عنوان الموضوع : اخترعنا الصفر ... وماذا بعد ؟
مقدم من طرف منتديات العندليب
من بين كل الأصدقاء يحرجني لقاء صديق الطفولة والدراسة صابر الذي وإن كان لا يزعجني حديثه، لكن إتقانه فن السفسطة السياسية يحشرني في زاوية ضيقة لا أخلص منها إلا بالاعتراف بالعجز. وغالبا ما تنتهي اتهاماتي له والتي استعملها كخط دفاع أول إلى الفشل. فكثيرا ما أصف جدله بالنقاش البيزنطي دون أن أتمكن من كسر عزيمته حين يتعلق الأمر بالحديث عن الدور الحضاري لأمتنا التي يعتبرها عالة على التاريخ والجغرافيا والسياسة. وأنها لم تقدم طوال تاريخها شيئا عدا الدين الإسلامي الذي يقول إنه نزل من السماء ولم يكن وليد قريحة العرب.
ولأني كنت على موعد مع صابر في آخر سفرية لي نحو العاصمة، فقد قررت أن أواجهه هذه المرة متسلحا ببعض ما قرأت وما عرفت منذ آخر لقاء لنا، والذي يعود إلى أربع سنوات خلت. فدار بخلدي نوع من المونولوج لم أستطع مقاومته بين ما سأقوله وما سيقوله صابر. حوار مع الذات خلق في ذهني مزيجا بين تقديس التاريخ تارة واللعب به باسم السياسة تارة أخرى، في قراءة استعباطية ربما تنفعنا.
لا شك أنني سأقول لصابر أننا أمة الجد والعمل، عمرت الصحراء قبل أن تصنع لنفسها حضارة. لكني أعرف جوابه، سيقول: أنه منذ أن عرف هذه الأمة وهي لا تنتج غلالها ولا تضمن قوت يومها. كانت تقوم برحلتي الشتاء والصيف، ولولاهما لضربتها المجاعة أكثر من مرة. وإلى اليوم لا زال العرب يستوردون أكثر من ثلثي ما يأكلون.
سأقول لصابر ممجدا تاريخنا بأننا قهرنا الفرس والروم وأنشأنا الإمبراطورية العربية الإسلامية. وسيرد حتما أننا ما قهرنا إمبراطوريتي الفرس والروم إلا بعد أن بلغتا قمة التمدد فصنعتا أسباب التلاشي. فالمعروف عن الحضارات والإمبراطوريات أنها حين تبلغ قمة التمدد تتبدد. مثلما حدث للحضارة العربية الإسلامية وبعدها الإمبراطورية العثمانية، كلتاهما تمددت حتى بلغت حدود الصين شرقا والأندلس غربا فكان مصيرها التلاشي. وسيحدث ذات الشيء لكل حضارة تتمدد أكثر من اللازم. منها أمريكا اليوم التي تتمدد بما لها من أزيد من 100 قاعدة منتشرة عبر العالم.
واعتقدت أن صابر لن يستطيع أن يدحض حجتي حين أقول له أننا قدمنا للعالم النموذج الأمثل للحكم باعتماد نظام الشورى وهو أساس الديمقراطية الحديثة. لكني أعرف صابر سيرد قائلا: قد يكون مبدأ الشورى من اختراع امتنا، لكننا لم نطبقه إلا مرة واحدة في سقيفة بني ساعدة، ولم تتكرر الشورى ثانية. وأتحدى كل من يقول بوجود سقيفة بني ساعدة ثانية. عوض ذلك علمنا العالم فنون توريث الحكم من الأب لابنه ومن النظام النافق لأعوانه.
واعتقدت أن ما لن ينكره صابر هذه المرة هو تلك المؤلفات التي أثرينا بها الثقافة العالمية. فهي شاهدة على حضارتنا العربية. لكنني أخاف أن يقول لي أن جلها ترجمات للعلوم والفلسفات الرومانية واليونانية القديمة، وكذا المؤلفات المصرية والفارسية والبابلية. حتى القامات العلمية والطبية واللغوية التي نتباهى بها من أمثال سيبويه وابن سينا والخوارزمي والرازي والفرابي وغيرهم جلهم لا يسري الدم العربي في عروقهم.
لم يبق لي إلا أن أقول لصابر أننا نحن من اخترعنا الصفر، ذلك الرقم السحري الذي تطور بفضله علم الحساب الذي نفذ بالإنسان من أقطار السموات والأرض. وأنا أنسب للعرب اختراع الصفر عن عاطفة لا عن قناعة. فالأرجح أن العرب لم يبتكروا الصفر ولا شكله، لكنهم في المقابل رسخوا ووسعوا استعماله. لكن صابر حتى ولو جاراني في هذا الأمر ونسب الصفر للعرب فسيسأل: وماذا كانت النتيجة بعد الصفر؟ ... كانت صفرا للأسف. ملأنا التاريخ إدعاءات كاذبة. فلولا النفط الذي ضمن لنا ريعه اليوم مكانة على الخريطة الجيوسياسية العالمية لبقينا قبائل متناحرة نتقاتل على بقايا نخلة كما يقول الكاتب السوري نضال نعيسة. لا فضل لنا على التاريخ سوى بالتفجيرات الانتحارية وختان الإناث ورضاعة الكبير.
عدت من العاصمة حاملا معي هواجسي دون أن ألتقي صديقي صابر... ربما لأني لم أبذل جهدا للقائه خوفا من ألا أطيق صبرا مع منطقه الذي تلسعني كلماته فأخرج من حلبة النقاش معه صفر اليدين.
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
شكرام وبارك الله فيك
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
وفيك بركة الله
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
شكرا بارك الله فيك
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
وفيكم بركة الله
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :
وفيك بركـــــــــــــــــــة