عنوان الموضوع : لا ينبغي تغيير الإسلام وإنما تغيير المسلمين خبر جزائري
مقدم من طرف منتديات العندليب

لا ينبغي تغيير الإسلام وإنما تغيير المسلمين
الطاهر بن جلون


05/01/2016


تتحدد السمة المميزة لكل دين في كونه محافظا؛ إذ يطبع بكيفية نهائية وغير قابلة للجدل قيمه ورسالته. يتعلق الأمر بمعتقد وثوقي مقدس وغير قابل للتغيير والمساءلة. إنه المعطى الدائم للديانات التوحيدية والتي يمكن بالاحتكام إليه للمؤمن الذي نصفه بالمخلص والملتزم أن يلفي نفسه حرا في تأويل النصوص وإضفاء معنى مسؤول ومنطقي عليها. قد يحدث أيضا أن نرفض العقل وأن نلوذ بقراءة حرفية تؤثر المنطوق؛ وهو ما يؤدي إلى انحرافات تجد تمثيلها في الأصولية والتطرف.
لا يقصي الإيمان بالله مطلقا حرية التفكير، بل يثيرها على العكس من ذلك ويحث الإنسان على اللياذ بها كي يكون الإيمان متأسسا على قيمة أساسية تتمثل في الحرية. حقيق بالإشارة أن تاريخ الإسلام يحفل بمحاولات تروم عقلنة التفكير والفعل الإسلاميين. وفي هذا السياق، يعطي التيار الاعتزالي للقرآن تأويلا متشبعا بالقوة السيادية للعقل بما أن الله هو أيضا عقل. وفي مقابل هذه المدرسة ينتصب ممثلو المحافظة والتقليد الذين يرفضون بعنف التصور الذي يعتبر الإنسان مخيرا. سوف يستشرف هذا الجدال ذروته في القرن التاسع عندما تم الشروع في الاهتمام بطبيعة الكلام الإلهي. هل القرآن مخلوق (العقلانيون) أم مُنزّل (التقليديون)؟ يتعلق الأمر والحالة هاته برؤيتين متعارضتين إلى العالم، وقد كانت الغلبة في النهاية لأنصار الاتجاه الحرفي والتقليدي، ذلك أن الإسلام السائد راهنا في منطقة الخليج العربي يتبع فكر أحمد عبد الوهاب (القرن الثامن عشر) والتيار الوهابي الذي يمثل نظاما صارما يطبق الشريعة أي القانون الوثوقي وفق الشكل الذي ظهرت به في القرن الثالث؛ وهو ما يوحي بأن العالم لم يتغير ولم يتطور قط. يتحدد السؤال الجوهري في الإحاطة علما بكيفية قراءة القرآن والتفكير فيه. هل ينبغي في هذا السياق الركون إلى القراءة السطحية أم نحتفي في البدء والمنتهى بقوة هذا الكلام الذي يكمن ثراؤه في استعماله للرمز والمجاز.
نلمس في السياق الراهن أن مغالاة الحركيين الأصوليين وجهلهم الجلي بالمعنى الجوهري للقرآن؛ أي تأويله الإنساني والعقلاني والمنسجم مع اقتضاءات العصر تسفر عن عقم في الإنتاج وتسيء ليس فقط إلى الإسلام وإنما إلى مشروعهم المجتمعي. سوف يعترض البعض بأننا نشهد تزايدا مطردا للنساء المحجبات وتضاعف وتيرة التردد على المساجد والتشديد آنا بعد آن على الهوية الإسلامية في مواجهة الغرب. صحيح أن التيار المحافظ آخذ في الاكتساح، لكن دعاة إسلام هادئ ومعتدل وصحيح يتضاعفون باطراد. ربما لا يعبرون عن ذواتهم باستمرار ويفتقرون إلى وسائل إعلام ولا يجرؤون على مواجهة المتشددين القادرين على إصدار فتاوى أو أوامر بالاغتيال أو على الأقل التكفير بتهمة الردة.
يلزمنا أن نبدأ قبل تمثل الكيفية التي يكون بها إسلام جديد ممكنا في تفكيك آليات 'السلفيين'. لقد أدركوا بسرعة أنه يلزمهم الاستحواذ على وسائل الإعلام وخصوصا التلفزيون والإنترنت. وفي هذا السياق، نلاحظ أن غالبية القنوات التلفزيونية الفضائية التي تغرق العالم الإسلامي هي في ملك 'الإخوان المسلمين' (وهي جماعة رأت النور عام 1928) المعروفين بعلو كعبهم في الدعاية والديماغوجيا. تمكن شاب مصري وسيم يرتدي لباسا أوروبيا شأن عارض أزياء من أن يغزو قلوب الملايين من النساء المسلمات في كل أنحاء العالم. وهو ما يشكل ظاهرة مثيرة للدهشة. يتعلق الأمر بعمرو خالد وهو واعظ يستلهم أسلوب المبشرين والوعاظ الإنجيليين الأمريكيين وينسجم بطبيعة الحال مع الذهنية العربية التقليدية والمحافظة. يتميز الرجل علاوة على ذلك بإتقانه الحديث مع النساء واستعماله الكلمات المناسبة وسوقه أمثلة من الحياة اليومية وقدرته'على الإغواء بحسنه وذكائه. لقد نجح في مسعاه؛ لأنه أنجز القطيعة مع الصورة العتيقة للفقهاء الملتحين الذين يستعملون اللغة الوثوقية. بيد أنه تنبغي الإشارة إلى أن الساحة تعج إلى جانب عمرو خالد بمتدخلين آخرين ونساء وأساتذة جامعات. وهم يلعبون برمتهم على وتر التعارض مع الحضارة الغربية التي يستفيدون منها بشكل شخصي. وهم ما يفتأون يؤكدون بأن كل الآلام والمشاكل تجد حلا لها في القرآن. وما من شك في أن هاته الفكرة التبسيطية تخلف آثارا مدمرة؛ لأنها تنزع المسؤولية عن الإنسان ـ وهو ما يشكل النقيض لروح الإسلام ـ وتجعله طوع أمر الأشخاص الذين يفكرون عوضا عنه.
لا يتعلق الأمر فحسب باستخلاص دلالات محرفة وإنما بأخطاء وأكاذيب يتم تأكيدها بقوة وبمعزل عن أي شرح أو تفسير. وسوف نمثل لذلك بالحجاب. نشهد منذ عدة عقود الانتشار المتزايد للحجاب بين الفتيات والذي يستشرف ذروته في ارتداء البرقع أو النقاب الذي لا علاقة له بالإسلام وإنما هي عادة مستمدة من تقاليد بلدان مثل أفغانستان أو باكستان كانت تحجب نساءها وفق هذا الشكل قبل دخولها الإسلام. لقد فرض القرآن الحجاب في ظروف خاصة ودقيقة. وكان محمود حسين وهو اسم مستعار لكاتبين فرنسيين من أصول مصرية قد ألف عام 2016 كتابا صغيرا ولافتا للانتباه بعنوان 'التفكير في الإسلام' وصدر عن دار كراسي بباريس. يروي هذان الكاتبان كيف فرض الحجاب على النساء في المدينة المنورة. كان على النساء أن يخرجن من المدينة حين يجنّ الليل لقضاء حاجاتهن، وكن يتعرضن لمضايقات بعض عديمي الأخلاق، فأفضين بغضبهن إلى أزواجهن الذين تحدثوا بدورهم إلى النبي. وكان من جراء هاته الحوادث أن نزلت عليه الآية القرآنية. يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. الآية 59 من السورة 33.
نعرف من جهة أخرى أن الإسلام قد اطرح عبر كل الأزمنة العلامات الدينية الفارقة؛ إذ تجد الأخلاق الإسلامية أساسها في التستر والحياء والصمت أيضا. ذلك أن العلامة الدينية الفاضحة من قبيل الإفصاح عن الهوية الإسلامية بواسطة ارتداء ثياب تحجب كل الجسد مرادفة في الإسلام للنفاق. ونحن نعرف كيف يدين الله المنافقين وأمثالهم؛ أعني أولئك الذي يحرفون رسالته في أفق استغلال متعصب وإيديولوجي. ليس ثمة من قرينة نصية في القرآن تبيح أن يقتل المرء نفسه وأن يقتل من ثم الأبرياء. ليس للجهاد من معنى مشروع إلا في سياق حرب يكون عليك أن تحارب فيها كي تنجو بجلدك وتذود عن بلادك. ثمة من جهة أخرى معنى آخر للجهاد يتمثل في الجهد المبذول من أجل فهم الكلام الإلهي وتأويله بطريقة ذكية.
ينبغي لامرأة ترغب في الدخول إلى مسجد أو كنيس أو كنيسة أن ترتدي ثيابا محترمة ولائقة، ومن هنا دلالة النصح بحجب الشعر الذي يعتبره بعضهم عنصرا إيروتيكيا. لكن نزوع المرأة إلى حجب نفسها من رأسها إلى أخمص قدميها بحيث تتحول إلى ما يشبه 'الشبح الأسود' ولا تتيح للرؤية أي سنتمتر من جسدها يفضح مغالاة ورياء يناقضان روح ونبل الإسلام.
يلزمنا من أجل تصحيح أو إلغاء هاته الصورة الكاريكاتورية للإسلام'الكثير من الوقت والديمقراطية السياسية، ذلك أنه في غياب حرية التفكير والجرأة والعقلانية سوف يستمر الخلط بين الإسلام وما لا علاقة له به و ما لم يكنه؛ إذ ما أكثر الجرائم التي ترتكب باسمه. لكن بصرف النظر عن الإيديولوجية القاتلة للطالبان ورجال القاعدة ثمة مشكلة سياسية حقيقية في غالبية البلدان الإسلامية. وما دامت الديمقراطية الحقيقية لا توجه الحياة السياسية فسوف يستمر المتطرفون في الاستفادة من هاته الثغرة من أجل فرض سيادة أطروحاتهم واستقطاب الشباب الذين لم تعد لهم ثقة في الحكام الذين ينتخبون بنسبة 90 في المئة والذين يسلمون غالبا السلطة إلى أبنائهم. هكذا، إذن، تكون المشكلة سياسية وليست دينية وذلك رغم عجز دعاة العلمانية ـ احترام الأديان مع فصلها عن حلقة السياسة ـ عن إسماع صوتهم.
يلزمنا أن نؤكد شأن محمود حسين حقيقة مؤداها أنه لا يسعنا النفاذ إلى دلالة غالبية الآيات القرآنية إلا بإعادة تأطيرها في السياق التاريخي الذي تنزلت فيه، ثم كيف يسعنا الزعم بعد انصرام أربعة عشر قرنا بضرورة الالتزام بالمعنى الحرفي لكل الآيات.
لقد تغير العالم مند عصر الرسول على جميع الأصعدة. وما يفتأ الإسلام في جوهره يشجع الذات الإنسانية على أن تتأقلم مع العالم وأن تطلب العلم ولو في الصين وأن تتعرف على الشعوب الأخرى بحكم أن اختلافها يشكل قيمة مضافة وثراء. نترقب من الخطباء الآخرين أن يتدخلوا من أجل تخليص الإسلام من هاته الصورة الفظيعة والمغلوطة التي تجعله دائما على خطأ وتحوله إلى خطر على الشعوب الأخرى. وينبغي من أجل استشراف هذه الغاية أن نقوم بمراجعة المقررات الدراسية وإرساء الديمقراطية. ويشكل ذلك لعمري برنامجا شبه طوباوي.
ترجمة: عبد المنعم الشنتوف


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :