عاد الوزير الأول، عبد المالك سلال، للحديث عن مشروع الرئيس للتعديل الدستوري، بعد صمت دام عدة أشهر، لكن هذه العودة كانت من باب تقديم ''ألغاز'' أكثـر منها إعطاء أجوبة حول هذا الملف الذي يمثل ''لب'' الإصلاحات التي وعدت السلطة بتنفيذها، في أعقاب ما سمي بأحداث ''الزيت والسكر''. وعملية النفخ في ''جمار'' التعديل الدستوري التي بادر بها سلال، لم تشدّ إليها ''اهتمام'' الطبقة السياسية، ليس من باب عدم أهمية المشروع، وإنما لكون السلطة ظلت دوما لا تستشير شركاءها، وحتى إن فعلت فإنها لا تأخذ بمقترحاتهم، وهو ما تجسده البرودة الحالية، حتى وإن سارعت أحزاب في المعارضة للإعلان عن تحضير مسودات دساتيرها بالتوازي مع مشروع السلطة.
الرئيس يملك مشروعين على الأقل والمعارضة تحضر مسودتها
الجزائر تنتج دساتير كل حين ولكن لا تطبقها
قال رئيس الجمهورية، ذات مرّة، بشأن مشروعه لتعديل الدستور سنة 2016 إنه ''ما جاء ليطلب لباسا على المقاس''، في رسالة تطمين أرسلها إلى الأحزاب آنذاك. لكن خروج بعض أحزاب المعارضة، على غرار حزب سعيد سعدي وجاب الله، عن تحضيرهما لمشروع تعديل الدستور فيه أكثـر من معنى، بأن السلطة تعوّدت على تحضير ''الطبخة'' بمفردها، وفي صمت.
ولا يبدو أن الاستشارات التي فتحها الوزير الأول مع قيادات الأحزاب السياسية، بشأن مقترحاتها حول التعديل الدستوري المقبل، قد أثلجت صدرها، أو أقنعتها بحقيقة ما تفكر فيه السلطة، بخصوص مراجعة أسمى قانون في البلاد. ويكون مرد ذلك لكون رئيس الجمهورية، من وراء تكليف عبد المالك سلال بإدارة هذه المهمة، يريد جسّ نبض الأحزاب، خاصة المعارضة منها من القضية، أكثـر منه الكشف عن تفاصيل ومعلومات عمّا يجب أن تحتويه مسودة الدستور الجاري ''فبركته'' في غرف مغلقة.
وتكون هذه الاستراتيجية ''الضبابية'' المعتمدة من طرف السلطة، كالعادة، وراء إعلان جاب الله عن مسودة دستور أعدّها، تتضمن كل مفاصل الدستور الحقيقي. ولم يكتف بذلك بل قال: ''الدستور الحالي فيه 192 مادة، وأعتقد أنه لا يمكن الاحتفاظ إلا بـ80 مادة، أما الباقي فتلغى أو يعاد صياغتها''. وقال جاب الله إن الدستور الذي أعدّه يقترح ''نظاما مختلطا بين برلماني وشبه رئاسي''، وسيقدّم مسودته إذا ما انتظمت استشارات في الموضوع، وإن أبدى عدم قناعاته بجدوى الاستشارات التي تقوم بها السلطة، لأن ''النظام يستخف كثيرا بالطبقة السياسية''.
بدوره، أعدّ الأرسيدي مشروعا دستوريا، قال إنه سيعرض للنقاش العام، ودعا إلى ''ضرورة الخروج من الانقلاب الدستوري الذي وقع سنة 2016 الذي أدى إلى احتكار رئيس الدولة لكل مقاليد الحكم، دون أي سلطة مضادة''، واقترحت اللجنة المكلفة بإعداد المسودة ''تقليص وتأطير سلطات الحكام، والفصل القطعي بين السلطات''. كما تضمن المشروع الدستوري للأرسيدي، حسب رئيسه محسن بلعباس، مقترحات تكرّس ''تعدّدية الهوية الجزائرية ولامركزية حقيقية للسلطة عبر التراب الوطني، ومساواة الجميع أمام القانون''.
وتأتي خطوة أحزاب المعارضة، في الإعلان عن تحضير مسودة دستور، في سياق رفض انفراد السلطة لوحدها، مثلما جرت عليه العادة، بتخييط دستور على ''المقاس''، لا تأخذ فيه برأي شركائها السياسيين، ولا تعتمد على ما يرسلونه إليها من مقترحات. ويجد هذا الأمر مبرّره، بشأن ما يتردّد من أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يملك في درج مكتبه، حاليا، مشروعين دستوريين على الأقل، واحد أعدّه ميسوم سبيح الذي كلف يومها بوضع مشروع لإصلاح هياكل الدولة، والثاني حضره وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية، محمد بجاوي، عندما كان يدير المجلس الدستوري، وثالث اقترحه الأفالان عندما كان الحديث عن العهدة الثالثة. لكن، هل الجزائر بحاجة إلى دساتير جديدة أم إلى تطبيقها فقط؟! تلك هي القضية.
الجزائر: ح. سليمان
زروال أجرى استشارة واسعة قبل تعديل دستور الشاذلي
بوتفليقة لم يعرض تصوّره للدستور الذي يريده
لا يوجد أي شيء في البلاد يبيّن بأنها مقبلة على إدخال تعديلات في دستورها، وحتى اللقاءات التي عقدها الوزير الأول، عبد المالك سلال، مع قادة أحزاب، نسخة شبيهة بنشاط لجنة عبد القادر بن صالح، المتعلقة بما سمّي ''إصلاحات''. فالرئيس بوتفليقة وصلته اقتراحات الشخصيات والأحزاب والجمعيات بشأن الدستور منذ ماي 2016، ومن الغريب أن يستغرق الأخذ بها 22 شهرا!
في خطاب 15 أفريل 2016، قال بوتفليقة إنه يريد ''تتويج الصرح المؤسساتي الرامي إلى تعزيز الديمقراطية، بإدخال التعديلات اللازمة على دستور البلاد''، وكان يقصد بـ''الصرح المؤسساتي'' ما أعلنه في ذلك الخطاب عن مراجعة مجموعة من القوانين سمّاها ''إصلاحات سياسية''. ومما قاله أيضا: ''لقد سبق لي أن أعربت، مرارا، عن رغبتي في إخضاع الدستور للمراجعة، وجدّدت تأكيد قناعتي ورغبتي هاتين في عدة مناسبات. سيتم ذلك من خلال إنشاء لجنة دستورية، تشارك فيها التيارات السياسية الفاعلة وخبراء في القانون الدستوري، وستعرض عليّ اقتراحات أتولاها بالنظر قبل عرضها بما يتلاءم مع مقوّمات مجتمعنا، على موافقة البرلمان أو عرضها لاقتراعكم عن طريق الاستفتاء''.
مرّت قرابة سنتين على هذا الكلام، ولم ينشئ بوتفليقة اللجنة الدستورية، ولم يظهر أي اسم من فقهاء القانون الدستوري الذين سيكونون أعضاء فيها، بل على العكس من ذلك، سكت الرئيس عن وعده بتعديل الدستور، بما يوحي بأنه محتار فيما يرغب إدخاله من تغيير على وثيقة الرئيس اليمين زروال الذي أطلق، قبل الاستفتاء على التعديل الذي أدخله على دستور الشاذلي بن جديد في 28 نوفمبر 1996، استشارة موسّعة باتجاه الأحزاب والشخصيات ومختلف التنظيمات، يطلب تصوّرهم لما ينبغي أن يكون عليه القانون الأعلى. وأجرت السلطة، آنذاك، عملية شرح وتوعية لحشد التأييد الشعبي، واستغرق ذلك شهورا من التحضيرات، وأظهر زروال والنافذون في السلطة، بوضوح، إرادتهم في محاصرة التيار الإسلامي، عن طريق منع الاستعانة بالألفاظ الدينية في تسمية الأحزاب، واستحدثوا غرفة برلمانية ثانية لسدّ الباب أمام أغلبية إسلامية قد تأتي بها انتخابات تشريعية في المستقبل، وكان ذلك الدستور عاكسا لتوجس النظام من تكرار الفوز العريض الذي حققته الجبهة الإسلامية للإنقاذ في انتخابات 26 ديسمبر .1991
ومنذ أن وصل بوتفليقة إلى الحكم، كان دستور زروال من أكثـر الأشياء التي لم تعجبه. وصرّح، بعد شهر من توليه الرئاسة، بأنه سيغيّره. ولكن ولا مرّة واحدة عرض بوتفليقة تصوّره للدستور الذي يريده. وبعد 14 سنة من الحكم، لا يدري الجزائريون الذين ''انتخبوه''، ثلاث مرات، فلسفته لنظام الحكم، ولا رأيه في الفصل بين السلطات، أو دور البرلمان، أو منظوره لأداء الرئاسة والجيش. في المقابل، أهم ما يحتفظ به في سنوات حكمه بشأن الدستور، أنه عدّله مرة في 2016 بإدراج الأمازيغية لغة وطنية، في سياق الاحتجاج الدامي الذي أعقب حادثة مقتل ماسينيسا. أما المرة الثانية فكانت في 2016، عندما أهدى لنفسه عهدة ثالثة.
الجزائر: حميد يس
حوار
المتحدّث الرسمي باسم الأرسيدي، عثمان معزوز
''لجنة سرّية لا نعرف تشكيلها لتكرار اغتصاب الدستور''
لماذا بادرتم بوضع مسودة دستور، وهل تعتزمون طرحه للنقاش في الساحة السياسية؟
نحن الآن في خضم النقاش السياسي، حيث يمثل الاقتراح قوة، ويبرز الثبات والنضال من أجل تكريس المواقف السياسية النبيلة، ويتعيّن على أي طرف سياسي ومدني يشعر بالقلق إزاء مستقبل ديمقراطي للبلاد، أن يدلي بتوقعاته حول مستقبل البلاد، ويساهم في مناقشة القضايا التي تؤثـر على الأجيال القادمة واستقرار مؤسسات الدولة. بالنسبة لنا، وفيما يتصل بتعديل الدستور، يجب أن يكون النقاش على أوسع نطاق ممكن، وهذا هو السبب في أننا نخطط لتنظيم الاتفاقيات الجهوية والتمهيد لاتفاقية وطنية مفتوحة حول نفس الملف. الأرسيدي يريد الذهاب إلى دستور مدني، يفرز سلطة وطنية مستدامة وتوافقية، تعمل على الحدّ من سلطة القوة التي عاش الجزائريون في ظلها، وتصحيح عار اغتصاب الدستور في عام .2016
هل ستقدّمون هذه المسودة إلى السلطة التي تعمل على صياغة مشروع تعديل دستوري؟
الحكومة الجزائرية تعمل دائما في الظل مع اللجان الغيبية، وكل شيء يدل على أن السلطة تتجه إلى المضي قدما لتكرار اغتصاب الدستور. لذلك، يسعى الأرسيدي إلى فتح النقاش حول تعديل الدستور، بعدما أعلن الوزير الأول، عبد المالك سلال، أنه تم تشكيل لجنة ''سرية'' لتعديله، لا نعرف متى تم تشكيلها، ولا أجندة عملها وتاريخها، ولا توجهاتها. كما أن هناك غموضا كاملا حول مكوّنات هذه اللجنة وتشكيلتها. بالنسبة للأرسيدي، سنفتح النقاش حول المشروع الذي نقترحه للجميع بكل شفافية.
السلطة تنفرد دائما لوحدها بإعداد الدساتير، هل تريدون، من وراء مبادرتكم، محاصرة مشروع السلطة؟
كل الأنظمة المنغلقة تخاف من المبادرات المنبثقة عن المجتمع والفعاليات السياسية المستقلة. الأزمة المتعدّدة الجوانب التي تعيشها الجزائر، لها صلة بطبيعة الحكومة الجزائرية وهشاشة بنيتها المؤسساتية. والجزائر شهدت تاريخا من الاضطرابات الدستورية، حيث تم اعتماد ثمانية دساتير، أربعة دساتير شاملة وأربعة تعديلات ظرفية، وهذا يشير إلى وجود صلة مباشرة بين هذه النصوص ومروّجيها. إن الدولة القوية هي التي لا تنتهك حرمة الدستور، لم يحدث قط في بلد لا يتجاوز عمر استقلاله كالجزائر، أن كان له هذا العدد من الدساتير منذ الاستقلال. المشروع الذي يقدّمه الأرسيدي يسمح بإخراج الجزائر من الإطار، ومن أيدي اللوبيات التي تحكمها منذ الاستقلال وتجديد آليات الحكم المدني. ولذلك، اقتراحنا هو ضد الصيغة الايديولوجية للنظام، وهذا هو الخيار الوحيد الذي يضمن لنا الحرية والعدالة، والسير الشفاف للمؤسسات الديمقراطية.
الجزائر: حاوره عثمان لحياني
قيادي جبهة العدالة والتنمية، لخضر بن خلاف
المشاورات التي تولاها الوزير الأول مجرّد دردشة
أعلن حزبكم عن وضع مسودة دستور جديد، ما هي أهدافكم من هذا الاقتراح؟
جبهة العدالة والتنمية فاعل سياسي أساسي في الساحة، وقوة اقتراح ومبادرة، والوثيقة مساهمة منا في النقاش الدائر حول بناء النظام السياسي والدولة، بعد أن علمنا بتوجه السلطة لتعديل القانون الأساسي للدولة، حيث تعهد الرئيس في خطابه في 15 أفريل 2016 بتقديم تعديل، وتعزز التوجه بتصريحات الوزير الأول ووزير الداخلية حول الموضوع.
السلطة لم تأخذ بمقترحات الأحزاب السياسية لـ''لجنة عبد القادر بن صالح''، ما الذي يدفعكم للمحاولة من جديد؟ هل لازلتم تثقون في السلطة ونواياها وقدرتها على إبداع وثيقة مغايرة لما أنتجته سابقا؟
عموما، السلطة لا تأخذ بمقترحات المعارضة، والطريقة التي استشيرت فيها الأحزاب، أو ما عرف باللقاءات غير الرسمية التي أشرف عليها الوزير الأول، مؤشر سلبي على ذلك. هذه المشاورات تفتقد لصفة الرسمية، وغير ملزمة وكانت بالأحرى دردشة، وليس نقاشا في العمق والشكل. ولهذا، نقترح تنصيب هيئة وطنية تمثل التيارات السياسية الموجودة، بمشاركة متخصصين في القانون الدستوري، لإعداد وثيقة تعالج اختلالات الدستور الحالي وصياغة النص الجديد.
هل تريدون محاصرة مشروع السلطة أم فرض نقاش حول الدستور داخل المجتمع من خلال مقترحكم؟
مسعانا يهدف إلى معالجة الاختلالات القائمة في الدستور الحالي الذي نعترض عليه، وصوتنا ضده بصيغته الأولى لسنة 1996 وسنة .2016 نحن نريد تعديلا جوهريا، وليس جزئيا، على المقاس لحلّ مشاكل ظرفية، كما كان الحال مع دستور 2016 أو .2016 والوثيقة التي نقترحها تقدم حلولا عملية ومخرجا للوضع، من خلال تحديد طبيعة النظام السياسي والاعتماد على النظام البرلماني، والفصل بين السلطات ومنع تزوير الانتخابات، وتداول الأحزاب السياسية على السلطة وليس تدويرها، ووضع أرضية لمباشرة إصلاح سياسي، وفتح مجال التعدّدية الإعلامية والحزبية، وتحديد عدد العهدات الرئاسية بعهدة واحدة غير قابلة للتجديد إلا مرة واحدة، أي العودة إلى الوثيقة السابقة المنصوص عليها في المادة 74 من الدستور.
هل ستقدّمون الوثيقة للحكومة والرأي العام؟
الوثيقة جاهزة، وستنظر الهيئات الرسمية للحزب في شكل تقديمها وتوقيت ذلك، متى رأت أن الظروف مناسبة لذلك، وقد ضمناها البنود التي نرى أنه من الضروري تغييرها وإصلاحها. لكن، ما نلاحظه أنه بناء على تصريحات الوزير الأول في البرلمان، الغموض يلف الوضع، وهناك ضبابية بخصوص توجه السلطة الفعلي لتعديل الدستور.
الجزائر: حاوره ف. جمال