتل من كان معه...
5) الأندلس فى عهد المرابطين والموحدين, ص (65)
6) الدكتور محمد علي الصلابي، نفس المرجع.
7) علي ابن أبي زرع الفاسي،الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، الرباط،1973 ، ص136.
8) بلاد السودان: تطلق في مرحلة المرابطين على المناطق الغربية جنوب الصحراء الإفريقية مثل السينغال ومالي...
9) المرابطون: سميت بهذا الاسم نسبة إلى الرباط الذي جمع فيه عبد الله بن ياسين بقبائل لمتونة المرابطية لتعلم مبادئ الإسلام والتدرب على فنون الحرب لمواجهة أعداء الإسلام من الصليبيين النصارى الذي تربصوا-ومازلوا إلى يومنا هذا- بالمسلمين الدوائر...
و الرباط: هو دار اعتزال يستخدم للعبادة بناها عبد الله بن ياسين له وجميع من يؤمن بأفكاره والتي تنص على الإيمان بالله ورسوله والسير على مذهب الإمام مالك وأحكامه وسماهم بالمرابطين لأنهم معه في الرباط.
10) أحمد مختار العبادي، تاريخ المغرب والأندلس. ص305
11) دائرة المعارف الإسلامية، ص550).
12) لسان الدين بن الخطيب : أعمال الأعلام فيمن بويع قيل الاحتلام من ملوك الإسلام
13) الفرد بل: الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي، ترجمة عبد الرحمن البدوي،ط3، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان ص236.
14) فحص الزلاقة : أو ما يسمى بالإسبانية Sagrajas وهي منطقة في الجنوب الغربي لإسبانيا، جرت فيها معركة فاصلة للمسلمين سنة 479 هج انتصروا فيها بقيادة يوسف بن تاشفين. .(في تاريخ المغرب والأندلس. المصدر السابق، ص309).
15) سعدون عباس، دولة المرابطين في المغرب والأندلس، ص(71)
16) الجزيرة الخضراء : Algeziras أو Algeciras وقد سميت بإسم Ila Verde المواجهة لها، ويقال أيضاً جزيرة أم حكيم. وقد استخدمها العرب هي وجبل طارق مرفأ ومرسى ( فقد كانت ممر عبور من والى إفريقيا). (دائرة المعارف الإسلامية. المصدر السابق، ص451)
17) أحمد الناصري، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ، ج2، الدار البيضاء،ص37-46
18) الكامل في التاريخ، ابن الأثير، (4/406).
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
البطل طارق بن زياد الولهاصي النفزي الامازيغي فاتح الاندلس
دخل التاريخ من أوسع أبوابه ولم يخرج منه منذ ثلاثة عشر قرنا وحتي يومنا هذا .
هو أمير (طنجة) وفاتح الأندلس ، التي ارتبط اسمه بها فتحا وتاريخا وحضارة ، وكل شبر فيها يشهد بقوة عزمه وثباته...
ولا يزال وجهه يطل مفعما بعبق التاريخ في شوارع وطرق غرناطة وطليطلة واشبيلية وقرطبة....
هومثال المجاهد المسلم اقداما وشجاعة والتزاما باتفاق جميع المؤرخين من القدامي والمعاصرين...
لم يقتل نفسا لم يحرم الله قتلها الا بالحق ولم يسفك دم من منحه الامان ، فكانت مبادئ الاسلام توجه سلوكه وخطاه...
هو الذي قال( أين المفر؟ العدو من أمامكم والبحر من ورائكم...وليس لكم والله الا الصدق والصبر...)،( اني لم أحذركم أمرا أنا عنه بنجوة...ولا حملتكم علي خطة أرخص متاع فيها النفوس الا وابدأ بنفسي...).
هذا هو ((طارق بن زياد))
اسمه طارق بن زياد بن عبد الله بن ولغو بن ورفجوم بن نبرغاس بن ولهاص بن يطوفث بن نفزاو النفزي أو الزناتي ، من أصل بربري من بربر المغرب، ولا شك ان لنشأته بين أحضان القبائل البربرية أثرا واضحا في تكوين شخصيته الفذة...
يقول( الزركلي) مؤلف الاعلام عن طارق بن زياد: أصله من البربر، أسلم علي يد موسي بن نصير،فكان من أشد رجاله...
وُلد نحو سنة(خمسين للهجرة/670 م) ، وبقي أميرا علي (طنجة) حتي سنة (92 للهجرة/711 م) حيث اختاره(موسي بن النصير) لقيادة فتح (الاندلس) التي استولي عليها الرومان في سنة (133 م)...
وكانت أهمية فتح الأندلس التي أُسندت اليه متمثلة في أنها كانت الخطوة الأولي علي طريق العبور الي أسبانيا الذي رسمه موسي بن نصير... ومن هنا لم يشأ موسي بن نصير أن يختار لهذه المهمة الكبيرة أحدا آخرا من قادته غير(طارق بن زياد) القائد البربري الذي يوصف بشجاعته الفائقة، ومهارته القتالية العالية... فكان قرارا حكيما من أمير القيروان أن يكون علي رأس جيش معظمه من البربر رجل بربري قوي القتال، راسخ الايمان...
ومن جهة أخري كان نزول (طارق بن زياد) علي الساحل الأسباني نزولا موفقا وكان من أنجح العمليات العسكرية... حتي يذهب البعض للقول بأنها تذكرنا بالعمليات الحديثة رغم اختلاف الأزمنة و الوسائل.
ومن طريف ما يروي في فتح الأندلس قول ابن الأثير: ولما ركب طارق البحر غلبته عينه فنام، فرأي( النبي عليه الصلاة والسلام) ومعه المهاجرين والأنصار قد تقلدوا سيوفهم ، وتنكبوا القسي فقال له (النبي عليه الصلاة والسلام) : يا طارق تقدم لشأنك وأمره بالرفق بالمسلمين، والوفاء بالعهد ،فنظر طارق فرأي (النبي عليع الصلاة والسلام) وأصحابه قد دخلوا الأندلس أمامه، فاستيقظ من نومه مستبشرا ، وبشر أصحابه، وقويت نفسه، ولم يشك في النصر...
وبذلك الفتح العظيم الذي لم يستمر أكثر من ثلاث سنوات توسعت أرض الاسلام حتي وصلت اوروبا...
وكانت أوامر الخليفة(الوليد بن عبد الملك) قد قضت بحضور القائدين(طارق بن زياد) و(موسي بن نصير) الي عاصمة الخلافة دمشق خاصة بعد ما علم الخليفة بما كان يطمح اليه (موسي بن نصير) من فتح أوروبا بأجمعها، فقد خشي الوليد علي المسلمين أن ينقطعوا علي مركز الخلافة ويحل بهم أمرا ما، فاستجاب القائدين لأوامر الخليفة وعادا في شهر ذي القعدة من سنة (95هجرية/714م) فوصلا دمشق مركز الخلافة سنة96 هجرية والوليد بن عبد الملك في مرضه الذي توفي اثره ، ويقال انه توفي بعد وصولهما باربعين يوما ، وبعودة هذين القائدين الي دمشق طويت صفحة مشرقة ومشرفة من صفحات الفتح الاسلامي والتاريخ...
المراجع:
الأعلام-الزركلي
مشاهير الفاتحين- سيف الدين الكاتب
أعماله
لا يُعرف شيءٌ عن أعمال طارق بن زياد في أول نشأته،أثناء ولاية زهير بن قيس على إفريقيا. فلما قُتل زهير في طبرق، عام 76هـ، عُين طارق أميرًا على برقة غير أنه لم يلبث طويلاً في هذا المنصب، إذ أنه سرعان ما اختير قائدًا لجيش موسى بن نصير، فأبلى بلاء حسنًا في حروبه. وظهرت لموسى قدرته في اقتحام المعارك، ومهارته في قيادة الجيش، فولاه على مقدمة جيوشه بالمغرب. وهكذا أتيح لطارق بن زياد أن يتولى قيادة جيوش موسى، ويشترك معه بقية بلاد المغرب، والسيطرة على حصون المغرب الأقصى حتى المحيط الأطلسي.
و مازال يقاتل ,و يفتح مدائنهم حتى بلغ مدينة الحسيمة (قصبة بلادهم ، و أم مدائنهم) فحاصرها حتى دخلها ، و أسلم أهلها. و لم يمض على ولاية موسى للمغرب عدة أعوام ، حتى خضع له المغرب بأسره ، و لم تستعص عليه سوى مدينة سبتة ، لمناعتها و شدة تحصنها. و كان يتولى إمارتها حاكم من قبل الدولة البيزنطية ، يعرف بالكونت جوليان ، و يسميه مؤرخوا العرب يليان المسيحي.
و كان يليان هذا ـ برغم تبعيته للدولة البيزنطية ـ يتوجه في طلب المعونة إلى مملكة القوط (Goth) بإسبانيا، فتمده الحكومة القوطية بالمؤن والأقوات عن طريق البحر. وقاتله موسى وطارق فألفياه في نجدة وقوة وعدة، فلم يمكنهما التغلب عليه، فرجعا إلى مدينة طنجة، ومن هناك أخذا يغيران على ما حول سبتة، ويضيقان عليها الخناق دون جدوى، إذ كانت سفن القوط تختلف إلى سبتة بالميرة والإمداد. فلما يئس موسى من دخول سبتة، أقام قائده طارق بن زياد واليًا على مدينة طنجة حتى تتاح له فرصة مراقبة مدينة سبتة من كثب، وترك تحت تصرف طارق تسعة عشر ألفًا من البربر بأسلحتهم وعددهم الكاملة، مع نفر قليل من العرب ليعلموهم القرآن وفرائض الإسلام. أما موسى، فقد عاد إلى القيروان.
آثر طارق أن يكسب صداقة عدوه يليان مادام قد عجز عن دخول مدينته الحصينة. ويُذكر أن طارقًا كان يراسل يليان ويلاطفه حتى تهادنا. ثم حدث في الجانب الآخر القوطي (الأندلس) أمر لم يكن في الحسبان: ذلك أن رودريجو (لذريق) ـ أحد قواد الجيش القوطي ـ وثب على العرش، وخلع الملك غيطشة، وتولى مكانه، ثم إن لذريق اعتدى على ابنة يليان التي كانت في بلاط الملك غيطشة، الأمر الذي أثار غضب يليان، وجعله يأتي بنفسه إلى طارق بن زياد ويعرض عليه مساعدته في الاستيلاء على الأندلس. ولم يتردد طارق في الاتصال فورًا بمولاه موسى بن نصير بالقيروان، الذي اتصل بدوره بالخليفة الوليد بن عبد الملك يطلب استشارته وإذنه، ونصحه الخليفة الوليد بألا يعتمد على يليان بل يرسل من المسلمين من يستكشف الأمر، فأرسلت سرية طريف التي عادت بالبشائر والغنائم.
حملة طريف :
واستجابة لأمر الخليفة بدأ موسى بن نصير في تجهيز حملة صغيرة لعبور البحر إلى إسبانيا، وكان قوامها خمسمائة جندي يقودهم قائد من البربر يدعى "طريف بن مالك"؛ لاستكشاف الأمر واستجلاء أرض الأسبان، وقدم يوليان لهذه الحملة أربع سفن أقلتهم إلى إسبانيا، فعبرت البحر ونزلت هناك في منطقة سميت بجزيرة طريف، نسبة إلى قائد الحملة، وكان ذلك في (رمضان 91هـ= يوليو 710م) وجاست الحملة خلال الجزيرة الخضراء، وغنمت كثيرًا ودرست أحوال إسبانيا، ثم قفلت راجعة إلى المغرب، وقدم قائدها إلى موسى بن نصير نتائج حملته.
فأنس موسى إلى يليان، وازداد إقدامًا على التوسعات، ثم استدعى مولاه طارقًا، وأمّره على سبعة آلاف من البربر وثلاثمئة من العرب. وأبحرت الحملة من طنجة في 5 من رجب عام 92هـ، إبريل 711م، في أربع سفن، وظلت هذه السفن تنقل جنود طارق إلى جبل كالبي الذي عُرف بعد ذلك بجبل طارق حتى كمل نقلهم وتوافوا جميعهم لديه.
وقع على لذريق خبر اقتحام المسلمين ساحل الأندلس الجنوبي، ودخولهم الجزيرة الخضراء، وقوع الصاعقة، فانزعج وكر راجعًا إلى جنوبي أسبانيا، وزحف إلى قرطبة في جيش جرّار بلغت عدته ـ وفقًا للروايات العربية ـ نحو مئة ألف. فكتب طارق إلى موسى يستمده، ويخبره أنه دخل الجزيرة الخضراء، وملك المجاز إلى الأندلس، وغنم بعض أعمالها حتى البحيرة، وأن لذريق زحف إليه بما لا قبل له به. فأرسل موسى إليه مددًا مؤلفًا من خمسة آلاف من المسلمين، كملت بهم عدة من معه اثني عشر ألفًا.
خطبة طارق بن زياد
وأقبلت في الوقت نفسه جيوش لذريق حتى عسكرت غربي طريف، بالقرب من بحيرة خندة، على طول نهير برباط الذي يصب في البحر الذي سمَّاه المسلمون وادي لكة. وبالمقابل، أخذ طارق في الاستعداد للمعركة الحاسمة. فاختار موقعًا مناسبًا في وادي لكة، يستند في أجنحته على موانع طبيعية تحميه، ونظم قواته، وقيل أنه اصدر اوامره بإحراق السفن ولكن ذلك محل خلاف لدى المؤرخين [2] وقام في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله. ثم حث المسلمين على الجهاد، ورغَّبهم فيه، واستثار حماستهم. كان مما قاله طارق في الخطبة الشهيرة
«( أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم، وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم، ولم تنجزوا لكم أمرًا ذهبت ريحكم، وتعوَّضت القلوب من رعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية (يقصد لذريق) فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة، وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن، إن سمحتم لأنفسكم بالموت.
وإني لم أحذركم أمرًا أنا عنه بنجوة، ولا حَمَلْتُكُمْ على خطة أرخص متاع فيها النفوس إلا وأنا أبدأ بنفسي، واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشقِّ قليلاً، استمتعتم بالأرفَهِ الألذِّ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظكم فيه بأوفى من حظي".»
ثم قال: «( "وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عُربانًا، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارًا، وأختانًا، ثقة منه بارتياحكم للطعان، واستماحكم بمجالدة الأبطال والفرسان؛ ليكون حظُّه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مغنمًا خالصة لكم من دونه، ومن دون المؤمنين سواكم، والله – الله – ولَّى أنجادكم على ما يكون لكم ذِكرًا في الدارين.
واعلموا أنني أول مُجيب لما دعوتكم إليه، وأني عند مُلتقى الجمعين حامل نفسي على طاغية القوم لذريق، فقاتله - إن شاء الله -، فاحملوا معي، فإن هلكت بعده، فقد كفيتكم أمره، ولم يعوزكم بطلب عاقد تسندون أموركم إليه، وإن هلكت قبل وصولي إليه؛ فاخلفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهمَّ من الاستيلاء على هذه الجزيرة بقتله؛ فإنهم بعده يُخذلون).»
معركه وادي لكة :
أقبل لذريق في جموعه وهم نحو مئة ألف ذوي عدة وعدد، وهو على سريره، وعليه مظلّة مكللة بالدّر والياقوت والزبرجد، وحوله غابة من البنود والأعلام. وأقبل طارق وأصحابه، عليهم الزَرَدُ، من فوق رؤوسهم العمائم البيض، وبأيديهم القسي العربية، وقد تقلدوا السيوف، وشرعوا الرماح.
ففي أواخر رمضان من عام 92هـ (19 يوليو/تموز 711 م) وقعت معركة وادي لكة بين قوات الدولة الأموية تحت إمرة طارق بن زياد وجيش الملك القوطي الغربي رودريغو الذي يعرف في التاريخ الاسلامي باسم لذريق. انتصر الأمويون انتصارا ساحقا أدى لسقوط دولة القوط الغربيين وبالتالي سقوط معظم أراضي شبه الجزيرة الأيبيرية تحت سلطة الخلفاء الأمويين. و قد سميت المعركة باسم النهر التي وقعت بالقرب منه وعلى ضفافه وهو نهر وادي لكة الذي يسمى بالإسبانية جواديليتي. و يطلق بعض المؤرخين على المعركة مسمى معركة سهل البرباط أو معركة شذونة، أو معركة دي لا جونا دي لا خاندا بالإسبانية .
انضم لجيش طارق بن زياد الكونت يوليان وبعض كبار الدولة القوطية من أعداء لذريق وعدد من جنودهم. تلاقى الجمعان قرب نهر وادي لكة. دامت المعركة 8 أيام وقاوم القوط مقاومة عنيفة في بادئ الأمر إلا أن انسحاب لوائين (أحدهم بقيادة أخيه الأرشيدوق أوباس) من أصل 3 ألوية من جيش لذريق أدى لضعضعة الأمور وإرباك الجيش.
يذكر أن لذريق اختفى أثره بعد المعركة، ويجمع أغلب الرواة على أنه مات كما يجمع أغلب المؤرخين على مقتل كل وجهاء البلاد ما عدا الأستورياسي بيلايو الذي هرب دون أن يشارك في القتال واتجه شمالا. ولاذت فلول أعداء المسلمين بالجبال.
لقد كان الموقف خطيرًا، فقد كانت أوامر موسى بن نصير دقيقة وواضحة، وتنص على عدم تجاوز منطقة الساحل، خوفًا على المسلمين من الضياع في هذا المحيط الواسع من شبه الجزيرة الأندلسية. غير أن بقاء طارق عند حدود الساحل، ومع ما هو عليه موقف قواته من الضعف، أمر بالغ الخطورة، فإتاحة الفرصة أمام فلول القوط، قد تسمح لهم بإعادة تجميع قواتهم. فسارع طارق ودخل إشبيليا، وأستجة، وأرسل من دخل قرطبة ومالقة، ثم طليطلة (عاصمة الأندلس) وتوجه شمالاً فعبر وادي الحجارة وواديًا آخر سمي فج طارق وسقطت عدة مدن في يده، منها مدينة سالم التي يقال إن طارقًا عثر فيها على مائدة سليمان. وعاد إلى طليطلة سنة 93هـ بعد أن أخضع كل ما اعترضه من مُقاومات، ولكن، وإلى الشمال من طليطلة، كانت قوات القوط تتجمع لمعركة جديدة.
وكتب طارق لموسى: ¸لقد زحف إليّ ما لا طاقة لي به•. وأسرع موسى، فقاد جيشه المكون من ثمانية عشر ألفًا من المقاتلين فالتقى طارق بموسى بن نصير في طليطلة، ويقال بأنه وبَّخه على مخالفته أوامره بل الأرجح أنه عاتبه في رفق على تسرعه في اقتحام الأندلس من وسطها دون السيطرة على شرقيها وغربيها. وذكر ابن حيان أن موسى رضي عن طارق، وأمّره على مقدمة الجيش، وأمره بالتقدم أمامه، ثم تبعه موسى بجيشه، فارتقى طارق إلى الثغر الأعلى، ودخل سرقسطة عام 96هـ، 714م وأوغل في البلاد، وغنم الغنائم الضخمة، ثم اتجه نحو ماردة متبعًا الطريق الروماني الذي يربط سرقسطة ببرشلونة، ثم يتصل بعد ذلك بالطريق المؤدي إلى أربونة على ساحل البحر الأبيض.
وبعد أن استراح القائدان قليلا في طليطلة عاودا التوسعات مرة ثانية، وزحفا نحو الشمال الشرقي، واخترقا ولاية أراجون، ودخلا سرقسطة وطركونة وبرشلونة وحصن لودون على وادي ردونة (نهر الرون) وغيرها من المدن، ثم افترقا، فسار طارق ناحية الغرب، واتجه موسى شمالا، وبينما هما على هذا الحال من التوسع والتوغل، وصلتهما رسالة من الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي، يطلب عودتهما إلى دمشق، فتوقفت التسوعات عند النقطة التي انتهيا إليها، وعادا إلى دمشق، تاركين المسلمين في الأندلس تحت قيادة عبد العزيز بن موسى بن نصير، الذي شارك أيضا في الغزو، بضم منطقة الساحل الواقعة بين مالقة وبلنسية، وأخمد الثورة في إشبيلية وباجة.
وبدأت الأندلس منذ غزوها طارق تاريخها الإسلامي، وأخذت في التحول إلى الدين الإسلامي واللغة العربية، وظلت وطنا للمسلمين طيلة ثمانية قرون، حتى سقطت غرناطة آخر معاقلها في يدي الإسبان المسيحيين سنة (897هـ = 1492م) وتم طرد جميع المسلمين واليهود أو قتلهم أو إجبارهم على إعتناق الكاثوليكية التي فرضت ديانة رسمية على الناس.
سليمان بن عبد الملك .
توجه طارق بن زياد بصحبة موسى بن نصير إلى دمشق ومعه أربعمائة من أفراد الأسرة المالكة وجموع من الأسرى والعبيد والعديد من النفائس. ولما وصلا طبريا في فلسطين، طلب منهما سليمان ولي العهد التأخّر حتى يموت الخليفة الوليد الذي كان يصارع الموت. لكنهما تابعا تقدّمهما ودخلا مع الغنائم إلى دمشق.
وقد انقطعت أخبار القائد طارق بن زياد إثر وصوله إلى الشام، مع موسى بن نصير واضطربت أقوال المؤرخين في نهاية طارق، غير أن الراجح أنه لم يولَّ عملا بعد ذلك .
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :
خطبة طارق بن زياد فاتح الأندلس [1]
"أيها الناس، أين المفر، البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر. واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه، وأقواته موفورة وأنتم لا وزر[2] لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي أعدائكم.
وإن امتدت لكم الأيام على افتقاركم، ولم تنجزوا لكم أمراً، ذهبت[3] ريحكم، وتعوضت القلوب من رعبها منكم الجرأة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة[4] هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة.
وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت، وإني لم أحذركم أمراً أنا عنه بنجوة[5]، ولا حملتكم على خطة أرخص فيها متاع النفوس إلا وأنا أبدأ بنفسي. واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلا استمتعتم بالأرفه الألذ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظكم فيه بأوفى من حظي.
وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان من بنات اليونان الرافلات في الدر والمرجان، والحلل المنسوجة بالعقيان[6]، والمقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان. وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عزبانا[7]، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارا[8] وأختانا[9]... ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته، وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مغنمها خالصا لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم، والله تعالى ولي إنجادكم على ما يكون لكم ذكرا في الدارين.
واعلموا أني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه، وأني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتله إن شاء الله تعالى، فاحملوا معي، فان هلكت بعده فقد كفيتكم أمره، ولم يعوزكم بطل عاقل تسندون أموركم إليه، وإن هلكت قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهمَّ من فتح هذه الجزيرة بقتله، فإنهم بعده يُخْذلون".
[1] نفح الطيب للمقري جـ1 ص 225.
[2] الوزر: الملجأ والمكان الذي تحتمون به، والمراد هنا السلاح.
[3] ذهبت ريحكم: ذهبت قوتكم.
[4] المناجزة. سرعة المقاتلة والا شتباك.
[5] نجوه: منجاة. أي إنني معكم في هدأ الأمر الخطير.
[6] العقيان: الذهب.
[7] عزبان: جمع أعزب وعازب أي الذي لم يتزوج.
[8] أصهار: جمع صهر، القريب وزوج بنت الرجل أو أخته.
[9] أختان: جمع ختن، وهو أبو امرأتك أو أخوها.
فالأحماء من قبل الزوخ، والأختان من قبل الزوجة، والأصهار تجمعهما.
تحقيق في اثبات خطبة البطل طارق بن زياد الولهاصي النفزي الامازيغي الفصيحة
أ- مقدمــة :
لعـل الملاحظـة التـي لاتخطئهـا العيـن المتتبعـة لمسيـرة تاريـخ الأدب العربـي ؛ هي مساهمـة المغرب بأدبـه ؛ بأوفـر نصيـب في إنمـاء الثقافـة العربيــة وتطورهـا ؛ وهذا لايخفـى عنـه بتاريخــه الحافـل والمهم بالأحداث ؛ والمشع بعلماءه الذين نفتخـر بهـم . غيـر أن مايثيــر الإستغراب هـو وجــود بعض الجهلـاء الذي ينفــون الأدب المغربي نفياً قاطعـاً ؛ - كيف لا - ؛ وهو منـذ نعومــة أظافرهـم وأطرافهــم ؛ يرضعــون من ثدي الأدب المسرقـي ؛ ولاتسمـع آذانهـم سوى : طـه حسيـن ؛ توفيـق الحكيـم ؛ نجيـب محفوظ .. وهلـم جراً من كتـاب وأدبــاء المشرق الذين أخذوا حصـة - الضبـع - من الأدب العربـــي .
ومـن أجـل الرد علـى مزاعــم هؤلاء ؛ حـاول بعض الباحثيـن الوقوف علـى بدايات الأدب المغربــي ؛ فاعتمدوا في هذا علـى الخطبــة المشهورة التي ألقاهـا طارق بن زيـاد في جيشـه المتوجـه لفتح الأندلـس ؛غيـر أن الباحثيـن وجدوا أنفسهـم في اختلاف ؛ فهنـاك من ينسب الخطبـة لطارق بذكـر حجج وأدلـة ؛ وفي المقابل هنـاك من ينفي الخطبـة تحت ذرائـع ؛ واهيــة طوراً ؛ وسخيفــة حينـاً آخــر .
1- من هـو طارق بن زيــاد :
هـو طارق بن زيــاد بن عبد اللــه ؛ وُلـد سنـة 50 هـ / 640 م ؛ وتولــى طنجــة سنــة 89هـ/ 707م ؛ ثم فتــح الأندلــس سنـة 92 هـ / 710م ؛ أمـا وفاتـه فكـانت علـى الأرجـح سنــة 102 هـ ؛ وكـان مولــى لموسـى بن نصيـر (1) .
ونَسَـبُ طارق هـو " طارق بن زيـاد بن عبد اللـه ؛ بو لغويـن ورفجـوم بن نبرغـاس بن ولهاص بن يطفوت بن نفزاو ؛ فهـو نفزي ؛ ذكــر أنـه من نسـب بربري ؛ وكـان مولـى لموسـى بن نصيـر " (2) .ويسميـه إبن خلدون طارق بن زيـاد الليثـي (3) .
وتذهـب بعض المراجــع إلـى أن طـارق ربمـا كـان فارسي الأصل ؛ إعتمـاداً علـى مايقولـه الرازي : " فدعـا (موسـى) مولـى لـه كـان في مقدمتـه يسمـى طارقا بن زيـاد بن عبد اللـه فارسياً همذانياً ؛وقيل إنـه ليس بولـى لموسى ؛ وإنمـا رجل من صَدِفَ وقيـل مولـى لهـم ؛ وقد كـان عقبـه بالأندلس ينكرون ولاء موسـى إنكـاراً شديداً ؛ قيـل أنــه بربري من نفزة " (4) .
هذا من جهــة ومن أخـرى ؛ أرى أنــه ليس ههنـا داعٍ لذكـر مناسبـة هذه الخطبـة وكذا تحليلها ؛ لأننـا في موْضِعٍ مُحْوِج لذكـر أسباب الإختلاف الذي وُجـد بين الباحثيـن ؛ وكذا الدلائل والحجج التي استند لهـا الباحثين في التأكيد عن مواقفهـم .
ب- المثبتـون للخطبــة :
1- عبـد الله كنــون :
يقـول عبد الله كنون : " يستشكـل بعض الباحثيـن صدور خطبـة طارق بن زياد منــه وهو بربري قـح ؛ يُستبعد أن تكـون لـه هذه العارضـة القويـة في اللغـة العربيـة ؛ حتـى يأتي بتلك الخطبـة البليغـة ؛ وهـو استشكـال في غير محلـه ؛
أولاً : لأن طارق بن زيـاد أن كـان أصلـه بربري فقد نشأ في حجر العروبـة والإسلام ؛ بالمشرق ولم يكـن هو الذي أسلم أولاً بل والده ؛ لدليل اسمـه زياد فإنـه من أسمــاء البربر ؛ ولاشك أنـه من مسلمـة الفتح المغربي الأول ؛ وانـه انتقل إلـى المشرق حيث تولاه موسـى بن نصير ؛ ونشأ ولده في هذا الوسط العربي الذي كونـة وثقفــه .
ثانيـاً :لأن نبوغ غير العرب في اللغـة العربيـة منذ اعتناقهـم الإسلام أمـر غير بدْع حتـى يستغرب من طـارق ؛ وقد نشأ في بيت إسلامي عربي ؛ فعندنـا سلمـان الفارسي الذي قضـى شطـر حياته في بلاد عجميــة فلمـا أسلم بعد ذلك تفتق لسانـه بالعربيـة إلـى أن قال فيها الشعـر .
ثالثـاً : لأنـه ليس في الخطبـة من صناعـة البيان مايُمنـع نسبتها لطارق ؛ وبلاغتها في نظرنـا انمـا ترتكـز أولاً وبالذات علـى معانيهـا ؛ والمعاني ليست وقفاً علـى عربي ولاعجمـي ؛ نعـم يمكـن أن يكون وقع في هذه الخطبـة بعض تصرف من الرواة بزيادة أو نقص ؛ ونحن قد صححنـا فيها بالفعـل إحدى العبارات التي لم تكـن واضحـة الدلالـة علـى معنـاها ؛ ولكـن هذا لاينفـي أصل الخطبـة ولايصـح أن يكون حجـة للتشكك في نصها الكـامـــل " (5) .
2- شكيب أرسـلان :
من بين المثبتـين للخطبـة أيضاً ؛ نجـد أمير البيـان شكيـب أرسلان ؛إذ يقـول : " فظهـر الطابع العربي علـى البربــر ؛ ونبغ فيهـم العلمـاء والخطباء بالعربيــة الفصحـى ؛ وحسبك شاهداً طارق بن زيـاد الذي خطب قبل الموقعـة التي هوم فيها " لُذريق " ملك الأندلـس ؛ تلك الخطبـة الطنانـة التي لو حـاول مثلهـا قس بن ساعدة ؛ أو سحْبـان وائل ؛ لم يأت بأفصح ولاأبلغ منهـا ؛ ولقد كنت أفكـر ملياً في أمـر الخطبـة وأقول في نفسي ؛ هنـا لغز من ألغـاز التاريـخ ؛ لاينحـل معنـاه بسهولـة فقد اتفقت الروايات أيضاً علـى كونـه هو لاغيره صاحب الخطبـة الرنـانـة المعدودة من أنموذجـات الخطب العربيـة فكيف يمكـن التلفيق بين هذين الأمرين المتناقضين ؛ وأنـى لطارق البربري مثل هذه العربيـة ؛ وكنت أفكـر أن طارق قد يكون أحسن تعلـم العربيـة كما أحسن ذلك كثير من أبناء جيلـه ؛وكمـا تعلمــت العربية رجـال فارس حتـى بزوا في العربيـة أقرانهـم من أنفس العرب ؛ ولكنـي لم أكن مستريح البال من جهـة إتقان طارق للعربي الفصيح وبلوغـه في هذه الدرجـة العليا ؛ وكـان يحز في صدري أن تلك الخطبـة كـانت بلاغتها في المعنـى ؛ وإنمـا وضعها رواة العرب في هذا القالب الفصيح الذي سحـر الألباب ." (6) .
3- عبـد الله الجراري :
إضافـة إلـى عبد الله كنون وشكيب أرسلان نجد أيضاً ممن ثبتـوا الخطبـة لطارق بن زياد ؛ عبد الله الجراري ؛ الذي يقـول :" كان في مجموعـه يدرك مدلول مااحتواه الخطـاب الحماسي العربي ؛ وهو مـاهو علواً في البيان والروعـة والسمو يجعلنـا نؤمـن بأن برابرة المغرب لذلكم العهد الإسلامي الفتي كـان لهـم إلمـام واسع ومعرفـة لاتقصر عن فهـم أمثال هذا الخطاب البليـغ الذي جول فزعهـم ثباتاً وشجاعـة واضطرابهـم يقيناً وصموداً ." (7).
ج- الشاكون في الخطبـة والرد علـى مزاعهـم :
في مقـابل المثبتين للخطبـة ؛ نجد باحثيـن آخرين يشكون في صدور الخطبــة الرنــانـة علـى عظمـة لسان طارق ؛ وتَجدر الإشارة إلـى ماأضافـه الدكتـور سعد بوفلاقـة حين قال : " ويبدوا أن هذا الشـك جاء أولاً من بعض المستشرقيـن الذي يشكون في نياتهم ؛ ثم حذا حذوهم بعض مؤرخي العـرب ." (8) ؛ونذكــر بعض الأسمـاء المشككـة وإن كـان كثيرة ؛ نذكـر منهـا علـى سبيل المثـال - لا الحصـر - : د.أحمـد هيكَـل ؛ د. عبد الله عنـان ؛ د,عمـر الدقاق ؛ الأستاذ محمد بن تاويت ؛ والدكتور عمـر فروخ ...إلــخ .
2- عبـد الله عنــان :
يقـول الأستاذ عبد الله عنـان : " إنـه يسوغ لنـا أن نرتـاب في نسبـة هذه الخطبـة لطارق ؛ فإن معظـم مؤرخي المسلمين ولاسيما المتقدميـن منهم لم يشيروا إليها ؛ولم يذكرها ابن الحـكم ولا البلاذري ؛ وهمـا أقدم رواة الفتوحات الإسلاميـة ؛ولم تشر إليها المصادر الأندلسيـة الأولـى ؛ ولم يشر إليها ابن الأثيـر وابن خلدون ؛ ونقلها المقري عن مؤرخ لم يذكر اسمـه ؛وهي علـى العموم أكثر ظهوراً في كتب المؤرخين والأدباء والمتأخرين ؛ وليس بعيداً أن يكون طارق قد خطب جنده في الميدان ؛ ولكـن في لغـة هذه الخطبـة ؛وروعـة أسلوبها وعباراتها مايحمـل علـى الشك في نسبتها إلـى طارق ؛ وهو بربري لم يكـن عريقاً في الإسلام والعروبـة ؛ والظاهر إنها من إنشاء بعض المتأخرين ؛ صاغهـا علـى لسان طارق بن زياد مع مراعاة ظروف المكـان والزمـان ." (9).
- د. أحمـد هيكـل :
ويضم أحمد هيكـل صوته إلـى صوت عبد الله عنـان ؛ اللذين لم يختلفا في الطـرح ؛وأسباب الشك عند هيكـل يلخصها قولـه : " 1- لأن طارق بن زيـاد كان بربري مولـى لموسى بن نصير ؛ ومن شأنـه أن يكون حديث عهد بالعربية وألا يستطيع الخطابة والشعر بلغـة هو حديث العهد فيهـا .
2- أن المصادر الأولـى التي سجلت حوادث الفتح قد خلت تمـاماً من أي حديث عن هذا الأدب مع أنهـا تناولـت تفاصيل يدخل بعضها في باب الأساطير ؛ وقد استوت في ذلك الصمت عن هذا الأدب المصادر الأندلسيـة والمغربيـة والمشرقيـة جميعاً ؛ ولم يرد هذا الأدب المنسوب إلـى طارق إلا في بعض الكتب المتأخرة عن فترة الفتح مثل نفح الطيب .
3- الأسلوب الذي جاء به لم يكـن معروفاً في النثر العربي خلال الفترة التي تعزى إليها تلك الخطبـة فالسجع الكثير والمحسنات المتكلفـة قد شاعت في عصر متأخر كثيراً عن القرن الأول .
4- قولـه لجنده وكانوا كمـا نعرف من البربر : " وقد اختاركـم أمير المؤمنين من الأبطال عرباناً " .فطارق كان يعرف أن جنوده من البربر وجنوده كـانوا يعرفون أنهم ليسوا عرباناً ومن هنـا يبعد أن يكون قد خطبهم بهذا الكـلام الذي لايقولـه إلا غير عالم بحقيقة جيش طارق ."
(10) .
تلكـم - إذا - الحجج التي استدل بهـا المشككون في الخطبـة وقد علق عليها الدكتور عباس الجراري بقولـه : " وأغلب الظن أن في كـل هذه الأقوال مبالغـة لاتُنكـر ".(11) .
وأمـا الرد علـى هذه الحجج الواهيـة ؛ التي يشوبها اللامنطق ؛ فبالنسبـة للحجـة الأولـة للأستاذ عبد الله عنــان ؛ المتمثلـة في عدم تناول المصادر القديمـة هذه الخطبـة ؛وظهورها في الكتب المتأخرة - علـى حد قولـه - قيرد عليهم الدكتور عباس الجراري قائلاً :" وأمـا بالنسبـة لصاحب [ الأدب الأندلسي] وصاحب [دولـة الإسلام] قبلـه نحن لانختلف معهمـا فيمـا بعد ذلك ؛ فاهمـال المصادر القديمـة لهذا الأدب - إن كـان هناك اهمـال حقاً - لاينهض دليلاً علـى رفضه لاسيما ونحن نعرف أن ماوصلنا من الهذه المصادر قليل جداً ؛وأن ماوصلنـا فيها من أخبار ونصوص ليس غير جزء ضئيل مما كنـا ننتظر ومازلنـا ننتظر أن يصلنـا يوم يكشف النقاب عن تراثنا الدفين ؛ ثم إن القول باهمـال المصادر القديمـة لهذه الخطبـة قول مبالغ فيه ؛ فقد فات كلا من الأستاذين هيكـل وعنان أن يطلعا علـى كتب كثيرة ألفت قبل " نفح الطيب " ؛وردت فيها الخطبـة بنصوص مماثلـة حينا ومختلفـة حيناً آخـر ؛نرى ضرورة اثباتها هنـا ." (12)
يتضح من خلال هذا القول ؛ أن مسألـة عدم تناول المصادر القديمـة لخطبـة طارق بن زياد مسألـة مبالغ فيها - حسب قول الجراري - ؛ بحيث أنـه ماوصلنـا من مصادر لايمثل سوى غيض من فيض ؛ ومن جهـة أخـرى يقر الجراري بوجود مصادر تناول الخطبـة ومنهـا :
- (تاريـخ) إبن حبيب المتوفي سنـة 239 هـ .
- كتـاب ( الإمـامـة والسياسـة ) لإبن قتيبـة المتوفي سنـة 276 هـ .
-( سراج الملوك) للطرطوشي المتوفي سنـة 520 هـ .
- (ريحـان الألباب وريعان الشباب في مراتب الآداب) لأبي محمد عبد الله بن براهيم المواعيني الإشبيلي .
-( وفيـات الأعيـان لإبن خلكــان) المتوفي سنـة 681 هـ .
-(تحفــة الأنفس وشعار أهـل الأندلـس) لعلي بن عبد الرحمـان بن هذيـل .
هذا من جانب ؛ ومن جانب آخــر ففي مايخص أسلوب الخطبـة حيث زعمـوا أن ه أسلوب لم يكن معروفاً ؛ فيرى عباس الجراري هذا القول : " وأظنني في موضوع الأسلوب لاأرى مايباعد بين خطبــة طارق وخطب الأمويين ؛ من حيث التأثير علـى المشاعـر ؛ وإثارة العواطف ؛ واللجوء في ذلك إلـ الإستفهام والتساءل والتمني والرغيب واستعمـال الألفاظ القويـة في الجرس والمفهوم ؛ وإذا كـان السجـع قد اختفـى من خطابة هذا العصر في مفهومها العـام ؛ فإنـه لم يختف من المحاورات وبعض الخطب السياسيـة ." (13).
وأخـيراً يمكن تفسيـر قول طارق : " وقد اختاركـم أمير المؤمنين من الأبطال عربـانـاً " ؛فلعله يقصد به القـواد العرب الذين كـانوا علـى رأس فرق الجيش حيث أن :" موسـى مع ذلك احترز للأمـر فأرسل مع طارق عدداً من كبار الجند من العرب وموالي الأمويين مثل : عبد الملك بن أبـي عامر المعافري ؛ ومغيث الرومي مولـى الوليد بن عبد الملك ؛وعلقمـة اللخمي وهو عربي صرف ." (14).وفـي بعض الروايات تقر أن كلمـة [عرباناً] أضيفت إليها نقطـة ؛ فأصبحت [عزبـاناً] جمعاً لعزب ؛ ويقول عباس الجراري في هذا الصدد :" وليس مستبعداً أو تكون هذه الروايـة صحيحة بدليل قول الخطبـة بعد ذلك ورضيكم لموك هذه الجزيرة أصهاراً وأختانا) ." (15) .
د- خلاصـة ونتــائج :
تلكــم - إذاً - نظرة شاملـة ؛ وفي الآن نفسـه مقتضبـة ؛ عن بعض الحذافيـر والجوانب المتعلقــة بخطبـة طارق بن زيـاد ؛ التي خلقـت ضجـة وشوشرة لدى بعض الباحثيـن ؛ لالشيء ؛ سوى : لمـاذا تتفتق قريحـة بربري دونما سواه بتلك الخطبـة البليغـة ؟؟! ؛
ألهذه الدرجــة وصلت العنصريـة ؟ كيف يُعقل أن ننفي خطبـة عن شاعـر أنشد شعراً ؟ بـل كيف لا يتقن طارق المسلـم لغـة دستور الإسلام ؛ اللغـة العربيـة بعد إسلامـه ؟؟! .
الحواشـــي :
(&): طالب باحـث ؛ متخصص في الآداب وفنونــه .
(1) : تراجـم الأعلام وعظمـاء التاريخ لإبن عباس ومصطفـى رسـام . الصفحـة / 68 .
(2) : فجـر الأندلــس ؛ لحسين مؤنس . الصفحـة / 106 .
(3) : نفـح الطيب ؛ للمقري ؛ الجزء الأول ؛ الصفحـة 143 .
(4) : هامش / فجـر الأندلس ؛ حسين مؤنس ؛ ص : 129 .
(5) :النبوغ المغربي في الأدب العربي ؛ عبد الله كنون ؛ ص:23 .
(6) : المصدر نفســـه ؛ الصفحـة : 22 .
(7) : تاريخ الأدب الناثر والشاعر بالمغرب قديماً وحديثاً .ص : 4 ,
(8) :مجلـة : الأدب الإسلامي ؛العدد 62 ؛ص : 66 .
(9) : الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه - د.عباس الجراري .؛ ج/1 ؛ ص: 56-57 .
(10) : المرجـع نفسـه ؛ ص : 57-58 .
(11) :المرجــع نفســه ؛ ص :58 .
(12) :المرجـع نفسـه ؛ 58-59 .
(13) :المرجـع نفسـه ؛ ص : 65 .
(14): فجر الأندلس ؛ د,حسين مؤنس . ص : 130 .
(15): الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه -عباس الجراري ؛ ص : 66 .
واللـه المستعان وعليـه ... التكـلان .