عنوان الموضوع : إسرائيل والثورات العربية اخبار
مقدم من طرف منتديات العندليب
د. فوزي الأسمر
تقلق روح الشباب الداعية إلى التغيير والإصلاح في الوطن العربي، إسرائيل. فقد بنت تل أبيب سياستها خلال الأربعين سنة الأخيرة على أن التغيير في العالم العربي غير وارد، وأن الأنظمة القائمة، كون أنها ستكون وراثية، لن تغير الكثير من الوضع القائم. ولهذا السبب سمحت إسرائيل لنفسها اتخاذ الخطوات التي تريدها دون وجل على جميع الأصعدة، بعد أن قامت بدراسة وافية لها.
فمنذ قيام هذه الدولة كانت هناك أصوات يهودية تنادي إلى التعقل في تطوير الأمور، والعمل على الوصول إلى اتفاق يعيد للفلسطينيين بعضا من حقوقهم مقابل حل معقول ومقبول على الجميع. فقد كان معروف عن دفيد بن غوريون أحد أقطاب الحركة الصهيونية وأول رئيس حكومة في إسرائيل، رفضه في أعقاب الهدنة مع العرب بعد حرب 1948، احتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس. السبب كما نشر في صحيفة "هآرتس" "23/ 3/ 2016": "كون أنه فهم بأنه إذا توجهت إسرائيل نحو طريق الهوية الدينية- المسيحية، فإن التواصل بين الخط الإسلامي- المسيحي- اليهودي قد يؤدي إلى تدميرها وخرابها ككيان. وفقط إسرائيل التي تدير ظهرها لقدسية القدس، وتفضل هوية واقعية عادية تستطيع أن تنتعش وتتطور".
ومعروف عن بن غوريون معارضته لقدسية "حائط المبكى"، ولم يعتبره مهما لدرجة أنه قال في أكثر من مناسبة أنه يجب هدم هذا الحائط، وبالتالي التخلص من فكرة البحث عن آثار "الهيكل الثاني"، حيث أن التنقيب الجيولوجي الهادف إلى العثور على أدلة تؤكد أن هذا الهيكل حقيقة كان قائما، وفي ذلك المكان، لا يزال التنقيب مستمرا لغاية اليوم ولكن بدون العثور على أية أدلة تدعم هذا التفكير.
والواقع أن بن غوريون عمل دائما على عدم جعل الصراع العربي-الإسرائيلي صراعا دينيا، معتقدا أن البُعد القومي في الصراع يعطي إسرائيل قوة وشرعية: "فنحن كنا هنا وأقمنا دولتنا القومية وطرُدنا منها وها نحن نعود إليها" حسب منطقه كيساري صهيوني علماني. ولهذا كان يردد في مقابلاته الإعلامية ردا على سؤال حول قضية اللاجئين الفلسطينيين: "هناك أراض شاسعة في الدول العربية فليقيموا عليها".
فقد كان بن غوريون دائما متخوفا من وصول اليمين الصهيوني إلى سدة الحكم بسبب تطرفه الديني، فقد حدث أكثر من مرة رفضه إشراك الأحزاب اليمينية المتطرفة على غرار حزب "حيروت" الذي كان يتزعمه مناحم بغين، في الإئتلاف الحكومي. وعندما سأله مرة أحد مستشاريه عن السبب قائلا لبن غوريون: أستطيع أن أفهم رفضك إشراك الحزب الشيوعي في الحكومة، ولكن حزب الحيروت حزب صهيوني قومي. فرد عليه بن غوريون بمقولته الشهيرة: إذا وصل اليمين إلى سدة الحكم في إسرائيل فهذا معناه نهاية الدولة".
وكان هناك بين المفكرين اليساريين الصهاينة من رأى الأمور تتطور بشكل قد يؤدي إلى إنهاء الكيان القائم، فدعى إلى حل الأمور بشكل يقبله الفلسطينيون والعرب. ومن بين هؤلاء أحد المفكرين الصهاينة الكبار والذي يتمتع بتأثير كبير على الرأي العام في إسرائيل عاموس عوز، حيث اقتبست صحيفة "يدعوت أحرونوت" "29/ 3/ 2016" من كتاباته المقطع التالي: "على اليهود أن يفتشوا عن كل سبيل ممكن لإعادة ما سرق من الفلسطينيين، وأن يصححوا الظلم "الواقع عليهم" عن طريق سن قوانين، والقيام بأعمال جيدة ومقنعة. لقد حان الوقت أن يفصل اليسار الصهيوني نفسه عن سياسة الاضطهاد الجارية".
ولكن الموقف الإسرائيلي زاد تطرفا في أعقاب وصول اليمين الإسرائيلي إلى سدة الحكم في عام 1977. وبدأ التحدث عن "أرض إسرائيل الكاملة" بشكل رسمي، وبالحق الديني على الأراضي المحتلة، وحق اليهود، الذي منحه إياهم الله، من العيش على أية قطعة من أرض إسرائيل، وبالتالي تحول الاحتلال السياسي/ القومي إلى احتلال ديني/ تاريخي.
هذا التحول انعكس على الواقع داخل المجتمع العربي، خصوصا بعد وفاة الزعيم جمال عبد الناصر، وتقرب السادات من الإخوان المسلمين، ومن ثم سفره إلى القدس، وما تبعه من اتفاقيات كامب ديفيد. فبدأت القضية الفلسطينية رويدا تأخذ منحا دينيا، وبدأ التحدث عن "تحرير الأقصى" بدلا من تحرير فلسطين أو تحرير الأراضي المحتلة.
هذا الوضع كان مريحا لإسرائيل ووجد اليمين الإسرائيلي ضالته، ووثق العلاقات مع الكنائس في أوروبا وأمريكا، معتمدا على ما جاء في التوراة من حق اليهود على فلسطين، وكرسه كحق سماوي غير قابل للتأويل، ووجد هذا اليمين دعما كبيرا سياسيا واقتصاديا وإعلاميا، واصبح التحدث عن أي حق في فلسطين لغير اليهود يعتبر "عداء للسامية"، بل ذهبت بعض الدول إلى أبعد من ذلك عندما سنت قوانين تعتبر انتقاد إسرائيل عملا معاد لليهود، ويحاكم كل من يقوم بمثل هذا العمل حتى لو كان ذلك الشخص يهوديا معاد للصهيونية. كما أصبحت كلمة صهيونية مساوية مع الإسرائيلية ومحرم توجيه أي انتقاد لأي منهما.
وتجاوب الكثير من الدولة العربية مع الطرح الديني في الصراع مع إسرائيل بهدف توجيه ضربة قاسمة لفكرة القومية العربية، والتي شعر الكثير من الزعماء العرب أنها تهدد وجودهم. وبدأت بعض الحكومات العربية تتقرب من إسرائيل خصوصا بعد اتفاقيتي السلام بين كل من مصر والأردن وإسرائيل. ولكن سرعان ما تبين أن هذا السلام سلام بين حكومات وسلام مصالح فقط، فأقامت علاقات اقتصادية وفتحت مكاتب مصالح، وقام زعماء إسرائيليون بزيارات علنية في بعض الدول العربية، بل أن شمعون بيرس قام بجولة في أسواق العاصمة القطرية الدوحة.
ولكن إسرائيل بشقيها اليساري الصهيوني واليمين الصهيوني استغلت هذه الميوعة العربية كي تحقق بعضا من أهدافها خصوصا في مجال مصادرة الأراضي الفلسطينية وإقامة المستعمرات، وقتل الأبرياء، ووجدت دعما عربيا في حربها الغادرة ضدّ قطاع غزة.
هذه المواقف العربية وضعت وصمة عار على جبين الجيل العربي الناهض، بالإضافة إلى تفشي الفساد وسرقة لقمة العيش من أفواهه، مما أدى إلى ثورة الشباب التي بدأت في تونس ولحقتها مصر وهي تتوقد الآن في الكثير من الدول. وفجأة بدأ القادة بتقديم امتيازات لشعوبهم ظهرت جليا أنها رشوة أكثر منها تغييرات أساسية، ولكن هذه الإستراتيجية لن يكتب لها النجاح على المدى البعيد، لأن مطالب الجيل الجديد لا يقتصر على تحسين مؤقت لمعيشته، بل إنه يطالب بتغيير أساسي في حياة دولته.
وفكرة أنه لم تبرز قيادات متمرسة تستطيع تحمل مسؤولية قيادية، هي فكرة غير ناضجة، ونابعة من تاريخ قريب كون أن التغييرات التي حصلت في بعض الدول العربية جاءت عن طريق انقلابات عسكرية وظهور شخصية قوية تمسك بزمام الأمور. ولكن هذا لا يعني أن هذه الشخصية "أو الشخصيات" غير متواجدة الآن.
وفاجأت هذه الثورات إسرائيل، كما فاجأت القادة العرب، والغرب على حد سواء. والمطلع على وسائل الإعلام الإسرائيلية يلاحظ التخبط الموجود لدى قادتها ومفكريها، في محاولات من جانبهم تقويم الأمور ووضع معادلات يمّكنها من التعامل السريع مع التطورات الجارية.
فمثلا التغيير الذي طرأ على الحدود الجنوبية بسبب الثورة المصرية، قلب التوازن الفكري، السياسي والعسكري لدى حكام إسرائيل. فبعد أن كان نظام حسني مبارك حام لإسرائيل "ولا حاجة للعودة على ما كان يقدمه لها" ومعززا لاقتصادها، أصبحت الآن تتطلع إلى ضرورة وضع المزيد من قواتها تحسبا من أية مفاجآت، والترقب مستمر بالنسبة لأسعار الغاز الطبيعي المصري الذي كان يدخل حوالي تسعة ملاين دولار يوميا لخزينتها قياسا بأسعار الأسواق العالمية. والأسئلة التي بدأت تطرح بالنسبة لتطبيق كل بنود اتفاقية كامب ديفيد. وطبعا فكرة فتح المعابر بشكل مستمر بين الأراضي المصرية وقطاع غزة وغير ذلك.
وتستعد إسرائيل اليوم للتعامل مع الأوضاع الجديدة التي تحدث في الوطن العربي. هذه الثورات لها مطالب، لا يستطيع النظام القائم في إسرائيل تقديمها. وبدأت براعم هذه الأفكار تظهر في الإعلام الإسرائيلي فنقرأ مقالا يقول "سلام على السلام"" هآرتس 24/ 3/ 2016". ويقول الكاتب موجها كلامه للشعب الإسرائيلي: "قولوا مع السلامة يا هدوء. وحتى هؤلاء الذين فرحوا بالهدوء "على الحدود مع مصر وسوريا والأردن"، لن يستطيعوا أن يغمضوا أعينهم بسب الأوضاع الجارية في المنطقة".
والثورات الجارية في العالم العربي ستجبر إسرائيل التعامل مع البُعد القومي العربي، بدلا من البُعد الديني، حيث تبين أن الأحزاب والمنظمات الدينية العربية، لم تلعب دورا رئيسيا في هذه الثورات، والاحتمال أن تسيطر عليها هو إحتمال غير وارد الآن.
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
اين روووووودكممم
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :