عنوان الموضوع : إلى محبي المقامات..بقلم الأستاذ البشير بوكثير.. بيداغوجية
مقدم من طرف منتديات العندليب
* المقامة الفيسبوكيّـــــة
بقلم : البشير بوكثير رأس الوادي
حدّثنا "البشير" الفذلوك، عن عشيرته ورَبْعه في قبيلة "الفيسبوك"،مُعارضا قول جدّه "الشّنفرى" الصّعلوك حين صاح صيحةَ السّردوك:
حدّثنا "البشير" الفذلوك، عن عشيرته ورَبْعه في قبيلة "الفيسبوك"،مُعارضا قول جدّه "الشّنفرى" الصّعلوك حين صاح صيحةَ السّردوك:
أقيموا بَني أمّي صدور مطيّكم *** فإنّي إلى قومٍ سواكم لأمْيَل
بل قال:" هنا يموت قاسي ، لن أرحل عن أهلي وناسي ، ولو قطعوا راسي !
إذا نزلتَ قبيلة " سيدي مصمودي" ، ففُكَّ قيودي ، وبلّغِ السّلامَ والأمان، لفارس القرآن، وحارس الضّاد والبيان "بخليلي سليمان"، الذي طافَ بخاتمه السّحريّ معظم البلدان، فسارتْ بذكره الرّكبان، من الجزائر إلى عُمان، حتّى أجابه رجْعُ الصّدى من الشّيشان: لاتحرْمنا من الزيارة يا سليمان !
هاقد نادى المنادي : هل من مُجير أيّتها العير ؟ فأجاب الحادي : علينا بالنزول عند ضفاف هذا الغدير، لنهْنَأ بالماء الفُرات النّمير، فقد وصلنا موطن "مصمودي النّذير"، الدّاعية النّحرير، والصّحفيّ الألمعيّ القدير، الذي أحببناه صغارا، وعشقناه كبارا، لأنّه لم يكن يوما مُدْبِرا خوّارا، بل كان ولازال كاتبا أديبا، وسياسيّا أريبا، ومُحلّلا فطِنا لبيبا .
له سدادٌ في الرّأي والفكر، وبُعدٌ في المآل والنّظر، ومِراسٌ في قراءة التاريخ والعصر، فلا تجزع يا "نذير" إذا رماكَ بَـزّ غرير بالخوَر، فنحن في زمنِ تطاولِ العصفور على النّسر، بل في زمن النّفاق والاعوجاج، والاختلال والارتجاج ، والزّمنُ - كما تعلم- جزءٌ من العلاج ؟!
ولمّا تعبتِ الجِمال ، أنخْتُها بمضارب "عين آزال" التي حسدها الرّيمُ والغزال ،على الغنج والدّلال ، فقد شهدتْ مولد بطل الأبطال ، وأصلا زاكيا من معدن الرّجال ، فلم تبكِ على الأطلال ، ولم تُناجِ مضارب هوازن ،بل استفتحتْ بسورة النّصر والأنفال .
أجابني رجعُ الصّدى ، في هذي الدّيار لاتخشَ الرّدى ،على طول المدى ، فافترشتُ الحصباء وبعض الرّمال، وهنا سمعتُ هذا الموّال:
هنا مرابعُ "محمّد جربوعة"، الهامة المرفوعة، والكلمةُ الرّصاصةُ المسموعة، أشعارهُ دوما مُوشّاةٌ بالورد ومسجوعة ، فطوبى لمن اتّخذَ "الكعبيّةَ" مذهبا لامذهب " الدّعدوعة" !
وعند وصولنا مضارب قبيلة " المسيلة" ، حدّثني الراوي عن "عيّاش يحياوي"، المحترف للأدب عكسي أنا الهاوي ، الذي أنقذَ أناسا من المحن والبلاوي، حيث فتَحَ للخير بابه، وسارعَ بالإجابه، مُوقنا أنّ دعوات الأيامي واليتامى دوما مُستجابه .
ولاغرو فهو ابن الكرام، قبل أن يكون الشاعرَ الهُمام، والأديب القَمقام، الذي تركَ علاماتٍ وأَمارات، بالجزائر والإمارات .فأكرمْ بـ"لقبش" رمز النّخوة والفحولة ، الذي رضعَ حليب الطفولة في قبيلة النّشامى والمكرمات وصُنّاع الحياة !
وإذا أردتَ تحطيمَ كلّ أسطوانة مشروخة ، والتمييز بين المترديّة والمسلوخة ، أو اشتهيتَ الإدام والشّخشوخة، فعرّجْ على الشيخ "إبراهيم بودوخة"،العالم الفهّامة، والعضب القضب الصّمْصامة، الذي ينصتُ له النّاس، إذا أفتى أو أجْرى اليراعَ على القرطاس .
كُونَكْ هاني ، يا أخي " الزّيواني"، فقد حُزتَ أطيبَ المُنى وحقّقتَ جُلَّ الأماني، بعلمك لابسيفك اليماني، فلكَ منّي أحَرّ التهاني ، وقد صرتَ سفيرا "للّسانيات النّصيّة" في جاكرتا فانتحر-حسَدا- الأصفهاني ، بعدما مزّق كتاب "الأغاني" !
أوقفتُ ناقتي بمضارب "سطيف" ، بلاد الهمّة والنّيف، وجئتكم بآخر الأخبار، عن الرّمز "حكوم سرّار"، الذي أشاعَ الفرحة والإبهار، على شفاه الكبار والصّغار، فصدحتْ حناجرُ الجماهير مثل الأطيار، في ملعب النّار والانتصار، حيث حلّق بالوفاق في الآفاق، وحقّقَ الألقاب للأنصار وللعُشّاق . فكيف لاتفخر بك سطيف ولاتشتاق ، لمن أوصل صِيتها وصوتها لبلاد " الواق واق" ؟!
لكن نصيحتي لك يا "حكّوم" ، دعْ عنك الهموم، فسَتنْجَلي الغيوم، إذا لم تُصغِ لأصحاب النّميمة، والقلوب المريضة السّقيمة، ولْتَضَعِ اليد في اليد ، ولْترسمْ قُبلة على الخدّ، مع أخيك "حسان حمّار"، ليعود للوفاق بريق الانتصار، ويُغنّي الكبار والصّغار، "ياسيدي الخيّر عامر لحرار...".
ناجاني الطير وهو يبسم، يا بشير الخير تكلّمْ ولاتكتم، قصّةَ الفارس الأدهم"،إذا حللتَ ببلاد "السّامبا" فعرِّجْ عليه وسلِّم ، وإنْ لم تتكلّمْ، فلا تسخط ولاتتبرّم، بل اصغِ للنّاي الحزين، واستمتعْ بالشّعر الجزل المتين، للفتى الأمين، الذي هاجر من الوطن،ولم يهجر الطين، ولم ينسَ يوما قضيّة فلسطين.
هو مَن أصغتْ لشدْوه الطيور، وانشرحتْ لعزفِ نايِه الصّدور، وتراقصتْ لألمعيّته الحروف على السّطور،فسرى بوْحُهُ في الدّماء ممزوجا بالحبور .
أيها العازف الفنّان، ومُحرّك المشاعر والأشجان، لقد انحنى الطّير ومعه الأفنان، حين شدوتَ بأعذب الألحان، وياويلي لقد ارتجَّ على الحسّون فقرّر الصيام، عن الغناء والهيام .
يا "عليّ بختاوي" ...
لكَ أطيب المُنى، ياشاعر الهنا، لاتكثرثْ من الهمّ والعَنا، فأنتَ سفيرُنا في المهجر بل أنتَ السّنا...
يا عليّ : لاتطلِ الغياب، فيتعذّب فينا العذاب، ويصرخ في الذهاب والإياب :
وألذّ موسيقى تسرّ مسامعي ***صوتُ "البشير" بعودة الأحباب
وكيف أنسى جاري الكريم، والفتى الوسيم ، "يوسف" الأخ الحميم، كأنّه قمرٌ في ليل بهيم ؟
واصلت القافلةُ الظّعن والمسير ، في يوم عسير ، لكن ألْفيتُ الرّاحة والتيسير ، حين ألقيتُ العِطاف ،بعد وصولي مضارب "العطّاف"، فسمعتُ الرّجز الشفّاف، من مهندسِ حروفٍ هفهاف، لايعرف الابتذال والإسفاف ، إنّه سليل الأشراف وابنُ العطّاف، حبيب الملايين ، "مصطفى زياتين" ، وهو من الشّعراء الشّباب المبدعين، الذّين رفعوا لواء العروبة والإسلام في العالمين .
عفّرتُ جبيني بالثرى والطّين، لمّا وصلتُ فلسطين، وهناك أكرمَ وفادتي خيرُ ناس "إبراهيم عبّاس" ، حادي الأنفاس إلى قدس الأقداس، ورافع لواء المصالحة بين أشراف "فتح" و"حماس"، من أجل عودة الأفراح والأعراس ، إلى قدس الأقداس .
مهلا أيّها السّيّاف "مسرور"، دعني أكحّلُ مُقْلتيّ برؤية "عبد الحميد أبوجارور" ، الدّرّ المنثور ،ومُدبّج روائع الأشعار والسّطور ، التي زيّنَ بها المجالس وأثلجَ الصّدور، فتجارته مع الحرف الأصيل أبدا لن تبور، فهو نِعمَ الأستاذ، سليل الأكارم الأفذاذ، وما نحن أمام شموخه الأدبيّ سوى أصفار على الشمال أو مثل رذاذ.
أمّا "محمّد العقّاد" فهو الأسّ والعماد، ومهوى الفؤاد، وحفيد "ياسين" والرّنتيسي" و"المقداد، تربّى في غزّة ودرَج، وتضوّع من ثراها المسكَ والأرج، فحدّثْ عن بطولاته ولاحرج .
ولايمكن مغادرة فلسطين ، دون التعريج على خيمة الصالحين ، فيها يستقبلك " محمّد رمضان الآغا" إمام العارفين الواصلين، بكلام مثل الذهب واللّجين، فتهفو نفسُك إلى ملاحم "عين جالوت" و"حطّين".
وقبل أن أغادر أولى القبلتين، نطقَ السّهلُ والكثيب: إيّاك أن تنسى الفتى الحبيب "أبوجارور صهيب"، فهو من القلب قريب، رغم طراوة عوده فإنّ له كياسة وحماسة ، توشك أنْ تكنس كلّ عمالة وخيانة ونجاسة، خلّفَها "دحلان" و"عبّاسه" !
شرَدت النّوق، فوجدتني مثل الشّمقمق المسحوق، وقد مُزّق قرطاسي وكُسِرتْ دواتي،وأُطفِىء سراجي ومشكاتي ، ونُثِرتْ أدواتي، وهِمْتُ في وادي وفَلواتي، فجمَع أفكاري وأشتاتي ،الدّكتور"بشير قلاّتي".
وبعد جمع الشتات ، وقفتُ أمام خيمة "سمير شرّاد"، مُدبّج الشّذرات المُذهَّبات، ومُرسلُ الومضات اللاّمعات، والشّهُب الحارقات الخارقات ، في نحور الطّغاة، وفارس القوافي والكلمات، ومُحْرِق الحشا والنّبضات، والآهات والزّفرات، ومُروّض حَرونِ العاديات، ومُحرّض السّروج والصّهوات، كي تزدهي الحياة...
إنّه البلسمُ والتّرياق، والماء المتدفّق الرّقراق، والبؤبؤ والأحداق، والوصْل والأشواق، ومُترجمُ صَبابة العُشّاق، على الطّروس والأوراق، وساكب الدّمع المُهراق، على وجنات المُتيّمين العُشّاق، من زمن "بني عذرة" إلى زمن " طاق أعلى من طاق "...!
هو "سمير شرّاد"، بلبل الحبّ والجوى، وحشاشة الصبابة والهوى، أرّقه النّوى لمّا نوى، فاكتوى، فراح يبثّ على الدفاتر صبابة القلب وما حوى، فكان شعره بلسما ودوا، للتائهين منارة وصَوى...
كم صال وجال، وما انحرف ولا مال، لمّا تغنّى بذات الخلخال، وحتّى المِعطال، وبذات الغنج والدلال، رمزا وكناية حيث أتى بالسّحر الحلال،والماء الزّلال ...
هو "سمير شرّاد" ، نديمُ القوافي وسميرُ لغة الضّاد، يهيم بهما في كلّ واد، ويرقص على أنغامهما في كلّ ناد، ولاغرو فهو سليل أسرةِ جهاد، فهو نجْل المرحوم"عبد الحفيظ شرّاد"، مربّي الأجيال، وصانع الأبطال، ومدرسة الرجال...
فارحمِ اللهمّ "آل شرّاد" ، بما قدّموا للبلاد وللعباد، فحقّقوا الغاية والمُراد..
وعلى مرمى حجر، سطع نوره مثل القمر، وعانقني شِعره في الأصائل وفي السّحَر ،إنّه رفيق دربي ، وبُطين قلبي ، وعنوان وفائي وحُبّي " صالح هندل"، الشاعر الفذّ الأجمل، الذي تنسكبُ روحه الشاعرة على النّفس والطّلل، انسكابا آسرا على نحوٍ غير مألوف كأنّها فصائل الجُمان ، وعناقيد الورد والريحان، ألوانها زاهرة، وعطورها آسرة، وأوراقها تتندّى بهذا العبق الأصيل، لتتوشّح رداء هذا الشاعر الجميل.
وغير بعيد عن الدّيار، لاح لي طيفُ "جايز عمّار"، المدرّب المغوار، أو كما أسمّيه في الخواطروالأشعار"مورينيو رأس الوادي" بكلّ استحقاق واقتدار، فهو أحد نجوم فريق "الرّوك" منذ عهود وأعصار، فلا تترك فريقَك ياعمّار، عُرضةً للإعصار والدّمار، أكمل المشوار فسيتحقّق على يديك الصعود، وتلوح بشائر الفرح والسّعود .
راك تفهم في "التكتيك" ، مايخلعك "مورينيو" ومايجيبك مايدّيك ، ودعْكَ من أصحاب الفوخ والزّوخ والتّسرديك ، ولْيكنْ شعارك " فريق الرّوك بالرّوح أفديك".
وإذا تنفّسَ الصباح الصّبوح، وغرّد البلبلُ على الدّوح، فسَتنْتشي الرّوح، بفلسفة الدكتور"بشير ربوح"، أو كما أسمّيه "كمال المربوح"، بالفكر دوما يفوح، وبسرّك لايبوح
وربّي ايعيّشْ الفيلسوف "موسى معيرش" ، الذي حاربَ الجهل حين فرّخَ في البلاد وعشّش، وقد ملأ الدّنيا وشغلَ النّاسَ بعلمه مثل الحافظ "سليمان الأعمش "...
وهل تذكر يا دكتور نكهة الكسرة والملح، والآمال والآلام والجرح، وشذى الدّراسة والفوح ، وبراءة الطفولة والبوح ، حين عشتَ بيننا صغيرا، وفرّقتْك الأيام عنّا كبيرا ؟ وقبل أن أطفِىء سراجي، عدتُ أدراجي، وفتحتُ خزانتي وأدراجي، لأتنشّقَ بعضا من عنبر شاعرنا المعراجي "عمر بلاجي"، ثمّ كفكفتُ دموعي وأطفأتُ شموعي ، حزنا على مأساة عائلة "البلتاجي".
وفي فيافي القفار، لاحتْ لوامعُ الأفكار، وباحتْ هوامعُ الأخبار، وأحسستُ بروعة النهار، مع الصّحفيّ الألمعيّ، والشّاعر اللوذعيّ، والمفكّر الأروعي، بل الموسوعيّ الأصمعي "نذير طيّار".
ولمّا تاقتْ نفسي للرئاسة ، ووسوسَ الشيطان الرّجيم وسْواسه، نصحني عميدُ التربوييّن "محمّد الصّغيرداسه"، بأنْ أهجرَ فعلَ "يسوس" و"ساسَ" ، لأنّه لايأتي سوى بالتعاسة ويُرديني النذالة والخساسة ، ويرمي بي في سوق النّخاسة، فقبلتُ النّصيحة من شيخي "داسه" الذي جمعَ الكياسة والفراسة ونفسا شفّافةً حسّاسة.
صاح الشّنفرى يابشير ... ياعُمري ، لاتنسَ الأستاذ النّاقد "الطاهر عمري"، فهو يجول دوما في خلَدي وفكري، له حبّي وامتناني وشُكري، لوقوفه مع الحقّ، بلسان الصّدق، مع نشامى "رابعة" الذين رفضوا العبودية والرّقّ، للخسيسي وجه "البقّ".
وقد عدتُ والعود أحمد إلى فلسطين الأبيّة ، قاصدا الضفّة الغربيّة ، يمّمْتُ بقلوصي الشهباء ، إلى مرابع الأدباء الظرفاء، فانطلق في السّماء ، صوتٌ آسر ، للدكتور " عبد المجيد جابر"، نديم المحابر، وأنيس الدفاتر والقماطر، الذي تركَ أروعَ المآثر، وحافظَ على إرث "درويش" و"سميح القاسم"و"جبرا"و"طوقان" كلهم جواهر ، ونجوم نعتزّ بهم في فلسطين وفي الجزائر.
احملِ الزّاد ،ولاتبرحْ بغداد، إلاّ إذا سلّمتَ على شاعر الحبّ ، وحبيب القلب، الدكتور " فراس الدليمي" ، شاعر الغزل والهيام، والصّبابة والغرام ، الذي بزّ شدوهُ سجعَ الحمام.
بعد عودتي من بغداد ، شممتُ رائحة البلاد، فهيّأتُ راحلتي والزّاد، وقصدتُ مرابع الأجواد، حتى إذا كبا جوادي، أسعفَني الشاعر "سليمان جوّادي"، قائلا:
في قبيلتي لاتخشَ الأعادي، ياشبلَ رأس الوادي.
ولاعجب فهو الشاعر الظريف، والإنسان اللطيف، ذو الظلّ الخفيف، الأنيق الرّقيق النظيف .
قديما فُتِنَ " قيس بنُ ذريح" بليلى، وتغزّلَ "امرؤ القيس" بأمّ جندب وهي حبلى، فأقذعَ وأفحشَ ولم يحسنْ صنعا ولاقولا ؟!
بينما فُتِن "جوّادي" بذات الخلخال، وترنّم بكلّ موّال، يسبي عقول ذوات الغنج والدّلال، فأحسنَ المقال، وأجادَ نظم روائع الأشعار، في جزائر الثوّار، وهاهي البلابل والأطيار، تردّدها في الأصائل وبالأسحار، حتى دخلتْ روائعه كلّ كوخ ودار ، بعدما لحّنها وغنّاها ابن الجزائر البار، "محمّد بوليفة" صديقه المختار، عليه شآبيب الرّحمة من العزيز الغفّار.
وبعد طول مسير، عثر بي البعير، ولم أستطع اللحاق بالعير.
ولْيعذرني بقيّة الإخوان، الذين لم أذكرهم بالاسم فهم الشارة والعنوان، وأعلام القبيلة الشجعان، من شيوخ وفتيان، وصبايا ونسوان، فقد وهنت مني الأعصاب والأوتار، وتكسّرت الأزرار على الأزرار، وجفّت القريحة من الأفكار، وضعف نور الأبصار، زدْ على ذلك تعداد أفراد قبيلتي الأخيار،الذي يزيد عن الألفيْن، فهل يسرّكم أنْ أدقّ في نعشي الإسفين ؟ طبعا لا، آسفين .
وفي هذه اللحظة أقبل جدّي الشنفرى الصّعلوك، وصاح كالسردوك: لن أميل، ولن أرحل لأني سأكون شيخ قبيلة "الفيسبوك".
تمّت يوم: الأربعاء 28 أوت 2015م
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
* المقامة البدرمانيّة
* بدرمانيّة: كلمة منحوتة تتألف من كلمتين : بدر - الزّمان
بقلم: البشير بوكثير
إهداء: إلى الشاعر الألمعيّ، والفقيه الأروعيّ، والحافظ اللوذعيّ "بدر الزمان بوضياف"، أرفع هذه المقامة.
شكوتُ من المغص الشديد، بعد موقعة الكعك والثريد، و سمفونية طلب المزيد، من الكسكس والقديد،فصرتُ مثل القعيد، فتحركت الأوجاع وأرسلت لي رسائلَ الوعيد، وبرقياتِ التهديد، وخمدت الأنفاس والأسجاع وكلّ شيء سعيد، وقرْقرَ البطن بأنشز شجَن، وحل بساحتي الكمد والحزَن، واستقرّ المغصُ في الأحشاء والبدَن، وجعلها المستقرّ والسّكن، وعجزت عن الحركة ، رغم أنّ فيها كلّ البركة، فما إنْ أنهض وأقوم، حتى أتهاوى مثل جبل الجليد حين يعوم.
نقلني الأخ الحميم،وأنا سقيم، إلى المستشفى العظيم، فحصني الطبيب ، وجسّني الجرّاح الماهر اللبيب، بعد أن اشتدَّ في الحشا اللهيب وقال : مرضك مخيف رهيب، لكنّ علاجه هيّن و قريب ، فاصبرْ يا بشير فإنّ لكلّ صابرٍ محتسب نصيب.
وماهي إلا لحظات حتى كانت الحقن توخزني وخزا، وتهزني هزّا، شعرت بعدها بالكرى والنعاس، وبروعة الاسترخاء والانتشاء و الإحساس، ثم استسلمت لنوم طويل، أنساني المعاناة والويل، وكأنّي لستُ بعليل .
بعد برهة وجدتني أمام إمامِ البيان، وفقيه الزمان، "بدر الزمان"، الذي راح يرميني بالدّرر الثِّمان، ويطرّز جِيدي بالزبرجد والعِقيان، ويطعمني من روضته زيتونا ورمّان، من خميلة القريض ومملكة البيان، ويغدق عليّ من أشعاره الحِسان، كأنه طرفة أو حسّان، أو بديع الزمان، ولا غرو فهو مَنهل من مناهل البلاغة والبيان، وجهبذ من جهابذة الفصاحة والتّبيان، ومن خيرةِ أرُومَةِ قحطان.
لقد تلقّفني بالأحضان، ووضعَني في بُؤبُؤ العين وأغلق الأجفان،ونطق بأفصح لسان، وأوضح بيان، حتى خِلتني في حضرة قسّ وسحبان .
لقد أثبتَ لي بالدليل القاطع، والبرهان الساطع، أنّه فارسُ الشعرالمقدام، وقائد الطليعة الهُمام، والليثُ الضِّرغام، والسّيد القَمْقام، عاليَ الشّان ورفيع المقام،والعضْب الصّمْصام، الذي صارلي القدوة والأسوة والوِسام. ولاعجب فهو الشاعر الألمعيّ، والحافظ اللّوْذَعيّ، وجِهبذُ القراءاتِ السّميْذَعيّ، والمبدعُ الأرْوعيّ، ذو الوجه البهيّ، والخلقُ الزّكيّ، والقلبُ النقيّ الرّضِيّ.
بل هو فوق كلّ هذا السيّدالجَحْجَاح، والشّذى الفوّاح، والمسك النّضّاح، بالخير والسّماح، و السّلسبيل القَرَاح، رائد علم ووَرع ودعوةٍ وإصلاح، قلبي دوما له يرتاح ، وأطرب له كلما ترنّم وبَاح، وتضوّعَ بعنبر الشعر وفاح.
وماهي إلاّ سُويعات حتى عادت لي الروح، وشدَتْ نفسي بالبوح،كما شدا بلبلٌ على دوح، وتضمّخت بالشذى الجُرهميّ والفوح، بعدما كحّلتُ العيون برؤية هذا الناسك العابد،الورِع الزّاهد، وحمامة المساجد،الرّاكع السّاجد، للقاهر الواحد، الذّي شرّف " آل بوضياف" كما شرّف " الشيخ العربي بن التباني" قبيلة "أولاد عبد الواحد" ، لمّا حفظ المتون وأتقنَ مبادئ العقائد، فأتى بالفرائد وحازَ زبدةَ الفوائد.
كان كلامه مثل السّحر لكنّه سحرٌ حلال، مزَجه بروعة الإلقاء وحُسْن الارتجال، وعصَره في القلوب السقيمة، حتى عادت للسُّنّة القويمة.
خرجتُ من المستشفى وقد سكنت الأوجاع، وتحرّكت هذه الأسجاع، علّها تحقّق بعض المؤانسة والإمتاع، وتَفي حقَّ هذا الطود الشامخ بل هذا الشعاع .
الثلاثاء : 1 محرّم 1435هـ/5 نوفمبر 2013م.
=========
>>>> الرد الثاني :
الشّذى الفوّاح، والمسك النّضّاح
=========
>>>> الرد الثالث :
نظرا للطلبات الكثيرة من طرف بعض الزملاء لاسيما المعلّقين في جريدة الشروق أونلاين ، أعيد نشرَ المقامة المخزنيّة.
* المقامة المخزنيّة.
بقلم : البشير بوكثير رأس الوادي
قال الله تعالى:"إنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ".
حدّثنا هبنّقة الأحمق ،في وليمة أقامها الشّمقمق قال:" بعدما غادرتُ الأغواط ، وحللتُ بالرّباط ، مدينةِ العلم والتّصوّف والرّباط، وجدتُ حاشيةَ البلاط، يفترشون الدّمقس الوثير ، ويلتحفون الحرير ويتزيّنون بالحليّ والأقراط ،ويتوسّطون مائدة عليها سِماط، فسألتُ صديقي"أبا قِراط" عن هؤلاء الأرهاط ، فأخبرني أنّ اليومَ عيدُ العرش الذي تتقطّع دونه النّياط ، ويجتمع فيه كلّ منافقٍ و خلاّط، مُدمنٍ للرّكوع والخنوع لعبدٍ ضرّاط، حاد عن النّهج والسّراط (الصّراط).
بعدها يا ناس، توجّهتُ إلى مكناس، مدينة الذّهب والماس، فوجدتُ بعض الأنجاس، قد حوّلوها قبلةً للدّخلاء من شتّى الأجناس، ولاعجب يا أخي عبّاس ، فالخيانة تسري في العروق ومع الأنفاس، ولنا في مشكاة النبوّة الحكمة والنّبراس : "فإنّ العرق دسّاس" .
وبعد عودتنا إلى الرّباط، قام الشمقمق خطيبا في همّة ونشاط ، وكأنّه بالفسطاط، دون علمٍ من حاشية البلاط:" بئس القوم أنتم يا مُعتلفي الرّوازن، لقد نهب القومُ المخازن ، وزجّوا بالأحرار الأطهار في الزّنازن، وكفروا بأرومة قحطان وهوازن".
ليت شعري ... لقد زرعوا الحشيش والخشخاش،في كلّ المداشر والأحراش، وجعلوا الأشراف مع الأوباش، وقرّبوا من مجلسهم كلّ سارق حشّاش. إيه لو يعود زمن الموسطاش ...!
هم من أوهموا الرّعيّة بأنّهم سلالة ُ الفاتحين، وأصهارُ الغرّ المحجّلين ، والأمناءُ على العرش العلوي الحصين، فخدعوهم بلقب أمير المؤمنين، وفعلوا باسم الدّين ، مالم تفعله الشّياطين...
هم من نهبوا الثّروة ورهنوا الطّين، وباعوا فلسطين، وادّعوا زورا أنّهم سدنتُها في كلّ حين،وجعلوا القرآن عضين، و أعلنوا الحرب على المسلمين الصّحراويين، وهاهي السّاقية الحمراء ووادي الذهب تنزف بالحيف والأنين . بينما فتحوا مَهلكتهم –عفوا مملكتهم- للغزاة الإسبان المعتدين، وتلك قواعدهم وشواهدهم ناطقة بالحجّة واليقين.
لقد خنعوا خنوع المستكين، وتنكّروا لتاريخ أجدادهم الفاتحين ، وطمسوا من ذاكرتهم معارك بدرٍ وحطّين، ولبسوا عباءة الذّلّ و"الطْحين"،وداستهم حوافر الإسبان فجعلتهم مثل الطّحين.
لقد صاحَبوا الإسبان، وباعوا "سبتة " و"مليلية" بأبخس الأثمان، وداسوا على حقوق الإنسان ، في صحراء النّشامى الشّجعان.لقد استأسد الحَمل ، واستنوق الجمل، وبان رأس الثّعبان، ينفث سُّمّه ويتحرّش حتىّ بالجيران.لكن هيهات وشتّان...
وهنا تأوّه هبنّقة ،بعد لوعة وحرقة ، ممّا سمع عن هذه الخِرقة وقال: مارأيت في حياتي منظرا هزّ كياني، وأخرس لساني ، مثل مشهد مريع ، في هذا الرّبيع : رأيتُ القوم ساجدين كأنهم صرعى، بل هم مثل الأغنام ترعى ، رأيتُ طفلا غرّا لم يبلغ عشر سنين ، يقود أشباه آدميين، يقبلون اليد ويتمسّحون بخفيّ –حذاء-حُنين ....
رأيتُ أكابر القوم يلعقون الحذاء، ويتمسّحون بالرّداء، ويُقبّلون اليد الحمراء ، ويقدّسون العقول الخرقاء،ويركعون لبشرٍ هو والصّنم سواء ، فموتهم خير لهم من البقاء ، في زمن الجاهلية الجهلاء.
فكيف لنصف غلام ، تنحني له الرّؤوس والهام ، وتُضرَب له الأنصاب والأزلام، فهل هؤلاء حقّا أولو الحجى والأفهام؟ بل هم أضلّ من الأنعام .
لقد عادوا إلى الجاهليّة ، وتقلّبوا -كما قال جدّي الإبراهيمي- " في أرحام حنظليّة، وأصلاب باهليّة".
هم من أعطوا العهود لليهود، وتنكّروا لشِرعة محمّد وموسى وهود، وهاهي أفعالهم عليهم شهود.
ماللشّعب المغربي العتيد ، يرضى بالذلّ المبيد، ويهنأ بعيشة العبيد ؟
لقد طفتُ جميع البلدان، فما رأيتُ في هذا الزّمان مثل هذا الهوان، الذي أزرى بالإنسان ، فجعله عبدا لعدوّه الإنسان .
من يهن يسهل الهوان عليه * مالجرح بميت إيلام.
بعدها غادرتُ الرّباط، ويمّمتُ شطر الفسطاط وأنا مغتاظ حزين ، ممّا رأيتُ في مملكة أمير المؤمنين، فاستعذتُ بالله تعالى من كلّ شيطان إنسيّ لعين، استعبد شعبه المسكين ، واغتصب أرض المسلمين ، وكتَم أنفاس المعارضين ، بل أذاب أجسادهم في حمض "الأسيد" و بخار "الهيروين"، وسلْ عن "أولفقير" و"ابن بركة" يأتيك الخبر اليقين.
بعدها تنحنح الشّمقمق في المجلس ، وشقَّ جيبه كالثكلى أوكالمفلس وقال: إنّ مغرب الشّعوب المأمول ، لن يحقّقه شعبٌ مشلول، يؤمن بالغولة والغول ، في زمن البرابول .
لكنّ دوام الحال من المحال، وهاهي إرهاصات الصّيحة والزّلزال، تنذر بدكّ عروش الأنذال .
نشر في الموقع بتاريخ : الأربعاء 7 جمادى الثاني 1434هـ الموافق لـ : 2013-04-17
=========
>>>> الرد الرابع :
مشكوررر ايها البشير الهمداني
=========
>>>> الرد الخامس :
المقامة الجربوعيّـــــــــــــــة
بقلم: بشير بوكثير / رأس الوادي
- إهداء : إلى ملك الشعراء بلا جدال ولا مراء"محمد جربوعة" أهدي شبه مقامة لعلها تنصف هذه القامة أو تكون عليها علامة .
- حدّثنا البشير السّحمدي الهذياني قال :
قصدتُ "الثنايا" مهدَ التّكايا والزّوايا ، ونظرتُ من كلّ الزّوايا ، ثمّ ألقيتُ رَحلي أو بعضًا من بقايا حُشاشةٍ تسري في الحنايا ، فكانت الحكاية.
هي "عين آزال" يحسدها الرّيمُ والغزال ،على الغنج والدّلال ، فقد شهدتْ مولد بطل الأبطال ، وأصلا زاكيا من معدن الرّجال ، فلم تبكِ على الأطلال ، ولم تُناجِ مضارب هوازن ،بل استفتحتْ بسورة النّصر والأنفال.
أجابني رجعُ الصّدى ، في هذي الدّيار لاتخشَ الرّدى ،على طول المدى ، فافترشتُ الحصباء وبعض الرّمال، وأرسلتُ هذا الموّال رسالةً للأجيال:
هو" محمد جربوعة"، الهامة المرفوعة، والهمّة العالية المدفوعة، والكلمة المسموعة بل هو السّفْر والموسوعة ، يسكب دموعه ، على كلّ ثكلى وأيّمٍ مفجوعة ، ورأسٍ بالهموم مصدوعة.
هو من اتّخذ" الكعبيّـــة" مذهبا لامذهب الدّعدوعة...!
عشق ثرى الوطن ، واكتوى بنار المحن، وعزف مواويل الشّجَن، وغنّى مثلما البلبل يشدو على فنَـــن، فدفع الثّــمن، غربة الرّوح والبدن ، مستلهما حكمة اليمن، ممتشقا سيف "ابن ذي يزن".
رصّع الجواهر الثِّمان في جِيد الحِسان، واستلهم البوح من "حسّان"، فطرّز الحُلل الغوالي بالدُّرّ والعِقيان، كلَّل بها جبين الإنسان على مرّ الزمان.
جمعَ ذلاقة اللّسان، وحكمةَ لقمان، وفصاحةَ سحبان، وملكَ قوّةَ الجنان، وناصيةَ البيان والتبيان، فأكمل لوحة "حسّان" في مدح خير أرومة بني عدنان ، وغنّى لدجلية الأجفان، التّي زلزلت منه الكيان.
يمّم شطر دمشق الفيحاء، وحلب الشهباء، فرقصتْ بمقدمه الغُوطة الغنّاء، وكانت الشّــــام المستقرَّ والإيواء ، وهناك تردّد صداه في الفضاء، وسُمِع النداء :
هذه الجزائر رمتكم بشاعرِ الشعراء ، فهل تُلبُّون النّداء ، وتحضنُون زنبقةً تهوى الهواء و ترنو للخصبِ وللنّماء ؟
ولم تنكرْه شآم الشهداء ، قلعة العروبة والأيادي البيضاء، وحاضرة العلم والعلماء، ومدينة الشّعر والشّعراء ، فعرفت قدره ، وحفظتْ سِرّه ، وشدّت أزره، ووضعت عنه وزره، الذّي كاد يقصم ظهره.
لكن كان ماكان ... وهجم التّتار والعُربان ، فنحروا زهرة البلدان، وبتروا اللّهاة واللسان ، وغرزوا الرّمحَ والسّنان ،ففرح بنو صهيون والشّيطان ، وتجرّع العرب بعدها الهوان ولكن:
من يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح بميت إيلام
ياسادة يا كرام ، يا أولي النُّهى والأفهام:
إن كان جرير يغرفُ من بحر ، والفرزدقُ ينحت من صخر ، فإنّ "محمد جربوعة" ينثرُ الجُوري والــدُّر، ويسكبُ العطر وشذى الزّهر، على أديم القحط والقفَر ، فيتحوّل الشّعر والنّـثر، عقدا على الجِيد والصّدر.
وفي هذه السّاعة جاءني رهطٌ من "خزاعة" ، وبعدما ألقى مقاليد الولاء والسّمع والطاعة قال زعيمهم:
بل هو في القبائل ، من شعراء القبيلة القلائل ،وهو في الأوائل من خيرة أفخاذ " بكر بن وائل".
قد جمع الفصاحة والبيان من بني "شيبان" أو "همذان".
وأخذ القواعد ،من "عفار" و"غامد "، و تضوّع الجمال والسّجال من "بني هلال". أمّا في المناظرة والشّبَب فهو من خيرة العرب ، حتّى حسدته قبيلة " بني حرب،" وله رحم وخُويْل في" بني هُذيل" ، وعندما ترتفع الهامات وتُطرق المسامع، فهو من أشرف" بني عبد قيس" و"يافع" ، وفي الحطّــة والتّكســتيم فهو زيْنُ "بني تميم" ، ولاحسد فقد فاق شهامة "بني أسد" ، اللهمّ لاحسد.
وفي الظّل الخفيف ، والقول الظريف ،فهو فيهما من" ثقيف "حين عرفت الحقّ ، ولزمت الإيمان والصّدق.
هذه جذوره ضاربة نضِرة مثل العوسج ، تستلهم النّورَ من "الأوس والخزرج".
وهاهو "أبو تمام "يعتزل الشّعر بعدما رأى بدره ليلة التّمام ، يشدو بسجعٍ يُضاهي سجعَ الحَمام.
وهنا غمرني الفخر والحماس ، فرحتُ أخطبُ في هؤلاء النّاس، بعدما سمعتُ منهم مايُحرّك الهمم ويُحيي خامدَ الأنفاس:
قل يا جربوعة لأبي نواس ، كفّ عنك لسانك فالشّعر رُوح وأنفاس، وزبرجدٌ وماس وليس تغزّلا ماجنا بالغلمان والكاس.
وبلّغْ عني البحتري ، أنْ قد فُقتَ الجواهري ، ونافستَ السّوسن والجوري ، وضاهيتَ شدوَ الطائر الدّوري.
لقد كنتَ ظاهرةً وآية في الرّواية، حققتَ الهدف وبلغت المقصد والغاية ، فـ"خيول الشّوق"، تلمع كالبرق، وتبلغ الشّرق ، فيزكّيها "القرني" بلسان الصّدق ، بعد أنْ حزتَ فيها قصبَ السّبق.
وفي القريض ، جرعاتك بلسمٌ لكل ملتاع مريض، لايصلح معها نقد ولاتقريض ، لأنها وُلدتْ من رحم التّهميش والتّحريض.
وفي السّياسة ، ملكتَ الحصافة والكياسة ، فأسّستَ الجزائر البيضاء ، لنهضةٍ كانت ستبلغ الفضاء ، وتناطح الجوزاء في العلياء، وطّدتَ أركانها وجعلتَ عنوانها " بناء الإنسان قبل الجدران" ، مستمدا من آي القرآن الشّعار والعنوان.
لكن الدّخلاء من الدهماء ، لم يؤرقهم مثلك ليل الأمة الطويل ، فوأدوا الحلم الجميل، ونحروا البلبل الأصيل، واستحبّوا الهوان على العيش النبيل ، ونسوا أنّ من يخطب المعالي ، يدفع مَهْرَ أرقِ الليالي.
هيهات لايجود الزّمان بمثله *** إنّ الزّمان بمثله لبخيل
وماهي إلاّ لحظات حتّى غلبني الكرى والنّعاس، فطويتُ القرطاس، وتعوّذتُ من الوسواس الخنّاس ،وأسلمتُ أمري وحالي لربّ النّاس.
=========
* المقامة الموندياليّة-البرازيليّة
بقلم: البشير بوكثير
-توطئة: رغم أنّي لاأؤمن بفتنة الجلد المنفوخ، التي تركت الأمّة مثل ثور مسلوخ ، إلاّ أنّ إخوة كِراما طالبوني منذ أسبوع وبإلحاح شديد بكتابة مقامة حول منتخبنا الوطنيّ هديّةً لتأهّله لمونديال البرازيل، فما كان منّي سوى تلبية هذه الرّغبة المشروعة حفاظا على الودّ القديم، ومشاركة لهذا الشعب العظيم ، فرحته العارمة ، وثورته الكرويّة الدّاهمة . فخربشتُ هذه الكلمات المهلهلات ، ولْيعذرني القارىء الكريم على ركاكة الأسلوب وذلك راجع لاعتلال في صحّتي ، وفتورٍ في همّتي . ولعلّها ستكون آخرَ مقامة تخطّها يُمناي .
حدّثنا الشنفرى ، زند الورى ، قال:
بعدما وضعتُ عصا التّرحال ، يمّمتُ شطر جزائر الأبطال، ور كبتُ من أجلها الأهوال، كي أحقّق الآمال ، في رؤية " الأفناك" مُتأهلين للمونديال ، ببلاد الصّامبا بلد الجمال والفوتبول والسّحر والدّلال.
وجدتُ المنتخب، مثل عجوزٍ دردبيس تنتحب، قد لفّها الهُزال، وصارت في أسوإ حال، بعدما أدمنت البكاء على الأطلال، وأراقت العبَرات الهِطال، على ملحمة "خيخون "التي مازالت راسخة في البال.
قلت : يا أولاد لالجيري، يامن قهرتم ديغول ولافيجري، دعكم من البكاء على الأطلال، والعيش في الخيال، ولْنبدأ ملحمة الأبطال، لنكون "روّاد أعمال، لاماضغي أقوال"، كما قال شيخكم الإبراهيمي صاحب الكرامات و الأفضال.
فهذه النجمة الحمراء ومعها الهلال، لن يأفلا مادام في الجزائر رجال، يحملون على كواهلهم ماتنوء بحمله الجبال، وما تتقطع له نياط الجِمال.
وإذْ أنا أعلنُ النفير، وأسخّن البندير، وأشحذ همّة المهيض الكسير، حتى بادرني شابٌ خلاّط، يتزيّن بالقلادة والأقراط، كأنّه من زمرة "الأرهاط"، الذين حادوا عن النّهج والصّراط (السّراط) !، وصاح بوقاحة وسوء انضباط :
هل تعرف الفوتبول، أيها الصّعلوك المهبول ؟
أجبته : أيها المخبول، نحن الصعاليك نركض مثل الخيول، ونداعب الأسنة والحِراب، مثلما تداعبون الجلد المنفوخ وتنُشّون الذّباب !
لقد جئتكم ورهطي الصّعاليك زائرين ، ولبلدكم مُؤيّدين ومناصرين، فلماذا تقابلنا أيّها البدين بهذا الحقد الدّفين ؟
طأطأ الرأس وقال: حقّك عليّ يا جدي الشنفرى، قل للورى: نحن أبناء نوفمبر لن نُهزم في شهر نوفمبر، لأنّنا قهرنا العدوّ الأشِر، وأذقناه الموت الزؤام العسِر. انسَ الأمرَ وهيّا للاحتفال، بتأهلنا للمونديال، وستكون في طليعة الكرنفال ، يا أجمل صعلوك عرفته الأجيال !
امتطيتُ فرسي الجموح، وناديتُ تأبّط شرّا الفتى الطموح، بعدما عادت لي الرّوح، وتقدّمنا الصّفوف، وكأنّنا سنلاقي المنايا والحتوف، فاستقبلتنا النّسوة بالزّغاريد، في هذا اليوم النوفمبريّ السّعيد . وهنا أرسلتُ آخر سهم في الكنانة، وأنا أنشد هذه الأبيات الطّنّانة ، لشاعر الثورة الضرغام، "مفدي زكرياء" فارس القريض الهُمام:
هذا (نوفمبـرُ)، قـمْ وحـيّ المِدفـعـا *واذكرْ جهـادَكَ والسنيـنَ الأربعـا
واقـرأْ كتـابَـكَ، لـلأنـام مُفـصَّــــــــلاً * تقـرأْ بـه الدنيـا الحديـثَ الأَروعـا
واصـدعْ بثورتـكَ الزمـانَ وأهـلَـــــــهُ * واقرعْ بدولتك الـورى، و(المجمعـا)
واعقـدْ لحقِّـك، فـي الملاحـم نـدوةً *يقف الزمـان بهـا خطيبـاً مِصْقَعـا
وقُلِ: الجزائر ، واصغِ إنْ ذُكِرَ اسمُها *تجـد الجبابـرَ.. ساجديـنَ ورُكَّـعـا
الثلاثاء : 19 نوفمبر 2013م
مشكور أخي ....................
شكرااا لـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك
مشكووووووووووووور
* المقامة المانديليّة
بقلم : البشير بوكثير رأس الوادي
إهداء: إلى روح الزّعيم الإفريقي" نيلسون مانديلا" ، مُحطّم نظام "الأبارتيد" ، ورمز الحريّة والتحرّر، أرفع هذه الكلمات المُهلهلات ، في زمن القهر والعبوديّة والانقلابات.
تململتْ حمامةُ السّلام، وغَرْغَرتْ يمامةُ المصالحة والوئام، فانتحبَ الشّحرور على الأفنان، وبكى النايُ الحزين على الأوزان، لمّا خبا صوتُ المحرومين يرثي الحرمان ، في رمز "مانديلا" القائد والإنسان.
يا "مانديلا" يا رمز الإباء، قفْ شامخا كما عرفناك في الهيجاء، بجَلَدٍ وصبرٍ ومَضاء، ساخرا بأعداء الحياة أنصار "الأبارتيد" والفَناء.
فقَدوا الشّعور، فوَأدوا العصفور، ونحَروا الزّهور، ونسُوا أنّ الدّنيا تدور، ويسجّل التاريخُ أبهى السّطور، في سِفْر الأسد الهصور، والثائر الجَسور ، الذي هجرَ القصور، وآثرَ سجونَ الأحرار وهو فَخور.
عرفَتْك أرضُ الجزائر، المناضلَ الثائر، والفدائيّ المكافح المثابر، لتحرير شعبٍ يرنو للمجد والمفاخر ، فأكرمْ بقلعة الثوّار، جزائر الأحرار، مَنْ دخَلها فهو من المؤمنين الأطهار، ومن عاداها فهو من رهط الكفّار، قدْ لفَّ على جِيده حبل الانتحار!
درستَ القانون، ولم تعزف على "القانون" ، بل دبّجتَ أسطورةَ "أسد السّجون"، وأقسمتَ ألاّ تخون، قضيّة شعبٍ أرادوا له العبودية والمَنون، فشققْتَ السّبخَ وأينعتَ كالبرعم الغضّ الحنون ، يعزف في سكون: حريّة الأوطان، مهْرُها الدّم ودمع العيون.
لم تعرف تجهّما ولا عبوسا ، يابنَ قبيلة "كوسا" ، خضتَ سِلميّا حربا ضروسا ، كي لايحيا شعبك ذليلا متعوسا ،في الأغلال محبوسا .
سُجنتَ في جزيرة " آيلاند روبن" ، دعْك من "آريين روبن" ، فذاك أغواه الجلد المنفوخ، ووَهج الشمروخ ، بينما هواكَ ومُناكَ ترميم الشروخ. فهل وعيتَ المغزى يا شخشوخ ؟
قلبك بالتحرّر ينبض ويفور، ودمعك للسلام مهراق ٌ يمور ، سلْ سجن" بوسمور"، وردّدْ يا سجنَ "فيكتور": الأسد الهصور، والضرغام الجَسور، لن يخون ولن يخور .
هل أتاك نبأ " دي كليرك"، وعصابة الأبارتيد في السيرك، أوْغلوا في البطش والإبادة والفتْك ، فوقعوا في الفخّ والشّرَك، وانتصر الدّم على سيف الجلاّد، وحلّق الحمام وعاد، لقيادة سرب الأحرار في تلك البلاد ؟!
ستبكيك الجزائرُ أيّها الفقيد ، وسترثيك أيّها الضّرغامُ العتيد، لأنّك أهديتَ الجسدَ والرّوح، عبَقا للثّوار يفوح ، وهاهي حمامة السلام تحوم وتلوح ، وبحُبّك لاتكتم بل تبوح ، بما قاله شاعرُ الرّوح :
وجدتُكَ أعطيتَ الشجاعةَ حقّها * غداةَ لقيتَ الموتَ غيرَ هَيوبِ
* خواطر كئيبة لأمّتي الحبيبة ...
بقلم: بدر الزّمان بوضياف
- توطئة: هي آهات وزفرات أرسلها الأخ الكريم، والصديق الحميم، الشاعر اللبيب، والأديب الأريب "بدر الزّمان بوضياف" علّها تحيي الموات، وتجمع بعضاً من شتات .إليكموها :
-خواطر كئيبة ، لأمّي الحبيبة ...
أمِّي اسْتَفِيقِي، فَمَا هَذَا الُّسبَات
كَمْ طَاَل لَيْلُكِ، وَأَثْخَنَ فِيِكِ الْبُغَاة
قَتْلًا، وَنَهْبًا ،وَحَظْرًا لِلْحَيَاة
وَاغْتِيَالًا ِللْأمَلِ، وَمُبَارَكَةً لِلْعُصَاة
اُمَّاهُ مَا لِأبْنَائِكِ قَدْ صَمَتُواْ؟
وَرَضُوا بِالْقَهْرِ وَالذُّلِّ، وَتَشَتَّتُواْ
سَمِعُوا أنَّاتَكِ مِثْلِي وَمَا الْتَفَتُواْ
أسْلَمُوكِ لِجَلَّادِيكِ ،وَلَمْ يَأبَهُواْ
وَتَشَيْطَنَ بَعْضُهُمْ خُرْسًا وَلَمْ يَتَفَوَّهُواْ
لَعَقُوا السُّؤْرِ، وَمَا عَافُواْ ، وَلَا كَرِهُواْ
لَكِّننَّي أرْقُبُ حَالَكِ دَوْمًا بِقَلْبٍ كَئِيبْ
تَجَرَّعْتِ كُؤُوَسَ الظُّلْمِ بِأيْدِي الْقَرِيبْ
وَلَمْ تُرْحَمِي، لَا مِنْ عَدُوٍّ غَاصِبٍ، أوِ ابْنٍ حَبِيبْ
أكَلُوا زَادَكِ، وَاسْتَبَاحُوا عِرْضَكِ ،وَأبْكَوْا الشَّيْخَ وَالَّرضِيعْ
جَاهَرُوا فِيكِ باِلرَّذِيلَةِ و الشَّنِيعْ
نَهَشُوا لَحْمَكِ ،وَهَشَّمُوا عَظْمَكِ ،وَعَرَضُوِكِ لِلْمَبيعْ
هَانَ فِيكِ الرَّفِيعُ ،وَطَغَى وَسَادَ الْوَضِيعْ
أنْهَكَتْكِ لَيَالِي الشِّتَاء،
وَتَسَاءَلْتُ فِي لَهْفَةٍ ،تُرَى هَلْ يَحِينُ الرَّبيعْ ؟
مَتَى سَيَحُلُّ الرَّبِيع ؟
مَتَى سَيَحُلُّ الرَّبِيع ؟
مبروك عليك يا كاتب المقامات الرحلة الى البرازيل
* المقامة الأبو القاسعديّة
بقلم: البشير بوكثير / رأس الوادي
-الأبو القاسعدية : كلمة منحوتة تتكون من كلمتين : أبو القاسم - سعد الله .
إهداء: إلى روح شيخ المؤرخين، وعميد الباحثين الدكتور "أبو القاسم سعد الله" -رحمه الله تعالى-،أرفع هذه الكلمات العَجْلى ...
اليوم غيّبَ الرّدى ، نجما وفرقدا، كان سُمّا زعافا في نحور العدى، وبلسما شافيا لمن في قلبه صدا ، وبلبلا غريدا على دوح التنوير قد شدا.
هو شيخ المؤرخين، وعميد الباحثين، ورائد الأكاديميين، وقدوة المحققين. عرفتْه المنابرُ العلميّة مؤرّخا مُحقّقا، و الجامعات والمعاهد مُترجما مُدقِّقا، و المنتديات الإبداعيّة أديبا وشاعرا مُنمِّقا، وناقدا مُجيدا كالسلسبيل مُتدفّقا، وخطيبا مصقعا مُترقرقا.
وضع لتاريخنا السّياسي والثقافي الأساس، وكساه بأبهى لباس، فملأ بنفائسه الدنيا وشغل الناس.
سِجلّه في التأريخ مشهود، وذكره بين طلابه ومُريديه محمود، وعلمه راسخ بلواء الحقّ دوما معقود، و كلّ الناس على ما أقول شهود، سوى رهطٍ حقود جحود حسود، لا يعترف بالجهود إلاّ إذا جاءت من الأمّ "فافا" أو عصابة "اليهود"!
بيّنَ الحقيقة ، وكشفَ الزيف بأيسر طريقة، فشدتْ بعلمه الأطيار، وتضوّعت بذكره الأزهار، ماخيّمَ ليلٌ أو طلع نهار، فكان جديرا بمملكة الأفكار، بكلّ استحقاق و جدارة و اقتدار.
أخذ من كلّ علم بطرف، فطرّز أجمل التحّف، روائع تبقى للخلف، تروي مآثرَ السّلف ، في زمن الرداءة والتّلف.
أتقنَ لغة شكسبير، وهو فتى صغير، كما أتقن لغة موليير ، لكنّه لم يذب في لغة باريس، بل عاش منافحا عن إرث ابن باديس، ولاغرو فهو خرّيج ُجمعية العلماء، وتلميذ ُسادتنا الأطهار النّجباء، فقد تركَ في "البصائر"، أروع المآثر، باسم مستعار ، جعله الرمز والشعار، "الناقد الصغير"، الذي بزّ وهو في العشرين، أساطين الفكر والأدب وعلماء الدّين.
رحلَ الموسوعيّ المتواضع، والبدر المنير الساطع، والقلم الباسق الماتع، لكن يبقى ذكره في الورى ذائع، وفكره بين الأجيال شائع. ولْيعذرني الأحباب ، على الاقتضاب، لأنّ القريحة جفّت، والعلّة في جسدي استشرت وتفشّت، سائلا قبول الأعمال، ورحمة العزيز المتعال.
السبت: 14 ديسمبر 2013م