عنوان الموضوع : انساب الاشراف موسوعة الانساب
مقدم من طرف منتديات العندليب

الكتاب : أنساب الأشراف
المؤلف : أنساب الأشراف
مصدر الكتاب : موقع الوراق
https://www.alwarraq.com
[ الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع ]
الجزء الأول
السيرة النبوية
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
قال أحمد بن يحيى بن جابر: أخبرني جماعة من أهل العلم بالكتب قالوا: نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ - وهو إدريس عليه السلام - بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم. وقالوا: لما قتل بن آدم أخاه هابيل، ولد لآدم شيث. فقال آدم: هذا هبة من الله، وخلفُ صدقٍ من هابيل. فسمى شيث. هبة الله. وروي عن محمد بن إسحاق بن يسار، إنه قال: سمى أخنوخ " إدريس " لأنه أول من خط بقلم، ودرس الكتب. قال: وكان أنوش أول من غرس النخلة، وزرع الحبة، ونطق بالحكمة. وقال بعض أهل المدينة: هو نوح بن سلكان بن مثوبة بن إدريس عليه السلام بن الزائد بن مهلل بن قنان بن الطاهر بن هبة الله بن آدم؛ وزعم أن ذلك عن الزهري. والأول أثبت وأشهر. وحدثني عباس بن هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبيه، عن جده وغيره، قالوا: العرب العاربة عاد، وعبيل ابنا عوص بن إرم بن سام بن نوح. وجرهم بن عابر بن سبأ، وهو ابن أرفخشذ بن سام بن نوح. وطسم وعمليق، وجاسم، وأميم بنو يلمع بن عابر بت أرشليخا بن لوذ بن سام بن نوح. وحضرموت. وهو حضرموت، وشالاف وهو السلف، والموذاذ وهو الموذ بنو يقطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وثمود، وجديس بن إرم بن نوح. ويقطان هو يقطن في قول بعضهم. وقال عباس: قال أبي: دخلٌ ولد السلف في حمير، فقالوا: نحن بنو السلف بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وقال بنو لوذ: نحن بن لوذ بن سبأ بن يشجب بن يعرب. ودخلوا في حمير فانضموا إليه على هذا النسب. حدثني بكر بن الهيثم بن عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن مكحول، عن مالك بن يخامر. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العرب كلها بنو إسماعيل إلا أربع قبائل: السلف، والأوزاع، وحضرموت، وثقيف " . وحدثني عباس، عن أبيه، قال: اختلف الناس في قحطان. فقال بعضهم: قحطان هو يقطان المذكور في التوراة بعينه، إلا أن العرب أعربته فقالت قحطان. وقال آخرون: هو قحطان بن هود عليه السلام بن عبد الله بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح؛ وهو غير يقطان. وقال هشام: كان أبي، وشرقي بن القطامي يقولان: قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نبت بن قيذار، وهو قيذر. وكان قيذر صاحب إبل إسماعيل. واسمه مشتق من ذلك. وهو ابن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وصلم بن آزر - وهو تارخ - بن ناحور بن ساروع بن أرعوا بن فالغ بن عابر بن أرفخشذ - والنصارى تقول: أرفخشاذ - بن سام بن نوح بن لامك. وبعض المدنيين يقولون: آزر بن ناحر بن الشارع بن الراع بن القاسم - الذي قسم الأرض بين ولد نوح - بن كعبر بن السالح بن الرافد بن السائم بن نوح. ويزعم أن ذلك عن الزهري. والأول أثبت وأشهر. وقال الكلبي، والشرقي: إسماعيل أبو كل عربي في الأرض. وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم من أسلم: " ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً " . وقال هشام بن الكلبي: سمعت من يذكر أن تارح لقب لأبي إبراهيم. وقال الشرقي بن القطامي: اسمه تارح، ولقبوه آزر. وهو السند والمعين. وقال أحمد بن يحيى بن جابر، وحدثت عن أبي روق الهمداني، عن الضحاك بن مزاحم، أنه قال: ازر يا شيخ. وأثبت ذلك قول الشرقي. وأهل لتوراة يقولون للسند والمعين. عازر. والله أعلم.
أول من تكلم العربية
(1/1)
________________________________________
وحدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه، عن جده، عن أبي صالح، قال: تكلمت العرب العاربة بالعربية حين اختلفت الألسن ببابل. قال هشام: وأهل اليمن يقولون: أول من تكلم بالعربية يعرب بن قحطان. قال هشام: وأخبرني أبي، والشرقي: أن أول من تكلم بالعربية من ولد إبراهيم: إسماعيل عليه السلام حين أتى مكة، وله أقل من عشرين سنة؛ ونزل بجرهم. فأنطقه الله بكلامهم، وكان كلامهم العربية. قال هشام: وسمت العرب إسماعيل: عرق الثرى، يريدون أنه راسخ، ممتد. قال: وقال قوم: سمي بذلك لأن أباه لم تضره النار، كما لا تضر الثرى. وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده، عن عدة من أهل الرواية، قالوا: لما تفرق ولد نوح في الأرض حين قسمها فالغ بن عابر، وأخ له يقال له نوناطر، نزلت عادٌ الشحر؛ وبه أهلكوا. ونزلت عبيل بناحية يثرب، فأخرجتهم العماليق، بعد حين، من منزلهم. فنزلوا موضع الجحفة. فأتى عليهم سيل، اجتحفهم إلى البحر. فسمى الموضع الجحفة. وكان مع العماليق رجل من بني عبيل، فنجا. فقال، فيما يزعمون:
عين بكى وهل يرجع ... ما فات فيضها بالسجام
عمروا يثربا وليس بها ... شر ولا صارخ ولا ذو سنام
وقال الربيع بن خثيم: ملأت عاد ما بين الشام واليمن. حدثني بذلك أحمد بن إبراهيم الدورقي، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم بن بهدلة، عن الربيع قال: إن عادا كانوا قد ملأوا ما بين الشام إلى اليمن؛ من دلني على رجل من آل عاد، فله ما شاء. ونزلت العماليق في أول الأمر صنعاء اليمن. ثم انتقلوا إلى يثرب فنزلوها. وإنما سميت يثرب برئيس لهم، يقال له يثرب. ثم انتقلوا إلى ناحية فلسطين من الشام. ومضت عامتهم إلى مصر، وناحية إفريقية. وتفرقوا بالمغرب. فالبرابرة منهم. والبرابرة اليوم يقولون: نحن بنو بر بن قيس. وذلك باطل. وإنما غزا رجل من التتابعة، يقال له أفريقيس بن قيس بن صيفي الحميري إفريقية فافتتحها. فسميت به. وسمع كلام هؤلاء العماليق، فقال: ما أكثر بربرتهم. فسموا البرابرة. وأقام مع البرابرة: بنو صنهاجة، وكتامة من حمير. فهم فيهم اليوم. ونزلت ثمود الحجر، بين الحجاز والشأم؛ وبه أهلكوا. ونزلت طسم بين اليمن واليمامة. ونزلت جديس بموضع اليمامة. وكانت اليمامة تعرف بجو؛ سمتها جديس بذلك. وكانت بين طسم وجديس حروب، أفنت جديسٌ فيها أكثر طسم. فقال القائل: يا طسم ما لاقيت من جديس.
ثم إن بقية طسم انضمت إلى جديس باليمامة، فتوجه تبع من اليمن، وقدم عبد كلال بن مثوب بن ذي حرث بن الحارث بن مالك بن عيدان، فقتل طسماً وجديساً باليمامة، وصلب امرأةً من جديس، يقال لها اليمامة بنت مرّ، على باب جوّ؛ فسميت جو اليمامة باسمها. وقال حماد الراوية: منعت جديس خرجاً كان عليها، فأخذت طسم بذنبها. فقيل:
يا طسم ما لاقيت من حديس
(1/2)
________________________________________
والله أعلم. ونزلت جاسم بالموضع الذي يدعى جاسم، بالشأم، وكانوا قليلاً. ونزل بنو تميم بين اليمن والحجاز. فدرجوا، حتى لم يبق منهم كبير أحد. ونزلت جرهم بمكة وما حولها. وسموها صلاحا. ثم إنهم استخفوا بحرمة البيت وأضاعوا حقه، فوقع فيهم طاعون أهلك أكثرهم؛ حتى قويت خزاعة عليهم، وغلبت على البيت وأخرجتهم. فنزلوا بين مكة ويثرب، فهلكوا بداءٍ يعرف بالعدسة إلا من سقط منهم في نواحي البلاد. وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: بوأ الله لإبراهيم مكان البيت، وهو حذو البيت المعمور الذي يدعى الصراح. فبناه إبراهيم، ومعه ابنه إسماعيل. واستعانا بأولاد جرهم بن عابر بن سبأ بن يقطن، فعملوا معهما. وكانت منازل جرهم بمكة وما حولها. فلما قبض الله عز وجل نبيه إسماعيل عليه السلام، قام بأمر البيت بعده قيذر بن إسماعيل، وأمه جرهمية. ثم نبت بن قيذر، ثم تيمن بن نبت، ثم نابت بن الهميسع بن تيمن بن نبت. فلما مات نابت، غلبت جرهم على البيت، فكانوا ولاته وقوامه ما شاء الله. وتفرق ولد إسماعيل من العرب بتهامة، وفي البوادي والنواحي إلا من أقام حول مكة من ولد نزار، تبركاً بالبيت. فلما أرسل الله جل وعز على ولد سبأ بمأرب ما أرسل من سيل العرم - وهو سد كان لهم بين جبلين - تفرقت الأسد؛ وانخزعت منها خزاعة، وهم ولد لحي بن حارثة، وأفصى بن حارثة بن عمرو، مزيقيا، فنزلوا بظهر مكة. فلم يزالوا يكثرون؛ وتقل جرهم لاستخفافهم بالبيت وفجورهم فيه، حتى غلبتهم خزاعة وألفافها على مكة، وطردوهم عنها. فدخل بعضهم في قبائل اليمن. ونزل بعضهم بين مكة ويثرب، فأصابهم الداء الذي يعرف بالعدسة، فهلكوا. قال هشام: ومما يروى في خروج جرهم من مكة شعر عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيسٌ ولم يسمر بمكة سامر
ولم يتربع في واسطٍ فجنوبه ... إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر
بلى نحن كنا أهلها فأزالنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
وكنا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بذاك البيت والخير ظاهر
وقال أيضاً:
يا أيها الناس سيروا إن نظركم ... أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا
كنا أناساً كما كنتم فأسلمنا ... دهرٌ فأنتم كما كنا تكونونا
حثوا المطي وأرخوا من أزمتها ... قبل الممات وقضوا ما تقضونا
وقال بعضهم:
وادٍ حرامٌ طيره ووحشة ... نحن ولاته فلا نغشه
وابن مضاض قائم يمشه ... يأخذ ما يهدي له يفشه
(1/3)
________________________________________
ونزلت حضرموت مكانها من ناحية اليمن. وقال هشام بن الكلبي: تزوج مرتع بن معاوية بن ثور - وثور هو كندي، وإليه تنسب كندة - امرأة من حضرموت. واشترط أبوها عليه أن لا يتزوج سواها، وأن لا تلد إلا في دار قومها. فلم يف بشرطه. فتحاكموا إلى الأفعى بن الحصين الجرهمي - ويقال إنه الأفعى بن الحصين بن تميم بن رهم بن مرة بن أدد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وكانت العرب تتحاكم أليه، وثبتوا عنده الشرط الذي كان شرط. فقال الأفعى: " الشرط أملك " . وهو أول من قالها. فأخذ الحضرميون الامرأة وابنها من مرتع، واسمه مالك. فقال مرتع: أما مالك، ابني، فصدف عني. فسمي الصدف. فمن كان من ولد مالك الصدف بن مرتع، ببلاد حضرموت، فهم ينسبون إلى كندة، ومن كان بالكوفة، فهم ينسبون إلى حضرموت. ومن الحضرميين من أهل الكوفة: وائل بن حجر من الطبقة الأولى؛ أوس بن ضمعج مات بولاية بشر بن مروان؛ أبو الزعراء عبد الله بن هانيء؛ وائل بن مهانة؛ عبيس بن عقبة، كثير بن نمير، عبد الله بن الجليل؛ عبد الله بن يحيى، سلمة بن كهيل، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة حين قتل زيد بن علي عليه السلام - وقال أبو نعيم: مات يوم عاشوراء من هذه السنة - يحيى بن سلمة بن كهيل، وتوفي في خلافة موسى أمير المؤمنين. أخوه محمد بن سلمة بن كهيل. ومن أهل البصرة: يحيى بن إسحاق؛ عبد الله بن أبي إسحاق كان صاحب قرآن وخطب، ويكنى أبا بحر، يعقوب بن إسحاق الحضرمي المقرىء؛ أخوه أحمد بن إسحاق. يقال إنهم موالي العلاء بن الحضرمي، وهم من أهل البحرين. ومن أهل الشأم: جبير بن نفير الحضرمي، يكنى أبا عبد الرحمن، أسلم في خلافة أبي بكر، ومات سنة خمس وسبعين، ويقال في سنة ثمانين؛ كثير بن مرة الحضرمي؛ أبو الزاهرية، واسمه جعفر بن كريب، ويقال إنه حميري، مات سنة تسع ومائة، أبو لقمان الحضرمي، مات سنة ثلاثين ومائة، حاتم بن حريث، مات سنة ثمان وثلاثين ومائة. ومن أهل مصر: عبد الله بن عقبة بن لهيعة، مات في سنة أربع وسبعين ومائة؛ عون بن سليمان، مات في خلافة المهدي أمير المؤمنين. وبمصر منهم جماعة. وقال محمد بن سعد: بالمدينة قوم من الحضرميين؛ لهم دار تعرف بدار الحضرمين في بني جديلة. ومولاهم بسر بن سعيد، مات في سنة مائة وهو ابن ثمان وسبعين سنة؛ وكان ينزل في دارهم بالمدينة. أخبرني محمد بن زياد الأعرابي الراوية، عن هشام بن محمد الكلبي. قال: من قبائل حضرموت تنعة؛ ولهيعة وهم اللهائع، وأكثرهم بمصر؛ وضمعج وهم الضماعج؛ وعلقمة، وهم العلاقم؛ والأدمون، والأربوع؛ والأملوك، غير الذي في حمير، وذو مران، ويقال إنهم الذين في همدان؛ وشعب، دخلوا في همدان فقالوا: شعب بن معدي كرب بن حاشد بن جشم، وهم رهط عامر بن شراحيل الشعبى؛ وشعبان، وهم في حمير، وكان يقال لشعبان عبد كلال، فلما انشعب من قومه قيل " شعبان " ؛ ومرحب؛ وجعشم، وهم الجماشعة؛ وأخدر؛ وهم الأخادرة؛ وسلع، وذو طحن؛ ووليعة، غير وليعة كندة؛ ووائل؛ وأنسى. قال بعضهم:
وجدي الأنسوي أخو المعالي ... وخالي المرحبي أبو لهيعه
وردمان، وأشوع، وأحمر دخلوا في همدان، والأثروم؛ والأذمور رهط الصعبة بنت عبد الله بن عماد الحضرمي، أم " طلحة بن عبيد الله " المسمى " صاحب رسول الله " صلى الله عليه وسلم، ورهط عامر الحضرمي - حليف بني أمية - ابن عبد الله بن عامر الحضرمي صاحب معاوية، وكسروهم بناحية فلسطين، ورهط مسروق بن وائل أبي شمر الذي يقول:
وأكرم ندماني وأحفظ غيبه ... وأملأ زق الشرب غير مشائط
ويقال إنه من الأدمون. ومن الحضرميين ميمون الحضرمي، صاحب بئر ميمون بمكة وعندها دفن أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور. ومنهم عمرو بن الحضرمي الذي قتله المسلمون في سرية عبد الله بن جحش، وسنذكر خبره إن شاء الله تعالى.
نسب ولد عدنان بن أدد
(1/4)
________________________________________
حدثني عمرو بن محمد الناقد، ثنا عبد الله بن وهب المصري، عن أبي لهيعة، عن أبي الأسود، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة بن حذافة، قال: ما وجدنا في عالم ولا شعر شاعر من وراء عدنان بثبت. وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا بلغ في النسب إلى أدد، قال: " كذب النسابون، كذب النسابون " ؛ قال الله عز وجل: " وقروناً بين ذلك كثيراً " . قال ابن عباس: ولو شاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلمه لعلمه. وحدثني روح بن عبد المؤمن، عن أبي اليقظان، عن وضاح بن خيثمة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي قال: إنما حفظت العرب من أنسابها إلى أدد. قال الكلبي: فأدد من ولد نابت بن الهميسع بن تيمن بن نبت بن قيذر بن إسماعيل. وقال بعض المدنيين: أدد من ولد الهميسع بن أشجب بن نبت بن قيذر بن إسماعيل. وقول الكلبي أثبت. وولد أدد: عدنان - وأمه، فيما ذكر غير الكلبي، المتمطرة بنت علي، من جرهم أو من جديس - ؛ ونبت؛ وعمرو، درج. فولد نبت بن أدد: شقرة. وهم في مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. قال الشاعر، وهو الحارث بن نمر التنوخي:
أي يومي من الموت أفر ... يوم لم يقدر أم يوم قدر
إن أخوالي من شقرة قد ... لبسوا لي غمساً جلد نمر
نحتوا أثلتنا ظلما ولم ... يرهبوا لفت الوبال المستمر
فلئن طأطأت في قتلهم ... لتهاضن عظامي من عفر
ولئن غادرتهم في ورطة ... لأكونن نهزة الشيخ النفر
ويشجب بن نبت، وهم في وحاظة من ذي الكلاع، من حمير. ويقال، والله أعلم، إن نبت بن أدد هذا هو الأشعر بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وبعض الرواة يقول: هو عدنان بن أدد. والثبت أنه عدنان بن أدد. وولد عدنان: معد - وبه كان يكنى - والديث، وأبي، والعي. وهو الثبت. وبعضهم يقول: العي، وعدين درج. هؤلاء الثلاثة، وأمهم مهدد بنت اللهم بن جلحب، من جديس. وقال بعضهم: هي من طسم. والأول أثبت. فولد الديث بن عدنان: عك. ويقال: إنه عك بن عدنان نفسه. ويعضهم يقول: عك بن عدنان بن عبد الله بن الأزد بن الغوث. وبعض الناس يقول: عك بن عدثان بن عبد الله بن الأزد. وذلك تصحيف؛ ليس في الأزد عدثان " مضموم العين تعجم بثلاث " إلا عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، وهو أبو دوس. وقال الكميت بن زيد الأزدي:
كعك في مناسبها منار ... إلى عدنان واضحة السبيل
وقال عباس بن مرداس السلمي: وعك بن عدنان الذين تلقيوا بغسان حتى طردو اكل مطرد
(1/5)
________________________________________
فولد عك بن الديث - واسم عك " الحارث " - : الشاهد، وصحار واسمه غالب، وسبيع درج، وقرن وهم في الأزد يقولون: قرن بن عك بن عدنان بن عبد الله بن الأزد. فولد الشاهد بن عك، غافق، وساعدة. فولد غافق، لعسان، ومالك، والقياتة - يالتاء - وولد صحار بن عك: السمناى، وعنس. وبولان، وهما عدد عك. فمن بني بولان: مقاتل بن حكيم بن عبد الرحمن الخراساني، من رجال دولة بني العباس. فولد لعسان بن غافق: الحوثة، وأسلم، وأكرم. فولد أكرم: وائل، وريان بالراء، وخضران. وولد مالك بن غافق: رهنة، وصحار. وولد القياتة بن غافق: أحدب، وأوفى، وأسيلم، وخدران، وأسلم. وولد رهنة بن مالك: كعب، وطريف، ومالك. وولد صحار بن مالك بن غافق بن الشاهد: عبد، وربيعة، ومعاوية. وكان من ولد غافق، سملقة بن مرى بن الفجاع صاحب أمر عك يوم قاتلوا غسان. وهو أول من جز ناصية أسيرٍ. وكان رئيس غسان يومئذ ربيعة بن عمرو. ويقال إن أول من كسا الكعبة عدنان. كساها أنطاع الأدم. وولد معد بن عدنان: نزار بن معد، وبه كان يكنى، ويقال إنه يكنى أبا حيدة، وبعضهم يقول إنه كان يكنى أبا قضاعة - وقنص بن معد، وقناصة، وسنام. والعرف، وعوف، وشك، وحيدان، وحيدة، وعبيد الرماح - في بني كنانة بن خزيمة - وجنيد في عك، وجنادة، والقحم. وأمهم معانة بنت جشم بن جلهة بن عمرو بن جرهم. وبعضهم يقول جلهمة. والأول أثبت. وقال بعضهم: اسمها عنة بنت جوشن بن جرهم. وقال ابن مزروع: اسمها ناعمة. والأول قول ابن الكلبي. وقال هشام بن محمد: يقال إن معانة كانت عند مالك بن عمرو بن مرة بن مالك بن عمرو، ثم خلف عليها بعده معد بن عدنان فجاءت معها بقضاعة بن مالك بن حمير. فكان يقال له قضاعة بن معد. فولدت. قال: ويقال إن معانة كانت بدياً عند معد، فولدت له قضاعة، ثم خلف عليها مالك بن عمرو، وتبنى قضاعة فنسب إليه، وأن قضاعة كان يسمى عمرا. فلما تقضع عن قومه، أي بعد، سمى قضاعة. والله أعلم. وقال هشام. كان عمرو بن مرة الجهني أول من ألحق قضاعة باليمن. فقال بعض البلويين:
أيا إخوتي لا ترغبوا عن أبيكم ... ولا تهلكوا في لجة لجها عمرو
وقال بعض الرواة: أم قضاعة عكبرة، وقال الكلبي: لا أدري ما هذا. وحدثني أبو عدنان الأعور، عن أبي زيد الأنصاري النحوي، عن أبي عمرو بن العلاء، قال: لم تزل قضاعة معدية في الجاهلية، ثم تحولوا فقالوا: قضاعة مالك بن عمرو. وذلك لأن بني مالك بن عمرو إخوتهم لأمهم. وحدثني أبو الحسن المدائني، عن أبي اليقظان: أن عمر بن عبد العزيز - وكانت أم أبيه كلبية - قال لبعض أخوال أبيه: إن علىّ منكم لغضاضة عضتكم حرب قوم؛ فانتفيتم من أبيكم وانتميتم إلى غيره؛ وكنتم إخوة قوم لأمهم فصيرتم انفسكم إخواتهم لأبيهم وأمهم. وحدثني محمد بن الأعرابي الراوية، عن المفضل الضبي، عن القاسم بن معن وغيره: أن أول من ألحق قضاعة بحمير، عمرو بن مرة الجهني، وكانت له صحبة. وروي عن هشام بن عروة، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله، قضاعة ابن من؟ قال: ابن معد. وحدثني محمد بن حبيب مولى هاشم، قال: أنشدني أبو عمرو الشيباني لشاعر قديم:
قضاعة كان تنسب من معد ... فلج بها السفاهة والضرار
فإن تعدل قضاعة عن معد ... تكن تبعاً وللتبع الصغار
وزنيتم عجوزكم وكانت ... حصاناً لا يشم لها خمار
وكانت لو تناولها يمانٍ ... للاقى مثل ما لاقى يسار
وأكره أن يكون شعار قومي ... لذي يمن إذا ذعرت نذار
(1/6)
________________________________________
قال: وكان " يسار " هذا عبداً لإياد، فتعرض لابنة مولاه فزجرته. فأتى صاحباً له فاستشاره في أمرها. فقال له: ويلك يا يسار كل من لحم الحوار، واشرب من لبن العشار، وإياك وبنات الأحرار. فقال: كلا، إنها تبسمت في وجهي. فعاودها، فقالت له: ائتني الليلة. فلما أتاها قالت: ادن مني أشمك طيباً. فلما دنا، جدعت أنفه بسكين كانت قد أعدته، وأحدّته؛ وكانت قد دفعت إلى وليدتين لها سكينتين، وقالت لهما: إذا أهويت لأجدع أنفه، فلتصلّم كل واحدة منكما أذنه التي تليها، ففعلتا ذلك، فلما أتى صاحبه الذي استشاره، قال له: والله ما أدري أمقبل أنت أم مدبر. فقال يسار - ويقال هو يسار الكواعب - هبك لا ترى الأنف والأذنين؛ أما ترى وبيص العينين. فذهبت مثلاً. وقال جميل بن عبد الله بن معمر العذري:
أنا جميل في السنام من معد ... الدافعين الناس بالركن الأشد
وكان جميل مع الوليد بن عبد الملك في سفر. فقال له: انزل فارتجز. فلما ارتجز بهذا الشعر، قال له: اركب، لا حملك الله. وذلك أنه ظن أن جميلاً يمدحه كما مدحه راجز قبله، فقال:
يا بكر هل تعلم من علاكا؟ ... خليفة الله على ذراكا
ويقال إن جميلاً يمدح أحداً قط. وقال جميل لبثينة بنت حبأ العذرية:
ربت في الروابي من معد وفضلت ... على المحصنات الغر وهي وليد
وقال زيادة بن زيد العذري:
وإذا معد أوقدت نيرانها ... للمجد أغضت عامرٌ وتقنعوا
" عامر " رهط هدبة بن خشرم. وقال أفلح بن يعبوب، من ولد أمر مناة بن مشجعة بن التيم بن النمر بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، في أيام معاوية بن أبي سفيان:
يا أيها الداعى ادعنا وبشر ... وكن قضاعيا ولا تنزر
قضاعة بن مالك بن حمير ... النسب المعروف غير المنكر
وقال عامر بن عبيلة بن قسميل بن فران بن بلي:
وما أنا نسبت بخندفي ... وما أنا من بطون بني معد
ولكنا لحمير حيث كنا ... ذوي الآكال والركن الأشد
قالوا: وكان الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة أجرى وعامر بن عبيلة فرسين لهما، فسبق فرس عامر. فمنعه الحارث سبقته، وقضاعة يومئذ بتهامة. فقال: يآل معد. فلم يجبه أحد فقال: والله لو كنت من معد لأجابني بعضهم. فهم قومه بالخروج. فكره بنو معد أن يخرجوا عنهم، ويصيروا إلى غيرهم؛ فأعطى عامر سبقته. ثم إن خزيمة بن نهد بن زيد، وكان يعشق فاطمة بنت يذكر بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار، وهو القائل فيها:
إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا
ظننت بها وظن المرء مما ... يجلي للفتى الأمر المبينا
خرج يذكر بن عنزة يطلبان القرظ، فوقعا على هوة فيها نحل. فقالا: هذه خير مما نطلب. فقال خزيمة، وكان بادنا: إن نزلت الهوة، لم تقدر على رفعي؛ وأنت نحيف وأنا قوي على رفعك من الهوة. فنزل يذكر، فجعل يجنى العسل ويناوله خزيمة. فلما فرغ، قال له: يا يذكر، زوجني فاطمة. فقال: ليس هذا بوقت تزويج. فتركه في البئر، وأتى قومه. فسألوه عنه. فقال: لا علم لي به. ووقع الشر بين بني معد وبني قضاعة. فكان أول من خرج عن معد من تهامة، جهينة وسعد هذيم ابنا زيد بن الأسود بن أسلم. فنزلا الصحراء. فسمتها العرب صحار. وخرجت بنو نهد عن معد، فنزل بعضها باليمن وبعضها الشأم. فالذين صاروا باليمن: مالك، وخزيمة، وصباح، وزيد، وأبو سود، ومعاوية، وكعب بنو نهد. قال زهير بن جناب الكلبي يذكر تفرق نهد:
ولم أر حيا من معد تفرقوا ... تفرق معزى الفزر غير بني نهد
وقال أيضاً:
لقد علم القبائل أن ذكري ... بعيد في قضاعة من نزار
وما إبلي بمقتدر عليها ... وما حلمي الأصيل بمستعار
والذين جاءوا إلى الشأم: عامر، وهم في كلب بن وبرة، وعمرو، ودخلوا في كلب أيضاً؛ والطول؛ وبرة؛ وحزيمة؛ وحنظلة؛ وهو الذي يقال له " حنظلة بن نهد خير كهل في معد " ؛ وأبان بن نهد، دخل في بني تغلب بن وائل. وقال بعض شعرائهم:
قضاعة أجلتنا من الغور كله ... إلى جنبات الشأم نزجي المواشيا
فإن يك قد أمسى شطيرا ديارهم ... فقد يصل الأرحام من كان ثابيا
(1/7)
________________________________________
وسمي يذكر بن عنزة بن اسد بن ربيعة: " القارظ العنزي " ؛ وضرب به المثل. قال بشر بن أبي خازم الأسدي:
ترجى الخير وانتظري إيابي ... إذا ما القارظ العنزي آبا
وقد كان من عنزة قارظٌ آخر، بقاتل له عامر بن هميم فُقد أيضاً. فقال أبو ذؤيب الهذلي:
وحتى يؤوب القارظان كلاهما ... وينشر في الموتى كليب بن وائل
ويروي " كليب لوائل " . وهو كليب بن ربيعة بن الحارث بن زهير، من بني تغلب بن وائل. فنسبه إلى وائل والعرب تقول " كليب وائل " أيضاً. وقال هشان بن الكلبي: ويقال إن حيدان بن معد دخلوا في قضاعة، فقالوا: حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. وحيدان هو أبو مهرة بن حيدان. فولد سنام بن معد: جشم بن سنام، وجاه. وهما في حكم بن سعد العشيرة بن مالك. وولد حيدة بن معد: مجيد، وأفلح، وقزح دخلوا في الأشعرين. ويقال إن ولد قزح وحده دخلوا في الأشعرين، وإن الآخرين درجا. والله أعلم. وقال هشام بن الكلبي: ذكر بعض النساب أن حيدة بن معد ولد أيضاً معاوية. فولد معاوية: عفير بن معاوية. فولد عفير: ثور بن عفير. فولد ثور: كندي وهو أبو كندة. وأنشد لامرىء القيس بن حجر الكندي:
تالله لا يذهب شيخي باطلا ... خير معد حسبا ونائلا
وغيره ينشده:
" يا خير شبخ حسباً ونائلا "
وولد القحم بن معد: أفيان. فولد أفيان: غنثٍ بن أفيان، وهم في بني مالك بن كنانة بن خزيمة. قال هشام: ودخل بنو عبيد الرماح في كنانة، وهم رهط إبراهيم بن عربي بن منكث. وكانت أم إبراهيم فاطمة بنت شريك بن سحماء البلوي، من قضاعة. وسحماء أمه؛ وأبوه عبدة بن مغيث. وبسبب شريك هذا نزل اللعان. حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده قال: أتى عاصم بن عدي البلوي، رجلٌ من بني العجلان من الأنصار يقال له عويمر، فسأله أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل وجد مع امرأته رجلاً، كيف يصنع؟ فسأله، فلم يجبه بشيء. فاتى عويمر النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن ذلك. فقال: قد أنزل الله في أمرك وأمر صاحبتك قرآناً، فأت بها. فلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما. وكان الذي قذف بها شريك بن سحماء. وحدثني وهب بن بقية، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ هشام، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك قال: لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هلال بن أمية وامرأته، وكان قد قذفها بشريك بن سحماء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن جاءت به أصهب أثبج أرشح حمش الساقين فهو لهلال؛ وإن جاءت به أورق جعدا خدلج الساقين سابغ الإليتين فهو للذي رميت به " . فجاء على الصفة المكروهة، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين، وقضى أن لا يدعى ولد الملاعنة لأب، ولا ترمى ولا ولدها؛ وأن على من رماها الحد. وقضى بأن لا بيت لها عليه ولا قوته. وقال هشام بن الكلبي: لما كان يوم دار عثمان، ضرب مروان بن الحكم وسعيد بن العاص، فسقطا، فوثبت فاطمة بنت شريك بن سحماء فأدخلت مروان بيتاً كانت فيه قراطسي فأفلت. فكان بنو مروان يحفظون إبراهيم بن عربي ويكرمونه بذلك السبب، فتزوج إبراهيم ابنة طلبة بن قيس بن عاصم التهيمي المنقري. وكان عبد الملك قد ولى إبراهيم بن عربي اليمامة وأعمالها. فأوفد إبراهيم مقاتل بن طلبة بن قيس، أخا امرأته، إلى عبد الملك ومعه أشراف من تميم وعامر بن صعصعة، وكتب إلى الحجاب أن يحسنوا إذنه ويقدموه. فأذن له أول الغد. فلما دخل على عبد الملك، أدناه وأكرمه. فقال:
وفضلني عند الخليفة أنني ... عشية وافت عامر وتميم
وجدت أبي عند الإمام مقدما ... لكل أناس حادث وقديم
وقال رجل من بني عبشمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم:
لولا حرٍ قدمته لابن منكث ... مقلم لباب الأسكتين أزوم
لما كنت عند الباب أول داخل ... عشية وافت عامر وتميم
قال: واسم عربي عبد الرحمن. وتزوج لإبراهيم ابنة عبد الرحمن بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف. ولإبراهيم عقب. قال: وكان إبراهيم أسود. فقال فيه البعيث المجاشعي:
ترى منبر العبد اللئيم كأنما ... ثلاثة غربان عليه وقوع
(1/8)
________________________________________
قال ابن الكلبي: ويقال إن معد بن عدنان ولد أودا، فانتسبوا في مذحج فقالوا: أود بن صعب بن سعد العشيرة. وكان معد بن عدنان على عهد بخت نصر. وقال بعض الرواة: لم يبق لقنص بن معد عقب. وكان النعمان بن المنذر، من تميم، ونسب إلى لخم، وأن عمر بن الخطاب أتي بسيف النعمان، فأعطاه جبير بن مطعم وقال له - وكان نسابة - ممن كان النعمان؟ فقال: من قنص بن معد. واحتج من روى هذا بقول النابغة الذبياني:
فإن يرجع النعمان نفرح ونبتهج ... ويأت معدا ملكها وربيعها
فولد نزار بن معد: مضر بن نزار؛ وإياد بن نزار، وبه كان يكنى نزار، وأمهما سودة بنت عك؛ وربيعة؛ وأنمار، وأمهما الحذالة بنت وعلان بن جوشم بن جلهة بن عمرو، من جرهم. فذكر بعضهم أن أنمار هذا درج بعد موت أبيه نزار ولم يعقب. وقال بعض الرواة: بل غاضب إخوته وانتفى منهم، وأتى اليمن فحالف الأزد وانتسب إلى أراش بن عمرو بن الغوث، أخي الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان؛ وتزوج بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة، فنسب ولده منها إليها؛ وتزوج هند بنت مالك بن الغافق من عك أيضاً. فأما بجيلة فولدت له عبقر بن أنمار، والغوث بن أنمار وإخوة لهما. وأما هند فولدت له أفتل وهو خثعم. وقال آخرون: تزوج أنمار هاتين الامرأتين وولدتا له؛ ثم إن ولده أدعو بعد موته بحين أنهم من ولد أنمار بن أراش. وقال ابن الكلبي: سمعت من يذكر أن نزارا وهب لأنمار جارية يقال لها بجيلة فحضنت ولده. وذلك باطل؛ وأنما وهب لإياد جاريةً اسمها ناعمة. وقال عمرو بن الخثارم البجلي، وهو ينتمي إلى معد:
ابني نزارٍ انصروا أخاكما ... لن يغلب اليوم أخٌ والا كما
إن أبي وجدته أباكما
وقال أيضاً:
لقد فرقتم في كل قوم ... كتفريق الإله بني معد
وكنتم حول مروان حلولا ... جميعاً أهل مأثرة ومجد
ففرق بينكم يومٌ عبوس ... من الأيام نحسٌ غير سعد
وقال الكميت بن زيد:
وليسوا من القوم الذين تبدلوا ... أراشا بإسماعيل من جدل
وكان جرير بن عبد الله البجلي نافر الفرافصة بن الأحوص الكلبي إلى الأقرع بن حابس التميمي. فقال عمرو بن الخثام، وكان حاضرا:
يا أقرع بن حابسٍ يا أقرع ... إن يصرع اليوم أخوك تصرع
وقال بعضهم: أراد " أخاك في الإسلام " . فنفره إلى الفرافصة. وقال ابن الدمينة الخثعمي لمعن بن زائدة الشيباني:
عجل فداك إلى مغيظة حاسدي ... برجاء معتمدٍ لسبيل آمل
وأصب بجدواك ابن عمٍّ طالبا ... لنداك إنك ذو ندىً وفواضل
قالوا: وكان يقال لمضر وربيعة " الصريحان " من ولد إسماعيل. وقال بعضهم: أم مضر وإياد نحيبة بنت عك. وقال ابن الكلبي: سودة. وذلك الثبت. وقال بعضهم: اسم أم ربيعة وأنمار الشقيقة بنت عك. والأول قول ابن الكلبي وهو اثبت وقال هشام بن محمد الكلبي كثرت اياد بتهامة وبنو معد حلول بها لم يتفرقوا عنها، فبغوا على بني نزار. وكانت منازلهم بأجياد من مكة. وذلك قول الأعشى:
وبيداء تحسب آرامها ... رجال إياد بأجيادها
(1/9)
________________________________________
فرماهم الله بداء، ففشا الموت فيهم. فخرج من بقي منهم هرابا. فأتت فرقة اليمن، فانتسبوا في ذي الكلاع من حمير. وأقام قسي بن منبه بن النبيت بن منصور بن يقدم بن أفصىبن دعمي بن إياد بن نزار وولده بالطائف. وقسي هو ثقيف. ثم انتسبوا إلى قيس، فقالوا: ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان. فذلك يقال إن ثقيفاً بقية إياد.ويقال أيضاً إن قيساً كان عبداً لأبي رغال، وكان أصله من قوم نجوا من قوم ثمود. فهرب من مولاه، ثم ثقفه، فسماه ثقيفاً، وانتسب ولده بعد حين إلى قيس. ولذلك يقال إن ثقيفا بقية ثمود، وكان الحجاج يقول: يقولون أنا بقية ثمود؛ وهل بقي مع صالح إلا المؤمنون! فأما أبو رغال، فيقال إن أصله من العرب العاربة، وكان له سلطان بالطائف وما والاه. فكان يأخذ من أهل عمله غنما بسبب خرج كان له عليهم. وكان ظلوما غشوما. فأتى على امرأة تربي يتيماً صغيراً في عام جدب وقحط بلبن عنز، لم يكن بالطائف شاة لبون سواها، فأخذها. وبقي الصبي بغير رضاع، فمات. فرمى الله أبا رغال بقارعة، فهلك. ودفن بين الطائف ومكة فقبره هناك يرمى على وجه الدهر. وقوم يقولون: كان أبو رغال عبداً لشعيب بن ذي مهدم الحميري الذي قتله قومه، وكان فيما يزعمون مبعوثاً إليهم. فلما بلغه ما فعل أبو رغال من ترك الصبي بلا رضاع، أمر به، فقتل، وأمر برجم قبره. ويقال إن أبا رغال كان قائد الفيل وبعض أدلاء الحبشة على البيت. فمات، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم قبره. وإن جد أبي الحجاج كان يخدمه. فقيل للحجاج " عبد أبي رغال " . وكان حماد الراوية يقول: ثقيف من ولد أبي رغال، وأبو رغال من بقية ثمود؛ وكان أخذ عنزاً ترضع صبياً يتيماً فهلك الصبي، ولم يرم مكانه حتى مات فرجم قبره. والله اعلم. وقال جرير:
إذا مات الفرزدق فارجموه ... كما ترمون قبر أبي رغال
(1/10)
________________________________________
وقال هشام بن الكلبي: خرج جل إياد يؤمون العراق. فنزل بعضهم بعين أباغ. ونزل باقوهم بسنداد، بين البصرة والكوفة. فأمروا هناك، وكثروا. واتخذوا بسنداد بيتاً شبهوه بالكعبة. ثم انتشروا، وغلبوا على ما يلي الحيرة. وصار لهم الخورنق والسدير. فلهم " أقساس مالك " . وهو مالك بن قيس بن عبد هند بن لجم بن منعة بن برجان بن دوس بن الديل بن أمية بن حذافة بن زهر بن إياد. ولهم دير الأعور، ودير السواء، ودير قرة، ودير الجماجم. وإنما سمي دير الجماجم لأنه كان بين إياد وبهراء القين حربٌ، فقتل فيها من إياد خلق. فلما انقضت الحرب، دفنوا قتلاهم عند الدير، فكان الناس بعد ذلك يحفرون، فتظهر جماجم. فسمي دير الجماجم. ويقال إن بلال الرماح - وبعضهم يقول بلال الرماح، والرماح أثبت - بن محرز الإيادي قتل قوماً من الفرس، ونصب رؤوسهم عند الدير، فسمي دير الجماجم. ويقال إنهم لما أرادوا بناء الدير، فحفر أساسه، وجد فيه الجماجم. فسمي دير الجماجم. وأمر الرماح قتله الفرس أثبت عند الكلبي. وكان بالحيرة من إياد في جند ملوك الحيرة. وقال هشام: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: كان النخع، وثقيف بن إياد بن نزار - فثقيف قسي بن منبه بن النبيت بن أفصى بن دعمي بن إياد، والنخع بن عمرو بن الطمثان بن عوذ مناة بن يقدم بن أفصى - فخرجا ومعهما عنز لبون يشربان لبنها. فعرض لهما مصدق ملك اليمن، فأراد أخذها، فقالا: أنما نعيش بدرها. فرمى أحدهما المصدق، فقتله. فقال أحدهما لصاحبه: إنه لا يحملني وإياك أرض. فأما النخع فمضى إلى بيشة، فأقام بها. ونزل قسي موضعاً قريباً من الطائف، فرأى جارية ترعى غنماً لعامر بن الظرب العدواني، فطمع فيها، وقال: أقتل الجارية ثم أحوي الغنم. وأنكرت الجارية منظره، فقالت له: إني أراك تريد قتلي وأخذ الغنم؛ وهذا شيء إن فعلته قُتلت وأخذت الغنم منك؛ وأظنك غريباً خائفاً. فدلته على مولاها. فأتاه، فاستجاره. فزوجه ابنته، وأقام بالطائف، فقيل: لله دره، ما أثقفه، حين ثقف عامراً فأجاره. وكان قد مر بيهودية بوادي القرى، حين قتل المصدق، فإعطته قضبان كرم. فغرسها بالطائف فإطعمت ونفعته. قالوا: وكانت إياد تغير على السواد وتفسد. فجعل سابور بن هرمز بن نرسي بن بهرام بينه وبينهم مسالح بالأنبار وعين التمر وغير هاتين الناحيتين. فكانوا إذا أخذوا الرجل منهم، نزعوا كتفه. فسميت العرب سابور " ذا الأكتاف " . ثم إن إياداً أغارت على السواد في ملك أنوشروان كسرى بن قباذ بن فيروز. فوجه إليهم جيوشاً كثيفة. فخرجوا هاربين، وأتبعوا، فغرق منهم بشر، وأتى فلهم بني تغلب، فأقاموا معهم على النصرانية. فأساءت بنو تغلب جوارهم. فصار قوم منهم إلى الحيرة متنكرين، مستخفين، فأقاموا بها. وأتى آخرون نواحي أمنوا بها. ولحق جلهم بغسان بالشأم، فلم يزالوا معهم. فلما جاء الإسلام دخل بعضهم بلاد الروم، وأتى بعضهم حمص، وأنطاكية، وقنسرين، منبج وما والى هذه المدن. ودخل منهم قوم في خثعم، وفي تنوخ. وبالحيرة اليوم قوم منهم يقال لهم بنو عبد الخيار، من بني حذافة؛ وقوم من بني مالك بن قيس صاحب " أقساس مالك " قال الشاعر من إياد:
قلت حقاً حين قالت باطلا ... إنما يمنعني سيفي ويد
ورجال حسن أوجههم ... من إياد بن نزار بن معد
وقال أمية بن أبي الصلت الثقفي:
قومي إياد لو أنهم أممٌ ... ولو أقاموا فتهزل النعم
وقال الأسود بن يعفر:
ماذا أؤمل بعد آل محرقٍ ... تركوا منازلهم وبعد إياد
أهل الخورنق ولسدير وبارقٍ ... والقصر ذي الشرفات من سنداد
جرت الرياح على محل ديارهم ... فكأنما كانوا على ميعاد
وقال الشاعر ينفي ثقيفا من إياد:
عاري الأشاجع من ثقيف أصله ... عبد ويزعم أنه من يقدم
(1/11)
________________________________________
وقال ابن الكلبي: كان يقال لامرىء القيس بن عمرو بن امرىء القيس بن عمرو بن عدي بن نصر " محرق " وهو أول من عاقب بالنار. وهو من لخم، وكان من ملوك الحيرة. وكان عمرو بن هند مضرط الحجارة حرق بني تميم، فسمى أيضاً محرقا. وحدثني محمد بن الأعرابي، عن هشام بن محمد الكلبي، قال: كان يقال لإياد " الطبق " لإطباقهم بالشر والعرام على الناس. وكانت طائفة منهم بناحية البحرين. فخرجت عبد القيس، ومعهم بنو شن بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة، تطلب المتسع حتى بلغوا هجر وأرض البحرين. فرأوا بلداً استحسنوه ورضوه. فضاموا من به من إياد والأزد، وشدوا خيلهم بالنخل. فقالت إياد: عرف النخل أهله. فذهبت مثلاً. واجتمعت عبد القيس والأزد على إياد، فأخرجوا عن الدار فأتت العراق. وكانت بنو شن أشدهم عليهم: فقال الشاعر:
وافق شن طبقه ... وافقه فاعتنقه
وفاة نزار
وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده، عن معاوية بن عميرة الكندي، عن ابن عباس: لما حضرت نزاراً الوفاة أوصى بنيه - وهم: مضر، وربيعة، وإياد، وأنمار - بأن يتناصفوا. فقال: قبتي الحمراء، وكانت من أدم، لمضر فقيل مضر الحمراء. وهذا الخباء الأسود وفرسي الأدهم لربيعة. فسمي ربيعة الفرس. وهذه الجارية لإياد. وكانت شمطاء، فقيل إياد الشمطاء والبرقاء. وهذا الحمار لأنمار. فقيل أنمار الحمار. وفيه يقول الشاعر:
نزار كان أعلم إذ تولى ... لأي بنيه أوصى الحمار
قال ابن الكلبي: واختلف بنو نزار في قسمة ما ترك أبوهم. فشخصوا إلى الإفعى بن الحصين، وهو بنجران. فبينا هم يسيرون إذ رأى مضر كلأ مرعياً، فقال: لقد رعاه بعير أعور. قال ربيعة: وهو أيضاً أزور. وقال إياد: وهو أيضاً أبتر. وقال أنمار: وهو أيضاً شرود. فلم يسيروا إلا قليلاً حتى لقيهم رجل توضع به راحلته يسأل عن بعير. فقال مضر: أهو أعور؟ قال: نعم. قال ربيعة: أهو أزور؟ قال: نعم. قال إياد: أهو أبتر. قال: نعم. قال أنمار: أهو شرود؟ قال: نعم؛ قال وأنتم والله تعلمون مكان بعيري، فقد وصفتموه صفة المعاين الخبر. فحدثوه الحديث، وقال مضر: رأيته يرعى جانباً ويترك جانباً. فعلمت أنه أعور مال نحو عينه الصحيحة. وقال ربيعة: رأيت إحدى يديه نابتة والأخرى فاسدة الأثر، فعلمت انه أفسدها بشدة وطئه في إحدى جانبيه. وقال إياد: عرفت أنه أبتر باجتماع بعره؛ ولو كان ذيالا لمصع. وقال أنمار: إنما عرفت أنه شرود لأنه رعى في المكان الملتف نبته، ثم جاز إلى مكان أرق نبتاً منه وأخبث. فحاكمهم إلى الأفعى. فقصوا عليه القصة، وحلفوا فقال للرجل: ليسوا بأصحاب بعيرك، فاطلبه. ثم سألهم عن قصتهم. فقصوها عليه. فقال: أتحتاجون إلي وأنتم في جزالتكم وصحة عقولكم وآرائكم على ما أرى؟ ثم قال: ما أشبه القبة الحمراء من مال أبيكم، فهو لمضر، فصار لمضر ذهبٌ كان لنزار، وحمر إبله. وقال: ما أشبه الخباء الأسود والفرس الأدهم لربيعة،. فصار له جميع إبله السود، ومعزى غنمه، وعبدان أسودان كانا له. وقال: ما أشبه الجارية الشمطاء فهو لإياد. فصار له بلق خيله وغنمه. وقضى لأنمار بفضته وحميره، وبيض ضأنه. فرضوا بحكمه. وقال بعض الرواة: أعطى إياداً عصا أبيه وحلته. فسموا إياد العصا. وأنشد بعضهم:
نجن ورثنا من إياد كله ... نحن ورثناه العصا والحله
مضر
(1/12)
________________________________________
وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده قال: كان مضر من أحسن الناس صوتاً. فسقط عن بعيره، فانكسرت يده. فجعل يقول: يا يداه! يا يداه! فأنست الإبل لصوته وهي في المرعى. فلما صلح وركب، حدا. فهو أول من حدا، وأول من قال: " بصبص إذ حدين " . فذهبت مثلاً. واستعمل الناس الحداء بالشعر بعده، وتزيدوا شيئاً بعد شيء وقيل: إنه ضرب يد غلام له بعصا. فجعل الغلام يقول: يا يداه، يا يداه. فاجتمعت الإبل. وحدثني عمرو بن محمد الناقد أو عثمان، ثنا عبد الله بن وهب، حدثني سعيد بن أبي أيوب، عن عبيد الله بن خالد. بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تسبوا مضر فإنه كان مسلماً " . وحدثني روح بن عبد المؤمن، عن محبوب القرشي، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا مضر وربيعة، فإنهما قد أسلما " . فولد مضر: إلياس، وبه يكنى؛ والناس، وهو " عيلان " ، حضنه غلام لمضر يقال له عيلان، فسمي به. فقيل لابنه قيس بن عيلان، وقيس عيلان. وهو قيس بن إلياس بن مضر. وأم إلياس والناس - وهو عيلان - الرباب بنت حيدة بن معد بن عدنان. أخبرني علي الأثرم، عن أبي عبيدة أنه قال: يقال للسل والنحافة ياس. قال ابن هرمة:
وقول الكاشحين إذا رأوني ... أصيب بداء يأس فهو موده
وقال ابن عاصية، وهو مع معن باليمن:
فلو كان داء الياس بي وأغاثني ... طبيبٌ بأرواح العقيق شفانيا
وقال الشاعر:
هو الياس أو داء الهيام أصابني ... فإياك عني لا يكن بك ما بيا
قال: وقد يكون الياس مشتقاً من قولهم: فلانٌ اليئيس، وهو الشديد البأس، المقدام، الثابت القلب في الحرب. وقال العجاج:
أليس يمشي قدماً إذا ادكر ... ما وعد الصابر من خيرٍ صبر
وقال الأثرك: حكى خالد بن كلثوم: الأسد أليس. وقال: أليس بين اللئيس. وجمع ليس ألياس. قال: وكانت خندف لما مات إلياس جزعت عليه، فلم تقم بحيث مات ولم يظلها بيت حتى هلكت سائحة. فضرب بها المثل؛ وقيل " حزن خندف " . وقال الشاعر:
فلو أنه أغنى لكنت كخندف ... على إلياس حتى أعجبت كل معجب
إذا مونس لاحت خراطيم شمسه ... بكت غدوة حتى يرى الشمس تغرب
وكان موته يوم الخميس، فكانت تبكي كل خميس من غدوه إلى الليل. وقال الشاعر:
لقد عصت خندف من نهاها ... تبكي على إلياس فما أباها
(1/13)
________________________________________
فولد إلياس بن مضر: عمرو بن إلياس - وبه كان يكنى، وهو مدركة - وعامر بن إلياس وهو طابخة؛ وعمير بن إلياس، وهو قمعة. وأمهم خندف. واسمها ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وروى عباس عن أبيه، عن جده وغيره، قالوا: ندت إبل إلياس، فدعا بنيه فقال لعمرو: إني طالب إبلي في هذه الجهة، فاطلبها يا عمرو في هذه الجهة الأخرى. وقال لعامر: التمس لي صيداً، وأعدد لنا طعاماً، فتوجه إلياس وعمرو ابنه في بغاء الإبل. وقالت ليلى لإحدى جاريتيها، وكانت لها جاريتان يقال لإحداهما ضبع وللأخرى نائلة: اخرجي في طلب أهلك فاعرفي خبرهم. واستخفها التطلع لتعلم خبر زوجها. فخرجت فتباعدت من الحواء مهرولة. وجاء عامر محتقبا صيدا. فقال لنائلة: قصي أثر مولاتك، فلما ولت. قال: تقرصفي - أي أسرعي. والقرصافة، الخذروف. يقول: كوني كالخذروف في السرعة - . ولم يلبثوا أن جاء الشيخ، وعمرو ابنه، وقد رد الإبل على أبيه، وتوافوا جميعاً، فلما وضع الطعام بين أيديهم، قال إلياس: السليم لا ينام ولا ينيم. يقول: من نابه أمر، لم يستقر حتى يقضي اهتمامه به. - والسليم: اللديغ - فقالت ليلى امراته: والله إن زلت أخندف في طلبكم والهةً - والخندفة: الهرولة - . فقال إلياس: فأنت خندف. فغلب اللقب على اسمها. فقال عامر: لكني والله لم أزل في صيد وطبخ حتى جئتم. قال: فأنت طابخة. وقال عمرو: والذي فعلت أفضل: لم أزل بحداء في طلب الإبل حتى أدركتها وددتها. قال: فأنت مدركة. وقالت نائلة: أنا قصصت أثر مولاتي حتى أشرفت على الموت. قال: فأنت قاصة. وقالت ضبع: وأنا التي تقرصفت لا أتلي. قال: فأنت قرصافة. لكنك يا عمير انقمعت في البيت. فأنت قمعة. فغلبت هذه الألقاب على أسمائهم. قال هشام: وقال الشرقي بن القطامي: خرج إلياس منتجعاً، ومعه أهله وماله. فدخلت بين أبله أرنب. فنفرت الإبل. فخرج عمرو بن إلياس في طلبها، فأدركها. فسماه أبوه " مدركة " . وخرجت ليلى خلف ابنها مهرولة، فقال الشيخ: ما لك إلى أين تخندفين. فسميت " خندف " . وخرج عامر في طلب الأرنب، فصادها وطبخها. فقال له أبوه: أنت طابخه. ورأي عميرا قد انقمع في المظلة، هو يخرج رأسه منها، فقال له: أنت قمعة. قال هشام: وذكروا أن إلياس بن مضر قال لولده:
يا عمرو قد أدركت ما طلبتا ... وأنت قد أنضجت ما طبخنا
وأنت يد أسأت إذ قمعتا
(1/14)
________________________________________
ويقال إن قمعة بن خندف من غير إلياس. وقال الكلبي وشرقي: لما مات نزار، قال ربيعة - وكأن أسن من مضر - : ينبغي لنا أن نصير إلى الملك ليعرف مواضعنا، ويجعل الرئاسة لمن رأى منا. فقال مضر: نحتاج في الوفادة إلى مؤونة؛ وأنا أتكلفها. ثم نفذ فسبقه ربيعة، فوفد قبله. ثم قدم مضر بعده، وقد أنس ربيعة بالملك. ثم قدم مضر وهو منقبض. فعلم أن ربيعة قد مكر به. فأمر الملك أن يسألا حوائجهما. فقال مضر: أنا أسأل الملك أن لا يأمر لي بشيء إلا أمر لربيعة بضعفه، فإنه أسن مني. فقال: ذاك لك. فقال: أسألك أن تأمر بقلع عيني وقلع عينيه جميعاً؟ فضحك الملك وقال: لا بل أجيزكما، فأجاز مضر بشيء، وأعطى ربيعه مثله، لم يزده. وقوم يروون أن ربيعة كان أعور، فسأل مضر قلع عينيهما، فخرج ربيعة أعمى ومضر أعور. وهذا باطل. وذكر أبو اليقظان، أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " أول ن بحر البحيرة، وسيب السائبة، وحمى الحام وغير دين إبراهيم عليه السلام عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف " . قال أبو اليقظان: وعمرو هو أبو خزاعة. وقال بعضهم: درج قمعة بن إياس، فلا عقب له. وحدثني محمد بن حبيب مولى بني هاشم، عن محمد بن الأعرابي، عن المفضل الضبي. أن قمعة بن إلياس تزوج وولد له؛ ثن غاضب إخوته، فأتى اليمن وحالف الأزد، وانتسب فيهم. فولد مدركة - واسمه عمرو، ويكنى أبا الهذيل خزيمة وهذيلا. ويقال إن خزيمة بن مدركة، وهذيل بن مدركة، وأمهما سلمى بنت أسلم بن الحاف بن قضاعة. وقال بعضهم: هند بنت منصور بن يقدم بن إياد. والأول أصح وأثبت. فولد خزيمة بن مدركة ويكنى أبا الأسد كنانة وأمه عوانة بنت سعد بن قيس بن عيلان بن مضر. ويقال: هند بنت عمرو بن قيس بن عيلان، وأسد، وأسده وهو رجل - ، وعبد الله، والهون بن خزيمة. وأمهم برة بنت مر بن أدّ بن طابخة، أخت تميم بن مرّ. وقال هشام بن الكلبي وغيره، والله أعلم: إن خزيمة لما تزوج برة ووهبت إليه، قالت: إني رأيت رؤيا رأيت كأني ولدت غلامين من خلاف، وبينهما سائباً فبينا أنا أتأملهما إذا أحدهما أسد، وإذا الآخر قمر يزهر. فأتى خزيمة كاهنة، يقال لها سرحة، فقص الرؤيا عليها. فقالت: لئن صدقت رؤياها، لتلدن منك غلاماً يكون له ولأولاده نفوس باسلة، وألسن سائلة، ثم لتموتن عنها فيتزوجها ابنك من بعدك، فتلد له ولداً ويكون لولده عدد وعدد، وقروم ومجد، وعز إلى آخر الأبد. فولدت به أسدا. ثم خلف عليها كنانة، فولدت له النضر وإخوته منها. ورأى كنانة، وهو قائم في الحجر، قائلاً يقول: اختر أبا النضر، مني الصهيل والهدر، أو عمارة الجدر، وعز الدهر. فقال: كلا أسأل ربي. فقضى هذا كله لقريش. وقال هشام بن الكلبي: دخل بنو أسدة بن خزيمة في بني أسد بن خزيمة، وكانوا قليلاً. وقوم يقولون: إن أسدة درج. ونساب مضر يقولون: إن أسدة هذا أبو جذام، وأن ولده غاضبوا إخوته، فأخرجوهم. فأتوا الشأم، وحالفوا لخما وقالوا: جذام بن عدي أخو لخم بن عدي. وقال بشر بن أبي خازم الأسدي:
صبرنا عن عشيرتنا فبانوا ... كما صبرت خزيمة عن جذام
وكانوا قومنا فبغوا علينا ... فسقناهم إلى البلد الشآمي
وقال الكميت ين زيد الأسدي:
وأم جذام كان ظئار قومٍ ... على قوم وعطف ذوي العقول
ألجتهم مباعدةٌ وكانوا ... بني الهواس في الظلم المصول
فباتوا في بني أسد عليهم ... مجازٌ من خزيمة ذي القبول
وقال أبو اليقظان البصري: رد مروان بن محمد جذام في أيامه إلى بني أسد. فقال القعقاع الطائي:
ما كنت أحسب أن يمتد بي أجلي ... حتى تكون جذام في بني أسد
فأصبحت فقعسٌ تدعى إمامهم ... يا للرجال لريب الدهر ذي النحد
والبيض لخم وكانوا أهل مملكة ... شم العرانين لا يسقون من ثمد
(1/15)
________________________________________
وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده، قال: قام روح بن زنباع الجذامي مقاما انتمى فيه إلى خزيمة بن مدركة، ودعا جذام إلى الدخول في بني أسد. فبلغ ذلك نائل بن قيس بن زيد بن حباء الجذامي، فأقبل مسرعا وهو يقول: أين هذا الفاجر الغادر روح بن زنباع؟ فقيل: ههنا. فرد عليه قوله. وكان نائل شيخاً، وروح شابا. وجعل يقول: أتعرف هذا النسب؟ نحن بنو قحطان وفرق إلياس. وقال بعض بني أسد: ولد أسد بن خزيمة: عمرا. فولد عمرو: جذاما، ولخما، وعاملة. فقال أبو السماك الأسدي:
أبلغ جذاماً ولخما إن لقيتهم ... والقوم ينفعهم علم الذي علموا
إنا نذكركم بالله أن تدعوا ... أباكم حين جد القوم واعتزموا
لا تدعوا معشرا ليسوا بإخوتكم ... حتى الممات وإن عزوا وإن كرموا
وقالت امرأة من بني أسد:
نظرت نحو جاريتها وقالت ... ليتني قد رأيت قومي جذاما
قد أرانا ونحن حي تهامو ... ن جميع مطنبون الخياما
ثم شطت دياركم بعد قرب ... فإليكم يا قوم أهدى السلاما
وكان خزيمة الذي نصب هبل على الكعبة. فكان ذلك الصنم ينسب إليه، فيقال: " هبل خزيمة " . وولد كنانة بن خزيمة: النضر، - واسمه قيس؛ وإنما سمي النضر لجماله ونضارة وجهه. وكان كنانة يكنى أبا قيس. ويقال أبا النضر ، ونضير بن كنانة، ومالك، وملكان. وغير الكلبي يقول: ملكان، وعامر، وعمرو، والحارث، وسعد، وعوف، وغنم، ومخرمة، وجرول، وعزوان، وحذال وهم باليمن، ليسوا في قومهم - وعبد مناة. فأما أم النضر، ونضير، ومالك، وملكان، وعامر، وعمرو، والحارث، وسعد، وعوف: فبرة بنت مر بن أد. خلف عليها بع أبيه نكاح مقت. وأما أم عبد مناة فهي الذفراء. واسمها فكهة بنت هني بن بلي من قضاعة. وسميت الذفراء لطيب ريحها. وأما الباقون، فأمهم، فيما ذكر لي بعض العدويين، من قضاعة. وكان هذا العدوي يقول: هو ملكان بن كنانة. وقال الكلبي: وأخو عبد مناة لأمه، علي بن مسعود بن مازن الغساني. قتزوج عبد مناة هند بنت بكر بن وائل، فولدت له. ثم مات، فخلف عليها علي بن مسعود، فولدت له نفرا. وحضن عليٌّ ولد عبد مناة، فغلب على نسبهم، وساورا في بني علي. قال أمية بن أبي الصلت:
لله در بني علي ... أيم منهم وناكح
قال ابن الكلبي: فوثب مالك بن كنانة على علي بن مسعود فقتله. فوداه أسد بن خزيمة. وولد النضر بن كنانة: مالك، ويخلد. وبه كان يكنى النضر. وهم في بني عمرو بن الحارث بن مالك بن كنانة. وقال هشام بن محمد: كان للنضر ابن يقال له الصلت، فدرج فيما يقول أكثر العلماء. وأمه وام مالك ويخلد: عكرشة بنت عدوان - وهو الحارث - بن عمرو بن قيس عيلان. قال: وقوم من خزاعة يذكرون أنهم من بني الصلت بن النضر. منهم رهط كُثير - صاحب عزة - ين عبد الرحمن. قال كثير:
أليس أبي بالنضر أم ليس إخوتي ... بكل هجان من بني النضر أزهرا
إذا ما قطعنا من قريش قرابةً ... فأي قسى يحمل النبل ميسرا
فإن لم تكونوا من بني النضر فاتركوا ... أراكا بأذناب القرانح أخضرا
وميسرة أبو علقمة، رجل منهم. قال هشام: ولا أعرف لقول من زعم: أن الصلت يجمع خزاعة وجهاً، ولم أر عالماً إلا منكراُ لذلك. ورأيت أبي وشرقي يثبتان أن الصلت بن النضر درج. وقال بعض الشعراء يرد على كثير وهو مولى لخزاعة:
سيأتي بنو عمرو عليك وينتمي ... بهم نسبٌ في جذم غسان معرق
فإنك لا عمراً أباك لحقته ... ولا النضر إذ ضيعت شيخك تلحق
فأصبحت كالمهريق فضلة مائة ... لجارى سراب بالفلا يترقرق
(1/16)
________________________________________
وقال بعض الرواة: كان النضر قد قتل أخاه لأمه، فوداه مائةً من الإبل من ماله. فهو أول من سنها. وولد مالك بن النضر - ويكنى أبا الحارث - فهر بن مالك وفهر جماع قريش؛ والحارث، درج. وأمهما جندلة بنت عامر بن الحارث بن مضاض الجرهمي. فولد فهر بن مالك: غالب بن فهر - وبه كان يكنى - وأسد، وعوف، وجون وذئب درجوا؛ والحارث بطن، ومحارب بكن - وهما في قريش الظاهر، كانوا ينزلون ظواهر مكة؛ وقيس بن غالب - وأمهم ليلى بنت الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة. والظواهر بنو معيص بن عامر بن لؤي، وبنو تيم الأردم بن غالب، وبنو محارب بن فهر، وبنو الحارث بن فهر إلا بني هلال بن أهيب، وهم رهط أبي عبيدة بن الجراح، وإلا رهط عياض بن عبد غنم، وبنى البيضاء، وباقو قريش هم قريش البطاح. وكانت قريش الظواهر تغزو وتغير. تسمى قريش البطاح الضب للزومها الحرم، ودخل بنو حسل بن عامر مكة بعد، فصاروا مع قريش البطاح. وهم رهط سهيل بن عمرو وإخوته. فأما من دخل في العرب من قريش فليسوا من هؤلاء ولا هؤلاء. قال المدائني: قال مالك لابنه فهر. رب صورة تخالف الخبر، قد غرت بجمالها المختبر. قبيح فعالها فاحذر الصورة واطلب الخبر. ولا تدبر أعجاز الأمور فتفجر. فولد غالب بن فهر - ويكنى أبا تيم - لؤي بن غالب؛ وتيم بن غالب وهو الأدرم وكان ناقص الذقن، وهم بطن، وهم من قريش الظواهر أيضاً؛ وقيس بن غالب، درجوا. وكان آخر من بقي منهم رجل هلك في زمن خالد بن عبد الله القسري في ولايته مكة من قبل الوليد بن عبد الملك بن مروان. فبقي ميراثه لا يدرى من إخوته. وأم بني غالب: عاتكة بنت يخلد بن النضر. وهي إحدى العواتك اللاتي ولدن النبي صلى الله عليه وسلم ويقال بل أمهم سلمى بنت عمرو بن ربيعة بن حارثة، من خزاعة. ولبني الأردم بن غالب يقول الشاعر:
إن بني الأدرم ليسوا من أحد ... ليسوا إلى قيس وليسوا من أسد
ولا توفاهم قريش في العدد
وحدثت أن قريش الظواهر كانوا يفخرون على قريش البطاح لظهورهم للعدو، ولقائهم المناسر. وقال ضرار بن الخطاب:
نحن بنو الحرب العوان نشبها ... وبالحرب سمينا فنحن محارب
إذا قصرت أسيافنا كان وصلها ... خطانا إلى أعدائنا فنضارب
فذلك أفنانا وألقى قبائلا ... سوانا توفتهم قراع الكتائب
وروى أن لؤي بن غالب قال: من رب معروفه لم يخلق ولم يخمل، وإذا أخمل الشيء لم يذكر، وعلى من أولي معروفاً نشره وعلى المولى تصغيره وطيه. وولد لؤي بن غالب - وكنية لؤي أبو كعب - كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، وسامة بن لؤي - وأمهم ماوية بنت كعب بن القين بن جسر بن شيع الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة - وعوف بن لؤي وأمه الباردة بنت عوف بن غنم بن عبد الله بن غطفان، وخزيمة بن لؤي بطن وهم عائذة قريش، وسعد بن لؤي بطن وهم بنانة؛ والحارث وهو جشم بطن. كان جشم عبداً للؤي حضنه فغلب عليه. قالوا: وكان كعب عظيم القدر في العرب. فأرخوا بموته إعظاماً له، إلى أن كان عام الفيل فأرّخوا به. ثم أرّخوا بموت عبد المطلب. وكان كعب يخطب الناس في أيام الحج، فيقول: يا أيها الناس افهموا واسمعوا وتعلموا أنه ليلٌ ساج، ونهار ضاح، وإن السماء بناء، والأرض مهاد، والنجوم أعلام لم تخلق عبثاً، فتضربوا عن أمرها صفحا. الآخرون كالأولين. والدار أمامكم، واليقين غير ظنكم. صلوا أرحامكم، واحفظوا أصهاركم، وأوفوا بعهدكم. وثمروا أموالكم، فإنها قوام مرواتكم، ولا تصونوها عما يجب عليكم. وأعظموا هذا الحرم وتمسكوا به فسيكون له نبأ، ويبعث منه خاتم الأنبياء. بذلك جاء موسى وعيسى. ثم ينشد:
على فترة يأتي نبي مهيمن ... يخبر أخبارا عليما خبيرها
(1/17)
________________________________________
قال هشام بن محمد: وأما عوف بن لؤي، فإن أمه مضت بعد موت أبيه إلى قومها من بني غطفان بن سعد بن قيس عيلان، وعوف معها. فتزوجها سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان. فتبناه سعد. فقيل عوف بن سعد. وولد لعوف بن لؤي: مرة. فقالوا: مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض. وكان بنو غطفان انتجعوا أرضاً مخصبة. فخرجوا وتركوا عوفاً في داره التي ارتحلوا عنها. فقال عوف: لو كنت من هؤلاء ما تركت هزيلا. فركب بعيره وهو يريد اللحاق بقريش بمكة، فمر به فزارة بن ذبيان بن بغيض. فأخبره بما يريد أن يفعل. فقال فزارة:
عرج علي ابن لؤي جملك ... خلفك القوم فلا منزل لك
ومضى به معهم. فكان عمر بن الخطاب يقول: لو كنت مدعياً حياً من العرب لادعيتهم. وهرب الحارث بن ظالم المري من ملك الحيرة، حين أجار ملك الحيرة خالد بن جعفر بن كلاب، من بني عبس، فقتله الحارث وهو في جواره فطلب. وأتى عبد الله بن جدعان مستجيراً به. وكانوا إذا خافوا فوردوا على من يستجيرون به، أو جاءوا لصلح، نكسوا رماحهم حتى طمنوا، فقال الحارث بن ظالم:
رفعت الرمح إذ قالوا قريش ... وشبهت الشمائل والقبابا
فما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشعر الرقابا
وقومي إن سألت بنو لؤي ... بمكة علموا مضر الضرابا
وكانت قباب قريش من أدم، لا يضربها غيرهم بمنى. وقال:
إذا فارقت ثعلبة بن سعد ... وإخوتهم نسبت إلى لؤي
إلى نسب كريم غير مزر ... وحي هم أكارم كل حي
فإن يغضب بهم نسبي فمنهم ... قرابين الإله بنو قصي
ويقال إن الحارث بن ظالم قدم على عبد الله بن جدعان بعكاظ، وهم يريدون حرب قيس. فلذلك نكس رمحه. ثم رفعه حين عرفوه، وأمن. ويوم عكاظ من أيام الفجار، وكان لقريش. وفيه يقول ابن الزبعرى:
ألا لله قوم و ... لدت أخت بني سهم
هشام وأبو عبد ... مناف مدره الخصم
وذو الرمحين ناهيك ... من القوة والحزم
هم يوم عكاظ م ... نعوا الناس من الهزم
فهذان يذودان ... وذا من كثب يرمي
يعني هشام بن المغيرة المخزومي، وهاشم بن المغيرة ويكنى أبا عبد مناف، وذو الرمحين أبو ربيعة بن المغيرة، قاتل في هذا اليوم برمحين. قال: وأقام الحارث بمكة، حتى أتاه أمان ملك الحيرة. ثم إنه قتل أيضاً. وقال غير الحارث بن ظالم ينكر أنهم من قريش:
الا ألستم منا ولا نحن منكم ... برئنا إليكم من لؤي بم غالب
أقمنا على دفع الأعادي وأنتم ... مقيمون بالبطحاء بين الأخاشب
يقال لجبال مكة الأخاشب والحباحب. قال: وأما خزيمة بن لؤي، فكان له من الولد: عبيد، وحرب. فولد عبيد: مالك بن عبيد. فولد مالك: الحارث. وأمه عائذة بنت الخمس بن قحافة، من خثعم، فغلبت على جميع ولد خزيمة بن لؤي، فسموا عائذة قريش. وقد زعم بعض من لاعلم له أن هذا البيت قيل في عائذة قريش:
فإن تصلح فإنك عائذي ... وصلح العائذي إلى فساد
والبيت لحسان بن ثابت الأنصاري، قاله في أبيات هجا بها بعض بني عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ولم يكن لهم هجرة ولا سابقة:
فإن تصلح فإنك عائذي ... وصلح العائذي إلى فساد
وإن تفسد فما ألفيت إلا ... لئيماً لا تؤول إلى رشاد
(1/18)
________________________________________
وقال الأثرم، عن أبي عبيدة: قال حسان هذا الشعر في رفيع بن صيفي بن عابد - بدال غير معجمة - وقتل رفيع يوم بدر كافراً. وكانت عائذة قريش في بني شيبان. وكان منهم في بني محلم بن ذهل بن شيبان، خاصةً بنو حرب بن خزيمة. فلما كانت خلافة عثمان، الحقهم بقريش؛ وأنزل معاوية بني حرب هؤلاء قريةً بالشأم. فلم يزالوا بها، حتى إذا جاءت المسودة مروا بقريتهم. فقيل لهم: هذه قرية بني حرب. فظنوا أنهم بنو حرب بن أمية، فأغاروا عليهم فقتلوا أكثرهم فبقيتهم قليلة. وأما بنو سعد بن لؤي، فإنه يقال لهم بنانة، وبنانة أمهم. وهي أمة. ويقال هي بنانة بنت القين بن جسر. ويقال هي أمة حضنت عليهم، فنسبوا إليها، وليست بامهم. وكانت بنانة في بني شيبان. فقدموا على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فقال: لست أعرفكم. فقال عثمان: رأيت رهطاً منهم لقيهم أبي في الموسم، فقلت: من هؤلاء؟ فقال: قوم من قريش نأوا عنا. فقال لهم عمر: ارجعوا إلى قابل. فلما انصرفوا قتل سيدهم، وكان يكنى أبا الدهماء. فلم يرجعوا حتى قام عثمان رضي الله تعالى عنه، فأتوه، فأثبتهم في قريش. فكانوا في البادية مع بني شيبان. وكتابتهم في قريش. ومنهم نفر بالموصل. وفيهم يقول عبد الرحمن بن حسان بن ثابت:
ضرب التجيبي المضلل ضربةً ... ردت بنانة في بني شيبانا
والعائذي لمثلها متوقع ... ما لم يكن وكأنه قد كانا
يعني بالتجيبي كنانة بن بشر بن عتاب السكوني، أحد يني تجيب. وأما بنو الحارث بن لؤي، وهم جشم لأنه حضنهم عبد للؤي يقال له جشم. فنسبوا إليه. وقيل بنو جشم، فكانوا زماناً في عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار، ثم في بني هزان بن صباح، وهم أشراف عنزة. وقال جرير بن عطية بن الخطفي:
بني جشم لستم لهزان فانتموا ... لفرع الروابي من لؤي بن غالب
ولا تنكحوا في آل ضور نساءكم ... ولا في شكيس بئس حي الغرائب
قال ابن الكلبي: هو شكس بن الأسود، واضطره الشعر فقال في شكيس. ويروى شكيس تصغير شكس، ويقال أيضاً لبني الحارث هؤلاء عقيدة، برجل منهم يقال له عقيدة بن وهب بن الحارث بن لؤي. وقالت امرأة ناكح في بني جشم هؤلاء:
ألا إنني أنذرت كل غريبة ... بني جشم يا شر مأوى الغرائب
فإنكم من منصب تعلمونه ... سوى أن يقولوا من لؤي بن غالب
فعودوا إلى هزان مولى أبيكم ... ولا تذهبوا في الترهات السباسب
وقال الشاعر:
بنانة في بني عوف بن حرب ... كما لز الحمار إلى الحمار
وعائذة التي تدعى قريشاً ... وما جعل النحيت إلى النضار
وأما سامة بن لؤي، فإنه وكعب بن لؤي أخاه جلسا على لشراب. ففقأ سامة إحدى عيني كعب، وخرج هارباً. فأتى عمان، فتزوج ناجية بنت جرم بن ربان - وهو علاف - بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. فيقال إن سامة ركب بعيراً له بعمان، وأرخى رأسه. فجعل يرعى. فوقع فم البعير على حشيشة تحتها أفعى. فنهشته في مشفره، فنفضها. فوقعت على سامة، فنهشته في ساقه فقتلته. فقال الشاعر:
عين بكي لسامة بن لؤي ... حملت حتفه إليه الناقة
عين بكي لسامة بن لؤي ... علقت ما بساقه العلاقة
قال هشام: فأخبرني أبي، عن عدة، عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، أنه قال: سامة حق؛ أما العقب فليس له. قال هشام: وأما من ثبت العقب لسامة، فإنهم يقولون: كان له بمكة ابن يقال له الحارث، وأمه هند بنت تيم الأدرم بن غالب. فماتت هند. فحمل الحارث معه إلى عمان. وتزوج سامة ناجية بعمان، أو بسيف من أسياف البحر، فولدت له غالب بن سامة. فهلك وهو ابن اثنتي عشرة سنة. وخلف الحارث على ناجية نكاح مقتٍ، فعقب سامة منه.
وقوم يقولون: كان لناجية ولد من غير سامة، وكان سامة متبنياً له. فنسب إليه. فالعقب لذلك الولد. وقال بعضهم: إن سامة شرب مع أخيه كعب. فرأى كعباً قد قبل امرأته. فانف من ذلك، فهرب إلى عمان. فقال الشاعر في ذلك، وهو المسبب بن علس:
وقد كان سامة في قومه ... له أكلٌ وله مشرب
فساموه خسفا فلم يرضهم ... وفي الأرض من خسفهم مهرب
(1/19)
________________________________________
من قال إنه تزوج ناجية بنت جرم بتهامة، فقد غلط. فولد كعب بن لؤي - ويكنى أيا هصيص - مرة بن كعب، وهصيص وأمه مخشية بنت شيبان بن محارب بن فهر، وعدي بن كعب وأمهما رقاش بنت ركبة بن بلبلة بن كعب بن حرب بن تيم بن سعد بن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان. فولد مرة بن كعب - ويكنى أبا يقظة - كلاب بن مرة، وأمه هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة، ويقظة بن مرة، وتيم بن مرة، وأمهما أسماء بنت سعد بن عدي بن حارثة، من بارق من الأزد. وقال غير الكلبي: اسم أم كلاب: نعم بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك. وقول الكلبي أثبت. فولد كلاب بن مرة - ويكنى أبا زهرة - زيد بن كلاب وهو قصي، وزهرة بن كلاب، وأمهما فاطمة بنت سعد بن سيل - وهو خير - بن حمالة بن عوف بن غنم بن عامر الجادر، من الأزد. وبعضهم يقول حماله، بالكسر. وقال هشام: يزعم بنو عبد الرحمن بن عوف أن اسم زهرة المغيرة، وأن كلابا كان يكنى أبا المغيرة. وكان يقال صريحا قريش ابنا كلاب. وزعم هشام والشرقي أن عامر بن عمرو بن جعثمة بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر بن الأزد، بنى جداراً للكعبة وهى من سيل أتى في أيام ولاية جرهم البيت، فسمي الجادر. قال هشام: وذكر الشرقي بن القطامي أن الحاج كانوا يتمسحون بالكعبة، ويأخذون من طيبها وحجارتها تبركاً بذلك؛ وأن عامراً هذا كان موكلاً بإصلاح ما شعث من جدرها، فسمى الجادر. قالوا: وكان سعد بن سيل وقومه مع بني كنانة. وفي سعد يقول الشاعر:
ما أرى في الناس طرا رجلاً ... حضر البأس كسعد بن سيل
فارس اضطر فيه عسرةٌ ... وإذا ما وافق القرن نزل
وتراه يطرد الخيل كما ... يطرد الحر القطامي الحجل
وكان سعد بن سيل، فيما يقال، أول من حلى السيوف بالفضة والذهب. وكان أهدى إلى كلاب مع ابنته فاطمة سيفين محليين. فجعلا في خزانة الكعبة. وقال قصي:
أنا الذي أعان فعلي حسبي ... وخندف أمي وإلياس أبي
(1/20)
________________________________________
قالوا: وإنما سمى زيد بن كلاب قصيا لأن ربيعة بن حرام بن ضنة بن عبد بن كبير بن عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة قدم مكة حاجاً فأقام بها، فلما مات كلاب بن مرة، خلف على امرأته فاطمة بنت سعد بن سيل. وكانت قد ولدت لكلاب: زهرة زيدا؛ وكان زيد حين مات أبوه صبياً صغيراً، ثم إن ربيعة خرج إلى بلاد قومه، وحمل فاطمة وزيداً ابنها معه. وتخلف زهرة بمكة. فسمي زيد قصياً لبعده من دار قومه، وأنه أقصى عنهم. وولدت فاطمة لربيعة بن حرام: رزاح بن ربيعة، وحن بن ربيعة. فهما أخوا قصي لأمه. ويقال إن أخا قصي لأمه منهما رزاح بن ربيعة؛ وإن حن بن ربيعة من امرأة سوى فاطمة. وإن قصياً خرج من بلاد عذرة حتى أتى مكة. حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: لما بلغ قصي، جهزته أمه وزينته، فخرج مع حجاج عذرة، حتى أتى مكة. فعرفت له قريش قدره وفضله، وأعظمته حتى أقرت له بالرئاسة والسؤدد. وكان أبعدها رأيا، وأصدقها لهجة، وأوسعها بذلا، وأبينها عفافا. وكان أول مال أصابه مال رجل قدم مكة بأدم كثير، فباعه. وحضرته الوفاة، ولا وارث له، فوهبه له، ودفعه إليه. وكانت خزاعة مستولية على الأبطح والبيت، وكانت قريش تحل الشعاب والجبال وأطراف مكة وما حولها. فخطب قصي إلى حليل بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة - وهو لحي - ابنته حبى بنت حليل. فزوجه إياها. وكان حليل يتولى أمر البيت، ويتقلد رئاسة خزاعة يومئذ. فلما كبر وضعف، دفع مفاتيح الكعبة إلى ابنته حبى. فكانت تأمر قصياً بفتحها مرة، وتأمر أخاها المخترش - وهو أبو غبشان بن حليل - بذلك أخرى. ثم مات حليل، وصارت الرئاسة إلى ابنه المخترش. فسأل قصي أن يجعل سدانة البيت إليه، ففعل. قال هشام: ويقال إن حليل بن حبشية أوصى لقصي بسدانة البيت إكراماً لابنته بذلك. ويقال إن قصياً سأل المخترش أن يجعل إليه السدانة، وبذل له ناقة كانت له ناجية؛ وزاده زق خمر. فصيرها إليه. وأن المخترش كان مضعوفاً. قالوا: ولما أخذ قصي مفاتيح الكعبة إليه، أنكرت خزاعة ذلك، وكثر كلامها فيه، وأجمعوا على محاربة قصي وقريش، وطردهم من مكة وما والاها. فبادر قصي باستصراخ رزاح بن ربيعة وأخيه حن بن ربيعة، وكان رزاح سيد قضاعة وقائدها، فسار إليه منجداً له في الدهم منها، معه أخوه حن. فقاتل قصي خزاعة وألفافها من كنانة ومن ولد الربيط وهو الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر. فلما ظهر قصي على خزاعة، أخرجها من مكة وأدخلها قريشاً وقسمها رباعا بينهم. وتولى أمر البيت. وقد كان أبقى على خزاعة بعض الإبقاء للصهر بينه وبينهم. فلما خرجوا عن مكة، وقع فيهم الوباء فمات بشر منهم. وسمى قصي مجمعاً لجمعه قريشاً وقيامه بأمرهم. ويقال إن قصياً لم يحتج إلى محاربة خزاعة، لأن رزاحا لما ورد مكة، أذعنت لقصي وهابت حربه، وخرجت عن مكة، فدخلها. قال حذافة بن غانم بن عامر القرشي ثم العدوي:
أبوكم قصي كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر
وأنتم بنو زيد وزيد أبوكم ... به زيدت البطحاء فخرا على فخر
وقال رزاح حين أنجد قصياً:
وإني في الحياة أخو قصي ... إذا ما نابه ضيمٌ أبيت
فما لبثت أن أقرت ... له بالذل لما أن أتيت
وحدثني علي بن المغيرة الأثرم، عن معمر بن المثنى أبي عبيدة، قال: كان الذي أخذ قصي البيت منه أبو غبشان، واشمه سليم بن عمرو بن بوي بن ملكان. والأول أصح وأثبت. قال أبو عبيدة: قال الناس: أخسر من صفقة أبي غبشان، وقال الشاعر:
أبو غبشان أظلم من قصي ... وأظلم من بني فهر خزاعة
فلا تلحوا قصيا في شراه ... ولوموا شيخكم إذا كان باعه
(1/21)
________________________________________
وحدثني رجل من قريش أن إياداً ملكت تهامة. ثم إن ولد مضر وخزاعة قويت عليها، فأخرجتها. فدفنت إياد الركن. وعرفت موضعه امرأة من خزاعة، فقالت لقومها: خذوا عليهم العهد أن يولوكم حجابة البيت على أن تدلوهم على الركن.. ففعلوا. فبهذا السبب وليت خزاعة الحجابة. وحدثني عباس بن هشام عن أبيه، عن ابن خربوذ وغيره، قالوا: كانت قريش قبل قصي تشرب من بئر حفرها لؤي بن غالب خارج مكة، ومن حياض ومصانع على رؤوس الجبال، ومن بئر حفرها مرة بن كعب مما يلي عرفة. فحفر قصي بئراً سماها العجول. وهي أول بئر حفرتها قريش بمكة. وفيها يقول رجاز الحاج:
تروي على العجول ثم تنطلق ... إن قصيا قد وفى وقد صدق
بالشبع للناس وري مغتبق
وقال آخر:
آب الحجيج طاعمين دسما ... أشبعهم زيد قصي لحما
ولبنا محضا وخبزا هشما
وكان قصي ربما أطعم الثريد. وقال ابن الكلبي: لما قسم قصي مكة، أنزل جميع قريش مكة. ثم إن بني كعب بن لؤي لما كثروا، أخرجوا بطونا من قريش إلى ظواهر مكة، فسموا قريش الظواهر. ويقال إن قصيا أنزل قريش البطاح داخل مكة، وأنزل قريش الظواهر مكانهم. قالوا: ولما قسم قصي مكة خططا ورباعا بين قريش، فاتسقت له طاعتهم، قل لهم: يا معشر قريش، إنكم جيران الله وسكان حرمه، والحاج أضياف الله وزوار بيته؛ فترافدوا، حتى تصنعوا لهم طعاماً وشراباً في أيام الحج، ينال منه من يحتاج إليه؛ فلو اتسع مالي لجميع ذلك، لقمت به دونكم. ففرض عليهم خرجاً للرفادة. فكانوا يخرجونه، ويأمر بإنفاقه على طعام الحاج وشرابهم. وبنى قصي داره، فسميت دار الندوة، لأنهم كانوا ينتدون فيها فيتحدثون ويتشاورون في حروبهم وأمورهم، ويعقدون الألوية، ويزوجون من أراد التزويج. وكان أمر قصي عند قريش دينا يعملون به لا يخالفونه. ولما مات، دفن بالحجون. فكانوا يزورون قبره ويعظمونه. وروي أن قصيا قال حين أراد إدخال قريش مكة:
فلست بحازم إن لم تأثل ... بها أولاد قيذر والنبيت
يعني ولد إسماعيل عليه السلام. وقوله بها، يعني مكة. وولد قصي - ويكنى أبا المغيرة - عبد مناف، واسمه المغيرة، وكان يدعى القمر لجماله. وجعلته أمه حبى بنت حليل خادما لمناف، وهو أعظم أصنامهم عندهم، تدينا بذلك وتبركا به. فسماه أبوه عبد مناف. وزعموا أنه وجد كتاب في حجر: أن المغيرة بن قصي أوصى قريشا بتقوى الله وصلة الرحم. وكان عبد مناف وعمرو بن هلال بن معيط الكناني عقدا حلف الأحابيش. والأحابيش بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وبنو المصطلق من خزاعة، وبنو الهون بن خزيمة. وكانوا مع قريش. فقال الشاعر:
إن عمرا وإن عبد مناف ... جعلا الحلف بيننا أسبابا
(1/22)
________________________________________
وعبد الله بن قصي، وهو عبد الدار؛ وعبد العزى، وعبد قصي. وأمهم جميعاً حبى بنت حليل بن حبشية بن سلول الخزاعى. فكان قصي يقول: ولد لي أربعة بنين، فسميت ابنين منهم بإلهي، وواحد بداري، وواحد بي. وكان يقال لعبد بن قصي. عبدة وهند بنت قصي، تزوجها عبد الله بن عمار الحضرمي. وكان قصي شديد الحب لعبد الدار. وكان عبد الدار مضعوفا. فجعل له بعده دار الندوة، والحجابة، واللواء، والرفادة، والسقاية. فأما دار الندوة فلم تزل له ولولده، حتى باعها عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، من معاوية بن أبي سفيان، فجعلها داراً للإمارة بمكة. وأما الحجابة، فكانت له، ثم صارت بعده إلى عثمان بن عبد الدار، ثم إلى عبد العزى بن عثمان، ثم إلى ابنه أبي طلحة واسمه عبد الله بن عبد العزى، ثم إلى طلحة بن أبي طلحة. فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، أراد دفع المفتاح إلى عمه العباس. فأنزل الله عليه " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " الآية. فدفع المفتاح إلى عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، وكان أسلم في صفر سنة ثمان، وأقام بالمدينة وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم مكة. ثم قام بالحجابة ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة. فالحجابة فيهم. وأما اللواء، فإنه لم يزل في بني عبد الدار حتى كان لواء المشركين يوم بدر مع طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار؛ وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مصعب الخير بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي. وكان لواء المشركين يوم أحد أيضاً مع طلحة بن أبي طلحة، فقتله علي بن أبي طالب عليه السلام؛ فقال الحجاج بن علاط:
لله در مذبب عن حرمة ... أعني ابن فاطمة المعم المخولا
جاءت يداك لهم بعاجل طعنة: تركت طليحة للجبين مجدلا
وشددت شدة بازل فكشفتهم ... بالسيف إذ يهوون أخول أخولا
وعللت سيفك بالدماء ولم تكن ... لترده حران حتى ينهلا
ثم أخذ اللواء بعده أبو سعد بن أبي طلحة، وقمن النساء خلفه وهن يقلن:
ضرباً بني عبد الدار ... ضربا حماة الأدبار
فقتله سعد بن أبي وقاص. ثم أخذه عثمان بن أبي طلحة، وهو أبو شيبة بن عثمان، وجعل يقول:
إن على كل رئيس حقا ... أن يخضب الصعدة أو تندقا
فقتله حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه، ضربه ضربة بدا منها حقوه. ثم رجع وهو يقول: أنا ابن ساقي الحجيج. ثم حمله مسافع بن طلحة بن أبي طلحة، فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري، ثم أخذه أخوه الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة. فرماه عاصم بن ثابت الأوسي أيضاً، فقتله. فلما أحس بالموت، دفع اللواء إلى أخيه كلاب بن طلحة بن أبي طلحة، فرماه قزمان حليف بني ظفر من الأنصار فقتله. فأخذه الحارث بن طلحة بن أبي طلحة، فقتله قزمان أيضاً. وكان قزمان منافقاً، فقاتل حميةً. ثم أخذه شرحبيل بن هاشم، ويقال هو عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، فقتله مصعب بن عمير. فأخذ اللواء منه زرارة بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار؛ وبعضهم يقول يزيد بن عمير. فقتله قزمان. ثم أخذ قاسط بن شريح بن عثمان بن عبد الدار؛ ويقال قاسط بن شريح بن هاشم بن عثمان بن عبد الدار. فقتله قزمان. ثم أخذه مولى لهم، يقال له صواب، حبشي. فقطعت يمينه، قطعها قزمان. فأخذ بيساره، فقطعت. فالتزم القناة وهو يقول: أعذرت يا بني عبد الدار. يريد أعذرت يا بني عبد الدار، وكان أعجمياً. فرماه قزمان، فقتله. ووقع اللواء، وتفرق المشركون. فأخذته عمرة بنت الحارث بن علقمة بن زرارة بن عبد مناف بن عبد الدار. فقال فيه حسان بن ثابت الأنصاري:
عمرة تحمل اللواء وولت ... عن صدور القنا بنو مخزوم
لم تطق حمله الزعانف منهم ... إنما يحمل اللواء الكريم
فلما أسلم بنو عبد الدار، قالوا: يا نبي الله، اللواء إلينا. فقال صلى الله عليه وسلم: الإسلام أوسع من ذلك. فبطل اللواء. ولما قتل مصعب بن عمير، ومعه لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم، اخذ اللواء مالك، تشبه بمصعب حتى دخل المدينة. ويقال أخذه أبو الروم أخوه، وكان من مهاجرة الحبشة، فدخل به المدينة. وقال حسان بن ثابت:
(1/23)
________________________________________
فخرتم باللواء وشر فخر ... لواء الكفر رد إلى صؤاب
جعلتم فخركم جهلا وجبنا ... لألأم واطىء عفر التراب
وأما الرفادة والسقاية، فإنهما لم تزالا في حياة قصي إلى عبد بن قصي. ثم صارتا إلى عبد الدار بن قصي، حتى عظم شأن بني عبد مناف بن قصي. فقالوا: نحن أولى بما يتولاه بنو عبد الدار منهم، فجمعوا من مال إليه وعرف فضلهم. وهم: بنو أسد بن عبد العزى بن قصي، وبنو زهرة بن كلاب، وبنو تيم بن مرة بن كعب، ومن كان داخل مكة من بني الحارث بن فهر وهم قوم أبي عبيدة بن الجراح، وأتوا بإناء فيه طيب، فغمسوا أيديهم فيه ومسحوها بالكعبة، وتحالفوا أن لا يسلم بعضهم بعضاً ما بل بحر صوفة. ويقال إنهم تحالفوا وتعاهدوا في منزل ابن جدعان. فسموا المطيبين. وحالف بني عبد الدار، على منع المطيبين من نشبتهم وإرادتهم: بنو مخزوم، وبنو جمح، وبنو سهم، وبنو عدي بن كعب. واجتمعوا. فقالت: بنو عدي: إنما الطيب لربات الحجال. وأتو بجفنة فيها دم، فغمسوا أيديهم فيها. وكانت العرب إذا تحالفت، غمست أيديهم في الملح والرماد. فسمى بنو عدى بها لعقة الدم، وولغة الدم. ويقال إن بعضهم لعق من الدم. فيقال إن الفريقين من المطيبين والأحلاف اقتتلوا، ثم اصطلحوا على أن جعلت الرفادة والسقاية لبني عبد مناف. ويقال إنهم لم يقتتلوا، ولكن الرجال سفرت بينهم حتى تراضوا بهاتين المكرمتين. فاحتملت بنو عبد مناف أعظم الأمور مؤونة. وسمي من حالف بني عبد الدار الأحلاف. قال عبد الله بن وداعة السهمي:
نحن شددنا الحلف من غالب ... وغالب واقفةٌ تنظر
لم يستطيعوا نقض أمر أرن ... وهم على ذاك بنا أخبر
وزعموا أن عبد الله بن صفوان قال لابن عباس: لإمرة المطيبين كانت افضل أم إمرة الأحلاف. فقال: إمرة المطيبين. يعني خلافة أبي بكر أفضل من خلافة عمر. وقال عمر بن أبي زمعة، ويقال يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ويقال ابن قيس الرقيات:
ولها في المطيبين جدود ... ثم نالت ذوائب الأحلاف
وإنها بين عامر بن لؤي ... حين تدعى وبين عبد مناف
يشرئبون في الذؤابة حلوا ... حيث حلت ذوائب الأشراف
(1/24)
________________________________________
قالوا: ولما كان يوم أحد، لقي زيد بن الخطاب، أخو عمر، أبا جهم بن حذيفة بن غانم. فقال له أبو الجهم: أنا والغ الدم. فقال له زيد، قد أتاك والغ مثلك. قالوا: واقترع بن عبد مناف على الرفادة والسقاية، فصارتا لهاشم بن عبد مناف. ثم صارتا بعده للمطلب بن عبد مناف بوصية. ثم لعبد المطلب، ثم للزبير بن عبد المطلب، ثم لأبي طالب. ولم يكن له مال، فادان من أخيه العباس بن عبد المطلب عشرة آلاف درهم. فأنفقها. فلما كان العام المقبل، سأله سلف خمسة عشر ألف درهم؛ ويقال أربعة عشر ألف درهم. فقال له: إنك لم تقضني مالي عليك، وأنا أعطيك ما سألت على أنك إن لم تدفع إلي جميع مالي في قابل فأمر الرفادة والسقاية إلي دونك، فأجابه إلى ذلك. فلما كان الموسم الثالث، ازداد أبو طالب عجزاً وضعفاً، ولم تمكنه النفقة، وأعدم حتى أخذ كل رجل من بني هاشم ولداً من أولاده ليحمل عنه مؤونته. فصارت الرفادة والسقاية إلى العباس، وأبرأ أبا طالب مما له عليه. وكان يأتيه الزبيب من كرم له بالطائف، فينبذ في السقاية. ثم جعل الخلفاء الرفادة من بيت المال. فقام بالرفادة والسقاية، بعد العباس، عبد الله بن عباس، ثم علي بن عبد الله، ثم محمد بن علي، ثم داود بن علي، ثم سليمان بن علي، ثم عيسى بن علي. ثم لما استخلف المنصور، قال: إنكم لا تلون هذا الأمر بأبدانكم، وإنما تقلدونه مواليكم؛ فأمير المؤمنين أحق بتوليته مواليه. فولى أمر السقاية، ونفقة البيت، وإطعام الحاج مولى له يقال له زريق. وحدثني الحسن بن علي الحرمازي، عن رجل من قريش، أنه قال: كان مما لحقنا من كلام قصي قوله: العي عيان، عي الإفحام، وعي المنطق بغير سدر. وقوله: الحسود عدو خفي المكان. وقوله: من سأل قوماً فوق قدره استحق الحرمان. وكان بنات قصي: برة تزوجها عمر بن مخزوم، وتخمر تزوجها عمران بن مخزوم. وأمهما حبى بنت حليل وقال الواقدي: أنزل قصي قريشا منازلها، وكان بالبلد عضاه. فقطعها، وأذن في قطعها. فاستوحشوا من ذلك فقال: إنكم ليس تريدون الفساد؛ إنما تريدون التوسعة وتسعينون على منازلكم. قال الواقدي: ويقال إنهم استأذنوه في قطع الشجر، فأباه؛ فبنوا والشجر في منازلهم. وهذا أحسن عندنا من إذن قصي في قطع الشجر، وأشبه بالحق. قال: ثم اضطروا إلى قطعه، فقطعوه بعده. وكان عبد الله بن الزبير قطع شجراً في دوره، لضيقها عليه. وولد عبد مناف بن قصي - وتكنى أبا عبد شمس - عمرو بن عبد مناف وهو هاشم. وأمه عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان، من يني سليم. وأمها ماوية بنت حوزة بن سلول. وإنما سمي هاشماً، لأنه هشم لهم الخبز. حدثني عباس بن هشام بن الكلبي، عن أبيه، عن جده، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: أصابت قريشاً سنة ذهبت بأموالهم وأقحطوا فيها. وبلغ هاشما ذلك وهو بالشأم. وكان متجره بغزة وناحيتها. فأمر بالكعك والخبز، فاستكثر منهما. ثم حملا في الغرائر على الإبل، حتى وافى مكة. فأمر بهشم ذلك الخبز والكعك، ونحرت الإبل التي حملت. فأشبع أهل مكة وقد كانوا جهدوا. فقال عبد الله بن الزبِعرى - وقال بعضهم: الزبَعرىَ، والأول أصح - :
عمرو العلى هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
وهو الذي سن الرحيل لقومه ... رحل الشتاء ورحلة الأصياف
وقال وهب بن عبد قصي:
تحمل هاشمٌ ما ضاق عنا ... وأعيا أن يقوم بن ابن بيض
فأوسع أهل مكة من هشيم ... وشاب الخبز باللحم الغريض
(1/25)
________________________________________
قال ابن الكلبي: ابن بيض رجل من قوم عاد، كان يقال له ثوب بن بيض، نزل به قوم فنحر لهم جزورا سدت طريقاً كانت تسلك إليه في واد. فقيل: سد ابن بيض السبيل، فذهبت مثلاً، ويقال إن ابن بيض هذا كان موسرا مكثرا، وكان قد صولح على خرج، وجعل على نفسه شيئاً لقوم يعطيهم إياه لوقت. فكان يخرج ذلك الشيء، ويجعله في فم شعب كان يدخل إليه منه. فإذا جاء من يقبض ذلك، قالوا: سد ابن بيض السبيل؛ أي قضى ما عليه. وروي عن يونس النحوي البصري أنه قال: يقال للرجل الشريف الواضح النسب ابن بيض، كما يقال ابن جلاء. وكان هاشم بن عبد مناف صاحب إيلاف قريش الرحلتين، وأول من سنهما. وذلك أنه أخذ لهم عصماً من ملوك الشأم، فتجروا آمنين. ثم إن أخاه عبد شمس اخذ لهم عصما من صاحب الحبشة، وإليه كان متجره. وأخذ لهم المطلب بن عبد مناف عصما ن ملوك اليمن. وأخذ بهم نوفل بن عبد مناف عصما من ملوك العراق. فألفوا الرحلتين في الشتاء إلى اليمن والحبشة والعراق، وفي الصيف إلى الشأم. فقال الحارث بن حنش السلمي، وهو أخو هاشم لأمه عاتكة بنت مرة السلمية:
إن أخي هاشما ليس أخا واحد ... والله ما هاشم بالناقص الكاسد
والخير في ثوبه وحفرة اللاحد ... الآخذ الأف والوافد للقاعد
وقال العجير السلولي:
نحن ولدنا هاشماً والمطلب ... وعبد شمس نعم صنو المنتجب
وقال مطرود بن كعب الخزاعي:
يا أيها الرجل المحول رحله ... هلا نزلت بآل عبد مناف
هبلتك أمك لو نزلت عليهم ... ضمنوك من جوع ومن أقراف
الآخذون العهد من آفاقها ... والراحلون لرحلة الإيلاف
والمطعمون إذا الرياح تناوحت ... ورجال مكة مسنتون عجاف
والمفضلون إذا المحول ترادفت ... والقائلون هلم للأضياف
والخالطون غنيهم بفقيرهم ... حتى يكون فقيرهم كالكافي
حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده وابن خربود وغيرهما، قالوا: لما صارت الرفادة والسقاية لهاشم، كان يخرج من ماله كل سنة للرفادة مالاً عظيماً، وكان أيسر قريش، ثم يقف في أيام الحج فيقول: يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته، وإنه يأتيكم في موسمكم هذا زوار الله تبارك ذكره يعظمون حرمة بيته، وهم أضيافه وأحق الناس بالكرامة. فاكرموا أضيافه وزوار كعبته، فإنهم يأتون شعثا غبرا من كل بلد على ضوامر كالقداح قد أزحفوا، وتفلوا، قملوا، وأرملوا. فأقروهم، وأغنوهم، وأعينوهم. فكانت قريش تترادف على ذلك، حتى إن كان أهل البيت ليرسلون إليه بالشيء على قدرهم فيضمه إلى ما أخرج من ماله وما جمع مما يأتيه به الناس. فإن عجز ذلك، أكمله. حدثني عباس بن هشام، عن أبيه هشام بن محمد، قال: كان أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ذا مال. فتكلف أن يفعل كما فعل هاشم في إطعام قريش، فعجز عن ذلك. فشمت به ناس من قريش وعابوه لتقصيره. فغضب، ونافر هاشما على خمسين ناقة سود الحدق تنحر بمكة، وعلى الجلاء عشر سنين، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي، وهو جد عمرو بن الحمق، وكان منزله عسفان. وكان مع أمية أبو همهمة بن عبد العزى الفهري، وكانت ابنته عند أمية. فقال الكاهن: والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر، ما اهتدى بعلمٍ مسافر، في منجد وغائر، لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر، وأول منها آخر، وأبو همهمة بذلك خابر. فأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعم لحمها من حضر. وخرج أمية إلى الشأم فأقام عشر سنين. فتلك أول عداوة وقعت بين هاشم وأمية. وقال الأرقم بن نضلة يذكر هذه المنافرة ويذكر تنافر عبد المطلب وحرب بن أمية:
لما تنافر ذو الفضائل هاشم ... وأمية الخيرات نفر هاشم
وقال أيضاً:
وقبلك ما أردى أمية هاشمٌ ... فأورده عمرو إلى شر مورد
وولد عبد مناف، سوى هاشم، عبد شمس بن عبد مناف، والمطلب ويدعى الفيض. وفيه يقول مطرود الخزاعي حين مات:
قد سغب الحجيج بعد المطلب ... بعد الجفان والشراب المنثعب
(1/26)
________________________________________
وأم هاشم وعبد شمس والمطلب: عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور. ونوفل بن عبد مناف، وأبا عمرو واسمه عبيد درج؛ وأمهما واقدة بنت أبي عدي. من بني مازن بن صعصعة بن معاوية. وكان يقال لهاشم والمطلب البدران. وكان لعبد مناف من البنات. من عاتكة: تماضر، تزوجها عبد مناف بن عبد الدار؛ وحية تزوجها عمرو بن ظويلم، أحد بني دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر؛ وقلابة، تزوجها عبد العزى بن عامر الفهري؛ وهالة، وهي أم الأخثم، وفي الأخثم يقول الشاعر:
أبشر بخير حين تلقى عامرا ... نشوان يبرق وجهه كالدرهم
لما رآني عاريا ذا خلة ... ألقى علي رداءه ابن الأخثم
تزوجها عمرو بن خالد بن أمية بن ظرب الفهري، ويقال تزوجها خالد بن عامر بن أمية بن ظرب. وبرة، تزوجها سبع بن الحارث الثقفي؛ وريطة بنت عبد مناف، وأمها النافذة، تزوجها هلال بن معيط بن عامر الكناني. وقال مطرود بن كعب الخزاعي في ولد عبد مناف:
يا ليلة هيجت ليلاتي ... إحدى ليالي القسيات
إن المغيرات وأبناءهم ... لخير أحياء وأموات
أخلصهم عبد مناف فهم ... من لوم من لام بنمجاة
قبر بردمان وقبر بسل ... مان وقبر عند غزات
وميتٌ مات قريبا من ال ... حجون عن شرق البنيان
يعني بالمغيرات ولد المغيرة، وهو عبد مناف، كما قال النابغة:
شاق الرفيدات من عودي ومن عمم ... وماش من رهط ربعي وحجاز
يريد ولد رفيدة بن ثور بن كلب؛ وعودي وعمم ابنا نمارة بن لخم، وربعي وحجاز من ولد الحارث أخي عذرة بن سعد: ربعي بن عامر، حجاز بن مالك. وأما ردمان ففي ناحية اليمن، وسلمان في طريق العراق، وغزة بالشأم. فالذي بردمان، المطلب؛ والذي بسلمان، نوفل؛ والذي بغزة، هاشم؛ والذي مات بمكة ودفن بقرب الحجون، عبد شمس. وقال مطرود أيضاً:
كانت قريش بيضةً فتفلقت ... فالمح خالصه لعبد مناف
فحدثني الوليد بن صالح، عن الواقدي، عن زيد بن عياض، عن يزيد بن أسلم، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع جاريةً تنشد:
كانت قريش بيضةً فتفلقت ... فالمح خالصه لعبد الدار
فقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: " يا أبا بكر أهكذا قال الشاعر؟ " قال أبو بكر: لا، إنما قال: لعبد مناف. قال: كذلك قال: قال: ومات هاشم بغزة من بلاد الشأم، فقبره بها. وقدم بتركته ومتاعه أبو رهم بن عبد العزى بن أبي قيس، من بني عامر بن لؤي. وكان لهاشم يوم مات خمس وعشرون سنة. وذلك الثبت. ويقال عشرون سنة. وقال مطرود يرثيه:
مات الندى بالشأم لما أن ثوى ... فيه بغزة هاشم لا يبعد
لا يبعدن رب الفناء نعوده ... عود السقيم يجود بين العود
فجفانه رذمٌ لمن ينتابه ... والنصر منه باللسان وباليد
وقال أبو عبيدة: أم هاشم والمطلب وعبد شمس بني عبد مناف: عاتكة بنت مرة، وأمها سلولية وأم نوفل بن عبد مناف: واقدة بنت أبي عدي، من بني مازن بن صعصعة. وهي أم أبي عمرو، واسمه عبيد بن عبد مناف، درج.
نسب بني هاشم بن عبد مناف
بن قصي بن كلاب:
(1/27)
________________________________________
فولد هاشم بن عبد مناف - ويكنى أبا نضلة: شيبة الحمد. وهو عبد المطلب. وكان سيد قريش حتى هلك. وأمه سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، من الأنصار. حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي في اسناده وعباس بن هشام عن ابيه عن جده وغيره قالوا: كان هشم بن عبد مناف يختلف إلى الشأم في التجارة. فإذا مر بيثرب، نزل على عمرو بن زيد بن لبيد، وكان صديقاً لأبيه وله. فنزل به في سفرة من سفراته وقد انصرف من متجره، فرأى ابنته سلمى بنت عمرو، فأعجبته. وكانت قبل عند أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبا الأوسي، فمات عنها وقد ولدت ولدين، هلكا؛ وهما عمرو ومعبد ابنا أحيحة. فخطبها، فأنكحه إياها، واشترط عليه أن لا تلد إلا في أهلها. فنقلها هاشم معه إلى مكة. فلما حملت، ودنا ولادها، أتى بها منزل أبيها بيثرب، فخلفها، ومضى إلى الشام في تجارته. فمات بغزة من فلسطين. وولدت سلمى شيبة الحمد. وسمته بذلك لشيبة كانت في رأسه.ويقال لشيبات كن حول ذؤابته. وقيل له عبد المطلب، لأنه لما ترعرع بالمدينة، وأتت له سبع أو ثماني سنين، بلغ عمه المطلب بن عبد مناف خبره في لبسه ونظافته وشبهه بهاشم أبيه، فاشتاق إليه، وركب حتى أتى المدينة، فوافاه وهو يرمي مع الصبيان. فلما أصاب، قال: أنا ابن هاشم، أنا ابن سيد البطحاء. فقال له: من أنت يا غلام. قال: أنا شيبة بن عبد مناف. قال: وأنا عمك المطلب بن عبد مناف؛ وقد جئت لحملك إلى بلدك وقومك ومنزل أبيك وجوار بيت الله إن طاوعتني. وجعل يشوقه إلى مكة. فقال: يا عم، أنا معك. وقال له رجل من بني النجار: قد علمنا أنك عمه؛ فإن أحببت فاحمله الساعة قبل أن تعلم أمه، فتدعونا إلى منعك منه فنمنعك. فانطلق به معه، حتى أدخله مكة وهو ردف له. فكان لا يمر بمجلس من مجالس قريش إلا قالوا له: من هذا الغلام معك يا أبا الحارث؟ فيقول: عبد لي ابتعته. ثم أدخله منزله، فكساه. وأخذته امرأته خديجة بنت سعيد بن سعد بن سهم، فنظفته وطيبته وألبسته كسوة عمه. وأخرج إلى الندي. فجعل أهل مكة يقولون: هذا عبد المطلب. فغلب ذلك على اسمه. وقال المطلب بن عبد مناف:
وافيت شيبة والنجار قد جعلت ... أبناءها عنده بالنبل تنتضل
وقالت سلمى أمه:
كنا ولاة حمه ورمه ... حتى إذا قام على أتمه
انتزعوه غيلةً من أمه ... وغلب الأخوال حق عمه
وقال المطلب:
يا سلم يا أخت بني النجار ... ما ابن أخي بالهين المعار
فاقني حياءً ودعي التماري ... إني ورب البيت ذي الأستار
لو قد شددت العيس بالأكوار ... قد رام وسط النفر السفار
حتى يرى أبيات عبد الدار
وكان عبد المطلب يكثر زيارة أخواله ويبرهم. وحدثني عباس، عن أبيه، عن جده قال: كان عبد المطلب أول من خضب بالوسمة لأن الشيب أسرع إليه. فدخل على بعض ملوك اليمن، فأشار عليه بالخضاب. فغير شعره بالحناء، ثم علاه بالوسمة. فلما انصرف وصار بقرب مكة، جدد خضابه. وكان قد تزود من الوسمة شيئاً كثيراً. فدخل منزله وشعره مثل حلك الغراب. فقالت امرأته نتيلة، وهي أم العباس، يا شيب، ما أحسن هذا الصبغ لو دام فعله. فقال عبد المطلب:
لو دام لي هذا السواد حمدته ... فكان بديلا من شباب قد انصرم
تمتعت منه والحياة قصيرة ... ولا بد من موتٍ نتيلة أو هرم
وماذا الذي يجدي على المرء خفضه ... ونعمته يوماً إذا عرشه انهدم
ثم إن أهل مكة خضبوا بعده. وقال الكلبي: حج قوم من جذام، ففقدوا رجلاً منهم اغتيل بمكة، ولقيهم حذافة بن غانم العدوي فربطوه. وقدم عبد المطلب من الطائف، وقد كف بصره، وأبو لهب يقود به، فهتف به حذافة. فأتاهم. فقال: قد عرفتم تجارتي وكثرة مالي؛ وأنا أحلف لكم لأعطينكم عشرين أوقيه ذهباً، أو عشرا من الإبل، وغير ذلك مما يرضيكم، وهذا ردائي رهن بذلك. فقبلوا منه، وأطلقوا حذافة. فأردفه، حتى أدخله مكة، ووفى لهم عبد المطلب بما جعل لهم. فقال:
أخارج أم أهلكن فلا يزل ... لشيبة منكم شاكرا آخر الدهر
وأولاده بيض الوجوه وجوههم ... تضيء ظلام الليل كالقمر البدر
(1/28)
________________________________________
لهو لهم خير الكهول ونسلهم ... كنسل الملوك لا قصار ولا خدر
لساقي الحجيج ثم للشيخ هاشم ... وعبد مناف ذلك السيد الفهري
أبوكم قصي كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر
أبو عتبة الملقي إلي حباله ... أغر هجان اللون من نفر غر
ويروي أبوالحارث، وهو أصح.
قصة الفيل
قالوا: كان أبرهة الأشرم أبو يكسوم قتل حبشياً كان غلب على اليمن، وصار مكانه. فرأى العرب باليمن يتأهبون في وقت الحج. فسأل عن أمرهم. فقيل إنهم يريدون بلدا يقال له مكة، وبه بيتٌ لله يتقربون إليه بزيارته. فبنى بيتاً بصنعاء كثير الذهب والجوهر، وحمل من قبله من العرب على أن يحجوه ويصنعوا عنده كصنيعهم عند الكعبة. فاحتال بعض العرب لسدنته، حتى أسكرهم؛ ثم أتى بجيف ومحائض فألقاها فيها، ولطخ قبلته، وكانت على المشرق، بعذرة. فغضب أبرهة أشد غضب، وقال: والمسيح! لأغزون بيت العرب الذي يحجون إليه. فبعث إلى النجاشي: إني عبد ك، وكل ما حويته من هذا البلد فهو لك، ومن مملكتك. وأهدى إليه هدايا، وسأله أن يبعث إليه بفيل له عظيم كان يلقى به عدوه إذا احتشد. فبعث إليه بذلك الفيل وبجيش. ثم إن الأشرم نهض نحو البيت، والفيل في مقدمته؛ ودليله النفيل بن حبيب الخثمعي. فلما انتهى إلى قرب الحرم، برك الفيل بالمغمس، فلم يحرك. ونخس بالرماح، فلم ينهض. ثم بعث الله على الجيش طيراً، مع كل طير ثلاثة أحجار. فألقتها عليهم، فلم ينج منهم شغر. وقد كان الحبشي لما قرب مكة، بث قوماً ممن معه للغارة؛ منهم رجل يقال له الأسود بن مقصود. فاطردوا إبلاً لعبد المطلب. فأتى عبد المطلب الحبشي وهو في قبة له بالمغمس. وكان قائد الفيل صديقاً له، فأدخله إليه وأخبره بشرفه. وكان عبد المطلب رجلاً جميلاً طويلاً، له غديرتان، أهدب الأشفار، دقيق العرنين أشمه، رفيق البشرة، سهل الخدين. فأكرمه الحبشي وأجله، وسأله عن حاجته. فقال: إبلي. فأمر بردها، وقال: ما ظننتك جئتني إلا في أمر البيت. فقال عبد المطلب: إن للبيت ربا سيمنعه ويحميه. وكان عبد المطلب وعمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم يطعمان الناس بمكة كل يوم، والحبشي مظلهم، وقد هرب جل أهل مكة خوفاً وإشفاقاً. قال عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو عائذ:
أنت حبست الفيل بالمغمس ... من بعد ما كان بغير مجلس
أنت الجليل ربنا لم تدنس
وقال عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ويقال بل قالها أبو عكرمة عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، يقال عكرمة وذلك غلط:
لا هم أخر الأسود بن مقصود ... الآخذ الهجمة ذات التقليد
بين حراءٍ فثبيرٍ فالبيد ... اخفر به رب وأنت محمود
وقال عبد المطلب:
يا رب إن المرء يمن ... ع رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم غدواً محالك
فلئن فعلت فربما ... أولى فآمر ما بدا لك
ولئن فعلت فإنه ... أمر تتم به فعالك
وكان قدوم الفيل وحبس الله إياه للنصف من المحرم، وذلك قبل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهربن إلا أياماً. وقال عبد المطلب في غير هذا المعنى:
لا تحسبي شيم الفتيان واحدةً ... بكل رحل لعمري ترحل الناقه
إني إذا المرء شانته خليقته ... ألفيتني جلدتي بيضاء براقه
وخير ما يفعل الفتيان أفعله ... وإنما يتبع الإنسان أعراقه
وقال عبد المطلبك
قلت والأشرم تردى خيله ... إن ذا الأشرم غرٌّ بالحرم
رامه تبع فيمن جمعت ... حمير والحي من آل قدم
فانثنى عنه وفي أوداجه ... جارح أمسك منه بالكظم
فخزاك الله في بلدته ... لم يزل ذاك على عهد ابرهم
(1/29)
________________________________________
حدثنا عباس بن هشام، عن أبيه، عن ابن خربوذ وغيره من علماء أهل الحجاز، قالوا: لما هلك المطلب بن عبد مناف، وكان العاضد لعبد المطلب والذاب عنه والقائم بأمره، وثب نوفل بن عبد مناف على أركاح كانت لعبد المطلب - وهي الساحات والأفنية - فغلب عليها، واغتصبه إياها. فاضطرب عبد المطلب لذلك، واستنهض قومه معه، فلم ينهض كبير أحدٍ منهم فكتب إلى أخواله من بني النجار، من الخزرج:
يا طول ليلي لأحزاني وأشغالي ... هل من رسول إلى النجار أخوالي
ينبي عدياً وديناراً ومازنها ... ومالكاً عصمة الجيران عن حالي
قد كنت فيكم وما أخشى ظلامة ذي ... ظلم عزيزا منيعاً ناعم البال
حتى ارتحلت إلى قومي وأزعجني ... لذاك مطلب عمي بترحال
وكنت ما كان حياً ناعماً جذلاً ... أمشي العرضنة جراراً لأذيالي
فغاب مطلب في قعر مظلمةٍ ... ثم انتزى نوفلٌ يعدو على مالي
أأن رأى رجلاً عابت عمومته ... وغاب أخواله عنه بلا والي
أنحى عليه ولم يحفظ له رحماً ... ما أمنع المرء بين العم والخال
فاستنفروا وامنعوا ضيم ابن أختكم ... لا تخذلوه فما أنتم بخذال
أنتم شهاد لمن لانت عريكته ... من سلمكم وسمام الأبلخ الغالي
قالوا: فقدم عليه منهم جمعٌ كثيف، فأناخوا بفناء الكعبة وتنكبوا القسي وعلقوا التراس. فلما رآهم نوفل، قال: لشر ما قدم هؤلاء. فكلموه. فخافهم، ورد أركاح عبد المطلب عليه، وزاده وأحسن إليه، واعتذر من فعله. حدثني التوزي النحوي، عن الأصمعي، قال: الأركاح متسع في سفوح الجبال؛ يقال: إن له ساحة يتركح فيها. قال ابن الكلبي: قال عبد المطلب في نصرة أخواله إياه:
ستأبى مازنٌ وبنو عديٍّ ... ودينار بن تيم اللات ضيمي
بهم رد الإله علي ركحي ... وكانوا في التناصر دون قومي
عدي، ومازن، ودينار بنو النجار، واسمه تيم الله. وقال أيضاً:
أبلغ بني النجار إن جئتهم ... أني منهم وابنهم والخميس
رأيتهم قوماً إذا جئتهم ... هووا لقائي وأحبوا حسيسي
وقال شمر بن نمر الداني:
لعمرك لأخوال الأغر ابن هاشم ... من أعمامه الأدنين أحنى وأوصل
أجابوا على نأيٍ دعاء ابن أختهم ... وقد ناله بالظلم والغدر نوفل
فما برحوا حتى تدارك حقه ... ورد عليه بعدما كاد يؤكل
جزى الله خيراً عصبةً خزرجيةً ... توافوا على برٍ وذو البر أفضل
(1/30)
________________________________________
قال هشام بن الكلبي: فلما نصر بنو الخزرج عبد المطلب، فقالت: خزاعة، وهم يومئذ كثير قد قووا وعزوا: والله ما رأينا بهذا الوادي أعظم حلماً، ولا أبعد من كل موبقة ومذنبة تفسد الرجال من هذا الإنسان - يعنون عبد المطلب ولقد نصره أخواله من الخزرج؛ ولقد ولدناه كما ولدوه وإن جده عبد مناف لابن حبى بنت حليل بن حبشية سيد خزاعة - ولو بذلنا له نصرنا وحالفناه انتفعنا به وبقومه وانتفع بنا. فأتاه وجوههم، فقالوا: يا أبا الحارث، إنا قد ولدناك كما ولدك قومنا من بني النجار؛ ونحن؛ بعد، متجاورون في الدار، وقد أماتت الأيام ما كان يكون في قلوب بعضنا على قريش من الأحقاد؛ فهلم، فلنحالفك. فأعجب ذلك عبد المطلب وقبله وسارع إليه فأجابهم إلى حلف. فأقبل ورقاء بن عبد العزى أحد بني مازن بن عدي بن عمرو بن لحي، وسفيان بن عمرو القميري، وأبو يسر، وهاجر بن عمير القميري، وهاجر بن عبد مناف بن ضاطر، وعبد العزى بن قطن المصطلقي في عدة من وجوههم، فدخلوا دار الندوة وكتبوا بينهم كتاباً. وكان عبد المطلب في سبعة نفر من بني المطلب، والأرقم بن نضلة بن هاشم، ولم يحضر أحد من بني نوفل ولا عبد شمس. فلما فرغوا من الكتاب، علقوه في الكعبة، وكان الذي كتبه لهم أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب المعلم. وتزوج عبد المطلب يومئذ لبنى بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر، فولدت له أبا لهب. وتزوج أيضاً ممتعة بنت عمرو بن مالك بن مؤمل، فولدت له الغيداق. وكانت نسخة كتابهم: باسمك اللهم، هذا ما تحالف عليه عبد المطلب بن هاشم ورجالات عمرو بن ربيعة من خزاعة ومن معهم من أسلم ومالك ابني أفصى بن حارثة تحالفوا على التناصر والمؤاساة ما بل بحر صوفه، حلفاً جامعاً غير مفرق الاشياخ على الاشياخ والاصاغر على ارصاغر والشاهد على الغائب. وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد، وأوثق عقد، ولا ينقض ولا ينكث ما شرقت شمس على ثبير، وحن بفلاة بعير، وما قام الأخشبان، وعمر بمكة إنسان، حلف أبد، لطول أمد، يزيده طلوع الشمس شداً، وظلام الليل سداً، وإن عبد المطلب وولده ومن معهم دون سائر بني النضر بن كنانة، ورجال خزاعة متكافئون، متضافرون، متعاونون. فعلى عبد المطلب النصرة لهم ممن تابعه على كل طالب وتر، في بر أو بحر، أو سهل أو وعر. وعلى خزاعة النصرة لعبد المطلب وولده ومن معهم على جميع العرب، في شرق أو غرب، أو حزن أو سهب. وجعلوا الله على ذلك كفيلاً، وكفى به حميلا. فقال عبد المطلب:
سأوصي زبيراً إن أتتني منيتي ... بإمساك ما بيني وبين عمرو
وأن يحفظ العهد الوكيد بجهده ... ولا يلحدن فيه بظلم ولا غدر
هم حفظوا الإل القديم وحالفوا ... أباك وكانوا دون قومك من فهر
وكان عبد المطلب وصى ابنه الزبير. ثم أوصى الزبير إلى أبي طالب، ثم أوصى أبو طالب إلى العباس. وقال ابن الكلبي: هذا الحلف هو الذي عناه عمرو بن سالم الخزاعي حين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
لاهم إني ناشد محمداً ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا
(1/31)
________________________________________
وحدثني العباس بن هشام، عن أبيه، عن جده محمد بن السائب الكلبي وغيره، قالوا: كان عبد المطلب من حلماء قريش وحكامها وكان نديمه حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. وكان في جوار عبد المطلب يهودي، يقال له أدينة. وكان اليهودي يتسوق في أسواق تهامة بماله، فغاظ ذلك حرباً، فألب عليه فتيانا من قريش، وقال: هذا العلج الذي يقطع إليكم ويخوض في بلادكم بمال جم كثير من غير جوار ولا خيل، والله لو قتلتموه وأخذتم ماله، ما خفتم تبعةً ولا عرض لكم أحد يطلب بدمه. فشد عليه عامر بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، وصخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، فقتلاه. فجعل عبد المطلب لا يعرف له قاتلاً. فلم يزل بحث عن أمره، حتى علم خبره بعد. فأتى حرب بن أمية، فأنبه بصنيعه وطلب بدم جاره. فأجار حرب قاتليه ولم يسلمهما وأخفاهما. وطالبه عبد المطلب بهما، فتغالظا في القول. حتى دعاهما المحك واللجاج إلى المنافرة، فجعلا بينهما النجاشي صاحب الحبشة. فأبى أن يدخل بينهما، فجعلا بينهما نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، جد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. فقال لحرب: يا أبا عمرو، أتنافر رجلاً هو اطول منك قامة واوسم منك وسامة وأعظم منك هامة وأقل منك لامة، وأكثر منك ولداً، وأجزل منك صلة، وأطول منك مذوداً؟ وأني لأقول هذا، وإنك لبعيد الغضب، رفيع الصيت في العرب، جلد النزيرة، تحبك العشيرة، ولكنك نافرت منفراً. فنفر عبد المطلب. فغضب حرب، وأغلظ لنفيل، وقال: من انتكاس الدهر أن جعلتك حكماً. وكانت العرب تتحاكم إليه. فقال نفيل:
أولاد شيبة أهل المجد قد علمت ... علياً معدٍ إذا ما هزهز الورع
وشيخهم خير شيخ لست تبلغه ... أنى وليس به سخف ولا طبع
يا حرب ما بلغت مسعاتكم هبعاً ... يسقي الحجيج وماذا يبلغ الهبع
أبوكما واحد والفرع بينكما ... منه العشاش ومنه الناضر الينع
ويروى مختلف العيش الضئيل. قال: فترك عبد المطلب منادمة حرب، ونادم عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. ولم يفارق حرباً حتى أخذ منه مائة ناقة، ودفعها إلى ابن عم اليهودي. وارتجع ماله إلا شيئاً كان شعث منه، فغرمه من ماله. وقال الأرقم بن نضلة بن هاشم في منافرة عبد المطلب حرباً:
وقبلك ما أردى أمية هاشم ... فأورده عمرو إلى شر مورد
أبا حرب قد جاريت غير مقصر ... شاك إلى الغايات طلاع أنجد
وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن أشياخ من العلماء، قالوا: كان لعبد المطلب ماء يدعى الهرم. فغلبه عليه جندب بن الحارث الثقفي وقوم من ثقيف. فنافرهم عبد المطلب إلى الكاهن القضاعي، وهو سلمة بن أبي حية بن الأسحم بن عامر بن ثعلبة، من بني الحارث بن سعد بن هذيم، أخي عذرة بن سعد. وهو صاحب عزى سلمة. وعزاه شيطانه، فيما يزعمون. وكان بمنزله بالشام. فخرج عبد المطلب إليه في نفر من قريش، وخرج جندب في جماعة من ثقيف. فلما انتهوا إلى الكاهن، خبأوا له، فيما يزعمون، رأس جرادة في خرز مزاده. فقال - والله أعلم: خبأتم لي شيئاً طار فسطع، وتصوب فوقع، ذا ذنب جرار، وساق كالمنشار، ورأس كالمسمار. فقال: إلاده، أي بين. فقال: إلاده فلاده - يقول: إلا يكن قولي بياناً، فلا بيان. وهو رأس جرادة، في خرز مزاده، في ثني القلادة. قالوا: صدقت. وانتسبوا له. فقال: أحلف بالضياء والظلم، والبيت والحرم، إن الماء ذا الهرم، للقرشي ذي الكرم. فغضب الثقفيون، فقالوا: اقض لأرفعنا مكاناً، وأعظمنا جفاناً، وأشدنا طعاناً فقال عبد المطلب: اقض لصاحب الخيرات الكبر ولمن أبوه سيده مفر. وساقي الحجيج إذا كثر. فقال الكاهن:
أما ورب القلص الرواسم ... يحملن أزوالاً بقيً طاسم
إن سناء المجد والمحارم ... في شيبة الحمد سليل هاشم
أبي النبي المرتضى للعالم
ثم قال:
إن أهل بني النضر كرام ساده ... من مضر الحمراء في القلاده
أهل سناء وملوك قاده ... مزارهم بأرضهم عباده
إن مقالي فاعلموا شهادة
ثم قال: إن ثقيفاً عبد أبق فثقف، فعتق، فليس له في المنصب الكريم من حق.
يوم ذات نكيف
(1/32)
________________________________________
حدثني عباس، عن أبيه عن جده قال: لم يزل بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة مبغضين لقريش مضطغنين عليهم ما كان من قصي حين أخرجهم من مكة مع من أخرج من خزاعة، حين قسمها رياعاً وخططاً بين قريش. فلما كانوا على عهد عبد المطلب، هموا بإخراج قريش من الحرم وأن يقاتلوهم حتى يغلبوهم عليه. وعدت بنو بكر على نعم لبني الهون فاطردوها، ثم جمعوا جموعهم. وجمعت قريش واستعدت. وعقد عبد المطلب الحلف بين قريش والأحابيش وهم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وبنو الهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق من خزاعة فلقوا بني بكر ومن انضم إليهم، وعلى الناس عبد المطلب، فاقتتلوا بذات نكيف. فانهزم بنو بكر، وقتلوا قتلاً ذريعاً، فلم يعودوا لحرب قريش. قال ابن شعلة الفهري: لله عيناً من رأى من عصابة غوت غي بكر يوم ذات نكيف
أناخوا إلى أبياتنا ونسائنا ... فكانوا لنا ضيفاً بشر مضيف
وقتل يومئذ عبد بن السفاح القاري، من القارة: قتادة بن قيس أخا بلعاء بن قيس، واسم بلعاء مساحق وقال عبد في ذلك:
يا طعنة ما قد طعنت مرشةً ... قتادة حين الخيل بالقوم تخنف
إذا جاء سرب من نساء يعدنه ... تولين يأساً ظهرهن يقفقف
قال ابن الكلبي: ويومئذ قيل: قد أنصف القارة من راماها والقارة من ولد الهون بن خزيمة. وهم من ولد عضل بن الديش. قال رجل منهم:
دعونا قارة لا تنفرونا ... فنجفل مثل إجفال الظليم
فسموا القارة. والقارة جبيل صغير. وقال غير الكلبي: قال عبد شمس بن قيس، وهو رجل من بني الهون:
أعازبة حلوم بني أبينا ... كنانة أم هم قوم نيام
فإن يك فيكم كرم وعز ... فقومكم وإن قلوا كرام
دعونا قارة لا تنفرونا ... فنبتك القرابة والذمام
كما جلت بنو أسد جذاماً ... نسردها عن مساكنها جذام
وكان يقال للقارة رماة الحدق. وقال الشاعر:
قد علمت سلمى ومن والاها ... أنا نصد الخيل عن هواها
قد أنصف القارة من راماها ... إنا إذا ما فئة نلقاها
نرد أولاها على أخراها ... فبانت دامية كلاها
وقال أبو عبيدة: قال قتادة لقومه يوم ذي نكيف: ارموهم بالنبل، فإذا فنيت فشدوا عليهم بالرماح. فقال قائل منهم: قد أنصف القارة من راماها وكان أبو عبيدة يقول: حكم بن الهون، ولكن ولده أتوا اليمن، فقالوا: حكم بن سعد العشي


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :



__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :

شكرا لك على الموضوع

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :

شكرا على الكتاب القيم
بارك الله فيك
تحياتي

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :

شكرا على الموضوع الكبير جدا

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :

قال ابراهيم الامير صاحب موقع اشراف الحجاز (( الخميني قدس سره من السادة ))
وقال ايضا
(( السيستاني من السادة ))

ابراهيم الامير