إشكالية التسامح والاعتراف بالآخر
بحث في المفهوم والمعنى
م. م. علي عبود المحمداوي(*)
مفهوم التسامح(المعنى والدلالة)
معنى التسامح لغوياً:
اصل كلمة التسامح في اللغة العربية يعود إلى جذر أو مادة(سمح)، بمعنى اللين والسهولة ويأتي في اللغة مرادف للتساهل(1)، واصل النقل والترجمة إلى العربية عن لفظة Tolerance يأتي بعنوان التحمل والاحتمال و Toleration والتي تأتي بمعنى التسامح الديني بالخصوص(2)، ومن الواضح أن هذه العبارة البسيطة الواردة في المورد باتت ناقصة لما تحمله مفردة التسامح من اختلاف بين اللفظين ومعنييهما في اللغتين العربية والإنجليزية، فالاختلاف بين الكلمتين يبدأ بالجذور فكلمة Toleration مشتقة من الجذر اللاتيني tolerare الذي يعني التحمل، بمعنى أن الفكرة الأساسية المتضمنة هنا هي فكرة التحمل، المعاناة، أو التعايش مع شيء غير محبوب وغير مرغوب فيه يجبر المرأ على التعامل معه بايجابية(3). وهذا المعنى مختلف عن معنى كلمة التسامح في اللغة العربية إذ إن الجذر العربي لها هو ما يحتوي فكرة المرونة وفكرة التساهل في خلاف من الخلافات بل والتنازل لشخص من الأشخاص عن رأي أو أحقية أو شيء كتعبير عن التهذيب والأخلاقية الايجابية في التعامل معه(4).
مفهوم التسامح اصطلاحاً:
و عُرف التسامح اصطلاحاً على أنه: «رؤية متفهمة أو متحررة فكرياً حيال العقائد والممارسات المغايرة أو المضادة، لعقائد الشخص المتسامح وممارساته»(5).
ويورد صليبا معانيٍ عدة واصطلاحات للتسامح منها:
«الأول: احتمال المرء بلا اعتراض كل اعتداء على حقوقه الدقيقة بالرغم من قدرته على دفعه.
الثاني: أن تترك لكل إنسان حرية التعبير عن آرائه وان كانت مضادة لأرائك.
والثالث: هو أن يحترم المرء آراء غيره لاعتقاده إنها محاولة للتعبير عن جانب من جوانب الحقيقة»(6).
وعُرف ايضاً بأنه «موقف من يقبل لدى الآخرين وجود طرق تفكير وطرق حياة مختلفة عما لديه هو. . . وبذلك يصبح مبدأ التسامح مبدأً توافقياً ويكون الغرض منه ليس الأخذ بالممنوعات ولكن الوصول إلى التوافقات»(7).
كما و أورد لالاند عدة تعريفات لمفهوم التسامح منها:
التسامح بمعنى: «استعداد عقلي أو قاعدة سلوكية قوامها ترك حرية التعبير عن الرأي لكل فرد حتى وان كنا لانشاطره رأيه»(8).
والمعنى الآخر هو: «احترام ودي لآراء الآخر، وذلك بإعتبارها مساهمة في الحقيقة الشاملة»(9)، ويأتي هذا المعنى مع الاعتراف بأن أي طرف من أطراف التعامل(الفردي أو الجمعي) لا يمتلك الحقيقة المطلقة، وإنما يمكن أن يكون جزءاً منها وهو مع الآخر يعد تكميلي أو يمتلك جزءاً آخر منها.
و التسامح هو الموقف الايجابي المتفهم للعقائد والأفكار والذي يسمح بتعايش الرؤى والاتجاهات المختلفة على أساس شرعية الآخر سياسيا ودينياً(10).
وعليه فـ«التسامح هو امتزاج بين الفكر والأخلاق، وتعبير عن موقف فكري من جهة، وموقف أخلاقي من جهة أخرى، موقف فكري يحدد طريقة التعامل مع المفاهيم والأفكار المغايرة على مستوى النظر، وموقف أخلاقي يحدد طريقة التعامل مع المفاهيم والأفكار المغايرة على مستوى العمل»(11). والتسامح كما يرى الميلاد «هو الموقف الذي يظهر قوة الضمير، وشفافية النزعة الإنسانية، وعظمة الروح الأخلاقية، لكن متى يكون للتسامح كل هذه القوة والفاعلية والتجلي؟ يكون ذلك حينما يتحول التسامح إلى موقف إنساني ثابت، والتزام أخلاقي راسخ، ومصدر للاستلهام، وحينما يكون هناك تضامن من أجل التسامح. لأن الحكمة تتغلب على التعصب والتسامح هو حكمة، ولأن المنطق يتغلب على العنف والتسامح هو منطق، ولأن الشجاعة تتغلب على التهور والتسامح هو شجاعة، ولأن الحرية تتغلب على التكفير والتسامح هو حرية. بهذه الدلالات والمعاني ينبغي أن نفهم التسامح، وبهذا الإدراك ينبغي أن نتعامل معه»(12).
ومنه أي من فكرة الترابط بين الفكر والسلوك كمنظومة تكاملية لمعنى التسامح يتبين ان التسامح هو «استعداد نفسي وسلوك ناتج عن هذا الاستعداد لتفهم آراء ومواقف الاخرين المغايرين لنا في الاعتقاد والتصرف»(13).
التسامح(ليس منة أو هبة)
ومن خلال البحث في مفهوم التسامح ومعناه نتوصل إلى ملاحظات عدة جديرة بالذكر منها:
اولاً: معنى التساهل لا يرادف معنى التسامح(حسب ما ذكر آنفاًَ في المعنى اللغوي)، فالتساهل بمعنى أن تترك الآخرين لشأنهم دون الاكتراث لهم أو الاهتمام بهم، فهذا الشكل من التعامل هو ضرب من ضروب التملص والتهرب من الآخر(14).
ثانياً: كما وان معنى التحمل لايتوافق مع التسامح ايضاً لأنه يقيم حدود بين الطرفين، الذات والآخر، والتسامح تعامل على أساس أن الإنسان يجب أن يمارس علاقته بالآخر من خلال عدم زعمه انه يمتلك كل الحقيقة المطلقة أو أن يتفرد بامتلاكه(15).
فالتحمل يرادف امتلاكية الحق بالنسبة للذات والتعامل مع الآخر على انه لايمتلكه ولكنه يتحمله بالرغم من ذلك، أما مع التسامح فأمر مختلف، إذ انه يقوم على افتراض تعددية امتلاك الحقيقة أو عدم الجزم بامتلاكها بالنسبة لطرف على حساب الآخر.
ثالثاً: وهنالك تقاطع واشتراك بين التسامح والاعتراف بحقوق الآخرين، والاعتراف بهم اولاً(16).
و ما يفهم من معنى التسامح هو اللين في تقبل الآخر على جميع مستوياته الوجودية والفكرية والسلوكية، وأسوأ ما يمكن أن يتصور هو أن لا نتسامح في وجود الآخر = الإنسان، وذلك عادة ما يتم عبر الانتماء لدائرة دينية ضيقة الفهم، تتخذ من ترسانة التعصب درعاً لها ومن التخلف منهجاً داعما لها، التي ترى نفسها هي من يستحق الوجود ومن يحمل الفكر السليم ولا غير مطلقاً.
ويبتني التسامح على فكرة (تقبل الاختلاف) و(التعددية) فـ «التسامح ليس منة أو هبة يتفضل بها احد على غيره، انه حق تنتزعه المجتمعات، حينما تنخرط بفعالية الاختلاف متعدد المستويات والمعاني».(17) وعلى الأساس نفسه من الاختلاف والتنوع فـإننا « كبشر لانمتلك الحقيقة المطلقة وإنما هي موزعة بين البشر، وتحتاج إلى إنصات وتواصل مستمر بينهم، لذلك فالتسامح هو الخيار السليم الذي ينبغي أن يتم التعامل به»(18). وتكمن فكرة التسامح في قبول «اعتبار الآخر صاحب حق كامل في أن يكون مختلفاً عني فكل عملية تسامح ليست بالضرورة أو لاتقود بالضرورة إلى عملية توافق بيني وبين الآخر، ولكنها تقود إلى الاعتراف بحق الآخر أن يعتقد، وان يقول، وان يفعل، مايوازي أو يلائم هذا الاعتراف»(19).
ويرى جون لوك أن عدم التسامح ورفضه مع الآخر المختلف والمغاير، هو الذي أفضى إلى الحروب والنزاعات(20). فـ«الحاجة إلى التسامح لأن الاختلاف من طبيعة البشر، ومن مقتضيات العقل، ومن ضرورات الاجتماع. قال تعالى: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)(118/ سورة هود)، وقوله تعالى: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ)(99/ سورة يونس). ولأننا نمارس الاختلاف ويمارس علينا، وهو من مشاهد الحياة اليومية، ومع وجود الاختلاف، نحتاج إلى التسامح، لكي لا يتحول الاختلاف إلى تباعد بين النفوس، ولكي لا يزرع الأحقاد بين الناس، ولكي لا يولد النزاعات بينهم، بل من أجل أن يكون الاختلاف رحمة بين الناس، وليثير لهم دفائن العقول، ويضفي عليهم متعة العيش والحياة»(21).
والتعارف احد المناهج الكفيلة بتنظيم طرق الاختلاف بين الناس والأمم، إذ يقتضي هذا المنهج الاعتراف بالاختلاف الواقعي بين البشر، الافراد منهم والجماعات، والعمل على ضرورة ترسيخ فكرة التوافق على العيش معاً بالرغم من الاختلاف(22).
كما ويأتي التسامح في مقابل العنف، إذ إن «إشاعة أجواء السلم والتسامح والقبول بالآخر وجوداً ورأياً هي السلاح الفعال في القضاء على ظاهرة العنف البشري»(23). وعليه يجب الانتقال من فكرة الاختلاف الذي يقتضي العنف، من خلال تفعيل مفهوم التسامح بشكل عملي إلى جعله مشروعا للتعارف والاعتراف، فالاختلاف «ليس سبباً للجفاء والتباعد والتباين في وجهات النظر، لايلغي الجوامع المشتركة بين بني الإنسان، وتعدد الاجتهادات ليس مدعاة للنبذ والنفي، وإنما كل هذا يؤسس للانخراط في مشروع التعارف والفهم المتبادل».(24).
والآخر بدلاً من أن يكون باختلافه مصدر قلق ومشروع للصدام والعنف، يجب أن يتحول من خلال رسم معالم ثقافية جديدة تحمل مشعل التسامح لتنير به درب البشرية. وحسب المنظومة الفكرية الإسلامية فإن «الآخر في القرآن ليس مشروع حرب، بل هو مشروع تعارف وفكر ودعوة وسلام وأخوّة وتعاون وحسن ظن ودعاء بالخير(25). وعليه فلا يجوز أن يفهم التسامح الذي جعل له الإسلام أساساً راسخا لتنظيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم أو بينهم أنفسهم، على انه نوع من الانفلات واللامسؤولية، ليس المقصود ذلك، وإنما المقصود هو التسامح الذي لا يلغي الفوارق والاختلافات والخصوصيات(26).
كما ويرتبط التسامح بفكرة السلم واللاحرب كما بينا(ضمناً)انفاً، فـ «التسامح أمر لا غنى منه للعلاقات السلمية في أي مجتمع،حينما يتحول التسامح إلى احترام متبادل، وهي صفة أكثر ايجابية. . . ومن ثم فإن الاحترام المتبادل يشكل أساساً لإقامة مجتمع إنساني تعددي، وهو نوع المجتمعات الذي يمثله الجوار العالمي ذاته، لايتميز بالاستقرار فحسب بل بإحترام تنوعه الذي يغنيه»(27).
ويعترض محمد حسن الأمين على فكرة(التسامح من طرف واحد) أو(الفاعل المتسامح) و(المفعول به المتسامح معه)، ويعد فكرة التسامح هذه «تتضمن شيئاً من توهين الآخر، فحينما أتسامح مع الآخر فإنني افتعل موقف السماح منه، لذلك ربما كان تعبير التسامح قاصراً عن أداء الغرض الذي من اجله يستعمل هذا المصطلح. . . بين الأنا والآخر، في هذه الزاوية يجب أن نبدأ من هذه النقطة فنقول إن الآخر بوصفه يمتلك كامل الحقوق التي يمتلكها الأنا. . . فان العلاقة بيننا وبينه ليست علاقة تسامح بقدر ما هي علاقة سماح متبادل»(28).
التسامح والمسألة الدينية:
كثيراً ما ارتبطت مسألة التسامح بالقضية الدينية، وأول أو أبرز من كتب في هذا المجال هو لوك،فقد ارتبطت «مقولة التسامح بالمسألة الدينية من قبل الفيلسوف جون لوك بوصفها الحل العقلاني الوحيد لمشكلة الخلافات التي نشأت داخل المسيحية التي هي الدين الرئيسي في الثقافة الغربية»(29).
«والتسامح في الدين هو احترام حرية التعبير والانفتاح الفكري تجاه الذين يمارسون ديانات وعقائد دينية مختلفة عمّا نمارس»(30).
وعبر عبد الرحمن بدوي عن فكرة التسامح الديني بتفصيل في مقدمته لرسالة جون لوك في التسامح، إذ قدم عرضا وتحليلا لأهم الأفكار في التسامح الديني، فهنالك نوعين من الرؤى الدينية: أولها التي ترى الأديان متساوية وإنها ممتلكة للحق على التساوي والمماثلة، فهؤلاء يؤكدون على التسامح لان كل دين هو حق وحسن. والنظرة الأخرى تقول بنسبية الدين أو النسبية الدينية التي تعتقد بأن كل دين يكشف عن جزء أو جانب من الحق، وهم يؤمنون بفكرة التكامل الديني، إذ أن الأديان كلها ضرورية من اجل تحصيل الحق بأكمله(31).
الا ان مسألة التسامح فيها قدر كبير من المحذور في حالة قربها او بعدها من الدين، فبمستوى ما للمتطرفين الدينيين من اثر في العنف واللاتسمح ورفض الاخر وعدم الاعتراف به، نجد كثير من النصوص الدينية(لأي فرقة أو ملة أو مذهب) تحث على التساهل والتسامح وقبول الآخر والتعددية الدينية، قال تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)(6/ سورة الكافرون).
وعارض البعض من رجال الدين في العصر الوسيط وخاصة مع الفكر الكنسي المسيحي بالذات فكرة التسامح،فقد «كان هنالك رجال دين كبار يحاربون التسامح الديني وأي تساهل مع ليس فقط الأديان الأخرى. . . بل مع المذاهب الدينية المسيحية الأخرى»(32).
ومنهم من دعا إلى عدم التسامح مع البروتستانت(لأنهم يمثلون الإصلاح أو التغيير) لأنه يجد أن الكاثوليك هم الحقيقة المطلقة التي لا يساورها أو يجاورها باطل، وانهم الوحيدون الذين يستحقون الاحترام(33).
وعلى العكس ومما يستهجن على(لوك) هو استثناء الكاثوليك من التسامح في رسالته حول التسامح لأنهم يدينون بالولاء للبابا ولملك فرنسا حينها(34) وكأنها جاءت بالضد من فكرة الاستهجان المقابلة للبروتستانت من الكاثوليك.
وهذه الفكرة(أي مسألة الوقوف بالضد من مبدأ التسامح) لم تقتصر على الفكر الكنسي، بل تجد كثيرا من الرموز الدينية الإسلامية هي الأخرى لاترى الحق إلا فيها ومنها ومعها، أما الباقي فهم في ضلال،لا بل يجب – عند البعض - قتلهم وإلغاءهم على مستوى الفكر والسلوك والوجود ايضاً.
الحاجة إلى التسامح
تنبع الحاجة إلى التسامح من عدة مبررات و ضرورات تدعو إلى أن يكون التسامح أداة ومنهجاً للسلوكيات الإنسانية عموما،ولا سيما فيما يرتبط بالاعتراف بالإنسان الآخر وان كان البعض،منهم(علي حرب) قد حاول الفصل بين فكرة التسامح والاعتراف بالآخر ساعيا إلى إيجاد فاصل أو حد بين الفكرتين إذ يقول: «أن نتسامح معناه أن نتنازل للآخر عن حق ليس له، أو أن نتساهل معه عن خطأ ارتكبه، بحسب ما نعتقد »(35). كما ويرى بأنه يجب العمل على إعادة صياغة المفاهيم الخاصة بالتعامل مع الآخر والتخلي «عن مفهوم التسامح الذي يصلح كهدنة بين توترين أو صدامين أو فتنتين، لمصلحة مفهوم الاعتراف الذي ينفتح على التعددية الثقافية والدينية، كما يتغذى من قيم العصر التواصلية والتداولية»(36)( ). ويبين نص علي حرب السابق فكرة الترابط بين منهجية التعارف والاعتراف بفكرة التواصل مع الآخر، إلا أن النص فيه نقاش من ناحية رفض الترابط بين التسامح والاعتراف أو الفصل بينهما وجعل كل منهما يعمل على مشروع يختلف عن الآخر، علما أن أغلب ـ إن لم تكن كل ـ التعاريف التي سردناها في البحث، تشير إلى أن التسامح يتضمن رؤية إلى الآخر مبتنية على الاعتراف به، وإلا لما فكر في أن يتسامح معه، ولا داعي للتسامح من دون مقدمة الاعتراف بالآخر، فالمفهومان يعملان في المهمة نفسها وينسجان نفس الدرب لغرض تشكيل نسق معرفي تكاملي مع الآخر يبتني على تقبله والاعتراف به.
ومن أسباب ودواعي «الحاجة إلى التسامح(لوجود) الخطأ(الذي) يصدر من الجميع، ولأن البشر ليسوا منزهين عن الخطأ، ولأن كل واحد من البشر وجد نفسه في موقف يطلب فيه التسامح، وقد يلح في طلبه أحياناً لأنه صدر منه خطأ، ويكفي لهذه المواقف أن نتعلم منها حاجتنا إلى التسامح، وحاجة الجميع إليه»(37).
ونحن نحتاج إلى التسامح لمعالجات كثيرة، منها الحاجة إلى «التسامح لكي لا يكون التعصب بديلاً، ولكي لا يكون قمع الرأي وهيمنة الرأي الواحد ممكناً، ولكي لا يكون العنف سبيلاً، ولكي لا يكون التكفير خياراً، فقد اشتهر بين المسلمين كما يرى(محمد عبده) في كتابه(الإسلام دين العلم والمدنية) وعرف من قواعد أحكام دينهم، أنه إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حمل على الإيمان، ولا يجوز حمله على الكفر، والقاعدة أن التعصب لا يواجه بالتعصب وإنما بالتسامح، والكراهية لا تواجه بالكراهية وإنما بالتسامح، والتكفير لا يواجه بالتكفير وإنما بالتسامح، والعنف لا يواجه بالعنف وإنما بالتسامح. ولا ينبغي أن يفهم التسامح بوصفه موقف الضعيف أو ينم عن ضعف، ولا هو موقف الامتنان أو التعالي بإبداء الصفح والعفو من موقع الترفع على الآخرين، ولا هو موقف التردد والاضطراب واللاحسم، وإنما هو الموقف الذي يظهر قوة الضمير، وشفافية النزعة الإنسانية، وعظمة الروح الأخلاقية»(38).
إذن علينا أن نقوم «بمراجعة جذرية لطروحات الغلو والتطرف داخل الخطاب الإسلامي التي لا تنهض على قاعدة التسامح»(39). . كما يتوجب الدعوة إلى «تجديد ديني ينهض على قاعدة التسامح والتنوير والتواصل مع الآخر»(40). وعلينا أن نراهن على مشروع ما بعد الأصولية، الذي ينهض كذلك على قاعدة التسامح، فالمشروع الأصولي فشل فشلاً ذريعاً في حل المشكلات الاجتماعية الداخلية والخارجية.
وما يدعم هذا المشروع(ما بعد الأصولية) هو ظهور وبروز تيار إسلامي عقلاني(متسامح) في العالم الإسلامي والعربي، من شأنه أن يكون رداً حضارياً على موجة الأصولية التي أغرقت العالم بالعنف(41).
المصادر والمراجع
ــــــــــ
(*) كاتب وباحث من العراق.
(1) المعجم الوسيط: ص447.
(2) قاموس المورد، ص 975.
(3) مجموعة باحثين: التسامح بين شرق وغرب،سمير الخليل - التسامح في اللغة العربية، دارالساقي بيروت، الطبعة الاولى، 1992، ص6.
(4) المصدر السابق: ص10
(5) مليكان، مصطفى: مفهوم التسامح - اطلالة على الركائز النظرية، كتاب التسامح وجذور اللاتسامح، مجموعة مؤلفين، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، 2016، ص 81
(6) صليبا، جميل: المعجم الفلسفي، ص271-272.
(7) علبي، عاطف: التسامح والثقافات، مجلة التسامح، تصدر عن وزارة الاوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عمان، العدد الخامس، 2016، ص300.
(8) لالاند: الموسوعة الفلسفية، الجزء 3، ص 1460.
(9) المصدر السابق: ص 1461.
(10) الغرباوي، ماجد: التسامح ومنابع اللاتسامح - فرص التعايش بين الأديان والثقافات، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد – العراق، مطبعة سرور، الطبعة الأولى، 2016 : 17.
(11)الميلاد، زكي: الإسلام والإصلاح الثقافي، دار أطياف للنشر والتوزيع، القطيف- السعودية، سنة 2016م :98.
(12) الموقع الالكتروني للاستاذ زكي الميلاد:
https://www. almilad. Org.
(13)عبد الرحمن بدوي: الموسوعة الفلسفية، منشورات ذوي القربى، الطبعة الأولى،1427 هـ ج3 :58.
(14) شبستري، محمد مجتهد: بحث اشكالية التسامح، كتاب التسامح وجذور اللاتسامح، مجموعة مؤلفين، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، 2016 : 81.
(15) المصدر السابق والصفحة.
(16)المصدر السابق : 82.
(17) ابراهيم، عبد الله: حيرة المجتمعات الاسلامية – في القول بأن التسامح ليس منة او هبة، مجلة قضايا اسلامية معاصرة، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، العدد 27، 2016 : 22.
(18) محفوظ، محمد: معنى التسامح – التسامح وافاق السلم الاهلي، كتاب التسامح وجذور اللاتسامح، مجموعة مؤلفين، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، 2016 :187.
(19) محمد حسن الامين، ندوة الاخر شرط وجودي ومعرفي للانا، مجلة قضايا اسلامية معاصرة، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، العدد 28-29(مشترك) : 83.
(20) لوك، جون: رسالة في التسامح، ترجمها عن اللاتينية مع تقديم وتعليق عبد الرحمن بدوي، مركز درسات فلسفة الدينة – بغداد، سلسلة ثقافة التسامح، 2016 : 121.
(21)الميلاد، زكي: الإسلام والإصلاح الثقافي، دار أطياف للنشر والتوزيع، القطيف- السعودية، سنة 2016م :101.
(22) السيد، رضوان: التعدد والتسامح والاعتراف – نظرة في الثوابت والفهم والتجربة التأريخية، مجلة التسامح، تصدر عن وزارة الاوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عمان، العدد 12، 2016 : 13.
(23) محفوظ، محمد: معنى التسامح – التسامح وافاق السلم الاهلي، كتاب التسامح وجذور اللاتسامح، مجموعة مؤلفين : 187.
(24) المصدر السابق : 199.
(25)الشابندر، غالب حسن: الآخر في القرآن، سلسلة ثقافة التسامح، مركز دراسات فلسفة الدين – بغداد، 2016 : 195.
(26) التويجري، عبد العزيز بن عثمان: الحوار من اجل التعايش، دار الشروق بيروت – لبنان، الطبعة الاولى، 1998 : 81.
(27) محفوظ، محمد: معنى التسامح – التسامح وافاق السلم الاهلي، كتاب التسامح وجذور اللاتسامح، مجموعة مؤلفين،ص 63-64.
(28) محمد حسن الامين، ندوة الاخر شرط وجودي ومعرفي للانا، مجلة قضايا اسلامية معاصرة، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، العدد 28-29(مشترك) : 83.
(29)محفوظ، محمد: معنى التسامح – التسامح وافاق السلم الاهلي، كتاب التسامح وجذور اللاتسامح، مجموعة مؤلفين : 184.
(30) علبي،عاطف: التسامح والثقافات، مجلة التسامح، تصدر عن وزارة الاوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عمان، العدد 5، 2016،
(31) لوك، جون: رسالة في التسامح، ترجمها عن اللاتينية مع تقديم وتعليق عبد الحرمن بدوي، مركز درسات فلسفة الدينة – بغداد، سلسلة ثقافة التسامح، 2016 : 7 من مقدمة عبد الرحمن بدوي.
(32)عبد الرحمن بدوي: الموسوعة الفلسفية، ج3 : 59.
(33) الصدر لسابق والصفحة.
(34) المصدر السابق والصفحة
(35) حرب، علي: الانسان الادنى – امراض الدين واعطال الحداثة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت – لبنان، الطبعة الاولى، 2016، 105.
(36)المصدر السابق : 106.
(37) الميلاد، زكي: الإسلام والإصلاح الثقافي : 101.
(39) المصدر السابق والصفحة.
(39) السيد، رضوان: التعدد والتسامح والاعتراف – نظرة في الثوابت والفهم والتجربة التأريخية، مجلة التسامح، تصدر عن وزارة الاوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عمان، العدد 12، 2016 : 147.
(40) المصدر السابق والصفحة.
(41) المصدر السابق والصفحة.