اليوم الذي ثارت فيه هونغ كونغ
يبدو أن التظاهرات المطالبة بالحرية في العصر الحديث لا تقف عند قارة بعينها، فمن الوطن العربي إلى أوكرانيا ولندن والولايات المتحدة الأمريكية، وصولًا لمدينة “هونج كونج” الصينية بآسيا، والتي شهدت في الفترة الماضية تعنتًا واضحًا من قبل حكومة بكين، ضد مواطني هونج كونج، بعد أن رفضت مطالبهم باختيار زعيمهم القادم عبر الآليات الديمقراطية عام 2017؛ وأن تقتصر الانتخابات على عدد قليل من المرشحين الموالين لبكين؛ ما دفع ناشطون هونج كونج المطالبين بالحرية، إلى محاصرة مقر حكومة هونج كونج.
[IMG]https://altagreer.com/wp-*******/uploads/2015/09/6.jpg[/IMG]
واحتل عشرات المحتجين جزءًا من مكتب هونج كونج الاقتصادي والتجاري والثقافي بمنطقة شينيي، بالمركز التجارى والمالى في تايبيه، لنحو 10 ساعات، وفقًا لتقارير إخبارية محلية؛ حاملين لافتات كُتب عليها “هونج كونج اليوم، وغدًا تايوان”، في مدخل المبنى.
ووقعت صدامات متكررة بين المتظاهرين والعشرات من عناصر الشرطة التي انتشرت في موقع الاحتجاج، وقال المحتج لين فاي فان، وهو طالب دراسات عليا عمره 26 عامًا وأحد قادة احتجاج سابق في مارس، إننا نحتج هنا في تايبيه، مع طلاب هونج كونج الذين يدرسون في تايوان، لإظهار دعمنا للمتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في هونج كونج.
وسلم المتظاهرون رسالة دعم لاحتجاجات هونج كونج باليد إلى مدير المكتب، جون لونج، الذي قال إنه سيقوم بتوصيل الرسالة إلى حكومة هونج كونج.
وقال “لونج”: “أعتقد أن شرطة هونج كونج تعاملت مع الموقف على نحو احترافي”، مشيرًا إلى اشتباكات جرت بين الشرطة والمتظاهرين مطلع الأسبوع الجاري.
[IMG]https://altagreer.com/wp-*******/uploads/2015/09/017960765_30300.jpg[/IMG]
وتابع “لونج”: “ومع ذلك، ما زلت أشعر بالأسف لما حدث في هونج كونج أمس”، وقال الطلاب في الرسالة إنهم يؤيدون الانتخاب المباشر لرئيس السلطة التنفيذية في هونج كونج في عام 2017.
كما طالبوا الرئيس التايوانى ما يينج-جيو بالتعبير عن قلقه إزاء العنف في هونج كونج أمس الأحد.
وقال “ما”، في كلمة أمس الاثنين: “إننا نفهم تمامًا وندعم مطالب شعب هونج كونج في إجراء انتخابات مباشرة”، وأضاف قائلًا: “السلطات الصينية يجب أن تستمع إلى صوت الشعب في هونج كونج وأن تتعامل مع احتجاج عشرات الآلاف من الناس بطريقة سلمية وحذرة”، كما حث “ما”، المتظاهرين في هونج كونج على التعبير عن آرائهم بطرق سلمية.
قد تحتفل أجيال المستقبل بيوم 28 سبتمبر 2015 على أنه اليوم الذي تحولت به هونغ كونغ من مدينة غير سياسية شهيرة إلى مدينة سياسية بطريقة لا تدع مجالًا للشك، وفقًا لمجلة فورين بوليسي. عشرات الآلاف من المحتجين الداعين إلى تحقيق “ديمقراطية حقيقية”، واجهوا الشرطة في شوارع قلب المدينة. وهدفهم هو أن لا لتدخل بكين في عملية الانتخاب المزمعة للرئيس التنفيذي للمدينة في عام 2017.
[IMG]https://altagreer.com/wp-*******/uploads/2015/09/%D9%87%D9%88%D9%86%D8%AC-%D9%83%D9%88%D9%86%D8%AC-1.jpg[/IMG]
حيث كان احتجاج هونغ كونغ المستمر منذ يوم الأحد هائلًا، فتدفق المواطنون إلى الشوارع في تحدّ فريد لقوات الشرطة التي انتشرت مرتديةً الأقنعة المضادة للغازات، وغيرها من وسائل مكافحة الشغب.
وعندما رفض الحشد الجماهيري أن يتفرق، أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل على المتظاهرين، وهي الأساليب التي لم تستخدم في هذه المدينة منذ آخر احتجاج شعبي رئيس في عام 2016، وفقًا لرويترز.
وعلى الرغم من أن خدمات بعض مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، مثل إينستغرام، تم تعطيلها من قبل الحكومة الصينية، إلّا أن صور المظاهرات استطاعت أن تجد طريقها إلى بقية أنحاء العالم.
كينيث روث، وهو المدير التنفيذي في منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان، قال في تغريدة على تويتر بأن الصين أوقفت إنستغرام لمنع العالم من رؤية مثل هذه الصور:
ومن جانبه، أكد تروي ماكولو، وهو محرر أخبار آسيا في صحيفة وول ستريت جورنال، على رقي المتظاهرين السلميين في هونغ كونغ، حيث ورغم تعرضهم للغازات المسيلة للدموع، ما زالوا مصرّين على جمع القمامة من خلفهم:
وأما ماكس فيشر، وهو مدير المحتوى في موقع فوكس الإخباري، فقد شبّه بين مظاهرات هونغ كونغ والمظاهرات في مدينة فرغسون الأمريكية، من خلال استخدام المتظاهرين تعبير رفع اليدين كي لا تطلق عليهم الشرطة النار:
فيشر نفسه، وفي تقرير مفصل نشره موقع فوكس الإخباري عما يحدث في هونغ كونغ، اعتبر هذه الاحتجاجات غير مسبوقة، وكذلك رد فعل الشرطة عليها، وأوضح: “مسيرات الاحتجاج والاعتصامات شائعة إلى حد ما في هونغ كونغ، ولكن ما بدأ يوم الجمعة وتصاعد بشكل كبير يوم الأحد هو أمر غير مسبوق”.
وأضاف: “كان في استقبال أعمال العصيان المدني استجابة سريعة وصادمة من قبل الشرطة، وهو ما أدى إلى وقوع اشتباكات في الشوارع وتزايد الغضب الشعبي بشكل كبير، لدرجة أن المحللين لا يستطيعون تخمين ماذا سيحدث بعد هذا”.
وأكد فيشر على أن ما يحدث في هونغ كونغ الآن هو صفقة كبيرة جدًا، وذلك لأسباب تذهب إلى ما هو أبعد من احتجاجات نهاية هذا الأسبوع فقط، وقال: “المواطنون في هونغ كونغ يحتجون للحفاظ على الحقوق الديمقراطية التي وعدوا بها، والتي، ولسبب وجيه، هم قلقون من أنها سوف تؤخذ بعيدًا من قبل الحكومة الصينية المركزية في بكين”.
وأضاف فيشر: “هذه اللحظة هي نوع من المواجهة بين هونغ كونغ والصين بشأن مستقبل المدينة، وهي المواجهة التي كان الجميع يستعد لها منذ نحو 20 عامًا”.
[IMG]https://altagreer.com/wp-*******/uploads/2015/09/hong-kong-democracy-protest4.jpg[/IMG]
كيف بدأت الاحتجاجات بالتطور؟
لم يكن هناك يوم الأربعاء ما يثير الاستغراب. جماعات طلابية قامت في ذلك اليوم بمسيرات سلمية احتجاجًا على خطة الصين الجديدة بما يخص انتخابات عام 2017 في هونغ كونغ، وهي الخطة التي بدت وكأنها تعني تراجع الصين عن وعودها بمنح الديمقراطية الكاملة لمنطقة الحكم الذاتي في هونغ كونغ. وهذه المسيرات الاحتجاجية الطلابية هي أمر شائع جدًا في المدينة ضد هذه الخطط الصينية.
إلا أن الأمور بدأت بالتصاعد يوم الجمعة. حيث بدأ أعضاء من جماعة الاحتجاج الطلابية بالدعوة إلى إطلاق حملة “عصيان مدني” في 1 أكتوبر، وهو العيد الوطني لتأسيس الشيوعية في الصين. وبالفعل، بدأ المحتجون يوم الجمعة باحتلال مقدمة الساحة الرئيسة في المدينة أمام مقر حكومة هونغ كونغ.
[IMG]https://altagreer.com/wp-*******/uploads/2015/09/2521.jpg[/IMG]
ولكن الشيء المهم حقًّا هو ما حدث بعد ذلك، حيث شنت الشرطة في هونغ كونغ حملة مفاجئة وعنيفة لتفريق المتظاهرين، من خلال استخدام الرصاص المطاطي، والغازات المسيلة للدموع. وردًا على ذلك، بدأ سكان هونغ كونغ بالنزول إلى الشوارع للانضمام إلى المحتجين.
وأصدرت الحكومة المركزية الصينية بيان المصادقة على إجراءات الشرطة، وهو ما فعله أيضًا الرئيس التنفيذي الموالي لبكين في هونغ كونغ، وهذه إشارة ضمنية إلى أن بكين تتمنى بالفعل أن يتم إخماد الاحتجاجات بأي طريقة.
كل هذا بسبب الوعد الذي قطعته الصين في عام 1997
بدأت كل هذه المشاكل في عام 1997، عندما سلمت بريطانيا هونغ كونغ، وهي واحدة من ممتلكاتها الاستعمارية الماضية، للحكومة الصينية. وكجزءٍ من عملية التسليم، وعدتِ الحكومة الصينية في بكين بالسماح لهونغ كونغ بالحفاظ على حقوقها الخاصة واستقلاليتها، وهو الاتفاق الذي يعرف باسم “دولة واحدة ونظامان”.
[IMG]https://altagreer.com/wp-*******/uploads/2015/09/20150927221034-resize.jpg[/IMG]
وقضت هونغ كونغ أكثر من 150 عامًا تحت الحكم البريطاني، وقد أصبحت مركزًا للأثرياء بشكل خرافي وللتجارة. وفي حين أنها لا تتمتع بعد بالديمقراطية الكاملة، إلا أنها لا تزال أكثر حرية وديمقراطية بكثير من بقية الصين.
وكان جزء كبير من هذه الصفقة، هو أنّ الصين وعدت أنه في عام 2017، سيكون من حق المواطنين في هونغ كونغ انتخاب زعيمهم للمرة الأولى على الإطلاق ديمقراطيًا. وهذا الزعيم، والمعروف باسم الرئيس التنفيذي لهونغ كونغ، يعين حاليًا من قبل لجنة مؤيدة لبكين. وفي عام 2016، أكدت الحكومة الصينية على وعدها بإعطاء هونغ كونغ هذا الحق في عام 2017.
ولكن كانت هناك علامات مثيرة للقلق طوال هذا العام من أن الحكومة الصينية المركزية قد تتراجع عن وعدها. في تموز، أصدرت الحكومة الصينية “ورقة بيضاء”، مؤكدة أن لديها “الولاية القضائية الشاملة” على هونغ كونغ، وأن “الدرجة العالية من الحكم الذاتي في هونغ كونغ تأتي فقط من خلال موافقة القيادة المركزية”.
وبدا هذا التصريح للكثيرين وكأنه تحذير من أن بكين تحاول إبقاء سيطرتها على الحريات في هونغ كونغ، ولهذا سار عشرات الآلاف من المواطنين في الاحتجاجات ضد “الورقة البيضاء”، وللدفاع عن حقهم بإنجاز وعد 1997.
وفي آب/أغسطس، أعلنت بكين عن خطتها للانتخابات في هونغ كونغ لعام 2017، حيث قرّرت أن تسمح للمواطنين بالتصويت لصالح مرشحهم لمنصب الرئيس التنفيذي. إلا أنها قالت بأن على الراغبين بالترشح في الانتخابات أن يحصلوا على الموافقة من قبل لجنة خاصة، وهو ما يشبه تمامًا وجود اللجنة الموالية لبكين حاليًا، والتي تقوم بتعيين الرئيس التنفيذي للإقليم.