عنوان الموضوع : ثلاث ازمات تواجه الغرب: فلسطين، افغانستان والاقتصاد خبر عاجل
مقدم من طرف منتديات العندليب
ثلاث ازمات تواجه الغرب: فلسطين، افغانستان والاقتصاد
مطاع صفدي
09/11/2016
تشغل الصحافة الدولية نفسها وقراءها بانتهاز فرص المناسبات التاريخية على مرور فواصل زمنية بعيدة أو قريبة من الأحداث العالمية. فمنذ أيام انصبَّت أقلام المحللين والمعلقين في أوروبا خاصة، على استذكار سقوط جدار برلين بعد عشرين عاماً على انقضائه، كرمز مفعم بأهم الدلالات، عن انتهاء الحرب الباردة، التي كان يمكن لها أن تتحول إلى حرب النهايات القصوى للمعمورة والإنسانية، لولا انسحاب الإمبراطورية الاشتراكية من ساحة الصراع فجأة.
هل كان ثمة خاتمة أخرى للحرب الموصوفة بالباردة، إلا انفجار الجحيم النووي، وإعادة توحيد العالم في مصير الموت وحده للجميع. أوروبا الساقطة بنصفيها الشرقي والغربي تحت ظل كل من الإمبراطوريتين السوفيتية والأمريكية، كانت هي الساحة الأولى لمعاناة فقدان شخصيتها المفهومية مقترنة بضياع خيارها الحضاري الاستراتيجي. أوروبا هذه المتغيرة كلياً عن ذلك المصير الذي عاشته طيلة النصف الثاني من القرن الماضي، هي الجديرة باستحضار ذاكرة ذلك الحدث الأعظم الذي كان أشبه بيوم ميلادها الجديد، بعد أن كانت على شفا الهاوية المطلقة. ومع ذلك مرت صحافة عواصمها الرئيسية بذكرى العشرين عاماً، وكأنها وقعت قبل قرن من الزمن. حتى جمهور المثقفين، والجيل المخضرم منه بخاصة المعايش لما قبل وما بعد الحدث الأعظم لنهاية قرن الحروب العالمية، لم تحفل الصحافة بآرائهم أو مواقفهم. صار نسيانهم أو تناسيهم مبرراً لا مبالاة الجيل التالي الصاعد بتراجيديات الآباء والأجداد.
غير أن اللافت في الذاكرة الأوروبية المعاصرة هو أن بعضها النادر لا يكتشف أهمية الحدث التحويلي إلا عندما لا تأتي المرحلة التالية عليه مطابقة للآمال المعقودة عليها في بدايتها. وهذا ما يتحقق له بعض الترميز الدال بالفعل، في ذلك الحكم القاطع الذي يصدره بعض الوعي الموضوعي للنخب، حول الضلالة الاستراتيجية التي طبعت مسيرة العشرين عاماً المنقضية مما كان سيصير له اسم تاريخي مبجّل،ألا وهو المدخل إلى السلام العالمي المنشود لكن الضائع منذ نشأة الحضارة. فلقد اكتشف الاستراتيجيون التقليديون أن إلغاء صيغة توازن الرعب المتحكمة بانقسام المعمورة إلى المعسكرين الهائلين المتخمين بأسلحة الدمار الشامل، وهما بانتظار خطأ سياسي أو تقني، لكي ينفجر أحدهما بانفجار الآخر معه، إن إلغاء صيغة الرعب الذروية هذه من قمة العالم، سوف يبطل وظيفة هذه الأسلحة، وبالتالي يتم اختصار الجيوش المليونية إلى الأقل من فرق الحرس الوطني الداخلي.
كانت ثقافة المواطنة العالمية لبعض طلائع أوروبا تجد في ظاهرة بطلان نوع الحرب الكونية ما بعد الاستقطاب النووي ذاك، أقوى برهان واقعي، يأتي به منطق التقدم التاريخي، بصفته الإنسانية الشاملة، متغلباً على منطق الصراع الحيواني العبثي لحضارات العنف. كان سقوط جدار برلين مؤذناً بتأسيس وعد استراتيجي بمستقبل مختلف كلياً لكوكب الإنسان، منتصراً حقاً على ماضي همجيته المتأصلة، المنظمة بشرعنة ثقافة الموت، تحت حاكمية الانحياز دائماً، للمعادلة التضحوية الجائرة بين تفوق الأسياد وخنوع العبيد. لكن حقبة العشرين عاماً هذه تمت ترجمتها إلى العكس النقيض لكل مفردات هذا الوعد. بل كأنما أسياد هذه الحقبة قد صمموا على ابتداع كل العقبات الكأداء المانعة مقدماً لازدهار أو إنضاج أية ثمرة لذلك الوعد بالعالم الأفضل.
لكن الغرب لم يعترف بخيانة وعود النهاية لنموذج حضارة العنف، إلا مع انفجار فقاقيع الاقتصاد الافتراضي، هذا الاقتصاد الصيرفي الورقي، الذي أُريد له أن يكون تزويراً للاقتصاد الإنتاجي، كان افتضاحه الفجائي في وطنه الأصلي، أمريكا، ومن ثم أوروبا واليابان، بمثابة افتضاح ما هو أشمل وأخطر من الاقتصاد والمال، إنه انقشاع وهم العولمة كأعلى صناعة تزوير للعالمية المحتومة، لكن الممنوعة. فقد بدأ الفكر الحقيقي يتحدث عن ولوج الإنسانية إلى عصر صناعة الوهم الكلي بديلاً عما يصنعه واقع التاريخ الفعلي. فلا يمكن التعامل مع الاقتصاد الورقي واستلاب عقول الناس دونما وقوع هذه العقول تحت سلطان ثقافة الخداع، البالغة أوجَ فنونها الإعلامية والسياسية مع ثورة المعلومات وتعميم أجهزتها الألكترونية.
هل استطاعت الأزمة المالية أن تحدث صحوة العقل الغربي من سباته أخيراً. هل لا تزال ثمة طاقة للفكر الفلسفي على التصدي للعصر المرآوي الذي لا تزال الرأسمالية تراهن على وجودها باستمرار إنتاجيته لأفانين الخداع الجماعي، والتلاعب بسياسات الرأي العام الدولي. فالحديث اليوم ينصبُّ مجدداً على عودة الفقاعة المالية إلى أسواق الصيرفة بدءاً من مركزيتها في وول ستريت، في حين يتابع الاقتصاد الحقيقي ركوده، وأفاعيل هذا الركود في حياة الملايين من العاطلين عن العمل، والمرشحين للبطالة اليوم وغداً؛ لقد فقدت أمريكا وحدها خلال عام ونيف سبعة ملايين وظيفة، بحسب آخر إحصاء رسمي معلن. فكيف يمكن أن تُستعاد هذه الوظائف قبل التبشير الخادع كالعادة، بانتهاء الأزمة. في ظروف الفلشل والخيبة المحيطة بإنجازات سياسة التغيير للرئيس الاستثنائي أوباما، بعد مضي ما يقرب من عام، تنتهز صحافة أمريكا والعالم هذه المناسبة مقترنة بمناسبة الذكرى العشرين لسقوط جدار برلين، لكي تُجْمِعَ على القيام بمراجعات متشائمة. فالسنة الأولى من عمر كل رئاسة أمريكية تُعتبر بمثابة امتحان حقيقي متأرجح بين تقييم للنوايا المحرِّكة من جهة، وللقدرات الفعلية للأداء الرئاسي. كأنما أصبح مصير العالم كله، وليست أمريكا أو الغرب وحده، متوقفاً على (معجزات) هذا الرجل. لكن لا ترحمه المقالات والتحليلات، وإن كان بعضها قد يثير شفقة القراء أكثر من مشاعر الإدانة والتجريح، التي يتلقى أوباما معظمها من صحافة بلده. أما العرب والإسلام فهم الموعودون الأوائل بشعارات تغييره، ولعلهم الخائبون الأوائل كذلك من إنجازاتها المتعلقة بقضاياهم الحيوية.
القاعدة المتداولة عن مسيرة السلطة في هذه القوة العظمى، هي أن أمريكا تغيّر رؤساءها، ولا تتغير بهم. مؤسسة السلطة الأمريكية هي الثابتة في تكوينها الاجتماعي وأيديولوجيتها واستراتيجيتها، والرؤساء هم أدواتها التنفيذية، وإراداتهم الشخصية عابرة على سطوحها وفي هوامشها. أما الرئيس الذي يتأبى التكيُّف مع أوامرها، فإنه يكرر مصير كندي. ومع ذلك لا يمكن الحكم كلياً على أوباما من خلال خيباته الأولى. لكن السؤال يبقى فيما إذا كانت صفة الاستثنائية التي يحب العالم أن يراه من خلالها، هي حقاً متطابقة مع موصوفها، أو مع ما ينتويه وما سيفعله، أو أن الاستثناء واقع على لون البشرة، والأصل الإثني، والمعتقد، فقط ولا شيء آخر.
القضايا الكبرى الثلاث المستعصية: الأزمة الاقتصادية، الحرب والمستنقع الأفغاني، العرب وتهويد فلسطين. أمريكا، أو مؤسسة السلطة، ليس لديها حلول جاهزة لأية مشكلة منها. اختصاصها المهني أو الحرفي أنها تدير المشكلات ولا تحلها عادة.. مع العلم طبعاً أنها هي خالقة المشكلات الجيوسياسية فيما تسميه بالمناطق الحارة الموزعة خاصة في أنحاء العالم الثالث. بالنسبة للاقتصاد الأمريكي أولاً هنالك فقاعة المضاربات العائدة إلى حراكها المعهود، في الوقت الذي تعلن فيه واحدة من أكبر المجموعات الاستثمارية المعروفة باسم CIT Groupe إفلاسها بخسارة 71 مليار دولار، ودين مقداره 65 مليارا، في مطلع هذا الشهر.إذاً تعود الفجوة العميقة ما بين الاقتصادين الصيرفي والإنتاجي إلى احتلال مقدمة المضاربات، مع ارتفاع الطاقة وأسعار المواد الخام. مقابل ذلك تقف إدارة البيت الأبيض شبه عاجزة عن التدخل بأكثر مما فعلت حتى الآن. وكان تدخلها منذ أواخر أيام بوش، قد اقتصر على ضخ مئات المليارات من المال العام في خزائن المصارف الرئيسية لمنعها من الانهيار. لكن حركة الإفلاس لم تتوقف، فقد عصفت بعشرات البنوك المتوسطة والمحلية في أنحاء الولايات جميعها. إلى أن أطاحت موجتها العارمة بهذه المجموعة المالية الكبرى التي تعتبر رأس البنية الاستثمارية برأي خبراء وول ستريت.
أما مشاريع التغيير الاجتماعي، ومحورها نظام الضمان الصحي للعاملين وسواهم فإنها تلقى أشكال المعارضات التي يقودها المحافظون الجدد بالتنسيق طبعاً مع الحزب الجمهوري، ولوبيات الاحتكارات في ميادين تجارة التأمين وصناعة الأدوية والمستشفيات الخ.. كما أنه لا أمل لمستشاري أوباما، لا في وقف نزيف التسريحات، ولا في إعالة ملايين العاطلين عن العمل، أو محاولة استرداد بعض الوظائف الملغاة في آلاف من الشركات المغلقة أو المشلولة عن أية إنتاجية، قد تُدب بعض النشاط في دورة الاقتصاد الأمريكي الداخلي، المفتفرة إلى سيولة المال والإنتاج والتصريف في وقت واحد.
فالرئاسة شبه المعطلة في سياستها الداخلية لن تكون أحسن حالاً في سياستها الدولية. كان امتحانها الأول في التصدي للصلف الاسرائيلي والحد قليلاً من تجرئه على القوانين والقرارات والأعراف الدولية. كان المدخل الأخلاقي الإنساني إلى ذلك الامتحان العسير، وقْفُ استيطان/استعمار الأراضي الفلسطينية، كرمز متواضع لاستئناف مصطلح العملية السلمية أو التسوية لخلاف (الشعبين). لكن هذه المحاولة البائسة لم تفشل فحسب، لم ترفضها إسرائيل بكل وقاحة اللصوصية التاريخية غير المسبوقة، بل استطاعت أن تستنفر كل قواها اليهودية اللوبية وأخطبوطها المنتشر وراء كل سلطة حكومية أو اجتماعية في ساحة الداخل الأمريكي. نجح هذا الاستنفارُ في قلب كامل المخطط التغييري من أجندة الرئاسة الأوباماوية الحزينة، حينما فازت إسرائيل بما يشبه المشاركة الاستراتيجية في غرفة العمليات العسكرية للنشاط (الدفاعي) الأمريكي في الشرق الأوسط.
لم تعد إسرائيل محتاجة إلى ألاعيبها المعتادة في إعاقة التسوية ومفاوضاتها العبثية فقد أنهت أسطورة هذه التسوية كلياً، تَمَّ اختراع مناورة الاستقالة الشخصية من رئاسة السلطة، لإلغاء هذه السلطة نفسها،أو تهميشها إلى ما دون رمزية البلديات المحلية، لكن بالمقابل لن يُسمح للمقاومة أن تستعيد مكانها أو دورها. لن تسترد (فتح) قواعد الانتفاضتين السابقتين لتنفجر هذه المرة الانتفاضة الأعظم الممنوعة من قبل تلك السلطة المنهارة، سابقاً،و ستظل كذلك بعدها. المسألة ليست هي كما يُراد تمثيلها إعلامياً وحركياً عبْر ظروف هذه الاستقالة الرئاسية الملتبسة. ليست هي كما تصورها ردود الفعل الفلسطينية على الأقل، أو كما يأمل مناضلوها القدامى، ليست هي في إسقاط خيار التسوية السلمية لإحلال بديلها المنطقي الذي هو خيار المقاومة. لن تكون المسألة على هذه البساطة: إحلال بديل ناجح محل بديل فاشل أو ساقط. فاللعبة هي أكثر خبثاً وأخطر مكراً ودهاءً. كما لا يمكن الرجم غيباً حول هدف الخطة الخفية، ما وراء الاستقالة وخيارات البدائل الشخصية أو الوطنية لما بعدها. لكن المؤكد حالياً هو أن مخطط تصفية السلطة وتسويتها لن يأتي إلا بما هو أسوأ منها.
مع الأمل أيضاً ألا يصدق هذا التوقع..
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
مع الأمل أيضاً ألا يصدق هذا التوقع..
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
شكرا ... مواضيعك دائما رائعة
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
الغرب يستغل دول العالم الثالث ، وكل ضعيف لا حول له ولا قوة،الا ان هذه الشعوب لاتسكت على هذا الاستغلال وهذا الظلم .
فبالرغم من فترة الاستعمار السابقة والحالية وما ترتب عنها من توفير الظروف لمواصلة هذا الاستغلال ، الا ان الظروف لن تبقى كما يتمنون.
فالمقاومة ومناصريها في تزايد ، وخاصة في عالمنا الاسلامي .
وهذا ما يقلق الغرب واتباعهم.
فالمسالة مسالة وقت لا اكثر ولا اقل
وعاشت امتنا الاسلامية
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :