تميز الرجل بشجاعة فائقة النظير وببساطة تجاوزت حدود أي تفكير ، وصرامة احترمها الكبير و خضع لها الصغير ، وشاءت الأقدار أن يكون رئيسا لكل الجزائريين ، فخدم الكل بتفاني وإخلاص ، وظل الرجل يتذكر معاناة الإنسان الجزائري طيلة الحقبة الاستعمارية ، فقرر أن يعبر بالجزائر الخارجين بفقر شديد و مهانة كبيرة إلى عز لا حدود له وكرامة لا نهاية لها ، وحقق ذلك عندما تبنى الإشتراكية الجزائرية النابعة من قيم الجزائريين فأسس لمجانية التعليم والصحة ، وقضى عل الإقطاع ، فرد للجزائريين أرضهم وساعدهم في إصلاحها وزراعتها ، وبذلك كانت انطلاقة الثورة الزراعية ، ... ولكن أحلامه لم تتوقف عند هذا الحد فقد ذهب لبناء صناعة ثقيلة و مشى خطوات عملاقة بالمقارنة مع الأشقاء والجيران ، كما أنه أعطى للجزائر دفعة قوية في العمل الدبلوماسي أصبحت الجزائر في عهده لها دور ومكانة في تخفيف الصراعات الدولية ، ولعل أهم صراع دولي اقتضته القومية العربية والمتطلبات الدينية قضية فلسطين ، فوقف معها عندما تخل البعض ممن يحسبون على العرب والمسلمين ، وقدم لها الدعم المعنوي والعسكري والمادي والإعلامي والدبلوماسي ، ففي حروب العرب مع الكيان الصهيوني وقف مع مصر في حروبها مع الصهاينة وقوفا مع فلسطين ومع الشقيقة مصر ، عندما اشتدت الأزمة حلق بطائرته حاملا شيكا على بياض للروس لتسليح المصريين ، فهو لم ينسى وقوف مصر جمال عبد الناصر مع الثورة الجزائرية المجيدة ، وتحملها لعدوان ثلاثي أبرز من كان فيه فرنسا الغاشمة .
ولو عدنا قليلا إلى الداخل فقد الرجل كان يحب رفاقه رغم اختلافهم معهم ، وكان يكن تقديرا للشهداء وأبنائهم وللأرامل فوقف معهم وساعدهم لئلا يأتي يوم يطلبون فيه حاجة من الناس وهم بدمائهم من حرر البلاد ، أتذكر له كيف أنه بكى دموعا طاهرة نقية عن الرفاق الذين رحلوا عنه في تلك الفترة ، كانت دموعا عزيزة يا بومدين ...، وأتذكر كيف أنه كان متسامحا مع خصومه ، وكيف أنه كان يغفر لكل ما أراد به سوء وصل حد الاغتيال .
ذلكم هو الرئيس الراحل هوري بومدين الذي لم يترك في رصيده سوى بعض الدريهمات ، و الذي قيل أن زوجته الفاضلة عندما تم اخراجها من السكن الوظيفي بحكم القانون لم تجد مكانا لتسكن فيه لولا تفطن القيميين على ذلك واستدراك الأمر ، بومدين ترك تاريخا وسيرة لرجل بلغ من الذكاء والحنكة السياسية الشيء الكثير ، ومن حبه لوطنه ما لا يمكن أن يقف عنده أي أحد من الناس في العالم بأسره .
كلمة أخيرة نحن كجزائريين تعودنا على رد الجميل " رد الخير لأصحابه " وأقل شيء نقدمه لهذا الرجل العظيم هو تخليد ذكراه في الضمير الجمعي ، وبخاصة الشباب الجديد الذي لا يعرف كثيرون منه مآثر هذا الرجل ، لماذا تركيا تخلد أتاتوركها ، وبريطانيا تخلد تشرشلها ، والفيتنام تخلد هو شي منه زعيمها المبجل ، والصين تخلد ماوو ومصر تخلد ناصرها وفنزويلا تخلد شفيزها ، وفرنسا تخلد ديغولها ونحن في الجزائر نقصر في حق هذا الشخص الكريم الذي يعتبره البعض أب الأمة الجزائرية .