عنوان الموضوع : التدين الأيديولوجي خبر عاجل
مقدم من طرف منتديات العندليب
التدين الأيديولوجي
العلاقة بين الإنسان والإيمان علاقة خاصة، فرضتها حاجته العاطفية، ولهذا يؤمن الإنسان بعاطفته ومشاعره أكثر من إيمانه بعقله. وإن أردنا التركيز على “الحقيقة الدينية” سنجدها خاضعة للنسبية مهما يكن الأمر، فأتباع كل دين وكل طائفة وكل جماعة دينية يجزمون بصحة معتقدهم، كما يعتقد كل فرد أن (تدينه) المكتسب هو حقيقة بحد ذاتها وبالتالي انعكاس للحقيقة الدينية.
صحيحٌ أن كل الأديان والمذاهب تتفق على روحانية الإيمان، لكنها تختلف في الصيغة والوسائل التي يتم بها التعبير عن هذا الإيمان، أي العبادات، ولذلك يمكن أنْ يصبح التدين شكلاً من أشكال التشدد حين يصبح بعيداً عن جوهر العلاقة الروحانية بين الإنسان وربه من جهة، وبعيداً عن العلاقة السوية بين الإنسان وأخيه الإنسان من جهة أخرى، فكثيراً ما نرى الاهتمام بالشكل والهيئة، فيكون معيار التدين بمظهر محدد يقصد منه عكس صورة لحقيقة الإيمان، مع أنّ الإيمان لا يمكن أن يرتبط بالمظهر فقط لأنه شعور داخلي أساساً، ففي ثقافتنا الإسلامية يتم الحكم فوراً على المرأة غير المحجبة أو على الرجل الحليق بالبعد عن الله!
وهذا بحد ذاته يعتبر تشدداً في الفكر لأن الفيصل في المسألة هو الممارسة، فماذا يستفيد (س) من تديّن (ص) إذا كان رجلاً يمارس ضده كل أنواع الإساءة والإقصاء بشكل لا أخلاقي؟! فبذلك نحن أمام “حالة زيف” يكون فيها المظهر على حساب الجوهر؛ نلمس فيها طغيان المادي/الشكلي على المعنوي/ الأخلاقي.
يفترض في التدين أن يربط بما ينمّي في الإنسان السلوك المتسامح ويحقق انتشار المحبة والسلم الاجتماعي، إلا أن التدين الأيديولوجي يبتعد عن اعتبار الإيمان حالة فردية وخاصة، ليصبح ردة فعل معاكسة ضد كل الأفكار والقيم الإنسانية حيث يؤخذ الفكر الديني كهوية مغلقة ومفرّغة من محتواها الإنساني بالعودة إلى الموروثات الدينية من أجل صياغتها أيديولوجياً لتتماهى مع التشدد فتحقق أهدافاً سواء اجتماعية أو سياسية، وهنا يكون ظاهر التدين شيئا وباطنه شيئا آخر، فبثّ شكل واحد من التدين وسيلة جيدة للسيطرة على عقول الجماهير وتوجيههم إلى غاية محددة من قبل القيادات الدينية التي هي فعلياً تمارس سلوكيات سياسية تتدثر بدثار الدين!
وتعاني ثقافتنا الإسلامية أحيانا من سيادة الأفكار الدينية المتشددة، التي لا أقول إنها دخيلة على الثقافة ولكن أقول إنها إعادة تركيب وصياغة للتعاليم الدينية العامة بما يناسب الأهداف والغايات، حيث تتجه الجماهير إلى ما يلامس العاطفة الدينية، لا سيما في ظل شعور الضمير الجمعي بعدم تحقق آماله وطموحاته المستقبلية إلا من خلال الموروثات الماضوية التي تُعالج أيديولوجياً لتظهر وكأنها تعبّر عن حقيقة الدين، ولذلك نحن أمام مأزق حقيقي في الثقافة، نحتاج فيه إلى نقد الخطاب الديني المتشدد؛ فالانفتاح الذي نعيشه أثبت لنا ضرورة نقد اليقينيات والقناعات السابقة المؤثرة سلباً في الثقافة، خاصةً حين يُفرض شكل الاعتقاد والإيمان على الناس بالإجبار، مثلما كان يفعله أفراد (طالبان) قبل عدة سنوات.. وربما هناك من يحلو له أن يمارس سلوك طالبان في فرض القمع والتسلط بمنطلقات دينية.
ويكون التدين سلبياً إذا ما أصبح على هذا النحو، حيث يتم “فرز” الناس بناءً على الشكل والظاهر، وتتحدد العلاقة بهم بناءً على إيمانهم-أو عدم إيمانهم- بأفكار معينة، ومن ذلك مثلاً الموقف من الآخر، سواء الآخر البعيد المتمثل بالأديان والمجتمعات الأخرى، أو الآخر القريب المتمثل بالاتجاهات الفكرية والمذهبية الدائرة الثقافية المركزية الواحدة.
ومثلما الصراع بين الفكر التقليدي والفكر الحر موجود، فإن الصراع بين فكر ديني وآخر موجود أيضاً، ولنا أن نلحظ ذلك في تأجيج العنصريات الطائفية التي تحدث منذ زمن طويل بين أتباع المذهب السني وأتباع المذهب الشيعي داخل دائرة الثقافة الإسلامية، حيث نجد في كليهما “فكراً دينياً” يتم من خلاله صب الزيت على نار التاريخ المشتعلة، على الرغم من أن دوافع الخلاف تحركها السياسة منذ شرارة الخلاف الأولى التي انطلقت في مرحلة تاريخية معتمة لم يستطع قراءتها إلا أولئك الذين حاولوا التحرر من الانحياز الأيديولوجي، أما الأتباع التقليديون فهم لن ينجوا من الوقوع في فخ السياسة التي تأخذ الغطاء الديني.
إن تغلغل الأيديولوجيا في الدين أمر سهل، لكن نزعها منه أمر في غاية الصعوبة، يحتاج إلى عملية معقدة وطويلة أشبه بعمليات فصل التوائم السيامية، غير أن الخطوة الأولى والأهم لهذه العملية هي تكريس نقد الخطاب الديني، وإعادة النظر فيما يطرحه هذا الخطاب من مشاريع تعيدنا إلى الوراء مراحل، بدل أن تتقدم بنا! لذلك فإن ثقافتنا الإسلامية أمام حتمية “التنوير” كوسيلة لم تستنفد كل آلياتها بعد، وهذا يتطلب جهداً ووقتاً ونضالاً أيضاً، والمرشح لممارسة هذا الدور ليس المثقف الفرد فحسب بل المؤسسة الثقافية المستقلة التي يمكن من خلالها تبني خطاب عقلاني مقابل الخطابات الدينية المشوّهة.
الكاتب : سعود البلوي
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :